الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مفهوم الحرب والسلم في الإسلام
إن من حق الدين الإسلامي أن يتحرك ابتداء في كل اتجاه، وأن ينساح في الأرض متى وجد إلى ذلك سبيلا، فهذا الدين ليس رسالة خاصة بالعرب، بل إنه دين للإنسان أينما وجد في المكان والزمان، فالله عز وجل ليس ربًا للعرب وحدهم، ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإٍسلامية وحدهم بل هو (رب العالمين) وهذا الدين أراد الله به أن يرد العالمين إلى ربهم وأن ينتزعهم من العبودية لغير الله، إن الإسلام ليس مجرد عقيدة، حتى يقنع الناس بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان، إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس وإخراجهم من عبودية العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل جميع الأنظمة الطاغية والتجمعات الكافرة بوصفها من معوقات إبلاغ الدعوة للناس وليحرر بإزالتها الأفراد من التأثيرات الفاسدة، التي تقيد حرية الاختيار لدى الأفراد، وتحجب عنهم رؤية النور الإلهي، وإلا فإن الله عز وجل قد قرر مبدأ (لا إكراه في الدين)
…
أي لا إكراه على اعتناق العقيدة، ولكن متى
يكون ذلك؟ يكون ذلك إذا خرج العباد من سلطان العبيد، إلى سلطان الله وإذا خرجوا من ظلم المناهج الكافرة إلى عدالة الإسلام، وإذا استقى الناس من نبع الإسلام الصافي بدلاً من كدر الجاهلية، وبعبارة أدق إذا كان الدين كله لله، أما أن تتأصل مناهج الكفر والضلال في الأرض وتعلو راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويصل الخطر إلى أن يُغْزَى المسلمون في عقر دارهم وتستباح مقدساتهم وتسلب منهم أموالهم وديارهم، وينشر الكفر بينهم بوسائل إعلامهم، ومناهج تعليمهم، ومع ذلك نرى ونسمع من يدعو إلى ترك الجهاد ومسالمة أعداء الله فهذا مخالف لمنهج الإسلام. إن الإسلام ليس مجرد مجموعة من النصوص الكلامية، أو جملة من المناسك والشعائر التعبدية. كما يفهم معظم الناس في هذه الأيام عندما يسمعون كلمة (دين) يتبادر إلى ذهنهم أن ذلك محصور في الصلاة والصيام والزكاة والحج فقط.
والحق أن الدين الإسلامي نظام كامل يحكم حياة الفرد والجماعة والدولة والعالم أجمع، ومن ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، والجهاد في الإسلام يعني القضاء على سائر النظم الباطلة الجائرة في العالم، وأن يقطع دابرها، ويمحوا آثارها من الوجود، ويستبدل الناس عن تلك الأنظمة الجاهلية بنظام صالح مصلح للحياة، يرى أنه خير للإنسانية جمعاء من النظم الأخرى، وقد أثبت التطبيق العملي عبر التاريخ كله أن الإسلام هو النظام الصالح المصلح للحياة الذي يحمي البشرية من أدواء الشر والطغيان، وإن فيه سعادة البشرية في العاجلة والآجلة (1)، في الوقت الذي ظهرت فيه ضحالة الأنظمة الرأسمالية والشيوعية بين الإفراط والتفريط. إن أمة الإسلام أمة دعوة وجهاد، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وما يفهمه البعض أو يحتج به البعض الآخر من وجود نصوص قرآنية تدعو إلى مسالمة الكفار وعدم قتال من لم يقاتل منهم، والأمر بالعفو والصفح عن الكفار
(1) انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب م3 ج9 ص756 - 759.
فنقول إن هذه النصوص قد ورد من الآيات ما خصصها أو نسخ حكمها فاقرأ إن شئت من أول سورة التوبة إلى نهاية الآية الثامنة والعشرين منها، تجد تحديدًا دقيقًا لطبيعة العلاقة مع الكفار، وهذا المقطع من تلك السورة من آخر ما نزل من القرآن الكريم حيث نزلت تلك الآيات في نهاية السنة التاسعة من الهجرة (1).
أما الكف عن القتال في مكة فهو لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة الأمد.
وهناك سبب آخر وهو أن حرية الدعوة وحرية إبلاغها للناس كانت مكفولة بحماية بني هاشم، حيث كان أبو طالب يحمي ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شر أعدائه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصدع بالدعوة، ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب، ولم يكن هناك سلطة سياسية منظمة وأجهزة بوليسية تمنع من الدعوة، أو تمنع الأفراد من سماعها، ومن ثم فلا يجوز اتخاذ تلك الفترة، حجة في ترك الجهاد ومسالمة الكفار، أو موادعتهم لأن قياس واقع المسلمين في العصور المتأخرة على تلك الفترة في مثل هذا الوجه أمر لا تتوفر فيه شروط القياس الصحيح.
إن من البديهيات التي يجب أن يدركها كل مسلم أن الكفار لم ولن يسالموا المسلمين أبدًا، وإن وجد شيء من ذلك نادرًا، فهو لا يصدر عن رغبة حقيقية في مسالمة الإسلام ومهادنة المسلمين، وإنما يكون نتيجة اضطرار واقعي إلى حين، وإلا فإنه متى شعرت قوى الكفر والضلال أن المعسكر الإسلامي في ضائقة تهدد وجوده، أو على الأقل تجعل الانقضاض عليه مأمون العاقبة في حقهم انقضوا عليه ومزقوه إربًا وهذا ما حصل للمسلمين في الأندلس فقد روى المقري أنه في ربيع الأول سنة (897هـ)
(1) انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب م4 ج10 ص82.
اصطلح النصارى مع المسلمين ووقع معهم المسلمون شروط الصلح وكانت سبعة وستين شرطًا منها ما يلي:
1 -
تأمين حياة جميع الأفراد المسلمين وتركهم في أماكن سكناهم.
2 -
عدم التعدي على الممتلكات المنقولة وغير المنقولة.
3 -
إبقاء المساجد على ما هي عليه، وأن لا يدخل اليهود والنصارى بيت مسلم.
4 -
لا يولى على المسلمين نصراني ولا يهودي، وأن يفك جميع أسرى المسلمين.
5 -
أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره.
6 -
أن لا يقهر من أسلم بالعودة إلى الكفر قهرًا حسيًا أو معنويًا.
7 -
أن توفر الحماية للمسلم على نفسه وماله وعرضه.
وغير ذلك من الشروط:
ثم عقب المقري (1) على ذلك بقوله: «ولكن الأسبانيين نكثوا العهد وخانوا الوعد والاتفاق، ونقضوا الشروط كلها» (2). اهـ.
فهم قد حملوا على البقية الباقية من المسلمين إلى الفرار إلى شمال أفريقيا، والبعض منهم تنصر، والأغلب منهم قتل في حملات التفتيش التي قامت بها النصارى للقضاء على المسلمين، فلم تأت سنة (904هـ) إلا وقد
(1) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي اليعيش بن محمد المالكي، الأشعري، التلمساني، نزيل فاس، ثم القاهرة، المشهور بالمقري (أبو العباس، شهاب الدين) مؤرخ، أديب ولد في تلمسان، سنة 992هـ - وتوفي بالقاهرة سنة (1042هـ) في جمادي الآخرة. من تصانيفه الكثيرة نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، فتح المتعال في وصف النعال. نعال النبي صلى الله عليه وسلم، أزهار الرياض في أخبار عياض، روض الآس العاطر الأنفاس في ذكر من لقيتهم من أعلام مراكش وفاس، والبدأة والنشأة في النظم والأدب.
انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحاله ج2 ص78.
(2)
انظر نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب م4 ص525 - 528.
جف أثر المسلمين من الأندلس وعفى عليه الدهر بعد ثمانية قرون من الاستقرار (1) ويقول المؤرخ الأسباني باللستر: «إن النصارى أخذوا يظلمون المغلوبين من المسلمين ويضايقونهم في دينهم بوسائل العنف والقسوة حتى اضطر كثير منهم إلى الهجرة من أسبانية ولم يبق بالأندلس سوى عرب متنصرين ينعتونهم بنصارى الظاهر لا نصارى الباطن ثم اضطر الباقي إلى الجلاء أو التنصر» (2). اهـ.
وهذه حقيقة يجب أن يفهمها كل من ينتمي إلى الإسلام، أنه لا سلم ولا سلام بين الكفر والإسلام قال تعالى:(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)(3) ونحن نرى مصداق ذلك أمامنا اليوم فالفتوحات الإسلامية قد توقفت منذ عشرة قرون تقريبًا أو أكثر، ومع ذلك فإن أعداء الإسلام طيلة هذه المدة وهم يحاربون الإسلام والمسلمين ابتداء من الحروب الصليبية ثم الاستعمار والاحتلال، ولا تزال بلاد المسلمين تكتوي بنار الكفار في صورة مباشرة كما هو حاصل في فلسطين وأفغانستان والفلببين وايريتريا وبصورة غير مباشرة كما هو الشأن في معظم الأقطار الإسلامية، حيث يقوم سماسرة اليهود والنصارى، وعبيد ماركوس اليهودي وميشيل عفلق الصليبي بخدمة أهل الكفر على اختلاف أنواعهم وذلك بتتبع طلائع حزب الله المؤمن والفتك بهم في كل مكان من العالم، رغم أن وضع المسلمين في العصر الحاضر لا يشكل خطرًا مؤثرًا على وجود الكفار وحياتهم.
ولكنها العداوة المتأصلة التي لا يرضيها إلا فناء الإسلام والمسلمين قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(4)
(1) انظر العلاقات الدولية في الإسلام. د/ كامل سلامة الدقس ص322 - 324. وانظر أبيدوا الإسلام دمروا أهله/ جلال العالم ص8 - 24.
(2)
انظر العلاقات الدولية في الإسلام. د/ كامل سلامة الدقس ص323.
(3)
سورة البقرة آية (217).
(4)
سورة البقرة آية (120).
فصفة العداوة أصيلة فيهم، تبدأ من نقطة كراهيتهم للإسلام ذاته، مرورًا بصدهم عنه، وينتهي بهم الأمر إلى الوقوف في وجهه، وتربصهم بالمؤمنين الدوائر، فهم عندما يتمكنون من المسلمين يفتكون بهم بلا شفقة ولا رحمة، لأن الرحمة لا تعرف إلى قلوبهم سبيلاً، ولا يمنعهم عهد ولا وعد ولا يتحرجون من مذمة، أو قطع مودة قال تعالى:(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)(1).
ولذلك أمر الله بقتالهم في قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(2) ولكن أكثر الذين يكتبون عن العلاقات الدولية في الإسلام، يهولهم ويتعاظمهم أن يكون الأمر الإلهي هكذا، وأن تكون هذه هي الأحكام النهائية في الإسلام فأجهدوا أنفسهم بتلمس القيود للنصوص المطلقة والأخيرة، من خلال بعض النصوص المرحلية التي نزلت في أول الدعوة.
إن الذين يحاولون تمييع موقف الإسلام في الجهاد، إنما يفعلون ذلك لأنهم يواجهون هجومًا صليبيًا منظمًا لئيمًا ماكرًا خبيثًا يقول لهم: إن العقيدة الإسلامية قد انتشرت بالسيف، وإن الجهاد كان لإكراه الناس قسرًا على الدخول في العقيدة الإسلامية وانتهاك حرمة حرية الاعتقاد عند الآخرين.
والمسألة بهذا المفهوم غير مستساغة، لو كان الأمر كذلك، لكن الحقيقة أن الإسلام يقوم على قاعدة (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(3) ولذلك انطلق بالسيف مجاهدًا ليوفر للناس الضمان الحقيقي لحرية الاعتقاد، وليحطم الأنظمة التي تكره الناس على الباطل وتمنع وصول الحق إليهم، ليبقى الناس أحرارًا في اختيار العقيدة التي يريدونها، إن شاءوا
(1) سورة التوبة آية (10).
(2)
سورة التوبة آية (29).
(3)
سورة البقرة آية (256).
دخلوا في الإسلام فكان لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، وكانوا إخوانًا في الدين للمنتمين إلى الإسلام، وإن شاءوا بقوا على عقائدهم وأدوا الجزية، إعلانًا عن استسلامهم في انطلاق الدعوة الإسلامية بينهم بلا مقاومة، ومشاركة منهم في نفقات الدولة المسلمة التي تحميهم من اعتداء المعتدين عليهم، وتكفل لهم الحقوق العامة في ظل منهج الإسلام.
إن الإسلام لم يكره فردًا على تغيير عقيدته، كما فعلت الصليبية على مدار التاريخ في الأندلس قديمًا وزنجبار حديثًا، لتكرههم على التنصر وأحيانًا لا تقبل منهم حتى التنصر فتبيدهم لأنهم مسلمون (1).
إن دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم وصلتهم والعدل معهم والإحسان إليهم شيء مطلوب من المسلم ولكنه يختلف عن الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة. فالمسلم يعطي خالص محبته ومودته ومناصرته لله ثم لرسوله ثم للمؤمنين بهذا الدين، ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى هؤلاء أو يزاحمهم أحد من الكفار في صفة من تلك الصفات، أما تعامله مع الكفار، فالكفار يعاملهم المسلم على أنهم أحد نوعين:
الأول: كفار محاربون. وهؤلاء لا يجوز معهم أي نوع من أنواع البر والصلة والإحسان ما دام أنهم يعلنون حالة الحرب لله ولرسوله وللمؤمنين (2) إلا إذا رأى المسلم فردًا أو جماعة أن البر بهم والصلة لهم والإحسان إليهم سبب قوي في دعوتهم واستمالتهم إلى الإسلام فهذه حالة استثنائية تقدر بقدرها.
(1) انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب ص81 – 112، وص115، 135، وص149 – 152، وص169 – 185 من المجلد الثالث الجزء العاشر.
(2)
انظر فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز على هذا الموضوع في مجلة الدعوة السعودية عدد (823) في 11/ 2/402 هـ ص19.
الثاني: الكفار المسالمون، وهم الكفار المستأمنون – والكفار من أهل الذمة والكفار المحايدون، فهؤلاء يجوز لنا أن نقدم لهم من البر والصلة والإحسان ما لا يجوز مع غيرهم من المحاربين، وسوف نتناول المعاملة التفصيلية مع هؤلاء وأولئك في مبحث لاحق إن شاء الله، وحسبنا أن نشير إلى قوله تعالى:(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(1) فقد سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن هذه الآية فأجاب:
«إن هذا إخبار من الله جل ذكره لعباده المؤمنين بأنه لم ينههم عن البر والعدل والإنصاف في معاملة أي كافر كان من أهل الملل إذا كان لم يقاتل
المسلمين في الدين ولم يخرجهم من ديارهم، إذ العدل والإحسان والإنصاف مطلوب محبوب شرعًا، ولذا علل الحكم بقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وأما قوله (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي لا ينهاكم عن بر وصلة من لم يقاتل في الدين» (2). اهـ.
وقد اختلف علماء التفسير هل الآية محكمة أو منسوخة على أقوال: هي:
1 -
قال ابن زيد (3) وقتادة (4) ونقل عن ابن شهاب (5) الخفاجي أن هذه الآية
(1) سورة الممتحنة آية (8).
(2)
انظر الدرر السنية ج10 ص183 - 184
(3)
هو عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم. فقيه، محدث، مفسر. توفي في أول خلافة هارون الرشيد. له من الكتب الناسخ والمنسوخ، والتفسير انظر معجم المؤلفين ج5 ص138.
(4)
هو قتادة بن دعامة بن عرنين بن عمرو بن ربيعة السدوسي، البصري (أبو الخطاب) ولد سنة (60هـ) وتوفي سنة (117هـ). مفسر من آثاره: تفسير القرآن. انظر معجم المؤلفين ج8 ص127.
(5)
هو أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي – المعروف بشهاب البصري الحنفي ولد بالقرب من القاهرة حوالي عام (979هـ) وتعلم على يد علماء بلده ثم رحل إلى الحجاز وأدى فريضة الحج والتقى بكثير من علماء مكة والمدينة، ثم رحل إلى الأستانة فالتقى فيها بعدد من العلماء، ثم عين قاضيًا في عهد السلطان مراد، ثم انتقل إلى قضاء القاهرة وتوفي بها سنة (1069هـ) وله من المصنفات: شرح على تفسير البيضاوي سماه (عناية القاضي) وله كتابان من كتب السيرة وله غير ذلك من المؤلفات.
انظر معجم المؤلفين/ عمر رضان كحالة ج2 ص 138، وانظر دائرة المعارف الإسلامية ج 8ص 396 - 399.
منسوخة بآية القتال في سورة براءة بقوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(1) وبغيرها من آيات القتال (2).
2 -
قال جماعة من أهل التفسير إن الآية أباحت صلة النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل فإذن الله ببرهم، وقالوا هي محكمة، واحتجوا بأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تصل أمها (قتيلة) حين قدمت عليها وهي مشركة؟ قال:«نعم» . أخرجه البخاري ومسلم (3).
3 -
وقال مجاهد المراد بهذه الآية هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا فأذن الله ببرهم والإحسان إليهم (4).
4 -
قال جماعة من المفسرين: هذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، ودليل على جواز برهم، وإن كانت الموالاة لهم منقطعة (5).
ويقول محمد بن جرير الطبري: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال:
(1) سورة التوبة آية (5).
(2)
انظر زاد المسير في علم التفسير/ عبد الرحمن بن الجوزي ج8 ص237.
وانظر تفسير القرطبي ج18 ص59 - 60 وانظر تفسير الطبري ج28، ص43.
وانظر أحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1773 وانظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص437، وانظر تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس ج4 ص139 - 140.
(3)
انظر المصادر المتقدمة نفس المكان وانظر زيادة في ذلك مختصر تفسير ابن كثير/ محمد علي الصابوني ج3 ص484.
(4)
انظر جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ج28 ص43، وانظر تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس ج4 ص139، 140.
(5)
المصادر السابقة مع زيادة تفسير ابن سعدي ج7 ص356، وفتح القدير للشوكاني ج5 ص213.
أن المراد بالآية جميع الأصناف ممن لم يقاتل المسلمين، إذا لم يكن في برهم والإحسان إليهم دلالة لأهل الحرب على عورات أهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح (1). اهـ.
وعلى هذا يترجح القول لدي بعدم النسخ في الآية لوجوه هي:
1 -
إن الجمع بينها وبين آية القتال ممكن غير متعذر، ودعوى النسخ يصار إليها عند تعذر الجمع، وعدم إمكان الجمع إن دل عليه دليل.
2 -
إن السنة متظاهرة بطلب الإحسان والعدل مطلقًا ولا قائل بالنسخ في ذلك.
3 -
يحمل كلام ابن زيد وقتادة وابن شهاب الخفاجي بأن النسخ في كليهما بمعنى التخصيص.
4 -
إن القتال بالسيف وتوابعه، من العقوبات، والغلظة في محلها مخصوص من هذا العموم.
ووجه مناسبة الآية لما قبلها من الآيات في السورة أنه لما ذكر الله تعالى نهيه لعباده المؤمنين عن اتخاذ عدوه وعدوهم أولياء يلقون إليهم بالمودة، ثم ذكر حال خليله إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه في قولهم وبراءتهم من قومهم المشركين حتى يؤمنوا، وذكر أن لعباده المؤمنين أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، خِيْفَ أن يتوهم أحد أو يظن أن البر والعدل داخلان في ضمن ما نهى الله عنه من الموالاة المحرمة، فناسب أن يدفع هذا الوهم بهذه الآية (2). والله هو الهادي إلى طريق الصواب.
(1) انظر تفسير الطبري ج28 ص43، وانظر تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس ج4 ص139 - 140.
(2)
انظر الدرر السنية ج10، ص184.