الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: موالاة الخارجين عن السلطة ومعاداتهم
مما لا شك فيه أن الناس يختلفون في اجتهاداتهم ونظرتهم وتقديرهم للأشياء، فما يراه إنسان مصلحة قد يراه إنسان آخر مفسدة، وما يعتقده إنسان حقًا يعتقده إنسان آخر باطلاً ولذلك أنزل الله الكتاب وأرسل الرسول وأمر كلاً من الحاكم والمحكوم بالرجوع إلى ذلك قال تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(1). فإذا وجد حاكم مسلم ذو سلطة شرعية وبيعة حقيقية، فلا بد أن يوجد من يخالفه في الرأي ويختلف معه في الاجتهاد، وهذا أمر طبيعي ما لم يصل الأمر إلى العداوة والبغض، أو حمل السلاح بين هيئة الحكومة وبين بعض أفراد الرعية، وفي هذه الحالة يمكن تسمية أحد الطرفين المتنازعين بأنه باغٍ على خصمه، فإن كان الأفراد الذين ينازعون السلطة ويختلفون معها في الرأي، ينفردون عنها بمذهب ابتدعوه، فينظر إلى هذا المذهب، وإلى تلك المخالفة، فإن كان مذهبهم الذين يدعون إليه، ويختلفون مع السلطة عليه، مذهبًا إلحاديًا، يتعارض مع
(1) سورة النساء آية (59).
أصول الإسلام فهم كفرة خارجون عن طريق الحق والصواب، مرتدون بدعوتهم إلى تلك المذاهب التي ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك مثل دعاة الشيوعية في البلاد الإسلامية أو ما تفرع عنها من اشتراكيات مختلفة ويدخل في ذلك أصحاب الأحزاب الكافرة التي تخالف حزب الله جملة وتفصيلاً، فإن كل من خرج على الجماعة المسلمة وسلطانها الشرعي بغير تأويل صحيح وحجة شرعية فهم بغاة إن ادعوا الإسلام وكفار مرتدون إن أعلنوا شعائر الكفر أو أعلنوا موالاتهم للكفار عليها.
وقد حارب أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة، واعتبروا لدى الصحابة رضي الله عنهم مرتدين، فما ظنك بمن يدعون إلى الشيوعية في ديار الإسلام وهي تنكر وجود الله، ووجود كتبه ورسله، ثم يجد هؤلاء الدعاة عناية ورعاية من بعض السلطات الحاكمة في ديار الإسلام ويتعاون مع هؤلاء كثير من الأفراد على هدم الإسلام وتضليل المسلمين، إنهم ليسوا بغاة فقط بل هم كفار مرتدون محاربون يسعون إلى الوصول إلى السلطة ليفرضوا كفرهم وانحرافهم على كل الناس من مركز القوة.
وما ينطبق على دعاة الشيوعية ينطبق على كل من دعا إلى أحزاب الكفر ومبادئ الضلال مهما اختلفت أسماؤها وتباينت شعاراتها فإن كل من خرج على حزب الله وجماعة المسلمين، فهو كافر مرتد بغض النظر عن دعواه وانتمائه إلى أي لون من ألوان الكفر، فإن الكفر ملة واحدة والخروج أو النزاع على السلطة لا يخرج عن تسع حالات تختلف كل حالة عن سواها تبعًا لاختلاف طرفي النزاع وهي كما يلي:
(أ)
…
(ب)
1 -
خروج كافر على كافر.
…
4 - خروج فاسق على كافر.
2 -
خروج كافر على فاسق.
…
5 - خروج فاسق على فاسق.
3 -
خروج كافر على مؤمن.
…
6 - خروج فاسق على مؤمن.
7 -
خروج مؤمن على كافر.
…
8 - خروج مؤمن على فاسق.
9 -
خروج مؤمن على مؤمن.
وتفصيل كل حالة من هذه الحالات يطول بنا ولكن يجب أن ينصر المؤمن على الكافر والفاسق سواء كان المؤمن السابق أو اللاحق إلى السلطة وأن ينصر الفاسق على الكافر كذلك، أما إذا كانوا كلهم كفار فيتركون ينتقم الله من بعضهم ببعض، وإذا كانوا كلهم فساقًا فإن تساووا في درجة الفسق اعتزلهم، وإن كان بعضهم أفضل من بعض والي وانصر الأقرب إلى الشرع (1)، وإن كانوا كلهم مؤمنين، فإن علم أن الحق مع أحدهم على الآخر، وجبت نصرة صاحب الحق، عملاً بقوله تعالى:(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)(2).
وللحديث «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: تأخذ فوق يده» (3).
وإن جهل من هو صاحب الحق منهما اعتزلهما كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في النزاع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما (4).
فالبغاة كما يظهر من دلالة اللفظ لغة واصطلاحًا هم الظلمة المعتدون على إمامة إمام حق وحاكم عدل، بتأويل مخطئ في الدين أو لطلب الدنيا، وعلى هذا فمن خرج على حاكم غير شرعي وغير عادل في حكمه فليس باغيًا، وقد جزم ابن حزم (5) بأن من دعا إلى أمر بمعروف أو نهى عن
(1) انظر الأحكام السلطانية – للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص38 - 39.
(2)
سورة الحجرات آية (9).
(3)
رواه البخاري، انظر فتح الباري ج5 ص98 (كتاب المظالم).
(4)
انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل/ ابن حزم ج4 ص171.
(5)
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الأندلسي القرطبي (أبو محمد) أصله من فارس، ولد بقرطبة في آخر رمضان سنة (384هـ) ونشأ بها ثم طلب العلم على علمائها فهو فقيه، محدث، أصولي، حافظ، أديب، متكلم، مشارك في التاريخ والأنساب والنحو واللغة والشعر والطب والمنطق والفلسفة، وكان يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، وانتقد كثيرًا من العلماء والفقهاء، فأجمع هؤلاء على تضليله، وحذروا منه أرباب الحل والعقد، ونهوا عوام الناس عن الدنو منه، والأخذ عنه فأقصي وطورد، فرحل إلى بادية لبلة بالأندلس فتوفي بها سنة (456هـ) من تصانيفه الكثيرة: الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة، والفصل في الملل والأهواء والنحل، والمحلى في الفقه، شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام، المقرب في تاريخ المغرب، انظر معجم المؤلفين ج7 ص16.
منكر، أو إظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل، وهو صادق بدعواه، فلا يعتبر باغيًا بل الباغي من خالف ذلك (1).
فإذا كان البغاة يخالفون الحاكم المسلم العدل متهمين له ولحكومته بالتقصير في بعض الواجبات أو بمنع بعض المباحات بناء على تأويل واجتهاد مخطئين فيه، فإن أمرهم والحالة هذه لا يخلو من أربع حالات:
الحالة الأولى: أن يكون البغاة منبثين بين أفراد الأمة، لم يتظاهروا بعصيان طاعة الإمام، ولم يتحيزوا بدار أو قلعة أو قرية، أو حصن، فهم أفراد، متفرقون، تنالهم قدرة الحاكم، وتمتد إليهم يده، فيجب على الحاكم والأمة في مثل هذه الحالة، تركهم وعدم محاربتهم وإن كانوا يظهرون عدم الرضي بأقوالهم، ويتذمرون من تصرفات الحاكم ومن معه، بناء على فهمهم وتصورهم الذي أخطئوا فيه، فتجري عليهم أحكام أهل العدل في الحقوق والواجبات، ويلزم الحاكم والأمة أن يوضحوا لهؤلاء فساد ما اعتقدوه وبطلان ما انتحلوه، لعلهم يرجعون عن رأيهم الذي ارتأوه واعتقادهم الذي اعتقدوه، واستدل القائلون بذلك، بما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقوم من الخوارج:«لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيدكم معنا» (2).
(1) المحلى لابن حزم ج11 ص98.
(2)
انظر الأحكام/ للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص38 - 39.
الحالة الثانية: أن يكون البغاة قد تظاهروا باعتقادهم، وأعلنوا عصيانهم، بلا قوة يستخدمونها، وهم مع ذلك على اختلاطهم بالأمة وامتزاجهم بالرعية، وذلك مثل ما يحصل في بعض البلاد الإسلامية من تجمعات ومظاهرات يراد بها الاستنكار والاحتجاج بأسهل الطرق وأيسرها، للتعبير عن الرأي بغض النظر عن صواب هذا الرأي أو خطئه، ففي مثل هذه الأحوال، يجب على الحاكم والأمة دعوة هؤلاء إلى تحكيم كتاب الله بينهم في محكمة نزيهة ذات استقلالية كاملة تامة في اتخاذ الأحكام وتنفيذها عملاً بقوله تعالى:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) فيوضح لهم إذا كانوا بحق بغاة فساد اعتقادهم، وخطأ فهمهم ليرجعوا إلى الاعتقاد الحق، وموافقة الجماعة، فإن أبوا بعد الدعوة والإقناع والتحكيم، جاز للإمام أن يعزر فقط من تظاهروا بالعناد والعصيان، أدبًا وتعزيرًا، يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء، وهذا التعزير والتأديب لا يقرره الحاكم بنفسه وهو لا يفقه من أحكام الإسلام شيئًا، وإنما تقرره السلطة القضائية من واقع التشريع الإسلامي بحيث لا تصل العقوبة التعزيرية في مثل هذه الأحوال إلى القتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة» (1).
الحالة الثالثة: أن يكون البغاة قد اعتزلوا الإمام الحق، وتحيزوا بدار قد تميزوا فيها عن بقية الأمة، ففي هذه الحالة ينظر في أمرهم، فإن لم يمتنعوا من تأدية حق، ولم يرفضوا أمر طاعة، لم يحاربوا، ما داموا مقيمين على الطاعة، وتأدية الحقوق، وقد استدل على ذلك أن طائفة من الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه أقاموا بالنهروان، فأرسل إليهم علي عبد الله بن خباب عاملاً عليهم، فأقاموا على طاعته زمانًا، وهو لهم موادع (2).
(1) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج3 ص1302 – 1302.
(2)
انظر الأحكام السلطانية/ للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص58 - 59.
الحالة الرابعة: أن تمتنع الطائفة الباغية الخارجة على الإمام الحق وأن تمنع ما عليها من الحقوق، وترفض أمر الطاعة، وتنفرد باجتباء الأموال وتنفيذ الأحكام، سواء نصبوا لأنفسهم إمامًا أو لم ينصبوا فحينئذ يجب محاربتهم، حتى يفيئوا إلى الطاعة ويدخلوا في الجماعة عملاً بقوله تعالى:(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)(1).
وإذا قلد الإمام الحق، أمر قتال الفئة الباغية لقائد من قواده وجب على هذا القائد إنذارهم ودعوتهم إلى المسالمة، وتحكيم كتاب الله فيما شجر بينهم، فلا يصح منه الهجوم المباغت لهم لأنهم غير مشركين، ولا مرتدين فهم إخوة مؤمنون وأفراد مسلمون كما تدل الآية المتقدمة على ذلك، ولهذا يدعوهم بالتي هي أحسن، فإن أبوا قاتل المقاتلين المقبلين منهم، ويكف عن قتال المدبرين منهم، والفارين، ولا يقتل أسيرهم ولا جريحهم، ولا يعاملون معاملة أهل الحرب من المشركين والمرتدين، بل يعامل أسراهم معاملة كريمة، تليق بهم كمسلمين (2)، فمن أمنت منه الرجعة إليهم والقتال معهم، أطلق سراحه عند تحقق ذلك. ومن لم تؤمن منه الرجعة حبس حتى تضع الحرب أوزارها ثم يطلق ولا يحبس بعدها لزوال الشوكة التي كانت لهم، وأثناء الحرب، لا تغنم أموالهم، ولا تسبى ذراريهم، ولا يستعان على قتالهم بمشرك، فقد منع الإمام أحمد الاستعانة بالمشركين في قتال أهل الحرب، فعدم الاستعانة بهم في قتال البغاة أولى (3).
ومما تقدم يتضح لنا الفرق الواضح والبون الشاسع بين نظرة الإسلام
(1) سورة الحجرات آية (9).
(2)
يقول ابن تيمية رحمه الله: إن أهل البغي المجرد لا يكفرون باتفاق أئمة الدين فالقرآن قد نص على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي. انظر فتاوى ابن تيمية ج35 ص57.
(3)
انظر الأحكام السلطانية/ للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص39.
إلى البغاة، ومعاملته لهم، وبين ما هو حاصل في معظم ديار الإسلام، فمن يدقق النظر في السلطات الحاكمة في أكثر البلاد الإسلامية يجد أنها بمقياس الإسلام سلطات كافرة فاجرة قد اغتصبت السلطة بتآمر مع أعداء الإسلام في الخارج ومع زمرة من المنافقين في الداخل، ولذلك فموالاة ومناصرة تلك الحكومات أمر باطل من الأساس، باعتبار أنها حكومات كافرة كفرًا بواحًا لا لبس فيه ولا غموض، ولذلك فتأييدها والسكوت عليها أمر مخالف للشرع فكيف بالدفاع عنها ومناهضة من يريد هدمها، فالواجب والحالة هذه إن كان الخارج عليها مثلها في الكفر والفسوق، أن يعتزل المسلم الجميع حتى يُهْلِكَ الله بعضهم ببعض قال تعالى:(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(1) وقد يكون بعضهما أقل من بعض في الفسق والظلم ففي هذه الحالة إن لم يجد أفضل منهما يكون نصره وتأييده للأقل منهما في الظلم والفسق بناء على القاعدة الفقهية في درء أعظم المفسدتين بأدناهما (2). وإن كان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يرى عدم المشاركة في قتال البغاة للحكام الظلمة حيث يروى أن ابن القاسم سأل مالكًا عن قتال البغاة أيجوز قتالهم؟ فقال: إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز، قال: فإن لم يكن مثله؟ فقال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما. فكانت الفتوى سببًا من أسباب محنته (3).
وعلى هذا فليس كل من خرج على سلطة غير شرعية باغيًا بل قد يكون هو صاحب الحق والعدل ومن يقف في وجهه أو يحارب ضده هم البغاة ولكن رؤساء النظم الديكتاتورية في العصر الحاضر، كلما أحسوا بيقظة الشعوب وصحوتها واهتدائها إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم، صبوا عليها صنوفًا من التنكيل وألوانًا من العقاب والعذاب ووصفوها بأنها
(1) سورة الأنعام آية (129).
(2)
انظر الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص39.
(3)
انظر الإسلام بين العلماء والحكام/ عبد العزيز البدري ص155.
شراذم متآمرة، أو فئات حاقدة، أو فلول مخدوعة، أو جماعات متحجرة، وهم لا يتريثون حتى يصل الخطر إلى مرحلة الخروج عليهم، بل إنهم ليحسبون على الناس كلماتهم وأنفاسهم وغدوهم ورواحهم، ويزجون بعشرات الآلاف من الناس بمجرد كلمة لا تنال رضا صاحب السيادة ولو كانت كلمة حق، فهم ليس لديهم معيار للحق أو الباطل سوى رضا الرئيس أو غضبه، فما يرضيه حق وما يغضبه باطل ولو كان الواقع الحقيقي خلاف ذلك، فهم يريدون من جميع الناس أن يمسحوا من عقولهم فكرة حق وعدل أو ظلم وجور، وأن يطيعوا الحاكم طاعة عمياء، ويتبعوهم تبعية عشواء، بلا سؤال أو مناقشة أو استفسار، وكم شهدت سجون مصر (1) وسوريا والعراق وليبيا والمغرب واليمن وغيرها
…
إلخ) من مآسي تدمي القلب وينشق لهولها الفؤاد حيث عذب فيها عشرات الآلاف من الناس الذين هم من خيرة المؤمنين الطيبين لم يدخلوها بتهمة سرقة أو زنا أو شرب خمر ولم يدخلوها لأنهم يوالون اليهود أو النصارى حيث إن كل هؤلاء يتمتعون بالحماية والرعاية من قبل تلك السلطات وإنما دخلها المؤمنون الذين قالوا: (رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(2) فأين ما فعل هؤلاء؟ بأولئك المؤمنين، مما قرره منهج الإسلام بحق أعداء السلطة الشرعية من تسامح واحترام لمشاعر المخالفين له رغم خطأهم فهو يعاملهم بمنتهى السماحة والملاطفة، والاحترام، ولا ينال من أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم شيئًا.
أما أصحاب الفخامة والسيادة في بلاد المسلمين اليوم فيستصرخون الدول الكبرى في نظرهم، كي تمدهم بأحدث وسائل التعذيب في سلخ
(1) انظر مذبحة الإخوان في ليمان طرة/ تأليف جابر رزوق، وانظر الفراعنة الصغار في هيلتون الناصرية/ د/جابر الحاج، وانظر البوابة السوداء/ أحمد رائف، وانظر نافذة على الجحيم/ عدة مقالات، وانظر القابضون على الجمر/ محمد أنور رياض.
(2)
سورة البروج آية (8).
الأجسام وتمزيقها، ولكي يمدوهم بأرقى ما وصلت إليه الهندسة المعمارية في تخطيط السجون والمعتقلات وهم لا يفعلون ذلك تحسبًا لأسرى اليهود أو النصارى وإنما يفعلون ذلك للشرفاء والأوفياء من أبناء جلدتهم الذين عظم عليهم الخنوع والركوع لغير الله، والذين رفضوا تسلط الكفار والمنافقين والمرتدين على شئون الأمة الإسلامية، أما الذين رضخوا واستكانوا تحت قهر السياط وبطش العساكر والمخابرات فهم في عرف الحكام المستبدين، مقياس الرضا الشعبي، وارتياح جماهير الأمة لهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.