الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: الدخول في حماية الكفار
يجوز للمسلمين أن يدخلوا في حماية غير المسلمين إذا دعت الحاجة إلى ذلك، سواء كان المجير من أهل الكتاب كالنجاشي إذ كان نصرانيًا عند الهجرة إلى الحبشة ثم أسلم بعد ذلك، أو كان مشركًا كما حصل من المهاجرين إلى الحبشة عندما بلغهم، إن أهل مكة أسلموا، فاستخف ذلك الخبر منهم ثلاثة وثلاثين رجلاً فأقبلوا راجعين حتى إذا دنوا من مكة بان لهم فساد ذلك الخبر، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيًا، وكان منهم عثمان (1) بن مظعون رضي الله عنه فقد دخل بجوار الوليد بن المغيرة فأنفذ جواره.
ودخل أبو سلمة بن عبد (2) الأسد في جوار أبي طالب لكونه ابن أخته بنت عبد المطلب، فتعرضت له قبيلة بني مخزوم وأبت أن تنفذ له جواره
(1) انظر ترجمته في أسد الغابة في معرفة الصحابة ج3 ص385 - 387.
(2)
انظر ترجمته في المصدر السابق ج5 ص218.
وقالت لأبي طالب قد أمنعت منا ابن أخيك محمدًا فما لك ولصاحبنا؟ فقال: إنه استجارني وإن أنا لم أمنع ابن أختي، لم أمنع ابن أخي: فقام أبو لهب فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ ما تزالون توثبون عليه في جواره من بني قومه والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فتركوه مراعاة لأبي لهب (1).
وقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية أبي طالب حتى توفي أبو طالب وهو قائم بذلك، ودخل الرسول في حماية وجوار المطعم بن عدي بعد رجوعه من الطائف إلى مكة.
وهذا مشروط - بحكم البداهة - بأن لا يترتب على هذه الحماية أضرار بالدعوة الإسلامية، أو تنازل جزئي أو كلي عنها، أو تغيير لبعض أحكام الدين، أو سكوت على بعض المحرمات، فإن الرضا بمثل هذه الأمور من صميم الموالاة للكفار، فلا يجوز الدخول في مثل هذه الحماية التي يكون ثمنها التضحية ببعض أحكام الإسلام، والدليل على ذلك ما كان من موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه عمه أبو طالب أن يبقى على نفسه ولا يحمله ما لا يطيق، فلا يتحدث عن آلهة المشركين بسوء، فقد وطن نفسه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك للخروج من حمايته، وأبى أن يسكت عن شيء مما يجب عليه بيانه وإيضاحه (2).
وكفار اليوم أشد خبثًا ومكرًا من كفار الأمس، فلو طلب المسلمون الحماية والمساعدة من بعض الكفار ضد البعض الآخر، وأعطوهم على ذلك المنافع المتعددة والتسهيلات الكثيرة فهم لن يقفوا مع المسلمين موقف النجدة والمساعدة والحماية والرعاية أبدًا، وقد جربت البلاد الإسلامية
(1) انظر: تحذير من ينتمي إلى الإسلام من الاحتماء بأعداء الملك العلام مخطوطة من ثلاث ورقات جمع علي بن أحمد السقاف سنة (1299هـ) بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1150).
(2)
انظر فقه السيرة د/ محمد سعيد رمضان البوطي ص102.
الدخول في معاهدات الحماية مع أوروبا وأمريكا، فكانت النتيجة لهذه الحماية الاستعمار وخراب الديار ونهب الثمار، وتجزئة البلاد الإسلامية. ودخلت مصر في حماية مع روسيا فكانت النتيجة تجسس اليهود الروس على مصر وتثبيطهم حتى تمكن اليهود من إحداث الهزيمة النكراء على مصر عام 1387هـ - 1967م وصدق الله العظيم حيث يقول (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
والغرض من الدخول في حماية الدول الكبرى في عصرنا الحاضر، لا يراد به نصرة الإسلام والمسلمين، وإنما يراد به حماية المرتدين والمنافقين في داخل البلاد الإسلامية، من ضربات المسلمين المخلصين، والإبقاء على العملاء الذين يمنحون كامل ودهم وولائهم لأعداء الإسلام.
فالدول التي تخضع لحماية الغرب أو الشرق في العالم الإسلامي اليوم، إنما تفعل ذلك لحماية ما تمثله من ظلم وطغيان واستبداد فهي تدرك أنه ليس لها في المجتمعات التي تحكمها أي ولاء صادق سوى من فئة قليلة من النفعيين والمنافقين، ولذلك تلجأ هذه الدول إلى حماية الدول الكبرى كي تضمن بقاءها ولتحمي مواضع أقدامها من السقوط والانهيار.
وأخوف ما تخافه الدول الكبرى وعملاؤها في الدول الصغرى هو الإسلام، ولذلك نرى أن أي تحرك إسلامي يتم رصده ومتابعته من أول وهلة، ويسعى العملاء مع أسيادهم لإجهاضه والقضاء عليه قبل أن يشتد عوده ويقوى على مقاومة الطغيان.
فما أن يحدث أي حدث في بلد - ما - إلا وَيُجْعَل المسلمون هم الضحية لذلك الحدث، ويسارع الكفار جميعًا من الداخل والخارج لتمزيق المسلمين والقضاء عليهم بكل ما أوتوا من قوة.
فهل ندرك حقيقة أعدائنا، ونتيقن أن الكفر ملة واحدة وأن الكفار بعضهم أولياء بعض، وأن المستجير بالكفار الكبار على الكفار الصغار
كالمستجير من الرمضاء بالنار؟
أم لا نزال نعلق الآمال الكاذبة في حماية الدول الشرقية أو الغربية للبلاد الإسلامية، وهي التي قد رأينا ما رأينا من تآمر وعدوان على الإسلام والمسلمين؟
ووالله لو صدق المسلمون مع الله وأخلصوا دينهم لله، وصدقوا مع أنفسهم ومع إخوانهم لما احتاجوا إلى الدخول في حماية رجل كافر فضلاً عن دول كافرة، ولما شعروا بالخوف والهلع الذي يزلزل الأرض من تحت أقدامهم قال تعالى:(فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(1). وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(2).
(1) سورة الأنعام آية (48).
(2)
سورة الأحقاف آية (13).