الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال السابع: تأجير الأماكن والذوات لمن يتخذها هدفًا لمعصية الله
الأصل في الإجارة الإباحة لأنها عقد على منفعة مباحة بعوض معلوم (1). فقد اشترط الفقهاء أن تكون المنفعة التي يريد المستأجر الانتفاع بها من العين المؤجرة مباحة، فلا تصح الإجارة على نفع محرم. كأن يؤجر داره مكانًا للزنا أو الغناء. أو تتخذ كنيسة أو لبيع الخمر ونحوه من المحرمات (2).
ومالك العين المؤجرة قد يكون دولة أو فردًا من الأفراد وفي
كلا الحالين يشترط في العين المؤجرة أن ينتفع بها في منفعة مباحة، فلو أجرت دولة أرضها أو جزءً من أرضها لدولة كافرة لكي تستخدمها قاعدة لضرب الإسلام والمسلمين فإن هذا العقد باطل من أساسه والمنفعة المترتبة
على ذلك محرمة وهذا العمل بحد ذاته موالاة للكفار ومحادة لله ولرسوله وللمؤمنين وهذا للأسف ما تتبعه بعض الدول التي تدعي الإسلام، حينما
(1) الروض المربع/ منصور بن يونس البهوتي ص214.
(2)
المصدر السابق ص215.
تعقد اتفاقًا مع بعض الدول الكافرة، فإن تلك الدول تشترط على الدول التي تدعي الإسلام أن تسمح لها بوضع قواعد عسكرية فيها، والهدف من ذلك هو حماية المصالح الاستعمارية لها في العالم الإسلامي، ومساعدة بعد أدعياء الإسلام حين يضرب بعضهم البعض الآخر لإضعاف الخصمين والاستيلاء عليهم في النهاية كما حصل للمسلمين في الأندلس من قبل النصارى (1).
وما علم أولئك الذين باعوا أنفسهم وأمتهم للكفار.
إن مسئولية الحاكم المسلم عما يدخل بلاده من الكفار كمسئولية صاحب البيت عما يدخل بيته من أفراد فلا يجوز للحاكم العدل أن يجعل بلاد المسلمين أو بعضها تحت تصرف الكفار لكي يجعلوها قاعدة ينطلقون منها لضرب بعض المسلمين وإلحاق الضرر بهم كما لا يجوز تخصيص بقعة معينة في دار الإسلام تكون مخصصة للكفار يزاولون فيها جميع أنواع الفسق والفجور التي تجري في بلادهم.
ولكن للأسف أن الواقع خلاف ذلك فقد وافقت مصر على منح الولايات المتحدة الأمريكية حق تطوير قاعدة رأس بنياس مقابل مساعدات عسكرية قيمتها (1650) مليون دولارًا لكي يصبح هذا الموقع قاعدة دائمة للولايات المتحدة لحماية مصالحها وتهديد مصالح المسلمين وضرب بعضهم ببعض، كما وافق سلطان عمان على أن تستعمل الولايات المتحدة قاعدة بريطانية قديمة في جزيرة مصيرة، وعلى تحسين قاعدة (سيب) التي تقع في مدخل مضيق هرمز وذلك بحجة مقاومة القواعد السوفيتية في عدن وسوريا وليبيا وغيرها من البلاد العربية (2).
وبالتالي فقد أصبحت بعض البلاد الإسلامية مقسمة إلى قواعد
(1) انظر ظهر الإسلام أحمد أمين ج3 ص7.
(2)
انظر مجلة المجتمع عدد 522 السنة الحادية عشرة في 25 جمادى الأولى 1401هـ، ص34 - 36.
عسكرية بعضها تابع للشرق وبعضها تابع للغرب وهذا الوضع يفقدها شخصيتها واستقلالها الحقيقي وتمكين للكفار أن يضربوا المسلمين بعضهم ببعض فيحطموا الجميع ثم يقتسموا الغنيمة كما فعلوا إبان الحرب العالمية الثانية.
ومن التأجير المحرم ما يفعله بعض المسلمين من تأجيرهم دورهم لمن يتخذونها موضعًا لمعصية، ولقد حرم الإسلام على المسلم أن يقدم أي نوع من التعاون للكفار فيما يترتب عليه معصية الله ومعصية رسوله قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(1) وقد سئل ابن سيرين رحمه الله عن رجل يبيع داره أو يؤجرها من نصراني يتخذها بيعة أو كنيسة، فتلا قوله تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(2) فعد بيع الدار وتأجيرها على الكفار الذين يتخذونها موضعًا لعصيان الله، بجعلها كنيسة، أو مكانًا لبيع الخمر أو مزاولة البغاء فيها ونحو ذلك، موالاة للكفار، يستحق على ذلك الوعيد ما يلحق من تولي الكفار (3).
وقال القاضي من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله لا يجوز أن يؤجر المسلم داره أو بيته ممن يتخذه بيتًا للنار كالمجوسي أو كنيسة مثل اليهودي والنصراني، أو مكانًا تباع فيه المحرمات وترتكب فيه الفواحش، سواء اشترط المستأجر ذلك أو لم يشترط لكنه يعلم أنه سيفعل فيه ذلك.
وعلى هذا فقد ألحق أصحاب الإمام أحمد الإجارة في حكم البيع مع اختلافهم في قول الإمام أحمد بالمنع.
(1) سورة المائدة آية (2).
(2)
سورة المائدة آية (51).
(3)
انظر الكلام المروي عن ابن سيرين في رسالة مخطوطة من ثلاث ورقات بعنوان: تحذير من ينتمي إلى الإسلام من الاحتماء بأعداء الملك العلام/ جمع علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف نسخت عام (1299) توجد في قسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1150).
هل يعني ذلك الكراهية، أم التحريم؟
والراجح والله أعلم إن كان اتخذها للمعصية في أمر ظاهر فذلك محرم على المسلم بيعها أو تأجيرها لمن يتخذها للمعصية عملاً بقوله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(1). وإن كان حصول المعصية فيها محتملاً وقوعه في الخفاء فإن النهي عن ذلك للكراهية لا لعدم التأكد أو ظهور شيء من ذلك.
وقال أبو حنيفة يجوز أن يؤجرها لكافر ولو حاصل منه معصية لله فيها ودليله في ذلك أن الأجرة مقابل المدة الزمنية بالأجرة لا تستحق بفعل هذه الأشياء أو عدم فعلها كما لو اكترى دارًا لينام فيها أو يسكنها، فإن الأجرة تلزم المستأجر، وإن لم يفعل ذلك فيها.
وخالفه عامة الفقهاء، وقالوا: إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت عليه الأجرة لأن الأجرة مقابل أن ينتفع بها في مباح لا في محرم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها والعاصر إنما يعصر عصيرًا مباحًا، ولكن إذا رأى أن المعتصر سوف يتخذ خمرًا وعصره لذلك، استحق اللعنة وهذا أصل مقرر في الشريعة الإسلامية (2).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه» (3).
وبناء على ذلك فإن كل من يشارك في تهيئة محرم وتيسيره للناس
داخل تحت هذا الوعيد وذلك مثل بائعي المخدرات ونحوها، أو أصحاب محلات بيع وتأجير الأغاني ويلحق بذلك المغنيات والممثلات العاهرات
(1) سورة المائدة آية (2).
(2)
انظر اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم - ابن تيمية ص232 - 237.
(3)
رواه أبو داود وابن ماجه. انظر سنن أبي داود ج3 ص326، وانظر سنن ابن ماجه، ج2 ص330.
والأشرطة الخليعة ويدخل في ذلك أصحاب المجلات الداعرة والكتب الهدامة، فإن كل هذه الأعمال والمشاركة فيها والإعانة عليها جريمة يؤاخذ عليها المسلم في الدنيا والآخرة (1).
فيجب على المسلم الغيور على دينه وأمته أن لا يتعامل بمثل هذه الأعمال ولا يعامل من يتعاملون بها، ولو دفعوا في ذلك عوضًا كثيرًا، فإن طلب رضا الله مقدم على كل شيء ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ولكن للأسف فإن واقع المسلمين بعيد عن ذلك كل البعد فقد أصبح المسلمون يتسابقون إلى اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار القادمين إلى البلاد الإسلامية، كل يعرض عليهم تأجير ما يملك بغض النظر عما يرتكبون في تلك المساكن من كفر وفساد ظاهر وخفي، فالموالاة للمال والمعاداة فيه أصبحت عند بعض المسلمين أعظم منزلة من الموالاة في الله والمعاداة فيه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) انظر الفتاوى في مجلة الدعوة السعودية عدد 990 في 16/ 8/1405هـ، ص26 - 27، إجابة الشيخ عبد العزيز بن باز.