المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المثال الأول: إطلاق حرية الدعوة إلى الكفر بين المسلمين - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث: الموالاة والمعاداة لأهل الأهواء والفرق

- ‌الفصل الأول: الموالاة والمعاداة لأهل الأهواء

- ‌المبحث الأول: موالاة أهل العصيان والفسوق ومعاداتهم

- ‌المبحث الثاني: موالاة المنافقين ومعاداتهم

- ‌المبحث الثالث: موالاة المرتدين ومعاداتهم

- ‌المبحث الرابع: موالاة الخارجين عن السلطة ومعاداتهم

- ‌المبحث الخامس: موالاة السلطة الحاكمة ومعاداتها

- ‌الفصل الثاني: الموالاة والمعاداة للفرق التي تنتسب إلى الإسلام

- ‌تقديم: حول افتراق هذه الأمة

- ‌المبحث الأول: موالاة ومعاداة الفرقة الزيدية

- ‌المبحث الثاني: موالاة ومعاداة الشيعة الاثنى عشرية

- ‌المبحث الثالث: موالاة ومعاداة الطائفة النصيرية

- ‌المبحث الرابع: موالاة ومعاداة الدروز

- ‌الباب الرابع: موالاة الكفارة ومعاداتهم

- ‌الفصل الأول: منهج التعامل مع الكفار

- ‌المبحث الأول: الإسلام بين دعوى التعصب والتسامح مع الكفار

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الحرب والسلم في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: تعامل المسلمين مع أهل الذمة والعهد في دار الإسلام

- ‌المبحث الرابع: تعامل المسلمين مع الكفار المحايدين

- ‌المبحث الخامس: تعامل المسلمين مع الكفار المحاربين

- ‌المحاربون من أهل الأوثان

- ‌المحاربون من اليهود

- ‌المحاربون من النصارى

- ‌الفصل الثاني: مظاهر الولاء للكفار

- ‌التمهيد لدراسة هذا الفصل

- ‌المبحث الأول: موالاة الكفار في الحقول العامة

- ‌المثال الأول: إطلاق حرية الدعوة إلى الكفر بين المسلمين

- ‌المثال الثاني: السماح بتعليم الكفر وتعليمه بين المسلمين

- ‌المثال الثالث: إباحة ظهور المحرمات بين المسلمين إرضاء للكفار وأشباههم

- ‌المثال الرابع: إطلاق يد الكفار في بناء المعابد لهم في بلاد المسلمين

- ‌المثال الخامس: منح الكفار حرية التنقل والإقامة بين المسلمين

- ‌المثال السادس: تمليك الكفار لما يتخذونه موضعًا لمعصية الله

- ‌المثال السابع: تأجير الأماكن والذوات لمن يتخذها هدفًا لمعصية الله

- ‌المبحث الثاني: موالاة الكفار في العلاقات الاجتماعية

- ‌الفرع الأول: السلام على الكفار والزيارة لهم

- ‌الفرع الثاني: تهنئة الكفار والثناء عليهم

- ‌الفرع الثالث: تشييع موتى الكفار وتعزيتهم في ذلك

- ‌الفرع الرابع: الزواج بالنساء الكافرات وتزويجهم المسلمات

- ‌المبحث الثالث: موالاة الكفار في الشئون الاقتصادية

- ‌المثال الأول: إباحة التعامل بالربا مع الكفار ومن أجلهم

- ‌المثال الثاني: إعطاء المساعدات المالية للكفار

- ‌المثال الثالث: تمكين الكفار من استغلال أموال المسلمين

- ‌المثال الرابع: تمكين الكفار من الوظائف الهامة في البلاد الإسلامية

- ‌المثال الخامس: توريث الكفار والنفقة عليهم من أهل الإسلام

- ‌المبحث الرابع: موالاة الكفار في الشؤون الحربية

- ‌الفرع الأول: الاستعانة بالكفار في القتال

- ‌الفرع الثاني: الدخول في حماية الكفار

- ‌الفرع الثالث: الاستعانة بسلاح الكفار

- ‌المبحث الخامس: موالاة الكفار في الحقوق الجنائية

- ‌الفرع الأول: قتل المسلم بالكافر

- ‌الفرع الثاني: إهانة المسلم بما دون القتل دفاعًا عن الكافر

- ‌الفرع الثالث: الستر على جواسيس الكفار وحمايتهم

- ‌المبحث السادس: موالاة المسلم للكفار في بلادهم

- ‌الفرع الأول: موالاة الكفار في السفر إليهم والإقامة بينهم

- ‌الفرع الثاني: موالاة الكفار في العمل لديهم وتحت ولايتهم

- ‌الفصل الثالث: العقوبات المترتبة على موالاة الكفار

- ‌المبحث الأول: العقوبة التعزيرية لمن يوالي الكفار

- ‌المبحث الثاني: العقوبة الإلهية التي تجري وفق السنة الربانية بحق من يوالون الكفار ويؤذون المؤمنين

- ‌المبحث الثالث: العقوبة الأخروية لمن يوالون الكفار

- ‌الفصل الرابع: واقع المسلمين اليوم من موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌أولاً: فلسطين:

- ‌ثانيًا: أفغانستان:

- ‌ثالثًا: الفلبين:

- ‌خامسًا: المسلمون في كمبوديا:

- ‌سابعًا: المسلمون في الهند:

- ‌ثامنًا: جزر القمر:

- ‌تاسعًا: المسلمون اليونانيون:

- ‌عاشرًا: المسلمون في تونس:

- ‌الحادي عشر: موزمبيق:

- ‌الثاني عشر: أوغندا:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المثال الأول: إطلاق حرية الدعوة إلى الكفر بين المسلمين

‌المثال الأول: إطلاق حرية الدعوة إلى الكفر بين المسلمين

الأصل أن لا يسمع في دار الإسلام إلا صوت الحق ورأي المسلمين في قضايا الإسلام، والذي يطلع على نصوص المعاهدات والوثائق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة (رضوان الله عليهم) يرى ذلك جليًا وقد بنى الفقهاء على ذلك قاعدة فيما يتعلق بحقوق غير المسلمين في دار الإسلام (1).

ولذا فإنه لا يجوز لغير المسلمين أن يدعوا إلى الكفر والضلال في وسط المجتمع المسلم حيث إن مقتضى عقد الذمة والعهد يلزم الكفار بإخفاء شعائر الكفر وعدم إظهارها في مجتمع المسلمين أما لو دعا الكفار بعضهم بعضًا على جهة الخفاء فلا نتبعهم في ذلك وقد ذكر شمس الدين بن قدامة (2)

(1) انظر ص622 - 623 من هذه الرسالة.

(2)

هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، (شمس الدين، أبو محمد، أبو الفرج) فقيه، محدث، خطيب، ولد بسفح قاسيون في دمشق سنة (597هـ) وسمع من أبيه وابن طبرزد وأبي القاسم الحرستاني وجماعة، وتفقه على عمه موفق الدين، وروى عنه

محي الدين النووي وأحمد بن عبد الدايم وتقي الدين بن تيمية والبرزالي والمزي وغيرهم، ولي القضاء مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة على كره منه، ولم يتناول على ذلك أجرة، ثم عزل نفسه في آخر عمره وتوفي بدمشق في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون. من تصانيفه، شرح المقنع لعمه موفق الدين في عشر مجلدات، تسهيل المطلب في تحصيل المذهب، وكلاهما في فروع الفقه الحنبلي. انظر معجم المؤلفين ج5 ص169، ص170.

ص: 659

المقدسي وجوب إخفاء كفرهم بقوله: «ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس والجهر بكتابهم» (1).

فإذا أظهروا الدعوة إلى الكفر بالخطب في أماكن تجمع الناس واستعملوا مكبرات الصوت أو استخدموا الصحف والمجلات والكتب والإذاعات والنشرات وغير ذلك من وسائل البلاغ والإعلام فإنه والحالة هذه يجب على الدولة الإسلامية إذا وُجدت وقامت في مثل تلك الأوضاع أن تضرب بيد من حديد على هؤلاء وأذنابهم من ضعاف الإيمان، وأن تلزم أهل الذمة والعهد بالذلة والصغار، فدار الإسلام هي موضع لإظهار الدين الإسلامي. وشعائر الإسلام من شعائر التعبد ووسائل الدعوة الأخرى التي يجب أن تنطلق إلى كل بيت وكل إنسان في دار الإسلام ولذلك يجب أن لا يظهر في دار الإسلام إلا صوت الحق ودعوة الله أكبر، ولا إله إلا الله، وأن تقبع الأفكار الضالة والعقائد الفاسدة في سراديب الظلام والكهوف المهجورة، حتى يسموا الناس إلى صفاء الإيمان وعزة الإسلام بلا كدر يخبث صفوه ويعكر نقاءه.

وقد ذهب الدكتور/ عبد الكريم زيدان إلى القول بأن لأهل الذمة إبداء محاسن دينهم، وقد قال إن ذلك من الأمور المباحة للذميين وهو ما تجري عليه البلاد الإسلامية في الوقت الحاضر، ففي العراق نصت المادة الثانية عشرة من الدستور المؤقت على أن «حرية الأديان مصونة ويجب احترام الشعائر الدينية» وكان دستور مصر لسنة (1956م) ينص في مادته

(1) انظر المغني والشرح الكبير ج10 ص620.

ص: 660

الثالثة والأربعين على أن «حرية الاعتقاد مطلقة وتحمي الدولة شعائر الأديان» (1).

ونحن نقول للذين يرون إطلاق ألسنة الكفار في دار الإسلام للنيل من الإسلام وأهله، لقد جنيتم بهذه الدعوة على أمتكم من حيث تشعرون أو لا تشعرون، وخالفتم أمر الله ورسوله وسيرة خلفائه، وأقوال الفقهاء من أهل الإسلام، والرد على هذا الأمر يتلخص بالنقاط التالية:

1 -

قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(2)، فإن هذه الآية وإن قيل إنها نزلت في قوم أسلموا ثم ارتدوا عن الإسلام ثم أسلم بعضهم بعد ذلك (3). ولكن الآية أعم من ذلك، فكل من قصد أو أعان على إظهار الكفر بشعائره المختلفة فقد ابتغى غير الإسلام دينًا، وإن كل من يرى إمكانية تعايش الإسلام والمسلمين مع الكفر والكفار جنبًا إلى جنب على قدم المساواة فقد سلب الإسلام أهم خصائصه في كونه منهج الحياة الفريد الوحيد الذي لا يزاحم في دار الإسلام، إن الإسلام بمشاركته مناهج الكفر والضلال في مجتمع - ما - وتحت قيادة واحدة يعتبر معطلاً حيث لا يستطيع التأثير في حياة البشر، ما لم تنصب آثاره في نظام اجتماعي كامل يعيش الناس في إطاره النظيف الوضيء دون مزاحمة من خَبَثٍ الجاهلية وكدرها (4).

2 -

قول الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ

(1) انظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، د/ عبد الكريم زيدان ص101 - 102.

(2)

سورة آل عمران آية (85).

(3)

انظر تفسير القرطبي ج4 ص128 - 129.

(4)

انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب ج3 ص626.

ص: 661

مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) (1).

(فالمهيمن) اسم من أسماء الله تعالى بمعنى الرقيب المسيطر على كل شيء الحافظ له (2). وفي الآية المتقدمة (مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه) أي عاليًا ومرتفعًا على جنس الكتب السابقة (3). ومن ثم يجب أن يكون هذا الكتاب هو الفيصل في كل قضية سواء كان الاختلاف في التصور الاعتقادي بين المسلمين وغيرهم، أو كان الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فهو المرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كلها، ولا قيمة لآراء الرجال ودعوى المدعين ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير (4).

3 -

قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(5). فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل جعل شأن الإسلام عاليًا غالبًا قاهرًا لغيره من الشرائع السابقة وكذلك يجب أن يكون المسلمون (6). وإذا وجد من يزاحم الإسلام في دار الإسلام بالدعوة إلى غير الإسلام فمعنى ذلك عدم إظهار دين الله على غيره من العقائد الباطلة ومعنى ذلك أن الدار التي تسمح بالدعوة إلى غير الله دار كفر لا دار إسلام.

4 -

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها قال: أوصى رسول

(1) سورة المائدة آية (48).

(2)

المعجم الوسيط ج2 ص1015.

(3)

تفسير القرطبي ج6 ص210.

(4)

انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب ج6 ص747.

(5)

سورة الصف آية (9).

(6)

تفسير القرطبي ج18 ص86.

ص: 662

الله صلى الله عليه وسلم عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة» (1).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: «لا يترك بجزيرة العرب دينان» (2). فهذا الحديث والذي قبله يدلان دلالة صريحة على عدم إباحة بقاء المشرك أو الكافر في جزيرة العرب حتى ولو كانوا يخفون كفرهم واعتقادهم ولذلك رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز إلى تيماء وأريحاء وأطراف الشام (3). تنفيذًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا كان مقام الكافر غير مقبول في داخل الجزيرة فمن باب أولى أن لا يقبل إظهاره الكفر في عموم بلاد المسلمين، فإن الإسلام وإن تسامح مع غير المسلمين في تركهم على عقيدتهم ودياناتهم الضالة يزاولونها بخفية وحذر فإنه لا يمكن أن يتسامح معهم في أن يطلق لهم حرية الدعوة إلى الكفر والضلال بالوسائل الظاهرة.

5 -

إن الغرض من الجهاد في سبيل الله أن يكون الدين كله لله، كما قال تعالى:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(4).

وتمكين الكفار من إظهار كفرهم والدعوة إليه بحرية تامة يجعل الدين له ولغيره وهذا مناقض لمبدأ الجهاد وغايته (5).

6 -

ورد من ضمن شروط عمر رضي الله عنه قولهم: «ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدًا» (6).

(1) انظر فتح الباري ج6 ص171.

(2)

انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص222.

(3)

المصدر السابق المكان نفسه.

(4)

سورة الأنفال آية (39).

(5)

انظر الشروط العمرية ص33.

(6)

المصدر السابق ص73.

ص: 663

لأن الدعوة إلى الباطل مستلزمة ولا بد في الطعن بالحق، وقد قال تعالى:(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(1).

وقد ذكر الماوردي هذا الشرط ضمن الشروط الواجبة على أهل الذمة نحو جماعة المسلمين (2).

7 -

إن أئمة المذاهب الفقهية في الإسلام، أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد وأتباعهم قالوا بوجوب إخفاء شعائر الكفار التعبدية إلا في الأماكن النائية والقرى الصغيرة الخاصة بهم (3).

8 -

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ليس لأهل الذمة إظهار شيء من شعائر دينهم في ديار الإسلام، فيمنعون من إظهار التوراة ولا يرفعون أصواتهم بالقراءة، والصلاة، وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك» (4). اهـ.

وهذه الأدلة جميعًا تدل على عدم تمكين أهل الذمة من إظهار كفرهم بدار الإسلام، وهم اليوم قد آذوا المسلمين عن طريق التسلل والاحتيال فكيف لو تملكوا وسائل الدعوة والإعلام وصرح لهم بذلك في ديار المسلمين؟ لحصل بذلك ردة وفتنة تجعل الحليم حيرانًا، وهذا هو الحاصل في عصرنا الحاضر حيث أسلم الأوباش زمام القيادة والتوجيه لهم في معظم البلاد الإسلامية فنشروا فيها الإلحاد وأكثروا فيها الفساد وأصبح المسلم غريبًا.

إن القوانين المطبقة في العراق ومصر في حق أهل الذمة هي قوانين

(1) سورة التوبة آية (12).

(2)

انظر الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي ص146.

(3)

انظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام د/ عبد الكريم زيدان ص99.

(4)

انظر مختصر الفتاوى المصرية/ ابن تيمية ص517.

ص: 664

جاهلية لا تمثل رأي الإسلام في قليل أو كثير بل إن ما ورد في المادة الثانية عشرة من الدستور العراقي المؤقت من قولهم (حرية الأديان مصونة) وما ورد في دستور مصر لسنة (1956م) في مادته الثالثة والأربعين «على أن حرية الاعتقاد مطلقة وتحمي الدولة شعائر الأديان» (1). كل هذه النصوص دعوة إلى إباحة الردة عن الإسلام بطريقة لبقة والخروج على منهج الله لكل من تسول له نفسه ذلك، وكذلك تدل هذه النصوص بمساواة الإسلام بغيره من العقائد والمعتقدات الباطلة حيث جعلت الإسلام على قدم المساواة مع المحرفة التي لا يعتنقها إلا واحد أو اثنان في المائة في بعض المجتمعات الإسلامية.

لقد مكن أعداء الإسلام لأنفسهم في بلاد المسلمين عن طريق صنائعهم من ضعاف الإيمان إلى أن يكون لهم منبر يدعون به إلى باطلهم بجميع الوسائل المغرية وحسب مبدئهم القذر الغاية تبرر الوسيلة، فأقاموا مدارس التنصير والتكفير وأسسوا الصحف والمجلات، وتملكوها ووضعوا الخطط لمناهجها ومنطلقاتها، ولو رجعنا إلى أقدم الصحف والمجلات في مصر والشام لرأينا أن الذي أشرف عليها وقام بتأسيسها هم النصارى وأعوانهم مثل جريدة الأهرام وأخبار اليوم وغيرها من الصحف والمجلات (2).

وقد تعدى الأمر أهل الذمة إلى الشيوعيين الذين ينكرون وجود الله ويكذبون بجميع الرسل والكتب السماوية وينكرون البعث والجزاء، فقد أصبح لبعضهم في بعض البلاد التي كانت إسلامية صحف تتحدث باسمهم

(1) انظر ص626 من هذه الرسالة.

(2)

لقد ذكر ذلك الأستاذ/ يوسف العظم مفصلاً في بحث ألقاه في مؤتمر الفقه الإسلامي الأول الذي عقد بالرياض في فندق أنتركنتننتال في الفترة من 1/ 11/1396هـ حتى نهاية اليوم الثامن منه تناول فيه الذين أسسوا الصحف ووسائل الإعلام في بلاد الإسلام بتفصيل موضوعي وتحقيق دقيق مبرهنا على ذلك بالأسماء والأرقام.

ص: 665

وتحمل شعارهم، فقد أصدر الحزب الشيوعي التونسي صحيفته الرسمية المرخص لها بعد أن كان يعمل في الظل وتحمل هذه الصحيفة اسم "الطريق الجديد" وتحت العنوان صورة المطرقة والمنجل شعار الشيوعية الرسمي (1).

وهذا يدلنا على أن تونس تسير على نفس طريق أفغانستان حين سمح ظاهر شاه للشيوعيين بالوجود فكان ما كان من أمر أفغانستان فهل يراد لتونس أن تتحول إلى بلد لا يذكر اسم الله فيه.

ولم يكتف الأعداء بذلك. بل قاموا بنشر المجلات والكتب الهدامة وتسخير الأقلام المأجورة لصالحهم، وشوهوا كتب التاريخ وخاصة التاريخ الإسلامي عن طريق كتابهم الحاقدين على الإسلام والمسلمين، وترجموا الكتب التي تهدم العقيدة والأخلاق بحجة أنه يقرأها غير المسلمين ونحن بدعوتنا إلى تجفيف منابع الكفر والضلال وردمها، لا نقصد من ذلك الحجر على عقول الناس من أن ينظروا أو يقرأوا ما هو موجود في العالم من حولهم، ولكننا نريد أن لا يوضع الشر في طبق من ذهب بين أيدي أناس لا يميزون بين الغث والسمين، ثم إن عمر الإنسان قصير لا يستطيع أن يقرأ كل ما كتب عن الخير والشر ليعقد مقارنة حول ذلك ثم يتخذ موقفًا معينًا من ذلك، فنريد أن لا نشغله بالشر ونعلمه إياه، وهو لم يعرف الخير ولم يتعمق فيه فالطفل الصغير ألزم الإسلام والديه أو من يتكفل بحضانته بأن يرعاه عن الأخطار التي يبلغ الحلم فيميز بين الخير والشر وكذلك الجاهل يجب أن تمنع عنه وسائل الشر حتى يدرك من العلم الشرعي ما يستطيع التمييز به بين الحق والباطل.

ولذلك نقول أن ترك الكفار يدعون إلى كفرهم بالوسائل المختلفة

(1) انظر مجلة الإصلاح عدد (44) محرم 1402هـ السنة الخامسة ص47.

ص: 666

داخل البلاد الإسلامية أمر يمنعه الإسلام حماية لعقيدة الأمة وأخلاقها من التضليل والتحريف.

أما حرية الرأي فليس لأهل الذمة أو غيرهم من الكفار حق اختيار الحاكم الشرعي أو انتخاب رئيس الدولة الإسلامية أو حق المشاركة في عزله وتنحيته، لأن ذلك يتم وفق مقاييس الإسلام وموازينه، وهم لا يؤمنون بها ولذلك لا يحتسبون في هذا المجال سلبًا ولا إيجابًا ولذلك جعل الماوردي حق اختيار الحاكم المسلم مشروطًا بثلاثة شروط هي:

أولاً: العدالة الجامعة لشروطها، وهذا الشرط منتف في الكافر.

ثانيًا: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، وهذا أيضًا منتف بحق الكافر.

ثالثًا: الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف (1).

وبعبارة مختصرة يشترط في حق من ينتخب الحاكم المسلم مثل ما يشترط في حق الحاكم نفسه، من كونه مسلمًا عاقلاً مكلفًا، وعلى هذا فلا يجوز للمسلمين أخذ رأي غير المسلمين في مسألة انتخاب الخليفة المسلم ولا في مسألة إدارة الشئون العامة في الأمة (2).

ولكن نظرًا لموالاة الكفار والتبعية الذليلة لهم من قبل بعض الحكام ومن قبل بعض المرتدين والمنافقين في بلاد الإسلام فقد تجرأ هؤلاء على الدعوة إلى الكفر في داخل البلاد الإسلامية، وذلك بتوجيه المؤسسات الإعلامية، والتعليمية، وغيرها من الوسائل، لنشر الكفر وتزيينه للناس ومحاربة الحق وتشويه معالمه في أذهان الناس حتى نشأت أجيال من

(1) انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص6.

(2)

انظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام. د/ عبد الكريم زيدان ص83.

ص: 667

المسلمين لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، بل لقد أصبح العكس هو الحاصل فقد أصبح في أذهان الكثير من المنتمين إلى الإسلام المنكر معروفًا والمعروف منكرًا والباطل حقًا والحق باطلاً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ص: 668