الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: قتل المسلم بالكافر
إن موالاة ومناصرة المسلم لأخيه المسلم واجب شرعي، بشرط أن لا يترتب على ذلك معصية أو تعطيل حكم شرعي من أحكام الله، ولما كان قتل المسلم بالكافر يوحي بموالاة الكافر ومناصرته ضد المسلم، فقد وضحت السنة النبوية هذا الجانب، وتحدث الفقهاء عنه بما لا يتطلب زيادة لمستزيد.
فقد أجمع الفقهاء على أن المسلم لا يقتل بالكافر الحربي (1). أما إذا كان ذميًا أو مستأمنا فقال جمهور الفقهاء بعدم القتل أيضًا (2). وقد استدلوا بحديث «وأن لا يقتل مسلم بكافر» (3) وحديث «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده، ومن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة
(1) انظر فتح الباري ج12 ص261 (كتاب الديات).
(2)
بداية المجتهد/ محمد بن أحمد القرطبي ج2 ص399.
(3)
رواه البخاري. انظر فتح الباري ج12 ص261.
والناس أجمعين» (1) وروي أيضًا عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتل مؤمن بكافر» (2).
ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يقتل مسلم بكافر سواء كان الكافر ذميًا أو معاهدًا، أما المحارب فلا خلاف فيه حيث إنه ليس له أي شبهة تجعل قتله ممنوعًا أو مؤاخذًا عليه، واستدل الجمهور على قولهم بأنه لا يجوز قتل المسلم بالكافر بالأدلة التالية:
1 -
إن من شروط القصاص المساواة، ولا مساواة بين المسلم والكافر فالإسلام ينبوع الكرامة، والكفر ينبوع الهوان، قال تعالى:(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)(3).
2 -
إن في إباحة دم الذمي والمستأمن شبهة قائمة لوجود الكفر المبيح للدم وعقد الذمة والعهد شيء عارض منع القتل مع بقاء العلة فمن الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلم ذميًا أو معاهدًا، فإن حصل القتل لم يتجه القول إلى القود، لأن الشبهة المبيحة لقتله موجودة ومع قيام الشبهة لا يلزم القول بالقود.
ولأن عصمة الدم وإيجاب القود على القاتل مشروط بالإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (4) فذكر أن عصمة الدم هو الإسلام، وعليه فالكافر غير معصوم الدم فلا يقتص بالمسلم منه.
وخالف في ذلك الأحناف فقالوا يقتل المسلم قصاصًا بالذمي دون
(1) أخرجه أبو داود. انظر بداية المجتهد ج2 ص399.
(2)
أخرجه أبو داود. المصدر السابق نفس المكان.
(3)
سورة الحشر آية (20).
(4)
رواه مسلم انظر صحيح مسلم ج1 ص52، 53.
المستأمن (1) وقد استدلوا بأدلة منها عموم آيات القصاص مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)(2). وقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(3). وقوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)(4) من غير فصل بين قتيل وقتيل ونفس ونفس ومظلوم ومظلوم.
ومن أدلتهم ما روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مسلمًا بذمي وقال: «أنا أحق من وفى بذمته» (5) وقد ضعف البيهقي هذه الرواية (6).
وقال الجمهور: إن هذا الحديث لو ثبت لكان منسوخًا، نظرًا إلى أنه كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية، وحديث «لا يقتل مؤمن بكافر» كان يوم الفتح (7).
وقال الأحناف أيضًا: إن حديث «وأن لا يقتل مسلم بكافر» يراد به غير المعاهد حيث إنه لفظ عام قد ورد ما يخصص المعاهد منه، وقد رجح هذا القول عبد القادر عودة (8)، واستدل الأحناف أيضًا أن المسلم تقطع يده إذا سرق مال الذمي، فوجب قتله إذا قتل، لأن حرمة دمه أعظم من حرمة ماله (9).
وقد أجاب الجمهور بأن ذلك قياس حسن لولا النص على عدم قتل
(1) انظر فتح الباري ج12 ص261.
(2)
سورة البقرة آية (178).
(3)
سورة المائدة آية (45).
(4)
سورة الإسراء آية (33).
(5)
انظر أحكام القرآن للجصاص ج1 ص141.
(6)
انظر السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص30 - 34.
(7)
انظر التشريع الجنائي الإسلامي/ عبد القادر عودة ج1 ص339.
(8)
انظر أحكام القرآن للجصاص ج1 ص144.
(9)
انظر فتح الباري ج12 ص262.
المسلم بالكافر، وقالوا إن السرقة حق لله، ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها لم يسقط الحد ولو عفا المسروق منه، بخلاف القتل، والقصاص في القتل يشعر بالمساواة، ولا مساواة بين المسلم والكافر بخلاف القطع في السرقة فلا يشترط له المساواة.
ولا نريد أن نسترسل في مناقشة أدلة الطرفين مما قد يخرج بنا عن مقصود الرسالة في تحديد العلاقة والمعاملة بين المسلم الجاني والكافر المجني عليه في دار الإسلام، وما يجب أن يعرفه ويتخذه كل مسلم كي يحدد موقفه من ذلك بما يتفق مع نظرة الإسلام في هذه القضية، وخلاصة القول في ذلك هو أن المسلم إذا قتل ذميًا أو معاهدًا، فينظر الحاكم المسلم والقاضي المسلم إلى الدوافع والأسباب التي دفعت إلى القتل هل هي في صالح الإسلام والمسلمين أم لمصالح شخصية ومنافع مادية، ثم ينظر كذلك إلى الذمي والمستأمن هل كانا قائمين بما يجب عليهما محافظين على العقد والعهد أم لا؟
فالذي يجب على المسلم القاتل للذمي أو المستأمن ليس حد قصاص وإنما هي عقوبة تعزيرية، تخضع للسياسة الشرعية (1).
فللحاكم المسلم العدل أن يعزر القاتل تعزيرًا بما دون القتل، وأن يعامله بما هو أخف من ذلك مثل معاملة الكفار للكافر إذا قتل مسلمًا، فغالب أحوالهم لا يوجبون القصاص على الكافر إذا قتل المسلم، فمن باب المعاملة بالمثل يترجح عدم جواز قتل المسلم بالكافر، عملاً بقوله تعالى:(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)(2).
وإن كان الإسلام لا يبيح مجاراة الكفار في ظلمهم وغطرستهم بصفة عامة.
(1) انظر السياسة الشرعية لابن تيمية ص146.
(2)
سورة النحل آية (126).
ومما تقدم يتضح أن قتل المسلم بالكافر ليس حدًا لا تصح الزيادة فيه أو النقص منه، ولذلك عارض جمهور العلماء مسألة القصاص في قتل المسلم بالكافر، للحديث الصحيح في ذلك «وألا يقتل مسلم بكافر» (1) والمرتد عن الإسلام كافر من جنس الكفار، فالذي ينتمي إلى الأحزاب الشيوعية، أو الأحزاب البعثية، أو الأحزاب الاشتراكية، أو المنظمات الماسونية، فإنه كافر ومرتد لخروجه من حزب الله إلى أحزاب الكفر والضلال، ولذلك لو قتل المسلم واحدًا ممن ينتمون إلى تلك الأحزاب الكافرة، فإنه لا يعاقب باعتباره قاتلاً عمدًا سواء قتل المرتد قبل الاستتابة أو بعدها، لأن كل جناية على المرتد هدرًا ما دام باقيًا على ردته (2).
ولكن للأسف الشديد ونظرًا لغياب الحكومة الإسلامية الحقة فإن المسلم اليوم لو قتل جاسوسًا من جواسيس اليهود والنصارى أو راهبًا من رهبانهم الذين ينشرون الفساد والإلحاد في بلاد الإسلام لأخذته السلطات الدخيلة على الإسلام والمسلمين، بالنواصي والأقدام، ولقتلته بهذا الكافر المحارب لله ورسوله والمؤمنين، وكذلك الشأن لو قتل المسلم شيوعيًا ينكر وجود الله ثم اقتيد إلى إحدى المحاكم التي يتربع على مقاعدها بعض القضاة الذين لا هم لهم إلا التكسب والأجر الزهيد، لحاولوا بشتى الوسائل وبالشاذ من الأقوال أن يحققوا رغبة الحاكم في قتل المسلم بالكافر المرتد عن الإسلام، وهذا ليس من قبيل الادعاء والتجني، بل هو الواقع، فعندما قتل أحد دعاة الشيوعية بالمغرب بأيدي مجهولة، عمدت السلطة إلى إلصاق التهمة بالمخلصين من المسلمين، وأجرت لهم، أو للبعض منهم محاكمات صورية كان من نتائج ذلك الحكم بالسجن المؤبد على بعضهم والبعض
(1) رواه البخاري، انظر فتح الباري ج12 ص261 وصححه كذلك بعد تنقيح جميع طرقه، وتخريج الأحاديث المعارضة له في اللفظ والمعنى الشيخ ناصر الدين الألباني، حيث يرى وجوب العمل به وضعف ما ذهب إليه الحنفية من جواز قتل المسلم بالكافر بعد تضعيفه لجميع الروايات التي يحتجون بها. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة ج1 ص473 - 476.
(2)
انظر التشريع الجنائي الإسلامي/ عبد القادر عودة ج1 ص534 - 535.
الآخر شبه مؤبد، والبعض أودع السجن من خمس سنوات وهو لم يحاكم حتى محاكمة مزيفة (1).
كل ذلك إكرامًا للشيوعية والشيوعيين أعداء الإسلام والمسلمين. إلا أنها ردة لا أبا بكر لها!!!
وحتى لا يتوهم أحد أن الإسلام يشجع على سفك دماء الغير بدون سبب مباح نقول: إن الإسلام عندما خفف العقوبة من القتل إلى ما هو دون ذلك، إنما نظر إلى شبهة الكفر المانعة من تكافؤ دم المسلم مع دم الكافر ولكن يجب على المسلم القاتل للذمي والمستأمن عقوبة تعزيرية في الدنيا إذا كان الذمي والمستأمن ملتزمين بما يجب عليهما نحو الإسلام والمسلمين فقد وعد الله عز وجل من اعتدى على قتل معاهد سواء كان ذميًا أو مستأمنًا بحرمانه من الجنة، إذا لم يتب عن ذنبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قتل نفسًا معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» (2).
وهذا من حماية الإسلام للمعاهد الملتزم بالعهد سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا، إذا كان في دار الإسلام، وقد روي أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا من قتل نفسًا معاهدة لها ذمة الله ورسوله، فقد خفر ذمة الله، ولا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفًا» (3).
وهذان الحديثان يستدل بهما من يرى عدم جواز القصاص من المسلم
(1) انظر مجلة المجتمع الكويتية عدد (34) السنة التاسعة في 30/ 3/1399هـ. ص17 وعدد (485) السنة الحادية عشرة في 3/ 8/1400. ص604، وعدد (481) السنة الحادية عشرة في 5/ 7/1400هـ ص13، ص16 - 18.
(2)
رواه البخاري. انظر فتح الباري ج12 ص259.
(3)
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. انظر سنن الترمذي ج2، ص429، (باب الديات) رقم الحديث (1424).
بالكافر، للاقتصار في أمره على الوعيد الأخروي دون الدنيوي (1). وقد رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مختصر الفتاوى المصرية (2).
والذي يظهر لي أن الأولى عدم جواز قتل المسلم بالكافر أيا كان نوع الكافر للحديث الصحيح الوارد في ذلك ولعدم تكافؤ المسلم مع الكافر بسبب الكفر، وإن كان هذا الموضوع بجملته من العقوبات التعزيرية التي هي متروكة للحاكم والقاضي إذا كانا عدلين مسلمين فلهما النظر في ذلك من منظار السياسة الشرعية، وما يحقق المصلحة العامة للإسلام والمسلمين ولكن أين من ينظر إلى مثل هذه الموضوعات من الحكام والقضاة بمنظار الإسلام؟
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(1) انظر فتح الباري ج12 ص260.
(2)
انظر مختصر الفتاوى المصرية/ ابن تيمية ص465.