الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: الاستعانة بالكفار في القتال
إن المتتبع لآيات القرآن الكريم والسنة النبوية يجد من الآيات والأحاديث ما تدل دلالة قطعية على غش الكفار للمسلمين وعداوتهم لهم وخيانتهم لقضاياهم، وتمنيهم السوء للمسلمين ومسرتهم بذلك، وعداوتهم لله ورسوله، فمن والاهم وأعزهم وولاهم أمور المسلمين، فقد خالف ما أمر الله عز وجل بحقهم من وجوب الغلظة والشدة عليهم، ومن اعتقد فيهم النصح والإخلاص فقد كذب بما أخبر الله به عنهم من خيانة وغش وإرادة السوء بالمسلمين قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(1). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(2).
وقال تعالى: (وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)(3) فلا يجوز
(1) سورة آل عمران آية (75).
(2)
سورة آل عمران آية (118).
(3)
سورة النساء آية (89).
الانخداع بما يظهره الكفار من صداقة وإخلاص حيث إنهم أعداء عقيدة لا ترجى مودتهم، وما يتظاهرون به من صداقة ونصح، فإنما هو لأغراض في أنفسهم، ولمصالحهم الخاصة، وللمكر والوقيعة بالمسلمين كالأفعى ينخدع الجاهل برقبتها ونعومتها وفي فمها السم الزعاف، وهؤلاء الكفار كذلك فإن مبدأهم في التعامل مع المسلمين، أن لا إثم ولا خطيئة عليهم في خيانة المسلمين في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، بل يرون ذلك قربة وقصاصًا عما فعله المسلمون بأسلافهم في الشام ومصر والأندلس (1).
وقد حذرنا الله منهم، وبين لنا مواقفهم منا، ونظرتهم إلينا في التعامل والمعاملة، حتى نكون على بينة في معاملتنا لهم، فإن الاستعانة بهم في مصالح المسلمين بصورة غير شرعية، لون من ألوان موالاتهم وتوليهم، وقد بين الله عز وجل أن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم إيمان العبد بربه حتى يتبرأ منهم، فإن البراءة منهم، دليل على عدم موالاتهم، ومن قلدهم الوظائف الهامة والمناصب الكبرى في ديار الإسلام، فقد اتخذهم بطانة من دون المؤمنين، وخالف الأمر بوجوب كسر شوكتهم والشدة عليهم وإشعارهم بالصغار بين المسلمين حتى يسلموا فيعتزوا بالإسلام، أو تضيق بهم نفوسهم في المجتمع الإسلامي الطاهر النظيف، فيلحقوا بالكفار أمثالهم أو يبقوا في وضع ضعيف مهين بحيث لا يشكلون خطرًا على الإسلام والمسلمين، فإذلال الكفار من غير ظلم أو تعد لما شرعه الله لهم من حقوق، أمر مطلوب من كل مسلم قال تعالى:(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)(2). وقال تعالى: (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)(3). وقال تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(4). وهذا لا يتأتى مع توليتهم
(1) انظر ما قاله أحدهم في (أحكام أهل الذمة) / لابن قيم الجوزية ج1 ص227.
(2)
سورة الفتح آية (29).
(3)
سورة التوبة آية (123).
(4)
سورة التوبة آية (29).
المناصب القيادية في الجيش وجعل الخبراء العسكريين والمستشارين منهم فإن معاملتهم بهذه الصفة تتنافى مع مقتضى الآيات المتقدمة في معاملة الكفار.
وقد اختلف العلماء في مسألة الاستعانة بالكفار في الحرب على قولين:
القول الأول: هو قول من قال بعدم جواز الاستعانة بالكفار في الحرب وهو مذهب المالكية (1). وبه قال الإمام أحمد رحمه الله (2) وقد استدل المانعون بعدد من الآيات والأحاديث هي كما يلي:-
1 -
قول الله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)(3). قيل: إنها نزلت في عبادة ابن الصامت رضي الله عنه فقد كان له حلفاء من اليهود فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال: له عبادة، يا نبي الله إن معي خمسمائة من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي، فاستظهر بهم على العدو فأنزل الله هذه الآية (4).
2 -
قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(5). فقد رجح
(1) انظر روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن/ محمد علي الصابوني ج1 ص402 - وانظر تفسير آيات الأحكام/ محمد علي السايس ج2 ص7.
(2)
انظر الأحكام السلطانية/ للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص39، 225.
(3)
سورة آل عمران آية (28).
(4)
انظر تفسير آيات الأحكام/ محمد علي السايس ج2 ص6. وانظر جامع البيان للقرطبي ج4 ص58. وانظر روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن/ محمد علي الصابوني ج1 ص403. وانظر أحكام القرآن للجصاص ج2 ص36 - 37.
(5)
سورة آل عمران آية (118).
القرطبي عدم جواز الاستعانة بالكفار حيث يقول: إن الله قد وضح لنا العلة في النهي عن اتخاذهم بطانة بقوله: (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) ثم ختم الآية بقوله: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) فهل نكذب بيان الله فيهم ونصدقهم فنقربهم ونتقرب إليهم؟ (1). وفي زاد المسير قال القاضي أبو يعلى: هذه الآية دليل على أنه لا يجوز الاستعانة بالكفار في أمر من أمور المسلمين (2).
3 -
قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(3). قال ابن خويز منداد: هذه الآية تضمنت مع مثيلاتها المنع من التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك (4).
ويقول القرطبي: إن الصحيح من مذهب الشافعي هو منع الاستعانة بالكفار في القتال (5). وهو ما ذهب إليه القرطبي أيضًا (6).
وقد ذكر أن الشافعي علل ذلك بأنه طريق لأن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا (7).
وأجاب من يرى الجواز بأن السبيل هو اليد وهي للإمام الذي استعان بالكفار (8).
4 -
ومن الأحاديث ما روى مسلم في صحيحه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرّة الوبر أدركه رجل
(1) انظر تفسير القرطبي ج4 ص180.
(2)
انظر زاد المسير في علم التفسير/ عبد الرحمن بن الجوزي ج1 ص447.
(3)
سورة المائدة آية (57).
(4)
انظر تفسير القرطبي ج6 ص224.
(5)
انظر تفسير القرطبي ج6 ص224.
(6)
المصدر السابق المكان نفسه.
(7)
انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص44.
(8)
المصدر السابق المكان نفسه.
قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه. فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك، وأصيب معك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «تؤمن بالله ورسوله؟ قال لا
…
قال فارجع: فلن أستعين بمشرك» قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل
…
فقال له كما قال أول مرة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة. قال: «فارجع فلن نستعين بمشرك» . قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء. فقال كما قال أول مرة «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «فانطلق» (1).
5 -
روى الواقدي أن خبيب بن يساف، كان رجلاً شجاعًا وكان يأبى الإسلام فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، خرج هو وقيس بن محرث، فعرضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجا معه، فقال «لا يخرج معنا رجل ليس على ديننا» فقال خبيب: قد علم قومي أني عظيم الغناء في الحرب فأقاتل معك للغنيمة قال: «لا، ولكن أسلم ثم قاتل» (2).
6 -
روى الإمام أحمد عن خبيب عن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوًا أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدًا لا نشهده معهم «قال أو اسلمتما» قلنا لا! «قال فلا نستعين بالمشركين على المشركين» قال فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلاً وضربني ضربة وتزوجت بابنته بعد ذلك، فكانت تقول: لا عدمت رجلَا وشحك هذا الوشاح فأقول: لا عدمت رجلاً عجل أباك النار (3).
القول الثاني: قول من جوَّز الاستعانة بالكفار عند الحاجة إلى ذلك
(1) صحيح مسلم ج3 ص1449 - 1450 وسنن أبي داود ج3 ص75.
(2)
انظر صور من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ص325/ أمين دويدار. وانظر نيل الأوطار للشوكاني ج8ص43.
(3)
مسند الإمام أحمد ج3 ص454. وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة ج2 ص102.
وهو قول جمهور الشافعية والحنابلة والأحناف (1). وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أحاديث هي كما يلي:
1 -
ما روي أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر» (2).
2 -
وفي صلح الحديبية كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث أثناء توجهه إلى مكة عندما كان بذي الحليفة عينًا له من قبيلة خزاعة اسمه بشر بن أبي سفيان ليأتيه بخبر أهل مكة، وبشر بن أبي سفيان كان مشركًا من قبيلة خزاعة، وفي هذا تأكيد لجواز الاستعانة بالمشركين، عند الطمأنينة إليهم (3).
3 -
وقد شارك في معركة أحد مع المسلمين مخريق بن ثعلبة اليهودي عقيدة وديانة العربي نسبًا وعرقًا، وكان قتاله تنفيذًا للمعاهدة المبرمة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، فدعا اليهود إلى حمل السلاح مع المسلمين فقالوا اليوم يوم السبت، فأخذ سلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل حتى قتل، وقال إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء وكان له سبعة بساتين وقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقافًا بالمدينة (4).
4 -
إن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعان بيهود بني قينقاع وقسم لهم، واستعان بصفوان بن أمية في يوم حنين (قبل إسلامه) فدل ذلك على الجواز (5).
(1) انظر روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن ج1 ص402 وانظر تفسير آيات الأحكام/ محمد علي السايس ج2 ص7. وانظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص43، وانظر زاد المعاد/ لابن قيم الجوزية ج2 ص190، وانظر كتاب الإسلام انطلاق لا جمود/ د/ مصطفى الرافعي ص16 وانظر الدرر السنية ج7 ص376.
(2)
انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص44، وانظر غزوة أحد/ محمد أحمد باشميل ص228.
(3)
انظر فقه السيرة محمد سعيد رمضان البوطي ص252.
وانظر زاد المعاد لابن القيم الجوزي ج2 ص123. وانظر نيل الأوطار للشوكاني ج8ص45.
(4)
انظر غزوة أحد/ محمد أحمد باشميل ص226 - 231.
(5)
انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة ج3 ص22.
وانظر روائع البيان في تفسير القرآن ج1 ص402.
وانظر تفسير آيات الأحكام/ محمد علي السايس ج2 ص7.
وانظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص43.
5 -
وعن ذي مخبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستصالحون الروم صلحًا وتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم» (1).
6 -
وعن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم (2).
وقد رد أصحاب هذا القول على أصحاب القول الأول القائلين بعدم جواز الاستعانة بالكفار بردود هي:-
أ- إن أدلة النهي عن الاستعانة بالكفار منسوخة بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وعمله كما تقدم ذكر ذلك (3).
ب- إن القائلين بالجواز لم يذكروا أنه يجوز الاستعانة بالكفار مطلقًا وإنما قيدوا ذلك بشرطين هما:-
1 -
الحاجة إلى الكفار في حالة عدم وجود من يحل محلهم من المسلمين.
2 -
الوثوق بهم، وغلبة الظن على أمانتهم، وعدم مكرهم. أما بدون هذين الشرطين فلا تجوز الاستعانة بهم بحال من الأحوال وهذا هو الراجح، وعلى ذلك يحمل حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في صحيح مسلم، ويحصل الجمع بين الأدلة أدلة المنع وأدلة الجواز (4).
(1) رواه أحمد وأبو داود. انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص43.
(2)
رواه أبو داود في مراسيله. المصدر السابق نفس المكان.
(3)
انظر روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن. ج1 ص402، وانظر تفسير آيات الأحكام/ محمد علي السايس ج2 ص7.
(4)
انظر المصدرين السابقين، من نفس المكان.
وقد نقل عن الشافعي رحمه الله ما يوافق هذا المعنى حيث روي أنه قال: «إن رأى الإمام أن الكافر حسن النية، حسن الرأي مأمون الجانب على المسلمين، وكانت الحاجة داعية إلى الاستعانة به جاز ذلك وإلا فلا» (1).
ولعل هذا هو المتفق مع أدلة النهي وأدلة الجواز، إذ روي أنه صلى الله عليه وسلم قبل معونة صفوان بن أمية يوم حنين، وهو مشرك، فتكون المسألة في ذلك داخلة تحت مفهوم السياسة الشرعية لمصلحة الدعوة الإسلامية (2).
والظاهر لي من الأدلة عدم جواز الاستعانة بالمشركين إلا عند توفر الشرطين المتقدمين وذلك لسببين:
السبب الأول: إن الأحاديث التي استدل بها على جواز الاستعانة بالكفار لا تسلم من مقال أو توجيه يجعل العمل بها غير ملزم. فمقاتلة قزمان مع المسلمين لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر، وغاية ما فيه، أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين (3).
وأما استعانته صلى الله عليه وسلم ببشر بن أبي سفيان عينا له على قريش وهو مشرك فإنما استعان به بما دون القتال، وهذه المسألة أقرب في الجواز من مسألة القتال والحرب (4).
وأما ما روي عن الزهري مرسلاً، فإن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف (5).
وأما استعانته صلى الله عليه وسلم بابن أبي من المنافقين فليس من قبيل الاستعانة
(1) انظر مغني المحتاج ج4 ص221.
(2)
انظر فقه السيرة/ محمد سعيد رمضان البوطي ص190.
(3)
انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص45.
(4)
فقه السيرة/ محمد سعيد رمضان البوطي ص252.
(5)
انظر نيل الأوطار للشوكاني ص45.
بالكفار لأنه مظهر للإسلام، والمنافق يحكم عليه بحسب ظاهره والله عز وجل يتولى سره (1).
السبب الثاني: إن توجيه أدلة الجواز وأدلة المنع ممكن باتباع الأوجه التالية:-
الوجه الأول: ما قال الشافعي رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الرغبة في الذين ردهم، فردهم رجاء أن يسلموا فصدّق الله ظنه فيهم، وفيه نظر لأن قوله صلى الله عليه وسلم «فارجع فلن نستعين بمشرك» نكرة في سياق النفي وهي تفيد العموم (2).
الوجه الثاني: قول الجماعة إن الاستعانة كانت ممنوعة، ثم رخص فيها قال: ذلك الحافظ في التلخيص، وعليه نص الإمام الشافعي (3).
الوجه الثالث: ما ذكر في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق، إلا عندما يستقيمون على أوامر الولي المسلم ونواهيه، واستدلوا بأن استعانته صلى الله عليه وسلم بمن سبق ذكرهم إنما كانت بهذا الوصف، بمعنى أن يكون الكفار مأمورين منهيين، لا آمرين ناهين (4).
أما استعانته صلى الله عليه وسلم بالمنافقين فقد انعقد الإجماع على جواز الاستعانة بهم على الكفار، فقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بابن أبي وأصحابه، وكذلك الاستعانة بالفساق على الكفار (5).
ومن هذا الباب الاستعانة بالفساق على البغاة حيث يرى الإمام الشوكاني جواز ذلك (6).
(1) انظر المصدر السابق نفس المكان.
(2)
انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص43 - 44.
(3)
المصدر السابق المكان نفسه.
(4)
المصدر السابق المكان نفسه.
(5)
المصدر السابق المكان نفسه.
(6)
المصدر السابق المكان نفسه.
الوجه الرابع: اشتراط بعض أهل العلم ومنهم الهادوية، أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق، إلا إذا كان مع الإمام جماعة يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية، على الذين استعان بهم ليكون المستعان بهم مغلوبين لا غالبين، كما كان وضع المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبناء على ما تقدم فقد اشترط القائلون بجواز الاستعانة بالكفار شروطًا تجعل الاستعانة بالكفار عند الضرورة القصوى، وفي مجالات لا تؤثر في عقيدة الإسلام وحياة المسلمين وهذه الشروط كما يلي:-
1 -
أن لا يوجد من المسلمين من يقوم مقام الكافر أو الكفار الذين يراد الاستعانة بهم.
2 -
أن يستعان بهم فيما دون القتال مع المسلمين كما هو رأي الجمهور (1).
3 -
أن يكون المستعان بهم من الكفار فيه نصح ونفع للمسلمين.
4 -
أن لا يستقل الكافر برأي أو مشورة، عن رأي أهل الحل والعقد من المسلمين، بل يكون تابعًا مأمورًا، لا آمرًا متبوعًا.
5 -
أن لا يكون للمشركين صولة ودولة يخشى منها التعاون مع من استعان بهم المسلمون من الكفار لضرب الإسلام وأهله.
6 -
أن يكون الكافر أو الكفار المستعان بهم مستخدمين أجراء لا أنصارًا مكرمين.
7 -
إن جاز على بعض الأقوال الاستعانة بالمشرك في حرب غيره من المشركين فلا يجوز بحال من الأحوال الاستعانة بالمشركين في حرب البغاة من أهل الإسلام (2).
(1) انظر فقه السيرة/ محمد سعيد رمضان البوطي ص190.
(2)
انظر الدرر السنية ج7 ص376.
ولكن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يجد عكس ذلك تمامًا حيث إن الكفار يقدمون على المسلمين في ديار الإسلام فهم المستشارون العسكريون والخبراء المنفذون، ولهم من الامتيازات العظيمة والتسهيلات الواسعة ما جعلهم يحصلون على تقدير مادي ومعنوي، لا يحصل عليه المسلم الذي يساويهم أو يتفوق عليهم علمًا وعملاً، فبلاد المسلمين تكتظ بملايين النصارى واليهود وأهل الأوثان الذين يحملون جنسيات مختلفة وهم في حقيقة أمرهم جواسيس للأعداء وقد كشفت الحروب الثلاثة مع اليهود جوانب من ذلك (1).
بينما كثير من أهل الخبرة والمعرفة من المسلمين مهاجرون إلى دول الغرب والشرق بسبب سوء المعاملة التي يتلقونها في داخل البلاد الإسلامية فواقع المسلمين عكس ما يجب أن يكون تمامًا، حيث إنهم أذلاء في معاملة الكافرين أشداء في معاملة المؤمنين فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) انظر كتاب كيف تحطمت الطائرات عند الفجر، وكتاب سقوط الجولان، تأليف/ خليل مصطفى/ ضابط استخبارات الجولان قبل حرب 1387هـ-1967م.