الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول: السلام على الكفار والزيارة لهم
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» (1).
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» متفق عليه (2). وعن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين -عبدة الأوثان واليهود- فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه (3).
وقد اختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به فمذهب الشافعية - تحريم ابتدائهم بالسلام وهو قول أكثر العلماء ومذهب السلف.
(1) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج4 ص1707.
(2)
رواه البخاري ومسلم. انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين ج1 ص670.
(3)
متفق عليه. المصدر السابق نفس المكان.
وذهبت طائفة إلى جواز ابتداء الكفار بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة (1) وابن أبي محيريز (2) وهو قول بعض الشافعية ونقل عن الماوردي (3)، وقد احتج هؤلاء بعموم الأحاديث الدالة على إفشاء السلام.
ورد عليهم القائلون بالمنع من الابتداء بالسلام على الكفار بأن أحاديث الأمر بالسلام عامة قد ورد ما يخصصها.
وقد قال بعض الشافعية بأن ابتداء الكفار بالسلام مكروه لا محرم وقد ضعف النووي هذا القول.
ونقل عن القاضي وجماعة من أهل العلم أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام للضرورة والحاجة، نقل ذلك أيضًا عن علقمة (4) والنخعي. وذكر أن الأوزاعي يقول: إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون.
(1) يوجد خمسة من الصحابة يكنون بهذه الكنية ولم أتميز أيهم. انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة/ ابن الأثير ج5 ص138 - 139.
(2)
هو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن عبيد القرشي الجمحي الملكي، نزيل بيت المقدس تابعي جليل روى عن عدد من الصحابة ووثقه غير واحد. وأثنى عليه جماعة من الأئمة وهو ثقة من رجال الشيخين كان يختم القرآن كل جمعة توفي رحمه الله سنة تسع وتسعين من الهجرة.
انظر البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص185 - 186.
(3)
هو علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي (أبو الحسن) فقيه، أصولي، مفسر، أديب، سياسي، درس بالبصرة وبغداد وولي القضاء ببلدان كثيرة، وبلغ منزلة عند ملوك بني بويه، ولد سنة (364هـ) وتوفي ببغداد سنة (450هـ) من تصانيفه الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي في مجلدات كثيرة، تفسير القرآن الكريم، أدب الدين والدنيا، الأحكام السلطانية انظر معجم المؤلفين ج7 ص189.
(4)
هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني، أبو شبل: تابعي، جليل، كان فقيه العراق، يشبه ابن مسعود في هديه وسمعته وفضله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى الحديث عن الصحابة، ورواه عنه كثيرون وشهد صفين، وغزا خراسان، وأقام بخوارزم سنتين، وبمرور مدة، وسكن الكوفة وتوفي بها سنة (62هـ). انظر البداية والنهاية ج8 ص217.
وأما مسألة الرد عليهم إذا ابتدؤا بالسلام على المسلم فقال الشافعية يجب الرد عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط كما ذكر في الحديث الصحيح.
وروى ابن وهب (1) وأشهب عن مالك أنه قال: لا يرد عليهم السلام، وذكر عن الماوردي أنه يرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول و (رحمة الله) وهو ضعيف لمعارضته نص الحديث الصحيح.
والراجح من ذلك أن الرد عليهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وعليكم» عند الشك وعدم تحقيق السامع من نطق السلام، أما إذا نطق الكافر بقول: السلام عليكم، فإن الذي تقتضيه الأدلة الشرعية أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان وقد قال تعالى:(وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)(2) والأمر بالاقتصار على قول الراد (وعليكم) بناء على السبب الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم من الدعاء قال تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ)(3).
أما السلام على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فجائز الابتداء به كما تقدم في الحديث، وذلك من عظيم خلقه وكمال حلمه صلى الله عليه وسلم وحثه على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس، ما لم تدع حاجة ماسة إلى المخاشنة والغلظة معهم وإظهار البغض لهم (4).
(1) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي بالولاء المصري المالكي (أبو محمد) فقيه، مفسر، محدث، مقرئ، ولد بمصر في ذي القعدة سنة (115هـ) وروى عن عدد من العلماء، وصحب الإمام مالك بن أنس عشرين سنة وتوفي بمصر لخمس بقين من شبعان سنة (197هـ) من تصانيفه: الجامع في الحديث، أهوال يوم القيامة، الموطأ الصغير، الموطأ الكبير، تفسير القرآن الكريم. انظر معجم المؤلفين/ ج6 ص162.
(2)
سورة النساء آية (86).
(3)
سورة المجادلة آية (8).
(4)
انظر فيما تقدم: صحيح مسلم بشرح النووي ج14 ص144 - 145.
وانظر أحكام أهل الذمة - ابن قيم الجوزية ص191 - 193.
وانظر المغني والشرح الكبير ج10 ص625 - 626.
وموضوع السلام الذي تقدم ذكره هو السلام بين مسلم وكافر يعرف العربية والرد بها.
ولكن ما حكم العمل مع أولئك الذين لا يعرفون لغة العرب في بدئهم بالسلام أو الرد عليهم، أو بدئهم بتحيتهم التي تختلف عن السلام لفظًا ومعنى، أو الرد عليهم إذا حيوا بتلك التحية التي لا تحمل معنى السلام؟
والذي أراه في هذه المسألة هو ترك ابتداء هؤلاء بالسلام وإذا حيوا بتحية جاز رد مثلها عليهم.
ويرى البعض استحباب هجر الكافر ونحوه إذا كان مظهرًا لعادات الكفر متلبسًا بأفعال الكفار بين المسلمين ودليلهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وفد عليه وفد من نجران هم شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي، وجبار بن فيض الحارثي، وذلك أنهم عندما وصلوا إلى المدينة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم في السفر، ولبسوا حللاً لهم وخواتيم الذهب ثم انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم، وتعرضوا لكلامه نهارًا طويلاً فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وكانا معرفة لهما، فوجداهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن! إن نبيكم كتب إلينا كتابًا فأقبلنا مجيبيين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارًا طويلاً فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكم؟ أترون أن نرجع؟
فقالا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في القوم -ما ترى
يا أبا الحسن: في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن: أرى أن
يضعوا حللهم هذه وخواتيهم هذه ويلبسوا ثياب السفر ويعودوا إليه
- ففعلوا فسلموا عليه فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم السلام. ثم قال: «والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم» (1).
فما ظنك بمن يرفع أعلام الكفر وشعاراته التي تتعارض مع صريح القرآن كرفع الصليب ونحوه عند قدوم الكفار، أو من يستقبل الكفار وأِشباه الكفار الذي تقطر أيديهم من دماء المسلمين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أن يقولوا ربنا الله.
لقد أصبحت معانقة الكفار والبشاشة في وجوهم أمرًا مألوفًا عند كثير من قادة البلاد الإسلامية وعامتها بل لقد وصل الأمر عند البعض إلى أن يبادل زوجته مع زوجة ضيفه الكافر لتصاحبه وتداعبه كما حصل من زوجة السادات (جيهان) التي قبلت (بيغن) وعانقته، وقبله عانقت كارتر وراقصته ومن بعدهما كيسنجر وآخرهم الأمير تشارلز؟ (2).
إن معانقة الكفار عامة، ونسائهم خاصة أمر لا يقره الإسلام فقد روت عائشة رضي الله عنها حيث قالت: «والله ما مست يده -تعني رسول
الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك» (3).
أما مسألة زيارة الكفار وعيادتهم إذا مرضوا، فإن مما لا شك فيه أن
(1) روى ذلك الحافظ بن كثير عن الحافظ أبي بكر البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ وأبي سعيد بن محمد بن موسى بن الفضيل قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن سلمة بن يسوع عن أبيه عن جده- قال يونس. وكان نصرانيًا فأسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
انظر البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص54 وقد رجعت إلى السنن الكبرى للبيهقي فلم أعثر لهذا النص على ذكر.
(2)
انظر مجلة المجتمع الكويتية عدد 542 السنة الحادية عشرة في 9/ 11/401هـ، ص3.
(3)
أخرجه البخاري. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج2، ص52 - 56، رقم الحديث (529 - 530).
الأعمال مرتبطة بالنيات - روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
…
» الحديث (1). فزيارة المسلم للكافر تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: زيارة القريب أو الجار أو الصاحب الكافر من قبل المسلم وهذه قد تكون مستحبة، إذا زاره ليعرض عليه الإسلام ويرغبه في الدخول فيه، وخاصة إذا رأى أن في زيارته له فرصة أن يقبل منه الدعوة إلى الدخول في دين الله، كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما زار الغلام اليهودي وهو مريض وعرض عليه الإسلام فأسلم (2).
وفي الصحيحين عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن أباه أخبره فقال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب «أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب (3).
القسم الثاني: الزيارة المباحة: وهي الزيارة لقوم من المشركين لم يقصد بها الدعوة، ولم يقصد بها الطمع في شيء مما هم مختصون به وإنما صلة للقرابة ونحو ذلك حيث قال المروذي (4): بلغني أن أبا عبد الله (أحمد
(1) رواه البخاري ومسلم. انظر جامع العلوم والحكم/ عبد الرحمن بن شهاب الدين الحنبلي ص5.
(2)
انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج3 ص219. وج10ص119.
(3)
رواه البخاري ومسلم. انظر أحكام أهل الذمة ج1 ص201، وانظر المغني والشرح الكبير ج10، ص617.
(4)
لعله أبو بكر المروذي المتوفي سنة (257هـ) وهو غير المروزي. انظر أحكام أهل الذمة ج1 ص200.
بن حنبل) سُئِلَ عن رجل له قرابة نصراني: هل يعوده؟ قال نعم. قيل له نصراني! قال أرجو ألا تضيق العيادة (1).
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد رجلاً على غير دين الإسلام لم يجلس عنده وقال: كيف أنت يا يهودي، يا نصراني (2)؟.
القسم الثالث: وهي الزيارة المحرمة التي تدل على موالاة الكفار وهي الزيارة التي لا يقصد بها عمل خير في سبيل الله، وإنما يقصد بها الانبساط معهم والسرور لمشاهدة منكراتهم، والتعاون معهم في ذلك، قال جعفر بن محمد سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الرجل يعود شريكًا له يهوديًا أو نصرانيًا؟ قال: لا ولا كرامة (3).
فالذي يختار صحبة الكفار ويأنس بهم بدلاً من المؤمنين ويفرح بالجلوس معهم ويفتخر به عند الناس لا شك أن هذا الفعل دليل على المحبة والمودة لهم ولأفعالهم وأقوالهم، وهذه هي الموالاة المنهي عنها فقد ورد في الحديث «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (4)، وحديث:«المرء مع من أحب» (5). فليحذر المسلم من الوقوع فيما حرم الله من حيث يشعر أو لا يشعر.
(1) انظر أحكام أهل الذمة ج1 ص200.
(2)
المصدر السابق ج1 ص202.
(3)
المصدر السابق ج1 ص201.
(4)
رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي حديث حسن، انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين ج1 ص341 وصححه النووي. انظر تحفة الأخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران، حمود التويجري ص25 وقد ضعف الألباني هذا الحديث. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ج2 ص633 رقم الحديث 927.
(5)
رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج4 ص2270.