الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال الرابع: إطلاق يد الكفار في بناء المعابد لهم في بلاد المسلمين
قبل أن نستعرض ما يقوم به سماسرة اليهود والنصارى في إطلاق يد الكفار في بناء الكنائس وتعميرها في أرض الإسلام والمسلمين، ننظر إلى أقوال فقهاء الإسلام في هذا الشأن حتى يكون القارئ على بينة بما يجوز وما لا يجوز في ذلك فلا ينخدع بما يقوله المضللون في هذا الشأن فيعرف أعداءه وأعداء دينه من خلال ما يقومون به من أعمال تدل على موالاتهم وتبعيتهم للكفار.
ومن خلال نظرتي في هذا الموضوع يظهر لي أن حكم بناء الكنائس وتجديدها في ديار المسلمين على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: البلاد التي أحدثها المسلمون وأقاموها مثل الكوفة والبصرة وبغداد والقاهرة والمعادي وحلوان والقيروان ونحوها من المدن والقرى التي نشأت بعد الفتح الإسلامي لا يجوز فيها إحداث كنيسة (1) ولا
(1) انظر في تعريفها ص622 من هذه الرسالة.
بيعة (1) ولا دير (2) ولا صومعة (3)، لأنها أنشأت في العهد الإسلامي وهي تمثل الإسلام وأهله (4).
القسم الثاني: البلاد التي فتحها المسلمون عنوة مثل الإسكندرية بمصر والقسطنطينية في تركيا ونحو ذلك من المدن والقرى، فلا يجوز إحداث شيء من البيع والكنائس فيها، وإن كان يجوز ترك ما هو موجود فيها على الرأي الراجح من أقوال الفقهاء، وقال بعضهم بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، ولكن الأولى إبقاؤها وعدم تجديد ما خرب منها (5).
القسم الثالث: ما فتح صلحًا بين المسلمين وبين سكانها. والمختار في ذلك هو ترك ما كان موجودًا بها من كنائس وبيع على ما هي عليه وقت الفتح، ومنع بناء وإعادة ما هدم منها وهو رأي الإمام الشافعي وأحمد (رحمهما الله) إلا إذا اشترط أهل الذمة في عقد الصلح مع الإمام إقامتها فعهدهم يجب الوفاء به (6). وحين يتعدى أهل الذمة شروط الصلح فحينئذ يجوز هدم ما بقي منها بناء على نقض العهد من قبلهم، ويظهر من الآثار
(1) معبد النصارى والجمع بيع. انظر المعجم الوسيط ج1 ص79.
(2)
انظر في بيان معناه ص622 من هذه الرسالة.
(3)
انظر في بيان معناها ص622 من هذه الرسالة.
(4)
انظر المغني والشرح الكبير ج10، ص618 - 620. وانظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام د/ عبد الكريم زيدان ص96 - 97. وانظر إجابة الشيخ محمد عبد الله الخطيب في مجلة الدعوة المصرية العدد (56) السنة الثلاثون (430) في صفر 1401هـ، ص40، حول سؤال وجه إليه في حكم بناء الكنائس في دار الإسلام.
(5)
انظر المغني والشرح الكبير ج10، ص618 - 620 وانظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام د/ عبد الكريم زيدان ص96 - 97 وانظر إجابة الشيخ محمد عبد الله الخطيب في مجلة الدعوة المصرية العدد (56) السنة الثلاثون (430) في صفر 1401هـ، ص40 حول سؤال وجه إليه في حكم بناء الكنائس في دار الإسلام.
(6)
المصادر السابقة نفس المكان.
الواردة في ذلك أن الإسلام لا يجيز إحداث الكنائس في دار الإسلام، وأن السياسة الشرعية ترمي إلى تقليلها تدريجًا كلما واتت الفرصة إلى ذلك لأنها باطل يجب زواله من دار الإسلام ولذلك ورد في الحديث «لا تبنى الكنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها» (1).
ولكن كثيرًا من حكام اليوم قد تجاوزوا هذه المسألة كما تجاوزوا غيرها من أحكام الإسلام فبدلاً أن يعمروا المساجد ويعينوا المسلمين على ذلك بدأ هؤلاء الحكام ينظرون إلى المساجد نظرة عداء وكم من المساجد التي هدمت على المصلين في الشام وغيرها من بلاد المسلمين بينما نجد التغافل والتغاضي عن بناء الكنائس وانتشار سدنتها من المكفرين والمفسدين في الأرض، لقد وصل الأمر إلى أن يتزعم بعض الرؤساء المحسوبين من أهل الإسلام بناء الكنائس من بيت مال المسلمين ليقيم شعائر الكفر بعد أربعة عشر قرنًا من تحطيمها وكمثال على ذلك نذكر ما صرح به رئيس مصر (السادات) عندما وقع على وثيقة الاستسلام لليهود والنصارى، دعاه (وليام ميتن دورف) رئيس شركة أمريكية مشهورة جدًا اسمها (تيفاني) ومنح الرئيس المصري جائزة مقدمة من النصارى لمصالحة السادات لليهود، وعند ذلك فكر السادات كيف يرد الجميل؟
فوجد أن أعز شيء لديهم هو أن يقيم لهم الكنائس في مصر في الوقت الذي يسلم فيه الرئيس المصري القدس لليهود - فطلب السادات من (وليام متن) أن يصاحبه إلى مصر حتى يضع معه أساسًا لكنيسة عظمى في جبل سيناء وقد قبل هذا العرض وهو في طريقه للتنفيذ (2). إلا أن يشاء الله غير ذلك.
(1) رواه كثير بن مرة عن علي بن أبي طالب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر المغني والشرح الكبير ج10 ص620.
(2)
انظر مجلة المجتمع الكويتية عدد (479) السنة الحادية عشر في 28/ 6/1400هـ. ص15.
ولم يكتف السادات بذلك بل أصدر قرارًا جمهوريًا سمح بموجبه ببناء خمسين كنيسة لكل عام (1) وعلى هذا ستبلغ الكنائس المحدثة خلال عشرة أعوام خمسمائة كنيسة، وعندما اضطرت حكومة السادات لهدم كنيسة تقع في وسط أحد الشوارع الجديدة، قامت ببناء إحدى عشرة كنيسة بدلاً من كنيسة واحدة، ويصرح القانون البلدي في مصر في عهد السادات، أنه لا بد من طلب الترخيص لبناء المساجد وعلى أي مستوى، أما الكنائس فإنها تبنى بدون أي ترخيص (2) وليس هذا الأمر خاصًا بمصر وحدها، بل لقد تجاوز الأمر ذلك إلى دبي والفجيرة وأبو ظبي، فقد نشرت مجلة الإصلاح الصادرة من دبي في دولة الإمارات صورة لكنيسة ضخمة في دبي وقالت في تعليقها هذه إحدى كنائس دبي وقد ضاهت في علوها مآذن المساجد في ذلك البلد المسلم. وفي أبو ظبي وضع مخطط لمدينة الرويس النفطية ومن ضمنه تصميم لكنيسة كبرى سوف تقام هناك، وقد وزعت الإرساليات -التبشيرية- في دبي منشورات لجمع التبرعات لهذه الكنيسة التي تعتبر الثانية من نوعها في أبو ظبي (3).
وفي الفجيرة تجري اتصالات على مستوى كبير للحصول على ترخيص من حكومة الفجيرة لإقامة مجمع يشتمل على بعض الكنائس والمدارس والمراكز التنصيرية (4).
كل هذا يجري في بلاد المسلمين وخاصة في جزيرة العرب التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا» (5).
(1) المصدر السابق عدد (544) السنة الحادية عشرة في 24/ 11/1401هـ. ص22.
(2)
انظر مجلة الإصلاح عدد (26) جمادى الثانية (1400هـ) ص21.
(3)
انظر مجلة الإصلاح عدد (40) السنة الثالثة رمضان (1401هـ) ص8 - 9.
(4)
انظر مجلة الإصلاح عدد (26) جمادى الثانية (1400هـ) ص13.
(5)
رواه مسلم وأحمد والترمذي. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، م2 ص629 رقم الحديث (924).
أليس هؤلاء الذين يسمحون ببناء الكنائس في بلاد المسلمين عامة والجزيرة العربية خاصة أو يتغافلون عما هو موجود منها قد عظموا أعداء الله أكثر من تعظيمهم لله ولرسوله ولدين الإسلام وأحبوهم أكثر من حبهم لله ورسوله، ولولا ذلك لما عصوا أمر الله ورسوله وأطاعوا أمر المشركين وطلبوا رضاهم بإقامة تلك الكنائس التي هي إظهار للكفر على الإسلام.
كيف لا؟ والله عز وجل قد طلب منهم عكس ذلك وهو إظهار الإسلام على الكفر في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(1). وأمرنا بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(2)، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح قبلتان في أرض وليس على مسلم جزية» (3).
فبماذا يجيب الذين ينشرون الكنائس والبيع في أرض المسلمين؟ هل أصبح حبهم لليهود والنصارى أعظم من حبهم لله ورسوله والمؤمنين؟
اللهم إننا نبرأ إليك مما يفعله المتسلطون على رقاب المسلمين في موالاتهم لأعدائك وعداوتهم لأوليائك، إنك حسبنا ونعم الوكيل.
(1) سورة الصف آية (9).
(2)
سورة الأحزاب آية (21).
(3)
رواه أحمد وأبو داود. انظر نيل الأوطار للشوكاني ج8 ص219.