الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث: الاستعانة بسلاح الكفار
إن السلاح سلعة من السلع التجارية التي يجوز للمسلم أن يشتريها من المسلم أو الكافر، ولكن شراء السلاح من الكافر خاصة يجب أن لا يترتب عليه موالاة لأعداء الله أو مودة أو مناصرة لهم، فقد ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن أمية أدراعًا وأسلحة، فأرسل إليه - وصفوان يومئذ مشرك - وطلب منه تلك الدروع والأسلحة. فقال صفوان: أغصبًا يا محمد؟!
…
قال: بل عارية: وهي مضمونة حتى نؤديها إليك. فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح (1).
ومما تقدم يتضح لي أن الاستعانة ببعض ممتلكات الكفار كالسلاح وأنواع المعدات والصناعات المختلفة، أمر جائز ولا خلاف بين العلماء في ذلك (2).
(1) انظر فقه السيرة د/ محمد سعيد رمضان البوطي ص298.
(2)
انظر زاد المعاد لابن قيم الجوزية ج2 ص190 - 192.
بشرط أن لا يجر ذلك إلى موالاة الكفار أو مودتهم، فنأخذ منهم السلاح بلا مودة أو محبة لهم، مثل ما أنهم يأخذون منا البترول وبقية السلع بأسعار رمزية ومع ذلك يعادوننا ويوالون أعداءنا فضلاً عن أن يقفوا منا موقف المسالم.
فلماذا نركع تحت أقدامهم؟ ونفتح لهم قلوبنا وبلادنا ليفسدوا فيها مقابل قطع من السلاح البالي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع إلا ضد الضعفاء من المسلمين، في الوقت الذي هم يأخذون منا أكثر مما يعطونا ومع ذلك يضمرون لنا الحقد والكراهية والمكر والاستغلال، فإذا كنا لا نستطيع أن نستغني عن أسلحتهم وصناعاتهم في الوقت الحاضر، فلا أقل من أن نستغني عن محبتهم ومودتهم في حال كفرهم بالله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أسوتنا وقدوتنا في الحياة أخذ من صفوان بن أمية السلاح وهو في مركز القوة والاستعلاء ولم يتعامل معه بصورة المستجدي الضعيف، وهكذا يجب أن نتعامل مع الأعداء.
ولكن الحاصل في وقتنا الحاضر أن كثيرًا من الدول المنتسبة إلى الإسلام، إذا عقدت صفقة من الأسلحة مع إحدى الدول الكافرة، بادرت إلى إرسال مئات الشباب بحجة التدريب على هذه الأسلحة، فيعود أولئك المتدربون آلات تدير آلات، قد حطمت عقيدتهم ومسخت أخلاقهم وزرع في قلوبهم حب الكفر وبغض الإسلام، فيعودون أعداء لأمتهم وقوتهم ودينهم، فماذا استفادت الأمة من ذلك، اشترت السلاح من الأعداء ودفعت بالأيدي التي سوف تدير السلاح إلى العدو كي يصنعهم على عينه وهواه، فأصبحت الجيوش في معظم البلاد الإسلامية بمثابة قواعد عسكرية للأعداء، ولذا فإنه من الملاحظ على عامة الجيوش في البلاد الإسلامية أنها تقف دومًا في حماية الطغاة والمستبدين، وتزداد جرأة وشجاعة عندما يكون خصومها من المسلمين العزل، فصارت حالة المسلمين مع جيوشهم كحال القائل:
أعلمه الرماية كل يوم
…
فلما اشتد ساعده رماني
وقد يسأل سائل ما هو البديل عن ذلك؟
والجواب كما يأتي في قضية الابتعاث (1) هو الاهتمام بنوعية الأفراد ونوعية التكوين الثقافي للأفراد بحيث يتم تحصين الأفراد علميًا وخلقيًا وفكريًا ضد مخططات الأعداء ومقاصدهم الخبيثة.
كما أنه يمكن استقدام الخبراء اللازمين للتدريب على الأسلحة لفترة محدودة وتحت إشراف دقيق يتم فيه توجيه الخبراء والمتدربين لتحقيق الهدف المنشود من شراء الأسلحة والتدريب عليها، وبذلك نضمن في أقل الأحوال سلامة الأفراد من أن ينفرد بهم الكفار، فيسيطروا على عقلياتهم وأخلاقهم سيطرة تامة كما هو حاصل في وقتنا الحاضر من معظم البلاد الإسلامية.
وإذا كانت بعض دول الكفر تحتكر أنواعًا من الأسلحة فلا تبيعها إلا بثمنين:
الثمن الأول: هو الموالاة لها على كفرها بالقول والفعل.
الثمن الثاني: هو نهب خيرات البلاد والعباد مقابل عدد من قطع السلاح التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإن واجب المسلمين أن يرفضوا التعامل بمثل تلك الصورة التي تنطوي على استذلال الكفار للمسلمين، وأن يتعامل المسلمون مع الكفار من مركز القوة والعزة والأنفة والإباء قال تعالى:(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(2) فلا يجوز موالاة الكفار مقابل السلاح أو غيره. فلا يوالي الكفار من أجل سلاحهم أو الدخول في حمايتهم، أو قتالهم معه، إلا منافق ظاهر النفاق قال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا
(1) انظر ص787 - 813 من هذه الرسالة.
(2)
سورة المنافقين آية (8).
دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (1).
(1) سورة المائدة آية (52).