الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
لقد اتضح لي مما أجملناه في نتائج ما سبق من مباحث هذه الرسالة أن «الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية» ترتكز على أساس ما دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكلاهما وحي من الله تعالى: الأول باللفظ والمعنى والثاني بالمعنى دون اللفظ.
وقد طُبقَ هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام في صدر هذه الأمة عندما كانت هذه الأمة جادة في إسلامها مخلصة في انتمائها للإسلام والمسلمين.
لقد كان المسلمون في الصدر الأول كالجسد الواحد في آلامهم وآمالهم، عندهم كانت شجرة الإيمان باسقة الأغصان ندية الأوراق مزهرة مثمرة، تستقي من النبع الصافي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لم يدم طويلاً، حيث قد تخبثت النفوس بانصرافها إلى التزود من المصادر الكدرة، والمستنقعات العكرة الآسنة، فجفت الأوراق وذبلت الأغصان وتداعى كيان الأمة الإسلامية، وكان أول شرخ أصاب الأمة في مقتلها هو
إضعاف روح الموالاة والمعاداة بين المسلمين أو الانحراف بالولاء والعداء عما يجب أن يكونا فيه، إلى ما لا يصح أن يكونا فيه، وقد ابتدأ الصدع مع بداية مكائد ابن سبأ اليهودي وبدأ يتسع حتى عصرنا الحاضر حيث لا يزال المسلمون يكتوون بنار التفرقة وتعدد الولاءات، وقلة المبالاة بقضايا الإسلام والمسلمين.
لقد كان الدافع لي وراء هذا البحث هو معرفة منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية، فتبين لي من خلال دراستي لهذا الموضوع في القرآن الكريم والسنة النبوية، وفعل الصحابة رضي الله عنهم وسلف هذه الأمة وعلمائها الأعلام في مختلف العصور وأغلب الأماكن. أن الحب في الله والبغض في الله، وما يتصل بهما من أعمال القلب والجوارح أصل عظيم من أصول الإسلام، لا يصح إسلام المرء إلا بهما كما قال تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(1).
وقد أكد البحث حقيقة الوحدة الإسلامية وأن المسلمين كانوا ويجب أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وذلك من خلال صور الموالاة والمعاداة التي طبقها المسلمون تطبيقًا واقعيًا في عصور مختلفة وأماكن متباينة.
وقد كان يؤرقني ما يصيب المسلمين من مصائب ودواهي عظام تستقبل من حكام المسلمين وشعوبهم بعدم الاكتراث واللامبالاة وكنت أعتقد أن هؤلاء الذين يقفون من الإسلام وقضاياه موقف المتفرج، أو يلوذون بالصمت الرهيب في صراع الحق مع الباطل، أنهم على خطأ جسيم وإثم عظيم، وقد صح ما توقعته، فقد أدى بي البحث إلى نتائج مهمة في هذا الشأن كما يلي:
(1) سورة النحل آية (36).
أولاً: أن من لم يحب الإسلام وأهله ولم يبغضهم، فهو ناقص الإيمان والتوحيد إن كان مسلمًا، وهذا النقص قد يؤدي به إلى الشرك، إن لم يكن هناك ملابسات أو قرائن تصرفه عن ذلك (1).
ثانيًا: أن من لم ينكر الشرك ويعادي أهله فليس بمؤمن ولو عبد الله ووحده، لأن من صحة التوحيد الكفر بالطاغوت وأهله، والكفر بالطاغوت يعني العداوة للشرك وأهله (2).
ثالثًا: أن من يكره الإسلام ويكره من ينضم إلى جماعة المسلمين فهو كافر وإن ادعى الإسلام وعمل به (3).
رابعًا: أن من يدعو إلى مبادئ الكفر، أو يسعى في مناصرة الكفار وتأييدهم، ويحب من دخل في هذا الأمر، ويكره من خالف ذلك فهو كافر وإن زعم أنه مسلم وأن عمله هذا لا يتعارض مع الإسلام (4).
وللأسف الشديد فإن كل هذه الأصناف الأربعة لها وجود كبير بين المسلمين اليوم، وهو وجود مخالف لأصل الإسلام ولما يجب أن يكون عليه المسلمون.
إن الكفار اليوم لا يمكن مقارنتهم مع المسلمين المعاصرين في مجال الموالاة والمعاداة، حيث إن الكفار يتمسكون بهذا الأمر بكل قوة وحزم بينما المسلمون لا يبالون بهذا الأمر ولا يفكرون فيه مجرد التفكير، والدليل على ذلك نسوق حادثتين إحداهما عند الكفار والأخرى عند المسلمين ثم ننظر إلى حجم الحادثتين وردود الفعل من قبل الكفار، ومن قبل المسلمين
(1) انظر صفحة 158 - 159 من هذه الرسالة.
(2)
انظر صفحة 159 - 161 من هذه الرسالة.
(3)
انظر صفحة 161 - 162 من هذه الرسالة.
(4)
انظر صفحة 162 من هذه الرسالة.
ليتبين لنا كيف يهتم الكفار بعضهم ببعض؟ وكيف لا يبالي المسلمون بعضهم ببعض؟ مهما ادلهم الخطب وعظمت المصيبة.
نسوق الحادثة الأولى في حق الكفار، فقد اعتدى رجال الشرطة في بولندا بالضرب على ثلاثة من العمال أعضاء في منظمة التضامن العمالية فكان رد الفعل على هذا الاعتداء أن أضرب عن العمل من الغد عشرة ملايين عامل احتجاجًا على ضرب ثلاثة منهم (1).
فانظر كيف تكون الموالاة والمناصرة بينهم!
أما الحادثة الثانية: فنسوقها في حق المسلمين المعاصرين فقد بلغ عدد الذين استشهدوا في أفغانستان منذ التدخل السوفيتي حتى 27 كانون الأول - ديسمبر (1981م) - نهاية السنة الثانية للاحتلال (800) ثمانمائة ألف شهيد عدا اللاجئين والمشردين من الأيتام والنساء الأرامل والعجزة الذين يبلغ عددهم مليونين وأربعمائة ألف نسمة (2).
ومع هذا كله يرسل بعض رؤساء الدول العربية إلى بريجينيف وبابراك كارمل رسائل تعبر عن خالص المودة والرضا والتقدير لهؤلاء السفاحين (3). وكأنهم لم يغتصبوا شبرًا ولم يقتلوا بريئًا.
أليس من الأليق بهؤلاء الذين لم يحالفهم الحظ في نصرة الإسلام والمسلمين في أفغانستان أن يلتزموا الصمت عند عجزهم عن القيام بالواجب؟
تلك حالنا وحال أعدائنا في الموالاة والمعاداة
(1) إذاعة المملكة العربية السعودية، النشرة الإخبارية صباح يوم الجمعة الساعة السابعة تاريخ 25/ 12/1401هـ.
(2)
انظر مجلة المجتمع الكويتية عدد (550) السنة الحادية عشرة في 13/ 1/1402هـ ص23. وانظر مجلة البلاغ عدد (616) في 18/ 1/1402هـ ص18.
(3)
انظر مجلة الإرشاد العدد (9) السنة الثالثة رمضان سنة (1401هـ) ص49. وانظر مجلة اليمامة عدد (675) السنة الثلاثون 17/ 1/1402هـ ص14.
فقل لي بربك هل يوجد في العالم كله أرخص من دماء المسلمين ونفوسهم وحقوقهم؟
أليس جثث المسلمين تتناثر في أفغانستان وفي الفلبين وفي تايلند وفي الهند وفي سوريا وفي فلسطين ولبنان و
…
و
…
و
…
ومع ذلك فلا عين تدمع ولا قلب يحزن، ولا يد تنفق، ولا لسان ينطق، فهل الإسلام والمسلمين على ما يرام؟
أيمة طالما ذلت لقاتلها
…
حتى متى تخفضين الرأس للذنب؟
ألا ترين دماء الطهر قد سفكت
…
في كل ناحية صوت المنتحب؟
حتى متى تقبلين الضيم خاشعة
…
لكل باغ ومأفون ومغتصب؟ (1)
؟
إن هناك مؤامرة كبرى ضد الإسلام والمسلمين تنسج خيوطها في الخفاء في بعض الأقطار الإسلامية وتطبق بنودها في وضح النهار في البعض الآخر ولكن الحال كما يقول الشاعر:
ماذا أقول ومن سيفقه قولتي
…
وإذا صرخت فمن سيسمع صرختي؟
أسفي على صف تمزق شمله
…
وغدا مثالا قاتلا
…
للفرقة
ثالوث شرك في العداء تعانقت
…
أقطابه لتبيد دين العزة
كل العدى قد جندوا طاقاتهم
…
ضد الهدى والنور، ضد الرفعة
والعرب سكرى في الصراع كأنما
…
لم يعلموا أبدًا خيوط الفتنة (2)
وحتى الذين يتظاهرون بالإسلام في أغلب الأحيان لا يكون حظ الإسلام منهم سوى الخطب الرنانة والوعود الكاذبة.
(1) انظر مجلة الأمة العدد الحادي عشر السنة الأولى ذي القعدة 1401هـ ص59 صرخة الأمة شعر عبد الغني أحمد التميمي.
(2)
ديوان شعراء الدعوة الإسلامية ج3 ص80 - 81.
يقول الشاعر:
والمدعون هوى الإسلام سيفهم
…
مع الأعادي على أبنائه النجب
يخادعون به أو يتقون به
…
وما له منهم رفد سوى الخطب (1)
إن نقطة البدء في أية حركة إسلامية صحيحة هي تعرية الواقع الجاهلي الذي تعيشه معظم البلاد الإسلامية وتجريد هذا الواقع من ردائه الزائف، وإظهاره على حقيقته وما يمثله من كفر وشرك وردة ونفاق ووصفه بالوصف الذي يمثل واقعه، حتى ينتبه الناس إلى حقيقة واقعهم وما انتهى إليه أمرهم في شأن الإسلام والمسلمين (2).
فيوالوا الدول والأفراد على حسب قربهم من الله ويعادونهم على حسب بعدهم عنه.
إن واجبنا ليس مجرد إقامة الحجة على الناس بالردة أو الكفر والعصيان، بل الواجب يقضي أن ندعو الأفراد والحكومات إلى التمسك بالصراط المستقيم بعد أن بينا الخطر المحدق بهم في الدنيا والآخرة، عند موالاتهم لأعداء الله ومعاداتهم لأولياء الله.
إن الموالاة في الإسلام هي التطبيق العملي لمفهوم الأخوة في الإيمان قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(3). وأخوة الإيمان ليست شعارًا مجردًا عن القول والفعل، بل إن الأخوة الحقة تقتضي التناصر والتعاون بين المسلمين لإحقاق الحق وإبطال الباطل ورد المعتدي وإجارة المهضوم، فلا يجوز شرعًا وعقلاً أن يترك المسلم أخاه يكافح وحده قوى الشر والعدوان والظلم والطغيان، وهو ينظر إليه نظر المتفرج الذي لا يعنيه الأمر، إنه لا بد من الوقوف مع المسلم على أي حال كان، فيجب على الأخ المسلم أن
(1) المصدر السابق ج1 ص84.
(2)
انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب م4 ج10 ص215.
(3)
سورة الحجرات آية (10).
يرشد أخاه إذا ضل ويمنعه إن تطاول، ويدافع عنه إذ هوجم، ويقاتل معه إذا اعتدي عليه واستبيح حماه، وذلك هو معنى التناصر الذي فرضه الله ومعنى الموالاة التي أرادها الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منع عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (1).
إن خذلان المسلم لأخيه شيء عظيم، وهو إن حدث ذريعة لخذلان المسلمين جميعًا حيث تنتشر عدوى الأنانية وحب الذات، وإيثار الراحة والمصلحة الخاصة على مشاركة الغير آلامهم وآمالهم، فيكثر التنصل من المسئولية بين المسلمين، حتى يقضي عليهم أعداؤهم واحدًا تلو الآخر فتموت فيهم خلال الآباء والشهامة ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب وسوف يجنح المظلوم والضعيف إلى الأعداء طوعًا أو كرهًا، لما يقع به من ضيم وما يصيبه من خذلان من إخوانه ثم ينزوي بعيدًا عنهم، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه وأسلموه للأعداء.
إن كلاً منا يسمع ويرى ما أصاب المسلمين مما تنفطر له الأكباد ويقشعر لهوله الفؤاد، ومع ذلك لم نقدم شيئًا، كل منا يمضي في شأنه ويطلب ملذاته، وكأن الأمر لا يعنيه في قليل أو كثير.
إن هذا التخاذل قد جر على المسلمين الذلة والعار والخزي والصغار، وقد حارب الإسلام هذا الاتجاه الخطير حربًا شعواء ولعن من يقبعون في ظلال العزلة والأنانية والمصلحة الخاصة العاجلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يقفنّ أحدكم موقفًا يضرب فيه رجلاً ظلمًا، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» (2).
(1) رواه البخاري ومسلم - انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين ج1 ص246 رقم الحديث (226).
(2)
رواه الطبراني - انظر حقوق الإنسان/ محمد الغزالي ص62.
إنه يجب على المسلم إذا رأى إساءة نزلت بأخيه أو مهانة لحقت به أو وقعت عليه، أن يريه من نفسه الاستعداد لمناصرته ومظاهرته على ما أصابه، حتى ينال الحق الذي له ويرد وقوع الظلم عليه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام» (1).
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله (2) ولا يحقره
…
» الحديث (3).
فمن ترك أخاه يجوع ويعرى ويقتل ويسجن ويمزق بين أيدي الظالمين، وهو قادر على إطعامه وكسوته ودفع أذى الظالمين عنه بطرق متعددة، فماذا يقول عند قدومه على ربه؟
أيقول: إني كنت عن هذا من الغافلين؟:
يأيها الناس إن الله يأمركم
…
ألا تكونوا لأهل الظلم أعوانًا
يا يقوم لا تنصروا من ليس ينصره
…
ولا تكونوا لمن عاداه إخوانًا
يلقى العدا طاعة منكم ومسكنة
…
مهما أرادوا ويلقى الله عصيانا
إني أخاف عليكم حادثًا جللا
…
لا تملكون له ردًا إذا حانا (4)
ولكن يجب أن يعلم كل مسلم أنه مهما بلغ مكر أعدائنا بنا ومهما أصابنا ومهما انقطعت أسباب الموالاة بيننا ومهما والى بعض المنتسبين منا أعداءنا، فإن ذلك كله لا يعفينا من مسئوليتنا أمام الله عز وجل، وأمام إخواننا الصامدين على طريق الإسلام، إن الظروف الصعبة المحيطة بنا من
(1) رواه الأصبهاني - المصدر السابق المكان نفسه.
(2)
قال العلماء الخذل ترك الإعانة والنصرة، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي في تركه، انظر صحيح مسلم ج4 ص1986 رقم الحديث (2564).
(3)
المصدر السابق المكان نفسه.
(4)
شعراء الدعوة الإسلامية ج4 ص68 - 69.
أعدائنا في الداخل والخارج لا يصح أن تكون المشجب الذي نعلق عليه قصورنا وتخاذلنا عن إخواننا.
إن مواجهة الظروف القاسية هي محك الإيمان ومقياس التوحيد قال تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(1).
وأريد أن أطمئن الذين يساورهم الشك واليأس في قدرة هذه الأمة على القيام بواجبها، بسب الصور القاتمة والمحزنة التي ذكرناها فيما سلف، أن هذا الوضع رغم بعده عن واقع الإسلام والمسلمين حيث الهوية ضائعة، والذاكرة مفقودة، والأرواح مسلوبة، والثروات منهوبة، والعقول معتقلة، حيث يتسلى الأعداء والعملاء بمناظر المؤمنين والدماء تنزف من أجسامهم الطاهرة، ويتصبر الذين لم يلحقوا بهم بالأمل والرجاء، نجد أن شجرة الإيمان قد سقتها دماء الشهداء، وشعلة الجهاد قد أذكى جذوتها أنين الجرحى، فخرجت من وسط هذه الليل البهيم فئة مؤمنة وطليعة مجاهدة قلبت موازين الأعداء ومخططاتهم رأسًا على عقب، فبعد أن كاد الأعداء أن يعلنوا ويستبشروا بموت هذه الأمة، واستسلامها لهم إذ بهم يفاجئون (2) بانبعاث الإيمان من مواضع الركام التي غمروها بتصورات الجاهلية وقوانينها منذ قرن من الزمان، فهذه تركيا تعود إلى الإسلام بعد أن حرمت منه ثلثي قرن من الزمن، وفي المغرب والجزائر وتونس وليبيا قوافل مؤمنة رغم أنف المستعمر وأذنابه، وفي مصر والسودان وسوريا وإيران والأردن والعراق وأندونيسيا وباكستان وغيرها من بلدان الإسلام قوافل مؤمنة رغم جهود الكفار والعملاء. وهذا الأمر ليس مستغربًا في حس المؤمن وشعوره لأن ذلك تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من حديث طويل قوله:
(1) سورة العنكبوت آية (2، 3).
(2)
لأن الهمزة متوسطة مضمومة وبعدها حرف مد ويمكن وصل ما بعدها بما قبلها. انظر دليل الإملاء تأليف عامر سعيد ص68 مثل يلجئون.
«ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله» (1).
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة» (2).
فلم يسع أعداء الإسلام إلا أن يقفوا منكسي الرءوس على ما بذلوه وما أفنوه من مال وجهد وهم يشهدون أصالة هذا الدين وعدم قابليته للفناء وأصالة هذه القلة المؤمنة، في مواجهة الزيف والقهر والظلم والاستبداد ولقد أدرك هؤلاء الأعداء وأذنابهم أن الإسلام هو روح هذه الأمة، وأن أبناء القرآن وأتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن ينسخلوا من دينهم لأنهم يؤمنون بقول الله عز وجل:(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(3).
وقبل أن أودع القارئ الكريم أريد أن أقول أنه لا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها، من حب في الله وبغض في الله وموالاة في الله ومعاداة في الله.
يا إخوة الدرب نعم الدين آصرة
…
للمؤمنين ونعم الحبل أقواه
تلك السبيل فلا تنسوا معالمها
…
ولتحذروا أن تضلوا إثر من تاهوا
منها جنا (الدين) والتوحيد صبغته
…
والعدل شرعته الكبرى ومبناه
(1) رواه أبو داود في سننه ج4 ص98 (باب الفتن). ورواه ابن ماجه والترمذي. انظر تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص322.
(2)
رواه أبو داود في سننه ج4 ص98 (باب الفتن).
(3)
سورة الأعراف آية (128).
كم حاول الكيد مسعورًا ليطمسه
…
عبر الضلوع فلم يظفر بمسعاه
غدا تطل على الدنيا طلائعه
…
غلابة
…
يا لبشرانا بلقياه (1)
هذا ما رأيت تدوينه، وما توصل إليه بحثي وعلمي المحدود ولا أعتقد أني بلغت الغاية في ذلك والكمال ولكن حسبي أن أتمثل قول الشاعر:
لعمري لقد أنفقت في البحث قوتي
…
ولم آل جهدًا في اقتناص العواليا
وطفت وفتشت الطروس وليتني
…
خلصت كفافًا لا عليا ولا ليا (2)
وأريد أن أوضح للقارئ الكريم أنني في هذه الرسالة المتواضعة ما قصدت رضا غالب الناس أو ذمهم، بل كل ما أردت هو أن أخطو خطوات في سبيل الله ومرضاته بغض النظر عن موقف الناس من ذلك، فمثلي في ذلك هو قول القائل:
قدمت لله ما قدمت من عمل
…
وما عليك بهم ذموك أو شكروا (3)
اللهم اجعلنا من الذين وصفتهم بقولك: (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(4).
اللهم اجعلنا سلما لأوليائك، حربًا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم هذا الدعاء منا، وعليك الإجابة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) انظر شعراء الدعوة الإسلامية ج3 ص93 - 94.
(2)
مشاهير علماء نجد/ للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ص3.
(3)
الدرر السنية ج9 ص326.
(4)
سورة الحشر آية (10).