الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد لدراسة هذا الفصل
إن الأمثلة الدالة على موالاة الكفار يختلف الحكم عليها بالنسبة لأفرادها تبعًا لاختلاف أنواع الموالاة ونية الموالي وقصده، فهناك أنواع من الموالاة قد تكون كفرًا، وقد تكون معصية بحسب النية والقصد، وحسب العوامل المؤثرة في الموالاة قوة وضعفًا، فالأنواع التي قد ترتفع بصاحبها إلى الكفر وقد تتدنى به إلى العصيان ما يلي:
أولاً: الركون القليل إلى الكفار: قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)(1). فإذا كان الركون القليل إلى الكفار موجب لعذاب الدنيا والآخرة فمن الأولى في الركون الكثير أو الركون المطلق؟
ثانيًا: إعطاء الكافرين أسرار المؤمنين: ومثل هذه الحال ما حصل
من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فإخبار الكافرين بأسرار المؤمنين
(1) سورة الإسراء آية (74، 75).
لدفع خطط المؤمنين أو لتوقي الكافرين من المؤمنين ولاء يخرج من الإيمان (1). إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فإن الله يتوب على من تاب. قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ)(2).
ثالثًا: طاعة الكافرين في معصية الله: وقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ)(3).
وقال تعالى: (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)(4).
رابعًا: تولية الكافرين مصالح المسلمين: إن تولية الكافرين على مصالح المسلمين، مع وجود من يسد مسدهم من المسلمين أمر لا يقره الإسلام، وإن تقديم الكفار على المسلمين في الوظائف والمجالس والهيئات لهو دليل على موالاتهم من دون المؤمنين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(5).
خامسًا: محبة الكفار ومودتهم: إن الإكرام العام للكفار والبشاشة في وجوههم ومحبتهم واستئمانهم على أموال المسلمين وخيراتهم الظاهرة والخفية دليل على موالاتهم ومحبتهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب» (6).
(1) انظر جند الله ثقافة وأخلاقًا/ سعيد حوي ص183.
(2)
سورة النساء آية (146).
(3)
سورة الأحزاب آية (48).
(4)
رواه مسلم انظر صحيح مسلم ج 4 ص 234.
(5)
سورة الشعراء آية (152 - 153).
(6)
سورة آل عمران آية (118).
سادسًا: التشبه بهم في أمور كفرهم: إن التشبه بهم في أمور كفرهم، معاونة لهم على كفرهم، وإظهار الرضا بكفرهم، وتحقيق لأهوائهم ورغباتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من تشبه بقوم فهو منهم» (1).
سابعًا: ذكر ما فيه تعظيم لهم: إن من موالاة الكفار ما درج عليه الحكام والرؤساء في هذا العصر من إرسال برقيات التهاني والمدح والإطراء في مناسبات التزاور والأعياد التي ما أنزل الله بها من سلطان والدليل على أن هذه الأعمال موالاة للكفار، ما ورد من النهي عن إطلاق لفظة سيد على المنافق فكيف بالكافر الصريح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل» (2).
ثامنًا: تفضيل السكنى والإقامة بين الكفار اختيارًا: إن من أنواع الموالاة للكفار تفضيل السكنى والإقامة بينهم اختيارًا في ديارهم وحضور مجالسهم مع إمكان الحصول على مقام مأمون بين المسلمين. فإن سماع كلامهم القبيح، مع الاستمرار في الجلسة دون الرد أو الغضب أو الخروج من ذلك موالاة توجب كفر من يفعل ذلك قال تعالى:(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(3).
هذه بعض الأمثلة على أنواع الموالاة للكفار وهي ليست للحصر
(1) رواه أحمد وأبو داود والطبراني في الكبير، قال العراقي: سنده صحيح.
انظر كتاب جند الله ثقافة وأخلاقًا/ سعيد حوى ص185.
(2)
أخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وأحمد. وقال الألباني: حديث صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني م2 ص101 رقم الحديث (371).
(3)
سورة النساء آية (140).
وإنما المراد معرفتها، وإمكان القياس عليها فيما لم يرد ذكره، أو فيما هو قريب منها، ولا فرق بين من يعمل هذه الأمور مع أقربائه الكفار أو مع غيرهم فمن فعل شيئًا من هذه الأمور فهو موال للكفار، وهذه الموالاة قد تكون كفرًا وقد تكون معصية بحسب العوامل المحيطة بذلك.
أما التولي للكفار فهو كفر مخرج عن الإسلام (1). لأن التولي أخص من الموالاة كما سبق بيان ذلك (2). ومن أمثلة التولي التي يصير بها المسلم مرتدًا ما يلي:
أولاً: مناصرة الكفار: إن مناصرة الكفار بالقول أو الفعل من أعظم الدلائل الدالة على توليهم وموالاتهم كما يفعل كثير من الذين يدافعون عن الكفار والملحدين أو يدعون إلى مذاهبهم الضالة واعتقاداتهم الفاسدة فكل من انتسب إلى حزب ضال يقوم أساسًا على غير الإسلام ودعا إليه وأيد أهله فهو غير مسلم لأن من خرج من حزب الله دخل في حزب الشيطان بلا جدال. قال تعالى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ)(3).
ثانيًا: إظهار الطاعة والموافقة للمشركين على دينهم أو بعض دينهم: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ)(4)، فإذا كانت الطاعة في بعض الأمور موجبة للردة فما الطاعة بأمور كثيرة أقل شأنًا من ذلك وقد
(1) انظر مجموعة التوحيد ص120 - 122.
(2)
انظر ص21 - 39 من هذه الرسالة.
(3)
سورة الحشر آية (11).
(4)
سورة محمد آية (25، 26).
استدل الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على ردة من أظهر الطاعة والموافقة للمشركين من غير إكراه ملجئ بأكثر من عشرين آية وبعدد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وقال إنه يكون بإظهار الطاعة والموافقة مرتدًا خارجًا عن دين الإسلام، وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله، ويفعل أركان الإسلام الخمسة فإن ذلك لا ينفعه (1).
وما يصير به المسلم مرتدًا إظهار الطاعة للكفار في الظاهر ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، ما لم يكن مكرها إكراهًا ملجئًا فإن أظهر لهم الطاعة بدون إكراه فهو مرتد ولو كان باطنه يعتقد الإيمان، حيث إن الكفار لم يريدوا من النبي صلى الله عليه وسلم تغيير عقيدته، وإنما أرادوا منه موافقتهم في الظاهر على ما يعملون، فنهى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله تعالى:(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(2). أي ودوا لو تميل إليهم فيميلوا إليكم (3). وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)(4). الآيات.
وبهذا يرد على الذين يرون أن الذي يكفر به المسلم هو عقيدة القلب خاصة وهم الكرامية والجهمية وأبو الحسين الصالحي أحد رؤساء القدرية (5).
ويسير على طريقهم في ذلك بعض العلماء المعاصرين حيث يرى سالم علي البهنساوي أن المعاصي لا يترتب عليها كفر صاحبها وأنه لا يخرج من الملة إلا الكفر الاعتقادي (6).
(1) انظر مجموعة التوحيد ص287 وانظر تفسير القرطبي ج18 ص230.
(2)
سورة القلم آية (9).
(3)
انظر مختصر الطبري على هامش المصحف الكريم (ط - دار الشروق).
(4)
سورة الكافرون آية (1، 2).
(5)
انظر شرح الطحاوية ص266.
(6)
انظر كتابه - الحكم وقضية تكفير المسلم - تأليف سالم علي البهنساوي ص45، 54، 55.
وحول هذا المعنى يقول محمد عبد الحكيم خيال: «إن الخطة الجديدة لتقويض الدعوة الإسلامية، تقع في إطار الاستثمار العام لفكرة التكفير والجاهلية التي تقوم على إحكام بتكفير الحاكم وجاهلية المجتمع وتكفير جزافي للأفراد لأن موالاة الكافرين كفر، ولأن ظاهر المجتمع الكفر والرضا بالكفر فيثبت الكفر ظاهرًا دون أن يثبت يقينًا
…
إلى نهاية هذا الجدل الكلامي الذي دخل على المسلمين في وقت عزهم وازدهار دولتهم وعلو كلمتهم "هذا نص كلامه"» (1). اهـ.
ونحن في ردنا على ذلك لا نريد أن ندافع عن الخوارج وأصولهم ولا نريد أن نبيح ما حرم الله من موالاة الكفار ومحبتهم بل نلتزم الوسط فلا نكفر بكل معصية كما هو مذهب الخوارج ولا نقول بعدم تكفير من حكم الله ورسوله بكفرهم، لأن مثل هذا القول استدراك على الله عز وجل وهو موجب لكفر قائله، بل نقول إذا ثبتت الأدلة الشرعية على الحكم بالكفر في قول أو فعل أو اعتقاد، ثم فعل إنسان - ما - ما ثبت الدليل على كفر فاعله فإنه يحكم بكفره إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع والحكم يكون على ظاهر الحال والله يتولى السرائر، وهو يحاسبه فإن شاء أدخله جنته وإن شاء عذبه بالنار، وموالاة الكفار وتوليهم من ذلك ما يكون كفرًا مخرجًا من الإسلام تواترت الأدلة على الحكم بذلك، ومنها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب ومنها ما هو دون ذلك فإن كان مرتدًا فينبغي الغلظة عليه أشد من غيره من الكفار لأنه معاد لله ورسوله، على بصيرة، بعد ما عرف الحق فأنكره، فإذا كان الدليل قد ورد أن من أعان ظالمًا فقد شاركه في ظلمه، فكيف بمن يعين الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم (2).
والمقصود من ذلك هو التنبيه على ما يكثر وقوعه ممن ينتسبون إلى
(1) انظر - الخوارج - الأصول التاريخية لمسألة تكفير المسلم - تأليف الدكتور مصطفى حلمي تقديم محمد عبد الحكيم خيال ص - ك - من التقديم.
(2)
انظر مجموعة التوحيد ص121 - 127.
الإسلام في إظهارهم الموافقة للكفار خوفًا منهم من غير إكراه فعلي على الموافقة، أو طمعًا في مال أو منصب أو جاه وهم يظنون أنهم لا يكفرون بذلك، إذا كان القلب كارهًا لهم، ويستدلون على ذلك بدعوى الإكراه وبقوله تعالى:(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(1) ولكن الصحيح أن للتقية عند العلماء شروطًا منها:
1 -
أن يكون الرجل في قوم كفار يخاف منهم على نفسه وأهله فيجوز له أن يظهر المحبة والموالاة بشرط أن يضمر خلاف ما يظهر لهم وبأن يعرض في كلامه ما أمكن وعلى هذا فالتقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلب.
2 -
أن التقية رخصة فلو تركها وصبر على ما يناله في سبيل الله كان أفضل مثل ما حصل من بعض الصحابة (2) رضي الله عنهم فيما فصلنا في موضوع الإكراه سابقًا.
والقول بكفر من والى الكفار أو رضي عنهم أو أعانهم على كفرهم ليس جدلاً كلاميًا دخل على المسلمين في وقت عزهم وازدهار دولتهم كما يعتقد البعض، ولكن ذلك أصل من أصول الإسلام ومبانيه العظام، وقد ذكرنا من الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ما فيه الكفاية لمن وفقه الله
وهداه، وبهذا الأصل تحدث أئمة الدعوة وشيوخ الإسلام فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يرى عدم تكفير المعين للكفار والراضي عنهم والموالي لهم
ابتداء بل لا بد من إقامة الحجة عليه، نظرًا لغلبة الجهل وقلة العلم
بأوامر الرسالة في كثير من المتأخرين ولذلك لا يجوز تكفيرهم بذلك
حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالف أقوالهم وأعمالهم، وهذا ما سار
(1) سورة آل عمران آية (28).
(2)
انظر حاشية تفسير الطبري غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد القمي على جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ج3 ص178 - 179.
عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ابتداء دعوته فإنه إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب رضي الله عنه قال: (الله خير من زيد) تمرينًا لهم على نفي الشرك بلين الكلام نظرًا إلى المصلحة وعدم التنفير لهم (1).
وعلى هذا إذا قامت عليهم حجة التبليغ ثم استمروا في إعانتهم لأهل الباطل وموالاتهم المطلقة للكفار ومناصرتهم لهم والرضى عنهم وعن أفعالهم المختصة بكفرهم فإنه يحكم بكفر وردة هؤلاء، لأنهم صاروا معاندين، قال تعالى:(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ)(2).
ومن المعلوم أن قيام الحجة عليهم ليس معناه أن يفهموا كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به ثم ترك العمل بما أمره الله به ورسوله مستهترًا أو مستبيحًا لفعل ما حرم الله أو تاركًا ما أوجب الله فهو كافر مرتد وشأنه في ذلك شأن الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن في قوله تعالى:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)(3).
إن ما حدث للمسلمين من إضاعة للإسلام ومقدساته وديار المسلمين واعتداء على الأنفس والأعراض والأموال إنما كان بسبب جهل بعض المسلمين بحقائق الإسلام وواجباته ومن أهم تلك الأمور التي جهلها المسلمون المعاصرون احتضان أعداء الله ومسايرتهم في خط انحرافهم،
(1) انظر مجموعة التوحيد ص 37 - 39.
(2)
سورة التوبة آية (63).
(3)
سورة الكهف آية (57).
وما علموا أن المتابعة الجزئية للكفار المقرونة بالمحبة والمودة لهم كفر مخرج من الملة (1).
لأن الحكم يتعلق بنوع العمل لا بكثرته، فقطرة البول ناقضة للوضوء، ولا حد لأكثره، وما أسكر كثيره فقليله حرام وكذلك شأن الموالاة مع الكفار إذا ارتبطت الموالاة القولية أو الفعلية بالمحبة والمودة.
وقبل أن نبدأ في استعراض الأمثلة التفصيلية على موالاة الكفار نود أن نبين بعض الشروط التي يقتضيها عقد الذمة والعهد في حق أهل الذمة والمستأمنين في دار الإسلام حتى يكون الناظر إلى معاملتهم مدركًا للأساس الذي ينطلق منه المسلمون الحقيقيون في التعامل مع الكفار في دار الإسلام، وهذه الشروط مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة الكرام، وما اتفق عليه فقهاء الإسلام وملخص تلك الشروط كما يلي:
1 -
أن لا يحدثوا كنيسة (2) ولا ديرًا (3)، ولا قلاية (4)، ولا صومعة (5) ولا يجددون ما خرب منها، إلا في حالة واحدة، وهي إذا فتحت البلاد صلحًا واشترط أهلها ذلك لأنفسهم في الصلح، فإن المؤمنين يجب عليهم الوفاء بهذا الشرط.
2 -
أن لا يمنع أهل الذمة وأهل العهد أحدًا من أقربائهم من الدخول في الإسلام إذا اختاروا ذلك.
(1) انظر مجموعة التوحيد ص120 - 122.
(2)
الكنيسة متعبد اليهود والنصارى. انظر المعجم الوسيط ج2 ص806.
(3)
الدير خان النصارى. لسان العرب ج1 ص1042.
(4)
هي كالصومعة وهي تعريب كلاذة وهي من البيوت التي يتعبد بها النصارى. انظر اللسان العرب ج3 ص158.
(5)
الصومعة بناء دقيق الرأس عال في الفضاء يتخذها الرهبان منارة لهم. لسان العرب ج2 ص475.
3 -
أن لا يذكروا الله أو كتابه أو رسوله بطعن أو انتقاص.
4 -
أن لا يتعرضوا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذم أو ازدراء وأن لا يؤذوا مسلمًا، ولا يفتنوه عن دينه، ولا يعتدوا على أحد من المسلمين في نفس أو مال أو عرض.
5 -
أن لا يعينوا أعداء الإسلام، ولا ينصروهم على المسلمين بأي وسيلة من الوسائل الممكنة.
6 -
أن لا يجاهروا بأي نوع من أنواع المنكرات كشرب الخمر وأكل الخنزير، وإظهار الصلبان، وندب الموتى والنياحة عليهم.
7 -
أن لا يظهروا أي نوع من أنواع العبادة الخاصة بهم مثل أصوات النواقيس وتلاوة كتبهم المقدسة لديهم، والشعائر الخاصة بكفرهم.
8 -
أن يتميزوا في هيئتهم بما يميزون به عن غيرهم، من غير كشف عورة ولا إحداث فتنة (1).
وبعد هذا التقديم الموجز نبدأ بذكر بعض الأمثلة على موالاة الكفار.
(1) انظر الأحكام السلطانية والولايات الدينية الماوردي ص145.
وانظر مختصر تفسير ابن كثير/ محمد علي الصابوني ج2 ص136. وانظر تاريخ الطبري ج4 ص158 - 160.