الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال السادس: تمليك الكفار لما يتخذونه موضعًا لمعصية الله
الأصل أنه لا يقر في البقاء في دار المسلمين من المشركين سوى أهل الذمة، أما أهل الأوثان والمرتدون فلا يصح بقاؤهم في دار الإسلام فضلاً عن تملكهم ولكن الحكم الشرعي شيء وواقعنا المعاصر شيء آخر.
ففي واقعنا المعاصر لا يوجد أهل الذمة بالمفهوم الشرعي المتعارف عليه عند فقهاء المسلمين، ولذلك فإن ما نكتبه لا يتعدى مخيلة بعض المتعلمين أو بطون الكتب، أما الواقع العملي فبينه وبين الإسلام بون شاسع بحيث لا يفكر معظم المسلمين في مثل تلك القضايا من قضايا الإسلام، ولكننا نبين ما يجب أن يكون عليه المسلمون إذا أرادوا الإسلام أو رجعوا له فنقول:
إن مسألة تملك العقار من قبل أهل الذمة في دار الإسلام مسألة تحدث فيها الفقهاء بين الجواز والمنع على قولين:
القول الأول: ذهب كثير من فقهاء البصرة إلى القول بجواز بيع الأرض من المسلم إلى الذمي. قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ويروى ذلك عن الحسن بن صالح وأبي عبيد، وهو مذهب الثوري والشافعي (1).
وحجة هؤلاء هو قياس بيع العقار من مساكن ومزارع ونحو ذلك على جواز بيع السوائم، وهو قياس مع الفارق حيث إن السوائم منفعتها وذواتها محدودة الوجود سريعة الانتقال والزوال بخلاف العقار فإن ذاته ومنفعته تبقى مدة طويلة غير محدودة.
والأمر الثاني: أنهم استدلوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفع الأرض المفتوحة عنوة في سواد الكوفة ومصر والشام وخراسان لأهلها بعد تمليكها من قبل الدولة الإسلامية وجاز بيعهم تلك الأرض للمسلمين، فلو لم يكونوا قد ملكوها بوضع اليد عليها لما جاز بيعهم لها (2).
القول الثاني: وهو قول الإمام مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقول عامة أهل الحجاز، ويروى عن ابن القاسم وهو ما ذهب إليه ابن قيم الجوزية، من أنه لا يجوز أن يترك الذمي يشتري أرض المسلم في دار الإسلام من مساكن ومزارع لأن في شرائها ضررًا على المسلمين، حيث إن
الأصل أن يقر أهل الذمة على ما كانوا عليه من غير تعد منهم إلى الاستيلاء فيما ثبت للمسلمين الحق فيه من عقار ونحوه، قال تعالى: (وَأَوْرَثَكُمْ
أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا) (3) فكيف بعد أن أورثنا
الله أرضهم نرجعها إليهم، ولذلك رجح الشافعي وأبو عبيد وطائفة من
(1) انظر المغني والشرح الكبير ج2 ص593 وانظر أحكام أهل الذمة ج1 ص141 - 149.
(2)
انظر الخراج في الفقه الإسلامي رسالة ماجستير مقدمة من/ حمود بن مرشد السليمان ص167.
(3)
سورة الأحزاب آية (27).
أصحاب أحمد والمشهور عند أصحاب مالك، أن أهل الذمة لا يمكنون من شراء الأرض أو اكترائها من المسلمين (1).
وإنما أقروا في الإقامة بدار الإسلام بالجزية للضرورة العارضة والحكم المقيد بالضرورة، مقدر بقدرها لا يتعدى إلى كل شيء ولذلك أجاب أصحاب القول الثاني وهم القائلون بمنع بيع أرض المسلم إلى الذمي على ما احتج به أصحاب القول الأول بعدة إجابات هي كما يلي:-
أ- ما فعله عمر رضي الله عنه في مشاورته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في قسمتها بين الفاتحين أو وضع الخراج عليها يدل على عدم ملكية أصحابها لها في ذلك الوقت حيث أشار معاذ بقوله: «إنك إن قسمتها صار الربع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة الواحدة، ثم يأتي بعدهم قوم يسدون في الإسلام سدًا وهم لا يجدون شيئًا، فانظر أمرًا يسع أولهم وآخرهم» (2).
ب- أما بيعهم لها بعد ذلك فيحتمل أنهم أسلموا وهذا هو الحاصل في سواد العراق ومصر والشام وخراسان، والإسلام عصمة للنفس والمال كما في الحديث:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (3).
وقد روى البيهقي أن امرأة أسلمت من أهل نهر الملك قال: فقال
(1) انظر أحكام أهل الذمة/ ابن قيم الجوزية ج1 ص141 - 148.
(2)
انظر السنن الكبرى للبيهقي ج9، ص137 - 139.
(3)
انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ج1 ص75.
عمر أو كتب عمر رضي الله عنه: إن اختارت أرضها وأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها، وإلا خلوا بين المسلمين وبين أراضيهم (1)، وروي عن أبي عون الثقفي قال: إن عمر وعليًا رضي الله عنهما كانا إذا أسلم الرجل من أهل السواد تركاه يقوم بخراجه في أرضه (2)، وروي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن – فذكره فقال فيه: ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض (3). ولحديث «من أسلم على شيء فهو له» (4). وقد يكون البيع الحاصل من أهل الذمة على افتراض حصوله بيعًا لنصيبهم من المنفعة الناتجة من الأرض لا بيعًا للأرض ذاتها وعلى هذا إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال.
والرأي الراجح هو عدم جواز بيع العقار من مساكن ومزارع ونحوها لأهل الذمة أو لغيرهم من أهل الكفر وخاصة داخل حدود الجزيرة العربية فإنه محرم بالنصوص الثابتة كما تقدم (5) ذلك لأن بيعهم العقار يترتب عليه إقامتهم فيها إقامة دائمة وهذا يتعارض مع النهي عن بقاء المشركين في جزيرة العرب، ولذلك فإن من يسمح أو يرضى بتملك المشركين للعقار في داخل الجزيرة العربية يكون مخالفًا لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم مواليًا لأعداء
الإسلام أما ما يقع خارج الجزيرة العربية من بلاد المسلمين فإن النهي عن بيع العقار للكفار نهي تحريم على رأي جمهور العلماء منهم الإمام مالك
وأهل المدينة والإمام أحمد وهو ما ذهب إليه الطبري ورجحه شيخ الإسلام
ابن تيمية (6). ولذلك لم يثبت أحد من السلف حق الشفعة للذمي على
(1) انظر السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص141.
(2)
المصدر السابق نفس المكان.
(3)
المصدر السابق نفس المكان.
(4)
انظر المغني والشرح الكبير ج10 ص482.
(5)
انظر ص660 - 666 من هذه الرسالة.
(6)
انظر اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ص242 – 244 وانظر فتح الباري ج6 ص270 - 272.
المسلم وقال الإمام أحمد في تعليل ذلك إن الشخص الذي يملكه المسلم إذا أوجبنا فيه شفعة الذمي نكون قد أوجبنا على المسلم أن ينقل الملك في عقاره إلى الذمي بطريق القهر للمسلم وهذا خلاف الأصول.
ولهذا نص أحمد على أن البائع للشخص إذا كان مسلمًا وشريكه ذميًا لم يجب له شفعة، لأن الشفعة في الأصل إنما هي من حقوق أحد الشريكين على الآخر، وهي من الحقوق التي تجب على المسلم للمسلم كإجابة الدعوة، وعيادة المريض ونحو ذلك، وهذا كله عن أحمد مخصوص بالمسلمين دون غيرهم (1).
وقال أبو حنيفة وبعض فقهاء البصرة: إن بيع العقار للذميين جائز مع الكراهية (2). وقد ذكرنا حجتهم وحجة القائلين بالرد عليهم، والذي أطمئن إليه وأرجحه في ذلك هو عدم جواز بيع العقار لغير المسلمين في دار الإٍسلام لأن في ذلك تثبيتًا لأقدامهم وضمانًا لاستمرارهم والأولى أن يضيق عليهم فيسلموا أو تضيق بهم دار الإسلام فيرحلوا إلى أجناسهم من الكفار عند عدم وجود ما يربطهم بالأرض من مساكن ومزارع ونحو ذلك.
ومما يؤسف له أن بعض الدول الخليجية قد منحت جنسيتها إلى بعض الكفار مما جعل لهم الحق في شراء العقارات وتعميرها كما أنها أعطت البعض الآخر منهم قروضًا كي يعمروا بها مساكن فخمة رغم أن دخولهم عالية جدًا بينما يوجد من ضعاف المسلمين من يسكنون الأعشاش والطين، وهم ينتمون إلى هذا الدين وإلى هذه البلاد أبًا عن جد.
وفي مصر والشام يقدم الكفار على المسلمين في تمليك الأراضي والمساكن فضلاً عن أن يتساووا معهم في ذلك، وقد استغل اليهود هذا
(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص243.
(2)
انظر المغني والشرح الكبير ج2، ص593 وانظر أحكام أهل الذمة ج1 ص141 - 149.
الأسلوب فتملكوا معظم الأراضي الفلسطينية قبل بدء الاحتلال الفعلي فقبل فترة الانتداب البريطاني استطاع اليهود أن يملكوا بالشراء النقدي (650) ألف دونم بمساعدة أصحاب الملايين من الغرب وفي عهد الانتداب استطاع اليهود أن يحصلوا على (2.075.000) مليونين وخمسة وسبعين ألف دونم (1) وهذا الأسلوب الذي اتبعه اليهود في فلسطين هو الأسلوب الذين يريدون تكراره في عملية السلام والانفتاح على مصر وغيرها من الدول المجاورة لانتزاع مواقع قدم لهم فيها يساعدهم على تثبيت الغزو العسكري عندما تحين الفرصة لذلك.
فمن الواجب على كل مسلم فردًا كان أو حاكمًا أن لا يبيع شبرًا من أرض الإسلام والمسلمين لكافر مهما كانت صفته ومنزلته، لأن ملكية المسلم للأرض ملكية اسمية، وملكيتها الحقيقة للإسلام وللمسلمين الذين طهروها بدمائهم الزكية من درن الكفر وتسلطه عليها (2).
(1) انظر خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية/ عبد الله التل ص250 - 264.
(2)
انظر ص660 - 666 من هذه الرسالة.