الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: تعامل المسلمين مع أهل الذمة والعهد في دار الإسلام
1 -
أهل الذمة:
أهل الذمة هم المعاهدون من النصارى واليهود وغيرهم ممن يقيم بدار الإسلام (1). أما المرتدون فلا يجوز عقد الذمة لهم إجماعًا (2).
بل لا بد من الإسلام أو القتل، وقد جاء في الحديث الشريف «وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلمًا فعليه مثل ذلك» (3).
وقال العلماء في تفسير (ذمتهم) بمعنى الأمان الذي يعطونه (4).
وعقد الذمة هو عقد يصير بمقتضاه غير المسلم في ذمة المسلمين
(1) انظر القاموس المحيط ج4 ص115.
(2)
انظر تفسير القرطبي ج8 ص110 - 111
(3)
فتح الباري ج6 ص273.
(4)
انظر كشاف القناع ج1 ص704.
أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأبيد، وله الإقامة بدار الإسلام على وجه الدوام (1).
وقال آخرون: إن عقد الذمة هو إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة (2).
والذي يتولى إبرام عقد الذمة مع غير المسلمين هو الإمام الشرعي أو نائبه، ولا يصح من غيرهما على الراجح من الأقوال في هذه المسألة (3). ومن أهداف عقد الذمة أن يختلط الذميون مع المسلمين ويطلعوا على محاسن الإسلام، مما قد يدفعهم ذلك إلى اعتناق الإسلام والدخول فيه وأهل الذمة إنما قبلوا هذا العقد، لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا والقاعدة العامة أن أهل الذمة مثلهم كمثل المسلمين في الحقوق والواجبات. إلا أن هذه القاعدة يرد عليها استثناءات وهي أن الدولة الإسلامية، تشترط لبعض الوظائف والحقوق، توفر العقيدة الإسلامية في الشخص الذي يشغل بعض الوظائف ويمنح بعض الحقوق، ولا تكتفي بتبعية الفرد لها في سجل دائرة النفوس، والواقع أنه لا غرابة في مثل ذلك لأن جميع الدول تفرق بين المواطنين فيها في الحقوق والواجبات بناء على نوع المبدأ الذي يلتزمه الشخص وتلتزمه الدولة وبناء على الكفاءة العلمية والقدرة الإنتاجية، والدولة الإسلامية تلتزم بالإسلام التزامًا تامًا ولذلك فمن الطبيعي أن تقدم المسلم المخلص في إسلامه على من سواه، لأنها محكومة بالإسلام والإسلام قد وضع القواعد المتبعة في هذا الشأن، فلا تملك الدولة الإسلامية إلا حسن التطبيق، ولو خرجت عن قواعد الإسلام وأحكامه في هذه القضية أو غيرها لاعتبر ذلك كفرًا وردة عن الإسلام (4).
(1) انظر أحكام الذميين والمستأمنين. د/ عبد الكريم زيدان ص22.
(2)
المصدر السابق نفس المكان.
(3)
انظر مغني المحتاج ج4 ص243.
(4)
انظر أحكام الذميين والمستأمنين. د/ عبد الكريم زيدان ص1.
إن الإسلام لا يقر الظلم لأهل الذمة ولا يعمل على إذكاء العداوة ضدهم، ولا يبني سياسته على تعمد إهانتهم وعزلهم عن المجتمع (1). ولكنه في نفس الوقت، لا يتميع في التعامل معهم حتى يطغى باطلهم على الحق، ويعلو كفرهم على شرع الله، وإنما يتعامل معهم وفق شروط معتدلة، تحفظ للمسلمين دينهم، وتحفظ لأهل الذمة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وهذا الذي يقدمه الإسلام لمخالفيه في العقيدة من أهل الذمة، لا يمكن أن يقدمه أي مبدأ من المبادئ الجاهلية، لمن يخالفونه في الرأي فضلاً عمن يخالفونه في الاعتقاد.
وما ورد في الكتاب والسنة مما قد يفهم منه خطأ قصد الإهانة والاحتقار للكفار من أهل الذمة فإن المقصود بذلك هو ألا يظن أولئك أو يظن أحد من المسلمين أن الذميين ومن في حكمهم تجب معاملتهم على غرار معاملة المسلمين سواء بسواء، وهذا أمر غير مقبول حيث لا مساواة بين الكفر والإسلام. فالإسلام يعتبر أهل الذمة في داخل الدولة الإسلامية مواطنين من الدرجة الثانية، ولكنه يحقق لهم قدرًا من الحماية والرعاية قلما يتوفر لهم في ظل أنظمتهم الجاهلية نفسها.
وقد اختلف العلماء في معنى الصغار المذكور في قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(2). على قولين:
القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى تفسير الصغار بأنه نوع من الإهانة والإذلال الفعلي، ولكن هذا القول لا دليل عليه، ولا هو مقتضى الآية ولا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته أنهم فعلوا ذلك (3).
(1) انظر التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام/ محمد الغزالي ص38.
(2)
سورة التوبة آية (29).
(3)
انظر أحكام أهل الذمة/ ابن قيم الجوزية ج1 ص24.
القول الثاني: إن الصغار المذكور في الآية هو التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم، وإعطاء الجزية فإن التزام ذلك هو الصغار (1). وهو الصواب في نظري والله أعلم.
وقد خص بعض العلماء جواز الإذلال والامتهان الفعلي عند عدم الدفع للجزية فإنه يجوز تعزير الممتنع عن دفع الواجب بدون عذر شرعي مقبول (2).
وقيل أنه لما كان في المفهوم العام أن يد المعطي العليا ويد الآخذ السفلي، أمر المسلمون بعكس ذلك بأن يأخذوها على وجه تكون فيه يد المعطي السفلى ويد الآخذ العليا، وفي ذلك دلالة على أنه لا يجوز وضع أهل الذمة ومن في حكمهم من المستأمنين في مرافق الدولة التي يظهرون فيها تكبرهم، واستعلاءهم على المسلمين، فإنه في هذه الحالة تنعكس الصورة، حيث يصبح الكفار هم الأعلون والمسلمون في موقع الذلة والصغار، وهذا ما حذرنا الله عنه في قوله تعالى:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(3) ولذلك قال الفقهاء: إذا وجدت مثل هذه الحالة فإن الكفار الذين هم بهذه الصفة لا حرمة لهم في دمائهم وأموالهم لأن الله تعالى مدَّ أمد القتال إلى غاية وهي إعطاء الجزية مع الصغار، فإذا كانت حالة الذميين منافية لذلك في دار الإسلام، فلا عصمة لأموالهم وأنفسهم وليست لهم ذمة (4). حيث قد اشترط عمر رضي الله عنه تلك الشروط التي فيها الذل والصغار لهم، فمتى خرجوا على تلك الشروط فلا عهد لهم ولا ذمة (5).
(1) المصدر السابق نفس المكان.
(2)
المصدر السابق نفس المكان.
(3)
سورة آل عمران آية (139).
(4)
انظر أحكام أهل الذمة/ ابن القيم الجوزية ج1 ص24 - 25.
(5)
المصدر السابق ج2 ص657.
2 -
المستأمنون أو أهل العهد:
المستأمن: بكسر الميم هو الطالب للأمان، وبالفتح بمعنى اسم المفعول أي صار آمنًا ومأمونًا (1) والأصل في الأمان قوله تعالى:(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)(2) وقوله صلى الله عليه وسلم: « .... ، ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل» (3) وهذا الأمان الذي يعطى للمستأمن أمان مؤقت بخلاف الأمان الذي يعطى لأهل الذمة فهو أمان مؤبد ما التزموا بشروط العقد، بخلاف أمان المستأمن فهو أمان يلزم تحديده بمدة زمنية معينة، وينعقد الأمان بحق المستأمن بكل لفظ يفيد ذلك المعنى سواء كان صريحًا أو كتابة، كما ينعقد بالكتابة والرسالة والإشارة ونحو ذلك (4).
وللحربي المستأمن أن يعمل بمقتضاه فيدخل دار الإسلام آمنًا ولا يجوز لأحد التعرض له بسوء، ويجب على كافة المسلمين رعاية هذا الأمان، والعمل بموجبه ما دام هذا الأمان قد تم بالشروط المعتبرة شرعًا (5).
أما إذا كان الأمان صادرًا من حاكم خارج على الإسلام، فلا طاعة له ولا أمان لمن أمنهم من الكفرة أمثاله، كما يفعل بعض المتسلطين على رقاب المسلمين. حيث يستخدمون الخبراء والمستشارين والمقاتلين من روسيا وأمريكا وكوبا وغيرها من دول الكفر والضلال لمقاتلة المسلمين في عقر دارهم، فهؤلاء لا عهد لهم ولا أمان لأن من أعطاهم الأمان لا يملك الحق الشرعي في ذلك (6).
(1) رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار/ محمد أمين ج3 ص341.
(2)
سورة التوبة آية (6).
(3)
انظر فتح الباري ج12 ص42.
(4)
انظر المغني ج8 ص397.
(5)
المصدر السابق ج8 ص398.
(6)
انظر الهداية شرح بداية المبتدئ – كلاهما تأليف برهان الدين المرغيناني، ج4 ص300. وانظر كشاف القناع عن متن الإقناع/ منصور بن إدريس ج1 ص695. وانظر مغني المحتاج/ محمد بن أحمد الشربيني ج4 ص238.
وينتقص أمان المستأمن إذا كان في الأمان مفسدة وضرر على المسلمين، كما تقدم، كما أن للإمام الشرعي نقض أمان المستأمن عند الخوف من خيانة ونحو ذلك (1).
ولأهل العهد (أو المستأمنين) إذا دخلوا دار الإسلام الأمان على نفوسهم وأموالهم، ولهم أن يقيموا فيها فيما عدا الحرم والحجاز والجزيرة العربية في بعض الأقوال مدة معلومة يحددها الإمام فإن قلت عن أربعة أشهر كانت بغير جزية، وإن بلغت السنة وجب أخذ الجزية عليهم (2).
ويجب على المستأمن الامتناع عن كل قول أو فعل يوحي بانتقاص الدين الإسلام أو الازدراء بعقيدة المسلمين، وإذا خالف ذلك وجب عليه من العقوبة مثل ما يجب على غيره من المخالفين سواء كان المخالف مسلمًا أو ذميًا أو معاهدًا.
والدليل على ذلك أن يهودية كانت موادعة -أي مستأمنة غير ذمية- قد شتمت الرسول صلى الله عليه وسلم فأهدر دمها ولم يعاقب قاتلها (3).
وكذلك أنس بن زنيم من بني بكر، هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه مع أنه لم يكن ذميًا، وإنما كان موادعًا فهو في حكم المستأمن (4).
(1) مغني المحتاج ج1 ص300.
(2)
انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص146. وانظر نيل الأوطار للشوكاني. ج8 ص222 - 223.
(3)
انظر الصارم المسلول على شاتم الرسول/ ابن تيمية ص60 - 61.
(4)
المرجع السابق ص806.