الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: موالاة ومعاداة الفرقة الزيدية
الزيدية أو المذهب الزيدي ينسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم المتوفي سنة (132هـ - 740م)، ويطلق على هذا المذهب في الأوساط الفقهية المذهب الخامس لأنه يلحق بالمذاهب الفقهية الأربعة نظرًا لاعتداله في بعض المسائل الفقهية (1).
وقد ألحقه كثير من الدارسين لأحوال الفرق الإسلامية بالمذهب الشيعي، لأن أهم رجال هذه الفرقة ممن يروي عن أئمة الشيعة، وموقفهم من الخلافة، أنهم يختلفون عن سائر فرق الشيعة حيث يرى البعض منهم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وموقف المعتدلين منهم عدم جواز سب الصحابة (رضوان الله عليهم) فهم يرون أن عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه أولى بالإمامة هو وأبناؤه بلا تمييز بين الأبناء وأبناء
(1) انظر دائرة المعارف الإسلامية ج11 ص14 - 20.
الأبناء، وإذا قارنا بين آراء الزيدية في مسألة العصمة والإمامة والتقديس والرجعة والمعجزة والتقية والمهدية وتخطئة الصحابة، بآراء الشيعة الإمامة وببقية الفرق الأخرى لوجدنا أن هناك فرقًا كبيرًا بينهما، ولا يعني هذا خلو المذهب الزيدي من بعض المسائل والشوائب التي دخلت عليهم عن طريق التشيع لآل البيت فالمذهب الزيدي في جملته ينحو فيما يتعلق بالأسماء والصفات ونحو المعتزلة حيث إن زيد بن علي تتلمذ على يد واصل بن عطاء مؤسس مذهب الاعتزال في الأسماء والصفات (1).
وفيما يتعلق بالمسائل الإيمانية مخالف للمرجئة الذين يرون الإيمان مجرد التصديق بالقلب (2)، كما أن المذهب الزيدي يحمل طابع التشدد في الدين في بعض القضايا، ويشترك الزيدية مع الشيعة في قولهم في الآذان:(حي على خير العمل). والتكبير خمس مرات في صلاة الجنازة، ورفض المسح على الخفين ورفض الصلاة خلف الفاجر، وعدم أكل ذبائح غير المسلمين (3). هذا هو مذهب جمهور الزيدية، وقد شذ منهم بعض الفرق التي ضلت بسبب غلوها المفرط في التشيع وذلك مثل الجارودية وهم أتباع أبي الجارود بن المنذري العبدي، فقد خالفوا منهج الزيدية وضللوا الصحابة في اختيارهم غير الإمام علي رضي الله عنه ويرفضون إمامة أبي بكر رضي الله عنه وهم يعتبرون عند جمهور الزيدية، رافضة غلاة متطرفين. أما البترية، والسليمانية من فرق الزيدية فهما أكثر اعتدالاً من
(1) انظر كتاب الملل والنحل للشهرستاني ح1 ص120، 124، 166، (طبعة القاهرة 1347هـ).
(2)
انظر دائرة المعارف الإسلامية ج11 ص15.
(3)
انظر تاريخ الطبري ج4 ص264 - 269 وانظر الفصل في الملل والنحل/ لابن حزم وبهامشه الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص207 - 218. وانظر دائرة المعارف الإسلامية ج11 ص15 وانظر تاريخ الفكر الإسلامي في اليمن/ أحمد حسين شرف الدين ص130 - 131 وانظر فجر الإسلام/ أحمد أمين ص272.
الجارودية في نظر عامة الزيديين لعدم تخطئتهما الصحابة، إلا أنهما اشترطا شروطًا حول الإمامة لم يوافق عليها جمهور الزيدية (1).
ويقول أحمد أمين (2): «إن مذهب الزيدية من أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى أهل السنة حيث لا يسبون الصحابة (رضوان الله عليهم) وينظرون إلى الإمامة نظرة اعتدال، ولا يقولون بوجوب النص ولا بعصمة الأئمة» (3). اهـ.
أما اليزيدية من الخوارج وهم أتباع يزيد بن أبي أنيسة الخارجي فليست هذه الفرقة من فرق أهل الإسلام، لأنها تقول:«إن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان بنبي يبعث من العجم» (4). اهـ.
وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن مذهب الزيدية المنسوب إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: «زيد عندنا من علماء هذه الأمة فما وافق من أقواله الكتاب والسنة قبلناه، وما خالف ذلك رددناه، كما نفعل مع أقوال غيره من الأئمة والعلماء، هذا إذا صح النقل عنه بذلك ولكن أكثر ما ينسب إليه ويروى عنه، كذب وافتراء عليه، كما يفعل غلاة الشيعة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته حيث يروون عنهم، أقوالاً وآحاديث
(1) المصادر السابقة المكان نفسه.
(2)
هو أحمد أمين/ عضو المجمع اللغوي بالقاهرة، والمجمع العلمي بدمشق والمجمع العلمي ببغداد، ولد بالقاهرة سنة (1295هـ وتوفي بها سنة 1373هـ) تولى القضاء بمصر، ودرس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم انتخب عميدًا لها، ورأس لجنة التأليف والترجمة، وأصدر مجلة الثقافة، ثم شغل منصب مدير الإدارة الثقافية بالجامعة العربية. ومن مؤلفاته: فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام، وفيض المخاطر، والنقد الأدبي، انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحاله ج1 ص169.
(3)
انظر فجر الإسلام/ أحمد أمين ص272.
(4)
انظر الفرق بين الفرق/ عبد القاهر بن طاهر البغدادي ص279 - 280. وانظر الفصل في الملل والأهواء والنحل/ لابن حزم/ وبهامشه الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص183.
مخالفة لأصول الإسلام ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق متواتر، وما أثبته العلماء الثقات بالنقل الصحيح».
ثم يقول والمذهب الزيدي الصحيح منه ما وافق الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما خالف ذلك فهو باطل سواء كان ذلك مذهبًا زيديًا، أو أي مذهب كان (1). اهـ.
ويظهر مما تقدم أن فرقة الزيدية هم أقرب الفرق إلى أهل السنة والجماعة، فمن كان منهم يختلف مع أهل السنة في مسألة فرعية وقضية اجتهادية فهذا الخلاف لا يقطع مودة، ولا يوجب عداوة لأنه يجري بين جميع المسلمين. أما الخلاف في مسائل أصولية، مثل سلوكهم طريق المعتزلة في موضوع الأسماء والصفات، فهذا الخلاف الصحيح أنه ينقل عن الملة إذا كان القول كفرًا كإنكار علم الرب جل وعلا بالأمور قبل حدوثها والقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة، وأنه ليس في السماء فهذه المسائل توجب معاداة من يعتقدها مثل معاداة الكفار وتقتضي عدم موالاته ما دام متمسكًا بتلك الاعتقادات المخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة ومدلول اللغة ومنطق العقل السليم.
وعلى هذا فإن منهج التعامل مع الزيدية هو منهج التعامل مع غيرهم من الناس، فمن خالف بذنب دون الكفر، عاملناه معاملة الفساق والعصاة (2) بعد نصحه وبيان الحق له، ومن خالف بما يوجب الكفر أبغضناه وعاديناه، وقطعنا عنه الموالاة والمودة والمناصرة وسلكنا معه سبيل المرتدين عن الإسلام (3)، وحاولنا حمله هو وأمثاله على الحق بما نستطيع من وسائل لتحقيق ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.
(1) انظر الدرر السنية ج1 ص139.
(2)
انظر مبحث العصاة والفساق من هذه الرسالة ص425 - 445.
(3)
انظر مبحث المرتدين من هذه الرسالة ص452 - 457.