المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ ــ كتاب الجنائز مفردها (جنازة) وهي بفتح - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ ــ كتاب الجنائز مفردها (جنازة) وهي بفتح

‌كِتابُ الْجَنَائِزِ

لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ، وَيَسْتَعِدَّ بِالتَّوْبَةِ

ــ

كتاب الجنائز

مفردها (جنازة) وهي بفتح الجيم: اسم للميت، وبكسرها: اسم للنعش، وقيل: عكسه، وقيل: هما اسم للسرير. ولا يقال للنعش: جِنازة إلا إذا كان عليه ميت مكفن.

قال: (ليكثر ذكر الموت) أي: ندبًا: لأنه أزجر له عن المعاصي، وأدعى إلى فعل الطاعات.

وقال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات .. الموت)، حسنه الترمذي [2307]، وصححه ابن حبان [2992] والحاكم [4/ 321].

وفي بعض طرقه: (فإنه ما كان في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره) أي: كثير من الأمل وقليل من العمل.

و (الهاذم) بالذال المعجمة: القاطع.

وروى البيهقي [هب 10556] والطبراني عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالموت واعظًا).

و (الموت): مفارقة الروح الجسد.

قال: (ويستعد بالتوبة) أي: حتمًا: فإن الموت قد يأتيه بغتة.

وفي الحديث: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، هكذا رواه ابن ماجه [4250] بإسناد ضعيف. قال ابن الصلاح: لم أجد له إسنادًا يثبت بمثله.

وروي هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاء جُبَيْبُ بن الحارث إلى

ص: 7

وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَالْمَرِيضُ آكَدُ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إني رجل مقراف للذنوب - أي: كثير المباشرة لها - قال: (فتب إلى الله يا جبيب)، قال: يا رسول الله؛ إني أتوب ثم أعود! قال: (فكلما أذنبت .. فتب) قال: يا رسول الله؛ إذًا تكثر ذنوبي! قال: (عفو الله أكثر من ذنوبك).

و (جُبيب) - بالجيم: تصغير جب - فرد في الأسماء، هكذا ذكره الدارقطني. و (الاستعداد) للشيء: التهيؤ له بإحضار ما يعين عليه.

قال: (ورد المظالم)؛ لأنه من جملة الاستعداد للموت، ونص عليه وإن كان داخلًا في التوبة كما فعل في (الاستسقاء)، ولو عبر بالخروج .. كان أعم.

قال: (والمريض آكد)؛ لأنه إذا ذكر الموت .. رق قلبه، فرجع عن الظلم والمعاصي وأقبل على الطاعات.

فروع:

يستحب للمريض الصبر والرضا بقضاء الله عز وجل؛ فإنما يثاب عليهما لا على المصائب نفسها.

وكره بعض الأصحاب للمريض الأنين والتأوه وكثرة الشكوى؛ لأن ذلك يدل على ضعف اليقين، ويورث شماتة الأعداء. قال، المصنف: وهذا ضعيف أو باطل.

ويكره سب الحمى.

ويستحب لغيره عيادته إن كان مسلمًا، فإن كان ذميًا .. جاز ولا تستحب إلا لذي قرابة أو جوار ونحوهما.

وينبغي للزائر أن يطيب نفس المريض، ولا يطيل المكث عنده، ويواصل الزيارة للقريب والصديق، ويجعلها للأجنبي غِبَا وأن يكون كما قال الشاعر [من المجتث]:

ص: 8

وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الًايْمَنِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ،

ــ

مرضت، لله قوم .... ما فيهم من جفاني

عادوا وعادوا وعادوا .... على اختلاف المعاني

وتستحب العيادة من وجع العين: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد زيد بن أرقم من رمد، رواه أبو داوود [3094] والحاكم [1/ 342] والبيهقي [3/ 381] بإسناد صحيح.

وقال ابن الصلاح في (رحلته): لا تسن عيادة الأرمد. وهذا الحديث حجة عليه.

وروى الطبراني في (معجمه الكبير): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة ليس لهم عيادة: العين والدمل، والضرس.

قال البيهقي في (الشعب)[9193]: الصحيح وقفه على يحيي بن أبي كثير، قال: وأما ما رواه جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غم إلا غم الدَّين، ولا وجع إلا وجع العين) .. فحديث منكر.

وفي (الرحلة) - أيضًا - عن أبي عبد الله الفراوي: أن العيادة تستحب في الشتاء ليلًا، وفي الصيف نهارًا.

وفي (الإحياء): إنما يعاد المريض بعد ثلاثة أيام، ويدل له ما رواه ابن ماجه [1437] عن أنس قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود المريض إلا بعد ثلاثة أيام).

قال: (ويضجع المحتضر لجنبه الأيمن إلى القبلة على الصحيح) كما في اللحد، هذا هو المنصوص، وصححه الأكثرون، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

و (المحتضر): من حضره الموت ولم يمت، وهذه التسمية مأخوذة من قوله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} و (حضرة الموت): غاية قربه.

ص: 9

فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَانٍ وَنَحْوِهِ .. أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ

ــ

قال: (فإن تعذر لضيق مكان ونحوه .. ألقي على قفاه ووجهة واخمصاه إلى القبلة)؛ لأن الممكن. وينبغي - على هذا- أن يرفع رأسه قليلًا حتى يكون مستقبل القبلة بوجهه.

والثاني: يضجع على قفاه مع عدم التعذر، وبه قطع الإمام ووالده، وعلية عمل الناس.

ودليل التوجه إلى القبلة في الجملة: ما رواه أبو داوود: أن ألنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة - سأل عن البراء بن معرور، فقالوا: توفي في صفر وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى بأن يوجه إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده (ثم ذهب فصلى عليه وقال: (اللهم؛ اغفر له وارحمه، وأدخله جنتك وقد فعلت (قال الحاكم [1/ 353]: حديث صحيح لا أعلم في توجيه المحتضر غيره.

وقال ابن أبي الصيف: هذا الاستقبال مستحب، وفي اللحد واجب.

و (الأخمصان): باطن القدمين المنخفض من أسفلهما.

وفي (دلائل النبوة) للبيهقي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطأ بقدمه كلها ليس لقدميه أخمص). وكذا قال عطاء، لكن وصفة ربيبة هند بن أبي هالة بأنه خمصان الأخمصين، يعني: أنهما مرتفعان عن الأرض.

قال: (ويلقن الشهادة) وهي: كلمة لا إله إلا الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله) رواه مسلم [916]. زاد ابن أبي الدنيا: (فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته .. إلا كانت زاده إلى الجنة).

وروي أبو داوود، [3107] عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله .. دخل الجنة).

ص: 10

بِلَا إِلْحَاحِ،

ــ

ونقل في (الروضة) عن الجمهور الاقتصار على: لا إله إلا الله.

وقال القاضي أبو الطيب وجماعة من الأصحاب: يلقنه الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لأن المقصود ذكر التوحيد، والمراد موته مسلمًا، وهو لا يسمى مسلمًا إلا بهما. والأولى أصح.

أما إذا كان المحتضر كافرًا .. فينبغي الجزم بتلقيه الشهادتين: لأنه لا يصير مسلمًا إلا بهما.

وينبغي أن يكون الملقن غير وارث، حتى لا يتهمه باستعجال موته، فإن لم يكن عنده إلا الورثة .. لقنه أبرّهم به وأحبّهم إليه.

قال: (بلا إلحاح)؛ لئلا يتضجر فيقع فيما لا ينبغي. والأولى أن لا يقول له: قل: لا إله إلا الله، بل يقول بحضرته حتى يسمع ليتفطن فيقول، إلا أن يكون كافرًا فيقول له:(قل) كما قال صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وللغلام اليهودي.

وقال الماوردي: التلقين يكون قبل التوجه للقبلة.

وقال في (الإقليد): إذ أمكن الجمع .. فعلا معًا، وإلا .. بدأ بالتلقين: لكونه أهم.

فإذا قالها مرة .. لا تكرر عليه ما لم يتكلم. ولا يكلم بعدما لتكون آخر كلامه، فإن تكلم بعدها .. أعيد التلقين لتكون أخر كلامه.

وما أحسن ما اتفق لأبي زرعة الرازي لما حضرته الوفاة .. كان عنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم فاستحيا أن يلقناه، فتذاكرا حديث التلقين فأرتج عليهما، فبدأ أبو

ص: 11

وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ (يس)،

ــ

زرعة وهو في النزع فذكر إسناده إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله)، ثم خرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول:(دخل الجنة).

قال: (ويقرأ عنده (يس)؛ لما روى أبو داوود [3112] والنسائي [سي 1075] وابن حبان [3002] عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا على موتا كم (يس).

قال ابن الرفعة: ويستحب أن يقرأ عند المريض مطلقًا؛ ففي (رباعيات أبي بكر الشافعي): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مريض يقرأ عنده (يس) إلا مات ريانًا، وأدخل قبره ريانًا، وحشر يوم القيامة ريانًا).

وروى الآجري في (النصيحة) عن أم الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يقرأ عنده (يس) إلا هون الله عليه).

وروى الحارث بن أبي أسامة [بغية 468]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأها وهو خائف .. أمن، أو جائع .. شبع، أو عطشان .. سقي، أو عار .. كسي، أو مريض .. شفي

(حتى ذكر خلالًا كثيرة.

واستحب أبو الشعثاء التابعي الكبير قراءة (سورة الرعد)، وكأن ذلك - والله أعلم - لقوله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} .

فرعان:

أحدهما: قال الجيلي: يستحب تجريع المحتضر ماء؛ فإن العطش يغلب من شدة النزع، فيخاف منه إزلال الشيطان؛ إذ ورد أنه يأتي بماء زلال يقول له: قل: لا إله غيري حتى أسقيك. نسأل الله تعالى الثبات عند الممات بمحمد وآله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: في (الرونق) و (اللباب): لا يجوز للحائض أن تحضر المحتضر وهو

ص: 12

وَلْيُحْسِنْ ظَنَّه بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى

ــ

في النزع، وكأن السبب في ذلك ما تقدم في أول (باب الغسل): أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا جنب.

قال: (وليحس ظنه بربه سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قيل معناه: أحسنوا الظن بالله تعالى.

وروي مسلم [2877] عن جابر: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى (ومعناه: يموت وهو ظان أنه يرحمه. وقال الخطابي: معناه: حسنوا أعمالكم ليحسن ظنكم بربكم؛ فمن حسن عمل .. حسن ظنه، من ساء عمله .. ساء ظنه.

أما في حال الصحة .. فأصح الوجهين: أن يكون رجاؤه وخوفه سواء؛ لأن الغالب في القرآن ذكر الترغيب والترهيب مقترنين.

والثاني: يكون خوفه أرجح.

فائدة:

حكي الغزالي عن ابن سريج: أنه رأى في مرض موته في النوع كأن القيامة قد قامت والله تعالى يقول: أين العلماء؟ فجاءوا فقال: ما عملتم فيما علمتم؟ قالوا: قصرنا وأسأنا، قال: فأعاد السؤال، فقالوا كذلك، قال:. فقلت: أما أنا فليس في صحيفتي شرك وقد وعدت أن تفغر ما دونه، فقال: اذهبوا فقد غفرت لكم، ثم مات بعد ثلاث ليال رحمة الله تعالى.

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

يستحب لمن حضره أن يحسن ظنه، ويقرأ عنده آيات الرجاء، وحكايات الصالحين عند الموت.

ويستحب طلب الموت في بلد شريف.

ويستحب طلب الدعاء من المريض.

وأن لا يجزع من الموت، ولا بأس بالجزع من الذنوب.

وأن يكون شاكرًا لله تعالى بقلبه ولسانه، وليحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، ويجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال.

فائدة:

الظن في الشرع ينقسم إلى: واجب ومندوب وحرام ومباح.

فالواجب: حسن الظن بالله سبحانه وتعالى.

والحرام: سوء الطن به سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} ، وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين.

وعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والظن؛ فإن الطن أكذب الحديث) أي: الظن بالمسلم من غير سبب.

والمندوب: حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين.

والجائز: كقول الصديق لعائشة رضي الله عنهما: (إنما هما أخواك وأختاك)، فاستجاز الظن لما وقع في قلبه أن ذا بطن امرأته أنثى.

ومن هذا القسم: الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الرِّيَب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم ظن السوء به؛ لأنه قد دل على نفسه، فمن ستر على نفسه .. لم

ص: 14

وَإِذَا مَاتَ .. غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمَيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ،

ــ

يظن به إلا خيرًا، ومن دخل مداخل السوء .. اتهم، ومن هتك نفسه .. ظننا به السوء.

ومن الظن الجائز بإجماع المسلمين: ما يحصل بظن الشاهدين في التقويم، وأروش الجنايات، والبينات عند الحكام، وما يحصل بخبر الواحد في الأحكام بالإجماع ويجب العمل به قطعًا.

قال: (وإذا مات .. غُمِّض)؛ لأن ألنبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة لما مات وقال: (إن الروح إذا قبض .. تبعة البصر (رواه مسلم [920]، ولأنه إذا لم يغمض .. قبح منظره، وقيل: إن العين أول شيء يسرع إليه الفساد.

ويحسن أن يقال عنا تغميضه: باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: (وشد لحياه بعصابة) المراد: عصابة عريضة تأخذ جميع لحييه، وتربط فوق رأسه، لئلا يبقي فمه منفتحًا فتدخل فيه الهوام.

قال: (ولينت مفاصله)؛ تسهيلًا لغسله، فيرد ساعده إلى عضده ثم يمدها، ويرد ساقه إلى فخذه، وفخذية إلى بطنه، ويلين أصابعه أيضًا، فإن البدن بعد مفارقة الروح تبقى فيه بعض حرارة، فإذا لينت المفاصل في تلك الحالة .. لانت، وإلا .. لم يمكن تليينها بعد ذلك.

قال: (وستر جميع بدنه بثوب خفيف)؛ لئلا يسرع فساده.

وفي (الصحيحين)[خ1242 - م942] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجي بثوب حبرة حين مات).

وينبغي أن يجعل أطراف الثوب تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف، أما المحرم .. فيستر منه ما يجب تكفينه.

قال: (ووضع على بطه شيء ثقيل)؛ لئلا ينتفخ.

ويصان المصحف وكتب الحديث والعلم عن ذلك؛ ففي (سنن البيهقي)[3/ 385]

ص: 15

وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ، وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحَتَضرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ، وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ

ــ

أن مولى لأنس مات فقال أنس: (ضعوا على بطنه حديدة؛ لئلا ينتفخ) ولهذا ينبغي أن يكون حديدًا كمرآة أو سكين، فإن لم يكن .. فقطعة طين رطب.

قال: (ووضع على سرير ونحوه)؛ لئلا تصيبه نداوة الأرض فتغيره، ولا يوضع على فراش؛ لأنه أسرع إلى انتفاخه.

قال: (ونزعت ثيابه) أي: التي مات فيها؛ فإنها تسرع إليه الفساد. وقيدها في (الوسيط) بالثقيلة المُدْفِئة.

قال: (ووجه للقبلة كمحتضر) كما تقدم.

قال: (ويتولى ذلك أرفق محارمه) أي: جميع ما تقدم؛ احترامًا للميت، فيتولاها الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة، فإن تولاها محرم أو أجنبي .. جاز.

قال: (ويبادر بغسله إذا تيقن موته)؛ لما روى أبو داوود [3151] أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد طلحة بن البراء، فلما انصرف قال:(إني أرى قد حدث فيه الموت، فإذا مات .. فآذنوني حتى أصلي عليه، وعجلوا؛ فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله).

فروي أنه توفي ليلًا فقال: (ادفنوني وألحقوني بربي عز وجل، ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا فإني أتخوف عليه اليهود، فلما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفنه .. أتى إلى قبره فصف الناس وصلى عليه، ثم رفع يديه وقال: (اللهم؛ ألق طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك)، ومعناه: ألقه لقاء متحابين مظهرين لما في أنفسهما من رضا ومحبة.

وتحقق الموت يكون بالعلامات، وهي: أن تسترخي قدماه، أو يميل أنفه، أو ينخسف صدغاه، أو تميل جلدة وجهه، أو تتقلص أنثياه.

فإن شك بأن لا تكون به علة واحتمل طروء سكتة عليه .. فيؤخر إلى حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره.

ص: 16

وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ .. فُرُوضُ كِفَايَةٍ. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ: تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الأَصَحِّ،

ــ

غريبة:

حكي ابن عساكر: أن يعقوب الماجشون جد عبد الملك صاحب مالك مات ووضع على السرير واجتمع الناس للصلاة عليه، فوجد الغاسل عِرقًا تحت وجله يتحرك! فقال: أرى أن يؤخر غسله إلى غد، فلما أصبحوا واجتمع الناس للصلاة عليه .. وجده الغاسل كذلك فصرف عنه الناس، ثم كذلك في اليوم الثالث، ثم إنه استوي جالسًا وقال: اسقوني سويقًا فسقوه، وسألوه عن حاله فقال: عرج بروحي إلى السماء الدنيا ففتح لها الباب، ثم كذلك إلى السماء السابقة فقيل للملك الذي عرج بي: من معك؟ قال: الماجشون، فقال: إنه بقي من عمره كذا كذا شهرا وكزا كذا يومًا وكذا كذا ساعة، قال: ثم هبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعمر بن عبد العزيز بين يديه فقلت للملك الذي معي: إنه لقريب المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: إنه عمل بالحق في زمن الجور، وإنهما عملا بالحق في زمن الحق.

قال: (وغسل وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .. فروض كفاية) بالإجماع.

قال: (وأقل الغسل: تعميم بدنه) كما في غسل الحي من الجنابة والحيض، سواء كان عليه غسل جنابة أو حيض أم لا.

قال: (بعد إزالة النجس) كذا قاله في (الروضة) أيضا.

وكان ينبغي للمصنف أن يستدركه؛ فإن الصحيح عنده: أن الغسلة الواحدة تكفي للحدث والخبث كما تقدم في (باب الغسل)، إلا أن يقول المصنف هنا: إن صورة المسألة في نجاسة لا يصل الماء إلى العضو إلا بعد إزالتها، فيستقيم الكلام.

قال: (ولا تجب نية الغاسل في الأصح)؛ لأن المقصود منه النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو، ولأن الميت ليس من أهل النية.

والثاني: تجب؛ لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة.

ص: 17

فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غَسْل الْغَرِيقِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَكْمَلُ: وَضْعُهُ بِمَوْضِعِ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ، وَيُغَسَّلُ فِي قِميصٍ

ــ

وكيفية النية: أن ينوي بقلبه - عند صب الماء القراح - الغسل الواجب أو غسل الميت.

وبني المتولي الوجهين على الخلاف في نجاسته بالموت؛ إن قلنا: لا ينجس .. اشترطت، وإلا .. فلا.

قال: (فيكفي غرقه أو غسل كافر)؛ بناء على عدم وجوبها.

قال: (قلت: الصحيح المنصوص: وجوب غسل الغريق والله أعلم)؛ لأنا مأمورون بغسله ولم يغسل، ولو ماتت كافرة .. جاز لزوجها المسلم غسلها.

قال: (والأكمل: وضعة بموضع خال) لا يدخله إلا الغاسل ومعينه أو الولي؛ لأن الحي يحرص على ذلك، ولأنه قد يكون فيه ما لا يحب أن يطلع عليه غيره.

والأفضل أن يكون تحت سقف؛ لأنه أستر نص عليه.

وقيل: تحت السماء لتنزل عليه الرحمة.

قال: (مستور) أي: لا يكشفه أحد من كوَّة ولا جدار لما ذكرناه.

قال: (على لوح)، لئلا يصيبه الرشاش، وليكن موضع رأسه أعلى لينحدر الماء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل على سرير، وبقي إلى أن غسل عليه يحيى بن معين وحمل عليه لما مات سنة ثلاث وثلاثين ومئتين.

قال: (ويغسل في قميص)؛ لما روى بريدة رضي الله عنه قال: (لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد داخل البيت: لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه) رواه ابن ماجه [1466] والحاكم [1/ 354] وأبو داوود بمعناه [3133].

وقال المزني: إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم: لجلالته وعظيم قدره.

ص: 18

بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إِلَى وَرَاءِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إِمْرَارًا بَلِيغًا ليَخْرُجَ مَا فِيهِ،

ــ

وليكن القميص باليًا، ويدخل يده فيغسله من داخل القميص، وإلا .. فتق رؤوس التخاريص ثم يدخل يده في موضع الفتق، كذا قاله في (البحر).

فإن لم يكن قميص .. ستر منه ما بين سرته وركبته، وسيأتي حكم نظر الغاسل في زيادة المصنف في أخر الباب.

قال: (بماء بارد)؛ لأنه يشد البدن والمسخن يرخيه، اللهم إلا أن يحتاج إلى المسخن لوسخ، أو خوف الغاسل من البرد فيغسله بالمسخن تسخينًا لطيفًا.

وقال أبو حنيفة: المسخن أولى مطلقًا.

ويقال: إن الحافظ أبا الفرج بن الجوزي أوصى أن يسخن ماء غله ببراية أقلامه التي كتب بها العلم.

سوروى البخاري في (الأدب)[652] والطبراني [25/ 182] والنسائي [4/ 29] عن أبي الحسن مولى أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله عنها أنها قالت: توفي ابني فجزعت عليه فقلت للذي يغسله: لا تغسل ابني بالماء البارد تقتله! فانطلق عكاشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقولها، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال:(طال عمرها)، قال: فلا أعلم امرأة عمرت ما عمرت.

قال: (ويجلسه الغاسل على المغتسل مائلًا إلى ورائه)؛ ليسهل خروج ما في بطنه.

قال: (ويضع يمينه على كتفه، وإبهامه في نقرة قفاه)؛ لئلا يتمايل رأسه. و (القفا) مقصور، وجوز الفراء مده، وهو: مؤخر العنق.

قال: (ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى، ويمر يساره على بطنه إمرارًا بليغًا ليخرج ما فيه). وهذا أول ما يفعله الغاسل إذا وضعة على المغتسل، ويكثر في هذه الحالة من البخور وصب الماء لئلا تفوح الرائحة.

ص: 19

ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَي وَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مِنْخَرَيْهِ مِنْ أَذَىً، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَاسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ

ــ

قال: (ثم يضجعه لقفاه ويغسل بيساره وعليها خرقة سوأتيه)، كما يستنجي الحي بعد التغوط والبول.

وفي (النهاية) و (الوسيط): يغسل كل سوءة بخرقة، وهو أبلغ في النظافة.

قال: (ثم يلف أخري) أي: بعد إلقاء الأولى وغسل يده بماء وأشنان إن تلوثت.

قال: (ويدخل إصبعه فمه ويمرها على أسنانه) كما يستاك الحي، والظاهر: أن ذلك يكون يبده اليسرى وقد صرح به في (الكافي)، وقد تقدم: أن الأصح حذف الميم من الفم.

قال: (ويزيل ما في منخريه من أذى) ويكون ذلك بطرف إصبعه الخنصر.

قال: (ويوضئه كالحي) - أي: ثلاثًا ثلاثًا - ويراعي المضمضة والاستنشاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)، والمضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء، فيدخل إصبعه في فيه ويمرها على أسنانه بشيء من الماء، وكذلك يدخل طرف إصبعه في منخريه بشيء؛ ليزيل ما فيهما قبل الوضوء، والظاهر: أن إدخال الإصبع في الفم والأنف غير المضمضة والاستنشاق.

قال: (ثم يغسل رأسه ثم لحيته بسدر ونحوه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية: (اغسلنها بماء وسدر) رواه الشيخان [خ 1253 - م939].

ص: 20

وَيُسَرِّحُهُمَا بِمِشْطِ وَاسِعِ الأَسْنَانِ بِرِفْقِ، وَيَرُدُ الْمُنْتَتَفَ إِلَيْهِ. وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأيْمَنَ ثُمَّ الأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إِلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ فَيَغْسِلُ الأَيْسَر كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ

ــ

والسدر أولى من الخطمي؛ لأنه أمسك للبدن.

قال في (الدقائق): وتعبيره ب (ثم) لينبه على استحباب الترتيب، وهو مراد (المحرر) بقوله:(ولحيته).

قال: (ويسرحهما بمشط واسع الأسنان برفق)؛ ليقل الانتتاف. وقال أبو حنيفة وسائر الفقهاء: لا يسرح.

و (المشط) فيه لغات: ضم الميم مع إسكان الشين، ومع ضمها أيضًا، وكسر الميم مع إسكان الشين.

قال: (ويرد المنتتف إليه) المراد: أنه يضعه معه في الكفن. وفي (الكفاية) عن القاضي: أنه لا يرده.

قال: (ويغسل شقه الأيمن ثم الأيسر) من صفحة العنق إلى القدم.

قال: (ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي القفا والظهر إلى القدم، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك).

أما البداءة بالأيمن .. فلحديث أم عطية أنها لما غسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (ابدأن بميامنها).

وأما الشق الذي يلي الوجه .. فلشرفه.

قال: (فهذه غسلة) ليس المراد: أنها الغسلة الواجبة، بل المراد: أنها غسلة واحدة مما يراد للتنظيف والإنقاء؛ وإنما قلنا ذلك؛ لذكره السدر فيها، وسيأتي: أنه يمنع من الاعتداد بها.

ص: 21

وَتُسْتَحَبُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يُصَبَّ مَاءٌ قَرَاحٌ مِنْ فَرْقِةِ إِلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلُ كَافُورٍ. وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ .. وَجَبَ إِزَالَتُهُ فَقَطْ،

ــ

قال: (وتستحب ثانية وثالثة) كغسل الجنابة، فإن لم ينق .. زاد.

ويستحب الإيتار؛ لحديث أم عطية: (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).

قال الماوردي: والثلاث أدنى الكمال، والخمس أوسط، والسبع أكثره، والزيادة سرف.

قال: (وأن يستعان في الأولى يسدر أو خطمي)؛ للحديث.

قال: (ثم يصب ماء قَراح) أي: خالص، وهو يفتح القاف.

قال: (من فرقة إلى قدمه بعد زوال السدر) فهذه أول الثلاث، ويندب بعدها ثانية وثالثة.

قال: (وأن يجعل في كل غسلة قليل كافور)؛ لأن الجسد يتصلب به، وتنفر الهوام من رائحته، وهو في الأخيرة آكد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(واجعلن في الأخيرة كافورًا، أو شيئًا من كافور). ويستثنى من ذلك المحرم كما سيأتي في بابه. واحترز ب (القليل) عن الكثير؛ فإنه إذا تفاحش .. سلب الطهورية، أما الصلب .. فلا يسلب؛ لأن الغالب أنه إنما يغير بالمجاورة لا بالمخالطة.

واذا كمل غسلة .. استحب تنشيفه بلا خلاف، بخلاف طهارة الحي، ويستحب أن تلين مفاصله.

قال: (ولو خرج بعده نجس .. وجب إزالته فقط)؛ لأن الفرض قد سقط بما وجد، والتنظيف يحصل بإزالة ما حدث سواء كان من المخرج المعتاد أو غيره.

ص: 22

وَقِيلَ: مَعَ الْغُسْلِ إِنْ خَرَجَ مِنَ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: الوُضُوءِ. وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ،

ــ

وقوله: (بعده) أي: بعد الغسل، هذا إذا لم يدرج في الكفن، فإن كفن .. لم يجب غسل النجاسة أيضًا.

قال: (وقيل: مع الغسل إن خرج من الفرج)؟ لأنه ينقض الطهر وطهر الميت غسل جميعه.

قال: (وقيل:) مع (الوضوء) كالحي إذا خرج منه شيء بعد الوضوء، وألزم قائله النقض بوقوع كف الميت على ذكره فالتزمه.

فلو خرج من غيره .. لم يجب إلا إزالته قطعًا.

فرع:

يستحب أن يغطى وجه الميت بخرقة من أول ما يوضع على المغتسل، نقله المزني عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، واستحب هو إعادة الوضوء في كل غسلة.

ويندب أن يضفر شعر المرأة وأن يجعل ثلاثة قرون كما في الحديث.

قال: (ويغسل الرجل الرجل، والمرأة المرأة) هذا هو الأصل، إلحاقًا لكل جنس بجنسه، وقد يغسل الرجل المرأة وعكسه كما سيأتي.

قال: (ويغسل أمته) بالقياس على الزوجة خلافًا لأبي حنيفة، والمراد: الأمة التي ليست معتدة ولا مزوجة ولا مستبرأة.

واحترز عن المبعضة فلا يغسلها ولا تغسله؛ لأنها ليست أمته.

ولا يجوز للأمة تغسيل سيدها، لأن القنة تنتقل للورثة، والمدبرة وأم الولد تعتقان بالموت، بخلاف ملك النكاح فإن حقوقه لا تنقطع بدليل التوارث، ولأجل الإشارة إلى هذا لم يقل الصنف: وهي سيِّدهَا كما فعل في الزوجين.

قال: (وزوجته)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعاثشة: (ما ضرك لو مت قبلي،

ص: 23

وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَامَسَّ

ــ

فقمت عليك فغسلتك وكفنتك، وصليت عليك ودفنتك (رواه ابن ماجه [1465] وصححه ابن حبان [6586]. و (غسل علي فاطمة رضي الله عنهما.

ولا يمنع ذلك تزويج أختها وأربع سواها على الأصح.

لكن يستثنى من ذلك الرجعية، فحكمها في ذلك كالأجنبية؛ لأنها كانت محرمة في الحياة فاستصحب ذلك بعد الموت.

ولو كان له أكثر من زوجة وتنازعن في غسله .. أقرع بينهن.

قال: (وهي زوجها)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) رواه أبو داوود [3133] والحاكم [3/ 59] وقال: على شرط مسلم.

وأوصى أبو بكر رضي الله عنه: أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته، وقالت عائشة وفي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(رحم الله رجلًا غسلته امرأته وكفن في أخلاقه)، قالت: ففعل ذلك بأبي بكر رضي الله عنه رواهما البيهقي [3/ 397].

وإذا جوزناه للمرأة .. فيجوز أبدًا، وقيل: ما لم تتزوج، وقيل: ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملًا عقب موته.

ولا يفترق الحال بين المسلمة والكافرة كما سبق.

قال: (ويلفان خرقة) أي: السيد وأحد الزوجين؛ حفظًا للطهارة.

قال: (ولا مس) عبارة (المحرر): وإذا غسل أحدهما. الآخر .. فينبغي أن يلف خرقة على يده ولا يمسه، وهي أوضح من عبارة المصنف.

فإن لم يلف .. قال القاضي ومتابعوه: يصح الغسل بلا خلاف. ولا يخرج على الخلاف في انتقاض طهر الملموس؛ لأن الشرع أذن فيه للحاجة، وأما الغاسل .. فالأصح فيه: الانتقاض.

ص: 24

فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَاّ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ .. يُمِّمَ فِي الأَصَحِّ. وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ: أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ،

ــ

قال: (فإن لم يحضر إلا أجنبي أو أجنبية .. يمم في الأصح)؟ إلحاقًا لفقد الغاسل بفقد آلة الغسل، ولأنه تعذر غسله شرعًا.

والثاني: يغسل في ثيابه، ويلف الغاسل على يده خرقة، ويغض طرفة ما أمكنه، فإن اضطر إلى النظر .. نظر قدر الضرورة، وصححه الإمام والماوردي وآخرون.

والثالث: يدفن بلا غسل ولا تيمم.

فروع:

الأول: إذا يمم الميت لعدم الماء، ثم وجد قبل الدفن .. وجب غسله وإعادة الصلاة عليه، أو بعده .. لم ينبش.

الثاني: الصبي والصبية إذا لم يبلغا حدًا يشتهيان .. يجوز للرجال والنساء جميعًا غسلهما، فإن بلغا ذلك .. فكالبالغين،

الثالث: الخنثى المشكل مقتضى كلام (الروضة) هنا: أن لا يغسل، وصرحا في (النكاح) فيه بالاحتياط، فيجعل في حق الرجال امرأة وفي حق النساء رجلًا، وصحح في (شرح المهذب): أنه يغسله الرجال والنساء، وهذا هو المذكور في (الحاوي الصغير).

وقال في (الشرح الصغير) أيضا: الأظهر أنه يجوز للرجال والنساء غسله؛ استصحابًا لما كان في الصغر، وصححه في (الكبير).

وفي وجه ضعيف: يشتري من تركته أمة تغسله، فإن لم تكن له تركة .. فمن بيت المال.

قال: (وأولى الرجال به: أولاهم بالصلاة) عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسله عمه العباس ومعه ابنة الفضل وابن أخيه علي رضي الله عنهم، وسيأتي بيان ذلك.

ص: 25

وَبِهَا: قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الأَصَحِّ، وَأَوْلَاهُنَّ: ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: .. إِلَاّ أَبْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

وهل تقدم زوجته على رجال العصبات؟ فيه ثلاثة أوجه:

أصحها: لا، بل يقدم رجال العصبات، ثم الرجال الأقارب، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء المحارم.

والثاني: تقدم الزوجة عليهم.

والثالث: يقدم الرجال الأقارب، ثم هي، ثم الرجال الأجانب، ثم النساء المحارم.

قال: (وبها: قراباتها)؛ لوفور شفقتهن.

وكان الصواب أن يقول: ذوو قراباتها: فإن الجوهري قال: تقول ذو قرابتي، ولا تقول هم قرابتي، ولا هم قراباتي، والعامة تقول ذلك، وعبارة (المحرر) سالمة من ذلك؛ فإنه قال: وأما المرأة .. فأولى النساء بغسلها نساء القرابة.

قال: (ويقدمن على زوج في الأصح)؛ لأنهن أليق بها.

والثاني: أن الزوج يقدم عليهن؛ لأنه يطلع على ما لا يطلعن عليه.

قال: (وأولاهن: ذات محرمية) - وهي: كل امرأة لو كانت رجلًا .. لم يحل له نكاحها بسبب القرابة - لأنهن أكثر شفقة. فإن استوت اثنتان في المحرمية .. فالتي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة. واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الأقرب فالأقرب.

قال: (ثم الأجنبية)؛ لأنهن أوسع في النظر إليها من الرجال.

لكن يرد عليه ذات الولاء؛ فإنها تقدم على الأجانب على النص، إلا أن يقال: إنها من الأجنبيات؛ فإنه جعل الأجنبيات قسيم القرابة.

قال: (ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم) أي: من الأبوين أو أحدهما؛ لأنهم أشفق عليها، ويطلعون غالبًا على ما لا يطلع عليه غيرهم.

قال: (قلت: إلا ابن العم ونحوه فكالأجنبي والله أعلم) المراد: كل قريب ليس بمحرم .. فلا حق له في الغسل.

ص: 26

وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الزَّوْجُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفُرُهُ،

ــ

قال: (ويقدم عليهم الزوج في الأصح) أي: على رجال القرابة؛ لأن الجميع ذكور وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه.

والثاني: أنهم يقدمون عليه؛ لأن النكاح قد انتهى بالموت وسبب المحرمية باق.

تنبيه:

جميع ما ذكرناه من التقدم مشروط بالإسلام، وأن لا يكون قاتلًا.

ويستثنى من إطلاقه الوالي؛ فإنه يقدم على الأجانب كما صرح به الجرجاني وغيره.

والمقدم في الغسل لو فوضه إلى غيره .. جاز شرط اتحاد الجنس، فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس.

قال: (ولا يقرب المحرم طيبًا، ولا يؤخذ شعره وظفره)؛ لما روى الشيخان [خ 1265 - م1206] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عيه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فانكسرت عنقه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا).

قال ابن قتيبة في (المعارف) في ترجمة عمر: الرجل المذكور واقد بن عبد الله. واستفيد من التعليل المذكور في الحديث: أن الحج لا يبطل بالموت، بخلاف الصلاة فإنها تبطل بالاتفاق، وفي الصوم وجهان.

واستفيد منه: تحريم ستر وجه المحرمة، ورأس الرجل وإلباسه المخيط وغير ذلك من آثار الإحرام.

ولا بأس بالبخور عند غسله - كما يجلس المحرم عد العطار - فإن طيبه إنسان أو ألبسه مخيطًا .. عصى ولا فدية، كما لو قطع عضوا من ميت، وفي وجه غريب: أنها تجب.

ص: 27

وَتُطَيَّبُ الْمُعْتدَّةُ فِي الأَصَحِّ، وَالْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفُرِهِ وَشَعْرِ إِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وِشِارِبِهِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: كَرَاهَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال: (وتطيب المعتدة في الأصح) وكذلك تكفن في الحرير، والمراد: المعتدة المُحِدَّة؛ لأن التحريم في الحياة إنما كان للتفجع على الزوج، ولميلها إلى الأزواج أو ميلهم إليها، وقد زال بالموت.

والثاني: أنه لا يجوز؛ استصحابًا للتحريم كالمحرمة.

قال: (والجديد: أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه) كما يتنظف الحي بهما؛ لأن ذلك من كمال الطهارة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:(افعلوا بموتاكم ما تفعلون بعروسكم)، وكل هذه تفعل قبل الغسل.

والقديم - وهو منصوص (الأم) و (المختصر) -: لا يفعل ذلك؛ لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وقد نهى عن محدثات الأمور، فلذلك اختاره المصنف فقال:

(قلت: الأظهر: كراهته والله أعلم)؟ لأن أجزاء الميت محترمة. أما شعر الرأس .. فلا يحلق بحال؛ لأنه إنما يخلق لزينة أو نسك.

قلت: إلا أن يكون حاجًا بقي عليه الحلق ومات .. فيظهر: أن يخلق رأسه تكميلًا للنسك، ويحتمل أن لا يفعل ليأتي يوم القيامة محرمًا.

وإذا قلنا بالجديد .. تخير الغاسل في شعر الإبطين والعانة بين الحلق والإزالة بالنُّورة، وقيل: تتعين النورة في العانة؛ لئلا ينظر إلى العورة، والمذهب: التخيير، لكن لا يمس ولا ينظر من العورة إلا قدر الضرورة.

والذي يؤخذ من هذه الأجزاء يستحب أن يصر في كفنه، وقيل: لا يدفن معه بل يواري في الأرض في غير القبر.

ص: 28