المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ والْقَضَاءِ.   ‌ ‌فَصْلٌ: مَنْ فَاتَهُ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ والْقَضَاءِ.   ‌ ‌فَصْلٌ: مَنْ فَاتَهُ

وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ والْقَضَاءِ.

‌فَصْلٌ:

مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ الْقَضَاءِ

ــ

قال: (وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان، بخلاف النذر والقضاء)؛ لأن وجوب الصوم في رمضان بطريق الأصالة ولهذا لا يقبل غيره، ووجوب غيره بطريق العرض.

وأفاد الشيخ: أن البويطي نص على وجوب الإمساك في الجميع.

تتمة:

حيث أوجبنا الإمساك ففي حقيقته وأثره أربعة أوجه:

أصحهما: أنه ليس بصوم شرعي، لكنه إمساك على سبيل التشبيه ويثاب عليه، ولا يقال: إن الممسك في صوم، بخلاف المحرم إذا أفسد إحرامه، وأثر هذا: أن المحرم إذا ارتكب محظورًا .. لزمته الفدية، والممسك إذا ارتكب شيئًا من محظورات الصوم .. لا يترتب عليه غير الإثم، قال المصنف: بلا خلاف.

والثاني: أنه كذلك، إلا أنه لا يثاب عليه.

والثالث: يثاب، إلا أن يكون متعديًا بفطره.

والرابع: أنه يسمى صومًا شرعيًا، وهذا لعله خلاف لفظي.

فإن قيل: الصحيح فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا وصلى: أنه في صلاة .. فالجواب: أن التارك للنية، أو المتعدي بالفطر ترك ركنًا من أركان الصوم، بخلاف فاقد الطهورين فإنه تارك لشرط فقط، ولذلك صححوا أنه إذا فقد السترة .. صلى ولا قضاء عليه، وأيضًا تارك النية مقصر، بخلاف فاقد الطهورين.

قال: (فصل:

من فاته شيء من رمضان، فمات قبل إمكان القضاء) بأن مات في رمضان، أو استمر المرض أو السفر أو الحيض أو النفاس أو الإغماء من أول شوال إلى موته.

ص: 334

فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إِثْمَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ .. لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ، بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ،

ــ

قال: (.. فلا تدرك له ولا إثم) أي: لا يجب تداركه لا بالفدية ولا بالقضاء ولا يأثم أيضًا ولو استمر سنين ومضت عليه رمضانات، كما لو تلف المال بعد الحول وقبل التمكن من الأداء .. فإنه لا يضمن ولا يأثم.

وقال طاووس: يطعم عنه لكل يوم مسكين.

واستدل الأصحاب بأنه فرض لم يتمكن منه فسقط حكمه كالحج، وفيه نظر؛ لأن الحج لم يجب إذا مات قبل الإمكان إلا أن يقال هنا بمثله: أنا بدوام العذر إلى الموت نتبين عدم الوجوب، وهو بعيد لا سيما في السفر الذي هو إلى اختيار المكلف.

كل هذا إذا كان الفوات بعذر، فأما من فاته بغير عذر .. فإنه يأثم ويُتدارك عنه بالفدية كما جزم به الرافعي في (باب النذر) وأسقطه من (الروضة (.

قال: (وإن مات بعد التمكن .. لم يصم عنه وليه في الجديد)؛ لأن الصوم عبادة بدنية لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت كالصلاة. ولا فرق في هذا القسم بين فواته بعذر أو غيره.

قال: (بل يخرَجُ من تركته لكل يوم مد طعام)؛ لما روى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام شهر .. فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا) رواه الترمذي [718] وقال: الصحيح وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا قال البيهقي [4/ 254] والدارقطني.

وإنما رفعه ابن أبي ليلى، وهو لا يحتج به وإن كان إمامًا في الفقة.

ووافقنا على أنه لا يصام عنه أبو حنيفة ومالك والثوري مطلقًا، وأحمد في النذر.

و (المد): ربع صاع كما تقدم، وهو نصف قدح بالمصري.

والقديم: لا يتعين الإطعام، بل يجوز للولي أن يصوم عنه، بل يستحب له ذلك، ففي (الصحيحين) [خ1952 –م 1147] عن عائشة رضي الله عنها:(من مات وعليه صيام .. صام عنه وليه).

ص: 335

وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ –وَالْوَلِيُّ: كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى الْمُخْتَارِ-

ــ

قال: (وكذا النذر والكفارة) فيجري فيهما القولان، وكذا جميع أنواع الصوم الواجب؛ لإطلاق الأدلة.

وقيد (الحاوي الصغير) الكفارة بكفارة القتل؛ لأنها لا إطعام فيها، فالفائت فيها إنما هو الصوم خاصة، فيخرج على عدد الأيام أمدادًا.

وأما غيرها من الكفارات ككفارة الظهار والجماع في رمضان .. فإن صومها يخلفه عند العجز إطعام فبالموت تنتقل إليه.

قال: (قلت: القديم هنا أظهر) وقال في (الروضة): إنه الصواب الذي ينبغي الجزم به لصحة الأحاديث فيه، وليس للجديد حجة.

وتعبيره بـ (الأظهر) يقتضي: أنه صحيح من حيث المذهب وليس كذلك، بل هو من حيث الدليل، ولذلك عبر في (التصحيح) بالمختار.

أما الصحيح في المذهب .. فالجديد؛ لأن الشافعي رضي الله عنه قال فيه: وحديث المرأة لنا عنه جواب، أشار إلى ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إن أمي ماتت وعليها صوم نذر! أفأصوم عنها؟ قال: (أرأيتِ لو كان على أمكِ دين فقضيتهِ أكان يؤدي ذلك عنها؟ قال: نعم، قال: (فصومي عن أمك) رواه مسلم [1148].

كل هذا فيمن مات مسلمًا، أما من ارتد ومات .. فلا يصام عنه جزمًا.

قال: (والولي: كل قريب على المختار)؛ لأنه مشتق من الوَلْي بإسكان اللام، وهو القرب، فيحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه. والمصنف تابع في هذا الاختيار ابن الصلاح وابن الأستاذ، وسبقهما إليه صاحب (الذخائر).

والثاني: الوارث، وبه جزم الماوردي في آخر (كتاب الوصايا)، وفي (التهذيب) نحوه.

وعلى هذا: لا فرق بين المستغرق وغيره، قال الرافعي: وهذا هو الأشبه، وفي (شرح المهذب): أنه ليس ببعيد.

ص: 336

وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ .. صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًا فِي الأَصَحِّ

ــ

والثالث: العاصب.

والرابع: من له ولاية المال. وهذان القولان يردهما قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (صومي عن أمك).

قال: (ولو صام أجنبي بإذن الولي .. صح) أي: على القول المختار، سواء كان بأجرة أو دونها كالحج، وتكون الأجرة من رأس المال.

قال الشيخ: كذا أطلقوه، وهو محمول على ما إذا كانت الأجرة لا تزيد على الفدية، فإن زادت .. لم تجب إلا برضا الورثة؛ لأنها غير متعينة، بل يتخير بينها وبين الفدية، فالزائد لا يُلزم بقية الورثة بإخراجه.

قال: (لا مستقلًا في الأصح)؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص.

والثاني: يصح كما يوفى دينه بغير إذنه.

فروع:

أوصى إلى أجنبي أن يصوم عنه .. كان كالولي، قاله الرافعي في آخر (الوصية).

ولو اتفق الورثة على أن يصوم واحد منهم .. جاز، وإن تنازعوا .. ففي (فوائد المهذب) للفارقي: أنه يقسم بينهم على قدر مواريثهم.

ولو صام عنه ثلاثون إنسانًا في يوم واحد عن شهر .. ففي (صحيح البخاري) عن الحسن البصري: أنه يجزئ، قال في (شرح المهذب): وهذا هو الظاهر الذي أعتقده، ولكن لم أر لأصحابنا فيه كلامًا. اهـ

وقد أشار إليه ابن الأستاذ والقاضي شرف الدين البارزي تفقهًا، ويشهد له نظيره من الحج كما صرحوا به فيما إذا استؤجر عنه بعد موته من يحج عنه فرض الإسلام، وآخر يحج عن قضائه، وآخر عن نذره في سنة واحدة، فإنه يجوز.

ص: 337

وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ .. لَمْ يُفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الاِعْتِكَافِ قَوْلٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ

ــ

قال: (ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف .. لم يفعل عنه ولا فدية)؛ لعدم ورودهما، بل نقل القاضي عياض الإجماع على أنه لا يصلى عنه.

وأشار الرافعي في (الوصية) إلى وجه فيه، اختاره ابن أبي عصرون والشيخ؛ لأنه ليس في الحديث ما يدل على أن ثوابها لا يصل إليه، ولا في القياس ما يمنع منه، وقد روى البخاري في (باب من مات وعليه نذر) أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها.

قال: (وفي الاعتكاف قول والله أعلم)؛ قياسًا على الصوم؛ لأن كلا منهما كف ومنع، ولم يبين المصنف هل القول في فعله، أو في إخراج الفدية عنه، أو فيهما معًا، وحاصل كلام الرافعي: أنه يعود إليهما.

ثم منع الاعتكاف عن الميت ليس على إطلاقه؛ فإن لو نذر أن يعتكف يومًا صائمًا .. ففي (التهذيب): إن قلنا: لا يفرد الصوم عن الاعتكاف وهو الصحيح، وقلنا: يصوم الولي .. فهنا يعتكف عنه صائمًا، وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف .. فهنا تجوز تبعًا كركعتي الطواف في الحج.

قال: (والأظهر: وجوب المُدِّ على من أفطر لكبر) المراد: من تلحقه بالصوم مشقة شديدة رجلًا كان أو امرأة، فلا يجب عليه الصوم بالإجماع، وفي الفدية قولان، أظهرهما: تجب لما روى البيهقي [4/ 271] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان .. فعليه لكل يوم مد من قمح)، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم، ويدل له أيضًا قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} فإن كلمة (لا) مقدرة، أي: لا يطيقونه.

وقيل: لا تقدير في الآية بل كانوا مخيرين في أول الإسلام بين الصوم والفدية فنسخ ذلك.

ووافقنا على وجوب الفدية أبو حنيفة وأحمد، إلا أن أبا حنيفة قال: إنها لكل يوم صاع تمر أو نصف صاع حنطة، وأحمد قال: مد حنطة أو مدان من تمر أو شعير.

ص: 338

وَأَمَّا الحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ: فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِيْهِمَا .. وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، ..

ــ

والقول الثاني: لا يجب عليه شيء –وبه قال مالك- لأنه سقط عنه فرض الصوم فأشبه الصبي، واختاره أبو ثور وابن المنذر.

وحيث أوجبنا الفدية .. لا يجوز تعجيلها قبل رمضان، ويجوز بعد فجر كل يوم.

وقطع الدارمي بالجواز قبل الفجر، وقال المصنف: إنه الصواب.

وإطلاق المصنف يقتضي: أنه لا فرق بين الفقير والغني، وفائدته: استقرارها في ذمة الفقير، وهو الأصح في (الشرح) و (الروضة).

وقال في (شرح المهذب (: ينبغي تصحيح عكسه؛ لأنه عاجز ولم تجب بجناية.

وسواء في ذلك ما وجب في رمضان أو نذر أو كفارة أو قضاء.

واتفقوا على أنه لو تكلف الصوم وأتى به .. جاز ولا فدية؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} .

وإذا أفطر العبد بعذر الكبر ثم مات رقيقًا .. لا شيء عليه، فليقيد إطلاق المصنف بالحر.

ولو نذر الحر في حال العجز صومًا .. ففي انعقاد نذره وجهان، أصحهما في زوائد (الروضة): لا ينعقد بناء على أنه مخاطب بالفدية ابتداء على الراجح.

ولو قدر الشيخ على الصوم بعد ما أفطر .. فهل يلزمه قضاء الصوم؟ فيه وجهان، الأكثرون على عدم اللزوم؛ لأنه لم يكن مخاطبًا به، بل بالفدية، بخلاف المعضوب إذا حُجَّ عنه ثم استطاع، يلزمه الحج؛ فإنه كان مخاطبًا بالحج أولًا.

قال: (وأما الحامل والمرضع: فإن أفطرتا خوفًا على نفسيهما .. وجب القضاء بلا فدية) كالمريض الذي يرجى برؤه.

قال الروياني: ويجوز للحامل تقديم فديتها على الفطر، غير أنها لا تقدم إلا فدية يوم واحد. وسواء تضرر الولد معها أم لا، قاله القاضي حسين.

ص: 339

أَوْ عَلَى الْوَلَدِ .. لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ، وَكَذَا الْفِدْيَةُ فِي الأَظْهَرِ

ــ

قال: (أو على الولد .. لزمهما القضاء)؛ لأنه إذا وجب لأجل الفطر خوفًا على نفسه، فعلى غيره أولى.

قال: (وكذا الفدية في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنها منسوخة إلا في حق الحامل والمرضع، إذا خافتا .. أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينًا) رواه البيهقي [4/ 230].

والثاني: لا تلزمهما كالمسافر والمريض؛ لأن فطرهما لعذر، واختاره ابن المنذر.

والثالث: تجب على المرض؛ لأنها آمنة في نفسها دون الحامل؛ لأن الحمل جزء منها فهي كالمريض.

فروع:

فالأصح في زوائد (الروضة) في (باب الحيض): أنه لا فدية على المتحيرة إذا أفطرت للإرضاع إذا أوجبناه على غيرها؛ لأنا لم نتيقن إيجاب الصوم عليها وإنما أوجبناه احتياطًا.

ولا فرق بين أن ترضع ولدها، أو ولد غيرها، حتى لو كانت مستأجرة .. وجب عليها الفطر لإتمام العقد.

وفيمن تجب عليه الفدية تردد كالتردد في أن دم التمتع على المستأجر أو على المؤجر، كذا في زوائد (الروضة).

وقال في (شرح المهذب): لعل الأصح: أنها على المرضع بخلاف الحج، ولا تتعدد الفدية بتعدد الرضعاء على الأصح.

ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة أو مريضة، فأفطرت بنية الترخص بالسفر أو المرض .. فلا فدية عليها، وإن لم تقصد الترخص .. ففي وجوب الفدية وجهان، أصحهما: لا فدية.

ص: 340

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ، لَا الْمُتَعَدِّيْ بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ

ــ

قال: (والأصح: أنه يُلحق بالمرضع) أي: في إيجاب القضاء والفدية (من أفطر لإنقاذ مشرف على هلاك)؛ لأنه فطر واجب بسبب الغير.

والثاني: لا يلحق بها حتى لا تجب الفدية جزمًا؛ لأن إيجاب القضاء مع الفدية بعيد عن القياس، وإنما وجب في الحامل والمرضع بالنص.

قال الأصحاب: والفطر في هذه الحالة واجب، وقول الغزالي:(له الفطر) تساهل في العبارة.

وقيده أبو الفضل المقدسي بما إذا تعين عليه، قال الشيخ: وفيه نظر؛ لأنه يؤدي إلى التواكل.

قال: (لا المتعدي بفطر رمضان بغير جماع) فلا يلحق بالحامل والمرض؛ لأنه لم يرد فيه نص والأصل عدمه.

والثاني: أنها تجب عليه؛ لأنها إذا وجبت على المعذور .. فعلى غيره أولى.

وقربهما الإمام من الوجهين في أن من تعمد ترك الأبعاض .. هل يسجد للسهو؟ لكن التصحيح مختلف فيحتاج إلى الفرق، وهنا وجهان آخران:

أحدهما: وجوب كفارة الجماع.

والثاني: دونهما وفوق الفدية.

ونص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب على أنه يجب عليه التعزير.

قال: (ومن أخر قضاء رمضان مع إمكانه حتى دخل رمضان آخر .. لزمه مع القضاء لكل يوم مد)؛ لأن ستة من الصحابة أفتوا بذلك ولا مخالف لهم، وبه قال الإمام الأعظم مالك بن أنس وأحمد، ومع ذلك يأثم أيضًا بخلاف الصلاة.

وقال أبو حنيفة والمزني: لا يجب المد؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

ص: 341

وَالأَصَحُّ: تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إِمْكانِهِ فَمَاتَ .. أُخْرِجَ مِنْ تَركَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّاخِيرِ

ــ

والجواب: أن المد ما وجب بالفطر بل بالتأخير.

والمراد بـ (الإمكان) هنا: عدم العذر، فإن كان مريضًا أو مسافرًا .. فلا فدية عليه بهذا التأخير؛ لأن تأخير الأداء بهذا العذر جائز، فتأخير القضاء أولى.

وهذه الفدية للتأخير، وفدي الشيخ الهرم لأجل الصوم، وفدية الحامل والمرضع لفضيلة الوقت.

وفارق قضاء رمضان حيث تأقت إلى رمضان آخر قضاء سائر العبادات حيث لا يتأقت؛ لأن تأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير له إلى زمن لا يقبل صوم القضاء ولا يصح فيه، فهو كتأخيره إلى الموت فلم يجز بخلاف الصلاة؛ لأنها تصح في جميع الأوقات.

وقد يقال: من جملة الأوقات يوم الأضحى وأيام التشريق وهي ليست قابلة للصوم، فكان ينبغي وجوب المُدِّ من يوم العيد؛ لأنه دخل عليه وقت لا يقبل الصوم فصار كالميت، وذلك أغلط الأحوال ولم يقولوه.

قال: (والأصح: تكرره بتكرر السنين)؛ لأن الحقوق المالية لا تتداخل.

والثاني: لا يتكرر كالحدود، وبه قال ابن سريج، وصححه البندنيجي والماوردي والروياني ونقله عن عامة الأصحاب.

وموضع الخلاف: إذا لم يكن قد أخرج الفدية، فإن أخرجها ثم لم يقض حتى دخل رمضان آخر .. وجبت ثانيًا بلا خلاف، وهكذا حكم العام الثالث والرابع فصاعدًا؛ لأن الحدود بعد إقامتها تقتضي التكرر عند فعلها ثانيًا بالاتفاق مع أنها أخف من هذا.

ولا يخفى أن محل تكرر المُدِّ بالتأخير إذا كان عامدًا عالمًا، فإن كان جاهلًا أو غير متعمد .. فالظاهر: عدم تكرره.

قال: (وأنه لو أخر القضاء مع إمكانه فمات .. أُخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات ومد للتأخير)؛ لأن كلًا منهما موجب عند الانفراد فكذلك عند الاجتماع.

ص: 342

وَمَصْرَفُ الْفِدْيَةِ: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَجِنْسُهَا: جِنْسُ الْفِطْرَةِ

ــ

والثاني: يكفي مد واحد؛ لأن الصوم قد فات والفوات يقتضي مدًا واحدًا، كالشيخ الهرم إذا لم يخرج بدل الصوم أعوامًا.

ومحل وجهي الكتاب: إذا قلنا بالجديد، أما على القديم –وهو صوم الولي- فإذا صام .. حصل تدارك أصل الصوم، وتجب فدية للتأخير.

ولو تعدى بفطر يوم وأوجبنا به الفدية وأخر حتى دخل رمضان آخر ومات قبل القضاء .. فعلى الأصح: عليه لكل يوم فديتان؛ واحدة للإفطار وأخرى للتأخير، فتجب ثلاثة أمداد، فإن تكررت السنون .. زادت الأمداد.

قال: (ومصرف الفدية: الفقراء والمساكين) فلا تصرف لغيرهما؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ، ولأنهما مصرف الزكاة غالبًا.

قال: (وله صرف أمداد إلى شخص واحد) كما يأخذ الإنسان من زكوات متعددة؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فالأمداد بمنزلة الكفارات، بخلاف صرف مد إلى شخصين فإنه لا يجوز.

قال: (وجنسها: جنس الفطرة) فيعتبر على الأصح غالب قوت البلد؛ لأنه طعام واجب شرعًا فحمل على الغالب، وكذلك يعتبر في المد الواجب هنا وفي الكفارات: أن يكون فاضلًا عن قوته كما في الفطرة.

تتمة:

لو أراد أن يجعل فدية التأخير قبل رمضان الثاني ليؤخِّر القضاء مع الإمكان .. ففي جوازه وجهان كالوجهين في تعجيل الكفارة على الحنث المحظور، وإن أراد أن يصوم بدل المد .. ففيه جوابان:

أحدهما: نعم، فيقضي لكل يوم يومين؛ يوم قضاء، ويوم بدل عن التأخير.

ص: 343