المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: أَرْكَانُ اٌلْحَّ خَمْسَةٌ: اٌلإِحْرَامُ، ــ . تتمة: روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: أَرْكَانُ اٌلْحَّ خَمْسَةٌ: اٌلإِحْرَامُ، ــ . تتمة: روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا

‌فَصْلٌ:

أَرْكَانُ اٌلْحَّ خَمْسَةٌ: اٌلإِحْرَامُ،

ــ

.

تتمة:

روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا إذا قضوا حجهم

تصدقوا بشيء ويقولون: اللهم هذا عما لا نعلم.

والأيام المعلومات عند الشافعي رضي الله عنه عند العشر الأوائل من الحجة، والمعدودات أيام التشريق،

والمعلومات أفضل من المعدودات.

وزيارة الخليل صلى الله عليه وسلم وزيارة بيت المقدس سنتان مستقلتان لا تعلق لهما بالحج.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حج ولم يؤفث ولا يفسق ..

خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (1) وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة دون

العباد.

ولا تسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو صيام أو كغارة أو نحوها من حقوق الله تعالى

لا تسقط عنه، لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنوب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج لا أنفسها،

فلو أخرها بعده .... تجدد إثم آخر، والحج المبرور كالتوبة يسقط إثم المخالفة لا الحقوق.

وقال ابن تيمية: من اعتقد أن الحج يسقط ما رجب عليه من الصلاة والزكاة

فإنه يستتاب، فإن تاب

وإلا

قتل، ولا يسقط حق الآدمي من دم أو مال أو عرض بالحج إجماعًا.

قال: (فصل:

أركان الحج خمسة:

الإحرام) أجمعوا على أنه لابد منه، وسماه أبو حنيفة: شرطًا، وحكاه في

ص: 560

وَاٌلْوُقُوفُ، وَاٌلطَّوَافُ، وَاٌلسَّعْيُ، وَاٌلْحَلْقُ إِذَا جَعَلْناهُ نُسُكًا، وَلَا تُجْبَرُ، وَمَا سِوى اٌلْوُقوفِ أَرْكَانٌ فِي

اٌلْعُمْرَةِ أَيْضًا وَيُؤَدَّى اٌلنُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ:

ــ

(التنويه) قولًا، والمراد هنا بـ (الإحرام): النية التي يدخل بها فيه، والكلام فيه كالكلام في النية

في الصلاة، لكن لا خلاف عندنا أنه ركن وإن كان في نية الصلاة نزاع مذهبي، ولا يلزم جريانه هنا.

قال: (والوقوف، والطواف) بالإجماع والمراد: طواف الإفاضة.

قال: (والسعي)؛ لانه صلى الله عليه وسلم سعى وقال: (خذوا عني مناسككم)(1).

وقال: (يأيها الناس؛ اسعوا فإن الله تعالى كتب عليكم السعي) رواه الشافعي.

[أم2/ 211] وأحمد [6/ 421] والبيهقي [5/ 98] والدارقطني [2/ 255].

وقال الحافظ زكي الدين في الكلام على أحاديث (المهذب)): (إنه حسن، واختلف فيه كلام المصنف في

(شرحه)، فقال في أول كلامه: روي بإسناد ضعيف، وفي آخره: بإسناد حسن.

والصواب: أنه روي بإسنادين: أحداهما ضعيف والآخر حسن.

قال: (والخلق إذا جعلناه نسكًا) وكذلك التقصير، أما إذا جعلناه استباحة محظور

فا.

قال الرافعي: وينبغي عد الترتيب الواجب هنا ركناُ كما عدوه في الوضوء والصلاة.

قال: (ولا تجبر) أي: هذه الخمسة لا تجبر بالدم، بل يتوقف الحج عليها؛ لأنها الماهية المركبة تنتفي

بإنتفاء جزئها كأركان الصلاة وغيرها.

قال: (وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضًا) كما هي أركان في الحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فعلها

كذلك.

قال: (ويؤدى النسكان على أوجه) أي: ثلاثة، ولذلك أتى بصيغة جمع القلة.

وروى الشيخان [خ1562ـم1211] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع

أخرجه مسلم (1297)، وأبو داوود (تحفة)) (2804)، وأحمد (3/ 337).

ص: 561

أَحَدُهَا: اٌلإِفْرَادُ، بأن يَحِجَّ، ثُمَ يُحْرِمَ بِاٌلْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ اٌلْمَكَّيَّ وَياتِيِ بِعَمَلِهَا. اٌلثَّانِي: اٌلْقُرانُ، بِأَنْ

يُحْرِمَ بِهِمَا مِنَ اٌلْمِيقَاتِ، وَيَعْمَلَ عَمَلَ اٌلْحَجَّ فّيَحْصُلَانِ .....

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا

ومنا من أهل باعمرة والحج) وهذا إجماع.

ووجه الحصر: أنه قدم الحج

فهو الإفراد، أو العمرة .. فالتمتع، أة أتى بهما .. فهو القرآن.

واحترز عما إذا أتى بنسك على حدته .. فليس هو شيئًا من الأوجه.

قال: (أحداهما: الإفراد، بأن يحج، ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي ويأتي بعملها) فلو عكس لم يكن

مفردًا.

والمراد بـ (إحرام المكي): أن يخرج إلى أدنى الحل كما تقدم، وصورة الكتاب هي حقيقة الإفراد

الذي هو أفضل، وإلا .. فلو حج ولم يعتمر في سنته

كان إفرادًا أيضًا، ولكن كل من التمتع

والقران أفضل منه (1)؛ لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه.

ومن صور الإفراد: أن يعتمر قبل أشهر الحج، ثم يحج من الميقات، صرح به القاضي والإمام والغزالي.

قال: (الثاني: القران، بأن يحرم بهما من الميقات، ويعمل عمل الحج فيحصلان)؛ لأن أعماله

تكثر فيدخل فيه عمل العمرة في عمل الحج.

ولم يجترئ بقوله: (من الميقات) عن شيء، بل المراد: أن يحرم بهما معًا فيتخذ ميقاتها، حتى لو أحرم

بهما من دون الميقات كان قرانًا صحيحًا مجزئًا بلا خلاف، وعليه دم الإساءة.

وأراد بـ (الميقات): ميقات الحج، حتى إن المكي أو الآفاقي إذا كان بمكة وأحرم منها بهما

كان قرانًا على الأصح؛ إدراجًا للعمرة تحت الحج من الميقات كما أدرجت أفعالها في أفعاله

ص: 562

وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ، ثُمَّ بِحَجَّ قَبْلَ اٌلطَّوَافِ .. كَانَ قَارِنًا، .....

ــ

وقوله: (فيحصلان) أي: يدخل عمل العمرة في عمل الحج، ويكفيه طواف واحد وسعي

واحد، وبه قال مالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: لابد من طوافيين وسعيين.

لنا: ما ثبت في (الصحيحين)[خ1556ـم1211] عن عائشة رضي الله عنهما: أن الذين

جمعوا الحج والعمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طافوا طوافًا واحدًا، وقال

النبي صلى الله عليه وسلم: (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) فأبت، فبعث معها أخاها

فأعمرها من التنعيم، فاعتمرت بعد الحج.

وروى مسلم [1215] عن جابر رضي الله عنه قال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم

ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا)، [زاد في حديث محمد بن بكر]:

(طوافه الأول).

وكان طاووس يحلف بالله تعالى: ما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قرن

فطاف طوافين.

وبالقياس على الحلق؛ فإنه يكفي حلق واحد عنهما بالإتفاق، فإذا علم الاكتفاء بعمل واحد،

فهل نقول إنه للحج والعمرة جميعًا أو للحج فقط والعمرة لا حكم لها لانغمازها في الحج؟

لم يصرح الأصحاب بذلك، بل أطلقوا الاندراج.

قال الشيخ: والأقرب الثاني؛ فإنهم قالوا: العمرة تبع للحج فواتًا وفسادًا.

قال: (ولو أحرم بعمرة في أشهر الحج، ثم بحج قبل الطواف) أي: قبل الشروع فيه

(

كان قارنًا)؛ لما روى مسلم [1213]: أن عائشة رضي الله عنها أجرمت بع

مرة، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم: فوجدها تبكي فقال: (ما شأنك؟)

فقالت: حضت وقد أحل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت، فقال لها صلى الله عليه وسلم

: (أهلي بالحج) ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت .. طافت

ص: 563

وَلَا يَجُوز عَكْسُهُ فِي اٌلْجَدِيدَ

ــ

بالبيت وبالصفا والمروة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (قد حللت من حجك وعمرتك

جميعًا).

تنبيهان:

أحدهما: قوله: (في أشهر الحج) يفهم: أن تقديم الإحرام بالعمرة على أشهره مانع من

إدخال الحج عليها وليس كذلك، فالأصح: أنه يجوز، فكان الصواب: تأخير هذا القيد

عن ذكر الحج فيقول: ولو أحرم بعمرة ثم بحج في أشهر الحج.

الثاني: قوله: (قبل الطواف) احترز به عما إذا طاف ثم أحرم بالحج؛ فإنه لا يصح؛

لشروعه في أسباب التحلل.

وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز إدخال الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف.

كل هذا في العمرة الصحيحة، فلو أفسدها ثم أدخل عليها الحج .. فالأصح: أنه ينعقد

فاسدًا، وقيل: صحيحًا ثم يفسد، وقيل: صحيحًا ويستمر، وقيل: لا ينعقد أصلًا.

قال: (ولا يجوز عكسه في الجديد) أي: إدخال العمرة على الحج، وبه قال مالك

وأحمد وإسحاق وأبو ثور؛ لأن أفعال العمرة إستحقت بإحرام الحج فلا يفيد إحرام العمرة

شيئًا، بخلاف إدخال الحج على العمرة فإنه يستفيد أشياء أخر كالوقوف والرمي والمبيت.

والقديم ـ وبه قال أبو حنيفة وصححه الإمام ـ: يجوز عكسه.

فإذا قلنا بالجديد

كان إحرامه بالعمرة لاغيًا، ولم يتغير إحرام الحج.

وإن قلنا بالقديم

صح وكان قارنًا.

وعلى هذا إلى متى يجوز إدخال العمرة؟ فيه أربعة أوجه:

أحداها: ما لم يشرع في طواف القدوم.

ص: 564

اٌلثَّالثُ: اٌلَتَّمَتُعُ، بِأَنْ يُحْرِمَ بِاٌلْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرَغَ مِنَهَا، ثُمَّ يُنْشاءَ حَجًّا مِنْ مَكَّة. وَأَفْضَلُها اٌلإِفْرَادُ،

ــ

والثاني: ما لم يشرع في السعي.

والثالث: مالم يقف بعرفات.

والرابع: ما لم يشرع في شيء من أسباب التحلل وهذا هو الأصح.

قال: (الثالث: التمتع، بأن يحرم العمرة من ميقات بلده ويفرغ منها ثم ينشاء حجا من مكة

قال ابن المنذر جمع هل العلم على أن اآافاقي إذا فعل ذلك

كان متمتعًا، سمي بذلك لتمتعه بين النسكين

بمحظورات الإحرام، أو لتمتعه بسقوط العود إلى الميقات، لكن تقييد المصنف بقوله:(من بلده) لا حاجة إليه؛

لأن المنقول عن النص أنه لو جازوه مريدًا للنسك وأحرم بعده ثم تمتع .. لزمة الدمان.

وقوله: (ثم ينشيء حجًا من مكة) ذكره أيضًا للتصوير لا للاحتراز؛ فإنه لو أحرم بالحج من الميقات

فالمشهور:

أنه متمتع لا دم عليه كما سيأتي.

وقيل: مفرد، واختاره الشيخ، فكان الأحسن: أن يحذف لفظة (من مكة).

لكن عبارته تشمل: ما إذا اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج، وقد تقدم عن القاضي والإمام والغزالي: أنه إفراد

بلا خاف، وقضية كلامه: أنه تمتع لا دم فيه.

قال: (وأفضلها الإفراد)؛ لأن الذين رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر وأوفقه، فإنه ثبت في (الصحيحين)

عن جابر [خ1564ـ1216] وعائشة [خ1562ـم1211/ 118] وابن عمر [م1231] وابن عباس [1564ـ1240] رضي

الله عنهم، وأجمعوا على عدم كراهته، واختلفوا في كراهة التمتع والقران، وفيهما الدم ولا دم في الإفراد

بالإجماع، والجبر دليل النقصان.

والخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وواظبوا عليه، رواه الدارقطني [2/ 239]

وهو فعل أهل الحرمين وعلمائهم، ولو لم يعلموا أن النبي

ص: 565

وَبَعْدَهُ اٌلتَّمَتُعُ، ثُمَّ اٌلْقِرَانُ، وَفِي قَوْلِ: اٌلتَّمَتُّعُ مِنَ اٌلِإفْرَادِ

ــ

صلى الله عليه وسلم حج مفردًا

لم يواظبوا عليه، لكن شرط تفضيله أن يعتمر من سنته، فإن أخر العمرة

عن عام الحج

فالتمتع والقران أفضل منه بلا خلاف، ولأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه كما تقدم.

وقال القاضي حسين والمتولي: الإفراد أفضل مطلقًا، وهو ظاهر إطلاق المصنف ههنا، لكنه قال في

(شرح المهذب): إن هذه المقالة شاذة.

نعم؛ التمتع والقران أفضل من حجة واحدة باتفاق العلماء، وممن قال بترجيح القران على قرينه: أبو حنيفة

وسفيان الثوري وإسحاق والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وأبو الطيب بن سلمة، واحتجوا بما روى

مسلم [1251] عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعًا: (لبيك عمرة

وحجًا لبيك عمرة وحجًا).

والقائل بالأول قال: راوية الإفراد أولى؛ لأن روايتها عن جابر رضي الله عنه، وهو أقدم صحبة وأشد عناية

بضبط المناسك من أول الخروج من المدينة إلي التحلل.

قال: (وبعده التمتع، ثم القران)؛ لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، والقارن يأتي بعمل واحد.

قال: (وفي قول: التمتع أفضل من الإفراد) والقران؛ لأن فيه مبادرة إلى العمرة، بخلاف الإفراد؛ فإن فيه

تأخيرًا لفعلها، وربما مات قبل ذلك.

وفي (الصحيحين)[خ1692ـم1227] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان ممتعًا).

وفيهما [خ1571ـ1226] عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (تمتع النبي صلى الله عليه وسلم

وتمتعنا معه).

وأجاب الأولون بأن المراد: تمتع بعد التحلل من الحج وقبل الإحرام بالعمرة.

وقال قاضي حماة: ينبغي أن يكون القران أفضل إذا اعتمر قبل الحج أو أراد الاعتمار بعده؛ لتحصل عمرتان

إنما يكون الإفراد والتمتع أفضل من القران إذا أراد الاقتصار على عمرة القران، قال: وهذه دقيقة

فليتفطن لها ليعمل بها.

ص: 566

وَعَلى اٌلْمُتَمَتَّعِ دَمٌ بَشَرْطِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي اٌلْمَسْجِدِ اٌلْحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ: مَنْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ

مِنْ مَكَة. قُلْتُ: اٌلَأصَحٌ: مِنَ اٌلْحَرَمِ، وِاٌللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال: (وعلى المتمتع دم)؛ لقوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .

والمراد بـ (الدم): الشاه التي تجزاء في الأضحية، ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة، وكذلك جميع الدماء

الواجبة في الحج إلا جزاء الصيد.

قال: (بشرط: أن يكون من حاضري المسجد الحرام)؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).

فالإشارة عندنا إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي والصيام.

وعند أبي حنيفة إلى التمتع، فلا تمتع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده.

وعندنا: المكي لا يكره له التمتع ولا القران، وإذا فعل .. لا دم عليه، وبه قال مالك وأحمد وداوود.

والمعنى فيه أن الحاضر بمكة ميقاته للحج نفس مكة فلم يرتج ميقاتًا، بخلاف غيره.

وقال أبو حنيفة: يكره له التمتع والقران، فإن فعل

فعليه دم الإساءة.

قال: (وحاضروه: مَنْ دون مرحلتين من مكة)؛ لأن من قرب من شيء ودنا منه يقال: حضره

قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي: قريبة منه.

ومن كان بهذه المسافة .. فهو منزَّل منزلة المقيم بمكة؛ لأن المسجد الحرام المذكور في الآية ليس المقصود

به نفس المسجد، بل مكة؛ لأنها محل السكنى.

قال: (قلت: الأصح: من الحرم والله أعلم)؛ لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام، إلا قوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فإن المراد به نفس الكعبة، وهذا هو الراجح في (شرح الرافعي).

ص: 567

وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ اٌلحَجَّ مِنْ سَنَتِهِ. وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإحْرَامِ اٌلْحَجَّ إِى اٌلْمِيقَاتِ.

ــ

فرعان:

أحدهما لو قصد غريب مكة فدخلها متمتعًا ناويًا الإقامة بها بعد فراغ النسك، أو نوى الاقامة

بها بعدما اعتمر .. فليس بحاضر، ولا يسقط عنه الدم، كذا نص عليه في (الإملاء).

الثاني: من له مسكنان أحداهما في حد القرب والآخر بعيد، فإن كان مقامه بإحداهما أكثر

فالحكم

له، فإن استويا في الأهل وكان ماله بأحدهما أو في أحدهما أكثر

فالحكم له، فإن استويا في ذلك

وكان عزمه الرجوع إلى أحدهما

فالحكم له، وإلا

فالحكم للذي خرج منه.

قال: (وأن تقع عمرته في أشهر الحج)؛ لأن العرب كانوا لا يزاحمون الحج بالعمرة في مظنته

ووقت إمكانه، ويستنكرون ذلك ويقولون: هو من أفجر الفجور، فورد التمتع رخصة وتخفيفًا.

فلو أحرم بها وفرغ منها قبل أشهره ثم حج .. لم يلزمه دم عند جميع العلماء، إلا طاووس فإنه رأى

لزومه مع أن الجميع سموه متمتعًا.

ولو أحرم بها في غير أشهره ثم أتى بجميع أفعالها في أشهره ثم حج

فقولان:

أظهرهماـ وهو نص (الأم) ـ: لا دم عليه، وهو مأخوذ من عبارة الكتاب؛ لأن عمرته كلها لم تقع في

أشهر الحج.

والثاني ـ وهو نص القديم و (الإملاء) ـ: يجب الدم.

قال: (من سنته) أي: من سنة الحج؛ لما روى البيهقي [4/ 356] بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب

قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم ..

لم يهدوا.

فلو اعتمر ثم حج من السنة الثانية .. لا دم عليه، سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد؛ لعدم المزاحمة.

قال: (وأن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات) أي: الذي أحرم منه بالعمرة، بل

ص: 568

وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ: إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَالأَفْضَلُ: ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ

ــ

أحرم به من مكة، فإن عاد إليه وأحرم منه بالحج .. لم يلزمه الدم؛ لأن ريح الميقات قد زال بعوده إليه، ولو عاد إلى مثل تلك المسافة .. كفى أيضا؛ لأن المقصود قطع تلك المسافة محرما.

وكلام المصنف يفهم: أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع، ولا قوع النسكين عن شخص واحد، ولا بقاؤه حيًا إلى فراغ الحج، وهو كذلك وفي الأول وجه، وفي الأخير قول، فإن شرطنا نية التمتع .. ففي وقتها ثلاثة أوجه:

أحدها: حالة الإحرام بالعمرة.

والثاني: ما لم يفرغ منها، وهو الأصح.

والثالث: مالم يشرع في الحج.

ومثل هذه الأوجه في الجمع بين الصلاتين.

قال: (ووقت وجوب الدم: إحرامه بالحج)؛ لأن الشروط قد تكملت بالإحرام فوجب الدم، وسكت المصنف عن وقت جوازه، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: بعد الإحرام بالعمرة.

وأصحها: بعدها.

والثالث: بعد الإحرام بالحج، ولا يجوز قبل العمرة بلا خلاف، ويجوز بعد الإحرام بالحج بلا خلاف.

وقال أبو حنيفة وغيره: لا يجوز إلا يوم النحر.

وقال مالك: حتى يرمي جمرة العقبة.

قال: (والأفضل: ذبحه يوم النحر) نص عليه؛ خروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله.

ص: 569

فِإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ .. صَامَ عَشَرَةَ أَيَامٍ، ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ،

ــ

قال: (فإن عجز عنه في موضعه) سواء قدر عليه في بلده أم لا بخلاف كفارة اليمين؛ لأن الهدي يختص ذبحه بالحرم، والكفارة لا تختص.

وعبر المصنف بـ (العجز) ليدخل فيه العجز الجسمي والشرعي كما لو وجده يباع بأكثر من ثمن مثله، أو كان محتاجا إليه أو إلى ثمنه وغير ذلك.

قال: (.. صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج)؛ لقوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} الآية.

والمراد: بعد الإحرام، فلا يجوز تقديمها على الإحرام، بخلاف الدم، فإنه يجوز تقديمه - كما تقدم – لأن الصوم عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقتها كالصلاة، بخلاف الدم، فإنه عبادة مالية فيجوز تقديمها كالزكاة.

قال: (تستحب قبل يوم عرفة)؛ لأن الحاج يستحب له فطره كما تقدم، فيستحب أن يحرم بالحج في السادس، أما يوم النحر وأيام التشريق .. فلا يجوز صومها فيه على الجديد كما تقدم.

ولو أحرم بالحج ولا هدي ثم وجده قبل الشروع في الصوم .. وجب، وإن وجده بعد الشروع فيه .. ندب ولا يجب، ولو أحرم واجدًا له ثم أُعدِم .. فهو على الخلاف.

وقوله: (ثلاثة أيام في الحج) المراد: قبل يوم النحر، ويندب قبل يوم عرفة، فلو أخر التحلل عن أيام التشريق ثم صامها .. أثم وصارت قضاء على الصحيح وإن صَدَقَ أنها في الحج لندوره.

ص: 570

وَسَبْعَةٌ إِذًا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فِي الأَظْهَرِ. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلًاثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ. وَلَوْ فَاتَهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجُ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَبْعَةِ.

ــ

والأصح: أنه لا يجب تقديم الإحرام بالحج على اليوم السابع، لكن يستحب قبل السادس.

قال: (وسبعة إذا رجع إلى أهله في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} .

والمراد: الرجوع إلى الأهل والوطن.

(ففي الصحيحين)[خ1691 - 1227] عن ابن عمر رضي الله عنهما: {إذَا رَجَعْتُمْ} إلى أمصاركم.

ولا يجوز صومها في أثناء الطريق، فلو أراد الإقامة بمكة .. صامها بها.

والثاني: أن المراد بـ (الرجوع): الفراغ من الحج؛ أي: إذا رجعتم من منى إلى مكة؛ لأنه بالفراغ رجع عما كان مقبلا عليه، وبهذا قال الأئمة الثلاثة.

قال: (ولو فاته الثلاثة في الحج .. فالأظهر: أنه يلزمه أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة) كما في الآداء؛ لأن ترتيب أحدهما على الآخر لا يتعلق بوقت فلم

ص: 571

وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ

ــ

يسقط بالفوات كترتيب أفعال الصلاة.

والثاني: لا يجب، وصححه الإمام وطائفة قياسا على التفريق في قضاء الصلوات، فإن أوجبنا .. فقيل: يكفي مطلق التفريق.

والأصح: أنه يجب أن يفرق بقدر ما كان به الآداء، وذلك أربعة أيام ومدة سيره إلى بلده، وقيل: يكفي يوم واحد.

وتعبيره بـ (الأظهر) تبع فيه (المحرر) و (الروضة).

والأصح في) الشرح الصغير): كونهما وجهين.

فروع:

إذا شرع في صوم الثلاثة أو السبعة ثم وجد الهدي .. لم يلزمه، لكن يستحب.

وقال المزني: يلزمه.

والمتمتع الواجد للهدي إذا مات بعد فراغ الحج ولم يكن أخرجه .. وجب إخراجه من تركته بلا خلاف، وإن مات قبل فراغ الحج ولو عقب الإحرام .. ففيه قولان: أظهرهما: يخرج من تركته أيضا.

ومن فرضه الصوم إذا مات، فإن مات قبل تمكنه منه .. فالأصح: يسقط، وإن تمكن .. فالأصح: أنه كصوم رمضان يأتي فيه القديم والجديد، وهل يتعين صرف الأمداد إلى مساكين الحرم؟ فيه قولان: أظهرهما: لا يتعين، بل يستحب.

قال: (وعلي القارن دم)؛ لما روى الشيخان [خ1709 - م1211/ 120] عن عائشة رضى الله عنها قالت: (دخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقالوا أهدى

ص: 572

كَدَم التَّمَتُّعِ. قُلْتُ: بِشِرطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وكن قارنات).

قال: (كدم التمتع) أي: في أحكامه السالفة جنسا وسنا، وبدلا عند العجز؛ لأنه فرع عن دم التمتع. وعن القديم: أنه تجب عليه بدنة.

قال: (قلت: بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام والله أعلم)؛ لأن دم القران فرع عن دم التمتع، وهو غير واجب على الحاضر فكذلك دم القران.

وعن الحناطي حكاية وجه: أن على الحاضر دم القران.

قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا الخلاف مبنيا على الوجهين في أن دم القران دم جبر أو دم نسك، والمشهور: الأول.

تتمة:

الآفاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فاعتمر عقب دخوله مكة ثم حج .. قال الغزالي: لم يكن متمتعًا؛ إذا صار من الحاضرين لأنه لا يشترط قصد الإقامة، وتوقف الرافعي فيها؛ لعدم الاستيطان.

وكلام الشيخ أبي حامد والقاضي والمتولي يعتبر الاستيطان كما اقتضاه بحث الرافعي. واختار المصنف: أنه متمتع ليس بحاضر فيلزمه الدم. واختار الشيخ عدم وجوب الدم وأطال فيه.

* * *

خاتمة

سئل الشيخ عن آفاقي أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم قرن من عامه هل عليه دم او دمان بسبب التمتع والقران؟ فأجاب الشيخ بأن عليه دما واحدًا للتمتع، ولا شيء للقران من جهة أن من دخل مكة فقرن أو تمتع .. فحكمه حكم حاضري المسجد

ص: 573

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحرام، وعلى تقدير أن لا يلحق بهم .. ففي هذه الصورة قد اجتمع التمتع والقران، ودمهما متجانس فيتداخلان، قال: هذا ما ظهر لي.

وفي (تجريد المَحاملي (: أن المزني قال في (المنثور (: عليه دمان؛ دم للتمتع ودم للقران.

***

ص: 574