المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة النقد - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌باب زكاة النقد

‌بَابُ زَكَاةِ النقْدِ

نِصَابُ الْفِضةِ: مِئتَا دِرْهَمٍ،

باب زكاة النقد

(النقد) المضروب من الذهب والفضة خاصة، فلو عبر المصنف بزكاة الذهب والفضة كما عبر في (الروضة) .. كان أعم؛ ليشمل النقد والتبر والقُراضة والسبائك.

والنقدان من أشرف نعم الله تعالى على عباده؛ إذ بهما قِوام الدنيا ونظام أحوال الخلق، فإن حاجات الناس كثيرة وكلها تنقضي بالنقدين، بخلاف غيرهما من الأموال، فمن كنزهما .. فقد أبطل الحكمة التي خلقا لها، كمن حبس قاضي البلد ومنعه أن يقضى حوائج الناس.

والأصل في الباب قبل الإجماع قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، و (الكنز): ما لم تؤد زكاته.

وروى مسلم [987] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا ورق لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة .. صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت .. أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) الحديث.

قال: (نصاب الفضة: مئتا درهم) بالإجماع.

وفي (الصحيحين)[خ 1459 – م 979]: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة).

و (الأوقية): أربعون درهمًا.

و (الورق) بفتح الواو وكسر الراء، ويجوز إسكانها مع فتح الواو وكسرها.

و (الدرهم) بكسر الدال وفتح الهاء، ويقال بكسرها، ويقال: درهام، وجمهور

ص: 186

وَالذ?هَبِ: عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكةَ،

ــ

اللغويين على أنه مخصوص بالمضروب، وقال جماعة: يطلق على جنس الفضة وإن لم يكن مضروبًا، وهو المراد هنا.

قال: (والذهب: عشرون مثقالًا)؛ لما روى أبو داوود [1567] أن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان له عشرون مثقالًا وحال عليه الحول

ففيها نصف دينار، فما زاد

فبحساب ذلك)، لكن قوله (فما زاد فبحساب ذلك) شك الراوي: هل هو مرفوع؟ أو موقوف على علي رضي الله عنه والباقي مرفوع؟

فإن نقص عن ذلك ولو حبة .. لم تجب الزكاة عندنا بلا خلاف، وخالف فيه مالك وأحمد .. فلو كان في بعض الموازين ناقصًا وبعضها تامًا .. فالصحيح: لا زكاة؛ للشك في الوجوب.

وعن الحسن البصري: لا تجب الزكاة في أقل من أربعين دينارًا، وفيها مثقال.

قال: (بوزن مكة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الميزان ميزان أهل مكة) صححه أصحاب السنن.

ووزن مكة: كل درهم ستة دوانيق، كل عشرة دراهم: سبعة مثاقيل.

والمثقال لم يتغير في الجاهلية والإسلام، والدراهم كانت مختلفة ثم ضربت في زمان عمر رضي الله عنه، وقيل: في زمن عبد الملك بن مروان على هذا الوزن وأجمع المسلمون عليه.

قال الشيخ: ويجب اعتقاد أن ذلك هو مراد الشارع حيث أطلق الدراهم، وأنها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت معلومة على هذا الوزن؛ لأنهم لا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 187

وَزَكَاتُهُمَا: رُبُعُ الْعُشْرِ. وَلَا شْيءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابَا

ــ

قال: (وزكاتهما: ربع العشر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة ربع العشر) قال ثعلب: الرقة تشمل الذهب والفضة، وخصها الجمهور بالفضة؛ لأن أصل الورق فحذفت (الواو) وعوض عنها (الهاء)، وجمعها: رقين، وفي المثل: إن الرقين يغطي أفن الأفين، أي: يستر عيب ضعيف الرأي.

ومن كلام المصنف يعلم: أنه يجب فيما زاد بحسابه، وأنه لا وَقْص إلا في الماشية.

والفرق: أن الثمار والنقود تتجزأ من غير ضرر بخلاف الماشية.

ولا تكمل فضة بذهب ولا عكسه، ويكمل جيد كل واحد منهما برديئه، ويخرج من الجيد إذا اختلفت القيمة.

قال: (ولا شبء في المغشوش) وهو: المخلوط بما هو أدون منه، كذهب بفضة، وفضة بنحاس.

قال: (حتى يبلغ خالصه نصابًا)؛ لأنه دون خمس أواق من الورق.

فإذا بلغت فضة الدراهم المغشوشة مثلًا نصابًا .. أخرج قدر الواجب فضة خالصة، أو أخرج من المغشوش ما يعلم أنه يشتمل على قدر الواجب، فلو كان المال لمحجور عليه .. فالمتجه: تعين الأول إن كانت مؤنة السبك تنقص عن قيمة العين، وسيأتي في أوائل (باب من تلزمه الزكاة) فائدة تتعلق بهذا.

ص: 188

وَلَوِ اخْتَلَطَ إِنَاءُ مِنْهُمَا وَجُهِلَ أَكْثَرُهُمَا .. زُكيَ الأَكثَرُ ذَهَبًا وَفِضةً، أَوْ مُيزَ

ــ

فروع:

يكره للرعية ضربها وإن كانت خالصة، وللإمام أن يؤدب على ذلك، ونص الشافعي رضي الله عنه على كراهة المعاملة المغشوشة، وأما الجواز: فإن كان مقدار الغش معلومًا .. صحت المعاملة بها وف الذمة اتفاقًا، وإن كان مجهولًا .. فأربعة أوجه:

أصحها: الصحة مطلقًا كبيع الغالية والمعجونات.

والثاني: لا تصح مطلقًا كاللبن المخلوط بالماء، وأجازة القفال والإمام.

والثالث: إن كان الغش معلومًا .. صح التعامل بها، وإن كان غالبًا .. لم يصح.

والرابع: يصح التعامل بها في العين دون الذمة كما في التعامل بالحنطة المختلطة بالشعير.

فلو كان الغش قليلا بحيث لا يأخذ حظًا من الوزن .. فوجوده كعدمه.

ولو أتلف شخص الدراهم المغشوشة .. فعلى الأصح: يجب مثلها، وقال المارودي: قيمتها.

ويكره إمساكها، والأولى أن يسبُكها إلا أن تكون دراهم البلد مغشوشة .. فلا يكره إمساكها. قال:(ولو اختلط إناء منهما وجهل أكثرهما .. زكى الأكثر ذهبًا وفضة) كما إذا كان الإناء زنته ألفًا؛ ست مئة من أحدهما، وأربع مئة من الآخر، ولم يدر: هل الذهب أكثر أو الفضة؟ فيحتاط ويزكي ست مئة من هذا وست مائة من هذا لتبرأ ذمته بيقين، ويكون متطوعًا بالزائد، ولا يكفيه في الاحتياط أن يقدر الأكثر ذهبًا؛ فإنه لا يجزئ عن الفضة.

قال: (أو مُيز) أي: ميز بينهما بالنار؛ فإن في كل من الطريقتين يقين البراءة.

ص: 189

وَيُزَكي الْمُحَر?مُ مِنْ حُلي? وَغَيُرِهِ،

ــ

قال في (البسيط): ويحصل المقصود بسبك جزء يسير منه إن استوت أجزاؤه.

وبقى أمر ثالث: وهو الامتحان بالماء، فيوضع فيه ست مئة ذهبًا وأربع مئة فضة ويعلم ارتفاعه، ثم يعكس ويعلم ارتفاعه – وهو فوق الأول – ثم يوضع المختلط، فإلى أيهما وصل فهو المقدار.

كل هذا إذا كان الإناء موجودًا، فإن فقد

فيقوى اعتبار ظنه ويعضده التخميين في مسألة المذي والمني.

فروع:

إذا عسر التمييز بالنار والامتحان بالماء عند من اعتبره .. لزمه الاحتياط، فيزكي ست مئة ذهبًا وست مئة فضة.

وعسر التمييز: أن يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمن صالح؛ فإن الزكاة على الفور.

ولو غلب على ظنه الأكثر .. لم يعتمده الساعي، وفي المالك وجهان، وأجرة السبك على المالك على الأصح.

وجزم الإمام بأن من عليه دين يشك في قدره .. يلزمه إخراج اليقين بغير زيادة، لكن في (قواعد ابن عبد السلام): لو وجبت عليه زكاة من زكاتين ولا يدري: أهي بقرة أم بعير أم شاة؟ أم دراهم أم دنانير؟ يأتي بالزكاتين كمن فاتته صلاة من خمس لا يعرف عينها يصلي الخمس. قال: وفيه نظر؛ لأنا تيقنا شغل الذمة في الصلاة وشككنا في المسقط، بخلاف ما نحن فيه.

وسيأتي لهذا نظير في (باب النذر).

قال: (ويزكى المحرم من حلي وغيره) أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في المحرم وهو نوعان.

ص: 190

لَاّ المٌبَاحُ فِي الأَظْهَرِ ،

ــ

أحدهما: لعينه كالأواني والملاعق والمجامر من النقدين.

والثاني: حرام بالقصد ، كما إذا قصد الرجل بحلي النساء الذي يملكه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه ، أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة أن تلبسه أو تلبسه لجواريها أو غيرهن من النساء لآن إسقاط الزكاة تخفيف مشروط بمنفعة فلتكن مباحة، والمنفعة المحظورة كالعدم.

والمكروه- كالضبة الصغيرة للزينة والكبيرة للحاجة- يجب فيه الزكاة.

و (الحلي) - بضم الحاء وكسرها- جمع حلي ،مثل: ثدي وثدي.

قال: (لا المباح في الأظهر) لأنه معد لاستعمال مباح ، فأشبه العوامل من الإبل والبقر.

وصح عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة مع ما عرف من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى ، رواة مالك 1/ 250 وغيره.

وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان يحلي جواريه وبناته بالذهب ولا يخرج عنه الزكاة

وصح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها تحلي بناتها بالذهب ولا تزكيه نحوا من

خمسين ألفا.

والثاني: تجب لآن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب

فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت لا ، فقال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من

نار!؟ فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله. رواه أبو داوود 1558 بإسناد صحيح.

وهذه المرأة هي أسماء بنت يزيد بن السكن السائلة عن دم الحيض ، قاله الحافظ أبو نعيم.

و (المسكتان) بفتح الميم والسين، الواحدة: مسكة وهي: السوار والجواب: أن الحلي كان في أول الإسلام

محرما على النساء كما قاله القاضي أبو الطيب والبيهقي وغيرهما ، أو أنه كان فى ذلك إسراف وهذا معنى قول

الأصوليين: (وقائع الأحوال لا تعم). وأجاب قوم بأن زكاة الحلي عاريته ، ولم يرتض الشيخ شيئا من هذه

الأجوبة وقال: لا يقبل شيء منها إلا بدليل.

فعلى هذا القول: الزكاة منوطة بجوهر النقدين كالربا

وعلى الأول: بالانتفاع بها.

ويستثنى من إطلاق كثير من الأصحاب ما لو له حلي مباح فمات ولم يعمل به وارثه حتى مضى حول .. فإن

زكاته تجب لأنه لم بنو إمساكة للاستعمال المباح.

وحكى الروياني عن والده احتمال وجه: أنها لا تجب لأن الوارث قائم مقام مورثه ونيته تكفي.

ولو اتخذ حلي الذهب لتحلية الأطفال الذكور. فالأصح: لا زكاة فيه.

فرع:

إذا أوجبنا الزكاة في الحلي فاختلفت قيمته ووزنه ، كخلخال وزنة مئتان وقيمته ثلاث مئة .. اعتبرنا القيمة

على الصحيح ، فيخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي ،

ص: 192

فَمِنَ المُحَرَّمِ: الإِنَاءُ وَالسُوَارُ وَالخِلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ ، فَلَوِ أتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ إِجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهٌ .. فَلَا زَكَاةَ فِي الأَصَحِّ ،

ــ

مشاعًا ، وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها سبعة ونصف ، ولا يجوز أن يكسره فيخرج خمسة مكسرة

قال: (فمن المحرم: الإناء) سواء كان للرجال أو النساء لما تقدم.

قال) والسوار والخلخال للبس الرجل) ، وكذا الخنثي على المذهب .. فإنه ينافي شهامة الرجال.

فلو قصد باتخاذه مباحا ثم غيره أو بالعكس .. تغير الحكم.

قال: (فلو اتخذ سوارا بلا قصد أو بقصد إجارته لمن له استعماله قلا زكاة في الأصح) أما الأولى - وهي: ما

إذا لم يقصد بالحلي شيئا - فلأن الزكاة إنما تجب في المال النامي والنقد غير نام بنفسه ، وإنما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا للإخراج، وبالصياغة بطل التهيؤ.

والوجه الثاني تجب فيه لعدم القصد.

وأما الثانية - وهي: ما إذا قصد بالحلي اتخاذه لمن له استعماله - فلا زكاة فيه في الأصح كما لو اتخذه ليعيره، ولا اعتبار بالأجرة الماشية العوامل.

وذهب أبو عبد الله الزبيري إلى أن اتخاذه بقصد الإجارة حرام ، والجمهور على جوازه وجواز إجارته بالذهب

كيف كان.

وقوله (بلا قصد) أراد: أنه لم يقصد استعماله ولا اقتناءه كنزا ، أما إذا قصد الكنز أو القنية .. فالمذهب:

وجوب الزكاة وبه جزم في (التنبيه) لأن قصد الكنز صارف للصياغة عن الاستعمال بخلاف مسألة الكتاب فإن

الصياغة المانعة للزكاة لم يعارضها شيء ، ولهذا كانت عبارة المصنف أحسن من قول (المحرر):(ولم يقصد استعمالا مباحا ولا محظورا) فإن هذه تشمل ما إذا قصد الكنز ، والصحيح فيها: وجوب الزكاة.

ص: 193

وَكَذَا لَوِ انْكَسَرَ حَلْيٌ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ ....

ــ

لو أتخذ الرجل حلي النساء من غير قصد ،أو المرأة حلي الرجل من غير قصد .. فلا زكاة في الأصح كما سبق.

وحكم القصد الطارئ بعد الصياغة في جميع ما ذكرنا حكم المقارن ، فلو اتخذوا قاصدا استعمالا محرما ثم غير قصده إلى مباح .. بطل الحول ، فول عاد القصد المحرم ابتدأ الحول ، وكذا لو قصد الاستعمال ثم قصد كنزه .. ابتدأ الحول.

و (السوار) بكسر السين وضمها ، وفى لغة ثالثة:(أسوار) بضم الهمزة حكاها في (شرح مسلم) وحكاها الحافظ المنذري بكسرها.

قال: (وكذا لو انكسر حلي وقصد إصلاحه) لا تجب فيه الزكاة في الأصح إن تمادت عليه

أحوال لدوام صورة الحلي وقصد إصلاح.

والثاني: تجب لتعذر الاستعمال.

واحترز بقوله: (وقصد إصلاحه) عما إذا قصد جعله تبرا أو دراهم .. فإن الحول ينعقد من حين الانكسار ، وإن لم يقصد هذا ولا ذاك .. فأولى الوجهين في (الشرح الصغير): الوجوب ، والأظهر في (الكبير): المنع ، قال في (المهمات): وهو الصواب المنصوص.

وصورة المسألة: إذا انكسر بحيث يمتنع الاستعمال ، لكن لا يحوج إلى صوغ جديد بل يصلح بالإلحام ، فإن لم يمتنع الاستعمال .. فلا أثر له ، وإن أحوج إلى صوغ جديد وجبت فيه الزكاة ، وابتداء الحول من يوم الانكسار.

قال: (ويحرم على الرجل حلى الذهب) لقوله صلي الله عليه وسلم: (حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي ، أحل لإناثهم) قال الترمذي 1720: حديث حسن الصحيح ، وفي

(صحيح مسلم) 2090 في خاتم الذهب: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده.

وإطلاق المصنف يقتضي: أنه ولو كان آله الحري وهو كذالك.

وكذالك المموه إذا حصل منه شيء بالنار فإن لم يحصل .. فوجهان اختلف فيهما تصحيح المصنف.

ص: 194

إِلَّا الأَنْفَ والأَنْمَلَةَ والسِّنَّ

ــ

قال: (إل الأنف) لما روى الترمذي 1770 وابن حبان 5462 والطيالسي 1258 والبيهقي

2/ 425 عن عرفجة بن صفوان التميمي رضي الله عنه قال: (أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية ، فاتخذت أنفا من ورق فأنتن علي أمرني فأمرني رسول الله صلى الله علية وسلم: أن

اتخذ أنفا من ذهب).

و (الكلاب) بضم الكاف ما بين البصرة والكوفة ، كانت بة وقعة في الجاهلية في أيام أكثم بن صيفي.

قال: (والأنملة والسن) لأنهما فى معنى الأنق ، وروى أبو نعيم وأبن عدي 4\ 109 وابن قانع

565 عن هشام بن عورة عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول أن أتخذ ثنية من ذهب

) لكن في إسناده طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف ، ولأنملة تعمل عمل الإصبع فيمكن تحريكها بالقبض والبسط.

و (الأنملة) واحدة الأنامل وهي: رؤوس الأصابع ، وفيها تيع لغات: تثليث الهمزة مع تثليث الميم ، والأفصح: فتح همزتها وميمها ولم يحك الجوهري غيرها.

فرع:

يجوز شد السن بالذهب للضرورة لأن عثمان رضي الله عنة شد أسنانه به ولم ينكره أحد ، وروى

البيهقي في) الشعب) 6329 عن أنس بن مالك رضي الله عنة: أنة شد أسنانه به ، وعن الحسن

البصري وموسى بن طلحة وإسماعيل بن زيد بن ثابت كذلك، وعن النخعي: أنه لم ير به بأسا.

فإن نشب في العضو وتركب عليه اللحم .. صار كالمستهلك لا زكاة فيه ، فإن لم يكن كذلك بل

كان يمكن نزعه ورده .. ففيه القولان في الحلي المباح.

ص: 195

لَا الإِصْبَعَ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَحِلُّ لَهُ منَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ،

ــ

قال: (لا الإصبع)؛ لأنها لا تعمل فتكون لمجرد الزينة بخلاف الأنملة؛ فإنه يمكن تحريكها، واليد كالإصبع، وفيهما وجه، وكما تحرم الإصبع من الذهب تحرم من الفضة.

قال: (ويحرم سن الخاتم على الصحيح) وهو: الشعبة التي يستمسك بها الفص لعموم أدلة التحريم.

ويقابله احتمال للإمام؛ لأنه يشبه الضبة الصغيرة.

قال: (ويحل له من الفضة الخاتم) بالإجماع.

مهمة:

توحيد المصنف (الخاتم) وجمع ما بعده مشعر بامتناع التعدد اتخاذًا ولبسًا، وهو خلاف ما في) المحرر)؛ فإنه عبر بقوله:(ويجوز التختم بالفضة للرجال)، وعبر في) الشرح) بقوله:(ولو اتخذ الرجل خواتم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد .. جاز)، وظاهره: الجواز في الاتخاذ دون اللبس.

والصواب: جواز الأمرين كما صرح به الدارمي والخوارزمي.

وقال المحب الطبري: المتجه: إنه لا يجوز للرجل أن يلبس خاتمين من فضة في يديه أو في إحداهما؛ لأن استعمال الفضة حرام إلا ما وردت به الرخصة، ولم ترد إلا بخاتم واحد.

وفي (شعب الإيمان)] 6356 [للبيهقي: كان أبو سليمان الخطّابي يكره ذلم وقال: إنه ليس من جميل العادات، ولا من صفات المتقين.

فروع:

لبس الخاتم سنة سواء كان في اليمين أو اليسار، لاكن اليمين أفضل.

وقال المتولي والفوراني والعمراني: اليسار أولى.

والمستحب: أن يجعل فَصَّه مما يلي الكف.

ص: 196

وَتَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ- كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ-

ــ

ويجوز أن يكون فصه منقوشًا باسم الله من غير كراهة، وله أن ينقش فيه اسم نفسه أو كلمة حكمة.

ويكره للرجل التختم في الوسطى والسبابة؛ لما روى مسلم [2078] عن علي رضي الله عنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجعل خاتمي في الوسطى والتي تليها)، وفي رواية في (أبي داوود) [4222] بإسناد صحيح:(نهاني أن أتختم في السبابة والوسطى).

ولا يكره للمرأة لبس خاتم الفضة خلافًا للخطّابي.

ولا يكره لبس خاتم الرصاص والنحاس والحديد على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتمًا من حديد).

قال ابن الرفعة: وينبغي أن ينقص عن مثقال؛ لما روى أبو داوود [425] وابن حبان [5488] من حديث بريدة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لبس خاتمًا من حديد فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟!) فطرحه، فقال: يا رسول الله؛ مم أتخذه؟ قال: (من فضة ولا تبلغه مثقالا).

ويحرم على الرجل لبس الدملج والسوار والطوق خلافًا للغزالي.

وليس للخنثى التحلي بحلي الرجال ولا بحلي النساء، ولا يباح له من الفضة إلا الخاتم هاذا نص المتولي، وفي (الروضة) عنه: أنه أشار إلى أن للخنثى لبس حلي الرجال والنساء؛ لأنه كان يلبسهما في الصغر فيبقى.

قال: (وتحلية آلات الحرب كالسيف والرمح والمِنطقة) وهي: التي يشد بها الوسط، وميمها مكسورة، والجمع: مناطق، وشرطها: أن تكون معتادة، فلو اتخذ مِنطقة ثقيلة لا يمكنه لبسها من فضة، أو اتخذت المرأة حليًا ثقيلًا لا يمكنها لبسه .. وجبت الزكاة قطعًا؛ لأنه غير معد لاستعمال مباح.

ص: 197

لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ عَلَى الأَصَحِّ. وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ،

ــ

وتباح التحلية المعتادة في الدرع والجوشن والخوذة والخنجر وسكين الحرب؛ لأن فيه إرهابًا للعدو وغيظًا للكافرين.

وقد ثبت: (أن قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعله كانا من فضة، وما بين ذلك حِلَق الفضة) رواه النسائي [8/ 219] وغيره.

أما سكين المهنة والدواة والمقراض .. فتحليتها بالفضة حرام على الأصح على الرجال والنساء، كما يحرم عليهما تحلية الدواة والمبخرة والمرآة، وبالذهب حرام عليهما قطعًا.

قال: (لا ما يلبسه كالسرج واللجام على الأصح) كالأواني.

والثاني: يجوز؛ لما سبق من إغاظة الكفار.

والخلاف جار في الرِّكاب وأطراف السيور وثفر الدابة وبرة الناقة من الفضة، والأصح: التحريم.

قال الشيخ: ينبغي أن يتوقف في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا في أنفه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين.

والمذهب: تحريم القلادة للدابة.

ولا يجوز شيء من ذلك بالذهب بلا خلاف.

ومحل الخلاف: في المقاتل، أما غيره .. فلا تحل له تحلية ذلك قطعًا.

وتستثنى: البغلة والحمار، فلا يجوز ذلك فيهما بلا خلاف؛ لأنهما لا يصلحان للحرب.

قال: (وليس للمرأة تحلية آلة الحرب)؛ لأن فيها تشبيهًا بالرجال وهو حرام كما نقله الرافعي عن الجمهور، واعترض الشاشي بأن التشبيه مكروه لا حرام ولهن المحاربة وجزم بالجواز، قال الرافعي: وهو الحق إن شاء الله.

ص: 198

وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الأَصَحِّ. وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِئَتا دِينَارٍ،

ــ

قال المصنف: وما قالاه ضعيف، والصواب: أن التشبيه حرام.

ولا فرق في جواز لبس الحلي للنساء بين المزوجة والخلية.

قال: (ولها لبس أنواع حلي الذهب والفضة) بالإجماع، وذلك كالقُرْط والطوق والخاتم والسوار والخَلخال.

وكذا نعل الفضة على الصحيح، وما لبسه أحد .. إلا أذله الله، وصوب في (شرح المهذب) جواز لبسه مطلقًا.

والتاج إن جرت عادة النساء بلبسه .. جاز، وإلا .. فلا؛ لأن فيه تشبيهًا بالرجال وهم ملوك الفرس كذا في (الروضة)، وقال في (شرح المهذب) (في باب ما يجوز لبسه): الصواب: جوازه مطلقًا.

قال: (وكذا ما نسج بهما في الأصح)؛ لعموم الأدلة.

والثاني: لا للسرف والخيلاء.

مهمة:

القلادة من الدراهم والدنانير لا تحرم بلا خلاف، وما وقع في (الشرح) و (الروضة) من التحريم معترض، لاكن نجب زكاتها في الأصح؛ لبقاء صورة النقد.

قال: (والأصح: تحريم المبالغة في السرف كخَلخال وزنه مئتا دينار)؛ لأن المباح لهن ما يتزين به ولا زينة في ذلك.

والثاني: لا يحرم؛ لعموم الأدلة على إباحة الحلي.

وتقييده ب (المبالغة) تبع فيه (المحرر)، وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) ذلك، بل أطلق اذكر السرف وهو الذي يظهر، ويؤيده قوله بعده: (وكذا إسرافه في آلة

ص: 199

وَكَذَا إِسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ، وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ

ــ

الحرب). وأما التمثيل بخلخال وزنه مئتا دينار .. فكذا ذكره غيره.

قال: (وكذا إسرافه في آلة الحرب)؛ لما فيه من الخيلاء الزائد.

فلو اتخذ آلات كثيرة للحرب محلاة أو المرأة خلاخيل كثيرة تلبس الواحد منها بعد الواحد .. فطريقان، أصحهما: القطع بالجواز.

والسرف ضد القصد، وهو: مجاوزة الحد، ويقال له في النفقة: التبذير وهو: الإنفاق في غير حق، فالمسرف: المنفق في المعصية وإن قل إنفاقه، وغيره المنفق في الطاعة وإن أفرط.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الحلال سرف؛ إنما السرف في ارتكاب المعاصي).

وما أحسن قول الحسن بن سهل: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف.

وقال سفيان الثوري: الحلال لا يحتمل السرف.

وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال: الحسنة بين السيئتين ثم تلا: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} الآية.

قال: (وجوازُ تحلية المصحف بفضة)؛ إكرامًا له، وذلك جائز للرجال والنساء.

والثاني: لا يجوز كالأواني.

والخلاف قولان منصوصان، وقيل: وجهان كما حكاه المصنف.

أما تحلية سائر الكتب بذهب أو فضة .. فحرام بالاتفاق قاله في (شرح المهذب)، وقال في (الروضة): أشار الغزالي إلى طرد الخلاف في سائر الكتب.

وحكى الجاجرمي وجهًا في جواز تحلية الكتب، وأثبته البارزي في (تمييز التعجيز).

قال: (وكذا للمرأة بذهب)؛ لعموم: (أُحل الذهب والحرير لإناث أمتي).

ص: 200

وَشَرْطُ زَكَاةِ اّلنَّقدِ: اّلْحوْلُ. وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ اّلْجَوَاهِرٍ كَاّللٌؤلُؤِ ......

ــ

والثاني: يجوز مطلقًا؛ بما تعظيمًا للمصحف وصحح المارودي.

والثالث: لا مطلقًا.

والرابع: يجوز تحليه نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه.

والأصح: أن حكم غلافه المنفصل عنه كحكمه.

قال الغزالي: ومن كتب المصحف بذهب .... فقد أحسن ولا زكاة عليه.

وفي حلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما وجهان:

الأصح: التحريم

والثاني _ وبه أفتى الغزالي-: الجواز كما تستر الكعبة بالحرير.

وينبني عليهما وجوب زكاتهما إذا كانت باقية على ملك فاعلها، فعلى القول بالتحريم: تجب زكاتها قطعًا، وعلى القول بجوازها: في زكاتها القولان، وإن كانت وقفًا .. فلا زكاة فيها.

وقال ابن عبد السلام: لا بأس بتزيين المساجد بالقناديل والشموع التي لا توقد؛ لأنه نوع احترام.

قال: (وشرط زكاة النقد: الحول)؛ للخبر المتقدم.

قال: (ولا زكاة في سائر الجواهر كاللؤلؤ)؛ لما روى البيهقي [4/ 146] عن علي رضي الله عنه موقوفًا عليه: (ليس في جوهر زكاة)، وفي (الرافعي) عن: أنه فال: (لا زكاة في اللؤلؤ) وهو غريب، وكذلك الزبر جد والياقوت والفيروز والمرجان والصفر والزجاج وإن حسنت صنعته وكثرت قيمته، ولا في المسك والعنبر؛ لأنه لم يرد بالزكاة في ذلك نص ،

وروى البيهقي [4/ 146] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قال: (لا شيء في العنبر) ورواه البخاري بمعناه

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أكرا لباس اللؤلؤ إلا لأنه من زى النساء – قال – ولا أكره لباس ياقوت ولا زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء.

تتمة:

(الجوهر) معروف، وهو معرب واحدته: جوهرة، وأما الجوهر الفرد الذي يستعمله المتكلمون .. فو ما تحيّز، والجسم يطلقونه على ما تركب من جزأين فصاعدًا، والعرض: ما قام بالجسم أو بالجوهر، واختلفوا في إثبات الجوهر الفرد، قالوا: وهذه الأقسام الثلاثة هي جملة المخلوقات لا يخرج عنها شيء منها.

خاتمة

سيأتي في (قسم الفيء والغنيمة): أن عمر رضي الله عنه لما قدم عليه مال العراق دعا سراقة بن مالك رضي الله عنه فألبسه سواري كسري. فأبيح له ذلك؛ لأنه علم من أعلام النبوة، وفي (أخبار المدينة): أن أتي بمجمرة من الشام من فضة فيها تماثيل، فدفعها إلى سعد – أحد المؤذنين- وقال: (جمّر بها في الجعبة وفي شهر رمضان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فكان سعد يفعل ذلك وكان يضعا بين يدي عمر رضي الله عن فيه، ولم تزل إلى سنة ستين ومئة فضرت وجعلت سلاحًا.

فهذا أيضًا مما اختص به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن قناديله لا حق فيها للفقراء ولا لغيرهم، ولا يجوز صرفها في عمارة المسجد ولا غير، سواء وقفها مالكها أو أرسلها هدية، بل تبقي مستحقة لتلك المنفعة لا تجوز إزالتها عن أمكانها وتجب استدامتها، كما قرر الشيخ ففي (تنزل السكينة على قناديل المدينة) على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام.

ص: 202