الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مًحَرَّمَاتِ الإحْرَامِ
أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْضِ رَاسِ الرَّجُلِ
ــ
باب محرمات الإحرام
الأصل في الباب: ما وري الشيخان [خ1542 - م1177] عن ابن عمر رضي الله عنهما انا لنبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله؛ ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال صبى الله عليه وسلم: (لا يَلبَسُ القمص والعمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس).
وللبخاري [1838]: (ولا تنتقبِ المرأة ولا تلبس القفازين).
دل الحديث بمفهومه على إباحة ما سوى المنصوص، وفيه دليل على أن المفهوم يدخله العموم، وهذا من بديع الكلام وجزله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال: لا يلبس كذا وكذا .. فحصل في الجواب: انه لا يلبس المذكورات ويلبس ما سواها، فكان التصريح بما لا يلبس أولى لإنحصاره، وأما الملبوس الجائز .. فغير منحصر لكن في) سنن أبي داوود) [1891]: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويلات .. إلى آخره).
وقال في) اللباب) و (الرونق): إن المحرمات علة المحرم عشرون شيئًا.
وبالغ المصنف في اختصار أحكام الحج، ولا سيما هذا الباب، وأتى بصيغة تدل على حصر المحرمات فيما ذكره، (والمحرر) سالم من ذلك فإنه قال: يحرم في الإحرام أمور منها كذا.
قال: (أحدها: ستر بعض رأس الرجل)؛ لما تقدم من قوله: (لايلبس العمائم ولا البرنس)، وقوله في المحرم الذي خر عن بعيره: (ولا تخمروا رأسه؛
بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا
ــ
فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا)، وادعى الماوردي الإجماع على ذلك.
وضبط الإمام والغزالي ذلك بستر قدر يقصد ستره لغرض كشد العصابة واللصوق للشجة، وأبطله الرافعي باتفاقهم على أنه لو شد خيطًا على رأسه لا فدية عليه مع أنه يقصد لمنع الشعر من الإنتشار.
قال: فالوجه: الضبط بتسميته ساترًا كل الرأس أو بعضه، وفيما قاله نظر؛ لأنه لا يعد ساترًا، ولهذا قال المصنف: الصواب مال قالاه ولا نقض؛ لأن الخيط لا يعد ساترًا كما قال الأصحاب.
وتجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن.
وأفهمت عبارته: أنه لا يجوز ستر وجهه وهو كذلك، ولا فدية فيه عند جمهور العلماء؛ لأنه قدر ورد فعله عن عثمان رضى الله عنه.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه) رواه مسلم [1206/ 98].
قال البيهقي: إن ذكر الوجه وَهَمٌ من بعض الرواة؛ على أن أبا حنيفة ومالكًا لا يقولون بمنع ستر رأس الميت ووجهه، وهذا الحكم لا فرق فيه بين البالغ والصبي، إلا أنا لصبي لا يأثم.
وهل الفدية في ماله أو مال الولي؟ فيه خلاف سبق في أول (كتاب الحج)، ولا فرق في جميع ما ذكرناه بين أن يطول زمان الستر أو يقصر.
قال: (بما يعد ساترًا)، سواء اعتيد الستر به أم لا، مخيطًا كان أم غيره، حتى الطين والحناء الثخينين على الصحيح، والخلاف كالخلاف في ستر العورة به.
ولو استظل بخيمة أو محمل .. فلا شيء عليه؛ لأنه لا يعد ساترًا، وخص المتولي ذلك بما إذا لم يمس المظلة والمحمل، أما إذا مسهما .. فتلزمه الفدية.
قال الرافعي: ولم أر هذا لغيره.
إلَا لِحَاجَةٍ،
ــ
قال المصنف: وما قاله المتولي ضعيف أو باطل.
ولو حمل على رأسه زنبيلًا أو عِدلًا من مكان إلى مكان .. فلا فدية على المذهب.
وقيل: تجنب به الفدية، وهو نصه في (الإملاء)، واختار الخطابي، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الماوردي: محل الخلاف إذا لم يقصد الستر، فإن قصده .. لزمته الفدية قطعًا.
ولو انغمس في ماء أو غطى رأسه بكفه .. جاز ولا فدية عليه وإن أطال، وإن كان بكف غيره .. فكذلك على الأصح، وفي وجه: يحرم وتلزمه الفدية، والفرق جواز السجود على كف الغير دون كف نفسه، وهم قد جعلوا الماء الكدر في الصلاة ساترًا.
ولو غطى رأسه بثوب شفاف تبدو البشرة من ورائه .. وجبت الفدية؛ لأنه ساتر هنا بخلاف الصلاة.
وأجمعوا على أنه لو قعد تحت سقف أو خيمة .. جاز.
وقال مالك وأحمد: لا يجوز أن يستظل في المحمل إلا إذا كان الزمان يسيرًا، وكذا إذا استظل بيده.
لنا: حديث أم الحصين رضي الله عنها قال: (حججنا مع رسول الله صلى الله عليه سلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا واحد آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) رواه مسلم [1298].
قال: (إلا لحاجة) فيجوز؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} لكن تلزمه الفدية قياسًا على الحلق بسبب الأذى.
والحاجة تشمل المداواة والحر والبرد، ولهذا كانت أولى من قول (المحرر):
وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَوِ الْمَنْسُوجِ أَوِ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ
ــ
(إلآ لحاجة مداواة) فلو كانت عليه جراحة فشد عليها خرقة، فإن كانت في غير الرأس .. فلا فدية عليه، وإن كانت في الرأس .. لزمته الفدية لكن لا إثم عليه.
وإذا لم يجد نعلين .. قطع الخف أسفل من الكعبين أو لبس المُكَعَّب، وهذا مثل الخف المقطوع، ولا يجوز لبس الخف المقطوع والجمجم مع وجود النعلين على الأصح.
والثاني: يجوز وهو مذهب أبي حنيفة.
والفرق بين وجوب قطع الخف وعدم وجوب قطع الإزار على الصحيح: ورود الأمر بقطع الخف دون السراويل.
قال: (ولبس المخيط أو المنسوج أو المعقود في سائر بدنه)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم.
والمراد: لبس المخيط وما في معناه مما هو على قدر عضو من البدن، فيحرم كل مخيط بالبدن أو بعضٌ منه كالقميص والتُّبّان والخف والران والجوشن والجورب واللبد والملتصق بعضه ببعض، فأن لبس شيئًا من ذلك مختارًا .. لزمه الفدية طال الزمان أو قصر، ولا يشترط استيعاب العضو كما قلناه في الرأس.
فلو لبس القباء .. لزمه الفدية وإن لم يخرج يديه من كميه على الصحيح.
وقال أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور: إذا لم يدخل يديه في كميه .. جاز.
إِلَاّ أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ
ــ
لنا: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (ولا يَلبَسُ القميص ولا السراويل ولا العمامة ولا البرانس ولا القباء) هكذا رواه البيهقي [5/ 49] بإسناد على شرط الصحيح وقال: هذه الزيادة صحيحة محفوظة.
ولو ألقى على بدنه وهو مضطجع قباء أو فَرَجِيَّة .. قال الإمام: إن صار على بدنه بحيث لو قام عد لابسه .. لزمته الفدية، وإن كان بحيث لو قام لم يستمسك عليه .. فلا فدية.
ولو ارتدى بالقميص أو اتزر بالسراويل .. فلا فدية كما لو اتزر بإزار مرقع.
وعبارته تشمل: ما لو شق الإزار نصفين ولف على ساق وعقده، والمنقول فيه: التحريم والفدية، خلافا للإمام والمتولي.
ويحرم أيضا خلال الرداء بمسلة ونحوها.
ويحرك ربط طرف بآخر بخيط ونحوه على المذهب، لكن يجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطًا، وأن يجعل له فيه الحجزة ويدخل فيها التكة، وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه.
واستعمل المصنف (سائر) بمعنة الجميع تبعا للغزالي والجوهري وقد تقدم الكلام على ذلك في آخر خطبة الكتاب.
ويجوز أن يلبس المحرم المنطقة، ويشد على وسطه الهيمان احتاج إليه أم لا، ويَحتَزِمَ بعمامته.
ويحرم على الرجل لبس فردة خف خلافا للصيمري.
قال: (إلا ان لا يجد غيره)؛ فإنه يجوز أن يلبس المخيط من غير فدية، ويلبس السراويل إذا لم يجد الإزار؛ لما روى الشيخان [خ1843 - م1178] عن ابن عباس
وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَاسِهِ‘ وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ
…
ــ
رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه قال:) السراويل لمن لم يجد الإزار‘ والخف لمن لم يجد النعلين (
هذا إذا لم يتأتّ الاتزار بالسراويل‘ فإن أمكن الاتزار به على هيئته .. امتنع لبسه‘ كما إذا فقد الرداء ووجد القميص .. فإنه يرتدي به ولا يلبسه.
ولو أمكن فتق السراويل وخياطته إزاراّ .. فالأصح: أنه لا يكلف ذلك؛ لإطلاق الخبر وإضاعة المال.
والفرق بينه وبين وجوب قطع الخف عند فقط النعل مشكل.
والمراد بـ (عدم الوجود): فقده من ملكه‘ وتعذر شرائه وإجارته بعوض مثله
واستعارته.
وحَصْرُ المصنف الجواز بعدم الوجدان يقتضي المَنْعَ لحاجة الحر والبرد والمداودة‘ والمجزومُ به في) الرافعي) وغيره: الجواز مع الفدية‘ وقد تقدم في الرأس على الصواب.
قال: (ووجه المرأه كرأسه)؛ لما تقدم في رواية البخارى [1838] من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا تنتقب المرأة) لكن لها أن تستر من وجهها ما لا يتأتى ستر الرأس إلا به.
فإن قيل: لم لا عكستم فأوجبتم عليها أن تكشف من الرأس ما لا يتأتى كشف الوجه إلا به؟ قلنا: لأن الستر أحوط من الكشف‘ لكن لها أن تستر منه ما لا يتاتى ستر جميع رأسها إلا به؛ احتياطًا للستر.
أما الخنثى .. فقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أنَّا نأمره بالستر ولبس المخيط‘ كما نأمره أن يستتر في الصلاة كاستتار المرأة‘ وهل تلزمه الفدية؟ وجهان: والذى قاله الجمهور: أنه إن ستر وجهه أو رأسه .. لم تجب الفدية للشك‘ وإن سترهما ..
وجبت.
قال: (ولها لبس المخيط) بالإجماع‘ ولا فرق فيما ذكره بين الحرة والأمة على
المذهب.
إِلَاّ الْقُفَّازَينِ فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ‘
…
ــ
وقيل: الأمة كالرجل‘ والمبعضة كالحرة عورة وإحرامًا.
قال: (إلا القفازين في الأظهر)؛ لما روى البخارى [1838] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن النقاب والقفازين)
وبهذا قال علي وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم‘ وإليه ذهب مالك وأحمد.
والقول الثاني: يجوز؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه [أم 2\ 203] عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام‘ وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري وصححه الغزالي‘ ولا وجه له مع الحديث إلا أن يثبت ما قيل: إن قوله: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) مدرج من كلام ابن عمر رضي الله عنهما‘ وهو بعيد.
ولا خلاف في المذاهب كلها في منع النقاب إلا من شذ.
و (القفاز) بضم القاف: شيء يعمل غلافًا لليد يحشى بقطن.
قال في) الكفاية): وكذا حكم القفاز الواحد.
وخرج بالقفازين: ما لو اختضبت فلفت على يدها خرقة على ذلك ‘ أو لفتها بلا خضاب .. فلا فدية على المذهب.
قال: (الثانى: استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه) أما في الثوب .. فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا يلبس من الثياب ما مسه من زعفران أو ورس).
وأما البدن .. فبالقياس عليه‘ ولقوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات محرمًا:
(ولا تقربوه طيبًا).
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه‘ وخالف أبو حنيفة في الثوب بتفصيل عنده‘ ولا فرق عندنا بين الأخشم وغيره‘ ولا في البدن بين ظاهره وباطنه.
وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّاسِ وَاللِّحْيَةِ
ــ
والاستعمال: أن يلصق الطيب ببدنه أو ثيابه على الوجه المعتاد في ذلك‘ فلو احتوى على مجمرة‘ أو حمل فأرة مشقوقة أو قارورة مفتوحة‘ أو جلس على الفراش مطيب ‘ أو لبست المرأة حليًا محشوًا به .. حرم.
ولو حمل مسكًا أو غيره في كيس أو خرقة مشدودة .. لم يحرم على النص.
ولو وطاء بنعله طيبًا .. حرم إن علق منه به شيء‘ وإلا .. فلا.
وخرج بقوله: (استعمال) ما لو أكره على التطيب ففعل .. فلا فدية جزما ً‘ وكذا
لو تطيب ناسيًا أو جاهلًا بتحريمه على الأصح‘ خلافًا للمزني.
ولو ألقت الريح ونحوها عليه طيبًا .. فمعذور‘ لكن تلزمه المبادرة إلى إزالته ‘
فإن أخر إزالته مع التمكن .. لزمه الفدية.
ولو جلس عند الكعبة وهي تبخر أو حانوت عطار .. فلا فدية عليه على الأصح‘
لكنه إن تعمد الشم كره.
و (الطيب): ما ظهر فيه غرض التطيب كالورد والياسمين واللينوفر والبنفسج والريحان الفارسي الكادي‘ غير أنه إذا شمها من بعد كحانوت الفكاه والبستان ..
لم يفتد‘ وإن ألصقها ببدنه .. افتدى‘ وإن وضعها بين يديه على هيئة معتادة
وشمها .. فإطلاقهم يقتضي الفدية‘ وهي واردة على قول المصنف: (في ثوبه أو
بدنه).
ولا يكره للمحرم شراء الطيب‘ كما لا يكره له شراء المخيط.
وقول المصنف: (أو بدنه) أولى من قول) المحرر (: (وبدنه) بالواو‘ ومن
قول) التنبيه (: في ثيابه وبدنه.
قال: (ودهن شعر الرأس واللحية) وإن لم يكن الدهن مطيبًا؛ لأنه يرجل الشعر ويزينه‘ والحاج أشعث أغبر.
ولا فرق في ذلك بين أن يدهن بزيت أو سمن أو زبد‘ وكذلك الشحم والشمع
المذابان‘ ولا في اللحية بين الرجل والمرأة
وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَاسِهِ بِخِطْمِيًّ
ــ
وخرج بقوله: (شعر الرأس واللحية) الأصلع والأمرد فلا فدية عليهما، لكن يرد عليه محلوق الرأس إذا دهنها .. فالأصح عند الشيخين: تحريمه، والأصح في) الكفاية) خلافه.
وعلم منه جواز دهن باقى البدن وهو كذلك؛ لأنه لا يقصد تحسينه، لكن تقييده باللحية يخرج باقى شعور الوجه كالحاجب والشارب والعنفقة والعذارين، وفيه نظر؛ فإن ظاهر إطلاقهم يقتضى تحريم ذلك كما قاله المحب الطبرى.
وأباح أحمد وداوود دهن جميع البدن، ومنعه مالك في الأعضاء الظاهرة.
ومنعه أبو حنيفة بالزيت والشيرج، وجوزه بالسمن والزبد، وأجمعوا على جواز أكل ذلك.
وقوله: (دهن) هو بفتح الدال مصدر بمعنى التدهن، وأما (الدهن) بالضم .. فهو الذى يدهن به.
قال: (ولا يكره غسل بدنه ورأسه بخطمي) ولا بسدر ونحوه؛ لأن ذلك لإزالة الأوساخ، بخلاف الدهن فإنه للتنمية، لكن الأولى أن لا يفعل ذلك.
وينبغى إذا غسل رأسه أن يرفق في الدلك حتى لا ينتتف شعره.
فروع:
للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرًا، ولا بأس بنظره في المرآة، والسنة أن يلبد رأسه عند الإحرام، وهو أن يعقص شعره ويضرب عليه بالخطمي أو الصمغ أو غيرهما لدفع القمل.
ولا يحرم عليه أخذ القمل من ثيابه وبدنه، ولكنه يحرم أخذه من شعر رأسه ولحيته، فإذا فعل .. تصدق بما يراه من تمرة أو لقمة.
قال الشافعي رضي الله عنه: ومن قتلة قملة .. تصدق بلقمة، قال: وللصبيان حكم القمل، وهو بيضها.
الثَّالِثُ: إِزَالَةُ الشَّعْرِ
ــ
ويحرم عليه الاكتحال بما فيه طيب، فإن اكتحل بما لا طيب فيه .. فروى المزني أنه لا بأس به، وفي (الإملاء) أنه يكره.
وتوسط آخرون فقالوا: إن لم يكن فيه زينة كالتوتياء الأبيض .. لم يكره، وإن كان فيه زينة كالإثمد .. كره، وهذا التفصيل هو الأصح في (شرح المهذب (، وبه جزم في) شرح مسلم) وقال: إنه مذهب الشافعي رضي الله عنه.
قال: (الثالث: إزالة الشعر)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أي: شعر رؤوسكم، وشعر سائر الجسد ملحق به بجامع الترفه.
وقال داوود: لا فدية في حلق شعر غير الرأس، وهو رواية عن مالك.
وقوله: (إزالة) أحسن من قول (المحرر): حلق الشعر؛ لأن النتف والتقصير والإحراق وبالنورة كذلك، ومراده إزالتها من نفسه، أما إذا حلق لغيره، فإن كان المحلوق حلالًا .. فلا شيء، وإن كان محرمًا فحلقه بإذنه .. حرم عليهما، والفدية على المحلوق؛ لأنه لو حلف أن لا يحلق راسه فأمر غيره فحلق .. حنث، وسيأتى
في (الأيمان) ما يخالف هذا.
وقد يقال: إن الحالق مباشر فكيف قدم عليه الآمر؟
وأجاب القاضي أبو الطيب بأن الشعر في يد المحرم كالوديعة، ومن أمر بإتلاف وديعة في يده .. ضمنها دون المباشر لذلك.
وإن كان المحلوق نائمًا أو مكرهًا .. فالأصح: أنها على الحالق.
ومراد المصنف بـ (الشعر) الجنس فيحرم إزالة الشعرة الواحدة، ويفهم ذلك من قوله بعد ذلك:(والأظهر: أن في الشعرة مد طعام).
ولو كشط المحرم جلدة رأسه .. فلا فدية، والشعر تابع.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولو افتدى .. كان أفضل، لكن يستثنى ما لو نبتت شعرة
أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها .. فإنه لا فدية عليه في قلعها على الراجح.
ولو طال شعر حاجبه أو رأسه وغطى عينيه فقطع الزائد .. فلا فدية أيضًا كدفع
الصائل.
أَوِ الظُّفْرِ. وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارِ،
ــ
ولو مشط لحيته فنتفت شعرات .. لزمه الفدية، فلو شك هل كان منتتفًا أو انتتف
بالمشط .. فالأصح: لا فدية تغليبًا لأصل البراءة.
والثانى: نعم؛ إحالة على السبب الظاهر.
ويجوز للمحرم حك رأسه لكن يكره بالأظافير.
قال: (أو الظفر)؛ قياسًا على إزالة الشعر بجامع الترفه.
وقال داوود: يجوز للمحرم قلم أظفاره كلها ولا فدية عليه.
ويستثنى: ما لو انكسر بعض طفره وتأذى به .. فله قطع المكسور فقط.
قال: (وتكمل الفدية في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار)؛ لأنها جمع، وهذا
لا خلاف فيه عندنا إذا حصلت دفعة واحدة أو متواليات وكانت مع ذلك في محل
واحد، ولا يزاد عليها بالزيادة، ويكفي الدم في حلق جميع الرأس.
وقال أبو حنيفة: تكمل الفدية في حلق ربع الرأس.
وقال أبو يوسف: في نصفه.
وقال مالك: فيما يزول به الأذى، وكلها تقديرات لا دليل عليها.
ويرد على دليلنا: أن شعر الرأس مضاف فينبغى أن يعم، لكن لا قائل به، فلو
حلق ثلاث شعرات من ثلاثة أمكنة أو في ثلاثة أزمنة متفرقة .. فطريقان الأصح: إفراد كل شعرة بحكمها، وفيها الأقوال الأربعة الآتية:
الأصح: ثلاثة أمداد، وقيل: ثلاثة دراهم، وقيل: دم كامل، وقيل: ثلاثة دماء.
وأخذ الأظفار في مجلس واحد أو مجالس كالشعرات.
ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلًا .. ففدية على الصحيح.
وقال الأنماطي: فديتان.
وكذا إذا قلم أظفار يديه ورجليه.
وَالأَظهَرُ: أَنً فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي اٌلشَّعْرتَيْنِ مُدَّيْنِ
ــ
قال: (والأظهر: أن في الشعرة مد طعام، وفي الشعرتين مدين)؛ لأن الله تعالى عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الطعام، وأقل ما يجب للفقير في الكفارات مد، والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة فقوبلت به.
والقول الثاني: يجب في الشعرة الواحدة ثلث دم، وفي الشعرتين ثلثاه عملًا بالتقسيط، قال القاضي وغيره: وهو أقرب إلى القياس.
والثالث: في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان؛ لأن تبعيض الدم يعسر، وكانت الشاة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم.
والرابع: يجب فيها دم كامل.
والظفر في جميع ذلك كالشعر، وقطع بعض أحدهما كقطع كله.
فإن قيل: من حلق أو قلم ثلاثة فصاعدًا مخير بين إراقة دم وإخراج ثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام كما سيأتي، فكيف جاءت هذه الأقوال هنا؟ وهلا خيروه؟
فالجواب: أن محل هذه الأقوال عند اختياره الدم، أما إذا اختار الصوم .. فإنه يصوم يومًا واحدًا جزمًا، أو الإطعام .. فإنه يطعم صاعدًا واحدًا جزمًا، قاله العمراني في (إشكالات المهذب).
قال ابن الرفعة: قال بعض من اجتمعت به: هذا الذي قاله إن ظهر على قولنا: إن الواجب ثلث دم أو درهم، فلا يظهر على قولنا: إن الواجب فيها مد؛ إذ يرجع حاصل هذا القول إلى أنه يخير بين المد والصاع، والشخص لا يخير بين الشيء وبعضه.
وجوابه المنع؛ فإن المسافر مخير بين القصر والإتمام والجمعة والظهر، فقد خير بين الشيء وبعضه.
فرع:
إذا فعل محظورين أو أكثر، فإن كان أحدهما استهلاكًا والآخر استمتاعًا كالحلق والقلم مع الطيب واللباس .. فالصحيح: تعدد الدماء.
وَلِلْمَعْذُورِ أَن يَحْلِقَ وَيَفْدِي
ــ
وإن كانا استهلاكًا .. فالمشهور: التعدد، إلا إذا لبس ثوبًا مطيبًا .. فالمنصوص: فدية واحدة.
وإن كانا استمتاعًا، فإن اتحد النوع؛ بأن تطيب بأنواع من الطيب كمسك وزعفران وكافور، أو نوع واحد مرارًا، أو لبس مرارًا أنواعًا من الثياب كعمامة وسراويل وقميص وخف، أو قبل امرأة ثم أخرى، فإن فعل ذلك متواليًا من غير تخلل تكفير .. ففدية واحدة، سواء طال الزمان في معالجة لبس القميص أو قصر؛ لأنه إذا توالى .. فهو كالفعل الواحد، فإن اتحد الزمان والمكان لكنه تخلل في أثناء اللبس كفارة .. ففدية، فإن فعل ذلك في مجالس أو مجلس وتخلل زمان طويل، فإن كفر عن الأول .. لزمه للثاني كفارة بلا خلاف، وإن فعل الثاني قبل التكفير عن الأول .. فالجديد يتكرر، والقديم لا.
فملخص ذلك: أنه إذا لبس ثم لبس تتكرر الفدية، أما إذا ستر رأسه بقبع ثم بعمامة ثم بطيلسان في أزمنة، أو نزع العمامة ثم لبسها .. فكثيرًا ما يسأل عن ذلك، والذي أفتى به الشيخ وغالب فقهاء العصر عدم التكرر ما دام الرأس مستورًا؛ لأن المحرم في الرأس إنما هو الستر، والمستور لا يُستَر، بخلاف البدن؛ فإن الفدية فيه متعلقة باللبس فيقال لِلَاّبِس: لَبِسَ.
وفي كلام الشيخ محب الدين الطبري ما يقتضي: أن الرأس كالبدن والمعتمد: الفرق، ولهذا عبر المصنف وغيره في الرأس بـ (الستر) وفي البدن بـ (اللبس).
قال: (وللمعذور أن يحلق ويفدي) سواء كان معذورًا بقمل أو مرض أو حر أو وسخ؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
وفي (الصحيحين)[خ 1816 - م 1201/ 85] عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: فِيَّ أُنْزِلَت هذه الآية، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال:(أيؤذيك هوامك؟) قال ابن عون: أطنه قال: نعم، فأمره أن يحلق ويفدي.
الْرَّابِعُ: الْجِمَاعُ،
ــ
وهكذا كل محظور أبيح للحاجة، فإن الكفارة تجب فيه إلا لبس السراويل والخفين المقطوعين على ما سبق؛ لأن ستر العورة ووقاية الرجل عن النجاسة مأمور به، فخفف فيهما لذلك.
قاعدة:
ما كان إتلافًا محضًا كالصيد .. ففيه الفدية وإن كان ناسيًا أو جاهلًا، وما كان ترفهًا وتمتعًا .. فلا تجب مع النسيان والجعل كاللبس والطيب، وما أَخذ شبهًا منهما كالجماع والحلق والقلم .. ففيه –مع الجهل والنسيان- خلاف، والأصح في الجماع: عدم الوجوب، وفيهما: الوجوب.
قال: (الرابع: الجماع)؛ لقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الرفث: الجماع) فلفظه خبر ومعناه النهي، أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا.
وأجمعت الأمة على تحريم الجماع على المحرم، صحيحًا كان الإحرام أم فاسدًا.
وتجب به الكفارة والقضاء، ولا فرق في الوطء بين القبل والدبر من الذكر والأنثى، والزوجة والمملوكة، والزنا واللواط وإتيان البهيمة.
وقال مالك: لا يفسد بإتيانها.
وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ،
ــ
وحكى الرافعي عن رواية ابن كج وجهًا كمذهبه.
ولو لف الرجل على ذكره خرقه وأولج .. ففي فساد حجه ثلاثة أوجه –كما في الغسل- أصحها: يفسد ويجب الغسل.
قال: (وتفسد به العمرة) أي: المفردة بالإجماع، أما التي في ضمن الحج في القرآن إذا جامع بعد تحلله الأول .. فإنها لا تفسد تبعًا وإن لم يأت بشيء منها.
وقال الأودني: تفسد، وكلام المصنف يوهمه.
ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ووقف ثم حلق قبل الرمي ثم جامع .. فسد نسكاه وإن كان بعد أفعال العمرة تبعًا.
قال: (وكذا الحج قبل التحلل الأول) أجمعوا على أن الجماع قبل الوقوف يفسد الحج، وأما بعده .. فخالف فيه أبو حنيفة.
لنا: أنه وطء صادف إحرامًا صحيحًا لم يحصل فيه التحلل الأول فأشبه ما قبل الوقوف.
واحتج أبو حنيفة بقوله: (الحج عرفة)، وحمله أصحابنا على أن المراد الأمن من الفوات.
وقوله: (قبل التحلل الأول) قيد في الحج؛ لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد.
واحترز عما إذا وقع الجماع بعده؛ فإن الحج لا يفسد به كما أفتى به ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يعرف له مخالف.
وقيل: يفسد كمذهب أبي حنيفة.
تنبيهان:
أحدهما: شرط كون الوطء مفسدًا: العقل والعمد والعلم بالتحريم، فلو جامع ناسيًا .. فالجديد الأظهر: لا إفساد ولا كفارة، وإن أكره .. لم يفسد على المذهب.
وَتَجِبُ بِهِ: بَدَنَةٌ،
ــ
والمراد هنا بالفساد: وجوب القضاء لا الخروج من العبادة كما سيأتي.
والأصح: أن جماع الصبي والعبد مفسد، وأن موجبه القضاء، وأنه يجزئ في حال الصبا والرق.
الثاني: شملت عبارته: ما إذا أحرم مجامعًا، وفيه أوجه:
أصحها: في زوائد (الروضة (: أنه لا ينعقد.
والثاني: ينعقد صحيحًا، ثم إن نزع .. استمر، وإلا .. فلا.
والثالث: ينعقد فاسدًا، فيمضي فيه ويقضي ولا يكفر وإن لم يستمر، ولو أحرم به في حال نزعه .. ففيه في (الكفاية) أوجه كذلك.
قال: (وتجب به بدنة) أي بالجماع المفسد؛ لأن عمر وابنه وابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهم أفتوا بذلك، ولا مخالف لهم فكان إجماعًا.
وقيل: في إفساد العمرة شاة؛ لانخفاض رتبتها عن الحج، وهو بعيد.
وقال أبو حنيفة: الواجب بإفساد الحج بالجماع شاة.
وخرج بالجماع المفسد مسألتان:
إحداهما: إذا جامع في الحج بين التحللين .. ففيه شاة؛ لأنه محظور لم يحصل به إفساد فكان كالاستمتاعات.
وقيل: تجب به بدنة؛ لأنه وطء صادف إحرامًا صحيحًا فكان كالواقع قبل التحلل.
وقيل: لا يجب به شيء بالكلية.
الثانية: إذا تكرر منه الجماع في العمرة أو الحج قبل التحلل الأول، وحاصل ما فيه خمسة أقوال:
أصحها: أنه كالوطء بين التحللين تلزمه به شاة.
والثاني: بدنة.
والثالث: كفارة واحدة كما لو جامع الصائم في يوم مرارًا أو زنى مرارًا.
وَاَلمُضِيُّ في فَاسِدِهِ، وَالقَضَاءُ، وَإنْ كانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا
ــ
والرابع: لا شيء عليه.
والخامس: إن كان كفر عن الأول .. فدى الثاني، وإلا .. فلا.
وعبارة المصنف تقتضي وجوب البدنة على المرأة المطاوعة؛ لأن حجها يفسد بذلك، والمشهور: أنها على الخلاف السابق في الصوم، فيكون الصحيح: عدم الوجوب.
والدم الواجب بالجماع الأصح: أنه دم ترتيب بتجب به بدنة، فإن لم يجد .. فبقرة، فإن لم يجد .. فسبع شياه، فإن عجز .. قوم البدنة دراهم بسعر مكة حال الوجوب، ثم الدراهم بطعام، فإن عجز .. صام عن كل مد يومًا.
قال: (والمضي في فاسده)؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وعلى هذا أجمع الصحابة.
وقال: ربيعة وداوود: يخرج من نسكه.
ومعنى (المضي في فاسده): أن يعمل الأعمال التي بقيت عليه، وإذا ارتكب محظورًا بعد الإفساد .. أثم ولزمته الكفارة، وحكمه في ذلك حكم الإجرام الصحيح، إلا في الجماع .. ففيه ما سبق.
أما ما سوى الحج والعمرة من العبادات .. فلا حرمة لها بعد الفساد، ويخرج منها بذلك إلا الصوم؛ فإنه يجب إمساك بقية اليوم في رمضان خاصة كما تقدم.
قال: (والقضاء، وإن كان نسكه تطوعًا)؛ لما تقدم من فتوى الصحابة بذلك، ويقع القضاء عن الذي أفسده، إن كان فرضًا .. وقع عنه، وإن كان تطوعًا .. وقع عنه، هذا في غير القضاء.
أما إذا أحرم بالقضاء فأفسده بالجماع .. فعليه كفارة وقضاء واحد، حتى لو أحرم بالقضاء مئة مرة وأفسد كل مرة منهن .. لزمه قضاء واحد، ويقع عن الأول، وتلزمه لكل مرة بدنة، ولا يتصور القضاء في سنة الإفساد، إلا إذا أحصر بعد أن أفسد وتعذر عليه المضي، فيتحلل، ثم يزول الحصر والوقت باق، فيحرم بالقضاء، ويجزئه في سنته.
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ عَلَى اَلْفَوْرِ
ــ
وإنما جعلوا المأتي به قضاء مع أنه يفعل في وقته وهو العمر؛ لأنه لما أحرم به تضيق عليه، كالصلاة إذا أحرم بها ثم أفسدها ثم أتى بها .. كانت قضاء كما تقدم.
وقال: (والأصح: أنه على الفور)؛ لقول الصحابة: إنه يقضي من قابل.
والثاني: أنه على التراخي كما كان الأداء.
وقوله: (على الفور) أحسن من قول غيره: من قابل؛ لأن عبارته تشمل العمرة وهي تمكن على الفور، وتشمل الحج أيضًا إذا أمكن في سنة الإفساد كما تقرر.
فروع:
يحرم على الرجل أيضًا الاستمناء، وتلزمه الفدية على الأصح.
وتحرم عليه المباشرة بشهوة كالقبلة ونحوها وإن كان لا يفسد بها النسك، وكما تحرم هذه الأمور على المحرم تحرم أيضًا على المرأة الحلال إن تمكن منها في الأصح؛ لأن فيه إعانة على المعصية، كذا قاله الرافعي في (باب الإيلاء).
وتحرم المباشرة على الحلال أيضًا حال إحرام المرأة.
وإذا باشر زوجته بشهوة ثم جامع .. دخلت شاة المباشرة في بدنة الجماع على الأصح.
ومكان الإحرام في القضاء مكان الأداء إن كان أبعد من الميقات الشرعي، ولا يلزمه في القضاء أن يسلك الطريق الذي سلكه في الأداء بلا خلاف.
وإذا خرجت الزوجة معه للقضاء .. لزم الزوج قدر نفقة الحضر بلا خلاف، وكذا ما زاد بسبب السفر على الأصح.
وإذا خرجنا للقضاء .. استحب أن يفترقا من حين الإحرام، فإذا وصلا إلى الموضع
الْخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُلِّ مَاكوُلٍ بَرِّيٍّ
ــ
الذي أصابا فيه الذنب .. ندبت المفارقة، ولا يجتمعا إلا وقت التحلل؛ لأن معاهد الوصال مألوفة، وفي القديم: يجب ذلك.
قال: (الخامس: اصطياد كل مأكول بري) طيرًا كان أو وحشًا؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وإن كان المذكور في الآية يحتمل اسم المفعول كما يحتمل المصدر، فالمصدر هو المقصود هنا، واستغنى المصنف بلفظ الاصطياد عن قيد التوحش.
وكما يحرم صيده يحرم تنفيره والإعانة عليه بدلالة أو إعارة آلة، ولا فرق بين المستأنس وغيره خلافًا لمالك، ومن المستأنس دجاج الحبش، وهو شبيه بالدراج وكذلك الإوز البري، كل منهما يحرم على المحرم قتله ويجب به الجزاء، ولا فرق في ذلك بين المملوك وغيره، خلافًا للمزني.
واحترز بـ (البري) عن (البحري)، وهو: الذي لا يعيش إلا في البحر، فصيده حلال بالنص والإجماع، فإن عاش في البر والبحر .. فهو كالبري؛ تغليبًا للتحريم؛ وسواء كان البحر في الحل أو الحرم كما نص عليه في (الأم) في موضعين.
وفي (البحر) عن الصميري: يحرم صيد بحر الحرم، وهو شاذ.
والجراد بري على المشهور، فيه الجزاء، وفي قول غريب: إنه بحري؛ لأنه بحري؛ لأنه يتولد من روث السمك.
وطير الماء من البري وإن لازم الماء.
فروع:
إذا حلب لبن صيد .. ضمنه بقيمته خلافًا للروياني.
وبيض الطائر المأكول حرام على المحرم، مضمون بقيمته، وقيمته معتبرة باجتهاد عدلين فقيهين.
وقال المزني: لا شيء فيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واستدل الأصحاب بقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} ، قال مجاهد: هي الفراخ والبيض.
وربما روى الدارقطني [2/ 247] والبيهقي [5/ 208] وابن عدي [1/ 224] بإسناد ضعيف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض النعام بقيمته).
ويتخير بين أن يتصدق بالدراهم، أو بقيمتها طعامًا، أو يصوم لكل مد يومًا.
فإن كان البيض مَذِرًا .. لم يضمن، إلا بيض النعام .. ففيه القيمة؛ لأن قشره ينتفع به، وفي معنى كسر البيض نقله من موضع إلى موضع فيفسد، لكن يستثنى من ذلك ما إذا باض في فراشه فنقله فلم يحضنه .. ففيه الخلاف فيما لو افترش الجراد في طريقه.
ويجب في شعر الصيد القيمة، بخلاف ورق الشجر.
ويحرم على المحرم أن يضع يده على الصيد بملك أو إعارة، ولا يملكه ببيع ولا هبة ولا غيرهما؛ لأن الصعب بن جثامة رضي الله عنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه .. قال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم (.
ويحرم عليه استيداعه.
وإذا أحرم وفي ملكه صيد .. زال ملكه عنه، فإذا زال الإحرام لا يعود، بخلاف من أمسك خمرًا غير محترمة حتى تخللت لا تلزمه إراقتها، والفرق بينهما فيه غموض.
قُلْتُ: وَكَذَاَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاَلله أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَاَلِ ....
ــ
ويحرم عليه أكل ما صيد لأجله، أو كان له أثر في ذبحه، لكن لا جزاء عليه بمجرد الأكل إذا ذبحه غيره.
وإذا ذبح المحرم صيدًا .. حرم عليه بالاتفاق، وكذا على غيره على الأصح، ولو كسر بيض صيد .. حرم عليه وكذا على غيره أكله على المشهور، ولو كسره مجوسي .. حل.
ولو مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد .. ملكه على المذهب ملكًا يتصرف فيه كيف شاء إلا بالقتل والإتلاف.
قال: (قلت: وكذا المتولد منه ومن غيره والله أعلم)؛ تغليبًا لجانب الحرمة.
وإنما لم نوجب الزكاة في المتولد بين الزكوي وغيره؛ لأنها من باب المواساة.
وشذ ابن القاص فقال: لا جزاء في المتولد كما لا زكاة فيه.
والضمير في قوله: (منه) عائد على الذي اجتمعت فيه الشروط السابقة، وهو المتوحش المأكول البري، قال في (الدقائق (: ويدخل فيه شيئان:
أحدهما: المتولد من مأكول وغيره.
والثاني: المتولد من شاة وضبع أو ظبي؛ فإنه متولد من صيد وغير صيد وهو حرام بلا خلاف، وقل من نبه عليه.
قال: (ويحرم ذلك في الحرم على الحلال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولا يعضد شوكه ولا ينفر صيده (.
وإذا حرم تنفير صيده .. فاصطياده أولى، وأجمعوا على تحريم ذلك إلا داوود فإنه أباح صيده.
فَإِنْ أَتْلَفَ صَيْدًا .. ضَمِنَهُ؛
ــ
والمراد: أن يكون الصائد أو المصيد فيه، فلو وقف في الحل ورمى صيدًا في الحرم أو عكسه .. حرم، بل لو رمى من الحل إلى صيد في الحل فاعترض السهم في الحرم .. حرم في الأصح، بخلاف إرسال الكلب كذلك.
ولو رمى من الحل إلى الحرم أو بالعكس إلى صيد قائم، بعضُ قوائمه في الحل وبعضها في الحرم .. وجب الجزاء، والنائم العبرة بمستقره، ولا يتكرر الجزاء باتحاد المنقول إذا قتله محرم، كما لو قتل القارن صيدًا .. لا يلزمه إلا جزاء واحد.
فرع:
أدخل حلال صيده المملوك إلى الحرم .. جاز له إمساكه وذبحه والتصرف فيه كيف شاء، وجاز لأهل الحرم شراؤه وأكله، ويدل له حديث:(أبا عمير ما فعل النغير؟) بعد تقرير أن صيد المدينة حرام، وخالف في ذلك أبو حنيفة.
قال: (فإن أتلف) أي: المحرم أو الحلال في الحرم (صيدًا .. ضمنه)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية.
وجهات الضمان ثلاث:
إحداها: المباشرة، ولا فرق فيها بين العالم والجاهل والذاكر والناسي والمتعمد والمخطئ إلا في الإثم، وفي المجنون قولان: أظهرهما في زوائد (الروضة (: أنه لا يجب عليه، وهو مشكل؛ لأن الضمان لا فرق فيه بين العاقل وغيره، لا جرم قال في (شرح المهذب (: الأقيس خلافه.
وانفرد مجاهد من بين العلماء بقوله: إن غير المتعمد لا جزاء عليه؛ لمفهوم الآية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجهة الجمهور: ما روى مالك [1/ 414] والحاكم [3/ 310] والبيهقى [5/ 181] عن قبيصة بن جابر: (أنه أتى عمر يسأله عن ظبى قتله خطأ قال: فالتفت عمر إلى عبد الرحمن بن عوف ـ وكان إلى جانبه ـ فقال: ترى شاه تكيفه؟ قال: نعم، فأمره عمر بذلك، فلما انصرف .. قال قبيصة: إن أمير المؤمنين لا يحسن أن يفتى حتى يسأل، فسمع عمر بعض كلامه، فدعاه وقال: أما قرأت كتاب الله؟ قال: لا، قال إن الله تعالى يقول: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} ثم قال عمر: إن فى الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة وواحدة سيئة، فيفسد الخلق الساء التسعة الصالحة، فإياك وعثرات اللسان).
ويستثنى من ذلك: ما لو صال عليه الصيد فقتله دفعًا، وما إذا عم الجراد الطريق ولم يجد بدًا من وطئه ففعل .. فلا ضمان فى الأظهر.
الجهة الثانية: السبب كنصب الشبكة وإرسال الكلب وتنفير الصيد فيموت، أو يأخدة سبع، أو يصدمه حجر او شجرة ونحو ذلك.
الجهة الثالثة: اليد، فلو اشتراه أو استعاره أو اودع عنده .. أثم بذلك، ويضمنه ضمان المغصوب.
وعبارة المصنف شاملة للجهتين الأولتين لا الثالثة؛ لأن الحاصل فيها لا إتلاف.
فروع:
الاول: إذا دخل كافر الحرم واتلف صيدًا .. ضمنه.
وقيل: لا؛ لأنه لم يلتزم حرمته، وعلى الأول: يكون كالمسلم فى كيفية الضمان إلا فى الصوم.
الثانى: فى (فتاوى البغوى): لو رمى المحرم سهمًا إلى صيد ثم حل ثم أصابه السهم .. ضمنه، وكذا لو رمى حلال إلى صيد ثم أحرم ثم أصابة السهم؛ لأنه فى أحد الطرفين محرم.
فَفِي النَعامَة: بَدَنهُ بُدُنهُ بِدنَهُ، وَفِي بَقَر الوَحْش وَحَمّارهُ: بِقُرَّة، وَالغَزال: عَنْز، وَالأَرْنَب: عِناق، وَاليَرْبُوع: جُفْرَة،
ــ
الثالث: إذا حفر بئرًا فى ملكه فى الحرم فتلف بها صيد .. ضمنه، وهذا يشكل على ما سياتى فى الجنايات: أنه اذا تلف بها إنسان .. لا يضمنه، وفى الفرق بينها عسر.
الرابع: إذا قتل المحرم صيدًا .. وجب عليه الكفارة التعزيز، كمن قتل ابنه او عبده، وسيأتى هذا فى (باب التعزيز).
الخامس: إذا استعار صيدًا وهو حلال ثم اتلفه وهو محرم .. لزمه القيمة لمالكه والمثل لله تعالى، وقد اشار إلى ذلك ابن الوردى بقوله [من الرجز]:
عندى سؤال حسن مستطرف .... فرع على أصليين قد تفرعأ
متلف شاء برضا مالكه
…
ويضمن القيمة والمثل معا
قال: (ففى النعامة: بدنه، وفى بقر الوحش وحماره: بقرة، والغزال: عنز، والأرنب: عناق، واليربوع: جفرة)؛ لأن جماعة من الصحابة قضوا بذلك كله.
وفى) سنن ابى داوود) [3795] بإسناد صحيح: (فى الضبع كبش)
وحكم عثمان رضى الله عنه فى أم حبين بحلان، وعطاء ومجاهد فى الوبر بشاة، ابن عباس رضى الله عنهما فى الإبل ببقرة، وتبعهم الشافعى رضى الله عنه والجمهور، لأنهم كالنجوم يقتدى بهم فى سائر الدهور، فما حكم به واحد او جماعة من الصحابة لا يدخله اجتهاد.
ولو عدل فى النعامة إلى بقرة أو سبع من الغنم .. لم يجز على الصحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه:
المصنف تبع المحرر والتنبيه فى قوله: (وفى الغزال عنز) وكذلك قال فى المناسك والصواب ـ كما زوائد الروضة وشرح المهذب ـ: أن الغزال اسم للصغير من ولد الظبى ذكرًا كان أو انثى إلى أن يطلع قرناه، ثم الذكر ظبى والأنثى ظبية، ففى الغزال ما فى الصغار، فإن كان ذكرًا .. فجدى، وإن كان أنثى .. فعناق، فالاعتراض من وجهين:
أحدهما: أن العنز كبيرة والغزال صغير
والثانى: أنها أنثى والغزال يشمل الذكر والأنثى.
فائدة:
(النعامة) بفتح النون معروفة.
(البدنة) حيث أطلقت فى كتب الفقه والحديث المراد بها: البعير ذكرًا أو انثى، وشرطها سن يجزاء فى الأضحية.
وقال كثير من ائمة اللغة أو أكثرهم: تطلق على البعير والبقرة.
وقال الأزهرى: تكون من الإبل والبقر والغنم.
والعنز: الإنثى من المعز التى تمت لها سنة.
والارنب واحد الارانب، يقع على الذكر والأنثى.
والعناق بفتح العين: الأنثى من اولاد المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة، والجمع: عنق.
واليربوع: حيوان معروف أكبر من الفأر الكبير.
وَما لا تَقُل فِيهِ: يُحْكِم بِمِثْلهُ عدلان،
ــ
والجعفرة: ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها، والذكر جفر؛ لأنه جفر جنباه، أى: عظما.
قال (وما لا تقل فيه: يحكم بمثله عدلان)؛ لقوله تعالى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فيتبع ما حكما به، والعبرة فى المماثلة بالخلفة والصورة تقريبًا لا بالقيمة، فيلزم فى الكبير كبير، وفى الصغير صغير، وفى الذكر ذكر، وفى الانثى انثى، وفى الصحيح صحيح، وفى المعيب معيب، وفى السمين سمين، وفى الهزيل هزيل.
ويجوز الانتقال من الادنى الى الاعلى، وكذا فداء الذكر بالانثى على الصحيح، وفى عكسه وجهان: اصحها فى زوائد (الروضة): جوازه، وفى (الحاوى الصغير): المنع.
قال الرافعى: وليكن فقهين كيسين.
فأما الكياسةـ وهى الفطنة كما قاله فى الروضة ـ فلا شك فى وجوبها.
وأما الفقه .. فقال الشيخ: الأصح: انه مستحب لا واجب.
وينبغى أن يكون المراد: الفقه الذى يصير به أهلا للحكم، أما المعرفة التى لابد منها فى الشبه. فلابد منها.
واحتزر المصنف بقوله (وما لا تقل فيه) عن حيوان نص الشارع فيه غلى المماثلة أو التقويم، او حكم فيه بذلك عدلان من الصحابة أو التابعين أو غيرهم؛ فإنه يجب الرجوع إلى ذلك النص والحكم فى كل عصر.
وفى (الكفاية) عن الأصحاب: أنه إذا حكم به واحد من الصحابة وسكت الباقون .. كفى أيضًا، وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد احد الحكمين أو يكون قاتلاه الحكمين؟ ينظر إن كان القتل عدوانًا .. لم يجز؛ لأنه يفسق بذلك، كذا جزم به الرافعى، ومقتضاه انه إذا تاب يجوز.
وإذا حكم عدلان بمثل من النعم واخران بمثل اخر .. فهل يتخير او يأخذ بأغلظهما أو اعلمهما؟ فيه الخلاف فى المفتيين إذا اختلفا فى الجواب، والاصح فيهما: التخيير.
وَفِيما لا مَثَل لَهُ: القَيِّمَة
ــ
قال: (وفيما لا مثل له: القيمة)؛ لأن الصحابة حكموا فى الجراد بها ولامثل له.
والمعتبر فى هذه القيمة موضع الإتلاف، ويرجع فيها إلى عدلين كما صرح به المأوردى والرويانى وصاحب (التنبيه)
وأورد على إطلاق المصنف وجوب القيمة فيما لا مثل له: الحمام، وسيأتى فى (اللقطة): أنه كل ما عب وهدر كالفواخت واليمام وغيرها؛ فإن الواجب فيها شاة، لقضاء الصحابة بذلك، وهى ليست قيمة.
فإن قيل: وقع فى الشرح والروضة: أن فى قتل الوطواط القيمة، مع تقريرها أن ما لايحل أكله لا يحرم على المحرم التعرض له، ولا يجب الجزاء بقتله إلا المتولد بين المأكول وغيره تغليبًا للحرمة، والوطواط لا يحل أكله بالانفاق .. فالجواب: أن الشافعى رضى الله عنه قال: إن الوطواط إن كان مأكولًا .. ففيه القيمة.
ومن عطاء أنه قال: فيه ثلاثة دراهم.
فالشافعى رضى الله عنه علق وجوب الجزاء على القول بالحل، فكلام الشيخين محمول على الفول بحله كما هو المنصوص.
فروع:
اشترك محرم وحلال فى قتل صيد .. لزم المحرم نصف الجزاء، ولا شاء على الحلال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو اشترك محرم ومحلون أو محل ومحرمون .. وجب على المحرم من الجزاء قسطه على عدد الرؤوس.
وقال المتولى: على المحرم جزاء واحد.
ولو جرح الحلال صيدًا فى الحل ثم دخل الصيد الحرم فجرحه فيه فمات منهما .. لزمه نصف الجزاء.
زلو اشترك محرمون فى قتل صيد حرمى أو محلون .. لزمهم جزاء واحد؛ لان الله تعالى أوجب مثل المقتول، ومثل الواحد واحد وإن قتله عشرة.
وقد سئل عمر رضى الله عنه عن جماعة قتلوا ضبعًا فقال: (عليهم جزاء واحد) ولا يعرف له مخالف.
وقال مالك وأبو حنيفة: على كل واحد جزاء.
فإن قيل: حجة فيها قتل صيد وعمرة ليس فيها قتل صيد أيهما أفضل؟ فالجواب فى ذلك وجهان: اصحهما: الحج، قاله الويانى.
قاعدة:
الذى لا يؤكل من الدواب والطيور منه ما يستجب قتله كالحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والخنزيز والغراب والحدأة والذنب والاسد والنمر والدب والنسر والبرغوت والزنبور والبق والقراد، ومنه مايكره قتله كالخنافس والجعلان والسرطان والرخمة والدود والذباب وبنات وردان.
وعد القاضى أبو الطيب من هذا القسم الوزغة، وينبغى أن تعد مما ندب قتله ففى الحديث:(أنه صلى الله عليه وسلم امر بقتلها)
وَيَحْرِم قَطَّعَ نُبات الحُرَم أَلْذَى لا يَسْتَنْبِت،
ــ
وصح: (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد) فلا يجوز قتلها.
والمراد: النمل الكبير السليمانى، أما الصغير فيجوز قتله، بل يستحب.
وأما الكلب غير العقور، فإن كانت فيه منفعه مباحة .. فقتله حرام بلا خلاف،
وإن لم تكن فيه منفعه مباحة .. فوقع فيه منفعة مباحة .. فقتله حرام بلا خلاف، وإن لم تكن فيه منفعة مباحة .. فوقع فيه اختلاف تصحيح، والمنصوص: جواز قتله كما تقدم فى (باب التيمم).
قال: (ويحرم قطع نبات الحرم الذى لا يستنبت) شجرًا كان أو غير شجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح:) لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه)
و (العضد): القطع.
وإذا حرم القطع .. حرم القلع من باب أولى؛ فلذلك عبر المصنف به.
وأفاد حرم القطع .. حرام القلع من باب اولى؛ فلذلك عبر المصنف به
وافاد بذكر النبات جواز قطع اليابس؛ لانه ليس نابتًا فى الحرم بل مغروز فيه.
وأما قلعه، فإن كان شجرًا .. جاز، إن كان حشيشًا
لم يجز؛ لأنه ينبت بنزول الماء عليه.
ونبات الحرم: ما ينبت فيه، أو كان أصله فيه، فلو مال غصن شجرة حرمية الى الحل .. لم يجز بخلاف العكس، ولو كان على الغصن طائر .. انعكس الحكم.
ويستثنى من ذلك: ما إذا انتشرت الشجرة الحرمية ومنعت الناس الطريق أو اذنهم؛ فإنه يجوز قطع المؤذى منها.
وَالأَظْهُر: تَعَلُّق الضَمان بِهِ وَبِقِطَع أَشْجارهُ،
ــ
ويجوز أخذ أوراق الاشجار: لكن لا يخطبها مخافة ان يصيب قشورها، وكذا يجوز اخذ الغصان الصغار للسواك ونحوه.
وقال ابن الصلاح: لا يحل اخذ شاء من ادراك الحرم للاستياك؛ إلحاقًا له بالعضاه.
وقوله: (يستنبت) هو بضم أوله، اى: الذى ليس من شأنهان يستنبته الناس كالطرفاء ونحوها من الشجر والشيح ونحوه من الزرع، فأفهم به أن ما يستنبته الناس بل يحرم قطعه ولا قلعه مطلقًا كالحنطة والشعير والقطائى والخضراوات، وهذه لا خلاف فى جواز أخدها.
وأما الشجر كالنخل ونحوه .. ففيه قولان:
اصحهما: الجواز أيضًا.
والثانى: المنع، ونقله الرافعى عن الاكثرين، وصححه المصنف فى زياداته كما سياتى لعموم الحديث.
ويجوز تسريح البهائم فى الكلا ترعى؛ لأن ابن عباس رضى الله عنهما
ويجوز تسريح البهائم فى الكلا ترعى لان ابن عباس رضى الله عنهما نزل منى وارسل أتاته ترتع فيه.
قال: (ةالأظهر: تعلق الضمان به) لانه ممتنع من إتلافه لحرمه الحرم، فكان مضمونا كالصيد.
والقديم: لا؛ لان الاحرام لا يوجب ضمان الشجر فكذلك الحرم.
ثم انما يتعلق الضمان به لم يخلف، فإن أخلف .. فلا ضمان على الصحيح إن عاد كمان إلا .. ضمن نقصه قطعًا.
قال: (وبقطع أشجاره) وهذا لا حاجة إليه بعد ذكر النبات لانه داخل فيه كما تقرر لكنه تبع (المحرر) فى ذلك.
فَفِي الشَجِرَة الكَبِيرَة: بِقُرَّة، وَالصَغِيرَة: شاَة. قَلَت: وَالمُسْتَنْبَت كَغَيْرهُ عَلِيّ المُذَهَّب،
ــ
قال: (ففى الشجرة الكبيرة: بقرة، و) فى (الصغيرة: شاة)؛ لان ابن الزبير وابن عباس رضى الله عنهم أفتيا بذلك، ولا مخالف لهما.
قال الإمام: ولا شك أن البدنه فى معنى البقرة، وبه اجاب الماوردى.
قال المتولى: تضمن الكبيرة ببقرة، وما دونها بشأة، والصغيرة بالقيمة.
قال الشيخ: فيه نظر؛ لانهم فى جزاء الصيد لم يسمحوا بالبدنه عن البقرة ولا عن الشاه.
وقال الامام وأقرب قول فى ضبط المضمونة بالشاه: ان تقع من سبع الكبيرة فإن صغرت جدًا .. فالواجب القيمة.
ولم يتعرض الرافعى ولا المصنف ولا الرافعة لسن البقرة هنا ولكن ابن درياس قال فى شرح) المهذب) المسمى ب (الاستقصاء) يكفى ان يكون لها سنة، وسكت المصنف عما يضمن به عن الشجر من النبات، وهو مضمون بالقيمة.
فرع:
نقل شجرة حرمية إلى الحل .. فعليه ردها، وإن نقلها فيبست .. فعليه الجزاء، سواء نقلها إلى الحل او الحرم، فإن نبتت فى الموضع المنقول إليه .. فلا جزاء عليه، فلو قلعها قالع .. لزمه الجزاء؛ إبقاء لحرمه الحرم كذا حكاء الشيخان، ولم يصرحا بمن يعود عليه الضمير فى الوجوب وصرح الجرجانى بان الضمان على الاول، وفى الكافى نحوه، ولكن صرح فى البحر بانه على القالع دون الناقل، وهو الذى يظهر من فحوى كلام الشيخين وهو الصواب.
قال: (قلت: والمستنبت كغيرة على المذهب)؛ لعموم الخبر السابق.
وَيَجِلّ الإذخر، وَكَذا الشَوِك كَالعَوْسَج وَغَيَّرَهُ عَنِدَ الجُمْهُور، وَالأَصَحّ: حَلّ أَخَذَ نَباتهُ لَعَلَف البَهائِم
ــ
والثانى: لا؛ تشبيهًا له بالحيوان الانسى وبالزرع.
والطريق الثانى: القطع بالاول.
وكان ينبغى للمصنف أن يقول: المستنبت من الشجر؛ لان المستنبت من غير الشجر كالحنطة والشعير والخضروات يجوز قلعه بلا خلاف كما تقدم.
قال: (ويحل الإذخر) قلعًا وقطعًا بلا خوف؛ لحديث العباس رضى الله عنه السابق.
و (الإدخر) بكسر الهمزة وبالذال المعجمة: حلفاء مكة، الواحدة، إذخرة.
قال: (وكذا الشوك كالعوسج وغيره عند الجمهور) قياسا على الفواسق الخمس بجامع الأذى.
وقيل: يحرم، وصححه المتولى، والمصنف فى شرح مسلم، واختاره فى التحرير والتصحيح؛ لما فى الصحيحين
عباس رضى الله عنهما: ولا يعضد شوكها ولأن غالب شجر الحجاز ذو شوك.
قال: والفرق بينه وبين الصيود المؤذيه: أنها تقصد الاذى، بخلاف الشجر، ولأجل اختياره للمنع عبر بقوله:(عند الجمهور) ولم يعبر بالاصح ونحوه؛ لانه يعتقد خلافه ولا بتصحيح المنع لكونه خلاف المشهور
والعوسج: ضرب من الشوك الواحدة عوسجة.
قال (والاصح: حل اخذ نباته لعلف البهائم) كما يجوز تسريحها فيه.
والثانى: المنع؛ لعموم) ولا يختلى خلاها)، وصححه صاحب (البيان) وهو قوى.
والثالث: يجوز أخذ اليسير منه، حكاه صاحب الفروع فان جوزنا فاراد ان ياخذة للبيع ممن يعلف .. بم يجز كما قاله فى شرح المهذب.
وَلِلدَواء، وَاللّاه أُعْلَم
ــ
و (العلف) هنا بسكون اللام؛ لان المراد المصدر.
وحكاية الوجهين فى جوازها القطع مشكل، والصواب: أنهما فى وجوب الجممزاء، وان القطع للحاجة جائز قطعًا.
قال: (وللدواء والله اعلم)؛ لان الاحتياج إليه اعم من الحاجة الى الاذخر.
والثانى: المنع؛ إذ ليس فى الخبز إلا قطعة للدواء، إلا استثناء الإذخر، كذا قاله الغزالى، ومقتضاه رجحان الجواز، وتبعه صاحب الحاوى الصغير فجوز القطع للحاجة مطلقا ولم يخصه بالدواء وهل يتوقف الاخذ للدواء ونحوه مما تقدم على وجود السبب أو يجوز قطعه وتحصيله عنده ليستعمله عند وجود سببه؟ فيه نظر.
فرع:
يحرم إخراج تراب الحرم وأحجاره إلى الحل، ولا فرق فى ذلك بين حرم مكة والمدينة، لكن إذا نقل تراب أحدهما الى الاخر هل يزول التحريم او يفرق بين نقله الى الاشؤف؟ فيه نظر، وتقدم انه لا يكره
ولا يكره نقل ماء زمزم؛ لانه يستخلف وكانت عائشة رضى الله عنها تنقله، وبهذا خالف تراب الحرم وحجارته فإن اخرج شيئًا منها .. لزمه رده، فإن اراد التبرك .. فليأت بطيب من عنده فيمسحه بها ثم يأخذه.
فائدة:
حدود الحرم معروفة، وهى بالاميال كما قال الاول:
وللحرم التحديد من أرض طيبة
…
ثلاثة اميال إذا رمت إتقانة
وسبعة أميال عراق وطائف
…
وجدة عشر ثم تسع جعرانه
وَصَيْد المَدِينَة حَرام،
ــ
وزدت فيها (من الطويل):
ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى
…
فلم يعد سيل الحل إذ جاء بنيانة
أشرت بذلك إلى أن الذى نصب أعلام الحرم أيام معاوية رضى الله عنه كرز بن علقمة بن هلال الخزاعى رضى الله عنه، كرز بن علقمة بن هلال الخزاعى رضى الله عنه، أسلم يوم الفتح، وهو الذى قص أثر النبى صلى الله عليه وسلم ليله الغار، وقال لما نظر إلى قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا القدم من القدم التى فى مقام ابراهيم.
وأشرت بقولى: (ولم يعد سيل الحل) إلى قول ابن الحجب وغيره: وعلامة الحرم أن سيل الحل إذا أتى .. وقف دونه.
قال: (وصيد المدينة حرام) لما روى الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم ان النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإنى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة)
وحد حرمها عرضًا ما بين حرتيها السود، وطولًا ما بين عير وثور، وهو جبل صغير من وراء احد يعرفه أهلها.
وفى معجم الطيرانى الكبير من حديث عبد الله بن سلام:) المدينة حرام ما بين عير إلى أحد)
وفى قول ضعيف بل باطل: إن صيدها مكروه، وهو منابذ للاحاديث الصحيحة.
وكان ينبغى أن يقول: وصيد حرم المدينة حرام؛ لان التحريم لا يختص بها بل يعم حرمها.
وسكوته عن شجرة ليس بجيد؛ فهو أيضًا حرام، وكذلك الكلأ على الصواب.
وَلا يَضْمَننَ فِي الجَدِيد
ــ
قال: (ولا يضمن فى الجديد) أى: صيده ونباته؛ لنه مكان يجوز دخوله بغير إحرام فلا يضمن كصيد وج الاتى.
والقديم: أن القاتل لصيدها والقاطع لشجرها يسلب لما روى مسلم عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه: انه راى عبدًا يقطع شجرًا او يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد .. جاءه أهل العبد فكلموه ان يرد عليهم ما اخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله ان اراد شيئًا نقلنبه رسول الله عليه وسلم، وأيى ان يرد عليهم.
وروى أبو داوود مثله فى الصيد، فلذلك اختاره المصنف والشيخ؛ لانه ليس عن الحديث جواب صحيح.
وعلى هذا فالمراد بالسالب طريقان:
أصحهما: أنه كسلب القتيل من الكفار، لكن يترك له إزارًا يستر به عورته.
والثانى: يسلبه ثيابه فقط.
والأصح: أنه للسالب.
وقيل: لمساكين المدينة.
والثالث: يوضع فى بيت المال، لكن يستثنى المحتطب بثياب مغصوبة؛ فإنه لا يسلبها بلا خلاف.
وظاهر إطلاق الأثمة: أن الاسلاب لا يتوقف على إتلافه، بل بمجرد الاصطياد يسلب، وتوقف الامام فيما ارسل الكلب ولم يتلف، ولافرق فى المذكور بين صيد وصيد ولا شجر وشجر، وكأن فى معنى العقوبة للمتعاطى.
فرع:
الأصح: القطع بتحريم صيد وج الطائف وقطع شجره وخلافه؛ لما روى البيهقى عن الزبير بن العوام رضى الله عنه: ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن صيد وج وعضاهه ـ يعنى شجره ـ حرام محرم) وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره.
وَيَتَخَيَّر ِفي الصَيْد المِثْلِيّ بَينَ ذبح مَثُلَهُ وَالصُدْفَة بِهِ عَلَى مَساكِين الحُرَم، وَبَيْنَ أَن يَقُوم المَثَل دَرّاهُم وَيَشْتَرِي بِها طَعامًا لَهُم، أَو يَصُوم عَن كُلّ مَدّ يَوْمًا
ــ
ثقيفًا، لكن إسناده ضعيف.
و (وج) بواو مفتوحه وجيم مشددة: واد بقرب الطائف، سمى بوج عبد الحي من العمالقة.
والأصح: القطع فيه بالإثم، وعدم الضمان؛ لأنه لم يرد فيه ما يقتضيه.
والثاني: أنه كصيد المدينة وشجرها وخلاتها.
وأما (النقيع) بالنون .... فهو: الحمي الذي حماه النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بحرم، ولا يحرم صيده، ولكن لا تملك أشجاره ولا حشيشه.
وفي ضمانها على متلفها وجهان: أصحهما: نعم.
وعلى هذا: قال الرافعي: فيها القيمة، ومصرفها مصرف نعم الجزية والصدقة.
وقال المصنف: ينبغي أن يكون مصرفه مصرف بيت المال.
قال: (ويتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم، وبين أن يقوم المثل دراهم ويشتري بها طعاما لهم، أو يصوم عن كل مد يومًا)؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} .
وهذه الكفارة مخيرة معدلة، أما التخير .... فظاهر، وأما التعديل ..... فلقوله تعالى:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} .
وعن القديم: أنها مرتبه، فيخرج المثل ثم الإطعام ثم الصيام.
وعلم من كلام المصنف أنه لا يجوز إخراجه حيًا، ولا أكل شئ منه، ولا تقويم الصيد كما قاله مالك، ولا إخراج الدراهم كما قاله أبو حنيفة.
وقوله: (مساكين الحرم) فيه تنبيه على أن الفقراء من باب أولى.
وَغَيْر المِثْلِيّ يَتَصَدَّق بِقَيِّمتهُ طَعامًا أَو يَصُوم. وَيَتَخَيَّر ِفي فِدْيَة الخَلْق بَيَّننَ ذَبَّحَ شاَة، والتصدق بِثَلاثَة آصع لَسِتَّة مَساكِين، وَصَوْم ثَلاثَة أَيّام
ــ
والتقويم لا يختص بالدراهم، بل بالنقد الغالب، والمعتبر: قيمة المثل بمكة يوم الإخراج.
وقوله: (ويشتري بها طعامًا) لا يتعين الشراء، بل لو أخرج مما عنده ذلك المقدار .... جاز، والمراد: الطعام المجزئ في الفطرة.
وقوله: (لهم) أي: لأجلهم، لا أن الشراء يقع لهم.
وقوله: (أو يصوم) إشارة إلى أنه مخير بين شيئين أولًا: الذبح والتقويم، ثم إذا قوم .... تخير بين شراء الطعام للصدقة وبين صوم يوم لكل مد، وإذا صام فانكسر مد ..... صام عنه يوما كاملًا.
وفدية القلم كفدية الحلق فيما ذكروه، فلو قال: أهدي عن ثلاثة وأطعم عن ثلاثة وأصوم عن ثلاثة .... لم يجز علي الصحيح.
قال: (وغير المثلي يتصدق بقيمته طعامًا أو يصوم)؛ قياسًا على المثلي؛ فإنه مخير فيه بين الخصلتين، والعبرة في هذة القيمة بموضع الإتلاف ووقته على الأصح قياسًا على كل متلف.
وأما المثلى ..... فالأصح فيه إذا قوم: اعتبار قيمته بمكة يوم الإخراج؛ لأنها محل الذبح، فإذا عدل عنه إلي القيمة .... اعتبرنا مكانه في ذلك الوقت، وسواء فيما قلناه صيد الحرم وصيد الحل بالنسبة إلى المحرم.
قال: (ويتخير في فدية الحلق بين ذبح شاة، والتصدق بثلاثة لستة مساكين، وصوم ثلاثة أيام)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
وَالأَصَحّ: أَن الدَمّ في تَرَكَ المَامُورات - كَالإِحْرام مَن الميقات - دَمّ تَرْتِيب، فَإِذًا عَجَّزَ
أَشْتَرِي بِقَيِّمَة الشاَة طَعامًا وَتَصْدُق بِهِ، فَإِنَّ عَجَّزَ .... صامَ لَكُلّ مَدّ يَوْمًا
ــ
التقدير: فحلق شعر رأسه ففدية، ثم إن الآية مجملة بينها حديث كعب بن عحرة رضي الله عنه المتقدم، ولفظه في (الصحيحين) (خ 4190 - م 1201) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(أيؤذيك هوام رأسك) قال: نعم، قال:(انسك شاة، أو صوم ثلاثة أيام،، أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين).
و (الفرق) بفاء وراء مهملة مفتوحتين: ثلاثة آصع.
والقلم كالحلق في جميع ذلك، وكذلك الدم الواجب في الاستمتاعات كالطيب والدهن واللبس والمباشرة فيما دون الفرج، وفي الجماع بين التحللين على الأصح.
والمراد ب (الشاة): ما يجزئ في الأضحية، وكذا حيث وجبت هى أو البدنة إلا في جزاء الصيد، ويجزئ عن الشاة سبع بدنة أو سبع بقرة.
وقوله: (آصع) جمع صاع، وهو ثابت في اللغة، خلافًا لابن بري.
وقوله: (لستة مساكين) أي: لكل مسكين نصف صاع.
وقيل: لا يتقدر ما يدفع لكل واحد.
قال: (والأصح: أن الدم في ترك المأمورات - كالإحرام من الميقات - دم ترتيب، فإذا عجز .... اشتري بقيمة الشاة طعامًا وتصدق به، فإن عجز ..... صام لكل مد يومًا) هذا النوع يسمي: دم ترتيب وتقدير، وفي معناه: دم الرمي، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، ويمنى ليالي التشريق، والدفع من عرفة قبل الغروب، وطواف الوداع، وفي هذا الدم أربعة أوجه:
أصحها: أنه دم ترتيب وتقدير كدم التمتع، فيكون الواجب الدم، فإن عجز عن
وَدَمّ الفَوات كَدَمَ التَمَتُّع، وَيُذَبِّحهُ في حُجَّة القَضاء في الأَصَحّ. وَالدَمّ الواجِب بِفِعْل حَرام أَو تَرَكَ لا يَخْتَصّ بِزَمان،
ــ
الدم .... صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، كذا صححه في (الروضة) و (شرح المهذب) و (المناسك) وفاقًا للرافعي في (الشرحين) و (التذنيب)، وهو المعروف.
والثاني: أنه دم ترتيب وتعديل، وهو الذي صححه في الكتاب تبعا ل (المحرر)، وسبقهما إلى تصحيحه ابن كج والإمام الغزالي، ومع ذلك هو خلاف المشهور.
والثالث: دم تقدير وترتيب.
والرابع: دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد.
قال المصنف: وهذان الوجهان شاذان ضعيفان.
قال: (ودم الفوات كدم التمتع) أي: في الترتيب والتقدير وسائر الأحكام السابقة؛ لما روى مالك (1/ 383) بإسناد صحيح أن هبار بن الأسود فاته، فأمره عمر رضي الله عنه بعمل عمرة ثم قال:(إذا كان عام قابل .... فحجوا وأهدوا، فمن لم يجد ..... فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) ولأنهما اشتركا في التفويت.
وفي قول: إنه كدم الجماع؛ لاشتراكهما في التفريط المحوج إلى القضاء، إلا أن ذلك بدنة وهذا شاة.
قال: (ويذبحه في حجة القضاء في الأصح)؛ لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك.
والثاني - وهو اختيار صاحب (التنبييه) - أنه يجوز ذبحه في سنة الفوات قياسًا على دم الإفساد، والخلاف قولان لا وجهان.
قال: (والدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب لا يختص بزمان) بل يفعل في يوم النحر وفي غيره بالاتفاق، لكن المستحب أن يكون في يوم النحر أو أيام االتشريق هكذا أطلقوه.
وَيَخْتَصّ ذَبْحهُ بِالحَرَم فِي الأَظْهَر، وَيَجُب صَرْف لَحِمهُ إِلَى مَساكِينهُ. وَأَفْضَل بُقْعَة لَذَبْح المعتمر المُرُوَّة، وَلِحاجّ مَنَى،
ــ
وينبغى لمن يقول: إن الكفارات الواجبة بمعصية – ومنهم المصنف – على الفور أن يقول بذلك هنا إذا كان سببه عدوانًا، ويوجب إخراجه على الفور وإن كان لو أخره ثم فعله أجزأ وإن عصر بتأخيره.
قال: (ويختص ذبحه بالحرم فى الأظهر)؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ، وروى مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(نحرت هاهنا ومنى كلها منحر) وسواء في هذا دم التمتع والقرآن وسائر ما يجب بسبب في الحل أو الحرم، أو بسبب مباح أو محرم.
والثانى: يجوز أن يذبح خارج الحرم؛ لأن المقصود اللحم، فإذا فرق على مساكينه .. حصل الغرض ما لم يتغير.
ويستحب أن يذبح بنفسه أو يحضره، ويكره أن يذبحه ليلًا، ولا يجوز أن يعطي الجزار منه شيئًا إلا إذا كان فقيرًا .. فيعطيه زائدًا على الأجرة، وأما الأجرة .. فعلى المهدي.
قال: (ويجب صرف لحمه إلى مساكينه)؛ لأن الغرض من الذبح إعطاء اللحم، لأ نفس الذبح مجرد تلويث الحرم وهو مكروه، ويؤجذ من كلام المصنف أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئًا.
فلو ذبحه فى الحرم فسرق منه .. سقط الذبح وبقى التصدق باللحم، فإما أن يذبح ثانيًا، وإما أن يشترى اللحم، وسواء في المساكين الغرباء والقاطنون.
ويجب صرف جلده وسائر أجزائه ليهم أيضًا، فلو قال: ويجب صرفه إليهم .. كان أخصر وأعم، وتجب النية عند التفرقة كسائر العبادات.
وقال فى (البحر): أقل ما يجزئ أن يدفع الواجب إلى ثلاثة.
وقال ابن الرفعة: ينبغى أن يجب تعميمهم عند الانحصار.
قال: (وأفضل بقعة لذبح المعتمر المروة، وللحاج منىَ)؛ لأنهما محل تحللهما، والأفضل أن يكون قبل الحلق.
وَكَذا حَكَم ما ساقا مَن هَذَى مَكانا، وَوُقّتهُ وَقَتّ الأُضْحِيَّة عَلِيّ الصَحِيح .....
ــ
والأحسن أن يقرأ (بقعة) بفتح القاف على أن يكون جمعًا مضافًا إلى الحرم، ويجوز إسكانها والتنوين، أى بقعة منه.
ومحل ما ذكره في المعتمر الذي ليس متمتعًا، أما المتمتع .. فالأفضل أن يذبح م تمتعه يوم النحر بمنى.
قال: (وكذا حكم ما ساقا من هدي مكانًا) اتباعًا لفعله صلى الله ليه وسلم.
قال: (ووقته وقت الأضحية على الصحيح) قياسًا عليها.
والثاني: لا يختص بوقت كدماء الجبرانات.
فعلى الأول: لو أخر الذبح حتى مضى وقت الأضحية، فإن كان واجباُ .. ذبحه قضاء، وإلا .. فقد فات، فإن ذبحه .. كان شاة لحم.
تتمة:
الهدي كما يطلق على ما يسوقه المحرم يطلق أيضًا على دم الجبرانات كما قاله الرافعي هنا تبعًا للشافعي رضي الله عنه والأصحاب، فذكر في (الشرحين) و (المحرر) في الكلام على أسباب التحلل: أن الهدي لا يختص بوقت، وأراد به ما أراده غيره هناك، وهو دماء الجبرانات، وذكر هنا: أنه يختص بوقت الأضحية، وأراد به ما يسوقه المحرم، وهو كلام صحيح لا اختلاف فيه ما نقله المصنف.
* * *
خاتمة في كيفية وجوب الدماء وما يقوم مقامها
فهنا دم ترتيب لا يجوز العدول إلى غيره إلا عند العجز، ودم تخيير يجوز العدول عنه مع القدرة، فهاتان الصفتان متقابلتان كصفتى التقدير والتعديل.
ومعنى التقدير: أن الشرع قدر البدل المعدول إليه بقدر لا يزيد ولا ينقص.
ومعنى التعديل: أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى يره بحسب القيمة، فالأقسام أربعة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الترتيب والتقدير وذلك في ثمانية دماء: دم التمتع والقران والفوات وترك الإحرام من الميقات وترك الرمي وترك الوداع وترك المبيت بالمزدلفة والمبيت ليلي منى.
الثاني: الترتيب والتعديل، وهو دمان: دم الجماع المفسد للحج، ودم الإحصار على الأصح.
الثالث: المخير المقدر، وهو ثمانية: دم الحلق والقلم والدهن واللبس والطيب والوطء بين التحللين والوطء بعد الوطء المفسد والمقدمات المحرمة.
الرابع: المخير المعدل، وهو دمان: دم جزاء الصيد والواجب في قطع نبات الحرم.
فجملتها عشرون دمًا: ثمانية مرتبة مقدرة، وثمانية مخيرة مقدرة، ودمان فيهما ترتيب وتعديل، ودمان فيهما تخيير وتعديل.
وأشرت إلى ذلك في (المنظومة) بقولي [من الرجز]:
خاتمة:
من الدماء ما التزم
…
مرتبًا وما بتخيير لزم
والصفتان لا اجتماع لهما
…
كالعدل والتقدير حيث فهما
فالدم بالترتيب والتقدير في
…
تمتعٍ فوتٍ قِرانٍ اقْتُفِي
وترك ميقاتٍ ورمي ووداع
…
مع لمبيتين بلا عذر يُشَاع
ثم مرتَّبٌ بتعديلٍ سقط
…
في مفسدِ الجماعِ والحصرِ فقط
مخيرٌ مقدرٌ دهنٌ لباس
…
والحلق ُ والقلمُ وطيبٍ فيه بأس
والوطءُ حيثُ الشاةُ والمقدماتْ
…
مخيرٌ معدلٌ صيدٌ نبات