المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الإحصار والفوات - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌باب الإحصار والفوات

‌بَابُ الإِحْصَارِ والفَوَاتِ

مَن أَحْصِر .. تَحْلُل،

ــ

باب الاحصار والفوات

الحصر والإحصار: المنع، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، وقيل: عكسه، وقيل: حصر وأحصر فيهما، والأول أشهر.

والمراد بـ (الإحصار): المنع من إتمام أركان الحج أو العمرة.

وإنما خص بالأركان؛ لأنه لو أحصر بع الوقوف عما سوى الطواف والسعي ومكن منهما .. لم يجز له التحلل كما قاله الروياني وغيره؛ لأنه متمكن من التحلل بالطواف والحلق، وفوات الرمي يجبر بدم، وتقع حجته مجزئة عن حجة الإسلام.

زمراد المصنف وغيره بـ (الفوات): فوات الحج؛ لأن العمرة لا تفوت إلا عمرة القران تبعًا للحج، وإذا قضى .. قضى قارنًا ويلزمه ثلاثة دماء: دم للفوات، ودم للقران الفائت، ودم للقران المأتي به.

قال: (من أحصر .. تحلل)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، أى: إذا أحصرتم .. فلكم التحلل، وعليكم ما استيسر من الهدي إذا تحللتم، وإنما قدروا ذلك؛ لأن نفس الإحصار لا يوجب الهدي.

وفي (الصحيحين)[خ 1812 - م 1230]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحصروهم المشركون عن الحرم عام الحديبية فتحللوا من عمرتهم).

ومراد المصنف: أن من أحصره العدو .. جاز له التحلل، حاجًا كان أو معتمرًا أو قارنًا سواء كان المانع كافرًا أو مسلمًا، سلطانًا أو غيره، أخصره عن البيت وحده أو الموقف أو السعي أو الجميع.

ومنع مالك التحلل من العمرة؛ لأن وقتها لا يفوت، والحديث حجة عليه، لكن

ص: 617

وَقَيْل: لا تَتَحَلَّل الشِرْذِمَة. وَلا يَتَحَلَّل بِالمَرَض، فَإِنَّ شَرَطهُ .. تَحْلُل بِهِ عَلِيّ المَشْهُور ..

ــ

.

لأجل خلافه قال أصحابنا: الأولى للمعتمر الصبر، وكذا الحاج إن اتسع الزمان، فإن ضاق .. فالأولى التعجيل.

فإن كان قد صد عن عرفة دون مكة .. فليدخل وليتحلل بعمل عمرة، ولا قضاء وإن لم يفت الوقوف في الأصح.

وإن صد عن مكة فقط .. وقف ثم تحلل ولا قضاء.

وشرط جواز التحلل: أن لا يتيقن انكشافهم في مدة يمكن إدراك الحج فيها أو في العمرة، فإن تيقن انكشافهم عن قرب - وهو ثلاثة أيام - لم يجز التحلل، وإذا لم يتمكنوا من المضي إلا ببذل مال .. فلهم التحلل.

ويكره بذله وإن قل إذا كان المانع كافرًا، فإن كان مسلمًا .. لم يكره.

وإن احتاجوا إلى قتال .. لم يجب على المذهب.

واستثنى الشيخ منه الإحرام الذي يحصل به إحياء الكعبة إذا لم تقم به طائفة قبلهم فى تلك السنة، فينبغى أن يجب قتالهم كسائر فروض الكفايات.

قال: (وقيل: لا تتحلل الشرذمة)؛ لأنه لم يعم الجميع فكان كالمرض وخطأ الطريق.

والصحيح: الجواز كما في الحصر العام؛ لأن مشقة كل واحد لا تختلف بين أن يتحمل قيره مثلها أو لا يتحمل.

فإن قيل: منع السيد عبده من إتمام الحج حصر خاص كحصر الشرذمة، ولم يجروا فيه هذا الخلاف .. فالجواب: أن التعدي في إحرام العبد منه لا من السيد، وهنا التعدي من المانع دون الشرذمة.

قال: (ولا يتحلل بالمرض) بل يصبر غلى أن يبرأ، فإن كان محرماُ بعمرة .. أتمها، أو بحج وفات .. تحلل بعمل عمرة.

ولأنه لا يستفيد به زوال مرضه، وعلى ذلك أجمع الصحابة.

قال: (فإن شرطه) أى: في ابتداء إحرامه (.. تحلل به على المشهور)؛ لما روى

ص: 618

وَمَن تَحْلُل .. ذَبَّحَ شاَة

ــ

الشيخان [خ 5089 – م 1207] أن ضباعة بنت الزبير الهاشمية رضي الله عنهما – لأن الزبير أباها أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في (الوسيط) الأسلمية – دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (أردت الحج)، فقالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها:(حجي واشترطي وقولي: محلي حيث حبستني).

ومعناه: أن مكان تحللي هو المكان الذي حبسني فيه المرض.

والثاني: لا يجوز؛ لأنها عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر، فلا يجوز بالشرط كالصلاة.

وعلى هذا: فالجواب عن الحديث إما بحمل الحبس على الموت، أو أنه خاص بضباعة.

وكذلك الحكم لو شرط التحلل لعذر آخر كضلال الطريق ونفاد النفقة والخطأ في العدد خلافًا للجويني.

ثم إن شرطه بهدي .. لزمه، أو بيره .. فلا، وكذا إن أطلق في الأصح.

ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض .. فهو أولى بالصحة من شرط التحلل على المنصوص.

ولو قال: إن مرضت فأنا حلال .. صار حلالًا بنفس المرض على المنصوص أيضًا.

وقيل: لابد من التحلل.

وحكم التحلل بالمرض ونحوه – إذا جوزناه – فيما يتعلق بالقضاء حكم التحلل بالإحصار.

قال: (ومن تحلل .. ذبح شاة) للآية ومعنى (تحلل): أراد التحلل؛ لأن الذبح يكون قبل التحلل كما سيأتي.

والمراد بـ (الشاة): الهدي، وهو إما شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، وإنما قال:(شاة) لأنها أقل الهدي (1)، والمعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية.

ص: 619

حَيْثُ أَحْصِر. قَلَت: إِنَّما يَحْصُل التَحَلُّل بِالذَبْح وَنِيَّة التَحَلُّل،

ــ

قال: (حيث أحصر) سواء كان ذلك في الحل أو الحرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أحصر عام الحديبية فذبح بها وهي من الحل.

ولو أراد أن يذبح في مكان آخر من الحل

لم يجز؛ لأن موضع الإحصار قد صار في حقه كنفس الحرم، وهو نظير منع المتنفل إلى غير القبلة من التحول إلى جهة أخري.

وإذا ذبح .... فرق اللحم على مساكين تلك البقعة، وكذا حكم ما لزمه من دماء المحظورات قبل الحصر.

وما حمله معه من هدي يذبحه حيث أحصر، فلو كان مصدودا عن البيت دون أطراف الحرم .... فله ذبحه في الحل أيضًا في أصح الوجهين، والأولي ذبحة في الحرم.

قال: (قلت: إنما يحصل التحلل بالذبح)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} .

قال: (ونية التحلل)؛ لأن الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلا بد من نية تبين المراد، وتكون النية مقارنة للذبح، فلو ذبح بغير نية ...... لم يحل.

وكيفيتها: أن ينوي الخروج عن الاحرام، وإنما لم تجب هذه النية على غيره لأن غيره أكمل العبادة من رمي وحلق وطواف فتحلل بكمالها، والمحصر يريد الخروج منها قبل كمالها فافتقر إلى قصد، كالصائم إذا أكمل النهار خرج من صومه بلا نية، وإذا مرض واحتاج إلى الإفطار في النهار .... فإنه ينوي الخروج من الصوم، قااله صاحب (البيان) وغيره.

ص: 620

وَكَذا الحَلْق إِذا جَعَلناهُ نُسُكًا، فَإِنَّ فَقُدّ الدَمّ .... فَالأَظْهَر: أَن لَهُ بَدَلا، وَأَنَّهُ طَعام

ــ

قال: (وكذا الحلق إذا جعلناه نسكا)؛ لأنه ركن من أركان الحج قدر على الإتيان به فلا يسقط عنه، ولا بد من تقديم الحلق على الذبح؛ لقوله تعالي:(وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).

وبينت السنة: أن محله في الحصر حيث أحصر، وهو يشترط مقارنة النية له؟

نقل ابن الرفعة عن الأصحاب الوجوب، وجزم به في (الروضة) عند الكلام على تحلل العبد، والأكثرون ساكتون عن اشتراطه، ولا يبعد مجئ وجه فيه.

فائدة:

ذكر السهيلي: أن الصحابة لما حلقوا بالحديبية وهم بالحل وقد منعوا من دخول الحرم .... جاءت ريح احتملت شعورهم حتى ألقتها في الحرم، فاستبشروا بقول الله تعالى عمرتهم.

قال: (فإن فقد الدم) أي: حسا أو شرعًا لاحتياجه إلى ثمنه، أو وجده غالبًا، فلذلك تقرأ بفتح الفاء والقاف.

قال: (..... فالأظهر: أن له بدلا) كغيره من الدماء على المحرم.

والثاني: لا؛ لأن الله تعالى لم يذكره وذكر بدل دم التمتع.

وعلى هذا: يبقي الدم في ذمته، ويبقي على إحرامه على أحد القولين الآتيين حتى يهدي.

قال: (وأنه طعام)؛ لأنه أقرب إلى الجبران من الصيام؛ لاشتراكهما في المالية، ويقابله: أنه صوم، وبه جزم في (التنبيه).

وفي قول ثالث: يتخير بينهما، فإن قلنا: بدله الصوم فهل هو صوم التمتع أو

ص: 621

بِقَيِّمَة الشاَة، فَإِنَّ عَجَّزَ

صامَ لَكُلّ مَدّ يَوْمًا، وَلِهَ التَحَلُّل ِفي الحال ِفي الأَظْهَر، وَاللّاه أَعْلَمَ. وَإِذا أَحْرُم العَبْد إِذَن .... فَلِيُسْدهُ تَحْلِيلهُ

ــ

صوم الحلق ثلاثة أيام او صوم التعديل لكل مد يوما؟ فيه أقوال في (التنبيه) بغير تصحيح.

قال: (بقيمة الشاة) مراعاة للقرب كما تقدم، وفيه وجه: أنه ثلاثة أصح لسته مساكين.

قال: (فإن عجز ..... صام لكل مد يومًا)؛ قياسا على الدم الواجب بترك المأمور، وفي قول: لا بدل للإطعام.

قال: (وله التحلل في الحال في الأظهر والله أعلم)؛ لأن التحلل إنما شرع لدفع المشقة، فلو وقفناه على فراغ الصوم .... لتضرر بذلك لطوله.

والثاني: لا، بل يتوقف تحلله على فراغه منه؛ لأنه قائم مقام الإطعام.

قال: (وإذا أحرم العبد بلا إذن ..... فليسده تحليله) صيانة لحقه، لأن العبد يمنع السيد محصور.

وقيل: ليس له تحليله مراعاة لحق الشرع.

وقيل: إذا قال له: حللتك .... تحلل، فغن امتنع

كان له أن يعامله معاملة الحلال، فيطأ الأمة ويستعمله في ذبح االصيد ونحوه.

وعلم من هذا: أن إحرام العبد بلا إذن صحيح، وهو كذلك بكنه غير جائز.

ولو رجع السيد في الأذن ثم أحرم العبد غير عالم .... فله تحليله في الأصح.

تنبيهات:

أحداهما: المراد بتحليل السيد العبد، والزوج الزوجة، والوالد الولد: أنهم يأمرون المحرم بالتحلل، لا أنهم يتعاطون الأسباب بأنفسهم، فإن امتنع الرقيق.

ص: 622

وَلِلزَوْج تَحْلِيلها مَن حَجَّ تُطَوِّع لِمَ يَاذَن فِيهِ،

ــ

ارتفع المانع بالنسبة إلى السيد، حتى يجوز الوطء والاستخدام في محرمات الإحرام. وفي (البحر): أنه إذا قال: حللتك ..... تحلل.

الثاني: حكم المدبر والمعلق العتق بصفة وأم الولد والمبعض حكم القن، واستثني بعض المتأخرين المبعض إذا وسعت نوبته بلا إذن، والمكاتب إذا لم يحل عليه شئ

فالأظهر: أنه ليس لسيده منعه من السفر؛ لأنه قد يستعين به على الكسب وفي منعه من الحج طريقان، فإذا كان له في سفره للحج كسب ..... يتجه عدم منعه.

الثالث: إذا أحرم بلا أذن له السيد في المضي فيه ..... لم يملك تحليله فيما بعد، قاله الماوردي وغيره.

الرابع: يتحلل الذبح إن ملكه السيد هديا وقلنا: يملكه مع الحلق والنية، وإلا ...... فطريقان: أصحهما: القطع بالاكتفاء بالنية مع الحلق.

وقيل: إنه كالمعسر.

وفي (شرح الحاوي) للطاووسي): الجزم بأنه تكفينه نية التحلل، قال: وليس له أن يتصرق في شعره بالحلق والتقصير بغير إذن سيده؛ لأنه ملكه.

الخامس: إذا أحرم بإذن سيده .... فمؤنه الطريق في كسبة علي الصحيح.

وقيل: علي السيد.

قال: (وللزوج تحليلها من حج تطوع لم يأذن فيه) وكذلك العمرة لاستيفاء حقه، كما له أن يخرجها من صوم النفل.

والمراد: أن يأمرها به، فإن أبت ...... فله الوطء على المذهب كما تقدم، أما إذا أذن ..... فليس له تحليلها جزما.

ص: 623

وَكَذا مَن الفَرْض ِفي الأَظْهَر

ــ

قال: (وكذا من الفرض في الأظهر)؛ لأن الحج على التراخي وحقه على الفور.

وروي الدارقطني (2/ 223) والبيهقي (5/ 223): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للمرأة أن تنطلق إلى الحج إلا بإذن زوجها).

والثاني: لا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).

قال الماوردي في (كتاب الصلاة): المراد به مساجد النسك، يعني الحج والعمرة.

وشمل قوله: (الفرض): حجة الإسلام والنذر والقضاء، لكن يستثني من إطلاقه: ما إذا قال طيبان عدلان: إن لم تحج العام عضبت؛ فيصير حجها على الفور، وليس للزوج منعها حينذ، وكذلك لو نحكحت بعد تحللها من الفائت فلا منع ولاتحلل منه للضيق، وكذلك إذا نذرته في سنة معينة ثم نكحت وجاء الوقت .... فقياس ما قالوه في الاعتكاف وغيره أن لا منع له.

فروع:

لا فرق بين كون الزوج حالًا أو حرامًا، قاله الماوردي في (النفقات)، والرجعية ليس له تحليلها لكن له حبسها للعدة، وكذلك البائن يضًا.

وإذا كان الزوج طفلًا لا يتوقع استمتاعه بها فهل لها أن تحج بلا إذن؟ وهل لوليه منعها؟ فيه نظر، وحيث قلنا بجواز التحلل .... فمعناه الأمر بالتحلل كما تقدم في العبد، تحللها كتحلل المحصر بلا فرق، فلو لم تتحلل

فللزوج أن يستمتع بها والإثم عليها كما صرح به الصيدلامي والبغوي وغيرهما.

وحجة النذر كحجة الإسلام، فإذا أحرمت بها بغير إذنه

كان له تحليلها في الأظهر، وإذا أمرها بالتحلل

حيث جوزناه وجب عليها، فإن أبت

فله وطؤها وعليها الإثم؛ لتقصيرها وكذا سيد الأمة.

ص: 624

وَلا قَضاء عَلِيّ المحصر المُتَطَوِّع،

ــ

قال الرافعي والمصنف هنا: يستحب للمرأة أن لا تحرم بغير إذن زوجها، فاقتصي ذلك جوازه بغير إذنه، لكن صرح المحاملي وغيره بعدم جوازه في التطوع وحجة الإسلام، وهو الموافق لما تقدم في (صوم التطوع) بحضرة الزوج و (الأعتكاف): أنهما يحرمان إلا بإذنه.

قال الشيخ: والذي يظهر أن ذلك لا يجوز بغير إذنه، وقد أطلق الرافعي والقاضي أبو الطيب أن الأمة المزوجة ليس لها الإحرامة إلا بإذن الزوج والسيد جميعًا.

ويستحب أن لا يحرم إلا بإذن أبويه، ولكل منهما منعه من التطوع على الصحيح، فلو أحرم به بلا إذن

فلكل منهما تحليله علي الأظهر.

وقال الماوردي: للأب دون الأم، وصحح الفارقي المنع، وهو الأقوي؛ إذ ليس لهما منعه من صفر التجارة وقد يتجر فيه، ولم يفرق المانعون بين قريب الدار وبعيدها.

قال: (ولا قضاء على المحصر المتطوع) أي: إذا تحلل؛ لأنه لو وجب لبين في الكتاب أو السنة، وقد أحصر مع النبي صلى الله عليه وسلك في الحديبية ألف وأربع مئة، ولم يعتمر معه في العام القابل إلا نفر معرفون أكثر ما قيل: أنهم سبع مئة، ولم ينقل: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من تخلف بالقضاء، وأيضًا لم تكن العمرة التي اعتمروها من قابل قضاء، وإنما سميت عمرة القضية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضي سهيل بن عمرو في الحديبية علي الرجوع من قابل.

وسواء في هذا الحكم الحصر العام والخاص، أتي بنسك سوى الإحرام أم لم يأت، اقترن بالإحصار فوات أم لم يقترن. وفي قول: إنه إذا لم يكن الإحصار عاما .... يجب القضاء كما لو أضل الطريق حتى فاته الحج.

والفرق على الصحيح: أنه بإضلاله الطريق منسوب إلى تفريط، بخلاف

ص: 625

فَإِنَّ كانَ فَرْضًا مُسْتَقَرًّا

بَقَّيْ ِفي ذَمَّتهُ، أَو غَيْر مُسْتَقِرّ

اعْتُبِرتَ الاسْتِطاعَة بَعْدِ

وَمَن فاتَهُ الوُقُوف .... تَحْلُل

ــ

الإحصار، ومن هذا حصر الزوج والوالد، لكن استثني ابن الرفعة: ما إذا أفسد النسك ثم أحصر فتحلل؛ فإنه يلزمه القضاء، وهو ظاهر لا يحتاج إلى استثناء.

قال: (فإن كان فرضا مستقرا ..... بقي في ذمته) كما لو شرع في صلاة فلم يتمها .... فإنها تبقي في ذمته، فإذا أتي به بعد زواال الإحصار .... وقع أداء.

قال: (أو غير مستقر .... اعتبرت الاستطاعة بعد) أي: بعد زوال الإحصار، فإن بقي من الوقت .... سقط الوجوب في هذة السنة واعتبرت بعدها.

قال الشيخ: كذا أطلقوه هنا، وينبغي أن يكون مرادهم الإحصار العام، أما الخاص .... فلا يمنع الاسستقرار.

تتمة:

لو أحصر فصابر الإحرام متوقعا زواله ففاته الحج والإحصار دائم .... تحلل بعمل عمرة ولا قضاء عليه على الأصح، ولو صد عن الطريق وهناك طريق آخر

نظر: إن تمكن من سلوكه .... لزمه ولو طال وعلم فوات الوقوف، فإن فعل ففاته .... لم يلزمه القضاء في الأظهر.

قال: (ومن فاته الوقوف) أي: بعذر وغيره (..... تحلل) أي: وجوبًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أدرك عرفة ليلًا ..... فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفة ليلًا .... فقد فاته الحج، وليهل بعمرة، وعليه الحج من قابل) رواه الترمذي.

وتقدم ما رواه مالك (1/ 383) أن هبار بن الأسود فاته الوقوف فأمره عمر رضي الله عنه أن يعمل العمرة، وأن يحج من قابل.

ص: 626

بِطَوّاف وَسَعْي وَحَلْق،

ــ

قال في (شرح المهذب): واشتهر ذلك ولم ينكره أحد فكان إجماعًا.

نعم؛ شرط وجوب السعي أن لا يكون قد سعى بعد طواف القدوم كما اتفق لهبار بن الأسود.

تنبيهان:

أحدهما: قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: لو أراد هذا أن يقيم إلى قابل محرما بالحج .... لم يكن له ذلك؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، ولئلا يصير محرما بالحج في غير أشهره.

الثاني: لا فرق بين أن يكون الفوات بتقصير أو سبب فيه نوع عذر كإضلال الطريق، قال الشافعي رضي الله عنه: فالمتواني إلى أن يفوته الحج يأثم إلا أن يعفو الله عنه.

قال: (بطواف) هذا لا بد منه اتفاقًا.

قال: (وسعي)؛ لأنه كالطواف في تحتم الإتيان به، لكن شرط إيجابه أن لا يكون سعى بعد طواف القدوم.

قال: (وحلق)؛ بناء على أنه من أركان الحج فكان كالطواف والسعي.

وفهم من كلام المصنف: أنه لا يجب عليه المبيت بمنى ولا الرمي، وهو كذلك؛ لأن عمر رضي الله عنه لم يامر بهما هبارًا.

ومراد المصنف: التحلل الثاني، أما الأول .... ففي (شرح المهذب): أنه يحصل بواحد من الحلق أو الطواف، يعني: مع السعي؛ لأنه لما فاته الوقوف .... سقط عنه حكم الرمي، وصار كمن رمي، فإن جامع

لم يفسد إحرامه، وإن لبس أو تطيب .... لم يفد.

وقال المزني: يلزمه الرمي والمبيت، وقال: إنه قياس الشافعي رضي الله عنه، وإليه مال الإصطخري.

ص: 627

وَفِيهِما قَوْل، وَعَلِيّهُ دَمّ وَالقَضاء

ــ

قال: (وفيهما قول) أما السعي

فلأنه ليس من أسباب التحلل، ولهذا يصح تقديمه على الوقوف، وأسباب التحلل لا يجوز تقديمها عليه.

وأما الحلق

فهو مبني على أنه استباحة محظور، ثم ما أتى به لا ينقلب عمرة على المذهب.

وقيل: ينقلب عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام.

قال: (وعليه دم)؛ لما تقدم من أمر عمر رضي الله عنه به، وقال أبو حنيفة: لا دم عليه، وقد تكلم المصنف على هذا الدم في آخر الباب الذي قبل هذا، وهو كدم التمتع.

وفي قول مخرج يلزمه دمان: أحدهما للفوات، ولآخر؛ لأنه في معنى التمتع من حيث إنه تحلل بين النسكين.

وفي وقل: دم كدم الجماع لكنه بشاة؛ وبالقياس على الإفساد، وسواء كان الفائت حجة الإسلام أو التطوع، فإن كان الفائت حجة الإسلام ..... وقع القضاء عنها، وفي وجوب في القضاء وجهان كما في الإفساد: أصحهما: وجوبه.

وعن مالك وأحمد راوية: أنه لا قضاء كالمحصر.

تتمة:

لو تركب العذر في عدم أداء النسك من الفوات والإحصار بأن صد عن الطريق التي سلكها ووجد طريقا أطول منها أو أصعب، فسلكها كما أمرناه ففاته الحج تحلل بعمل عمرة فهل يلزمه القضاء؟ فيه قولان: أظهرهما: لا.

***

ص: 628

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

يستحب أن يحمل المسافر إلى أهله هدية؛ لما روى البيهقي في (الشعب)[4204] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قدم أحدكم على أهله من سفر ..... فليهد لأهله، وليطرفهم ولو كان حجارة).

ويستحب إذا قرب إلى وطنه أن يرسل إليهم من يعلمهم بقدومه، إلا أن يكون في قافلة اشتهر عند أهل البلد وقت دخولها.

ويكره أن يطرقهم ليلًا.

والسنة: أن يتلقى المسافر، وأن يقال له إن كان حاجًا: قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك. وإن كان غازيًا: الحمد لله الذي نصرك وأكرمك وأعزك.

والسنة: أن يبدأ عند دخوله بأقرب مسجد، فليصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم.

وتستحب النقيعة، وهي: طعام يعمل لقدوم المسافر.

وسيأتي في (الوليمة) بيانها إن شاء الله تعالي.

ص: 629

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ص: 630

فهرس الكتاب

كتاب الجنائز

7

فصل: في تكفين الميت وحمله

29

فصل: في الصلاة علي الميت

41

فرع: في بيان الأولى بالصلاة عليه

59

فصل: في دفن الميت

74

كتاب الزكاة

127

باب زكاة الحيوان

129

فصل: في اتحاد نوع الماشية

146

باب زكاة النبات

165

باب زكاة النقد

186

باب زكاة المعدن والركاز والتجارة

203

باب زكاة الفطر

212

باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه

222

فصل: في أداء زكاة المال

241

فصل: في تعجيل الزكاة

252

كتاب الصيام

258

فصل: في أركان الصوم

271

فصل: في ركن الصوم الثاني

282

فصل: في شروط الصوم

292

فصل: في شروط الصوم

313

فصل: في شروط وجوب صوم رمضان

327

فصل في فدية الصوم الواجب

334

ص: 631

فصل: في موجب كفارة الصوم

344

باب صوم التطوع

353

كتاب الاعتكاف

369

فصل: في حكم الاعتكاف المنذور

382

كتاب الحج

393

باب المواقيت

424

باب الإحرام

444

فصل: فيما يطلب للمحرم

448

باب دخول مكة وما يتعلق به

465

فصل: فيما يطلب في الطواف

474

فصل: فيما يختم به الطواف وبيان السعي

497

فصل: في الوقوف بعرفة

503

فصل: في المبيت بمزدلفة

518

فصل: في المبيت بمني

537

فصل: في بيان أركان الحج والعمرة

560

باب محرمات الإحرام

575

باب الإحصاروالفوات

617

فهرس الكتاب

631

ص: 632