المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

. . . . . . . . . . - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

‌فَصْلٌ:

ولا يستحب أن يصلي عقبة في المروة، بل قال ابن الصلاح: إن ذلك مكروه، واستحسنه الشيخ أبو محمد.

ولو التوى في سعيه قليلًا .. جاز، فلو دخل من المسجد أو سوق العطارين .. فلا.

ويكره أن يقف في سعيه لحديث وغيره.

ولو أقيمت الصلاة .. قطعه وصلى ثم بنى.

قال: (فصل) مقصوده: أن الإمام إذا لم يحضر الحج بنفسه يسن له أن ينصب أميرًا على الحجيج، يقيم لهم المناسك، ويحفظهم، ويرجعون إليه فيما ينوبهم، والمنصوب ضربان:

أحدهما: على تسيير الحجيج، وهو سياسة وتدبير.

وشرط منصوبها: أن يكون ذا رأي وشجاعة وهداية، ويلزمه جمع الناس في مسيرهم ونزولهم وترتيبهم في السير والرفق بهم، وأن يسلك بهم أوضح الطرق، ويرتاد بهم المياه، ويحرسهم إذا نزلوا، ويحفظهم إذا رحلوا، ويكف عنهم من يضرهم بقتال أو بذل مال، ويصلح بين المتنازعين، ولا يحكم إلا أن يفوض إليه ذلك ويكون أهلًا، ويؤدي خائنهم بالتعزير، ولا يقيم حدًا إلا أن يؤذن له فيه، ويراعي اتساع الوقت؛ ليأمن فوات الوقوف والنسك، ويحضرهم المواقف الشرعية، ولا يتعجل بالخروج من مكة، ويزور بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعود بهم.

والولاية الثانية: على إقامة الحجيج، وشرط القائم بها مع الشروط المعتبرة في إقامة الصلوات: العلم بالمناسك ومدتها سبعة أيام، فيعلم الناس بوقت الخروج، ويرتب المناسك على الوجه الشرعي، ويقدر المواقيت بمقامه فيها ورحيله عنها، ويقتدي به في الأذكار والصلوات، ويخطب جميع خطب الحج، وليس له أن ينفر النفر الأول، بل يمكث بمنى إلى اليوم الرابع.

ص: 503

يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ: أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَامُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إِلَى مِنَىً،

ــ

قال: (يستحب للإمام أو منصوبه: أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة فردة) كذا رواه الحاكم [1/ 461] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فإن كان يوم جمعة .. فبعد صلاتها، ولا يكفي عنها خطبة الجمعة، فإن كان الإمام محرمًا .. افتتحها بالتلبية، وإن كان حلالًا .. فبالتكبير ..

قال الشافعي رضي الله عنه: وأحب إن كان الخطيب فقيهًا أن يقول: هل من سائل، فإن كان الذي يخطب مقيمًا .. استحب له أن يحرم ويرقى المنبر ليخطب محرمًا، وقد تقدم أن هذا يستثنى من قولهم:(يستحب الإحرام عند المسير.).

وهذا اليوم يسمى: يوم الزينة؛ لأنهم كانوا يزينون فيه هوادجهم ..

واليوم الثامن: يوم التروية؛ لأنهم يتروون فيه الماء ..

وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام تروّى فيه في الرؤية ..

والتاسع: عرفة ..

والعاشر: يوم النحر ..

والذي يليه: يوم القر؛ لاستقرارهم فيه بمنى ..

والذي يليه: النفر الأول، ثم: النفر الثاني ..

قال: (يأمرهم فيه بالغدو إلى منى) المراد: أنه يأمرهم بالخروج إلى منى قبل الزوال كما هو مدلول الغدو، وقد اختلف

فذلك كلام (الروضة) و (الشرح).

فائدة::

(منى) بكسر الميم، تصرف ولا تصرف، وتذكر وتؤنث والأغلب التذكير، والأشهر تخفيف نونها، سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي: يراق ..

وقيل: لأن آدم عليه السلام لما أراد مفارقة جبريل عليه السلام .. قال له: تمن، قال: الجنة ..

ص: 504

وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْمَنَاسِك،

ــ

وقيل: لأن الله عز وجل منَّ فيها على إبراهيم عليه السلام بأن فدى ولده بذبح عظيم ..

وقيل: لأن الله تعالى من على عباده بالمغفرة ..

وبينها وبين مكة فرسخ، ووقع في (الرافعي) أن بينهما فرسخين، وهذا مخالف لقول الجمهور ولإدراك الحس ..

ومنها إلى مزدلفة فرسخ، ومن مزدلفة إلى عرفات فرسخ أيضًا ..

وفي منى أربع آيات.:

ما يقبل من أحجارها رفع، وما لم يقبل يترك، ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين ..

وأن الحدأة تحوم بمنى حول اللحم فلا تأخذ منه شيئًا ..

وأن الذباب لا يرى فيها أيام الترشيق مع كثرته بها في غيرها ..

وأنها تتسع بأهلها كاتساع بطن المرأة الحامل، وكل ذلك مشاهد فيها ..

قال: (ويعلمهم ما أمامهم من المناسك)؛ لما روى البيهقي [5/ 111] بإسناد جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر ويعلم الناس المناسك).

والمراد: يعلمهم ما يفعلونه إلى خطبة نمرة، وكذلك كل خطبة من خطب الحج يندب أن يعلمهم فيها ما بين أيديهم من المناسك إلى الخطبة التي تليها، ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج.

فلو توجهوا إلى الموقف قبل دخول مكة .. استحب للإمام أن يفعل كما يفعل بمكة لمن دخلها، قاله المحب الطبري.

وخطب الحج أربع: هذه، ويوم عرفة بنمرة، ويوم العيد بمنى، وثاني أيام التشريق بمنى أيضًا، وهذه لم يذكرها المصنف وستأتي قبيل قول المصنف:(ومن عجز عن الرمي استتاب) وكلها فرادى وبعد الصلاة إلا التي بنمرة فإنها خطبتان وقبل الصلاة.

ص: 505

وَيَخْرُجَ بِهِمْ مِنَ غَدٍ إِلَى مِنَىً وَيَبِيتُوا بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ .. قَصَدُوا عَرَفَاتٍ

ــ

.

قال: (ويخرج بهم من غد إلى منى) هكذا رواه مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح حتى يصلوا الظهر بمنى وهذا هو المشهور.

وفي قول: يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون، وبه جزم الرافعي في آخر (باب وجوه الإحرام) وتبعه في (الروضة) على ذلك.

فإن كان الثامن يوم جمعة .. خرجوا قبل الفجر إن لزمتهم الجمعة، وإلا .. فلهم الخروج بعده.

قال القاضي الطبري: ويستخلف الإمام من يصلي بالناس الجمعة، ويسير هو إلى منى فيصلي بها الظهر.

وقال المتولي: لو تركوا الخروج أول النهار وصلوا الجمعة بمكة .. كان أولى، وهو مخالف لقول الجمهور.

قال: (ويبيتوا بها) ويصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح كما رواه مسلم [1218] من حديث جابر رضي الله عنه.

وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب بالإجماع، وقول المتولي وجماعة:(إنه ليس بنسك) أرادوا: أنه ليس بواجب، لكن من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الليلة من إيقاد الشموع وغيرها، وهو مشتمل على منكرات.

فرع:

قال أبو الحسن الزعفراني: يستحب المشي من مكة إلى المناسك كلها إلى انقضاء الحج لمن قدر عليه.

ويستحب أن يقصد مسجد الخيف، ويصلي به مكتوبات يومه وصبح غدها.

قال: (فإذا طلعت الشمس .. قصدوا عرفات) المراد إذا أشرقت على ثبير، وهو جبل عال كبير بالمزدلفة عن يسار الذاهب إلى عرفات، وكانت العرب تقول: أشرق ثبير كيما نغير، وأول من قاله أبو سيارة.

ص: 506

قُلْتُ: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ يَخْطُبَ الإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ،

ــ

ووقع في (جامع الترمذي)[3703] في مناقب عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو على ثبير: (اثبت ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) وهو وهم اتفاق الحفاظ، إنما قال ذلك لأحد وحراء، ولم يصعد صلى الله عليه وسلم ثبيرًا قط.

ويستحب أن يسيروا ملبين ذاكرين، وأن يسلكوا طريق ضب، وهي من مزدلفة في أصل الوادي ويعودوا على طريق المأزمين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكونوا عائدين في غير الطريق التي ذهبوا منها، وتقدم الكلام في لفظ عرفات في (صوم التطوع).

قال: (قلت: ولا يدخلونها بل يقيمون بنمرة بقرب عرفات حتى تزول الشمس والله أعلم) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ويستحب أن يضرب الإمام قبته بنمرة، وكذلك كل من معه قبة يضربها هناك ..

ومنزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الصخرة الساقطة بأصل الجبل عن يمين الذاهب إلى عرفات، وليست نمرة من عرفات على المشهور، خلافًا لابن الصباغ ..

ويستحب الغسل فيها للوقوف، فإن تعذر .. تيمموا ..

قال: (ثم يخطب الإمام بعد الزوال خطبتين)؛ لما روى جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام

ص: 507

ثُمَّ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا،

ــ

فصلى العصر).

ويستحب أن يكون الخطبة قبل الأذان، وأن يأخذ المؤذن في الأذان مع شروع الإمام في الخطبة الثانية.

ويستحب أن يخفف هذه الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الأذان، وقيل: مع فراغه من الإقامة.

وتكون هذه الخطبة بمسجد إبراهيم الذي ينسب إليه باب إبراهيم بمكة، وهذا المسجد صدره من عرنة وآخره من عرفات، يميز بينهما صخرات كبار فرشت هناك.

يعلمهم في الخطبة الأولى مشروعات الوقوف، وواجباته، وكيفية الدفع إلى مزدلفة، ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل والتلبية بالموقف، وأقل ما عليه فيها أن يعلمهم ما يلزمهم من المناسك إلى الخطبة الثالثة كما تقدم، فإن كان فقيهًا .. قال: هل من سائل، وإلا .. فلا، وذكر معظم المناسك، ويخففها، فإذا فرغ .. جلس للاستراحة يقدر (سورة الإخلاص).

ثم يقوم إلى الخطبة الثانية، ويأخذ المؤذن في الأذان مع شروعه فيها، ويخففها جدًا بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الأذان، وقيل: مع فراغه من الإقامة، ويكون قائمًا، والأولى أن يكون على منبر.

قال: (ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعًا)؛ لحديث جابر رضي الله عنه، ويسر فيهما بالقراءة، قال ابن المنذر: بالإجماع.

وهذا الجمع للسفر على الصحيح، فلا يجوز للمكي لقصر سفره، وقيل: للنسك، فيجوز له، وصححه المصنف في (مناسكه).

وأما القصر .. فلا يجوز إلا للمسافر قطعًا، خلافًا لمالك والأوزاعي وسفيان بن عيينة؛ فإنهم جوزوا لأهل مكة القصر بمنى، وروي عنهم إن قصر الإمام .. قصر معه جميع الناس.

ص: 508

وَيَقِفُوا بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ، وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ،

ــ

ويستحب أن يقول الإمام إذا سلم: يا أهل مكة أتموا؛ فإنا قوم سفر، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلون سنة الظهر والعصر كما تقدم في (صلاة المسافر).

قال: (ويقفوا بعرفة إلى الغروب)؛ لحديث جابر رضي الله عنه، ففقه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاة العصر .. ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، ولم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا).

وقوله: (ويقفوا) كذا وقع بالنصف عطفًا على قوله: (يستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب)، وفيه نظر؛ لأنه يفهم أن الوقوف مستحب وهو ركن.

وجوابه: أن يقيد بالاستمرار إلى الغروب، وذلك مستحب على الصحيح.

قال: (ويذكروا الله تعالى ويدعوه، ويكثروا التهليل) وأفضل الذكر ما رواه الترمذي [3585] وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

ويستحب أن يستقبل القبلة في دعائه، وأن يرفع يديه فيه لا يجاوز بهما رأسه، ويكره الإفراط في الجهر به.

ويستحب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار والتضرع والخشوع والابتهال، وقراءة القرآن، ولا يتكلف السجع في الدعاء، ولا بأس بالمسجع إذا كان محفوظًا، أو قاله من غير قصد إليه.

وروي: أنه عليه الصلاة والسلام قال في الموقف: (اللهم؛ اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر).

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومن الأدعية المختارة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم، إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

وليكن متطهرًا متباعدًا عن الحرام والشبهة في مطعمه ومشربه وملبسه، ويدعو لوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه ومن أحسن إليه وسائر المسلمين.

وليحذر من التقصير في هذا اليوم؛ فإنه أعظم الأيام.

والموقف أعظم المجامع، يجتمع فيه الأولياء والخواص.

وقيل: إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة .. غفر الله لكل أهل الموقف.

وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذا الموقف؛ لما روى الحاكم [1/ 441] وقال: صحيح الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم؛ اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج) ورواه ابن أبي شيبة [4/ 191] عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

وروي عن مجاهد [ش 4/ 191] قال: قال عمر: (يغفر الله للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفرًا وعشرًا من ربيع الأول).

والأفضل: أن لا يستظل، بل يبرز للشمس إلا لعذر، روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رأى رجلًا جعل على رجله عودًا له شعبتان، وجعل عليه ثوبًا يستظل به وهو محرم، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما:(أضح للذي أحرمت له).

وقال الرياشي: رأيت أحمد بن المعذل في الموقف في يوم شديد الحر وقد ضحى للشمس فقلت له: أبا الفضل؛ هذا أمر قد اختلف فيه، فلو أخذت بالتوسعة؟ فأنشأ يقول [من الطويل]:

ضحيت له كي أستظل بظل ..... إذا الظل أمسى في القيامة قالصا

فوا أسفا إن كان سعيك باطلًا ..... ويا حسرتا إن كان حجم ناقصا

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأحمد هذا بصري مالكي المذهب، يعد من زهاد البصرة وعلمائها، وأخوه عبد الصمد بن المعذل الشاعر.

و (المعذل) بالذال المعجمة، رجل معذل أي: يعذل لإفراطه في الجود، وشدد للكثر،

وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يومئذ فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له

إلى آخره، فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء، فقال: أما سمعت قول الشاعر [من الوافر]:

كريم لا يغيره صباح عن الخلق الجميل ولا مساء

إذا أثنى عليه المر يومًا .... كفاه من تعرضه الثناء

وقد روي في الخبر عن الله عز وجل أنه قال: (من شغله عن ذكري مسألتي .. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).

ويستحب أن لا يستبطئ الإجابة، وليحذر من المخاصمة والمشاتمة وانتهار السائل والكلام القبيح، بل يحترز عن الكلام المباح ما أمكن.

وفي كتاب (الخصال (: يستحب العتق والصدق بعرفة، فقد أعتق حكيم بن حزام رضي الله عنه هناك مئة رقبة مطوقين بأطواق الفضة مكتوب عليها: هؤلاء عتقاء الله من حكيم بن حزام.

والسنة: أن يقف الرجال عند الصخرات، والنساء في حاشية الموقفة.

وقول ابن جرير والبندنيجي والماوردي: (يستحب صعود جبل الرحمة؛ فإنه موقف الأنبياء) قال في (شرح المهذب): لا أصل له.

والأظهر: أن الوقوف راكبًا أفضل.

وقيل: إنه والماشي سواء.

ص: 511

فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ .. قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلفَةَ جَمْعًا

ــ

فرع:

التعريف بغير عرفات –وهو اجتماع بعد العصر يوم عرفة للدعاء- للسلف فيه خلاف: ففي (البخاري): أول من عرف بالبصرة ابن عباس رضي الله عنهما، ومعناه: أنه كان إذا صلى العصر يوم عرفة .. أخذ في الدعاء والذكر والضراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة، ولهذا قال أحمد: أرجو أنه لا بأس به، وقد فعله الحسن وجماعة.

وكرهه جماعة منهم مالك.

قال المصنف: ومن جعله بدعة .. لم يلحقه بفاحشات البدع، بل يخفف أمره.

قال: (فإذا غربت الشمس .. قصدوا مزدلفة وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمعًا) كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلون قبل حط رحالهم.

والسنة: أن يسيروا وعليهم السكينة والوقار، فإذا وجد أحدهم فرجة أسرع.

ويكثرون من ذكر الله تعالى والتلبية.

ويسن أن يسلك في ذهابه إلى المزدلفة طريق المأزمين كما تقدم.

والمصنف أطلق المسألة لتبعًا لأكثر الأصحاب.

وقال جماعة: يؤخرها ما لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء، فإن خيف .. لم يؤخر، بل يجمع بالناس في الطريق، ونص عليه في (الأم) و (الإملاء)، واختاره الإمام وابن الرفعة.

قال في (شرح المهذب): ولعل إطلاق الأكثرين يحمل على هذا موافقة للنص.

وهذا الجمع جائز للآفاقي دون المكي كما تقدم في نمرة.

ولو أقام كل صلاة في وقتها .. جاز قطعًا.

ص: 512

وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ: حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ

ــ

وسميت مزدلفة من الازدلاف وهو: التقرب؛ لأن الحاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، ومن انتهى إليها قرب من منى.

وقيل: سميت بذلك لاجتماع الناس بها، ولذلك يقال لها: جمع، بفتح الجيم وسكون الميم.

وقيل: لاجتماع آدم وحواء.

وقيل: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين.

وحدها: ما بين وادي محسر ومأزمي عرفة، وليس الحدان منهما، وتدخل فيها تلك الشعاب والجبال الداخلة في حدها.

ومزدلفة كلها من الحرم.

قال: (وواجب الوقوف: حضور بجزء من أرض عرفات)، وإن كان مارًا في طلب آبق ونحوه).

أما وجوب الوقوف .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر .. فقد أدرك الحج) رواه الأربعة بأسانيد صحيحة.

وأما الاكتفاء بأي جزء كان منها .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف) رواه مسلم [1218/ 149] عن جابر رضي الله عنه.

وأشار بقوله (مارًا) إلى أنه لا يشترط المكث وهو الصحيح، وبقوله:(في طلب آبق ونحوه) إلى أن صرفه إلى جهة أخرى لا يقدح.

وعلم منه أنه لا فرق بين العالم بالمكان وباليوم وبين غيره، وهو كذلك على الصحيح.

ص: 513

بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمَىً عَلَيْهِ، وَلَا بَاسَ بِالنَّوْمِ. وَوَقْتُ الْوُقُوفِ: مِنَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ،

ــ

قال: (بشرط كونه أهلًا للعبادة) أي: فيمن أحرم بنفسه (لا مغمًى عليه)؛ لعدم أهليته للعبادة، ولهذا لا يجزئه الصوم إذا أغمي عليه جميع النهار.

وقد صحح الرافعي في (الشرحين) أيضًا عدم الإجزاء على وفق (المحرر)، وسها المصنف فصحح في (أصل الروضة (: أنه يجزئه، ثم استدرك عليه فصحح عدم الإجزاء، ولهذا نقل الشيخ كمال الدين النشائي عن والده الشيخ عز الدين: أنه كان ينهى طلبته عن عزو النقل للرافعي من (الروضة)، ويقول: إنه لا يحل.

والسكران كالمغمى عليه، وقيل: إن تعدى بسكره .. لم يصح، وإلا .. فيصح.

ومن الحكم على المغمى عليه بعدم الإجزاء يعلم أن المجنون أولى بذلك.

والمراد بعدم الإجزاء: أنه لا يقع فرضًا.

قال المتولي: وإذا وقف مجنونًا .. يقع حجه نفلًا، والحكم في المغمى عليه كذلك من باب أولى، لكن كلام الشافعي رضي الله عنه صريح في خلاف ذلك؛ فإنه قال: فاته الحج وكان كمن لم يدخلها، وكذلك عبر صاحب (التنبيه).

والفرق بين حجهما وحج الصبي –حيث أثيب الصبي على فعله-: أن الصبي دخل في الحج ليكون تطوعًا، ولا كذلك المغمى عليه والمجنون، بل دخلا ليكون فرضًا فبطل فألغي اعتباره جملة، وفيه نظر لا يخفى.

قال: (ولا بأس بالنوم) أي: المستغرق لحضوره، فإذا دخلها قبل الوقوف ونام حتى خرج الوقت يجزئه ذلك كالصائم إذا نام جميع اليوم، وكذلك من حضرها ولم يعلم أنها عرفة، وفي الجميع وجه بناء على أنه يجب إفراد كل ركن بالنية.

واتفق الأصحاب على أن الجنون إذا تخلل بين الإحرام والوقوف، أو بينه وبين الطواف، أو بين الطواف والوقوف وكان عاقلًا في حال الأركان .. لا يضر، بل يصح حجه ويقع عن حجة الإسلام.

قال: (ووقت الوقوف: من الزوال يوم عرفة)؛ اتباعًا لفعله صلى الله عليه

ص: 514

وَالصَّحِيحُ: بَقَاؤُهُ إِلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ .. أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبابًا، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ،

ــ

وسلم وعمل الناس في كل عصر، وبهذا قال كافة العلماء.

وقال أحمد: يدخل وقته بطلوع الفجر؛ لحديث عروة بن مضرس رضي الله عنه المتقدم في أول (باب المواقيت)، وحمله الأصحاب على ما بعد الزوال.

وفي وجه: يدخل وقته بعد الزوال بمقدار صلاة ركعتين وخطبتين كما تقدم في وقت الأضحية، وهو متجه اعتبارًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والقول بالزوال خارج عن الدليلين القولي والفعلي.

قال: (والصحيح: بقاؤه إلى الفجر يوم النحر)؛ لحديث عروة رضي الله عنه السابق.

والوجه الثاني: يخرج بغروب الشمس.

والثالث: إن أحرم نهارًا .. جاز الوقوف ليلًا، وإلا .. فلا.

وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بـ (المذهب)؛ فإنهما طريقان، والعجب أن عبارة (المحرر): والمذهب: أنه يمتد إلى طلوع الفجر يوم النحر.

قال: (ولو وقف نهارًا ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد .. أراق دمًا استحبابًا)؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد تم حجه) وما ذكره من الاستحباب هو الصحيح.

قال: (وفي قول: يجب)؛ لأنه ترك نسك، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما:(من ترك نسكًا .. فعليه دم) وصححه ابن الصلاح.

وأصل الخلاف: أنه هل يجب الجمع بين الليل والنهار أو هو سنة؟

ص: 515

وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ .. فَلَا دَمَ، وَكَذَا إِنْ عَادَ لَيْلًا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا .. أَجْزَأَهُمْ،

ــ

وقال مالك: المعتمد في الوقوف الليل، فإن لم يدرك شيئًا منه .. فقد فاته الحج، وهو رواية عن أحمد.

ووقع في (الكفاية): أن المصنف صحح هذا القول، والمصحح في كتبه كلها الاستحباب.

ومن الأصحاب من قطع بالاستحباب.

ومنهم من قال: إن أفاض وحده .. لزمه، وإلا .. فقولان، فتلخص ثلاث طرق: أصحهما: ما في الكتاب.

قال: (وإن عاد فكان بها عند الغروب .. فلا دم)؛ لأنه فعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا خلاف فيه.

قال: (وكذا إن عاد ليلًا في الأصح)؛ لجمعه بينهما.

والثاني: يجب؛ لأن الوارد هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل.

قال: (ولو وقفوا اليوم العاشر غلطًا .. أجزأهم) باتفاق العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه) رواه أبو داوود [سيل 149] مرسلًا، وغيره مرفوعًا.

ولأنه لا يؤمن وقوع مثله في القضاء، سواء بان لهم الحال بعد العاشر أو بعد الزوال.

فلو تبين فيه قبل الزوال فوقفوا عالمين .. فقال البغوي: المذهب: أنه لا يحسب.

قال الرافعي: وعامة الأصحاب على خلافه، وصحح في (شرح المهذب) مقالة الرافعي.

وصور الرافعي مسألة الكتاب بما إذا غم هلال الحجة فأكملوا عدة القعدة ثلاثين، ثم قامت البينة إما بعد وقوفهم أو في أثناء ليلة النحر على زعمهم.

ص: 516

إِلَّا أَنْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا قَبْلَ فَوْتَ الْوَقْتِ .. وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ

ــ

وفي إطلاق الغلط على هذا التصوير نظر؛ لأن هذا جهل لا غلط.

قال: (إلا أن يقلوا على خلاف العادة فيقضون في الأصح)؛ لانتفاء المشقة العامة.

والثاني: لا؛ لأنهم لا يأمنون مثله في القضاء.

قال: (وإن وقفوا في الثامن وعلموا قبل فوت الوقت .. وجب الوقوف في الوقت) تداركًا لما سلف.

قال: (وإن علموا بعده .. وجب القضاء في الأصح) أي: في عام آخر وفرق الأكثرون بوجهين:

أحدهما: أن تأخير العبادة أقرب إلى الاحتساب من تقديمها.

والثاني: أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه؛ فإنه إنما يقع لغلط في الحساب، أو لخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال.

والثاني: لا يلزمهم كالغلط في العاشر.

تتمة:

علل في (الوسيط) وجوب القضاء في الثامن بأن ذلك نادر لا يتفق إلا بتوارد شهادتين كاذبتين في شهرين، والمراد من سنتين سنة الأداء وسنة القضاء، وقد أطال في تقريره ابن الصلاح في (مشكلة).

وأشعر كلام المصنف بأنهم لو غلطوا في المكان أو بيومين تقديمًا أو تأخيرًا .. لم يصح حجهم بحال، وهو الذي قطع به الرافعي والجمهور.

ولو شهد واحد أو عدد برؤية هلال الحجة فردت شهادتهم .. لزم الشهود الوقوف في التاسع عندهم وإن كان الناس يقفون بعده.

ص: 517