الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ::
للِط?وَافِ بِأَنْوَاعِهِ
ــ
وقيل: على القولين.
وفي وجه ضعيف: يلزمهم الإحرام في كل سنة مرة؛ لئلا يستهان بالحرم ..
وما ذكره المصنف من الحصر اعترض عليه بأنه يشترط على قول الوجوب أن يكون حرًا، وأن يكون دخوله من الحل، وأن لا يدخل مقاتلًا، ولا خائفًا من قتال أو ظالم لا يمكن معه الظهور لأداء النسك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح غير مُحِرم، كذا استدل به الرافعي، ورُد?؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان من خواصه دخول مكة من غير إحرام ..
تتمة::
على القول بالوجوب: لا دم بتركه ولا قضاء ..
وقال ابن القاض: كل عبادة واجبة إذا تركها الإنسان .. لزمه القضاء والكفارة إلا هاذا، ونقض بترك رد السلام، ومصابرة الاثنين، وبإمساك يوم الشك إذا ثبت كونه من رمضان؛ فإنه يجب إمساكه على المذاهب.
فلو ترك الإمساك .. لم يلزمه من أجله قضاء ولا كفارة، وبما إذا ترك صوم يوم وكان قد نذر صوم للدهر.
قال: (فصل:
للطواف بأنواعه) وهي: طواف القدوم، والإفاضة، والوداع، والنفل المطلق،
وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أما الْوَاجِبُ .. فَيُشْتَرَطُ: سَتْرُ الْعَوْرَة
ــ
ِ
وطواف العمرة، وما يتحلل به من الفوات.
قال: (واجبات وسنن) المراد بـ (الواجبات): الوظائف التي لابد منها، وذلك أعم من الشروط والأركان، ووجوبه في التطوع معناه، أنه لا يصح إلا به كوجوب القراءة وغيرها في صلاة النفل ..
قال: (أما الواجب .. فيشترط: ستر العورة)؛ لما روى الشيخان [خ 369 – م 1347] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام، فمن تكلم .. فلا يتكلم إلا بخير) رواه الحاكم [1/ 459] وقال: صحيح الإسناد ..
فسماه صلاة، وهو لا يضع الأسماء اللغوية، وإنما يكسبها أحكامًا شرعية، وإذا ثبت أنه صلاة .. لم يجز بغير ستارة، فلو طاف عريانًا أو انكشف جزء من عورته أو شعر من رأس الحرة أو ظفر رجلها .. لم يصح.
وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنجَسِ،
ــ
قال: (وطهارة الحدث)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت: (اصنعي كل شيء غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي) رواه الشيخان [خ 1650 – م1211
فلو كان النهي لأجل المسجد .. لقال: حتى ينقطع الدم ..
وعن أبي يعقوب الأبيوردي: أن طواف الوداع يصح من غير طهارة ويجبر بالدم. وإذا طيف بالطفل .. اشترط وضوءه، وقيل لا يجب وضوء غير المميز، والظاهر: أن المجنون كالطفل فيوضئها الولي وينوي عنهما ..
قال: (والنجس) أي: في الثوب والبدن والمطاف؛ لعموم الحديث، وبالقياس على طهارة الحدث، فإذا لاقى نجاسة غير معفو عنها ببدنه أو ثوبه أو مشى عليها عمدًا أو سهوا .. لم يصح طوافه ..
وعمت البلوى بغلبة النجاسة في المطاف من جهة الطير وغيره، وقد اختار جماعة من المتأخرين المحققين العفو عنها ..
وينبغي أن يقال: يعفى عما يشق الاحتراز منه، كما عفى عن دم البراغيث والبق والقمل، وونيم الذباب، وأثر الاستنجاء، والقليل من طين الشارع المتيقن نجاسته، وعما لا يدركه الطرف في الماء والثوب على الأصح، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: الأمر إذا ضاق اتسع.
مهمة::
طاف بالتيمم لعدم الماء، ثم وجده .. ففي الإعادة وجهان في (البحر:):
أحدهما: نعم كالصلاة ..
والثاني: لا كما إذا طافت للوداع بعد انقطاع دمها بالتيمم ثم فارقت مكة .. لا يلزمها دم ..
وينبغي الجزم بأنه لا يطوف بالتيمم؛ لوجوب الإعادة، وإنما فعلت الصلاة لحرمة الوقت، وهو مفقود هنا
فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ .. تَوَضأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ: يَسْتَأنفُ. وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، مُبْتَدِئا بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ
ــ
قال: (فلو أحدث فيه .. توضأ وبنى)؛ لأنه يحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة كالفعل الكثير والكلام، وكان الأعم أن يقول: تطهر؛ لشموله الأكبر والأصغر ..
قال: (وفي قول: يستأنف) كالصلاة، والقولان في العامد، فإن سبقه .. فخلاف مرتب، وأولى بالبناء ..
هاذا إذا قصر الفصل، فإن طال .. فكذلك على الأصح ..
وحكم الخارج من الطواف لحاجة حكم المحدث ..
والخارج بالإغماء نص في (الأم) على أنه إذا عاد .. استأنف الوضوء والطواف، قريبًا كان أو بعيدًا.
قال: (وأن يجعل البيت عن يساره)؛ لأنه المأثور، فلو جعله عن يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني .. لم يصح، وكذا لو استقبله بوجهه معترضًا، أو جعله عن يمينه ومشى القهقرى نحو الباب .. فوجهان: أصحهما: لا يصح، وجزم الروياني بالصحة مع الكراهة.
قال الرافعي: والقياس: جريان هاذا الخلاف فيما لو مر معترضًا مستدبرًا ..
قال الروياني: إنه لا نص فيه، وإن أصحابنا قالوا: يجزئه ..
وقال المصنف: الصواب: القطع بأنه لا يصح في هاذه الصورة؛ فإنه منابذ لما ورد الشرع به ..
لاكن يستثنى منه ما قاله المصنف في استقبال الحجر الأسود في ابتداء الطواف؛ فإنه يندب أن يمر مستقبله حتى يجاوزه، ثم يجعل البيت عن يساره حينئذ ..
وأنكر بعض الناس ذلك على المصنف، وليس بمنكر؛ فقد صرح به القضاة أبو الطيب والبنديجي والروياني.
قال: (مبتدئًا بالحجر الأسود)؛ لما روى مسلم [1273] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ به طوافه) وهاذا شرط بلا خلاف، وشبهوه بتكبيرة الإحرام في الصلاة
مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ .. لَمْتُحْسَبْ، فَإذَا انُتهَى إِلَيْهِ .. ابْتَدَأَ مِنْهُ
ــ
وقال المحب الطبري: روى القاسم بن سلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده) فمن مسحه
…
فقد بايع الله، ومن قصد ملكًا وأم بابه .. قَبل يمينه، ولله المثل الأعلى ..
وقال الراغب: معناه: أنه يتوصل به إلى السعادة المقربة إليه ..
قال: (محاذيًا له في مروره بجميع بدنه) ..
صورة المحاذاة بجميع بدنه: أنه يجعل يمينه عن يمين الحجر مستقلا جدار البيت الذي بين الركنين ثم يمشي تلقاء شقه الأيمين مستقبل الحجر، أو يجعل يساره عن يمين الحجر ثم يطوف ويساره إلى الحجر، والأول أفضل ..
أما إذا حاذى ببعض بدنه جميع الحجر أو بعضه وباقي بدنه إلى جهة الباب .. فالجديد: لا تحسب تلك الطوفة ..
والقديم: تحسب ..
وإن حاذى بجميع بدنه بعض الحجر .. صح أيضًا، كما يستقبل في الصلاة بجميع بدنه بعض الكعبة بأن يكون الشخص نحيفًا لا يخرج منه شيء إلى جهة الملتزم، أو يقف بعيدًا بحيث تصدق المحاذاة ..
قال: (فلو بدأ بغير الحجر .. لم تحسب) طوافته (فإذا انتهى إليه .. ابتدأ منه) كالمتوضئ إذا قدم غسل غير الوجه ثم الوجه .. فإنه يجعل غسل الوجه ابتداء ..
وجميع ما قلناه في المحاذاة يتعلق بالركن الذي فيه الحجر لا بالحجر نفسه، فلو أزيل الحجر - والعياذ بالله تعالى من إدراك زمنه - وجبت محاذاة الركن ..
فائدة::
صح: أن الحجر الأسود نزل من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، رواه الدارقطني والترمذي [877] وقال: حسن صحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال بعضهم: إذا كان هاذا فعل الخطايا في الحجارة، فكيف في القلوب؟
وأنه كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث.
وروى البيهقي [5/ 75] بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق).
وروى عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله تعالى نورهما، ولولا ذلك .. لأضاء ما بين المشرق والمغرب).
قال الروياني: ومتابعة السنة واجبة وإن لم يوقف على علتها، وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض كما فضل بعض البقاع والأيام والبلدان على بعض.
ولما أخذ الله تعالى العهد على آدم وذريته .. أودعه إياه، فهو يشهد لمن وافاه يوم القيامة، وهاذا معنى ما رواه الشيخان [خ 1597 – م 1270] عن عمر رضي الله عنه أنه قبله ثم قال: والله إني لقد علمت أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك .. ما قبلتك، وقرأ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
وروي: أنه لما قال ذلك .. قال له أبي بن كعب: إنه يضر وينفع؛ إنه يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن قبله واستلمه، فهاذا منفعته.
وفي سنة عشر وثلاث مئة قدم أبو طاهر القِرمطي – واسمه: سلمان بن أبي ربيعة – مكة يوم التروية، فنهب هو وعسكره أموال الحاج وقتلوهم في المسجد وفي البيت الحرام، وقلع الحجر الأسود وأرسله إلى بلاد الحِساء والقطيف، وقتل أمير مكة
وَلَوْ مَشَى عَلَى الشاذَرْوَانِ أَوْ مَس? الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ، أَوْ دَخَلَ مِنْ إِحْدَى فَتْحَتَيِ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنَ الأُخْرَى .. لَمْ تصِحً طَوْفَتُهُ
ــ
وقلع باب الكعبة، وطرح القتلى في بئر زمزم، ودفن البقية في المسجد بلا غسل ولا صلاة، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور مكة ..
>وكان رد الحجر إلى مكة سنة اثنتين وثلاثين، فكان مدة مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة.
والقرمطي) بكسر القاف ..
قال: (ولو مشى على الشاذروان، أو مس الجدار في موازاته، أو دخل من إحدى فتحتي الحجر وخرج من الأخرى .. لم تصح طوفته)؛ لأن الشرط أن يكون جميع بدنه خارجًا عن البيت لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} .
وهو في المسألة الأولى والثالثة داخل كله، وفي الثانية بعضه، ومن طاف كذلك .. طاف فيه لا به، ولهاذا لو طاف في البيت أو على سطحه .. لم يصح ..
و (الشاذروان) بفتح الشين والذال المعجمتين وإسكان الراء: هو القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجًا عن عرض الجدار مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع، وهو ظاهر من جوانب البيت، لاكن لا يظهر عند الحجر الأسود، كأنهم تركوا رفعه لتهوين الاستلام، وهو من البيت، فلو طاف عليه .. لم يصح طوافه، وكذلك لو طاف خارجه وكان يضع رجله أحيانًا ويثب بالأخرى ..
وأما الحجر .. فهو محوط بين الركنين الشاميين على صورة نصف دائرة خارج عن جدار البيت، عليه جدار قصير، فإذا دخل من إحدى الفتحتين وخرج من الأخرى .. كان طائفًا في البيت، وللأصحاب فيه وجهان:
(أحدهما: أنه جميعه من البيت، وهو ظاهر لفظ) المختصر
وأصحهما: أن بعضه من البيت ..
وفي قدره ثلاثة أوجه::
أشهرها وأصحها: ستة أذرع.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَس? وَجْهٌ. وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا
ــ
والثاني: سبعة أذرع، وبه قطع جماعة.
والثالث- وبه قطع آخرون- أنه ست أو سبع.
وفي الحديث: أنه خمس.
قال ابن الرافعة: ولم أر من قال به، فإذا قلنا: جميع الحجر من البيت .. لم يصح الطواف على جداره، وإن قلنا: بعضه منه فترك منه مقدار ما قيل: إنه منه، واستظهر ثم اقتحم الجار وارء ذلك، ثم طاف فيه على هذا السمت .. فالأصح: صحة طوافه عند الرافعي، وعدمها عند المصنف، ونقله عن النص وجماهير الأصحاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف خارج الحجر، والخلفاء والصحابة ومن بعدهم.
ولا يلزم كون بعضه ليس من البيت أن لا يحب الطواف بجميعه؛ لأن الحج باب اتباع.
قال: (وفي مسألة المس وجه
): أنه لا يبطل الطواف، وإليه ذهب الغزالي؛ لأن معظم بدنه خارج البيت.
والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه مس الجدار وقال: (خذوا عني مناسككم).
قال المصنف: وينبغي أن يتنبه لدقيقة وهي: أن من قبل الحجر فرأسه في حال التقبيل في جزء من البيت، فيلزمه أن يقر قدميه في موضوعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما، فلو زالت قدماه عن موضعهما إلى جهة الباب قدرا يسيرا، ثم لما رغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي صارتا إليه ومضى منه في طوافه .. بطلت طوفته.
قال: (وان يطوف سبعًا) أي: سبع مرات؛ لأن النبي صلى اله عليه وسلم طاف كذلك وقال: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم [1297].
فلو طاف أو سعى ثم شك في العدد .. أخذ بالأقل كالصلاة.
دَاخِلَ الْمَسْجِدِ. وَأَما السنَنُ: فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا
ــ
وقال أبو حنيفة: إذا اقتصر على أكثر الطواف .. أجزأه وأراق عن الباقي دمًا.
وعندنا: لو ترك خطوة منه .. لم يعتد بطوفه، سواء كان باقيًا بمكة أو رجع إلى وطنه، ولا يجبر شيء منه بالدم ولا بغيره ..
قال: (داخل المسجد) فلا يصح خارجه بالإجماع.
والمراد بـ (المسجد): ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وما استجد فيه من بعده، وقد زيد فيه زيادات.
وأول من وسعه عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم ابن الزبير رضي الله عنهما، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم المنصور، ثم المهدي، وعليه استقر بناؤه إلى الآن، فيجوز الطواف فيها كلها.
ولو وسع المسجد .. جاز الطوا في جميعه داخله.
والأفضل أن لا يكون بينه وبين ابيت حائل كسقاية العباس وبناء زمزم، فلو طاف على سطح المسجد وكان أعلى من البيت .. ففي (العدة) وغيرها لا يجوز، واختاره الشيخ، واستبعده الرافعي والمصنف.
قال: (وأما السنن: فأن يطوف ماشيًا)؛ صيانة للمسجد والناس عن أذى البهائم، ولأنه صلى الله عليه وسلم طاف في عُمَرهِ كلها ماشيًا، فإن طاف راكبًا لعذر .. جاز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا في حجة الوداع.
وفي (الصحيحين)[خ 1634 - م 1276]: أن أم سلمة رضي الله عنها قدمت مريضة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(طوفي راكبة وراء الناس).
وكذلك إذا كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي (صحيح مسلم)[1273] أنه فعل ذلك ليراه الناس؛ فإنهم غَشُوه.
قال الشيخ: وهذا أصح من رواية من روى أنه طاف راكبًا لمرض، وكان طوافه
وَيَسْتَلمَ الْحَجَرَ أَولَ طَوَافِه
ــ
ِ
صلى الله عليه وسلم في طواف الإفاضة يوم النحر، وأما طواف القدوم .. فعلى قدميه، هكذا ذكره الشافعي رضي الله عنه في (الأم)، قال: ولا أعلمه في تلك الحجة اشتكى، ومن هنا حمل الشيخ محب الدين الطبري الركوب على طواف الإفاضة، والمشي على طواف القدوم.
ويكره الطواف زحفًا ومحمولًا مع القدرة على المشي، والأفضل أن يكون حافيًا إلا لضرورة.
وقال الزعفراني: لو طاف في حذاء طاهر .. أساء؛ لإخلاله التعظيم، إلا أن يشق عليه مباشرة الأرض بباطن القدم لشدة الحر .. فلا يكره.
وإن طاف راكبًا من غير عذر .. فوجهان:
أشهرهما: لا يكره، لكنه خلاف الأولى.
وثانيهما - هو ما أورده القضاء الماوردي والطبري والبندنيجي والعبدري-: نعم، واختاره الإمام إذا لم يمكن استيثاق الدابة.
والمعذور بمرض أو زمانة الأولى أن يطوف محمولًا لا راكبًا، وركوبه أيسر من ركوب غير المعذور، وركوب الإبل أيسر من ركوب البغال والحمير.
وقال الإمام: في القلب من إدخال البهيمة المسجد شيء إن لم يؤمن التلويث.
قال: (ويستلم الحجر أول طوافه)؛ ففي (الصحيحين)[خ 1603 - م 1267] عن جماعة من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
و (الاستلام): المس باليد بلا خلاف.
ووقع في (الوسيط) أنه التقبيل، وهو سبق قلم.
قال ابن الصلاح: وهو مشتق من السلام - بكسر السين - وهو الحجر، أو هو افتعال من السلام، يقال: استلمه واستلامَهُ، ولم يتعرض المصنف لتقبيل اليد التي استلم بها، والذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وجماعة: أنه يقبلها عند القدرة على تقبيل الحجر وعند العجز
وَيُقَبلَهُ، وَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْه، فَإِنْ عَجَزَ .. اسْتَلَمَهُ، فَإِنْ عَجَزَ .. أَشَاَرَ بِيدِهِ،
ــ
قال: (ويقبله)؛ ففي (الصحيحين)[خ 1611 – م 1261] وغيرهما عن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله.
ويستحب أن يخفف القبلة حتى لا يظهر لها صوت.
ولا يشرع للنساء استلام ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف ليلًا أو نهارًا.
قال: (ويضع جبهته عليه) روى الحاكم [1/ 455] ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وروى ابن ماجه [2945]: أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر فاستلمه ووضع شفتيه عليه يبكي وقال: (يا عمر؛ ههنا تسكب العبرات).
فإن أمكنه أن يجعل جبهته عليه ثلاثًا .. فليفعل.
قال: (فإن عجز .. استلمه) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه طاف على بعيره يستلم الركن بمحجن ثم يقبله، رواه مسلم [1275] وغيره.
و (المحجن) بكسر الميم: عصًا معوجة الرأس.
ويقتصر على ذلك إما بيده أو عصا أو نحو ذلك، ثم الأصح أنه يقبل ما استلم به.
وقيل: يقبل يده أولًا ثم يستلم وكأنه ينقل إليه القبلة، وقيل: يتخير.
قال: (فإن عجز .. أشار بيده)؛ لما روى البخاري [1613] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن .. أشار إليه بشيء عنده وكبر).
والمراد: اليد اليمنى، فإن قام بها مانع كقطع .. فلظاهر أنه لا يشير باليسرى كما تقدم في التشهد.
ولا يشير إلى القبلة بالفم؛ لأنه لم ينقل.
واستحب جماعة من الأصحاب الزحام عند تقبيل الحجر؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يزاحم عليه، وذلك مكروه عندنا؛ لأنه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (إنك رجل قوي تؤذي الضعيف، فإذا أردت أن تستلم الحجر، فإن كان
وَيُرَاعِي ذَلِكَ فِي كُل? طَوْفَةٍ، وَلَا يقبلُ الر?كْنَيْنِ اللشامِييْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا. وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِي? وَلَا يُقَبلَهُ،
ــ
خاليًا .. فاستلمه، وإلا .. فاستقبله وكبر).
قال: (ويراعي ذلك في كل طوفة)؛ لما روى أبو داوود [1871] بإسناد صحيح: أن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة) والتقبيل مقيس عليه، وهو في الأوتار آكد إذا لم يفعله في كل مرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله وتر يحب الوتر).
ولأنه يصير مستلمًا في افتتاحه واختتامه وهو أكثر عددًا.
قال: (ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما)؛ لنهما ليسا على قواعد إبراهيم عليه السلام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلمهما.
قال: (ويستلم اليماني)؛ لما روى الشيخان [خ 1609 – م 1267] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني).
ورويا [خ 1608] عن أبي الشعثاء قال: كان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يُستلَم هذان الركنان، فقال،: ليس شيء من البيت مهجورًا، وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن.
وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأنا نستلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه، ونمسك عما أمسك عنه، وأيضًا خالف معاوية وابن الزبير ابن عمر وابن عباس وجمهور الصحابة رضي الله عنهم.
قال: (ولا يقبله)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه: أنه قبله.
وَأَنْ يَقُولَ أَولَ طَوَافِهِ: (باسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهم?؛ إِيمَانًا بكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتبَاعًا لِسُنةِ نَبِيكَ مُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم
ــ
وأما الحاكم ما رواه الحاكم [1/ 456] والبخاري في (تاريخه)[1/ 289] والدارقطني [2/ 290]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبله ووضع خده عليه .. فضعفه البيهقي [5/ 75]، وإن صح .. فالمراد بـ (اليماني): الذي فيه الحجر الأسود.
والأصح: أنه بعد استلامه يقبل يده، بخلاف الأسود؛ فإنه إذا استلمه .. لا يقبل يده إلا إذا عجز عن تقبيل الحجر.
والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن الركن الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واليماني فيه فضيلة واحدة، وهي: كونه على قواعد إبراهيم، وليس للشاميين شيء من الفضيلتين.
و (اليماني) نسبة إلى اليمن، وهو بتخفيف الياء، والألف بدل من إحدى ياءي النسب، ويجوز تشديدها في لغة قليلة، وعلى هذا تكون الألف زائدة.
فلو قبل الأركان أو غيرها من البيت .. لم يكره، بل هو حسن، نص عليه.
فإن عجز عن استلام اليماني .. ففي (مناسك ابن عبد السلام): أنه يشير إليه كالحجر، وقواه الشيخ محب الدين الطبري.
وقال ابن أبي الصيف: لا يشير؛ لأن الإشارة بدل عن القبلة، وهي لا تشرع فيه.
قال: (وأن يقول أول طوافه: (باسم الله والله أكبر؛ إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) قال الرافعي: كذا رواه عبد الله بن السائب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو غريب.
ونقل في (المهذب) بعضه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه عن الصحابة، وهذا الدعاء مستحب في كل طواف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويستحب مع ذلك افتتاح الطواف بالتكبير ..
وفي (الرونق): يستحب رفع اليد معه كالصلاة ..
وروى عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يقول إذا استلم الركن: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الذل ..
والمراد بـ (العهد) هنا: الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم بامتثال أمره حيث قال: (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) فأمر الله تعالى أن يكتب بذلك عهد وأن يدرج في الحجر الأسود كما تقدم.
فروع تتعلق بالطواف::
يجوز الكلام فيه، ولا يبطل به ولا يكره، لكن الأولى تركه إلا في خير كأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتعليم جاهل وجواب مستفت ..
ويكره أن يبصق فيه، وأن يتنخم، وأن يغتاب، وأن يجعل يديه وراء ظهره كتفًا، وأن يضع يده على فيه إلا في حالة التثاؤب؛ فإن ذلك مستحب، وأن يشبك أصابعه وأن يفرقعها، وأن يكون حاقنًا أو حاقبًا، أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وأن تكون المرأة منتقبة ..
ويكره فيه الأكل والشرب، كراهة الشرب أخف.
وينبغي أن يكون في طوافه خاضعًا متخشعًا، حاضر القلب، ملازمًا للأدب بظاهره وباطنه، مستحضرًا في قلبه عظمة من يطوف ببيته ..
ويلزمه أن يصون نظره عما لا يحل نظره إليه، وقلبه عن احتقار من يراه من الضعفاء والمرضى. ويعلم الجاهل برفق ..
وهل الأفضل التطوع في المسجد الحرام بالطواف أو بالصلاة؟
قال المارودي: الطواف أفضل، وظاهر قول غيره: أن الصلاة أفضل ..
وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ: (اللهُم؛ الْبَيْتُ بَيْتُكَ، وَالْحَرَمٌ حَرَمُكَ، وَالأَمْنٌ أَمْنُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النار)، وَبَيْنَ الْيَمَانِييْنِ:(اللهُم؛ آتِنَا فِي الدنْيَا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةَ وَقِنَا عَذَابَ النارِ)، وَلْيَدْعُ بِمَا شَاَءَ، وَمَاثُورُ الدعَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَاثُوِرِهِ
ــ
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (والصلاة لأهل مكة والطواف للغرباء).
قال: (وليقل قبالة الباب: (اللهم؛ البيت بيتك، الحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار)) قال الشيخ أبو محمد: ويشير بقوله: وهذا مقام العائذ بك) إلى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وخطأه ابن الصلاح، وصوب: أنه يشير به إلى نفسه.
و (قُبالة) بضم القاف، معناه: الجهة التي تقابل الباب.
قال: (وبين اليمانيين: (اللهم؛ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو داوود [1887] والنسائي [سك 3920] وابن حبان [3826] والحاكم [1/ 455]، لكن بلفظ:(ربنا آتنا) وهو كذلك في كتب الرافعي و (شرح المهذب).
و (حسنة الدنيا) قال الحسن: العلم والعبادة، وقيل: العافية، وقيل المال، وقيل: المرأة الحسنة.
(وحسنة الآخرة): الجنة بالإجماع.
قال: (وليدع بما شاء) من أمر الدين والدنيا؛ لأنه موطن يستجاب فيه الدعاء.
وينبغي ألا يجعل حظ دعائه الدنيا، بل ما يتعلق بمهمات الدين ونجاة الآخرة.
قال: (ومأثور الدعاء) أي: منقوله (أفضل من القراءة)؛ تأسيًا بمن نزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم.
قال: (وهي أفضل من غير مأثوره)؛ لأن القراءة أفضل من الذكر وقال الله تعالى: (من شغله ذكري عن مسألتي .. أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل
وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الأَشْوَاطِ الثلَاثَةِ الأُوَلِ، بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ، وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي،.
ــ
كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) رواه الترمذي [2926] وقال: جسن.
قال الشافعي رضي الله عنه: وبلغني عن مجاهد أنه كان يقرأ القرآن وهو طائف.
وقال عروة ومالك: تكره القراءة فيه.
ومن المأثور في (المستدرك)[1/ 445] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلك كان يقول في طوافه: (اللهم؛ قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف لي في كل غائبة لي منك بخير).
وفي بعض الأجزاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا حاذى الميزاب: (اللهم؛ إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب).
قال: (وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأول، بأن يسرع مشيه مقاربًا خطاه، ويمشي في الباقي)؛ لما روى مسلم [1262] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشي أربعًا) فإن تركه .. كره، فإن كان راكبًا أو محمولًا .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يرمل به الحامل ويحرك هو دابته.
والمشهور: أنه يستوعب بيت بالرمل؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقيل: لا يرمل بين اليمانيين؛ لما روى مسلم [1266] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه فقال المشركون: إنه صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركبتين؛ ليرى المشركون جَلَدهُم).
وَيَخْتَص? الر?مَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ، وَفِي قَوْلٍ: بِطَوَافِ الْقُدُوم،
ــ
ِ
والجواب: أن هذا كان في عمرة القضاء سنة سبع، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في حجة الوداع سنة عشر، فكان العمل به أولى.
وقوله في الحديث: (فجلسوا مما يلي الحجر) - وهو بكسر الحاء – أراد أنهم جلسوا في قعيقعان، وهو جبل مطل على مكة لا في نفس مكة؛ فإنهم كانوا قد انتقلوا عنها وأخلوها ثلاثة أيام باشتراط وقع بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
والحكمة في مشروعية الرمل مع زوال سببه الذي شرع له: تذكر نعمة الله تعالى على اعتزاز الإسلام وأهله.
واحترز المصنف بـ (تقارب الخطا) عن الوثوب والعد، فلو ترك الرمل في الأول أو الثاني .. أتى به في الذي بعده، وإن تركه في الثلاثة .. لم يفعله في الأربعة الأخيرة؛ لأن هيئته السكون فلا تغير، كمن قطعت مسبحته اليمنى .. لا يشير باليسرى في التشهد، ومن ترك الجهر في الركعتين الأوليين .. لا يجهر في الآخيرتين؛ لتفويته سنة الإسرار.
قيل: وكان الأولى أن يعبر بالطوفان دون الأشواط؛ لأن الشافعي رضي الله عنه والأصحاب كرهوا تسميتها أشواطًا، لأن الشوط الهلاك ..
لكن قال في (شرح المهذب): إنه لا يكره؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت.
قال: (ويختص بالرمل بطواف يعقبه سعي، وفي قول: بطواف القدوم).
أصل هذا: أن الطواف الذي رمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وجد فيه المعنيان: السعي بعده وكونه للقدوم، والقول الأول هو الأظهر عند الأكثرين نظرًا إلى الأول، والثاني إلى الثاني، ورجحه الشيخ محب الدين الطبري والشيخ تبعًا للبغوي. فعلى القولين: لا يرمل في طواف الوداع؛ لانتفاء الأمرين، ويرمل من قدم مكة معتمرًا؛ لوجودهما ..
وَلْيَقُلْ فِيهِ: (اللهُم?؛ اجْعَلْهُ حَجًا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا). وَأَنْ يَضْطَبعَ فِي جَمِيعِ كُل? طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ،
ــ
والمراد: سعي مشروع، فلو رمل في طواف القدوم وسعى بعده .. لم يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي بعده، وكذا إن أراده على الأصح؛ لعد مشروعية السعي حينئذ، قاله الشيخ محب الدين الطبري وغيره.
قال: (وليقل فيه) أي: في رمله ((اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيا مشكورًا)).
قال الرافعي: إن ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
و (المبرور): الذي لم يخالطه ذنب ..
و (السعي المشكور): العمل المتقبل، قال تعالى:{فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} ).
ويستحب أن يقول في الأربعة الأخيرة: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، فإن كان في عمرة قال: عمرة متقبلة بدل حجًا مبرورًا ..
قال: (وأن يضطبع في جميع كل طواف يرمل فيه)؛ لما روى أبو داوود [1879] بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم حذفوها على عواتقهم اليسرى.).
وعلم من كلامه: أن ما لا يسن فيه الرمل لا يسن فيه الاضطباع ..
وأشار بقوله: (جميع) إلى أن الرمل والاضطباع وإن كانا متلازمين لكن الرمل ..
وَكَذَا فِي السعْيِ عَلَى الصحِيحِ- وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الأَيْمِنِ، وَطَرَفَيْهْ عَلَى الأَيْسَرْ – وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبع
ُ
ــ
مختص بالأشواط الثلاثة، والاضطباع مستحب ف السبعة، ولا يفترق الاضطباع والرمل إلا في هذا.
والطواف الذي يرملفه تقدم بيانه.
وكره الشافعي رضي الله عنه ترك الاضطباع كما يكره ترك الرمل، وأنكره مالك.
وقال: (وكذا في السعي على الصحيح)؛ لأنه أحد الطوافين فأشبه الطواف بالبيت بجامع قطع المسافة سبعًا.
والثاني: لا يستحب فيه؛ لعدم وروده، والغزالي حكاه قولًا، واستغربه الرافعي.
والصحيح: أنه يستحب في جميع السعي.
وعن ابن القطان: اختصاصه بموضع السعي الشديد، دون موضع المشي.
وفهم من عبارته عدم استحبابه في ركعتي الطواف وهو ظاهر المذهب؛ لأن هيئة الاضطباع في الصلاة مكروهة.
قال: (وهو جعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على الأيسر) فيبقى منكبه الأيمن مكشوفًا، وهو افتعال من الضبع – بإسكان الباء الموحدة – وهو العضد.
و (وسط) في كلام المصنف بفتح السين.
قال: (ولا ترمل المرأة ولا تضطبع) بالإجماع؛ لأنها مأمورة بالستر وذلك ينافيه.
وعبارة (المحرر): (وليس للنساء رمل ولا اضطباع) وهذا يفهم التحريم؛ للتشبيه بالرجال، وعبارة باقي كتبهما بعيدة من ذلك، وكذلك الخنثى.
وأما الصبي .. فيشرعان له في الأصح.
وَأَنْ يَقْرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ .. فَالرمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى، إِلا? أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النسَاءِ .. فالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى. وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَاَفَهُ، وَيُصَليَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، يَقْرَأ فِي الأُولَى:(قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) وَفِي الثانِيَةِ: (الإخْلَاصَ)، ....
ــ
قال: (وأن يقرب من البيت)؛ لشرفه، وليتيسر له بذلك الاستلام والتقبيل، فإن تأذي بالزحمة أو آذى غيره .. فالأفضل البعد، كذا أطلقوه.
وعن نصه استحباب الاستلام في أول الطواف وآخره وإن تأذى بالزحام.
أما المرأة .. فيندب لها حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال، والخنثى كالمرأة.
قال: (فلو مات الرمل بالقرب لزحمة .. فالرمل مع بعد أولى)؛ لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة، والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة، والفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى.
قال: (إلا أن يخاف صدم النساء .. فالقرب بلا رمل أولى) تحرزًا من لمسهن.
قال: (وأن يوالي طوافه) كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجب ذلك، حتى لو طاف كل يوم شوطًا أو بعض شوط .. جاز، لكن الأولى الموالاة خروجًا من الخلاف الآتي.
قال: (ويصلي بعده ركعتين خلف المقام، يقرأ في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية (الإخلاص))؛ لما روى مسلم [1218]: (ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعًا ثم أتى المقام فقرأ: {واتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ثم صلى خلفه ركعتين قرأ فيهما ذلك، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا).
فإن لم يصل خلف المقام .. ففي الحجر، وإلا
…
ففي المسجد، وإلا .. فحيث شاء من الحرم وغيره.
وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَالصلَاة
ُ
ــ
ولو صلى فريضة .. كفت عنهما كتحية المسجد، نص عليه في التقديم.
وقال في (البحر): يختار أن يدع عقبهما بما روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدهما: (اللهم؛ هذا بلدك الحرام ومسجدك الحرام وبيتك الحرام، وأنا عبدك وابن أمتك، أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة واعمال سيئة، وهذا مقام العائذ بك من النار .. فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم؛ إنك دعوت عبادك إلى بلدك الحرام، وقد جئت طالبًا رحمتك، مبتغيًا مرضاتك، وأنت مننت علي?بذلك، فاغفر لي وارحمني إنك على كل شيء قدير).
قال: (ويجهر ليلًا) كالكسوف وغيره، كذا جزم به الشيخان.
وصوب في (المهمات): أنه كجميع النوافل الليلية يتوسط فيها بين الجهر والإسرار.
لكن قوله: (ليلًا) يرد عليه ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ فإنه من النهار، ومع ذلك يعطي في الجهر والإسرار حكم الليل.
قال: (وفي قول: تجب الموالاة والصلاة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بهما وقال: (خذوا عني مناسككم)، والأصح: الأول.
والخلاف في وجوب ركعتي الطواف محله: إذا كان فرضًا، فإن كان سنة كطواف القدوم .. فطريقان.
أصحهما عند الخراسانيين: القطع بأنها سنة.
والثاني – وهو ظاهر كلام العراقيين وينسب إلى ابن الحداد -: فيه القولان ..
وإذا قلنا بوجوبهما .. فليستا بشرط في صحة الطواف على الأصح، ولا بركن أيضًا.
وهذه الصلاة لا تفوت ما دام حيًا، ولا يجبر تأخيرها ولا تركها بدم، لكن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المنصوص: استحباب إراقة دم إذا أخر.
والأشهر: أن الركعتين تقعان للمستأجر، وقيل: للأجر.
فروع:
الطواف إن لم يكن في حج أو عمرة .. فلابد من النية فيه بلا خلاف، نفلا كان أو منذورًا، وإن كان في حج أو عمرة .. فالنية مستحبة فيه، وهل تجب؟ فيه وجهان: أصحهما: لا؛ لأن النية الحج تشمله، وهل يشترط أن لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه؟ وجهان: أصحهما: نعم.
ويكره قطع الطواف المفروض بصلاة الجنازة والرواتب؛ إذ لا يحسن ترك فرض العين للكفاية والتطوع.
ولو نام في الطواف أو بعضه على هيئة لا تنقض الوضوء .. فالأصح: صحة طواقه، وأجمعوا على جوازه في أوقات النهى، واختلفوا في ركعتيه، فمذهبنا: الجواز؛ لما تقدم في أول (الصلاة).
وإذا أراد أن يطوف طوافين أو أكثر .. استحب أن يصلي عقب كل إسبوع ركعتين؛ لما روى البخاري تعليقًا عن الزهري أنه قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعًا إلا صلى ركعتين.
فإن طاف أسبوعين أو أكثر ثم صلى لكل طواف ركعتيه .. جاز؛ لما روى العقيلي [3/ 66] وابن شاهين وابن أبي حاتم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين ثلاثة أسابيع ثم صلى لكل أسبوع ركعتين) لكن فيه ضعف، فلذلك كان فاعله تاركًا للأفضل، ولا يكره ذلك؛ لوروده عن عائشة والمسوَر بن مَخرمة رضي الله عنهما.
وقال الصميري: لو طاف أسابيع متصلة ثم صلى ركعتين .. جاز.
وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ .. حُسِبَ لِلْمَحْمُولْ بِشَرْطِهِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسهِ، وَإِلا? .. فالأَصَح? أَنهُ إِنْ قَصَدَهُ لِلْمَحْمُولِ. فَلَهُ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِنفْسِهِ أَوْلَهُمَا .. فَلِلحَامِلِ فَقَطْ
ــ
قال: (ولو حمل الحلال محرمًا وطاف به .. حسب للمحمول)؛ لأنه كراكب الدابة، سواء كان المعمول صحيحًا أو مريضًا، أو بالغًا أو صغيرًا، ولا يقع عنهما؛ لاتحاد الفعل، بخلاف ما إذا طافا على بهيمة .. فإنه يحسب لهما.
والمراد بـ (الحسبان) هنا: هو الحسبان عن الطواف الذي تضمنه إحرام المحمول، وهو القدوم والفرض، لا مطلق الطواف، حتى لو كان المحمول قد طاف عن نفسه .. كان كما لو حمل حلال حلالا.
قال ابن الرفعة: ومحل حسبانه للمحمول إذا نواه الحامل له، أو أطلق، فإن نواه لنفسه أو أطلق .. فيظهر أن يحسب للحامل فقط، أو لهما.
وكلام (المنهاج) و (الروضة) وأصليهما يفهم تعميم وقوعه للمحمول فقط في هذه الحالة.
قال الشيخ: كل هذا إذا لم يصرفه المحمول عن نفسه، فإن صرفه أو لم ينوه وقلنا: تجب النية ونوى الحامل
…
وقع له بلا شك.
قال: (بشرطه) هذا يوجد في بعض النسخ وليس في (المحرر)، والمراد: من ستارة وطهارة ودخول وقت، فإن فقد شرط .. وقع للحامل.
قال: (وكذا لو حمله محرم قد طاف عن نفسه)؛ فإنه في هذه الحالة كالحلال، وكذلك الذي لم يدخل وقت طوافه.
قال: (وإلا) أي: وأن لم يطف عن نفسه (.. فالأصح: أنه إن قصد للمحمول .. فله)؛ لأن الأعمال بالنيات.
والثاني: للحوامل فقط؛ لأن الطواف محسوب له فلا ينصرف عنه.
الثالث: لهما جميعًا؛ لاشتراكهما في العبادة.
قال: (وإن قصده لنفسه أو لهما .. فللحامل فقط)؛ لأن الفعل صدر منه ولم