الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
باب دخول مكة
لم يبوب عليه في (المحرر) بل جعله فصلًا.
و (مكة) بالميم والباء، قيل: هما اسم للبلد.
وقيل: بالميم: الحرم كله، وبالباء: المسجد.
وقيل: بالميم: البلد، وبالباء: موضع البيت، قاله مالك.
قال ابن رشد: أخذ ذلك من قوله عز وجل؛ لأنه قال في بكة: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} وهو إنما وضع بموضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية.
وقال تعالى في مكة: {وهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} ، وذلك إنما كان في قرية لا في موضع البيت.
ولها أسماء: مكة، وبكة، والبلد، والبلد الأمين، والبيت، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والمأمومة، وأم رُحْمٍ، وأم القرى، وصلاح كقطام، والباسَّة، والناسَّة، وكوثى، والعرش، والقادسة، والمقدسة، والحاطمة، والرأس، والبلدة، والبينة، ومعاد.
قال المصنف: ولا نعلم بلدًا أكثر أسماء من مكة والمدينة؛ لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذا كثرت أسماء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى قيل: إن لله تعالى ألف اسم، ولرسوله صلى الله عليه وسلم كذلك.
ومكة أفضل الأرض إلا الموضع الذي ضم أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل من كل البقاع بالإجماع ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
جزم الجميع بأن خير الأرض ما
…
قد حاط ذات المصطفى وحواها
ونعم لقد صدقوا بساكنها علت .... كالنفس حين زكت زكى مأواها
ويدل لفضل مكة حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة في سوق مكة يقول: (والله إنك لخير الأرض، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك .. ما خرجت) رواه الدارقطني [العلل9/ 254] والنسائي [سك4238] والترمذي [3925] وقال: حسن صحيح ..
قال البكري: وهو على شرط الشيخين ..
و (الحزورة): موضع بمكة عند باب الحناطين على وزن قسورة.
قال الشافعي والدارقطني::
المحدثون يشددون الحزورة والحديبية وهما مخففان ..
وأما ما روي من قوله: (اللهم؛ إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي، فأسكني أحب البلاد إليك) .. فقال ابن عبد البر: لا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه، وينسبون وضعه إلى محمد بن الحسن بن زبالة المدني، وتركوه لأجله.
وقال ابن دحية في (تنويره): إنه حديث باطل بإجماع أهل العلم.
قال ابن مهدي: سألت عنه مالكًا فقال: أيحل لك أن تنسب الباطل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بين علته البزار في كتاب (العلل)، والحافظ رشيد الدين وغيرهما.
أما السكنى بالمدينة .. فأفضل؛ لأنه ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما::
الأَفْضَلُ: دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَاَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوَىّ،
ــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد .. إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة).
ولم يرد في سكني مكة شيء من ذلك، بل كرها جماعة من العلماء.
وثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) من مات بالمدينة .. كنت له شفيعًا يوم القيامة).
وفي (الترمذي)[3917] عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: (من استطاع أن يموت بالمدينة .. فليمت بها؛ فإني أشفع لمن يموت بها).
وفي (الصحيحين)[خ1889 - م1376] عن عائشة رضي الله عنها: (اللهم؛ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها إلى الجحفة).
وجعل ابن حزم التفضيل الحاصل لمكة ثابتًا لجميع الحرم ولعرفة وإن كانت من الحل.
والصحيح: تحريمها من يوم خلق الله السماوات والأرض.
وقيل: من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
قال: (الأفضل: دخولها قبل الوقوف)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكثرة ما يحصل له من السنن الكثيرة التي ستذكر، وترك حجيج العراق لذلك جهل وبدعة.
قال: (وأن يغتسل داخلها من طريق المدينة بذي طوى]؛ لما تقدم من قول ابن عمر رضي الله عنهما: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) وسواء في ذلك الداخل بحج أو عمرة ..
وَيَدْخُلَهَ مِنْ ثَنِيَّيِة كَدَاءٍ
ــ
و (داخلها) مرفوع فاعل (يغتسل)
وقد تقدم عن المتولي أنه قال: المقصود من هذا الغسل التنظيف لا التعبد، ولذلك تؤمر به الحائض.
واحترز المصنف عن الآتي من نحو اليمن؛ فإنه لا يندب له الغسل بها، بل يغتسل من مثل مسافتها.
والغسل مستحب لكل داخل وإن كان حلالًا لكن المحرم آكد ..
و (ذي طوى) مثلث الطاء والفتح أشهر: بئر مطوية بالحجارة، أي: مبنية، وهي بين الثنيتين إلى السفلى أقرب، ويجوز صرفه على إرادة المكان، وعدمه على إرادة البقعة ..
وينبغي إذا دخل الحرم .. أن يستحضر حرمته، ويخضع ويخشع بباطنه وظاهره، ويقول: اللهم؛ هذا حرمك وأمنك فحرمني على النار وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك ..
قال: (ويدخلها من ثنية كَداء) بفتح الكاف والمد، وإذا خرج خرج من ثنية كُدى بالضم والقصر؛ لما روى الشيخان [خ1577 - م1258] عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما [خ1575 - م1257]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخلها من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى).
ولأنه قاصد عبادة فاستحب له الدخول من طريق والرجوع من أخرى؛ لتشهد له الطريقان كما تقدم في (صلاة العيد) ،
وقال السهيلي: ولأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ} كان في ثنية كداء فلذلك استحب الدخول منها.
وسواء في ذلك الحاج والمعتمر، كان على طريقه أم لا، فيعدل إليها قصدًا على الصحيح.
وقيل: بل دخل صلى الله عليه وسلم منها اتفاقًا ..
وَيَقُولَ إِذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: (اللهُمَّ؛ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حجه أَوِ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ؛ أَنْتَ السَّلَامُ ومِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ)
ــ
و (الثنية): المكان الضيق بين الجبلين، والأصح: أن دخولها نهارًا وماشيًا أفضل ..
والأولى: أن يكون حافيًا إن لم يخف مشقة أو نجاسة رجله؛ فقد روى ابن ماجه [2939] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كانت الأنبياء يدخلون الحرم مشاة حفاة، ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة).
قال: (ويقول إذا أبصر البيت) أي: من عند رأس الردم.
والظاهر: أن مراده بالإبصار العلم، حتى يستحب الدعاء المذكور للأعمى والداخل في ظلمة.
قال: (اللهم؛ زد هذا البيت تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا) وروي ذلك عن الشافعي رضي الله عنه [أم 2/ 169] عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا أبصر البيت رفع يديه وقاله هكذا، ورواه الطبراني [طب3/ 181] عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ذكره المصنف هو الصواب.
وقع في) المختصر) ذكر المهابة في الموضعين وحذف البر فيهما، ووقع في) الوجيز) ذكر المهابة والبر جميعًا في الأول وذكر البر وحده ثانيًا، وأنكره الرافعي وغيره عليه، وبسطه المصنف في (تهذيبه).
قال: (اللهم؛ أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام)؛ لأن ابن المسيب كان يقوله ويرويه، ويقول إنه سمع عمر رضي الله عنه يقوله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (التشريف): الترفع والإعلاء ..
و (التعظيم): التبجيل ..
و (التكريم): التفضيل ..
و (المهابة): التوقير ..
و (البر): الاتساع في الإحسان والزيادة منه؛ وقيل: الطاعة ..
و (السلام) الأول: هو الله عز وجل، والثاني معناه: من أكرمته بالسلام فقد سلم ..
(فحينا ربنا بالسلام) أي: سلمنا بتحيتك من جميع الآفات.
ويستحب رفع اليد عند رؤية البيت؛ لما تقدم قريبًا.
ولما روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: عند رؤية البيت؛ وعلى الصفا والمروة؛ وفي الصلاة؛ وفي الموقف؛ وعند الجمرتين).
ويستحب أن يدعو إذا أبصر البيت؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة) لكنه حديث غريب ..
ثُم? يَدْخُلُ ?لْمَسْجدَ مِنْ بَابِ بِنَي شَيْبَة
ــ
وكان البيت يرى من رأس الردم، والآن علت الأبنية فمنعت من ذلك. وبنيت الكعبة شرفها الله تعالى خمس مرات:
إحداها: بنتها الملائكة وحجوها قبل آدم بألفي عام، وحجها آدم فمن بعده من الأنبياء عليهم السلام.
والثانية / بناها إبراهيم عليه السلام.
والثالثة: بنتها قريش وحضر معهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة.
والرابعة: بناها ابن الزبير زمن يزيد بن معاوية على قواعد إبراهيم، وعلاها وأدخل فيها الحجر.
فلما قتله الحجاج هدمها وبناها كما كانت في زمن قريش، وهي عليها الآن.
وقيل: إنما هدم زيادة ابن الزبير، فكلها بناء ابن الزبير إلا الجدار الذي في الحجر فإنه بناء الحجاج، ثم هم عبد الملك بن مروان بهدمه وإعادته إلى بناء ابن الزبير فقيل له: لا تفعل كيلا تصير ملعبة الملوك.
قال الشافعي رضي الله عنه: أوجب أن تترك على حالها؛ لأن هدمها يذهب جرمتها، وكان ارتفاعها في زمن قريش ثمانية عشر ذراعًا، وهي الآن سبع وعشرون ذراعًا.
قال: (ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دحل منه في عمرة القضاء، رواه البيهقي [5/ 72] بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه.
والمعنى فيه: أن باب الكعبة في جهته، والبيوت تؤتى من أبوابها، وجهة الباب أفضل جهات الكعبة فكان الدخول من الباب الذي يقابله أولى، واتفقوا على استحباب
وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ ?لْقُدُوم
ــ
ِ
الدخول منه لكل قادم، سواء كان في صواب طريقه أم لا، بخلاف الدخول من الثنية العليا؛ فإن فيه الخلاف المتقدم.
والفرق أن الدوران حول المسجد لا يشق بخلاف الدوران حول البلد، وسكت المصنف عن الباب الذي يخرج منه عند إرادة الرجوع إلى بلده.
ويستحب أن يكون من باب بني سهم، ففي (النوادر) عن ابن حبيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج منه.
و (شيبة) اسم رجل مفتاح الكعبة في يده ولده، وهو شيبة بن عثمان بن [أبي] طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، جعل النبي صلى الله عليه وسلم سدانة الكعبة في يدهم خالدة تالدة إلى يوم القيامة، لا ينزعها منهم إلا ظالم.
قال: (ويبدأ بطواف القدوم)؛ لما روى البخاري [1615] عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به الطواف).
ولأن تحية البيت فبدئ به، ويقدمه على كراء المنزل وتغيير الثياب، ولا يصلي التحية ولا غيرها إلا إذا خاف فوت المكتوبة أو وجد جماعتها قائمة أو خاف فوت سنة مؤكدة أو كان عليه قضاء فريضة ووجد الجماعة المكتوبة، وإن كان وقتها واسعًا ..
فإنه يقدم الصلاة على الطواف، فلو دخل فوجدهم ينتظرون الصلاة ولم يتسع الوقت لطواف السبع قبل الصلاة .. أمرناه أن يطوف حتى تقام الصلاة ثم يدخل فيها فإن تفريق الطواف لا يبطله على الصحيح، لا سيما وهذا بعذر.
ونستثني المرأة الشريفة أو الجميلة التي لا تبرر للرجال
إذا قامت نهارًا؛ فإنه يندب لها تأخيره إلى الليل، وكذلك الخنثى يستحب له الطواف ليلًا، فإن طاف نهارًا .. طاف متباعدًا عن الرجال والنساء.
وَيَخْتَص طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاج دَخَلَ مَكة قَبْلَ الْوًقُوفِ، وَمَنْ قَصَدَ مَكةَ لَا لِنُسُكٍ .. اسْتُحِب لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَج أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ/ يَجِبُ، إِلا أَنْ يَتَكَررَ دُخُولُهُ كَحَطابِ وَصيادِ
ــ
ويسمى طواف القدوم: طواف التحية وطواف الورود، وهو سنة على المشهور. قال:(ويختص طواف القدوم بحاج دخل مكة قبل الوقوف) هاذا بالنسبة إلى الحاج، وإلا .. فهو مستحب لكل قادم، والعبارة مقلوبة كما تقدم.
أما العمرة .. فليس فيها طواف القدوم، إنما فيها طواف واحد يسمى: طواف الفرض وطواف الركن، وهو يجزئ عن طواف القدوم كما تجزئ الفريضة عن التحية، فلو نوى به طواف القدوم .. وقع عن طواف العمرة.
قال: (ومن قصد مكة لا لنسك .. استحب له أن يحرم بحج أو عمرة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (من أراد الحج والعمرة) فلو وجب بمجرد الدخول .. لما علقه على الإرادة، ولذلك بوب على البخاري (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام)، والصواب: أن قصد الحرم كقصد مكة فكان التعبير به أولى.
قال: (وفي قول: يجب)؛ لإطباق الناس عليه، وجعله في (البيان) الأشهر وهو منصوص (الأم)، وصححه المصنف في (نكت التنبيه)، والمصحح في عامة كتبه الأول، فإن قلنا: يستحب .. كره تركه، وإن قلنا: يجب .. فله شروط:
أن يأتي من خارج الحرم وإن كان مكيًا.
وأن لا يدخلها لقتال مباح أو واجب أو خائفًا من ظالم أو غريم يحبسه وهو معسر.
وأن يكون حرامًا فلا يلزم العبد وإن أذن سيده على المذاهب.
قال: (إلا أن يتكرر دخوله كحطاب وصياد) فهاذان لا يجب عليهما قطعًا للمشقة الحاصلة بذلك.