المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: شرط الصوم: - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌فصل: شرط الصوم:

‌فَصَّلَ: شَرْط الصَوْم:

الإِسْلام وَالعُقُل وَالنِقاء عَن الحَيْض وَالنِفاس جَمِيع النَهار.

ــ

ونظير المسألة: ما إذا أحرم بالحج مجامعًا، وفيه ثلاثة أوجه، أصحهما: لا ينعقد صحيحًا ولا فاسدًا كما سيأتي في موضعه.

والفرق بينه وبين الصوم: أن الصوم يخرج منه بالإفساد فلا يصح دخوله فيه مع المفسد بخلاف الحج.

قال: (فصل: شرط الصوم: الإسلام) المراد: شرط صحته، فلا يصح صوم الكافر بالإجماع سواء كان كافرًا أصليا أم مرتدًا، وعبارة (المحرر): يشترط في الصائم، وهي أحسن.

فلو صام الكافر ثم أسلم ..... لم يحكم بصحة صومه الماضي ولا يثاب عليه، بخلاف ما إذا تصدق ثم أسلم؛ فإنه يثاب على الصدقة الماضية على الأصح.

قال: (والعقل) مرادهم ب (العقل) هنا: التمييز، فلا يصح صوم غير المميز كالمجنون والسكران والطفل والمغمى عليه دائمًا، ويصح صوم الصبي المميز بالاتفاق.

والذي يعرض للعقل أربع مراتب: أعلاها: الجنون يسلب خاصية الإنسان ويكاد يلحقه البهائم، فهذا يبطل إذا استغرق باتفاق الجمهور، وإذا عرض في أثناء النهار علي الصحيح، وأدناها: الغفلة يصح الصوم معها في جميع النهاربالأتفاق، وبين الرتبتين: النوم والإغماء وسيأتي حكمها.

قال: (والنقاء عن الحيض والنفاس) بالإجماع، فلو لدت في أثناء النهار ولم تر دمًا، فإن قلنا: لا غسل

لم يبطل صوما، وإلا

بطل على الأشهر، ولم يبطل في الآخر، قال: المصنف: وهو الراجح دليلًا.

قال: (جميع النهار) هذا قيد في الأربعة، فلو طرأ في أثناء النهار جنون أو حيض أو نفاس

بطل كما لو جن في خلال صلاته.

ص: 313

وَلا يُضَرّ النَوْم المُسْتَغْرِق عَلَى الصَحِيح. وَالأَظْهُر: أَن الإِغْماء لا يُضَرّ إِذا أَفّاق لَحْظَة مَن نَهارهُ

ــ

وقيل: لا يبطل طران الجنون، بل قال القاضي حسين: لا يضر المستغرق أيضًا.

فرع:

قال القاضي أبو الطيب: هل يبطل صوم الإنسان بالموت كما تبطل صلاته، أو لا كما لا يبطل حجه بل يبقي حكمه حتى يبعث يوم القيامة ملبيًا؟ فيه وجهان.

قال المصنف: أصحهما: أولهما، ووجه المنع بأنه روى الحاكم (3/ 103): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان رضي الله عنه في المنام: (أنت تفطر عندنا الليلة) وسيأتي في (باب التفليس) عنه ذكر السراويل.

قال: (ولا يضر النوم المستغرق علي الصحيح)؛ لبقاء أهلية الخطاب، فهو أقرب إلى رتبة الغفلة.

والثاني: يضر كالإغماء إذا استغرق، وبه قال ابن سريج وأبو الطيب بن سلمة والإصطخري.

واحترز ب (المستغرق) عما لو استيقظ في لحظة؛ فإنه يصح بالاتفاق.

قال: (والأظهر: أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لخظة من نهاره)؛ لأن الإغماء في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فلو قنا: إن المستغرق منه لا يضر كالنوم

ألحقنا الأقوى بالأضعف، ولو قلنا: إن اللحظة منه تضر كالجنون

ألحقنا الأضعف بالأقوى، فتوسطنا وقلنا: إن الإفاقه في لحظة كافية.

والثاني: يضر مطلقًا كالجنون.

والثالث: لا يضر مطلقا كالنوم.

والرابع: لا يضر إذا حصلت الإفاقة في أوله؛ لأنا نغتفر في الدوام ما لا نغتفر في الابتداء.

والخامس: لا يضر إذا أفاق في طرفيه؛ لأن الوسط يكون تابعًا فلا يضر.

ص: 314

وَلا يَصِح صُوَّم يَوْم العِيد، وَكَذا التَشْرِيق ِفي الجَدِيد. وَلا يَحْل تُطَوِّع يَوْم الشِكّ بَلًّا سَبَّبَ،

ــ

وقال المتولي: سكر بعض النهار كإغماء بعضه، كذا نقله عنه الرافعي وأقره.

ويعلم منه: الصحة في الدواء، ويتعين حمله علي المستغرق.

قال: (ولا يصح صوم يوم العيد) هذا شرط رابع وهو: الوقت القابل للصوم، فلا يصح صود العيدين بالإجماع، وفي (الصحيحين) (خ 1990 - م 1137) عن جماعة من الصحابة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صومها)، وأجمع العلماء على تحريم صومهما.

وعندنا وعند أكثر العلماء: لا يصح ولا ينعقد نذره كأيام الحيض.

وقال أو حنيفة: ينعقد نذره ويلزمه صوم غيرهما، فإن صامها

أجزاه مع التحريم.

قال: (وكذا التشريق في الجديد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامها، رواه أبو داوود (2410) بإسناد صحيح، وفي (صحيح مسلم) (1141) عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أيام منى أيام أكل وشرب وذكر الله تعالي).

وفي القديم: يجوز صومها للمتمتع إذا عدم الهدي عن الأيام الثلاثة الواجبة في الحج، واختار المصنف؛ لما روى البخاري (1997 - 1998) عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنهما قالا:(لم يرخص في أيام التشريق أن يضمن إلا لمن لم يجد الهدي)، وصرح باختياره أيضا البيهقي وابن الصلاح.

وأيام التشريق: ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك؛ لأن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحى والهدايا، أي: ينشرونها، وهي: الأيام المعدودات التي أمر الله عز وجل فيها بذكره.

قال: (ولا يحل تطوع يوم الشك بلا سبب) باتفاق الأصحاب خلافًا لأبي حنيفة ومالك.

ص: 315

فَإِنَّ صامَهُ

لِمَ يَصِح ِفي الأَصَحّ، وَلِهَ صَوْمهُ عَن القَضاء وَالنُذُر، وَكَذا إِن وَأُفُق عادَةً تُطَوِّعهُ،

ــ

لنا: ما روى ابن حبان (3585) والترمذي (686 مسندا ً، والبخاري تعليقا، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: (من صام يوم الشك ..... فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.

قال في (المهمات): والمعروف في صومه الكراهة، فهو المنصوص الذي عليه أكثر الأصحاب، والقاتل بالتحريم هم الأقلون.

قال: (فإن صامه ...... لم يصح في الأصح) كيوم العيد.

والثاني: يصح؛ لأنه قابل للصوم في الجملة. والوجهان كالوجهين في الصلاة في الأوقات المكروهة.

قال: (وله صومه عن القضاء والنذر) أى: مستقر عليه؛ مبادرة إلى براءة الذمة، ولأن له سببًا فجاز كنظيره من الصلوات في الأوقات المكروهة. ولا خاتف أنه لا يجوز صومه احتياطيًا لرمضان.

وعبارة المصنف تشمل قضاء الواجب والمستحب، كما قالوه في الأوقات المكروهة أنه يقضي فيها الواجب والمستحب، ومن صوره: أن يشرع في صوم نقل ثم يفسده، فإنه يستحب له قضاؤه.

وكلامه يشعر بأمرين:

أحدهما: عدم الكراهة، وهو الصحيح على ما يشعر به كلام (الشرحين) و (الروضة) وهو مقتضى كلام الجمهور.

والثاني: أن صوم القضاء لا يجب، وهو واضح في قضاء المنذور وقضاء رمضان لمن قام به عذر من مرض أو سفر وأراد أن يصوم مع العذر، فأما من لا عذر له .... فلا يجوز له أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر.

قال: (وكذا إن وافق عادة تطوعه)؛ بأن كان يسرد الصوم أو يصوم يوما ويفطر

ص: 316

وَهُوَ: يَوْم الثَلاثِيْنَ مَن شَعْبان إِذا تَحَدَّثَ الناس بِرُؤْيتهُ، أَو شَهِدَ بِها صَبِيّانِ، أَو عَبِيد، أَو فَسَقَة. وَلَيِسَ إِطْباق الغَيْم بِشِكّ

ــ

يومًا، أو يصوم يومًا معينا كالإثنين والخميس فوافق صومه يوم الشك

فله صيامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه) رواه الشيخان (خ 1914 - م 1082)، ولا كراهة في ذلك بلا خلاف.

وأما القضاء والنذر إذا صامهما فيه

ففي كراهة ذلك وجهان:

الأصح: لا يكره.

والثاني: نعم؛ ولا ثواب له.

قال: (وهو: يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤيته) أي: ووقع في الألسن أنه رئي ولم يقل عدل: أنا رأيته، أو قاله ولم يقبل الواحد فيه.

قال: (أو شهد بها صبيان، أو عبيد، أو فسقة) ولو ظن صدقهم.

أما إذا لم يكن شئ من ذلك، أو شهد به عبد واحد أو امرأة أو صبي

فليس بشك، وقد تقدم ما فيه من الإشكال.

قال: (وليس إطباق الغيم بشك)؛ لأنا تعبدنا فيه بإكمال العدد، ولا عبرة بظننا الرؤية لولا الغين. فلو يتحدث برؤيته أحد

فعن الشيخ أبي محمد هو يوم الشك، والأصح خلافه.

تتمة:

في الصوم بعد نصف شعبان غير يوم الشك أربعة أوجه:

أصحهما: لا يجوز؛ لما روى الأربعة وابن حبان (3589) - بإسناد صحيح - عن

ص: 317

وَيُسِنّ تَعْجِيل الفِطْر عَلِيّ تُمَر، وَإِلّا فَماء،

ــ

أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان ..... فلا تصوموا).

والثاني: يجوز ولا يكره، وبه قطع المتولي، وأشار في (التنبيه) إلى اختياره.

والثالث: يكره كراهة تنزيه، وهو اختيار الروياني.

والوجهان ضعيفان وكل من المتولي والروياني لم يثبن عنده الحديث.

والوجه الرابع: لا يتقدم الشهر بصوم يوم ولا يومين ويجوز بأكثر، وهو مقتضى كلام البندنيجي وابن الصباغ لمفهوم:(لا تقدموا رمضان يوم أو يومين).

وجوابه: أن منطوق النهي عن الصوم بعد النصف تقدم.

قال: ويسن تعجيل الفطر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه (خ 1957 - م 1098) وإنما يسن بعد تحقق الغروب.

ويكره تأخير الفطر قصدًا، وأن يتمضمض بماء ويمجه، وأن يشرب ماء ويتقيأه إلا لضرورة؛ لأن ذلك يزيل الخلوف. ومن هذا يؤخذ أن كراهة السواك لا تزول بالغروب ما لم يفطر.

قال: (على تمر، وإلا فماء)؛ لقوله صلى الله عليه ةسلم: (إذا كان ~أحدكم صائما

فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر .... فعلى الماء؛ فإن الماء طهور) رواه الأربعة وابن حبان (3515) والحاكم (1/ 432) عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه، قال مسلم: لم يكن في الصحابة ضبي غيره.

ص: 318

وَتَاخِيرُ السُّحُورِ

ــ

وفي (الترمذي)(696) عن أنس رضى الله عنه: (أن البي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد .. فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء.

وظاهر الحديث: أنه لا بد من ثلاث تمرات، بذلك صرح القاضي أبو الطيب ونقله عن النص.

وقال الشيخ محب الين الطبري: القصد أن لا يدخل جوفه شيئا قبله، قال: ومن كان بمكة ..... استحب له الفطر على ماء زمزم لبركته، فإن جمع بينه ووبين التمر .... فحسن.

والحكمة في التمر: أن الصوم يفرق البصر والتمر يجمعه، ولهذا قال الرياناي إن لم يجد التمر .... فعلي حلاوة أخري، فإن لم يجد

فعلى الماء.

قال القاضى حسين: والأولى في زماننا: أن يفطر على ماء يأخذه بكفنه من النهر؛ فإن الشبهات قد كثرت فيما في ايدي الناس.

قال المصنف: وما قاله القاضي والروياني شاذان، والصواب: التمر ثم الماء كما في الحديث.

وقال الحليمي: الأولى: أن لا يفطر على شئ مسته النار، وذكر فيه حديثا.

قال: (وتأخير السحور)؛ لأنه أرفق وأقوي عن العبادة، وفي (صحيح ابن حبان) (1770) عن ابن عباس رضي الله عنهما:(أنه من سنن المرسلين)، وفي (مسند أحمد) (5/ 147) عن أي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)

واستحباب السحور متفق عليه، ويحصل بقليل الأكل وكثيره وبالماء؛ لما روي عن ابن حبان (3476) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(تسحروا ولو بجرعة ماء).

ص: 319

ما لِمَ يُقْع ِفي شَكَّ، وَلِيَصُن لِسانهُ عَن الكِذْب وَالغَيْبَة،

ــ

و (السحور) بفتح السين: اسم للمأكول وقت السحر، وبالضم: اسم (لتناول) المأكول.

ووقته: من نصف الليل إلى طلوع الفجر، قاله في (شرح المهذب)، وذكره الرافعي كذلك في (كتاب الإيمان).

قال الشيخ: وفي هذا نظر؛ لأن السحر في اللغه قبل الفجر كما قاله الجوهري وابن فارس.

والزمخشري وابن الصيف اليمني خصاه بالسدس السادس من الليل.

وقال الحليمي: إنما يستحب السحور لغير الشبعان، فإن كان شبعانًا .... فلا؛ لأن الأكل الوائد على الشبع حرام أو مكروه، فكيف يكون سنة؟

قال: (ما لم يقع في شك) أي: في التعجيل والتأخير، فحينذ يكون تركه أولى.

وقيل: لا يجوز فعله.

قال: وليصن لسنه عن الكذب والغيبة) هذا واجب على كل أحد، ويتأكد للصائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به

فليس لله حاجة في آن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري (1903) وفي (المستدرك)(1/ 431): (رب

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)، وفي (الصحيحين) (خ 1904 - م 1151): (إذا كان يوم صوم أحدكم ..... فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه

فليقل: (إني صائم).

و (الرفث): الفحش في القول.

ومعني شاتمه: شتمه متعرضا لشتمه.

وقوله: (فليقل: إني صائم) قيل: بلسانه، وقيل: بقلبه فيتذكر أنه لا تليق به المشاتمة، والمعنيان حسنان، ولو جمعهما كان أحسن، واستحين الروياني وجها ثالثا: أنه يقول بلسانه في صوم رمضان، وفي نفسه في صوم التطوع.

وأما حديث: (خمس يفطرن الصائم: الغيبة والنميمة والكذب والقبلة واليميمن الفاجرة) فرواه الأزدي في (الضعفاء) عن جابان عن أنس رضي الله عنه مرفوعا، ووقع في (الإحياء) عن جابر رضي الله عنه وهو تصحيف، وإن صح

قال الماوردي: فالمراد: بطلان الثواب لا الصوم.

وقال سفيان الثوري ومجاهد والأوزاعي: يبطل الصوم بالغيبة والكذب ويجب قضاؤه.

ص: 321

وَنَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ

ــ

وفي (الإحياء) و (الأذكار): أن الغيبة قد تكون بالقلب.

وتعبير المصنف ب (اللسان) يخرج ذلك على أن الغيبة قد تجوز لحاجة التظلم ونجوه، وكذلك الغيبة كا لإخبار عن مساوئ الخاطب وعيوب المبيع، لكن المصنف جرى على الغالب، وما أحسن قول المتولي: يجب على الصائم أن يصوم بعينه فلا ينظر إلى ما لا يحل، وبسمعه فلا يسمع ما لا يحل، وبلسانه فلا ينطق بفحش ولا شتم ولا كذب ولا غيبة.

وهذة الأشياء وإن حرمت مطلقًا فهى في رمضان أشد تحريما.

فائدة:

قال المصنف في (الأذكار): بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من عيب؟ فقال: هى أكثر من أن تحصى، والذى أحصيته منها ثمانية آلاف عيب، ووجدت خلصة إذا استعملها

سترت العيوب كلها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان.

نقل فيه عن النحاس عن بعض السلف: أنه كره أن يقول الصائم: وحق الخاتم الذي على فمى، واحتج له بأنه يختم على أفواه الكفار.

قال المصنف: وفي الاحتجاج نظر، وإنما حجته: أنه حلف بغير الله تعالى فهو مكروه لذلك لا لما قاله.

قال: (ونفسه عن الشهوات) المسموعات والمبصرات والمشمومات ولو كانت مباحة؛ لأن ذلك سر الصوم والمقصود الأعظم منه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(الصوم جنة) أي: بقي موارد الهوى والهلكات، ومن هنا تؤخذ كراهة شم الريحان والطيب للصائم، وبه صرح المتولى.

وقال: المحاملي والجرجاني: يكره للصائم دخول الحمام، يعني: من غير حاجة، وكأنه لإضعافه عن العبادة

ص: 322

وَيَسْتَحِبُّ: أَن يَغْتَسِل مَنَ الْجَنابَة قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَنْ يَحْتَرِز عَن الحِجامَة

ــ

قال في (الدقائق): (ونفسه عن الشهوات) مستحب، ولا يمنع هذا العطف؛ لأن النوعين اشتركا في الأمر بهما، لكن الأول إيجاب والثاني أمر ندب، عكس:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ} .

قال: (ويستحب: أن يغتسل من الجنابة قبل الفجر)، وكذلك من الحيض والنفاس؛ ليؤدي العبادة على طهارة.

ويجوز تأخيره؛ أما في الاحتلام

فبالإجماع، وأما عن الجماع

فلما في (الصحيحين)(خ 1932 - م 1109) عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جما غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم)، وبهذ قال جمهور العلماء.

وقال سالم بن عبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم: (لا يصح صومه)، وقيل إن أبا هريرة رضي الله عنه رجع عنه.

وقال النخعي: لا يصح صوم منقطعة الحيض حتي تغتسل.

واحتج أبو هريرة رضي الله عنه ومن وافقه بحديث: (من أصبح جنبا

فلا صوم له)، وهو في (صحيح البخاري).

قال ابن المنذر: وأحسن ما سمعت فيه: أنه منسوخ؛ لأن الجماع كان في أول الإسلام محرما على الصائم بعد النوم كالطعام والشراب، فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر .... جاز للجنب إذا أصبح قبل الاغتسال أن يصوم.

قال: (وأن يحترز عن الحجامة) وكذلك الفصد؛ للاختلاف فيهما كما تقدم.

ص: 323

وَالقِبْلَة وَذَوْق الطَعام وَالعِلْك، وَإِن يَقُول عَنِدَ فِطَرهُ:(اللَهْم؛ لَكّ صَمَتتَ، وَعَلَى رِزْقكَ أَفْطَرتِ)،

ــ

قال: (والقبلة) أي ندبًا لا تحريمًا؛ خشية الإفساد، وهذه مكررة في الكتاب.

وحكم النظر بشهوة حكم القبلة، وصرح الروياني في (الحلية) بأنه يأثم به.

قال: (وذوق الطعام) خوفًا من وصوله إلى حلقه، ولو قال:(والذوق) كان أعم. ويكره مضغ الخبز وغيره إلا أن يحتاج إلى ذلك لطفل ونحوه.

قال: (والعلك)؛ لأنه يجمع الريق، وقد سبق الخلاف في الإفطار به، وهو مضغه، و (العلك)؛ لأنه يجمع الريق، وقد سبق الخلاف في الإفطار به، وهو بفتح العين مصدر معاناه: المضغ، تقول: علك الشئ يعلكه بالضم علكًا: إذا مضغه، و (العلك) بالكسر: الشئ المعلوك، وكذلك ضبطه المصنف بخطه بالوجهين.

كل هذا إذا لم يصل من العلك شئ إلى الجوف، فإن كان يتناثر منه شئ .... فلا يجوز علكه.

وقال القاضي حسين: إن كان جديدا .... فلا محالة أنه يصل منه شئ إلى جوفه، فلا يجوز له مضغه، قال: واللبان الأبيض ضرب منه، إذا أصابه الماء

اشتد.

قال المصنف: إن وصل شئ منه عمدا ً ..... أفطر، وإن شك ...... فلا، وإن ابتلع ريقه وفيه طعمه أو ريحه ...... لم يفطر خلافا لابن القطان.

قال: (وأن يقول عند فطره: (اللهم؛ لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) كذا رواه داوود أبو داوود (2350) عن معاذ بن زهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ومعاذ بن زهرة تابعي، ورواه الدارقطني (2/ 185) من رواية ابن عباس رضي الله عنهما متصلا ً، وزاد في آخره:(فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) لكن في إسناده: عبد الملك بن هارون وهو دجال كذاب.

ص: 324

وَإِنْ يُكْثِر الصَّدَقَة وَتِلَاوَةَ القُرْآنِ ِفي رَمَضانَ، وَأَنْ يَعْتَكِفَ لَا سِيَّمَا ِفي العُشْر الأَواخِر مِنهُ

ــ

وفي (ابن ماجه)(1753) عن ابن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للصائم عند فطره دعوة مجابة)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول عند فطره:(اللهم؛ ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، اللهم؛ يا واسع المغفرة اغفر لي)، وفهم من الدعاء المذكور: أنه يقوله بعد فطره وهو واضح.

قال: (وأن يكثر الصدقة وتلاوة القرآن في رمضان) أما الصدقة ...... فلقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان) رواه الترمذي (663)، وسيأتي في (صدقة التطوع) بيان ذلك.

وأما تلاوة القرآن

ففي (الصحيحين)(خ 6 - م 2308): (أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة في رضمان فيعارضه القرآن)، ولأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن إلى السماء الدنيا.

قال: (وأن يعتكف)؛ لأنه أقرب إلى صيانة النفس وتمام الصيام.

قال: (لا سيما في العشر الأواخر منه، ففي (الصحيحين)(خ2026 - م 1171).

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، وفي (البخاري) (2024):(كان إذا دخل العشر .... أحيي الليل كله، وأيقظ أهله، وشد منزره)، وفي مسلم (1175):(كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره).

وقوله: (العشر الأواخر) هو الصواب؛ لأن المقصود: التأخير الوجودي، فهو جمع آخرة، وفاعله تجمع على فواعل قياسا.

قال الشيخ: وقوله: (لا سيما) كلمة منبهة على ان ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها لا مستشني بها علي الأصح.

وقال الجوهري: يستثني بها. وأصلها (سي) ضم إليه (ما)، وهى بمنزلة (مثل) وزنا الجوهري: يستثني بها. وأصلها (سي) ضم إليه (ما)، وهي بمنزلةة (مثل) وزنًا ومعني، والأشهر فيها: تشديد الياء، ويجوز في الاسم الذى بعدها الجر والرفع والنصب، وقد روى بهن قول امرئ القيس (من الطويل):

ولا سيما يوم بدارة جلجل

والجر أرجحها وهو على الإضافة، و (ما) زائدة، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقول: جاءني القوم لاسيما أخوك، أي: الذي هو أخوك، والنصب على التمييز.

تتمة:

يستحب أن يفطر الصائم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما فله مثل أجره) صححه الترمذي (807).

ص: 326