المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: لِصَلَاتِهِ أَرْكِانٌ: أَحَدْهَا: النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، ــ تتمة: إذا مر - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: لِصَلَاتِهِ أَرْكِانٌ: أَحَدْهَا: النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، ــ تتمة: إذا مر

‌فَصْلٌ:

لِصَلَاتِهِ أَرْكِانٌ: أَحَدْهَا: النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ،

ــ

تتمة:

إذا مر عليه بجنازة .. فالمنصوص وقول الأكثرين: أنه لا يستحب له القيام لها بل قالوا: يكره.

قال في زوائد (الروضة): وانفرد المتولي باستحبابه، واختار في (شرح المهذب) مقالة المتولي.

قال: (فصل:

لصلاته أركان) أي: لصلاة الميت المسلم غير الشهيد.

قال الفاكهاني في (شرح الرسالة): من خصائص هذه الأمة الصلاة على الميت والإيصاء بالثلث، ويدل له من السنة ما رواه ابن ماجه [2710] عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ اثنتان لم تكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبًا من مالك حين أخذت بكَظَمِك، لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك).

(الكظم) بالتحريك: مجامع النفس، والجمع أكظام.

قال: (أحدها: النية)؛ للحديث المشهور، وفي كونها من الأركان أو الشروط الخلاف المتقدم في الصلاة.

قال: (ووقتها كغيرها) فتكون مقارنة للتكبير كما تقدم، وكيفيتها: أن ينوي مع التكبير الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الأموات سواء عرف عددهم أم لا.

قال: (وتكفي نية الفرض) كما يكفي ذلك في الظهر ونحوها من غير تقييد بفرض العين.

ص: 41

وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ. وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ .. بَطَلَتْ. وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى .. نَوَاهُمْ. الثَّانِي: أَرْبَعُ تُكْبِيرَاتٍ،

ــ

قال: (وقيل: تشترط نية فرض كفاية)؛ لتتميز عن فرض العين.

وعلم من كلامه: أن نية الفرضية لا بد منها، وهو موافق لما صححوه في الصلوات الخمس. وفي الإضافة إلى الله تعالى الوجهان السابقان.

قال: (ولا يجب تعيين الميت) أي: باسمه كزيد أو عمرو؛ لأنه قد لا يعلمه.

وأما التعيين الذي يميزه عن غيره بقوله: هذا، أو الحاضر، أو من يصلي عليه الإمام .. فلا بد منه.

قال: (فإن عين وأخطأ .. بطلت) صلاته؛ لأن الذي نواه لم يقع. وخصصه المصنف بما إذا لم يشر إليه، قال: فإن أشار إليه .. صح في الأصح.

قال: (وإن حضر موتى .. نواهم) بصلاة واحدة عرف عددهم أم لا؛ لأنه قد لا تتأتى له معرفتهم.

فلو صلى على البعض ولم يعينه ثم صلى على البعض الآخر من غير تعيين .. لم يصح.

قال الروياني: ولو صلى عليهم على أنهم عشرة فبانوا أحد عشر .. أعاد الصلاة على جميعهم.

قال: ويحتمل أن يعيدها على الحادي عشر وإن لم يعينه فيقول: نويت الصلاة على من لم أصل عليه أولًا.

قال: ولو صلى على ميت وحي دفعة واحدة، فإن علم حياته .. لم تصح صلاته، وإن ظن موته .. صحت في حق الميت دون الحي، كما لو صلى الظهر قبل الزوال.

ويجب على المقتدي نية الاقتداء، ولا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم كما سيأتي في آخر الباب.

قال: (الثاني: أربع تكبيرات) أي: منها تكبيرة الإحرام؛ لأن آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كبر على سهيل بن بيضاء أربعًا) متفق عليه.

ص: 42

فَإِنْ خَمَّسَ .. لَمْ تَبْطُلْ فِي الأَصَحِّ

ــ

وفي (المستدرك)[1/ 386] عن ابن عباس رضي الله عنهما: (آخر ما كبر النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعًا، وكبر عمر على أبي بكر رضي الله عنهما أربعًا، وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعًا، وكبر الحسن بن علي على علي رضي الله عنهم أربعًا، وكبر الحسين بن علي على الحسن أربعًا، وكبرت الملائكة على أدم عليه السلام أربعًا) كذا رواه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي عياض: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر أربعًا وخمسًا وستًا وسبعًا وثمانيًا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعًا، وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم إلى رحمة الله).

قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع.

قال في (شرح المهذب): وهي أركان بلا خلاف. وكأنه لم ير ما في (اللباب) و (الرونق) أن الفرض تكبيرة الإحرام، والثلاث سنة.

وفي (طبقات الممصنف): أن البيهقي قال: التكبيرة الأولى وقراءة الفاتحة واجبتان، وأما التكبيرات الثلاث والدعاء للميت: فهل هو واجب؟ يحتمل وجهين. وفي (معتمد البدنيجي) و (الإستذكار) للدارمي وغيرهما عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهم وجابر بن زيد وابن سيرين: أن التكبيرات ثلاث لا غير، وكذلك قال ابن سريج وجهل الرابعة سنة.

قال: (فإن خمس .. لم تبطل في الأصح)؛ لثبوت الزيادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في (صحيح مسلم)[956] من رواية زيد بن أرقم، إلا أن الأربع الأولى استقر الأمر عليها.

والوجه الثاني: أنها تبطل كما لو زاد ركعة.

هذا إذا تعمد، فإن كان ساهيًا .. لم تبطل ولا مدخل للسجود هنا.

ص: 43

وَلَوْ خَمَّسَ إِمَامُهُ .. لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلَّمَ مَعَهُ. الثَّالِثُ: السَّلَامُ كَغَيْرِهَا. الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ

ــ

وقيل: تستحب الخامسة.

قال: (ولو خمس إمامه .. لم يتابعه في الأصح)؛ لأن هذه الزيادة ليست مسنونة للأمام.

والثاني: يتابعه لتأكد المتابعة.

وكان ينبغي التعبير بالأظهر كما في (الروضة)، أو المذهب كما في (شرح المهذب).

قال: (بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه) هذا تفريع على المذهب وهو: أن الخامسة غير مشروعة ولا مبطلة، فإن جعلناها مبطلة أو اعتقده المأموم .. تعينت المفارقة.

ثم إذا لم يتابعه فقيل: يسلم في الحال، والأصح: يتنظره. وهذا بخلاف ما إذا قام الإمام إلى خامسة لا يجوز انتظاره؛ لأذ المتابعة في الأفعال واجبة ولا يمكن في الخامسة فتعينت المفارقة، والأذكار التي ليست محسوبة للإمام لا تلزم المتابعة فيها.

قال: (الثالث: السلام)؛ لأنها صلاة وفي الحديث: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم).

قال: (كغيرها) أي: في عدده وكيفيته ونية الخروج وغير ذلك، وأشار بذلك أيضًا إلى التعليل.

وفي قول،: يقتصر من تسليمة وإن قلنا في غيرها تسليمتان.

والأصح: أنه يقول: ورحمة الله، والواجب منه: ما يجب في غيرها، وقيل: يكفي السلام عليك.

قال: (الرابع: قراءة الفاتحة) خلافًا للأمة الثلاثة.

ص: 44

بَعْدَ الأُولُى، قُلْتُ: تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الأُولَى، َوَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

لنا: ما روى البخاري [1335] أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: (فعلته؛ لتعلموا أنها سنة)، وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب (رواه الدارقطني [1/ 321] وقال: إسناده صحيح.

قال: (بعد الأولى)؛ لما روى الحاكم [1/ 358] عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر على جنائزنا أربعًا، يقرأ فاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى).

قال: (قلت: تجزئ الفاتحة بعد غير الأولى والله أعلم)؛ لأنه لا يظهر بذلك خلل في الصلاة، وهذا يحكى عن النص. والمراد: أنه لو أخر قراءتها إلى الثانية .. جاز.

ومقتضى كلام المصنف: أنه لو أخر قراءتها إلى الثالثة أو الرابعة .. جاز أيضًا، وصرح في (شرح المهذب) بجواز أن يجمع في التكبيرة الثانية بين القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة بين القراءة والدعاء للميت، ويجوز إخلاء التكبيرة الأولى عن القراءة.

ونقل ابن الرفعة تعيين القراءة في الأولى عن جماعة، وبه جزم المصنف في (التبيان)، وحديث أبي أمامة الآتي يدل له لا جرم.

قال الشيخ: المدرك في هذا الباب الاتباع، فينبغي أن تتعين القراءة في الأولى كما تتعين التكبيرات الأربع، إلا أن يأتي دليل بجوازها في غير الأولى.

أما قراءة السورة .. فلا تستحب في الأصح، بل نقل الإمام فيه الإجماع.

وقيل: تستحب سورة قصيرة؛ لحديث فيه صحيح في (مسند أبي يعلى الموصلي)[2661].

ص: 45

الْخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم َبْعَد الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الآلِ لَا تَجِبُ

ــ

قال: (الخامس: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحاكم [1/ 359] روى: أنه من السنة، وقال: على شرط الشيخين، ولأنه أرجى لإجابة الدعاء.

وقال محمد بن نصر: إنها سنة فيها وأقلها: اللهم؛ صل على محمد.

قال: (بعد الثانية)؛ لما روي عن أبي أمامة (بن) سهل بن حنيف أنه قال: (من السنة في صلاة الجنازة أن يكبر، ثم يقرأ بأم القرآن مخافتة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت، ويسلم) رواه عبد الرزاق [6428] والنسائي (بإسناد صحيح، وأبي أمامة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (والصيح: أن الصلاة على الآل لا تجب) كغيرها وأولى؛ لبنائها على التخفيف.

والثاني: تجب.

وجزمه بالوجهين مخالف لتردده في (الروضة) تبعًا ل (الشرح): فإنه قال: فيه قولان أو وجهان، بل قال في (شرح المهذب): قطع الجمهور بعدم الوجوب. ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقب الصلاة [على النبي صلى الله عليه وسلم على الأصح: تقريبًا للإجابة.

وهل يستحب الحمد قبل الصلاة [على النبي صلى الله عليه وسلم]؟ فيه وجهان:

أرجحهما في (الروضة): نعم.

والثاني: لا، وهو مقتضى كلام الأكثرين.

قال في (الروضة): ولا يشترط ترتيب هذه الثلاثة لكنه الأولى. ومراده: ما يقوله بعد الثانية من حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء

ص: 46

السَّادِسُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. السَّابِعُ: الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ قَدَرَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التّكْبيرَاتِ وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ،

ــ

للمؤمنين وذلك واضح، ولم يرد الأركان الثلاثة: القراءة والصلاة والدعاء للميت كما توهمه بعضهم.

قال: (السادس: الدعاء للميت) أي: بما يقع عليه الاسم: لأنه المقصود الأعظم منها وما قبله مقدمات له.

وروي أبو داوود [3191] وابن ماجه [1497] وابن حبان [3076] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صليتم على الميت .. فأخلصوا له الدعاء).

ولا بد من تخصيص الميت، وقيل: يكفي إرسال الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ويندرج الميت فيهم.

قال: (بعد الثالثة)؛ لخبر أبي أمامة. ولا يختلف الأصحاب أنه لا يجزاء في غيرها، قال في (شرح المهذب): وليس لتخصيص ذلك إلا مجرد الإتباع. وهو مشكل بجواز قراءة الفاتحة في غير الأولى.

قال: (السابع: القيام على المذهب إن قدر)؛ لأنها صلاة مفروضة فوجب القيام

فيها كغيرها من الصلوات المفروضات.

وقيل: يجوز القعود مع القدرة كالنوافل؛ لأنها ليست من فرائض الأعيان.

والثالث: إن تعينت .. وجب القيام، وإلا .. فلا.

قال: (ويسن رفع يديه في التكبيرات) أي: حذو المنكبين، كذا رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنس وابن عمر يفعلانه، كذا رواه البيهقي عنهما [4/ 44] ولأنها تكبيرات تفعل حال الاستقرار فأشبهت تكبيرة الإحرام. وأجمعوا على الرفع في الأولى. ويندب أن يجمع يديه بينهما ويضعهما تحت صدره.

قال (وإسرار القراءة)؛ لما تقدم في حديث أبي أمامة.

وعبارته قد تفهم الجهر فيما عدا القراءة، وهو في التكبيرات والسلام صحيح،

ص: 47

وَقِيلَ: يَجْهَرُ لَيْلًا. وَالأَصَحُّ: نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الاِفْتِتَاحِ. وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ: (اللَّهُمَّ؛ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ

) إِلَى آخِرِهِ،

ــ

وأما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء .. فيندب الإسرار بهما اتفاقًا. قاله في (شرح المهذب).

قال: (وقيل: يجهر ليلًا)؛ لأنها صلاة ليلية، وتفعل في النهار سرًا، فكانت في الليل جهرًا، كصلاة الكسوف، قاله الداركي وصححه القاضي وجماعة، وجوابه إطلاق الحديث المتقدم.

قال: (والأصح: ندب التعوذ دون الافتتاح) أما التعوذ .. فللقراءة ولقصره، وأما ترك دعاء الافتتاح .. فلأنها مبنية على الاختصار.

وقيل: لا يندبان؛ لطلب التخفيف.

وقيل: يندبان كالتأمين.

ومقتضى هذا التعليل: أنه إذا صلى على غائب أو على ميت بعدما دفن .. يستحب أن يأتي بدعاء الافتتاح لفقد المعنى الذي لأجله ترك.

قال: (ويقول في الثالثة: (اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك

(إلى آخره) ذكره في (المحرر) بطولة وهو: اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبها وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم؛ إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم؛ إن كان محسنًا .. فزد في إحسانه، وان كان مسيئًا .. فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين.

وهذا الدعاء التقطه الإمام الشافعي رضي الله عنه من مجموع أحاديث وذكره في (المختصر).

و (رَوح الدنيا) يفتح الراء: الفضاء والسعة.

وقوله: (نزل بك

) أي: وضيف عندك، وضيف الكريم لا يضام، وأنت

ص: 48

وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ: (اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرَنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ؛ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا .. فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا .. فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ)،

ــ

خير من نزل الأضياف عنده.

فإن كان الميت امرأة .. قال: إن هذه أمتك وبنت عبديك، ويأتي بضمائر المؤنثة إلى أخره.

قال المصنف: ولو ذكرها على إرادة الشخص .. لم يضر،

قلت: إلا في قوله: (وأنت خير منزول به) فإنه يذكر الضمير ويفرده مطلقًا، سواء كان الميت ذكرًا أو أنثى، مثَّنىً أو مجموعًا؛ لأنه عائد على الله تعالى فيذكره في كل الأحوال، وكثيرًا ما يغلط في ذلك.

أما إذا لم يعرف أن الميت ذكر أو أنثى .. فينبغي أن يأتي يلفظ يتناول النوعين، ويأتي بالضمائر مذكرة باعتبار لفظ (من)، أو إرادة الشخص أو الميت، أو يأتي يلفظ الجنازة ويؤنث باعتبارها.

قال: (ويقدم عليه) أي: استحبابًا اللهم؛ اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا. اللهم؟ من أحييته امنا .. فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا .. فتوفه على الإيمان رواه أحمد [2/ 368] وأبي داوود [3193] والترمذي [1024] وابن ماجه [1498] وابن حبان [3070] والحاكم [1/ 358] بإسناد صحيح من طريق أبي هريرة رضي الله عنه.

وأصح حديث في الباب ما رواه مسلم [963] عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: (اللهم؛ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار (قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 49

وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي: (اللَّهُمَّ؛ أجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا، وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينّهُمَا، وَأَفْرِغِ الصِّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا)، وَفِي الرَّابِعَةِ:(اللَّهُمَّ؛ لَا َتحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) ......

ــ

قال: (ويقول في الطفل مع هذا الثاني: (اللهم؛ اجعله فرطًا لأبويه وسلفًا وذخرًا، وعظة واعتبارًا وشفيعًا، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، رويت بعض هذه الألفاظ عن الحسن أنه كان يقولها.

و (الطفل والطفلة): الصغيران ما لم يبلغا، وجمعه أطفال، ويطلق على الواحد والجمع تقول: جارية طفل، وجاريتان طفل، وجوار طفل، وغلام طفل، وغلامان طفل، وغلمان طفل.

و (الفوط): السابق المهياء في دار القرار، وفي الحديث:(أنا فرطكم على الحوض).

قال الجوهري: يقال: احتسب فلان ابنًا له أو أمة له: إذا مات وهو كبير، فإن مات صغيرًا .. قيل: افترطه.

هذا في الأبوين الحيين المسلمين، فلو كانا ميتين، أو كان أحدهما مسلما فقط، أو كانا كافرين بأن تبع السابي أو جده أو صححنا إسلامه استقلالًا .. لم يدع لأبويه.

قال: (وفي الرابعة) أي: ندبًا ((اللهّم؛ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله كذا روي عن السلف، ويستحب تطويل الدعاء عقبها.

وفي وجه: لا يستحب في الرابعة دعاء، فقد كان محمد بن يحيي يترك فيها الدعاء، كما حكاه عنه والد الرافعي.

وحكى ابن أبي هريرة أن المتقدمين كانوا يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ، وهذا حسن لكنه ليس عن الإمام الشافعي رضي الله عنه.

ص: 50

ولَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إِمَامُهُ أُخْرَي .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ (الْفَاتِحَةَ) وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ كَبَّرَ الإِمَامُ أُخْرَي قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي (الْفَاتِحَةَ) .. كَبِّرْ مَعَهُ وَسَقَطَتِ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبِّرْ وَهُوَ فِي (الْفَاتِحَةَ) .. تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ .. تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ

ــ

وقوله (تحرمنا) بفتح التاء وضمها - كما ضبطه المصنف بخطه - أي: لا تحرمنا أجر الصلاة عليه.

وقوله: (ولا تفتنا بعده) أي: بالمعاصي.

و (الفتنة): الامتحان والاختبار تقول: فتنت الذهب: إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته.

قال: (ولو تخلف المقتدي بلا عذر فلم يكبر حتى كبر إمامه أخري .. بطلت صلاته)، لأن القدوة في هذه الصلاة لا تظهر إلا بالتكبيرات، فالتخلف بتكبيرة يشبه التخلف بركعة، ولم يبين الشيخان العذر.

والظاهر: أن النسيان عذر، وعدم سماع التكبير عذر، وهل الجهل عذر؟ فيه نظر. قال:(ويكبر المسبوق ويقرأ (الفاتحة (وإن كان الإمام في غيرها)؛ لأن ما أدركه المسبوق أول صلاته، فيراعي ترتيب نفسه في القراءة والدعاء.

قال: (فلو كبر الإمام أخرى قبل شروعه في (الفاتحة) .. كبر معه وسقطت القراءة) كما لو ركع الإمام في سائر الصلوات عقب إحرام المسبوق .. فإنه يركع معه وتسقط القراءة عنه.

قال: (وإن كبر وهو في (الفاتحة) .. تركها وتابعه في الأصح) الوجهان كالوجهين في سائر الصلوات إذا ركع الإمام في أثناء (الفاتحة)، وقد تقدم بيانه.

قال: (وإذا سلم الإمام .. تدارك المسبوق باقي التكبيرات)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم .. فأتموا).

ص: 51

بِأَذْكَارِهَا، وَفِي قَوْلٍ: لَا تُشْتَرَطُ الأَذْكَارُ. وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ

ــ

وخالفت تكبيرات العيد حيث لا يأتي بما فاته منها؛ فإن التكبيرات هنا بمنزلة أفعال الصلاة فلا يمكن الإخلال بها، وفي العيد سنة فسقطت بفوات محلها.

قال: (بأذكارها) أي: حتمًا في محتومها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ما سبقك، واقض ما فاتك)، ولأن الحاجة إلى الأذكار تقتضي الإتيان بها كما جازت الصلاة على الغائب.

قال: (وفي قول: لا تشترط الأذكار)؛ لأن الجنازة ترفع بعد سلام الإمام فليس الوقت وقت تطويل.

والخلاف قولان لا وجهان، ومحلهما: إذا رفعت الجنازة، فإن تيقن بقاءها أو كانت على غائب .. فيأتي بالأذكار قطعًا صرح به المحب الطبري، ولذلك قال الأصحاب: يستحب إبقاء الجنازة حتى يتم المقتدون.

ولا يضر رفعها قبله، لأنه:(يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء).

وحكي الروياني عن والده وجهين في جواز الصلاة على الجنازة وهي محمولة قبل أن توضع.

قال: (وتشترط شروط الصلاة) من ستر وطهارة واستقبال؛ لأنها صلاة شرعية فعموم الأدلة يشملها.

وقال أبو حنيفة: تصح بالتيمم مع وجود الماء إذا خاف فوتها لو اشتغل بالوضوء، وهو قول جماعة من السلف ورواية عن أحمد.

وقال محمد بن جرير الطبري - تبعا للشعبي والشيعة -: تصح من غير طهارة مع إمكان الوضوء والتيمم؛ لأنها دعاء.

قال الماوردي: وهو قول خارق للإجماع لا يلتفت إليه، ووهم ابن العربي في (شرح الترمذي) فنقل ذلك عن ابن جرير والشافعي؛ فتصحف عليه الشعبي بالشافعي.

ص: 52

لَا الْجَمَاعَةِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ: يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، َوِقيلَ: أَرْبَعَةٌ

ــ

ويشترط فيها أيضًا ما سيأتي في آخر الباب من تقديم الغسل، وعدم التقدم على الجنازة الحاضرة.

قال: (لا الجماعة) فليست شرطًا فيها كسائر الصلوات، وهذا لا خلاف فيه. وقد روى البيهقي [4/ 30] عن أبن عباس رضي الله عنهما قال:(لما صلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أدخل الرجال فصلوا عليه إرسالًا لم يؤمهم أحد).

قال الشافعي: وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه.

قال: (ويسقط فرضها بواحد)؛ لحصول الفرض به، ومن هنا يعلم أنها فرض كفاية وهو إجماع، ويستحب الإكثار من عدد المصلين.

قال: (وقيل: يجب اثنان)؛ لحصول الاجتماع بهما، وهو بناء على أن ذلك أقل الجمع.

قال: (وقيل: ثلاثة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي مات وعلية دين: (صلوا على صاحبكم)، وهذا خطاب للجمع والثلاثة أقله.

والمصنف حكاه هنا وجهًا تبعا ً ل (المحرر)، وحكاه في (الروضة) قولًا وهو منصوص (الأم)، والذي صححه قول أيضا، والثالث والرابع وجهان، ففي المسألة قولان ووجهان.

قال: (وقيل: أربعة) كعدد الحامل لها، ورد بأن الحمل بين العمودين يحصل بثلاثة.

ولو زاد المصلون على ذلك .. فصلاة الجميع تقع فرضًا؛ لأن بعضهم ليس أولى من بعض.

ص: 53

وَلَا تَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الأَصَحِّ. وَيُصَلَّي عَلَى الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ

ــ

قال الإمام: ويحتمل أن يقال: هو كمسح المتوضئ جميع رأسه دفعة واحدة، وقد تقدم ما فيه.

قال: (ولا تسقط بالنساء وهناك رجال في الأصح)، وكذا لو كان هناك رجل واحد أو صبي على الأصح؛ لأن فيه استهانة بالميت، ولأن دعاء الرجال أقرب إلى الإجابة، وأهليتهم إلى العبادة أكمل.

والثاني: تسقط؛ لصحة صلاتهن وجماعتهن.

فروع:

إذا لم يحضر إلا النساء .. توجه الفرض إليهن ويصلين للضرورة منفردات. قال المصنف: وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها.

وقال في (العدة): يستحب لهن أن يصلين على المرأة جماعة.

وصرح المصنف بأن صلاتهن مع الرجال نافلة؛ لأنهن لم يدخلن في الفرض إذا حضر الرجال.

والخنثى كالمرأة على الأصح.

والأصح: سقوط الفرض بصلاة الصبيان المميزين، بخلاف رد السلام.

ووقع في (مناسك) المصنف تصحيح مقابله وهو سبق قلم.

وصلاة الزائد على ما يسقط به الفرض في وقوعه فرضًا أو نفلًا وجهان كما لو مسح المتوضئ رأسه دفعة واحدة وقد تقدم.

قال: (ويصلى على الغائب عن البلد) خلافا لأبي حنيفة ومالك.

لنا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس وهو بالمدينة بصوت النجاشي في

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى فصلى عليه وكبر أربعة) رواه الشيخان [خ 1318 – م 951]، وكان ذلك في شهر رجب سنة تسع، وفي حديث ضعيف:(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على معاوية بن معاوية بتبوك).

ولا فرق بين أن يكون البلد بعيدًا أو قريبًا، في جهة القبلة أو غيرها، لكن المصلي يستقبل القبلة، وسواء صلي عليه أم لا.

وقال الخطابي: لا يصلي عليه إلا أنا كان في موضع لم يصل عليه فيه كما وقع للنجاشي.

واحترز بـ (الغائب عن البلد) عن الحاضر معه فيه؛ فإنه لا يصلي عليه في الأصح كبرت البلد أم صغرت؛ لأن ذهابه إليه متيسر.

وهل تشرع للمحبوس بالبلد الصلاة على من مات بها؟ فيه نظر، وإطلاقهم صريح في المنع من ذلك.

والظاهر: الجواز، وبه صرح ابن أبي الدم؟ لأنهم قد عللوا المنع كما تقدم بتيسر الذهاب إليه.

وفي معناه: إذا قتل إنسان ببلد وأخفي قبره عن الناس.

غريبة:

قال أبو الحسين بن القطان: إن صلاة الغائب وإن جازت لا تسقط الفرض. ومراده: أنها لا تسقط الفرض عن أهل بلد الميت؛ لأن فرض الكفاية تعلق بهم.

فرع:

يجوز أن يصلي على الأموات الذين ماتوا في يومه أو سنته وغسلوا في أقطار الأرض ولا يعرف عينهم؛ لأن الصلاة على الغائب جائزة وتعيينهم غير شرط.

ص: 55

وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالأَصَحُّ: تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ

ــ

قال: (ويجب تقديمها على الدفن)؛ لأنه المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده.

فلو دفن من غير صلاة .. أثم الدافنون وكل من توجه عليه فرض الصلاة من أهل تلك الناحية بلا خلاف، لكن لا ينبش القبر بل يصلى عليه كما سيأتي. ويسقط الفرض بالصلاة على القبر.

وعن الشيخ أبي إسحاق المروزي: لا يسقط وهو غلط. قال: (وتصح بعده)؛ لأن مسكينة يقال لها: أم محجن ماتت ليلًا فدفنوها وكرهوا أن يوقظوا النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبرها من الغد، رواه النسائي [4/ 40] وغيره بإسناد صحيح، وفي (الصحيحين) [خ 458 – م 956]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة أو رجل كان يَقُمُّ المسجد)، و (أنه صلى على قبر منبوذ)[خ 857 – م 954].

قال: (والأصح: تخصيص الصحة بمن كان من أهل فرضها وقت الموت)؛ لأنه يؤدي فرضًا خوطب به، وأما غيره .. فمتطوع وهذه الصلاة لا يتطوع بها.

والثاني: أنه يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه يوم موته، وصححه في (الشرح الصغير).

فعلى الوجهين: من لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزًا .. لم يصل، ومن كان مميزًا صلى على الثاني دون الأول، ومن كان حينئذ كافرا أو حائضًا .. يصلي إذا أسلم أو طهر قاله الإمام والغزالي.

قال في (شرح المهذب): وهو مخالف لظاهر كلام الأصحاب، قال: وقد صرح المتولي بأن الكافر لا يصلي.

ص: 56

وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَالٍ

ــ

والثالث: أنه يصلى على القبر إلى ثلاثة أيام دون ما بعدها، وبه قال أبو حنيفة. والرابع - وبه قال أحمد -: يجوز إلى شهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على البراء بن معرور بعد شهر، وصلى ابن عمر على أخيه بعد شهر، وصلت عائشة على قبر أخيها عبد الرحمن بعد شهر، ولا يعرف لهما مخالف.

والخامس: ما بقي منه شيء في القبر، فإن انمحقت أجزاؤه .. لم يصل عليه. وإن شك في الانمحاق .. فالأصل البقاء.

والسادس: يصلى عليه أبدًا، لأن المقصود من الصلاة الدعاء وهو مطلوب في كل وقت.

وفي (الصحيحين)[خ 4042 – م 2296]: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين). قال ابن الرفعة: والظاهر: أنها الصلاة الشرعية لا اللغوية؛ لأن أبا داوود [3215] روى: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم صلاته على الميت)، وسيأتي في غسل الشهيد والصلاة عليه بيان هذا الحديث والجواب عنه.

قال: (ولا يصلى على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال)، وكذا قبر غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لما روى البخاري [1330] ومسلم [529]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

وقال أبو الوليد النيسابوري وجماعة: تجوز فرادى لا جماعة، وكان يقول: أنا أصلي على قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين، وقطع بهذا الوجه القاضي أبو الطيب والمحاملي ورجحه الشيخ أبو حامد.

تتمة:

اختلفوا في تعليل النهي عن الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم:

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فقيل: خشية الفتنة. فعلى هذا: يمتنع اليوم وفي زمن الصحابة.

وقيل: حكمه حكم غيره. فعلى هذا: يمتنع اليوم على الوجه الأول والثاني والثالث والرابع، ولا يمتنع على السادس وهو قول أبي الوليد النيسابوري ومن وافقه، وأما على الخامس .. فـ (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) كما رواه النسائي في (كتاب الجمعة)[3/ 91]، فينبغي أن يجوز إذا قلنا: حكمه حكم غيره، لكن الأصحاب قالوا: لا يجوز، واستدل له الرافعي ومن تبعه بقوله صلى الله عليه وسلم:(أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث)، وهو باطل لا أصل له.

لكن روى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، لكنهم يصلّون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور.

ولما كان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على قبره .. تأخر لذلك دفنه إلى أثناء ليلة الأربعاء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما مات .. صلوا عليه أفنادًا. قال في (الفائق): أي: جماعات بعد جماعات.

قيل: حصر المصلون فإذا هم ثلاثون ألفًا، ومن الملائكة ستون ألفًا؛ لأن مع كل واحد ملكين.

لكن وقع في (الإحياء) في (الباب الثالث في أعمال الباطن في القراءة): (أن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن عشرين ألفًا من الصحابة، لم يحفظ القرآن منهم إلا ستة اختلف في اثنين منهم)، ولعله أراد: عشرين ألفًا في المدينة، وإلا .. فقد روى أبو زرعة الرازي: (أنه صلى الله عليه وسلم مات عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا، كلهم صحبه وروى عنه وسمع منه.

ص: 58

فَرْعٌ:

الْجَدِيدُ: أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنَ الْوَالِي،

ــ

قال: (فرع:

الجديد: أن الولي أولى بإمامتها من الوالي)؛ لأن معظم الغرض هنا الدعاء للميت، ومن اختص بمزيد شفقة .. كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة.

وفي القديم: الوالي أولى ثم إمام المسجد ثم الولي كسائر الصلوات، وهو قول الأئمة الثلاثة وابن المنذر وأكثر العلماء.

واستدل له البيهقي [4/ 29] بأن الحسن لما مات .. قال الحسين لسعيد بن العاصي وهو يطعن في عنقه: (تقدم، فلولا أنها السنة .. ما قدمتك).

ومحل الخلاف: إذا لم يخف الفتنة من الوالي، فإن خيف ذلك .. قدم قطعًا. ولو وصى أن يصلي عليه أجنبي .. فطريقان:

أظهرهما: القطع بتقديم القريب.

والثانية: وجهان -كالوجهين فيمن أوصى أجنبيًا على أولاده والجد حي - ثانيهما: تقديم الموصى له - وبه أفتى محمد بن يحيى في جواب مسائل سأله عنها والد الرافعي - لأنه قدم لنفسه شفيعًا كتفريق الثلث.

وروي ذلك عن عائشة وأم سلمة وابن سيرين وأحمد، واحتج له بوصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، وعمر لصهيب رضي الله عنهما، وعائشة لأبي هريرة رضي الله عنهما.

وأجاب الأصحاب بأن أولياءهم أجازوا ذلك.

وقال مالك: إن كان الموصى له ممن يرجى دعاؤه أكثر من القريب .. قدمت الوصية.

وإذا أوصى أن يدفن في المقبرة الفلانية .. أفتى القفال بأنه كما لو أوصى أن يصلي

ص: 59

فَيُقَدَّمُ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، ثُمَّ الْأَخُ - وَالأَظْهَرُ: تَقْدِيمُ الأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الأَخِ لِأَبٍ - ثُمَّ ابْنُ الأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعُصْبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الإِرْثِ،

ــ

عليه فلان .. لا يلزم الورثة امتثال ذلك لكن يستحب.

قال: (فيقدم الأب، ثم الجد وإن علا) بخلاف الميراث؛ نظرًا إلى الشفقة، والمراد بـ (الجد): أبو الأب.

قال: (ثم الابن، ثم ابنه) أي: وإن سفل.

قال: (ثم الأخ)؛ تقديمًا للأشفق فالأشفق.

قال: (والأظهر: تقديم الأخ لأبوين على الأخ لأب)؛ لزيادة القرب والشفقة كما في الميراث.

والثاني: لا، بل يستويان؛ لأن الأمومة لا مدخل لها في إمامة الرجال، فلم يبق إلا قرابة الأب وهما فيها سواء.

وأجاب الأول بأنها صالحة للترجيح وإن لم تصلح للاستقلال.

وأجيب بأن لها مدخلًا في الصلاة على الميت في الجملة؛ لأنها تصلي مأمومة ومنفردة وإمامة بجنسها.

وكان ينبغي التعبير بـ (المذهب) كما في (الروضة) و (شرح المهذب). ويجري الطريقان في ابني عم أحدهما أخ لأم ونحو ذلك.

قال: (ثم ابن الأخ لأبوين، ثم لأب، ثم العصبة على ترتيب الإرث)؛ لما تقدم من أن المقصود الدعاء وهؤلاء أرجى للإجابة.

واندرج في عبارته الولاء، فبعد انقراض العصبة من النسب يقدم المعتق ثم عصبته على ذوي الأرحام.

وقال شارح (التعجيز): يقدمون عليه.

وقد سبق في غسل الميت: أن شرط التقدم فيه: أن لا يكون به مانع من الإرث في نفسه، والقياس هنا كذلك.

ص: 60

ثُمَّ ذَوُو الأَرَحَامِ. وَلَوْ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ .. فَالأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَصِّ

ــ

قال: (ثم ذوو الأرحام)، فيقدمون على الأجانب لما فيهم من الشفقة، فيقدم جد الأم ثم أخ الأم ثم الخال ثم العم للأم.

وتحرر من كلام المصنف .. أن الزوج لا مدخل له في الصلاة على المرأة وهو كذلك، بخلاف النسل والتكفين والدفن.

وفي (شرح المهذب) وجه: أنه يلي ويكون مقدمًا على المعتق.

قال: (ولو اجتمعا في درجة .. فالأسن العدل أولى على النص)؛ لأن دعاء الأسن أقرب إلى الإجابة.

واستدل الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يرد دعوة ذي الشيبة المسلم).

وفي (عمل اليوم والليلة) للنسائي [838] عن طلحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام).

وفي (صحيح ابن حبان)[559] و (الحاكم [1/ 62] عن ابن عباس مرفوعًا: (البركة مع أكابركم) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري.

ويقابل النص قول مخرج: أن الأفقه والأقرأ يقدم كغيرها من الصلوات.

والفرق: ما تقدمت الإشارة إليه من أن مقصود صلاة الجنازة الدعاء، وسائر الصلوات محتاجة إلى الفقه لوقوع الحوادث فيها، إلا أن تقديم الأسن مشروط بالعدالة.

واحترز بـ (العدل) عن الفاسق والمبتدع؛ فإنهما كالعدم.

والمعتبر في (السن): الماضي في الإسلام، فإذا استويا في السن .. قدم الأفقه

ص: 61

وَيٌقَدَّمُ الْحُرُّ الْبّعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ. وَيَقِفُ عِنْدَ رَاسِ الْرَّجُلِ وَعَجُزِهَا

ــ

والأقرأ والأورع؛ لأنه أفضل ودعاؤه أكمل، وسيأتي في آخر الباب أنهما إذا استويا .. يقرع بينهما.

ولو استناب أفضل المتساويين في الدرجة .. اعتبر رضا الآخر في أقيس الوجهين. ولو غاب الأقرب واستناب .. فنائبه أحق من البعيد الحاضر.

قال: (ويقدم الحر البعيد على العبد القريب)؛ لكماله واختصاصه بأهلية الولاية.

والثاني: يقدم العبد لقربه.

والثالث: يستويان، ويجري الخلاف في عبد فقيه مع حر غير فقيه، والأصح عند المصنف: تقديم الحر.

والصبيان أولى من النساء، والعبد البالغ أولى من الصبي الحر؛ لأن المكلف أحرص على تكميل الصلاة، وتصح الصلاة خلفه بالإجماع بخلاف الصبي.

ومسألة الكتاب ليست في (المحرر)؛ إنما فيه: أن الحر أولى من العبد. ولعل المصنف ذكر هذه؛ لتؤخذ منها تلك من باب أولى.

ولأن عبارة (المحرر) يرد على إطلاقها المكاتب القريب والعبد القريب؛ فإنهما أولى من الحر الأجنبي.

قال: (ويقف عند رأس الرجل وعجزها) أي: استحبابًا؛ لأن أنسًا رضي الله عنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وعلى امرأة فقام عند عجزها وقال:(هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه أبو داوود [3187]، وحسنه الترمذي [1034]. وفي (الصحيحين)[خ 332 – م 964]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) والمعنى فيه: محاولة سترها عن الناس.

ص: 62

وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ

ــ

وقال أبو علي الطبري: يقف عند صدر الرجل.

كل هذا في الإمام والمنفرد، وأما المأموم .. فيقف في الصف حيث كان، ولذلك عبر في (المحرر) بقوله: ويقف الإمام.

والخنثى هنا كالمرأة قاله في (شرح المهذب).

و (عجيزة المرأة) بفتح العين وكسر الجيم: ألياها. ولا يقال للرجل: عجيزة، بل يقال: له عجز، وقد تقدم في (باب صفة الصلاة) في حديث البراء: أنه رفع عجيزته في السجود، فاستعارها للرجل.

قال: (وتجوز على الجنائز صلاة)؛ لأن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ماتت هي وولدها زيد الأكبر ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في يوم واحد فصلى عليهما دفعة واحدة، وجعل الغلام مما يلي الإمام، وهو سعيد بن العاصي، وفي القوم ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة رضي الله عنهم فقالوا:(هذا هو السنة) رواه أبو داوود [3186] والنسائي [4/ 71] بإسناد صحيح، وروى البيهقي [4/ 33] عن ابن عمر أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة.

والأفضل: إفراد كل جنازة بصلاة إن أمكن؛ لأنه أكثر عملًا وليس هو تأخيرًا كثيرًا.

وقال المتولي: الأفضل: أن يصلي عليهم دفعة واحدة؛ لتعجيل الدفن. وإذا صلي عليهم .. فالمذهب: أن الجميع يُجعلون بين يدي الإمام بعضًا خلف بعض، والأفضل فالأفضل مما يلي الإمام، والمفضول مما يلي القبلة، فيقرب الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.

ويقدم عند اتحاد النوع بالورع وسائر الصفات المذكورة في الصلاة، لا بمجرد الحرية؛ لأن الرق يزول بالموت.

فإن استويا في جميع الصفات .. قدم برضا الورثة ثم بالقرعة.

كل هذا إذا جاءت الجنائز دفعة واحدة، فإن تعاقبت .. قدم الأسبق وإن كان

ص: 63

وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ. وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ .. صُلِّيَ عَلَيْهِ

ــ

مفضولًا إن اتحد النوع، فإن اختلف .. قدم الرجل ثم الصبي وأخرت المرأة، والأصح: أن الصبي لا ينحى لأجل الرجل.

وإن كانت الجنائز كلهم خناثى .. جعلوا صفًا واحدًا رأس كل واحد عند رجل الأخر، ويجعلهم الإمام عن يمينه ويقف عند محاذاة آخرهم.

وولي السابقة أولى بالإمامة، فإن انتفي السبق .. أقرع بين الأولياء.

قال: (وتحرم على الكافر) حربيًا كان أو ذميًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} ، ولأن الكافر لا يجوز له الدعاء بالمغفرة؛ فإن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به.

قال: (ولا يجب غسله)؛ لأنه كرامة وتطهير وليس من أهلهما، لكنه يجوز لما روى البيهقي [3/ 398] عن علي رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يذهب إلى أبيه فيغسله ويكفنه).

وقال مالك وأحمد: ليس للمسلم غسله.

قال: (والأصح: وجوب تكفين الذمي ودفنه)؛ وفاء بذمته كما يكسى في حياته، وينبغي أن يقطع بوجوب ثوب واحد. والمعاهد كالذمي.

والثاني: لا يفعل به ذلك؛ لبطلان ذمته بموته، ونقله القاضي حسين عن معظم الأصحاب.

واحترز بـ (الذمي) عن الحربي ومن في معناه كالمرتد. والزنديق، فلا يجب تكفينهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء قتلى بدر في القليب على هيئتهم. وفي وجوب دفنهم وجهان، الأصح: أنه لا يجب، بل يجوز إغراء الكلاب عليهم، لكن الأولى مواراتهم؛ لئلا يتأذى الناس برائحتهم.

قال: (ولو وجد عضو مسلم علم موته .. صلي عليه)؛ لأن الصحابة صلوا على

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد لما ألقاها طائر بمكة حين مات في وقعة الجمل عرفوها بخاتمه، وذلك مشهور في السير. رواه الزبير بن بكار والإمام الشافعي رضي الله عنه بلاغًا.

واختلف في الموضع الذي ألقاها فيه، فقيل: اليمامة، وقيل: المدينة، وقيل: مكة.

واختلفوا في الطائر، فقيل: نسر، وقيل: عقاب.

وصلى عمر رضي الله عنه على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة رضي الله عنه على رؤوس القتلى بها. وسواء لطف العضو أو كثف.

وقال أبو حنيفة: لا يصلى عليه إلا إذا وجد أكثر من النصف؛ ليكون الأقل تابعا للأكثر.

والمراد بـ (الصلاة عليه): الصلاة على المسلم الذي هذا بعضه، فينوي الصلاة على جملة الميت، وقيل: على العضو.

واحترز بـ (العضو) عن الشعر والظفر ونحوهما، فلا يصلى عليهما عند الأكثرين كما قاله في (شرح المهذب)؛ لأنه لا حرمة لها. وبهذا جزم في:(البحر).

لكن قال في (الروضة) تبعًا لـ (الشرح): أقرب الوجهين: أنها كالعضو فيصلى عليها، إلا الشعرة الواحدة؛ فإن صاحب (العدة) قال: لا يصلى عليها.

قال الشيخ: وكلام الأصحاب كالتصريح في أن هذه الصلاة على جهة الوجوب، وهو ظاهر إذا كان الميت لم يصل عليه، أما إذا علم أنه صلي عليه .. فهل نقول: تجب حرمة له كالجملة أو لا؟ فيه احتمال.

ص: 65

وَالسِّقْطُ إِنِ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكى .. كَكَبِير،

ــ

قال: والحق أن هذه صلاة على غائب كما صرح به الإمام.

ولا يبعد الدعاء للعضو؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم، وليديه فاغفر).

وإذا شرعت الصلاة .. فلا بد من غسل الموجود ومواراته بخرقة كذا في (الشرح) و (الروضة)، ومقتضاه: أنه لا فرق في الموجود بين أن يكون من العورة أو من غيرها.

وبناه الماوردي على أن الواجب ساتر العورة أو جميع البدن وهو ظاهر.

والمذهب: أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.

واحترز بما (علم موته) عما إذا لم تعلم حياته ولا موته، وعما إذا علم أنه من حي كيد السارق؛ فإنه لا يصلى عليه على المشهور.

وأما شعر الحي وظفره .. فيندب دفنه فقط، وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة التي تلقيها المرأة،

فرع: لو وجد ميت أو بعضه ولم يعلم أنه مسلم أو كافر .. فهو كاللقيط، إن وجد في دار الإسلام .. عومل معاملة المسلم، أو في دار الشرك ولا مسلم فيها .. فكالكافر، وإن كان فيها مسلم .. فعلى الخلاف.

قال: (والسقط إن استهل أو بكى .. ككبير)؛ لأنا تيقنا موته بعد حياته.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا استهل الصبي .. ورث وصلى عليه) صححه ابن حبان [6032] والحاكم [1/ 363]، لكن الصحيح: أنه موقوف على جابر، وفي (الترمذي) [1031] حديث حسن:(الطفل يصلى عليه)؛ ولأنه ثبت له حكم الدنيا في الإسلام والميراث والدية وغيرها.

ص: 66

وَإِلَّا: فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلاجٍ .. صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ .....

ــ

قال ابن المنذر: وهو إجماع، وفيه نظر؛ فإنه نقل عن سعيد بن جبير: أنه لا يصلى على صبي لم يبلغ.

وقال بعضهم: إن صلى الصبي .. صلي عليه بعد موته، وإلا .. فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ولده إبراهيم، وأيضًا الصلاة لطلب المغفرة ولا ذنب للصبي.

وأجاب الجمهور بأنه صح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ولده)

وقولهم: لا يصلى على من لا ذنب له .. ممنوع؛ لأن الصحابة صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا المجنون يصلى عليه.

و (السقط) بكسر السين وضمها وفتحها: الولد النازل قبل تمامه، مأخوذ من السقوط.

قال الخليل: يقال: سقط الولد من بطن أمه، ولا يقال: وقع.

و) استهلال الصبي) ك رفع صوته بالبكاء، وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل، ومنه: الإهلال بالحج: وهو رفع الصوت به.

وسيأتي أن (البكاء) المقصود: دمع العين، وإنما جمع المصنف بينهما؛ لأن كلا منهما دليل تيقن الحياة.

ويكون تكفينه في هذه الحالة وتحنيطه كما في الكبير.

قال: (وإلا: فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج .. صلي عليه في الأظهر).

المراد: إذا لم تتيقن حياته باستهلال وغيره، لكن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج .. صلى عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الأمارة الدالة عليها.

والثاني: لا يصلى عليه؛ لعدم تيقن الحياة.

ويغسل قطعًا، وقيل: فيه القولان، ولا خلاف أنه يجب دفنه.

ص: 67

وَإِنَّ لِمَ تُظَهِّر، وَلَم يُبْلَغ أَرْبَعَة أَشْهَر .... لِمَ يَصْلَ عَلِيّهُ، وَكَذا إِن بَلَّغَها ِفي الأَظْهَر. وَلا يُغَسِّل الشَهِيد وَلا يُصَلَّى عَلِيّهُ،

ــ

قال: (وإن لم تظهر، ولم يبلغ أربعة أشهر

لم يصل عليه) هذا مجمع عليه، وفي غسله طرق:

أصحها: لا يغسل أيضًا كما لا يصلى عليه.

والثانية: يغسل؛ تطهيرًا له.

والثالية: قولان.

قال: (وكذا إن بلغها في الأظهر)؛ لعدم تيقن الحياة، فلا تجب الصلاة عليه، بل ولا تجوز؛ لمفهوم الحديث السابق.

والثاني: نعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة) رواه داوود (3172) والترمذي (1031) وقال: حسن صحيح، ولأن الروح تنفخ فيه حينئذ كما ثبت في الحديث الصحيح.

أما إذا لم تظهر فيه خلقة .... فتكفي مواراته كيف كانت.

ويعد ظهور خلقته حكم التكفين حكم الغسل، فحيث لم يوجب الغسل

لم يجب هذا في تمام الكفن. أما المواراة بخرقة .... فاتفقوا علي وجوبها بعد بلوغه إمكان نفخ الروح أوجبنا الغسل أم لا، وأما الدفن

فيجب قولًا واحدًا.

قال: (ولا يغسل الشهيد ولا يصلي عليه)؛ لأنه حي بنص القرآن. فيحرم غسله والصلاة عليه، سواء كان رجلًا أو امرأة، صغيرا أو كبيرًا، حرًا أم عبدًا، ولو مجنونًا؛ لما روى البخاري (1343) عن جابر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا).

قال الإمام الشافعي رضى الله عنه: جاءت الأحاديث من وجوه متوارة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليهم)، ولم يصح حديث يخالف ذلك.

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أما حديث عقبة بن عامر الذي في (الصحيحين)(خ 1344 - م 3296): (أن النبي صلى الله علية وسلم خرج فصلى على قتلى أحد صلاته علي الميت)، وفي رواية للبخاري (4042):(بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات)

فالمراد: أنه دعا لهم كدعائه للميت.

والإجماع يدل علي هذا التأويل؛ لأن عندنا لا يصلى علي الشهيد، وعند الخصم وهو أبو حنيفة: لا يصلى علي القبر بعد ثلاثة أيام كما تقدم.

وأما حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى علي قتلى أحد عشرة عشرة، وفي كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة)

فضعيف. رواه أبو داوود مرسلًا (سيل 438)، وهو خطأ؛ لأن شهداء أحد كانوا اثنين وسبعين، فلا تزيد الصلاة على سبع أو ثمان، ولا تزيد التكبيرات علي اثنتين وثلاثين؛ لأن عندنا وعندهم: التكبيرات أربع.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه، ولأن الشهيد طهره القتل والله غفر له، ويأتي يوم القيامة وكلمه يدمى: اللون لون الدم ، والريح ريح المسك.

وقال المزني: يصلى على الشهيد ولا يغسل.

واتفقوا على أن الغسل إذا أدى إلى إزالة الدم

حرم.

وسمي شهيدًا؛ وقيل: لأنه يشهد الجنة حال موته وغيره يشهدها يوم القيامة، وقيل: لأنه يشهد على الأمم المتقدمة، وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه شهد ما أعد الله له من الكرمة بالقتل، وقيل: لأن دمه شاهد له بالإيمان وحسن الخاتمة.

ص: 69

وَهُوَ مَن ماتَ في قُتّال الكُفّار بِسَبَبِهِ، فَإِنَّ ماتَ بَعْدِ انقضائه ، أَو ِفي قُتّال البُغاَة

فَغَيْر شَهِيد ِفي الأَظْهَر ،

ــ

قال: (وهو من مات في قتال الكفار بسببه) كما إذا تردى عن فرسه، أو عاد عليه سلاحه، أو وجد قتيلًا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر الدم أم لا.

وخالف القفال في (الفتاوي) فقال: إذا لم يعلم هل قتل أو مات حتف أنفه

فليس بشهيد.

وجزم الشيخان بخلافه، بل قال في (شرح المهذب): لا خلاف عليه.

أما لو أسر الكفار مسلمًا وقتلوه صبرًا

ففي ثبوت حكم الشهادة له بترك الغسل والصلاة وجهان، أصحهما: لا.

قال: (فإن مات بعد انقضائه ، أو في قتال البغاة

فغير شهيد في الأظهر).

أما الأول

فلأنه عاش بعد انقضاء الحرب، فأشبه ما إذا مات بسبب آخر.

والقول الثاني: نعم؛ لأنه مات بجرح وجد في الحرب فأشبه ما لو مات قبل انقضائه.

وقيل: إن مات عن قرب

فشهيد، وإلا

فلا.

وصورة المسألة: أن يقطع بموته من تلك الجراحة ويتصل ألمها بالموت، فإن انقضت الحرب وليس فيه إلا حركة مذبوح

فشهيد قطعًا ، وإن كان يتوقع البقاء

فلا قطعا ً.

وأما المقتول من أهل العدل في قتال البغاة

فلأنه قتيل مسلم فأشبه المقتول في غير القتال.

واحتجوا له بأن أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير ولم ينكر عليها أحد.

والقول الثاني: نعم كالمقتول في معركة الكفار.

ص: 70

وَكَذا ِفي القَتّال لا بِسَبَبِهِ عَلَى المُذَهَّب

ــ

واحتجوا له بأن عليًا لم يغسل من قتل معه، وأوصي عمار أن لا يغسل، وقد قيل: إن عليًا صلى عليه.

وإن كان المقتول من أهل البغي

فليس بشهيد قطعًا.

قال: (وكذا في القتال لا يسببه علي المذهب) كما إذا مات فجأة أو بمرض، وقيل: قولان أصحهما ليس بشهيد.

ويغسل الصائل والمرجوم في الزنا والمقتول قصاصًا وولد الزنا، ويصلى عليهم بلا خلاف.

فائدة:

الشهداء ثلاثة أقسام:

شهيد في حكم الدنيا - في ترك الغسل والصلاة - وفي الآخرة، وهو: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

والثاني: شهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من قاتل رياء وسمعة وقتل، والمقتول مدبرًا أو وقد غل من الغنيمة، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وليس له من ثواب الشهيد الكامل في الآخرة

وقيل: إن الفار ليس بشهيد؛ لأن الفرار من الكبائر.

والثالث: شهيد في الأخرة فقط، وهم: المبطون والمطعون ومن قتله بطنه والغريق والحريق واللديغ وصاحب الهدم، والميت بذات الجنب أو محمومًا، ومن قتله مسلم أو ذمي، أو باغ في غير القتال، فهؤلاء شهداء في الآخرة لا في الدنيا، لأن عمر وعثمان رضى الله عنهما غسلا وهما شهيدان بالاتفاق.

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذلك الميت غريبًا، وطالب العلم إذا مات على طلبه، والمرأة تموت بسبب الولادة ومن عشق فعف ومات، فكل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم، وهم شهداء في الدار الآخرة، كذا قاله الرافعي وغيره.

وأما حديث: (المبطون شهيد)، (الغريق شهيد)

فهما في (صحيح مسلم)(1951). وأما حديث: (الغريب شهيد)

فرواه الدارقطني من رواية ابن عباس وصححه في (علله).

ص: 72

وَلُو اسْتَشْهَدَ جَنَّبَ

فَالأَصَحّ: أَنَّهُ لا يُغَسِّل، وَأَنَّهُ تُزال نَجاستهُ غَيْر الدَمّ ....

ــ

وحديث: (الميت عشقًا شهيد) أعله ابن عدي والبيهقي والحاكم وغيرهم، وهو أحد ما أنكر علي سويد بن سعيد.

قال يحى بن معين: لو كان لي سيف وترس أو فرس ورومح .. لكنت أغزوه لذلك.

قال: (لو استشهد جنب .. فالأصح: أنه لا يغسل) أي: عن الجنابة، وكذلك منقطعة الحييض قبل الأغتسال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(زملوهم في كلومهم) ولأنها طهارة عن حدث فقط حكمها بالشهادة كغسل الميت.

وعلى هذا: يكون الغسل حرامًا.

والثاني - وهو قول أبي إسحاق وابن أبي هريرة -: يجب الغسل؛ لأن الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت، وهذا الغسل كان واجبًا قبله، ولا خلاف أنه لا يغسل بينة غسل الموت، والخلاف إنما هو في غسل الجنابة.

واستدل لهذا الوجه بأن حنظلة بن الراهب قتل بأحد جنبًا فغسلته الملائكة. رواه ابن حبان (7026) والحاكم (3/ 204)، وفي (المستدرك) (3/ 195) أيضًا: أن حمزة استشهد جنبًا فغسلته الملائكة، وقال: صحيح الإسناد.

وأجاب الأول بأنه لو وجب

لما سقط إلا بفعلنا.

قال الأصحاب: ولا خلاف علي الوجهين أنه يصلى عليه، كذا في (الشرح) و (الروضة)، وفي (شرح المهذب) وجه شاذ: أنه يصلى علي كل شهيد، فيأتي هنا.

قال: (وأنه تزال نجاسته غير الدم) أي: وجوبًا، سواء لزم إزالتها إزالة دم الشهادة أم لا.

ومراده ب (الدم): دم الشهادة فلا يزال؛ لأنه أثر العبادة فيبقي.

ص: 73

وَيُكَفِّنَ ِفي ثِيابهُ المُلَطَّخَة بِالدَمّ فَإِنَّ لِمَ بِكِن ثَوَّبَهُ سابِغا

تَمَّمَ

: فَضْل

أُقِلّ القَبْر: حُفْرَة تَمْنَع الرائِحَة وَالسُبْع

ــ

والثاني: يحرم إزالتها؛ للنهي عن غسله.

والثالث: إن أدت إزالتها إلى إوالة أثر الشهادة

لا تزال، وإلا

أزيلت فالقاتل بهذا الوجه يجعل ذلك موكولًا إلى تحرى الغاسل وظنه.

قال: (ويكفن في ثيابه الملطخة بالدم)؛ لما روى أبو داوود (3125) - بإسناد حسن - عن جابر رضي الله عنه قال: (رمي رجل بسهم فمات، فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتكفينه فيها على جهة الاستحباب، فلو أراد الوارث أن يكفنه في غيرها

جاز؛ لأنه لا يفوت بها تعظيم ولا يزول أثر الشهادة بخلاف الصلاة والغسل.

قال: (فإن لم يكن ثوبه سابغًا .. تمم) أي: يجب إتمام الكفن الواجب على ما سبق؛ لقصة مصعب بن عمير المتقدمة.

فإن كانت ثيابه سابغة

اكتفي بها وكانت هي الكفن، وكلام الغزالي يقتضي: أن الكفن زائد عليها.

تتمة:

ينزع عن الشهيد الحديد والجلود والجبة المحشوة وما ليس من لباس العادة، ويدفن في بقية ثيابه وبه قال أبو حنيفة.

وقال مالك: لا ينزع عنه شئ من ذلك.

لنا: ما روى أبو داوود (3126): (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم).

قال: (وفصل: أقل القبر: حفرة تمنع الرائحة والسبع) تقدم أن الدفن فرض كفاية، وهو مما أكرم الله به الإنسان؛ لئلا يطرح كسائر السباع فتنهك حرمته ويتأذي الناس برائحته،

ص: 74

وَيَنْدُب: أَن يُوَسِّع وَيُعْمِق قامَة وَبَسْطَة، وَاللَحْد أُفَضِّل مَن الشَقّ إِن صَلَّبَت الأَرْض،

ــ

قال الرافعي: والغرض من ذكر هذين المعنيين، إن كانا متلازمين، بيان فائدة الدفن، وإن لم يكونا متلازمين بيان أنه تجب رعايتها فلا يكفي أحدهما.

واحترز عما إذا وضع علي الأرض وجعل عليه حجارة ونحوها بحيث تكتم رائحته، والأصح على ما دل عليه كلام الرافعي في (باب قطع السرقة)

أنه لا يكفي إذا لم يتعذر الحفر؛ لأن ذلك مع عدم التعذر لا يسمى دفنًا. وسيأتي حكم الفساقي عند قوله: (ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة).

و (السبع): واحد السباع.

قال: (ويندب: أن يوسع ويعمق)؛ لما روى أبو داوود (3207) والترمذي (1713) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار يوم أحد: (أوسعوا وأعمقوا).

ويستحب أن يزاد في السعة من قبل رأسه ورجليه؛ لحديث فيه صحيح في (سنن أبي داوود)(3325) و (مسند أحمد)(5/ 408).

و (التوسعة): الزيادة في النزول، وهو بالعين المهملة.

قال: (قامة وبسطة)؛ لما روي ابن المنذر عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى بذلك ولم ينكره أحد، ولأنه أبلغ في المقصود. والزيادة عليه غير مأثور.

والمراد: قامة رجل معتدل يقوم ويبسط يديه مرفوعة، وقدر ذلك عند المصنف والجمهور: أربعة أذرع ونصف، وجزم المحاملي والرافعي بأنه ثلاثة ونصف، وعن الجويني: ثلاثة أذرع فقط.

قال: (واللحد أفضل من الشق إن صلبت الأرض): لما روى مسلم (966) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي مات فيه: (الحدوا لى لحدا ً، وانصبوا

ص: 75

وَيُوضَع رَاسهُ عَنِدَ رَجَّلَ القَبْر، وَيَسُلّ مَن قَبِلَ رَاسهُ بِرِفَق، وَيَدْخُلهُ القَبْر الرِجال، ......

ــ

علي اللبن نصبًا، كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لما مات

كان بالمدينة أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وأبو طلحة يزيد بن سهل يلحد كأهل المدينة، فاختلفوا كيف يصنع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فوجه العباس رجلين: أحدهما لأبي عبيدة، والآخر لأبي طلحة وقال:(اللهم؛ خر لنبيك) فحضر أبو طلحة فلحد له، رواه ابن ماجه (1628) من راوية أنس بإسناد صحيح.

وروى أبو داوود (3200) والترمذي (1045): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) لكنه ضعيف.

و (اللحد) بضم اللام وبفتحها والحاء ساكنة فيهما: الحفر من جانب القبر.

و (الشق) بفتح الشين المعجمة: أن يحفر في أرض القبر كالنهر ويبني جانباه، ويوضع الميت فيه، ثم يسقف عليه، ويرفع السقف قليلًا بحيث لا يمس الميت، وتسد شقوقه بقطع اللبن - قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ورأيتهم بمكة يضعون عليها الإذخر ثم يصبون عليها التراب - ويسمى الشق: ضريحًا.

فإن كانت الأرض رخوة

فالشق أفضل؛ لتعذر اللحد من خشية الاهيار.

وقال المتولي: اللحد أفضل مطلقًا.

قال: (ويوضع رأسه عند رجل القبر، ويسل من قبل رأسه برفق)؛ لعمل المهاجرين والأنصار والذين من بعدهم في سالف الأعصار.

قال: (ويدخله القبر الرجال) رجلًا كان الميت أو المرأة؛ لأنهم أقوى ولا يخشي عليهم انكشاف العورة.

و (قد أمر النبي صلي الله عليه وسلم أبا طلحة أن ينزل في قبر إحدى بناته) رواه البخارى (1285).

ص: 76

وَأَوْلاهُم: الأَحَقّ بِالصَلَاة عَلِيّهُ. قَلَت: إِلّا أَن تَكُون امْرَأَة مزوجة فَأَوْلاهُم الزَوْج، وَاللّاه أَعْلَمَ. وَيَكُونُونَ وَتْرًا

ــ

ويتولي النساء حل ثيابهم في القبر، وحملها من المغتسل إلى الجنازة، وكذلك تسليمها لمن في القبر.

قال: (وأولاهم: الأحق بالصلاة عليه) أي: من حيث الدرجة والقرب، لا من حيث الصفات؛ لأن الأسن مقدم علي الأفقه في الصلاة، والأفقه مقدم علي الأسن في الدفن نص عليه واتفقوا عليه.

والمراد هنا ب (الأفقه) الأعلم بإدخال الميت القبر، لا أعلمهم بأحكام الشرع، فيدقم الأقرب فالأقرب.

قال: (قلت: إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم الزوج والله أعلم)؛ لأنه أحق بمباشرتها في الحياة.

وقيل: يقدم الأب.

وقيل: هما سواء.

وعلي الأول: بعد الزواج المحارم: الأب، ثم الجد، ثم العم، ثم عبيدها فهم أحق من بني العم إن قلنا: إنهم كالمحارم في النظر وهو الأصح، كذا قاله الشيخان وهو مشكل؛ لأنه تقدم أن الأصح: أن الأمة لا تغسل سيدها لانقطاع الملك، فالذي قالاه لا يأتي إلا على وجه ضعيف، وهو: تجويز النظر والغسل والخلوة؛ استصحابًا لما كان.

قال: (ويكونون وترًا)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفنه علي والعباس والفضل، صححه ابن حبان (2633)، وقيل: كانوا خمسة بزيادة قثم وشقران، ولأن ذا النجادين وهو عبد الله بن عبد نهم بن عفيف المزني لما توفي بتبوك نزل النبي صلى الله عليه وسلم في القبر، وقال لأبي بكر وعمر:(أدنيا إلي أخاكما)، فلما وضعه على شقه في اللحد قال:(اللهم؛ إني قد أمسيت عنه راضيًا فارض عنه) قال ابن مسعود: ليتني كنت صاحب الحفرة.

ص: 77

وَيُوضَع في اللَحْد عَلَى يَمِينهُ لِلقِبْلَة

ــ

قال: (ويوضع في اللحد علي يمينه) كما فعل برسول الله عليه وسلم، وهذا مندوب إليه كالأحياء ، قال عليه الصلاة والسلام:(إذا أتيت مضجعك .. فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن) متفق عليه (خ 247 - م 2710).

فلو وضع على يساره .... كره ولم ينبش.

وقضية كلام الإمام: أن ذلك حرام.

ولو حذف لفظة (في اللحد)

كان أعم؛ لأنه يفعل به في الشق كذلك.

قال: (للقبلة) هذا محتم عند الجمهور، فيحرم أن يدفنوه إلى الكعبة كما تقدم أول الباب.

وفي وجه ضعيف: أن الاستقبال مستحب.

فرع:

ماتت كافرة وفي جوفها جنين مسلم

جعل ظهرها إلى القبلة ليتوجه الجنين إليها. وأين تدفن هذة المرأة؟ فيه أربعة أوجه:

أحدها: في مقابر المسلمين؛ لما روى الدارقطني (2/ 75) والبيهقي (4/ 58) عن عمر رضي الله عنه أنه أمر في ذمية ماتت وفي بطنها جنين مسلم بذلك.

ص: 78

وَيَسْنُد وجهه إِلَى جِدارهُ، وَظَهَرَهُ بِلِبْنَة وَنَحْوها، وَيُسَدّ فَتَح اللَحْد بِلُبْن، وَيَحْثُو مَن دِننا ثَلاث حثيات تُراب،

ــ

والثاني: في مقابر المشركين، فتدفع إلى أهل ملتها ليلوا غسلها ودفنها وحكي عن النص.

والثالث: تدفن في طرف مقابر المسلمين.

والرابع - وهو الأصح -: أنها تدفن في غيرهما.

ولا يخفي أن المسألة مصورة بما إذا نفخ فيه الروح، فإن كان قبله .. دفنت كيف شاء أهلها؛ لأنه حينئذ لا يسمى جنينًا، ولا يجب دفنه فاستقباله أولى.

قال: (ويسند وجهه إلى جداره)؛ حتى لا ينكب.

قال: (وظهره بلبنة ونحوها)؛ لئلا يستلقي على قفاه.

قال: (ويسد فتح اللحد بلبن)؛ لأن ذلك تمام الدفن.

وفي (صحيح مسلم)(966) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: (انصبوا علي اللبن نصبًا).

و (قد نقل أن اللبنات التي وضعت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم تسع).

وتكون اللبنات قائمة، وتسد الفرج بقطع من اللبن، والشقوق بحشيش أو طين ونحوه.

قال: (ويحثو من دنا حيثيات تراب) أي: من تراب القبر، ويكون ذلك من قبل رأس الميت؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم حثا من قبل رأس القبر ثلاثًا، رواه ابن ماجه (1565) بإسناد جيد عن أبي هريرة، ورواه أبو داوود مرسلًا (سيل 420).

وروي العقيلي (4/ 354) بإسناد ضعيف: (من حثا علي قبر مسلم أو مسلمة

كتب الله له بكل ترابة حسنة).

ويستحب أن يحثو باليدين جميعًا، وأن يقول في الأولى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}

ص: 79

ثُمَّ يُهال بِالمَساحِي، وَيَرُفّ القَبْر شِبْرا فَقَّطَ، وَالصَحِيح: أَن تَسْطِيحهُ أَوْلَى مَن تُسَمِّينَهُ

ــ

وفي الثانية: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ)، وفي الثالثة:{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}

ول يحدوا الدنو من القبر، وكأنه راجع إلى العرف أو من هو على طرف القبر كما صرح به المتولي، وظاهر كلامه: إنه خاص بمن دنا من القبر.

لكن قال ابن الرفعة: إنه مستحب لكل من حضر.

يقال: حثا يحثو ثلاث حثيات وحثوات.

قال: (ثم يهال بالمساحي) أي: يصب؛ لأنه أسرع إلى الإكمال.

يقال: هاله وأهاله.

و (المساحي) بفتح الميم: جمع مسحاة - بكسرها -: كالمجرفة إلا أنها لا تكون إلا من حديد، والميم زائدة؛ لأنها من السحو وهو: الكشف والإزالة.

قال: (ويرفع القبر شبرًا فقط) أي: ندبًا؛ ليعرف فيزار ويحترم.

وروى ابن حبان (6635) عن جابر رضي الله عنه: (أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك).

واستثني الشيخان تبعًا للمتولي ما إذا مات مسلم ببلاد الكفار؛ فإن قبره لا يرفع؛ كيلا يتعرض له الكفار.

ويدل له قصة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

وينبغي أن يلحق به ما إذا كان في موضع يخاف نبشه لسرقة كفنه.

ورفعه فوق شبر مكروه أو خلاف الأولى.

ويستحب أن يزاد على التراب الذي خرج منه.

قال: (والصحيح: أن تسطيحه أولى من تسمينه)؛ لما روى أبو داوود (3212) والحاكم (1/ 369) عن القاسم بن محمد بن أبي بكر: (أنه رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضى الله عنهما لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء).

ص: 80

وَلا يَدْفِن اثْنانِ ِفي قَبَرَ إِلّا لَضَرُورَة،

ــ

و (المشرف): المرتفع ارتفاعًا كثيرًا.

و (اللاطئ) بالهمز: اللاصق بالأرض.

ولا يعارضه ما رواه البخاري (1390) عن سفيان التمار قال: (رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنما؛ لأنه كان أولًا مسطحًا كما رواه القاسم، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عيد الملك - وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز - وأصلح

جعل مسنمًا

والوجه الثاني - وهو قول ابن أبي هريرة -: الأفضل اليوم التسنيم دون التسطيح؛ لأنه صار شعار الروافض.

قال: (ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة) كما إذا كثر الموتي أو القتلي بطاعون أو هدم أو غيرهما وعسر إفراد كل ميت بقبر

فيدفن الاثنان والثلاة في القبر كقتلى أحد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بجمع الأثنين والثلاثة في قبر لكثرة القتلي.

وعبارة الكتاب موافقة لـ (المحرر)، وفي بعض نسخ (المنهاج):(ويحرم)، ولفظ (الروضة) و (الشرح): والمستحب في حال الاختبار أن يدفن كل ميت في قبر، ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة.

وعبارة الشرحين: ولا يجوز. وكذلك ظاهر عبارة (المهذب).

قال الشيخ: الذي تحرر أنها ثلاث مسائل:

إحداها: ابتداء دفن اثنين من نوع - كرجلين - أو امرأتين - فيكره بلا ضرورة.

الثانية: ابتداء دفن رجل وامرأة، والذي يظهر فيها التحريم في غير المحارم والسيد والزوج.

ص: 81

فَيُقَدِّم أُفَضِّلهُما. وَلا يُجْلَس عَلَى القَبْر،

ــ

الثالثة: نبش ميت ليدفن معه آخر، فهذا حرام ما لم يبل جميع الأول بقول أهل الخبرة، فإن حفره فوجد فيه عظام

طمه ولم يتم حفره، فإن رآها بعد إتمام الحفر

جعلها في جنب القبرة ودفن الميت معاها.

قال: وأما الفساقي التي تعمل في هذا الزمان لجمع الموتى

ففيه إدخال ميت على ميت وهو حرام؛ لما فيه من هتك الأول وظهور رائحته، فيجب إنكار ذلك بل في الاكتفاء به في الدفن الواجب نظر من وجهين:

أحدهما: أنها ليست علي هيئة الدفن المعهود شرعًا.

والثاني: أنها ليست معدة لكتم الرائحة.

قال: (فيقدم أفضلهما) إلى القبلة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسأل في قتلى أحد عن أكثرهم قرآنا فيقدمه إلى اللحد.

ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة.

وقال ابن الصباغ: إذا كان بينهما زوجية أو محرمية

فلا منع.

ويجعل بين الرجال والنساء حاجز من تراب، وكذا بين الرجلين والمرأتين على الصحيح.

ويقدم الأب علي الابن وإن كان الابن أفضل، وتقدم الأم علي البنت، ويقدم الابن علي الأم.

ويظهر أن الخنثى مع الخنثى كذكر مع أنثى.

قال: (ولا يجلس على القبر) أي: محترم لما روى مسلم (971) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخلص إلي جلده خير له من أن يجلس على قبر).

وفيه أيضا ً (972): (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).

ص: 82

وَلا يُوطَأ، وَيَقْرَب زائِرهُ كَقُرُبهُ مِنهُ حَيّا،

ــ

ومن العلماء من فسر الجلوس بالحدث وهو حرام بالإجماع، ومنهم من فسره بملازمة القعود عليه، ونص الشافعي على كراهة الجلوس.

ويكره - أيضًا - الاستناد والاتكاء عليه كما نقله في زوائد (الروضة) عن الأصحاب.

وجزم في آخر (كتاب الجنائز) من (شرح مسلم) و (رياض الصالحين) بتحريم ذلك.

قال: (ولا يوطأ): لنهي رسول الله عليه وسلم عن ذلك، كما صححه الترمذي (1025).

أما إذا مضت مدة يتيقن فيها أنه لم يبق من الميت شيء

فلا بأس أن ينتفع بالأرض؛ لأنه لم يبق له بعد البلى حرمة.

لكن يستثني ما إذا دعت الضرورة إلى الوطء، كما إذا كان لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطء غيره فيسعه ذلك، وفي (الكافي): أنه يجوز وطوه لضرورة الدفن.

قال: (ويقرب زائره كقربه منه حيًا)؛ احترامًا له وفي (رياض الصالحين): ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله، ويسلم عليه من جهة وجهه، فإذا دعا

استقبل القبلة.

وقال الخراسانيون: يستحب استقبال وجه الميت حالة الدعاء أيضًا.

فرع:

إذا مات إنسان في سفينة .... وجب على من فيها غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم إن كان الساحل قريبًا .... حمل إليه ودفن، وإن كان بعيدًا .... شدوه بين لوحين؛ لئلا ينتفخ، وألقوه في البحر؛ ليلقيه البحر إلي الساحل لعله يقع إلى قوم يدفنوه، فإن كان أهل الساحل كفارًا

ثقل بشيء ليرسب.

ص: 83

وَالتَعْزِيَة سُنَّة قَبِلَ دَفَنَهُ،

ــ

قال المصنف: العجب من الرافعي - مع جلالة قدره - كيف حكي هذه المسألة على هذا الوجه؟ وكأنه قلد فيها صاحب (المهذب) والمستظهري، وهو خلاف النص، وإنما هو مذهب المزني؛ لأن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: يلقى بين لوحين ليقذفه البحر. قال المزني: هذا محله إذا كان أهل الساحل مسلمين، فإن كانوا كفارًا .. ثقل بشيء ليرسب إلى القرار.

وقال الأصحاب: الذي قاله الإمام الشافعي أولى.

وقال أحمد: يثقل ويلقى في البحر مطلقًا حتى يحصل في قعره.

قال: (والتعزية سنة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عزى أخاه بمصيبة

كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة) رواه الترمذي وفيه (1073)، وفي (سنن ابن ماجه) (1602) من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزى مصابًا

فله مثل أجره) قال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، قال: وروي أيضًا موقوفًا، قال: ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه. وكذلك قال البيهقي، وفي (سننه) (4/ 59):(أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلًا في ولد له مات).

و (التعزية): التصبر، وعزيته: أمرته بالصبر، والعزاء بالمد: الصبر.

قال الشاعر (من المتقارب):

إذا النائبات (من المتقارب):

إذا النائبات بلغن النهي .... وكادت بهن تذوب المهج

وجل البلاء وقل العزا .... فعند التناهي يكون الفرج

قال: (قبل دفنه)؛ لأنه وقت شدة الجزع، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(إنما الصبر عند الصدمة الاولي).

ص: 84

وَبِعَدّهُ ثَلاثَة أَيّام. وَيَعْزِي المُسَلَّم بِالمُسَلَّم: (أَعْظَمَ اللّاه أَجْركِ، وَأَحْسَنَ عَزاءكِ، وَغَفَرَ لَمَيِّتكَ

ــ

قال الرافعي: وتأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن.

قال: (وبعده ثلاثة أيام)؛ لأن الغالب أن الحزن بعدها يسكن، فيكره حينئذ لأنه يجدد الحزن.

وابتداؤها من الدفن قاله في (شرح المهذب)، وقيل: من الموت قاله الماوردي وصححه في (الكافي)، والثلاث تقريب.

هذا إذا كان المعزي والمعزي حاضرين، فإن كانا غائبين .. فإنها تستحب ولو بعد ثلاث.

وقال الشيخ محب الدين الصبري: تعزية الغائب عند قدومه. وهل يختص بحالة الحضور أو تشرع الثلاث؟ لم أر فيه نقلا ً ، والظاهر: مشروعية الثلاث بعد الحضور؛ لما روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما قدم مكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشهر جاءه أهل مكة يعزونه.

وقيل: لا أمد للتعزية.

وقال أبو حنيفة: يعزى قبل الدفن لا بعده.

والمستحب أن يعزى أهل البيت الكبير والصغير، الرجال والنساء، لكن لا يعزي الشابة إلا محرم لها.

قال: (ويعزى المسلم بالمسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك)؛ لأن ذلك لائق بالحال.

ص: 85

وَبِالكافِر: (أَعْظَمَ اللّاه أَجْركِ وَصَبَّرَكَ)، وَالكافِر بِالمُسَلَّم: (غَفْر اللّاه لَمَيِّتكَ وَأَحْسَننَ عَزاءكِ

ــ

ويستحب أن يبدأ قبله بما ورد من تعزية الخضر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل فاتت، فبالله فتقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.

وري الحاكم (3/ 273) عن معاذ أنه مات له ابن، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه عليه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا من مواهب الله عز وجل الهينة، وهواريه المستردة، متعك الله به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كبير، الصلاة والرحمة والهدى إن احتسبته، فاصبر ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد شيئًا، ولا يدفع حزنًا، وما هو نازل فكأن قد والسلام) ثم قال: حديث غريب حسن إلا أن فيه مجاشع بن عمرو وليس من شرط هذا الكتاب.

ولما دفن معاوية وجلس ابنه في الملك .... دخل عليه عطاء بن أبي صيفي الثقفي فقال: يا أمير المؤمنين؛ أصبحت قد رزنت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، وقد قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، وقد أعطيت بعده الرئاسة، ووليت السياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية، واشكره على أفضل العطية.

قال: (وبالكفار) كما يعزي المسلم بالكافر الذمي (أعظم الله أجرك وصبرك)، وفي (مختصر المزني):(وأخلف عليك)؛ لأنه لائق بالحال. ولا يقال له: غفر الله لميتك؛ لأن الاستغفار للكافر حرام.

قال: (والكافر بالمسلم: (غفر الله لميتك، وأحسن عزاءك))، وإنما قدم ههنا الدعاء الميت؛ تقديما للمسلم، وهو أحسن مما صنعه صاحب (التنبيه).

وينبغي في هذين القسمين أن يقتصر على الجواز، ولا يستحب إلا إذا رجي إسلام الكافر المعزي.

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويقال في تعزية الدمي بالذمي: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك.

وعلل الأصحاب ذلك بأن فيه نفعا ً للمسلمين في الدنيا بتكثير الجزية، وفي الآخرة بالفداء من النار.

وتظهر فائدة العلتين إذا كان الميت حربيًا: فإن قلنا: العلة تكثر الجزية .... لا يعزي بذلك، وإن قلنا: الفداء من النار .... عزي بذلك ..... وليست مسألة الحربي منقولة.

واختار في (شرح المهذب): ترك ذلك؛ لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام كفره.

فائدة:

قال أهل اللغة وغيرهم: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو شئ يستعاض: (أخلف الله عليك) أي: رد عليك مثل ما ذهب، فإن كان قد هلك له والد أو عم أو أخ يقال:(خلف الله عليك) - بغير ألف - أي: كان الله خليفة والدك - أو من فقدته - عليك.

غريبة:

قال الحسن البصري: من الأدب أن لا يعزى الرجل في زوجته.

وروي: أن عبيد بن زياد سأل أبا بكة نفيع بن الحارث عن موت الأهل ....

فقال: موت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت الزوجة حزن ساعة.

ولما عزي النبي صلى الله عليه وسلم في ابنته رقية .... قال: (الحمد لله دفن البنات المكرمات) رواه العسكري في (الأمثال) عن ابن عباس، وابن عدي (2/ 278) في ترجمة حميد بن حماد بن أبي الخوار التميمي الكوفي قال: وهو ثقة يحدث عن الثقات، عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.

ص: 87

وَيُجَوِّز البَكّاء عَلِيّهُ قَبِلَ المَوْت وَبِعَدّهُ،

ــ

فروع:

يكره الجلوس للتعزية، قيل: وأول من جلس لها عبد الله بن المبارك لما ماتت أخته .... دخل عليه بعض جيرانه فقال: حق علي العاقل أن يفعل في أولل يوم ما يفعله الجاهل بعد ثلاث! فأمر عبد الله بطي البساط وترك التعذية.

وقال ابن الفركاح: لا كراهة في الجلوس لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه نعي زيد وجعفر وابن رواحه ...... جلس يعرف في وجهه الحزن.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وأكره المأتم - وهي: الجماعة - وإن لم يكن لهم بكاء؛ فإن ذلك يكلف الحزن ويجدد المؤنة.

ويكره الأكل من طعام المأتم.

قال: (ويجوز البكاء عليه قبل الموت) بالإجماع؛ ففي (الصحيحين)(خ 1303 - م 2315) أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان إبراهيم يجود بنفسه جعله في حجره وعيناه تذرفان، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله تبكي! أو لم تنه عن البكاء؟ فقال: (يا ابن عوف؛ إنها رحمة) ثم أتبعها بأخري وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون). وعاد صلى الله عليه وسلم سعد بن عباده فبكى وقال: (إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم) وأشار إلى لسانه، رواه مسلم (924).

قال: (وبعده)؛ لما روى مسلم (976): (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله).

وفي (الشرح) و (الروضة) و (الشامل) وغيرها: أنه بعد الموت مكروه، وكلام بعضهم قد يفهم التحريم.

ص: 88

وَيَحْرِم النَدْب بِتَعْدِيد شَمائِلهُ، وَالنَوْح،

ــ

ونقل في (شرح المهذب) عن الجمهور: أنه بعد الموت خلاف الأولى.

قال الشيخ: وينبغي أن يقال: إن كان البكاء لرقة على الميت وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة .... فلا يكره خلاف الأولى، وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء

فيكره أو يحرم.

وأما إذا غلب البكاء .... فلا يوصف بكراهة، لكن الأولى أن لا يبكي بخضرة المحتضر.

و (البكاء): يمد وبقتصر، إذا مددت: أردت الصوت الذي مع البكاء، وإذا قصرت: أردت الدموع وخروجها.

قال كعب بن مالك (من الوافر):

بكت عيني وحق لها بكاها .... وما يغني البكاء ولا العويل

ووهم الجوهري في نسبته لحسان.

قال: (ويحرم الندب بتعديد شمائله) يقال الميت؛ أي: بكاء وعدد محاسنه، يندبه ندبًا، والاسم: الندبة وذلك كقولهم: يا قاتل الأقران! يا حامي الديار! يا كفاه! يا جبلاه!

و (الشمائل) جمع شمال علي وزن هلال وكتاب وهو: ما اتصف به الشخص من الطباع كالكرم والبخل والشجاعة والجبن وغير ذلك.

روى البخاري (4268) عن النعمان بن بشير أنه قال: (أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي: واجبلاه! واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه).

قال: (والنوح) وهو: رفع الصوت بذلك، إنه كلام منظوم يشبه الشعر.

وأطلق القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عليهما الكراهة.

ص: 89

وَالجُزْع بِضَرْب صَدْرهُ وَنَحْوهُ

ــ

والصحيح: أنهما محرمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والتي تجاوبها، وفي (الصحيحين) (خ 4892 - م 936) عن أم عطية رضي الله عنها قالت:(نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة)، وقال صلى الله عليه وسلم:(النائحة إذا لم تنب قبل موتها .... تقام يوم القيامة وعليها سريال من قطرات ودرع من جرب) رواه مسلم (934).

(السربال): القميص. وكنى به عثمان عن الخلافة في قوله: (لا أخلع سربالًا سربلينه الله).

و (درع المرأة): قميصها.

و (الجرب) بئر تعلو أبدان الناس.

قال: (والجزع بضرب صدره ونحوه) كنشر الشعر وشق الجيب وتسويد الوجه وإلقاء التراب أو الرماد علي الرأس، وكل واحد من هذه الأشياء حرام بمفرده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) متفق عليه (خ 1294 - م 103)، ولأن ذلك يشبه التظلم من الظالم، وهو عدل من الله سبحانه وتعالى. ومتى حصل شئ من هذة الأشياء .. فإثمه على فاعله خاصة؛ لقوله تعالي:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

وما أحسن قول شيخنا الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمة الله (من الطويل):

ولو جاز فرط الحزن لم يستفد به .... فما بالنا لا نستفيد ونأثم

وأما ما ورد في (الصحيح)(خ 1288 - م 928) عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) أو قال: (ببعض بكاء الحي) .... فمحمول عند الجمهور على ما إذا أوصى به كقول طرفه (ديوانه 118 من الطويل):

إذا مت فانعيني بما أنا أهله .... وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال لبيد (ديوانه 73 - 74 من الطويل):

فقوما وقولا بالذي قد عرفتما .... ولا تخشما وجهًا ولا تحلقا شعر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما .... ومن يبك حولًا فقد اعتذر

قال الرافعي: ولك أن تقول ذنب الميت يحمل على الحرام والأمر به، فوجب أن لا يختلف عذابه بالامتثال وعدمه.

وقيل: المراد ب (العذاب): التألم قال محمد بن جرير والقاضي عياض، وقيل: التوبيخ، وقيل: مخصوص بالميت الكافر قاله الشيخ أبو حماد؛ لقول عائشة رضي الله عنها: رحم الله (ابن) عمر ما كذب ولكن أخطأ ونسي إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على يهودية وهم يبكون عليها فقال: إنهم يبكون وإنها لتعذب ببكاء أهلها)، وقيل: إذا ندبوه بشيء من المحرمات.

قال المصنف: وأجمعوا على أن المراد بالبكاء هنا: إذا اقترن به ارتفاع صوت ونياحة، لا مجرد دمع العين.

وتكره المرائي.

فروع:

لا يكره المشي علي المقابر بالنعلين علي المشهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

ص: 91

قَلَت: هاذِهِ مَسائِل مَنْثُورَة: يُبادِر بِقَضاء دَيِّن المَيِّت

ــ

(إنه ليسمع خفق نعالهم).

وما ورد من الأمر بإلقاء النعلين السبتيتين في (أبي داوود)(3222) و (النسائي)(4/ 96) بإسناد حسن يحتمل أن يكون: لأنهما من لباس المترفين، أو أنه كان فيهما نجاسة.

و (النعال البيتة) بكسر السين: المدبوغة بالقرظ.

ويستحب خفض الصوت في السير بالجنازة ومعها ، وأن لا يشتغل المشيع بشيء عن التفكير فيما هو لاقيه وصائر إليه، قال سعد بن معاذ: ثلاثة أشياء قويت عليها: ما مشيت في جنازة قط إلا وكنت مفكرًا فيما يقال لها وما به تجيب، ولا صليت صلاة فحدثت فيها نفسي بشيء من أمور الدنيا، ولا بلغتني سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عملت بها.

واتباع النساء الجنائز قيل: حرام، والصحيح في زوائد (الروضة): أنه مكروه.

ويستحب لمن مرت به جنازة أن يدعو لها، وأن يثني عليها خيرًا إن كان أهلًا، وأن يقول: سبحان الحي الذي لا يموت أو سبحان الملك القدوس.

قال: (قلت: هذه مسائل منثورة:

يبادر بقضاء دين الميت)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه الإمام الشافعي رضي الله عنه (أم / 279) والترمذي (1079) وابن ماجه (2413) والحاكم (2/ 26) وابن حبان (2066).وليكن ذلك قبل تجهيزه. فإن لم يكن في التركة جنسه بأن كانت عقارًا ونحوه .... قال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأبو حامد: يسأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، وفيه إشكال لا يخفي. قال المصنف: فيحتمل أنهم رأوا هذه الحواله مبرئة هنا للحاجة والمصلحة.

وقال القاضي أبو الطيب: يتوصل إلى أن يحيل غرماء الميت على من للميت عليه دين وهذا أقرب.

ص: 92

وَوَصَّيتُهُ، وَيَكْرَهُ تُمَنِّي المَوْت لَضَرَّ نَزْل بِهِ لا لُفتُنَّهُ دَيِّن

ــ

وقال الماوردي: إنما تكون الذمة بدينه إذا لم يخلف تركه يتعلق بها الدين. ويدل له ما روى أبو داوود (2335) عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم الذنوب عند الله عز وجل أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله تعالى عنها: أن يموت رجل عليه دين لم يدع له قضاء).

قال: (ووصيته)؛ مسارعة إلى وصول الثواب له البر، وذلك مندوب بل واجب عند طلب الموصى له المعين، وكذا عند التمكن في الوصية للفقراء ونحوهم من ذوي الحاجات.

قال: (ويكره تمني الموت لضر نزل به)؛ لما روى البخارى (5671) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان ولا بد فاعلًا .... فليقل: (اللهم؛ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لى، وتوفني ما كانت خيرًا لي).

قال: (لا الفتنة دين) كما إذا فسد الزمان، فحينذ لا يكره بل قال المصنف في (الفتاوى) التي له غير مشهورة: إنه في هذه الحالة يستحب، وحكي ذلك عن أبي ملسم الخولاني وهمر بن عبد العزيز وغيرهما.

قال الشيخ: والأحسن في هذه الحالة الدعاء بما في الحديث فإنه يحصل به المقصود، والله تعالي هو العالم بحقائق الأمور وعواقبها.

وأما التمني لغرض أخروي كتمني الشهادة في سبيل الله

فمحبوب، وقد قال عمر رضي الله عنه:(اللهم؛ إنه رق عظمي - أي: ضعف - وانتشرت رعيتي، فتوفني غير مقصر ولا عاجز). قال أصبغ: سمعت أشهب يحدث أن عمر بن عبد العزيز كان لا يبلغه شيء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أحب أن يعمل به، حتى بلغه أن عمر رضي الله عنه دعا على نفسه بالموت فدعا به، فما لبث جمعة حتى مات. وصح عن معاذ أنه تمناه في طاعون عمواس.

ص: 93

وَيُسِنّ التَداوِي،

ــ

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما تمني نبي الموت إلا يوسف عليه الصلاة والسلام.

والجواب: أنه إنما تمني الوفاة علي الإسلام لا الموت، ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وإذا أردت بالناس فتنة

فاقبضني إليك غير مفتون). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل علي القبر فيقول: يا ليتني مكانه؛ لما يرى من الفتن).

هذا في غير من بشر بالجنة، أما المبشر بها

فيحب الموت ويهواه ويتمناه؛ فقد كان علي رضي الله عنه يقول: (لا أبالي سقط الموت علي أو سقطت عليه)، وكان حذيفة رضي الله عنه يتمني الموت، فلما احتضر قال:(حبيب جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم) يعني: علي التمني، وقال عمار رضي الله عنه بصفين:(اليوم ألقى الأحبة، محمدًا وحزبه)، وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحن إليه.

قال: (ويسن التداوي)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تداووا؛ فإن الله تعالى لم يضع داء إلا له دواء غير الهرم) رواه الأربعة، وقال الترمذي: حسن

ص: 94

وَيَكْرَهُ إِكْراههُ عَلِيّهُ. وَيُجَوِّز لَأَهْل المَيِّت وَنَحْوهُم تقبيل وَجْههُ. وَلا بَأَسَ بِالإِعْلام بِمَوْتهُ لِلصَلَاة وَغَيْرها،

ــ

صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام في الشونيز:(عليكم بهذه الحبة السوداء؛ فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام) يريد: الموت، وروى ابن حبان (6075) والحاكم (4/ 196) عن ابن مسعود رضي الله عنه: (ما أنزل الله داء

إلا أنزل له دواء، جهله من جهله وعلمه من علمه، فعليكم بألبان البقر؛ فإنها ترم من كل الشجر) أي: تأكل.

فإن ترك التداوي توكلًا

فهو فضيلة، وفي (فتاوي ابن البرزي): أن من قوي توكله .... فالترك له أولى، ومن ضعفت نفسه وقل صبره .... فالمداواة له أفضل. وفيما ادعاه نظر؛ فإن سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم تداوي

ونقل القاضي عياض الإجماع على عدم وجوب التداوي.

قال: (ويكره إكراه عليه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تكرهوا مرضاكم علي الطعام والشراب؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم) رواه أبو داوود وابن ماجه (3444) من حديث عقبة بن عامر.

قال: (ويجوز لأهل الميت ونحوهم تقبيل وجهه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت، وهو يبكي، رواه الترمذي (989) وغيره، وهو أول من دفن بالبقيع، وفي (البخاري) (4457):(أن أبا بكر رضى الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته).

قال الشيخ: ينبغي أن يكون لهم مستحبًا، ولغيرهم جائزا ً، ول يقتصر الجواز عليهم.

وفي (الروضة) في (أول النكاح): لا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح، وقيل: يكره، وقيل: يستحب للقريب دون غيره.

قال: (ولا بأس بالأعلام بموته للصلاة وغيرها)؛ لما روى البخاري عن ابن عباس رضي عنهما: أن إنسانًا مات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فدفنوه

ص: 95

بِخِلاف نَعْي الجاهِلِيَّة. وَلا يَنْظُر الغاسِل مَن بَدَنهُ إِلّا قَدْر الحاجَة مَن غَيْر العَوْرَة. وَمَن تُعْذَر غِسْلهُ

يَمَّمَ، وَيَغْسِل الجَنْب وَالحائِض المَيِّت بَلًّا كَراهَة،

ــ

ليلًا، فلما أصبح

أخبروه به فقال: (ما منعكم أن تعلموني؟) قالوا: كان الليل والظلمة فكرهنا أن نشق عليك، فأتي قبره فصلى عليه).

وفي (الصحيحين)(خ 1245 - م 951): (أنه صلى الله عليه وسلم نعى لأصحابه النجاشي في اليوم الذي مات فيه).

واختلف الأصحاب في النداء علي الميت فقيل: مكروه، وقيل: مستحب، وقيل: إن كان غريبًا

استحب، وإلا

فلا، حكاها الماوردى.

قال: (بخلاف نعي الجاهلية)؛ لما روى الترمذي (986) عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه).

و (النعي): خبر الموت، يقال: نعاه وأنعاه: إذا أخبر بموته، نعيًا ونعيًا بسكون العين وكسرها مع التشديد.

قال: (ولا ينظر الغاسل من بدنه إلا بقدر الحاجة)؛ لأنه قد يكون فيه شيء كان يكره اطلاع الناس عليه، وربما رأي سوادًا ونحوه فظنه عذابًا. فإن نظره

كان مكروهًا، فإن دعت حاجة .... لم يكن .. وأما المعين للغاسل .. فيكره له أن ينظر إلا لضرورة. وحكم المس بلا شهوة .... حكم النظر.

قال: (من غير العورة)؛ فإن النظر إليها يحرم، وقال صلى الله عليه وسلم لعلي:(لا تنظر إلى فخذ حي ولا يمت) رواه أبو داوود (3132).

قال: (ومن تعذر غسله .. يمم) قياسًا علي غسل الجنابة، والتعذر إما لفقد ماء، أو حرق ونحوه، فل كانت به قروح وخيف من غسله إسراع البلى بعد الدفن .... وجب غسله؛ لأن الجميع صائر إلى البلى. وإذا يمم لفقد الماء وصلي عليه، ثم وجد الماء .... فقد تقدم حكمه.

قال: (ويغسل الجنب والحائض الميت بلا كراهه)؛ لأنهما طاهران كغيرهما.

ص: 96

وَإِذا ماتا .. غَسَلا غَسَلا فَقَّطَ. وَلِيُكِنّ الغاسِل أَمِينًا، فَإِنَّ رَأَى خَيْرًا .. ذَكَرهُ، أَو غَيَّرَهُ

حَرِمَ ذَكَرهُ إِلّا لِمُصْلِحَة

ــ

قال: (وإذا ماتا

غسلا غسلًا فقط)؛ لأن الغسل الذي كان عليهما انقطع بالموت كما تقدم في الشهيد الجنب. وانفرد الحسن البصري بإيجاب غسلين.

قال: (وليكن الغاسل أمينًا) وإلا

لم يوثق به في تكميل الغسل وغيره، روى ابن ماجة (1461) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليغسل موتاكم المأمونون) لكنه ضعيف. وهكذا الذي يعينه. فإن غسله الفاسق

وقع الموقع.

قال: (فإن رأي خيرًا

ذكره) على جهة الندب؛ ليكون أدعى إلى كثرة المصلين عليه والدعاء له.

قال: (أو غيره

حرم ذكره)؛ لأنه غيبة لمن لا يأتى الاستحلال منه.

وفي (صحيح مسلم)(2699): (ومن ستر مسلمًا .... ستره الله في الدنيا والآخرة)، وفي (سنن أبي داوود) (4864) و (الترمذي) (1019) و (ابن حبان) (3020) و (الحاكم) (1/ 385):(اذكروا محاسن موتاكم ، وكفوا عن مساوئهم)، وفي (المستدرك) (1/ 354):(من غسل ميتًا وكتم عليه .... غفر الله له أربعين مرة)، وروى أحمد (6/ 119) وابن عدي (5/ 126) عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتًا وأدى فيه الأمانة، ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك .... خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

ومراد المصنف ب (غيره): أن يرى سوادًا أو تغير رائحة أو انقلاب صورة.

قال: (إلا المصلحة كما إذا كان مبتدعًا مظهرًا لبدعته، فيذكر ذلك لينزجر الناس عنها. وينبغي ذلك أيضًا فيما إذا كان فاسقًا أو ظالمًا متجاهرًا بالظلم والفسق.

فائدة:

غسلت امرأة بالمدينة في زمن مالك رضي الله عنه امرأة فالتصقت يدها على

ص: 97

وَلُو تُنازِع أَخَوانِ أَو زَوْجَتانِ

أَقْرَع، وَالكافِر أَحَقّ بِقَرِيبهُ الكافِر. وَيَكْرَهُ الكَفَن المُعَصْفَر، وَالمُغالَاة فِيهِ، وَالمَغْسُول أَوْلَى مَن الجَدِيد

ــ

فرجها، فتحير الناس من أمرها، هل تقطع يد الغاسلة أو فرج الميتة؟ فاستفتي مالك فقال: سلوها ما قالت لما وضعت يدعا عليها؟ فسألوا فقالت: قلت طالما عصى هذا الفرج ربه، فقال مالك: هذا قذف، اجلدوها ثمانين جلدة تتخلص يدها، فجلدوها ذلك فتخلصت يدها. فمن ثم قيل: لا يفتى ومالك بالمدينة.

قال: (ولو تنازع أخوان أو زوجتان

أقرع)؛ لاستواء درجتهما في غسله. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في محله.

قال: (والكافر أحق بقريبه الكافر)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . فإن تركه أو لم يوجد .. تولاه المسلم.

قال: (ويكره الكفن المعصفر) هذا بالنسبة إلى المرأة لما فيه من الزينة التي لا تليق بحالها.

وقيل: لا يكه لها كحال الحياة.

وأما الرجل فتقدم: أنه لا يجوز له لبس الزعفر

فيحرم تكفينه فيه، ويكره له المعصفر .. فيكره تكفينه فيه. وعبارة المصنف فيها بعض قصور.

قال: (والمغالاة فيه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغالوا في الكفن؛ فإنه يسلب سلبًا سريعًا رواه أبو داوود (3146) عن علي ولم يضعفه.

وفهم من التقييد بالمغالاة: أن تحسينه لا يكره وهو كذلك، بل يستحب؛ ففي (صحيح مسلم) (943): (إذا كفن أحدكم أخاه

فليحن كفنه) أي: يتخذه أبيض نظيفًا سابغًا، وفي (كامل ابن عدي) (3/ 254) عن أبي هريرة رصي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(حسنوا أكفان موتاكم؛ فإنهم يتزاورون في قبورهم).

قال: (والمغسول أولى من الجديد)؛ لأنهما يؤلون إلى البلى.

ص: 98

وَالصَبِيّ كَبالِغ ِفي تَكْفِينَهُ بِأَثْواب. والحنوط مُسْتَحَبّ، وَقَيْل: وَأَجُبّ. وَلا يَحْمِل الجِنازَة إِلّا الرِجال وَإِنَّ كانَت أُنْثَى، وَيَحْرِم حَمَلَها عَلَى هَيْئَة مُزْرِيَة، وَهَيْئَة يُخاف مِنها شقوطها. وَيَنْدُب لِلمَرْأَة ما يُسَتِّرها كَتابُوت

ــ

وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن يكفن في ثوبه الخلق وزيادة ثوبين وقال: (الحي أولي من الميت بالجديد) رواه البخاري (1387)، وقال ابن المبارك: أحب أن يكفن في ثيابه التي كان يتعبد فيها.

قال: (والصبي كبالغ في تكفينه بأثواب)؛ لأنه ذكر فأشبه البالغ. هذا بالنسبة إلى العدد، وأما في جنس ما يكفن به .... فقد تقدم: أنه يجوز تكفينه في الحرير؛ لعموم قوله: (يكفن بما له لبسه حيًا).

قال: (والحنوط مستحب) كما لا يجب الطيب للمفلس وإن وجبت كسوته.

قال: (وقيل: واجب)؛ للأمر به.

قال: (ولا يحمل الجنازة إلا الرجال وإن كانت أنثي)؛ لأن النساء يضعفن حملها.

قال: (ويحرم حملها علي هيئة مزرية) كحملها في قفه أو عدل أو نحو ذلك.

روى أحمد (4/ 406) عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم مر عليه بجنازة تمخض مخض الزق، فقال صلى الله عليه وسلم:(القصد)، وما روى أيضًا (6/ 100) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كسر عظم الميت مثل كسر عظمه حيًا).

قال: (وهيئة يخاف منها سقوطها)، بل تحمل على لوح ونحوه.

فإن خيف التغير قبل حصول ما تحمل عليه

حملت علي الأيدي والرقاب.

قال: (ويندب للمرأة ما يسترها كتابوت) المراد: القبة التي تجعل عليها؛ لأنه أصون لها.

وكذا فعلته أسماء بنت عميس لزينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها رأته كذلك في الحبشة، فقال عمر رضي الله عنه:(نعم خباء الظعينة).

ص: 99

وَلا يَكْرهُ الرَكُوب فِي الرُجُوع مِنها. وَلا بَأَسَ بِأَتْباع المُسَلَّم جِنازَة قَرِيبهُ الكافِر وَيَكْرَهُ اللَغْط فِي الجِنازَة

ــ

وقال ابن عبد البر: أول من غطي نعشها في الإسلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنهما.

فائدة:

التابوت: سرير الميت، لكن ذكره الجوهري في (باب الباء) وكان من حقه أن يذكره في (باب التاء)؛ لأن تاءه أصلية ووزنه فاعول كعاقول وكابوس، ومع ذلك ذكر له تصريفًا لم يذكره أحد ولم يسمع من غيره؛ فإنه قال: أصله تابوة كترقوة. ولم تختلف لغة قريش والأنصار في شيء من القرآن إلا في التابوت؛ فلغة قريش بالتاء، ولغة الأنصار بالهاء وكذلك قرأ زيد بن ثابت الآية.

قال: (ولا يكره الركوب في الرجوع منها)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا معرورى لما رجع من جنازة ابن الدحداح، رواه مسلم (965) من حديث جابر بن سمرة. وأما في الذهاب .. فتقدم: أنه يكره الركوب فيه، إلا لعذر كبعد المكان أو ضعف.

قال: (ولا بأس بإتباع المسلم جنازة قريبه الكافر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر عليًا رضي الله عنه أن يواري أبا طالب، رواه أبو داوود (3206) والنسائي (4/ 79).

والنص: أنه لا يكره أتباعه، وقال الروياني: يكره.

فرع:

يجوز للمسلم زيارة قبر قريبه الكافر عند الأكثرين.

وقال الماوردي: لا يجوز؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} .

قال في (شرح المهذب): وهذا غلط؛ فالأكثرون قطعوا بالجواز.

قال: (ويكره اللغط في الجنازة)، وهو: ارتفاع الأصوات؛ لما روى البيهقي (4/ 74): (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الصوت عند

ص: 100

وَاتِّباعها بِنار. وَلُو أَخْتَلِط مُسْلِمُونَ بِكُفّار

وَجَّبَ غَسَّلَ الجَمِيع وَالصَلَاة، فَإِنَّ شاءَ صَلَّى عَلَى الجَمِيع بِقَصْد المُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ الأَفْضَل وَالمَنْصُوص، أَو عَلِيّ وَأَحَدّ فَواحِد ناوَيا الصَلَاة عَلِيّهُ إِن كانَ مُسْلِمًا، وَيَقُول:(اللَهْم؛ أُغَفِّر لَهُ إِن كانَ مُسْلِمًا). وَيَشْتَرِط لَصِحَّة الصَلَاة عَلِيّهُ: تَقَدَّمَ غِسْلهُ - وَتُكْرَه قَبِلَ تَكْفِينَهُ -

ــ

الجنازة وعند القتال وعند الذكر).

وقال المصنف: الصواب المختار ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير بالجنازة بغير رفع صوت بقراءة ولا يذكر، وأنا ما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه .. فحرام يجب إنكاره.

قال: (وإتباعها بنار) المراد: أنه يكره البخور في المجمرة بين يديها إلى القبر ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.

وقال الشيخ نصر: لا يجوز أن تحمل معها المجامر والنار. فإن أراد التحريم .... فشاذ. وتكره مجمرة البخور عند القبر أيضا.

قال: (ولو اختلط مسلمون بكفار .... وجب غسل الجميع والصلاة)؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدورًا عليه

فهو واجب. ولا فرق بين أن يكون عدد المسلمين أقل أو أكثر، حتي لو اختلط مسلم بمئة كافر .... فعل بهم ذلك، فلو عبر ب (مسلم)

كان أصوب. وكذا إذا اختلط الشهيد بغيره.

قال: (فإن شاء صلى علي الجميع) أى: صلاة واحدة (بقصد المسلمين، وهو الأفضل والمنصوص)؛ لأن ذلك ليس صلاة علي الكافر بل علي المسلم فقط.

قال: (أو على واحد فواحد ناويًا الصلاة عليه إن كان مسلمًا، ويقول: (اللهم؛ اغفر له إن كان مسلمًا)، ويعذر في تردد النية للضرورة كمن نسي صلاة من خمس، ويدفن المختلطون بين مقابر المسلمين والكفار.

قال: (ويشترط لصحة الصلاة عليه: تقدم غسله) أي: أو تيممه؛ لأنه المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأن الصلاة علي الميت كصلاة نفسه.

قال: (وتكره قبل تكفينه) هكذا في زوائد (الروضة) تبعًا للبغوي.

ص: 101

فَلَو ماتَ بِهَدْم وَنَحْوهُ وَتَعْذِر إِخْراجهُ وَغَسَّلَهُ ..... لِمَ يَصْلَ عَلِيّهُ. وَيَشْتَرِط: أَن لا يَتَقَدَّم عَلَى الجِنازَة الحاضِرَة، وَلا عَلَى القَبْر عَلِيّ المُذَهَّب فَيَهِما. وَتَجُوز الصَلَاة عَلِيّهُ فِي المَسْجِد،

ــ

قال الشيخ: والقول بأن الغسل شرط والتكفين ليس بشرط يحتاج إلى دليل، والقياس: أنه إذا لم يوجد ماء ولا تراب .... يصلى عليه كما جزم به الدرامي وابن الأستاذ.

قال: (فلو مات بهدم ونحوه) كما إذا وقع في بئر أو بحر عميق.

قال: (وتعذر إخراجه وغسله ..... لم يصل عليه)؛ لانتفاء شروط الصلاة.

قال: (ويشترط: أن لا يتقدم علي الجنازة الحاضرة، ولا علي القبر علي المذهب فيهما) كما لا يتقدم المأموم على إمامه في غيرها من الصلوات.

والثاني: يجوز التقدم عليهما؛ لأن الميت ليس بإمام متبوع حتى يتعين تقديمه، بل هو كعبد حضر معه جماعة يشفعون له عند مولاه.

والأصح: طريقة القولين، والثانية: القطع بالجواز.

واحترز ب (الحاضرة) عن الغائبة التي هي وراء المصلي؛ فإنه يجوز كما تقدم.

ويشترط في الحاضرة أيضًا: أن لا يزيد ما بينها وبين الإمام على المسافة المعتبرة بين الصفين كما تقدم.

ولو كبر تكبيرة أو تكبيرتين فجاءت جنازة ثانية .... أكمل الأولى واستأنف الصلاة علي الثانية.

قال: (وتجوز الصلاة عليه في المسجد)؛ لما روى مسلم (973) وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى علي سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد)، ولا كراهة في ذلك بل صرح كبار الأصحاب فيه بالاستحباب، وبه جزم في (شرح المهذب)، وقال في زوائد (الروضة): إنه أفضل.

وكرهها فيه مالك وأبو حنيفة؛ لما روي أبو داوود (3184) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي جنازة في المسجد

فلا شئ له).

ص: 102

وَيُسِنّ جَعْل صُفُوفهُم ثَلاثَة فَأُكْثِر. وَإِذا صَلَّى عَلِيّهُ فَحَضَرَ مَن لِمَ يَصْلَ

صَلَّى، وَمَن صَلَّى

لا يُعِيد عَلَى الصَحِيح

ــ

والجواب: أنه ضعيف صرح بضعفه أحمد وابن المنذر والبيهقي، وقال ابن حبان: إنه باطل على رسول الله عليه وسلم.

وأيضًا: ففي النسخ المعتمدة من (سنن أبي داوود): (فلا شيء عليه)، وعلى تقدير صحته ف (له) بمعنى: عليه كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا} .

وقال ابن شاهين: إنه منسوخ بحديث سهيل، وعكس الطحاوي ذلك.

قال: (ويسن جعل صفوفهم ثلاثة فأكثر)؛ لما روى أبو داوود (3158) والترمذي (1028) وابن ماجه (1490) والحاكم (1/ 362) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليه ثلاثة صفوف

فقد أوجب) ومعناه: غفر له، رواه أحمد (4/ 79) والحاكم (1/ 362) بلفظ:(فقد غفر له)، وكان مالك بن هبيرة - راوي الحديث - إذا حضر جنازة

صفهم ثلاثة صفوف. وفي (مسلم)(947): (ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له

إلا شفعوا فيه)، فيه (948) أيضًا:(من صلى عليه أربعون رجلا ً لا يشركون بالله شيئًا .. شفعهم الله فيه).

قال: (وإذا صلي عليه فحضر من لم يصل

صلى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى علي قبور جماعة بعد ما دفنوا، ومعلوم أنهم: إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم.

وإذا صلى

وقعت صلاته فرضًا كما جزم به الرافعي، فينوي الفرض ويثاب عليه. وفي ظاهرة إشكال؛ لأن الفرض سقط بالأولي. واعتذروا عن هذا بأنه لا يقال: سقط الفرض بالأولي، ولكن سقط الحرج والإثم، ومن قال: سقط الفرض معناه ذلك.

قال: (ومن صلى

لا بعيد علي الصحيح)؛ لأن الجنازة لا يتنقل بها، ولأنها شفاعة والشفاعة لا تعاد، سواء صلى منفرد أم في جماعة.

ص: 103

وَلا تُؤَخَّر لِزِيارَة مُصَلِّيْنَ

ــ

والمراد بقوله: (لا يعيد): لا يستحب له الإعادة.

والثاني: تستحب له الإعادة كغيرها.

والثالث: إن صلى منفردًا ثم وجد جماعة

استحب له الإعادة معهم، وإلا فلا

والرابع: تكره

والخامس: تحرم؛ لأنها صلاة منهي عنها.

إلا أنه يستثني من ذلك فاقد الطهورين إذا صلى ثم وجد ما يتطهر به .. فإنه يعيدها كما أفتى به القفال.

وإذا قلنا بالصحة .. قال القاضي حسين: تقع صلاته الثانية فرض كفاية كما لو صلت جماعة بعد جماعة، وقال الجمهور: تقع نقلا ً. وتظهر فائدة الخلاف في جواز الخروج منها.

قال: (ولا تؤخر لزيادة مصلين)؛ للأمر بالإسراع بها. ولا بأس بإنتظار الولي إذا لم يخف تغيرها. وهنا صورتان:

إحداهما: إذا صلي عليه .... فلا ينتظر حضور من يصلي عليه بعد ذلك.

والثانية: إذا حضر جمع قليل، فعل ينتظر زيادة المصلين؟ عبارة المصنف تقتضي: أنه لا ينتظر، وقد ورد في الحديث:(حصول المغفرة بصلاة مئة أو أربعين)، فينبغي إذا لم يحضر هذا العدد ورجي حضورهم عن قرب أن يستحب انتظارهم نظرًا للميت.

فرع:

قال في (البحر): يتأكد استحباب الصلاة علي من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، وحضور دفنه، أو يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو يوم العيد؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من مات ليلة الجمة ودفن في يومها

وفي فتنة القبر).

ص: 104

وَقاتِل نَفِسَهُ كَغَيْرهُ فِي الغِسْل وَالصَلَاة. وَلُو نَوَى الإِمام صَلَاة غائِب، والمأموم صَلَاة حاضِر، أَو عَكْس

جازَ. وَالدَفْن بِالمَقْبَرَة أُفَضِّل،

ــ

قال: (وقاتل نفسه كغيره في الغسل والصلاة)؛ لما روى مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا علي كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر) رواه الدارقطني (2/ 57)، ومكحول لم يدرك أبا هريرة.

وقال أحمد: لا يصلى عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل علي رجل قتل نفسه بمشاقص رواه مسلم (978).

والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس من مثل فعله، وصلت عليه الصحابة؛ لئلا يرتكب الناس ما ارتكب - و (المشاقص): ما طال من نصل السهام - وروي مكحول عن عائشة رصي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعنده جارية مغنية .. فلا تصلوا عليه)، وروى أحمد في (الزهد) عن منذر بن جندب: أن ولدًا له اعتل من كثرة الأكل فقال: إن مات

لم أصل عليه؛ لأنه مات عاصيًا.

وأما قاطع الطريق فسيأتي حكمه.

قال: (ولو نوى الإمام صلاة غائب، والمأموم صلاة حاضر، أو عكس جاز)، وكذا لو نوى هذا غائبًا وهذا غائبًا وهذا غائبًا آخر؛ لأن اختلاف نية الإمام والمأموم لا تضر كما لو افتدى في الظهر بالعصر.

قال: (والدفن بالمقبرة أفضل)؛ لما يلحقه من دعاء الزوار، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أهله وأصحابة بالبقيع.

ويستثني من ذلك الشهيد فإنه يدفن حيث قتل، وإنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؛ لأن الله تعالى لم يقبض نبيًا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه.

ص: 105

وَيَكْرَهُ المُبَيِّت بِها. وَيَنْدُب سُتَر القَبْر بِثَوْب وَإِنَّ كانَ رَجِلا،

ــ

فروع:

يستحب أن يدفن في أفضل مقبرة بالبلد المعرفة بالصالحين.

ولو اتفق الورثة على دفنه في بيته

جاز، وإن تنازعوا

دفن في المقبرة، بخلاف ما لو أراد بعضهم أن يكفنه في الأكفان المسبلة فإنه لا يلزم الباقين قبوله؛ لأن عليهم منة في ذلك فلو بادر أحدهم فدفنه في ملكه أو كفنه من مال نفسه

لم ينقل ولم ينزع كفنه.

ولو تنازع الورثة في تعيين قبرين بمقبرتين مسبلتين أو مملوكتين ولم يكن الميت أوصى بشئ .. نقل القمولي عن بعض المتأخرين: أنه يرجع إلي القول من يقدم في الصلاة والغسل، فإن استووا ..... أقرع.

ولو كانت امرأة، وتنازع الزوج أو الولي واللوارث .... قدم القريب كالغسل.

ولو حفر رجل قبرًا في مقبرة

لا يكون أحق به من ميت يحضر، كذا أفتى به العبادي والفقيه عماد الدين بن يونس لأنه لا يدري بأي أرض يموت، لكن الأولى أن لا يزاحم عليه.

ومقبرة أهل الحرب إذا اندرست

جاز أن تجعل مقبرة للمسلمين ومسجدًا؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك).

قال: (ويكره المبيت بها)؛ لما فيه من الوحشة.

قال: (ويندب ستر القبر بثوب)؛ لأنه ربما ظهر ما يستحب إخفاؤه.

قال: (وإن كان) الميت (رجلًا)؛ لما ذكرناه.

وفي (البيهقي)(4/ 54) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ستر قبر سعد بن معاذ بثوبه).

ص: 106

وَإِن يَقُول: (بسم اللّاه وَعَلَى مَلَّة رَسُول اللّاه صَلَّى اللّاه عَلِيّهُ وَسَلَّمَ). وَلا يَفْرِش تَحُتّهُ شَيء وَلا مِخَدَّة

ــ

وقيل: يختص الستر بالمرأة وهو ظاهر النص، والقياس: إلحاق الخنثي بها.

قال: (وأن يقول: (باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر

قال ذلك، رواه أبو داوود (3205) والترمذي (1046) وفي رواية له:(سنة) بدل: (ملة).

ويستحب أن يزيد في العناء ما يناسب الحال.

قال: (ولا يفرش تحته شيء ولا مخدة)؛ للنهي عن إضاعة المال، وفي (سنن البيهقي) (3/ 395) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه لما احتضر .... أوصى أن لا يجعلوا في لحده شيئًا يحول بينه وبين التراب.

وأوصي عمر رضي الله عنه أنهم إذا أنزلوه القبر

يفضوا بخده إلى الأرض.

وقال البغوي: لا بأس أن يبسط تحت جنبه شيء؛ لأنه جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.

وأجاب الأصحاب بأن ذلك لم يكن صادرًا عن جملة الصحابة ولا برضاهم ولا عملهم، وإنما فعله شقران كراهية أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي (الاستيعاب)(1/ 20): أن تلك القطيفة أخرجت قبل أن يهال التراب.

وعلي تقدير أن لا تكون أخرجت: ففي (الدارقطني) و (طبقات ابن سعد)(2/ 299) قال وكيع: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وعن الحسن رض الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افرشوا لي قطيفتي في لحدي؛ فإن الأرض لم تسلط علي أجساد الأنبياء).

ص: 107

وَيَكْرَهُ دَفَنَهُ فِي تابُوت إِلّا فِي أَرُضّ نَدِيَّة أَو رَخْوَة. وَيُجَوِّز الدَفْن لَيْلا، وَوَقَت كَراهَة الصَلَاة

ــ

و (المخدة) بكسر الميم جمعها: مخاد - بفتحها - سميت بذلك؛ لوضع الخد عليها.

ويستحب أن يجعل تحت خده لبنة أو حجرًا ويفضى بخده إليها.

قال: (ويكره دفنه في تابوت) بالإجماع، وتقدم الكلام قريبًا في لفظ تابوت.

قال: (إلا في أرض ندية أو رخوة) فلا يكره؛ للمصلحة، ويكون من رأس المال، كذا جزم به الشخان، وقال القفال: من الثلث، ولا تنفذ وصيته به إلا في هذة الحاله.

وكذلك إذا كان الميت حريقًا أو لديغًا ولا يمكن دفنه إلا كذلك، أو كانت امرأة لا محرم لها، قاله المتولي وغيره؛ لئلا يمسها الأجانب عند الدفن وغيره.

و (الرخوة): ضد الشديدة، وكسر رائها أفصح من فتحها وضمها.

قال: (ويجوز الدفن ليلًا) كما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وفاطمة وعائشة رضي الله عنهم.

ومذهب كافة العلماء: لا كراهة في ذلك خلافًا للحسن؛ فإنه كرهه تمسكًا بما روى مسلم (943): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدفن ليلًا حتى يصلى عليه). وهذا يبين أن المراد بذلك الهي عن تأخير الصلاة. ولا يخفي أن الكلام في موتي المسلمين، أما أهل الذمة

فإنهم لا يمكنون من إخراج جنائزهم نهارًا، وعلى الإمام منعهم من ذلك، ومن إظهار جنائزهم، ولا يظهروا على موتاهم لطمًا.

قال: (ووقت كراهة الصلاة)؛ لعموم: (أسرعوا بالجنازة)، ونقل ابن المنذر

ص: 108

إذَا لَم يَتَحَرَّهُ، وَغَيرُهُمَا أَفضَلُ. ويُكرَهُ تَجصِيصُ القَبرِ، وَالبِنَاءُ وَالكِتَابَةُ عَلَيهِ،

ــ

الإجماع على جوازه بعد الصبح وبعد العصر، وقيس الباقي عليهما.

قال: (إذا لم يتحره)؛ لحديث عقبة بن عامر الذي في (صحيح مسلم)[831]: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا) ، فإنه محمول على إذا تحرى هذه أوقات للدفن.

والصواب: أن الكرمة مختصة بالأوقات الثلاثة التي في الحديث لا بالوقتين المتعلقين بالفعل، والحديث لذلك، وإطلاق الكتاب يدل على خلافه. وكلام المصنف صريح في عدم الجواز عند التحري وهو موافق للتحيرم في نظير المسألة من الصلاة في الأوقات المكروهة، إلا أنه صرح في (شرح المهذب) بكراهة الدفن في هذه الحالة، وهذا هو المعتمد.

قال: (وغيرهما أفضل) أي: غير الدفن ليلًا وغير وقت الكراهة؛ لأن النهار أيسر لاجتماع الناس، ولأن وقت الكراهة منهي عنه، وهذا قد يعترض عليه بالأمر بالإسراع بالجنازة.

قال: (ويكره تحصيص القبر، والبناء والكتابة عليه) سواء المكتوب اسم صاحبه أو في لوح أو ثوب وضع عليه؛ لما روى مسلم [970] عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه)، وفي (الترمذي) [1052] و (الحاكم) [1/ 370]:(وأن يكتب عليه).

قال أبو زيد رحمه الله تعالى: إلا أن يخشى نبشه فيجوز أن يجصص ويبنى عليه؛ حتى لا يقدر النباش عليه.

ويظهر أن يكون مثله إذا خشي عليه نبش الضبع ونحوه.

و (التجصيص): التبييض بالجص وهو النورة.

ص: 109

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومن جهة المعنى: أن ذلك زينة وهي لا تتناسب حال الميت، بخلاف التطيين؛ فإنه لا بأس به.

وقال الإمام والغزالي: إنه كالتجصيص، وفيه بعد.

ونقل الترمذي عن الشافعي: أن التطيين لا يكره، وصححه المصنف تبعًا للنص؛ لأنه لا يقصد التزيين.

وظاهر كلام عامة الأصحاب: أنه مكروه سواء كان في ملكهأم في المقبرة.

وقال الماوردي: إنه ممنوع في ملكه وملك غيره.

وأما الكتابة .. فكرهها الجمهور.

قال الشيخ: سيأتي أن وضع شيء يعرف القبر به مستحب، فإذا كانت الكتابة طريقًا إلى ذلك .. ينبغي أن لا تكره، وينبغي أن تكون بقدر الحاجة إلى الإعلام فقط.

ويكره أن يبنى على القبر مسجدًا سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أم لا، وتكره الصلاة فيه؛ لما روى مسلم عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري وثنًا؛ إنما هلك بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

قال الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن يعظم مخلوقًا حتى يجعل قبره مسجدًا؛ مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس.

ثم إن المصنف جزم في (شرح المذهب) وفي (الفتاوى) بتحريم البناء، وذكر نحوه في (شرح مسلم) قبيل (الزكاة).

وإذا بلي الميت .. لم تجز عمارة قبره ولا تسوية التراب عليه في المقبرة المسبلة؛ لئلا يتصور بالقبر الجديد فيمتنع الناس من الدفن فيه.

ويكره أن يجعل على القبر مظلة؛ لأن عمر رأى قبة على قبر فنحاها وقال: (دعوه يظله عمله).

ص: 110

ولَو بُنِيَ فِي مَقبَرَةٍ مُسَبِّلَةٍ .. هُدِمَ. وَيُندَبُ: أَن يُرَشَّ القَبرُ بِمَاءٍ،

ــ

وف (البخاري): لما مات الحسن بن علي، ضربت امرأته القبة على قبره سنة، ثم رفعت فسمعوا صائحًا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا.

قال: (ولو بني في مفبرة مسبلة .. هدم)؛ لأنه يضيق على المسلمين.

قال الشافعي رضي الله عنه: رأيت من الولاة عندنا بمكة من بهدم ما بني فيها ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.

ولا فرق بين أن يبني قبة أو بيتًا أو مسجدًا أو غير ذلك.

فمن المسبل قرافة مصر؛ فإن ابن عبد الحكم ذكر في (تاريخ مصر): أن عمرو بن العاصي أعطاه المقوقس فيها مالًا جزيلًا وذكر أنه وجد في الكتاب الأول: أنها تربة الجنة، فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إليه يقول:(إني لا أعرف تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين فاجعلها لموتاهم).

وقد أفتى الشيخ بهاء الدين ابن الجميزي وتلميذه الظهير التزمنتي. بهدم ما بني بها.

والمراد ب (المسبلة): التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها، وليس المراد المقبرة الموقوفة؛ فإن الموقوفة يحرم بالبناء فيها قطعًا، سواء كان البناء بيتًا أو قبة أو مسجدَا.

قال: (ويندب: أن يرش القبر بماء)؛ تفاؤلًا بالرحمة وتبريد المضجع، ولأن فيه حفاظًا للقبر عن التناثر.

و (قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر ولده إبراهيم ذلك) رواه أبو داوود [سيل 424] وغيره.

ص: 111

وَيُوضَعَ عَلَيهِ حَصَىً، وَعِندَ رَأسِهِ حَجَرٌ أَو خَشَبَةٌ، وَجَمعُ الأقَارِبِ فِي مَوضِعٍ ، وَزِيَارَةُ القُبُورِ لِلرِجَالِ،

ــ

تتمة:

يكره رش بماء الورد ونحوه، وأن يطلى بالخلوق قال المتولي: لأنه إسراف وإضاعة مال. وهذا التوجيه يقتضي: التحريم.

ويكره رشه بالماء النجس، ويكره إيقاد النار عنده، واستلامه، وتقبيله، وأن ينصب عليه مظلة، وتكره مرثية الميت.

وروى البيهقي في (الشعب)[5315] وأبة عمر بن عبد البر (عاب 4/ 323] في ترجمة سيرين -بالسين المهملة- أخت ماريه القبطية أنها قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم في قبر ولده إبراهيم فرجة فأمر بها فسدت، وقال: (إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر عين الحي، وإن العبد إذا عمل شيئًا .. أحب إلى الله تعالى منه أن يتقنه).

قال: (ويوضع عيه الحصى)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه مرسلًا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع على قبر ابنه إبراهيم حصى)[أم 1/ 273].

قال: (وعند رأسه حجر أو خشبة)، وقال الماوردي: وعند رجله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وضع عند رأي عثمان بن مظغون صخرة وقال: (أتعلم قبر أخي؛ لأدفن إليه من مات من أهلي) رواه أبو داوود [3198].

قال: (وجمع الأقارب في موضع)؛ للحديث المذكور، ويقدم أفضلهم إلى القبلة، والمعنى فيه: تسهيل الزيارة على الزائر. ويتجه إلحاق الزوجين والعتقاء والأصدقاء بالأقارب.

قال: (وزيارة القبور للرجال) بالإجماع، وكانت زيارته منهيًا عنها ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها:.

والمختار: أن النساء لا يدخلن في ضمير الرجال.

ص: 112

وَتُكرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ: تَحرُمُ، وَقِيلَ: تُبَاحُ،

ــ

وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيقول: (السلان=م عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا بكم إنشاء الله لاحقون، اللهم؛ اغفر لأهل بقيع الغرقد (.

وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: (استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزورو القبور؛ فإنها تذكركم الموت) روى الأحاديث الثلاثة مسلم [976/ 2].

والمراد: زيارة قبور المسلمين، أما غيرهم .. فقال الماوردي: يحرم. والصحيح: الإباحة المجردة.

وقال الصيمري وغيره: لا يجوز القيام على قبر كافر. وهو ظاهر القرآن.

قال: (وتكره للنساء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة على قبر تبكي على صبي لها فقال لها: (اتقي الله واصبري) متفق عليه [خ 1252_ م 926] فلو كانت الويارة حرامًا لنهى عنها. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ -تعني: إذا زارت القبور- قال عليه الصلاة والسلام: قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمبن منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم [974].

نعم؛ يستثنى من ذلك قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ فزيارته من أعظم القربات للرجال والنساء.

واستثنى بعض المتأخرين قبور الأنبياء والأولياء والصالحين والشهداء رضي الله عنهم.

قال: (وقيل: تحرم)؛ لما روى ابن ماجه [1576] والترمذي [1056] عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور). وليس هذا الوجه في (الروضة) ، وبه قال صاحب (المهذب) وغيره.

قال: (وقيل: تباح) جزم به في (الإحياء) وصححه الروياني إذا أمن من الافتتان.

ص: 113

وَيُسَلِّمَ الزَّائِرُ وَيَقرَأَ وَيَدعُوَ

0

ــ

وقيل: إن كان لتجديد حزن ونحوه .. حرم، أو للاعتبار .. فلا، إلا أن تكون عجوزًا أولى؛ لظاهر الحديث.

قال: (ويسلم الزائر)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في المتقدم.

وروى مسلم [249]: أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى المقبرة فقال: (السلام عليكم دلر قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون) زاد أبو داوود [3231]: (اللهم؛ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم).

وقال القاضي والمتولي: يستحب أن يقول الزائر: وعليكم السلام، ولا يقول: السلام عليكم؛ لأنهم ليسوا من أهل الخطاب.

زاد القاضي: اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة، التي خردت من الدنيا وهي بك مؤمنة؛ أدخل عليها روحًا منك وسلامًا مني، اللهم؛ برد عليهم مضاجعهم واغفر لهم.

وقوله: (إن شاء الله) محمول على التبرك، وامتثالًا لقوله تعالى:{ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلَاّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} .

وقيل: (إن) بمعنى: (إذ) كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} .

وقيل: معناه: اللحوق في تلك البقعة.

قال: (ويقرأ ويدعو)؛ لرجاء الإجابة. ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة. وأما ثواب القراءة .. فللقارئ.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: رأيت من أوصى بالقراءة عند القبر، وهو عندنا حسن، والرحمة تنزل عند ختم القرآن.

ويختار لمن حضر دفنه: أن يقرأ (سورة يس) ، ويدعو له، ويترحم عليه.

وروى البيهقي في (شعبه)[9295] عن ابن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما الميت في قبره إلا كالغريق المتغوث، ينظر دعوة تلحقه من أب

ص: 114

وَيحرُمُ نَقلُ المَيِّتِ إَلَى بَلَدٍ آخَرَ -وَقِيلَ: يُكرَهُ- إِلَاّ أَن يَكُونَ يِقُربِ مَكَّةَ أَوِ المَدِينَةِ أَو بَيتِ المَقدِسِ نَصَّ عَلَيهِ

ــ

أو أم أو أخ أو صديق، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها، وإن الله عز وجل ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال، وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم).

قال: (ويحرم نقل الميت إلى بلد آخر) أي: قبل دفنه كما صرح به في (الروضة) و (شرح المذهب) ، أما بعد دفنه .. فسيذكره المصنف في مسألة النبش.

وإنما حرم نقله؛ لأن التعجيل بدفنه مأمور به، وفي نقله تعريضه للتغير وهتك لحرمته.

وفي (السنن الأرعة) عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم، فجاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا بدفن القتلى في مصارعهم فرددناهم) قال الترمذي: حسن صحيح.

ولو أوصى بنقله .. لم تنفذ وصيته.

قال الشيخ: قي الاستدلال بالحديث نظر؛ فإن قتلى أحد كانوا قريبين من المدينة، فكيف يراد بالنهي التحريم؟! والظاهر: أنه روعي في دفنهم في مصارعهم كونها مواضع الشهادة؛ ليبعثوا منها يوم القيامة على هيئتهم.

قال: (وقيل: (وقيل: يكره)؛ لأنه لم يرد في تحريمه دليل. والظاهر: أن هذا الوجه مخصوص بما إذا لم يتغير.

قال: (إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه)؛ لفضل هذه الأماكن، ففي (الدارقطني) [2/ 278] من حديث حاطب:(من مات بأحد الحرمين .. بعث من الآمنين يوم القيامة).

وقال الشيخ محب الدين الطبري: إذا كان بقرب قرية فيها صالحون .. فلا بأس بنقله إليها قياسًا.

ص: 115

وَنَبشُهُ بَعدَ دَفنِهِ لِلنَّقلِ وَغَيرِهِ حَرامٌ إلَا لِضَرُورَةٍ، بِأَن دُفِنَ بِلَا غُسلٍ، أَو فِي أَرضٍ أَو ثَوبٍ مَغصُوبَينِ،

ــ

ونقل عن بعض مجموعات ابن أبي الصيف اليمني: أنه يجوز نقله بعد دفنه إلى الأماكن الثلاثة إذا أوصى بذلك؛ لأن يوسف عليه الصلاة والسلام نقل يعد سنين كثيرة ودفن إلى جوار إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، وهذه القصة خرجها ابن حبان من حديث أبي موسى.

كل هذا إذا لم يوجب نقله تغيرًا، فإن أوجبه .. حرم مطلقًا.

قال: (ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام)؛ لأن فيه هتكًا لحرمته.

قال: (إلا للضرورة، بأن دفن بلا غسل)؛ فإنه يجب نبشه تداركًا للواجب.

وفي قول: لا، بل يكره.

فعلى الأول: شرطه: أن لا يتغير بالنتن أو التقطع.

وقيل: ينبش إذا بقي منه جزء من عظم أو غيره.

وقيل: ما لم يتقطع.

ولو عم الماء القبر وغيره .. ففي نبشه وجهان.

قال: (أو في أرض أو ثوب مغصوبين)؛ ليصل المستحق إلى حقه.

وفي الثوب وجه ثان: أنه كالتلف.

والشرط في ذلك: أن يطالب بهما صاحبهما، ويندب له أن يترك طلب ذلك، فإن أبى .. نبش وإن تغير.

وأما إذا دفن في مسجد ونحوه، فإن ضيق على المصلين .. نبش ونقله إلى المقبرة.

وفي (فتاوى القفال): دفن في البيوت ابتداء مكروه واحتج: (أنه صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة في نقل ميتها إلى مدافن قومها).

ص: 116

أَو وَقَعَ فِيهِ مَالٌ

ــ

ولو لم يجد إلا الثوب المغصوب .. فظاهر كلام الإمام وابن كج: أنه لا ينبش.

قال الرافعي: وإذا كفن الرجل في الحرير .. فعلى الأوجه في المغصوب.

قال المصنف: ولم أره لغيره وينبغي القطع بعدم النبش بخلاف المغصوب، وما قاله ظاهر.

قال: (أو وقع فيه مال)؛ لأن تركه إضاعة له وقد نهي عنها، واستدلوا له بأن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:(خاتمي!) ففتح موضع فيه فأخذه، فكان يقول: (أنا ٌربكم عهدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ: هكذا ذكره الأصحاب، ولا شك أن هذا اللفظ باطل؛ أعني قوله:(ففتح موضع فيه) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم على المؤمنين من ذلك، فهذه زيادة باطلة قطعًا، وأما بدون هذه الزيادة .. فذكره ابن سعد [2/ 302] والحاكم [3/ 448] وقال: إنه لا يصح، فلا دليل فيه للأصحاب.

وقيد صاحب (النهذب) وجوب النبش بما إذا طلب صاحب المال. قال المصنف: ولم يوافقوه على هذا. قال الشيخ: ولفقه عليه ابن عليه ابن أبي عصرون.

ولو بلع الميت مالًا لغيره .. فأصح الطريقين: أنه إذا صاحبه .. شق جوفه ورد إليه؛ لأنه متعد بالابتلاع، إلا أنا في الحياة لا نشق بطنه؛ لأن فيه هلاكه، وبعد الموت ليس فيه هذا المعنى.

والثاني: وجهان: أصحهما هذا.

والثاني: تجب قيمته في تركه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حيًا) رواه أبو داوود [3199] وابن ماجه [1616] والبيهقي [4/ 58] ، ولو كان ذلك في حال الحياة .. لم يشق فكذلك بعد الموت.

وقيل: إن ضمن الورثة قيمته أو مثله .. لم يشق، وإلا .. شق.

ولو بلع جوهرة لنفسه .. لم يشق على الأصح في زوائد (الروضة)؛ لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الورثة.

ص: 117

أَو دُفِنَ لِغَيرِ القِبلَةِ، لَا لِلتَكفِينِ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (أو دفن لغير القبلة) فيجب نبشه استدركًا للواجب؛ فإن الدفن إلى القبلة واجب خلافًا للقاضي أبي الطيب حيث قال: إنه مستحب، فيستحب نبشه، اللهم إلا أن يتغير .. فإنه لا ينبش.

قال: (لا للتكفين في الأصح)؛ لأن الغرض منه الستر وقد حصل بالتراب، وهو أولى من هتك حرمته بالنبش.

والثاني: نعم كما لو دفن من غير غسل؛ لأن كل واحد منهما واجب.

فرع:

لو لحق الأرض نداوة أو سيل قال الزبيري: يجوز نقله منها، ومنعه غيره.

قال المصنف: قول الزبيري أصح، واستدل له بما رواه البخاري [1351] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنع: أنه دفن أباه مع رجل آخر في قبر، قال:(ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجه بعد ستة أشهر فإذا هو كهيئته يوم وضعته! وجعلته في قبر على حده).

قال الشيخ: وهذا الحديث يقتضي جواز النبش والنقل لهذا الغرض وهو مشكل، وهذا النبش كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن جابرًا رضي الله عنه إنما فعل ذلك بعد استئذان النبي صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكون للأصحاب جواب عنه، وإما أن يقال: إن النقل لمصلحة الميت جائز مطلقًا.

وإذا قال: إن ولدت ذكرًا فأنت طالق طلقة، أو أنثى فطلقتين، فولدت ودفن واختلفا .. فلأصح: جواز نبشه لذلك. وكذا إذا دفن بلا صلاة ونصب عليه اللبن فقط، أما بعد إهالة التراب .. فيصلى على القبر؛ لقلة المشقة فيه بنصب اللبن، لأنه لا يسمى نبشًا.

والكافر إذا دفن في الحرم .. نبش.

وسيأتي قبيل (العتق) أن الميت ينبش للعرض على القافة، وإذا شهد عليه بشهادة وكان لا يعرف إلا بصورته، وإذا بلي الميت.

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أما إذا انهدم القبر .. فيخبر أولياء الميت بين أن يتركوه بحاله، وبين أن ينبشوه ويصلحوه، وبين أن ينقلوه إلى غيره.

فرع:

إذا ماتت امرأة وفي جوفها ولد ترجى حياته – بأن يكون له أكثر من يتة أشهر – شق جوفها وأخرج؛ لأن فيه استبقاء حي محترم بإتلاف جزء من ميت، فوجب كأكل المضطر ميتة الآدمي.

وفي (فتاوى قاضي خان) الحنفي: يشق من الجانب الأيسر، وقد تقدم عند الصلاة على الغائب: أن قيصر شق عنه جوف أمه بعد موتها وأخرج.

وإن لم ترج حياته؛ بأن تموت وهو دون ستة أشهر، أو كان له ثمانية أشهر .. فهذا المسألة لا نص فيها للإمام الشافعي رضي الله عنه، وفيها ثلاثة أوجه:

أصحها: لا يشق، بل تترك حتى يموت الجنين فتدفن، وقيل: تمسح القابلة بطنها لعله يخرج.

والثاني: يشق بطنها ويخرج.

وعلى هذا: قال البندنيجي: ينبغي أن يشق في القبر، وقال الروياني: عندي أنه يشق قبله.

والثالث: أنه يوضع عليه شيء ليموت ثم تدفن، وهو غلط وإن حكاه جماعة.

ووجهه: أنه لا يمكن دفنها وهو حي بلا خلاف، ولا تأخير دفنها إلى موته؛ لأن فيه تأخير دفنها الواجب على الفور، فتعين أن يفعل به ذلك، لأن حياته وإن تحققت كلا حياة.

ص: 119

وَيُسَنُّ أَن يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعدَ دَفنِهِ عِندَ قَبرِهِ سَاعَةً يَسأَلوُن َلَهُ التَّثبِيتَ، ......

ــ

قال: (ويسن أن يقف جماعة بعد دفنه عند قبره ساعة يسألون له التثبيت)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن ميت .. وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل) رواه البزار [445] وأبو داوود [3213] والحاكم [1/ 370] والبيهقي [4/ 56] من رواية عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال الحاكم: صحيح الإسناد.

وقال عمرو ابن العاصي رضي الله عنه: (أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور وبقسم لحمها؛ حتى أستأنس بكم، وأعلم بماذا أراجع رسل ربي) رواه مسلم [121].

فرع:

استحب القاضي حسين ونصر المقدسي وغيرهما تلقين الميت المكلف بعد الدفن؛ مستدلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لقن ولده إبراهيم، وهو غريب.

ولم يزل أهل الشام على العمل به، فيقعد الملقن عند رأس القبر ويقول:

(يا عبد الله ابن أمة الله! اذكر العهد الذي فارقتنا عليه: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، وباقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانًا) رواه أبو عوانة والطبراني في أكبر (معاجمه)[8/ 249] ، وله شواهد كثيرة يعضد بعضها بعضًا.

وفي زوائد (الروضة): أن الطفل ونحوه لا يلقن.

وحكى ابن الصلاح وجهين: في أن التلقين قبل إهالة التراب، أو بعده؟ قال: المختار الأول.

ص: 120

وَلجِيرَانِ أهلِهِ تَهيِئَةُ طَعَامٍ يُشبِعُهُم يَومَهُم وَلَيلَتهُم،

ــ

وقال ابن عبد السلام في (فتاويه): التلقين بدعة لم يصح فيه شيء.

وروى البخاري [1338] ومسلم [2870] عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه .. إنه ليسمع قرع نعالهم، إذا انصرفوا .. يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا في الجنة فيراهما جميعًا، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدرس كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين).

وفي (البخاري)[1369] عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقعد المؤمن في قبره ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله .. فذلك لقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ} .

قال: (ولجيران أهله تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم) هذا مسنون لهم ولأقربائهم الأباعد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فقد جاءهم ما يشغلهم) حسنه الترمذي [998] وصححه الحاكم [1/ 372] ، ولأنه بر ومعروف.

وإنما عبر ب (جيران أهله) لا بجيران الميت - كما عبر به الرافعي والشيخ في (التنبيه) - ليدخل ما إذا كان الميت في بلد وأهله في غيره، فيستحب لجيران الأهل فعل ذلك.

وأما إصلاح أهل الميت طعامًا وجمع الناس عليه .. فبدعة مستقبحة، روى أحمد [2/ 204] وابن ماجه [1612]- بإسناد صحيح - عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:(كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة).

ص: 121

وَيُلَحُّ عَلَيهِم ِفي الأَكلِ، وَيَحرُمُ تَهيِئَتُهُ لِلنَائِحَاتِ، واللهُ أَعلَمُ

ــ

قال: (ويلح عليهم في الأكل)؛ لأن الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون.

قال: (ويحرم تهيئته للنائحات والله أعلم)؛ لأنه عون على معصية الله تعالى.

تتمة:

أطلق المصنف وغيره: أنه إذا بلي الميت وصار ترابًا .. يجوز نبش قبره ودفن غيره فيه، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة بتلك الناحية.

وقال الموفق ابن حمزة الحموي في (مشكل الوسيط): إذا كان المدفون صحابيًا أو ممن اشتهرت ولايته .. لا يجوز نبش قبره عند الانمحاق، وما قاله ظاهر.

وإذا بلي الميت .. لم يجز عمارة قبره وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة.

ونقل عن المتولي: أنه لو وقف على المقبرة وعمارة القبور .. لا يصح.

وقال في (الوصايا): تجوز الزصية لعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك بها. اهـ

وقضيته تصحيح الوقف عليها لذلك خاصة، قيحمل كلام المتولي على غير هذه الصورة.

خاتمة

ختن الله لكاتبه بخير

صح أن: (موت الفجاة أخذه أسف)

وروي: (أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من موت الفجأة).

ص: 122

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وروى المصنف عن أبي السكن الهجري: (أن إبراهيم وداوود وسليمان عليهم الصلاة والسلام ماتوا فجأة)، ويقال: إنه موت الصالحين.

وحمل الجمهور الأول: على من له تعلقات تحتاج إلى الإيصاء والتوبة، أما المتيقظون المستعدون .. فإنه تخفيف ورفق بهم. وعن ابن مسعود وعائشة:(أن موت الفجأة راحوا للمؤمن، وأخذة غضب للفاجر).

وصح أن: (الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها) فقيل: المراد ب (الثياب): العنل، واستعمله أبو سعيد الخدري على ظاهره،، لما حضره الموت .. دعا بثياب جدد فلبسها.

ومن قال بهذا .. يحتاج أن يجيب عن كونهم يحشرون عراة: بأن البعث غير الحشر.

والله سبحانه أعلم

ص: 123