الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيام
يَجِبُ صَومُ رَمضَانَ
ــ
كتاب الصيام
هو في اللغة: الإمساك؛ ومنه: {إنيِّ نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا)} أي: صمتًا وإمساكًا عن الكلام، وتقول العرب في وقت الهاجرة: صام النهار؛ لإمساك الشمس فيه عن السير، وفرس صائم، أي: واقف، قال النابغة الذبياني [من البسيط]:
خيل صيام وخيل غير صائمة
…
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
وفي الشرع: إمساك جميع النهار القابل للصوم عن المفطرات الآتية من عاقل مسلم طاهر عن الحيض والنفاس.
قال: (يجب صوم رمضان)؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)} أي: فرض، و (الأيام المعدودات): أيام شهر رمضان، وجمعها جمع قلة ليهونها، وقوله:{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} .
قيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم رمضان إلا أنهم ضلوا عنه، أو التشبيه في أصل الصوم دون وقته، وفي (الصحيحين) [خ 8_ م 16]:(بني الإسلام على خمس)
بِإكمَالِ شَعبَانَ ثَلَاثِينَ، أَو رُؤيَةِ الهِلَالِ
ــ
وذكر صوم رمضان، وانعقد الإجماع عليه، وهو معلوم من الدين بالضرورة من جحده .. كفر وقتل بكفره.
وكان افتراضه في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، واختلفوا: هل كان قبل فرضه صوم واجب فنسخ أو لا؟
والأشبه بمذهب الشافعي: الثاني، وعلى الأول قيل: كان عاشوراء، وقيل: الأيام البيض.
وسمي رمضان من الرمض وهو: شدة الحر؛ لأن العرب لما أرادت أن تضع أسماء الشهور .. وافق أن الشهر المذكور كان شديد الحر فسموه بذلك، ككما سمي الربيعان اموافقتهما زمن الربيع.
وقيل: لأنه يرمض الذنوب – أي: يحرقها – وهو ضعيف؛ لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع.
وجمعه: رمضانات وأرمضاء.
وذكر الطالقاني في (حظائر القدس) له أربعة وستين اسمًا ذكر الشيخ بعضها.
وتعبير المصنف ب (رمضان) يؤخذ منه: أنه لا يكره ذكره بدون الشهر، وهو الأصح في شرحي (المهذب) و (مسلم) وغيرهما.
وقال أكثر الأصحاب: يكره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان) لكنه ضعيف كما قاله البيهقي [4/ 201] وغيره.
وقيل: إن كانت معه قرينة تدل على إرادة الشهر .. لم يكره، وإلا .. كره.
واختلف العلماء: هل الصوم أفضل من الصلاة؟ أو هي أفضل منه؟ وهو مذهبنا، أو الصلاة بمكة أفضل منه وهو بالمدينة أفضل منها مراعاة لموضع نزول فرضهما؟ على أقوال.
قال: (بإكمال شعبان ثلاثين، أو رؤية الهلال)؛ لقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمراد ب (الشهود) هنا: العلم؛ إما بالرؤسة أو باستكمال عدد شعبان ثلاثين يومًا، وفي (البخاري) [1909] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم .. فأكملوا عدة شعبان ثلاثين (، وفيه [1913]: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا محسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بأصابع يده ثلاثًا وعقد الإبهام في الثالثة.
وخالف أحمد فأوجب الصيام ليلة الثلاثين إذا حصل الغيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم .. فاقدروا له) فإن معناه: ضيقوا له، وقالت عائشة رضي الله عنها:(لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان)، وهو مردود برواية البخاري [1909]:(فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا).
وقال ابن سريج وابن قتيبة: معناه: قدروه بحسب المنازل.
ولا عبرة بكبر الهلال في الليلة الثانية؛ ففي الحديث: (من علامات الساعة انتفاخ الأهلة).
وإذا عرف المنجم والحاسب ذلك .. فلا خلاف أنه لا يجب عليهما الصوم، وهل يجوز لهما؟ فيه طريقان:
أصحهما: أنه يجوز لهما دون غيرهما، ولا يجزئهما عن فرضهما.
وقيل: للحاسب دون المنجم.
وقيل: لهما ولغيرهما.
واستشكل الشيخ تصحيح المصنف الجواز لهما مع عدم الإجزاء، وقال: الصواب: أنه إذا جاز .. أجزأ.
وجمع شعبان: شعبانات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فرع:
قال شخص: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأخبرني: أن الليلة أول رمضان، لا يصح الصوم بهذا لصاحب المنام ولا لغيره بالاجماع كما قاله القاضي عياض؛ وذلك لاختلال ضبط الرائي لا للشك في لرؤية.
قال القرافي: وكذلك لو أخبره بطلاق زوجته التي يعلم أنه لم يطلقها، وأخبره عن حلال أنه حرام، أو بالعكس، أو غير ذلك من الأحكام .. قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما يراه في النوم، كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان .. فإنا نقدم الأرجح بالسند أو اللفظ، فقدم خبر اليقظة على المنام.
حادثة:
شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان فقط، واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته، قال الشيخ: لا تقبل الشهادة به؛ لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية والظن لا يعارض القطع، والبينة شرطها: إمكان ما شهدت به حسًا أو عقلًا أو شرعًا؛ لاستحالة المشهود به، والشرع لم يأت بالمستحيلات، ولم يأت لنا نص من الشرع أن كل شاهدين تقبل شهادتهما.
ولأن الشاهد قد يشتبه عليه أو يرى ما يظنه هلالًا وليس بهلال، أو تريه عينه ما لم ير، أو يكون جهله عظيمًا يحمله على أن يعتقد أن في حمله الناس على الصيام أجرًا، أو يكون ممن يقصد إثبات عدالته فيتخذ ذلك وسيلة إلى أن يزكى ويصير مقبولًا عند الحكام.
وكل هذه الأنواع قد سنعناها ورأيناها فيجب على الحاكم في مثل ذلك أن لا يقبل هذه الشهادة ولا يحكم بها ويستصحب الأصل في بقاء الشهر؛ فإنه دليل شرعي محقق
وَثُبوتُ رُؤيَتِهِ بِعَدلٍ، وَفِي قَولٍ: عَدلَانِ
ــ
حتى يتحقق خلافه، ولا يقول: الشرع الغى قول الحساب مطلقًا والفقهاء قالوا: لا يعتمد، فذلك إنما قالوه في عكس هذه الصورة؛ لأن ذلك فيما إذا دل الحسلب على إمكان الرؤية وهذا عكسه.
قال: (وثبوت رؤيته بعدل) نص عليه في القديم ومعظم الكتب الجديدة، سواء كانت السماء مصحية أم لا؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما رآه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصامه وأمر الناس بصيامه، رواه أبو داوود [2335] بإسناد صحيح وصححه ابن حبان [3447] والحاكم [1/ 423]، وروى الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني رأيت هلال رمضان، فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: نعم، قال) (أتشهد أني رسول اللله؟) قال: نعم، قال:(يا بلال أذن في الناس فليصوموا).
قال: (وفي قول: عدلان) كسائر الشهادات.
وعلى هذا: فلا بد من: الذكورة، والبلوغ، والحرية، والعدالة الباطنة، ولفظ الشهادة في مجلس القضاء، لكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعاوى.
وهذا آخر قولي الشافعي في (الأم)، وفي (المهمات): أنه المعتمد في الفتوى.
وأفاد في (الإحياء) في (باب الأخوة): أن (الأم) رواها البويطي عن الشافعي ومات قبل ترتيبها، فربها الربيع واستدرك فيها أشياء.
وقيل: إن صح الحديث .. فعدل، وإلا .. فعدلان.
وَشَرطُ الوَاحِدِ: صِفَةُ العُدُولِ فِي الأصَحِّ، لَا عَبدٍ وَامرَأَةٍ
ــ
فروع:
ثبوته بعدل بالنسبة إلى الصوم العام، فأما غيره من الأحكام .. فلا يثبت به، فلا يقع به الطلاق والعتق المعلقان به، ولا يتم به حول الزكاة والدية والجزية، ولا تنقضي به العدة، ولا يحل الدين المؤجل إلبه إلا على شاهده فإنه يؤاخذ به لاعترافه إذا كانت الشهادة عليه لا له.
قال الرافعي: لو قال: (هلا ثبت ذلك ضمنًا كما سبق نظيره) .. لأحوج إلى الفرق.
وعنى ب (نظيره) ما سيأتي إذا صمنا بواحد وثلاثين يومًا ولم نر الهلال؛ فإنا نفطر في الأصح.
وإذا رئي الهلال بالنهار ،، فهو لليلة المستقبلية سواء رئي قبل الزوال أم بعده.
ولو نذر صوم شعبان، فشهد به واحد وقلنا: يقبل في رمضان .. فأصح الوجهين في (البحر): لزومه بذلك.
قال: (وشرط الواحد: صفة العدول في الأصح، لا عبد وامرأة) والمراد: أنا إذا قبلنا قول الواحد، فهل هو شهادة أو رواية؟ وجهان:
أصحهما: شهادة، فلا يقبل فيه العبد والمرأة.
والثاني: أنه رواية، فيقبل فيه العبد والمرأة
ولا يشترط لفظ الشهادة ولا العدالة الباطنة على الصحيح.
واحتجوا لقبول المستور بقصة الأعرابي وليس بجيد؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
واعترض على المصنف في قوله: (وشرط الواحد: صفة العدول) بعد قوله: (بعدل)؛ فإن العدل من كانت فيه صفة العدول.
وبأن ما زعمه من أن العبد والمرأة ليسا عدلين باطل، إذ العدل من لا يرتكب كبيرة ولا يثر على صغيرة، نعم؛ ليسا من أهل قبول الشهادة فالتبس عليه أحدهما بالآخر وعبارة (المحرر) و) الروضة: وشرط الواحد: صفة الشهود.
وَإذَا صُمنَا بِعَدلٍ وَلَم نَرَ الهِلَالَ بَعدَ ثَلَاثِينَ .. أَفطَرنَا فِي الأصَحِّ وَإن كَانَتِ السَّمَاءُ مُصحِيَةً .....
ــ
فروع:
الأول: في ثبوت هلال رمضان بالشهادة على الشهادة طريقان:
أصحهما: القطع بثبوته كالزكاة، وقيل: لا كالحدود.
الثاني: إذا أخبره من يثق به .. قال الإمام وابن الصباغ: يلزمه العمل به إن جعلناه رواية، وإلا .. فلا.
وقال جماعة: يجب مطلقًا.
الثالث: قال ابن أبي الدم: قول الشاهد: أشهد أني رأيت الهلال غير مقبول؛ لأنها شهادة على فعل نفسه، بل طريقه: أن يشهد بطلوع الهلال أو أن الليلة من رمضان ونحو ذلك، وليس كما قال؛ فقد صرح الرافعي في (صلاة العيدين) بقبول ذلك وسبقه إلى ذلك ابن سراقة وشريح والروياني، والحديث الصحيح شاهد لقبول شهادته.
قال: (وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد ثلاثين .. أفطرنا في الأصح وإن كانت السماء مصحية)؛ لقوله تعالى: {ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ} ورمضان قد كملت عدته.
والثاني: لا؛ لأن الفطر يؤدي إلى إثبات شوال بقول واحد.
والجواب: أن الشيء يجوز أن يثبت ضمنًا بما لا يثبت به أصلًا، كما أن شهادة النساء لا تقبل في النسب استقلالًا، ولو شهد أربع بالولادة .. ثبتت وثبت النسب والميراث تبعًا بلا خلاف.
واعترض الإمام بأن النسب لا يثبت بقولهن ، لكن إذا ثبتت الولادة ثبت النسب بالفراش وهنا بخلافه.
قال الرافعي: وللمحتج أن يقول: لا معنى للثبوت الضمني إلا هذا، وقد سبق عن الرافعي طلب الفرق بين هذا وبين كون الطلاق ونحوه لا يثبت تبعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفرق ابن الرفعة بأن هذا لاوم للمشهود به؛ والطلاق والعتاق ليسا لازمين لاستهلال الهلال.
وقيل: إن كانت السماء مغيمة .. أفطرنا، وإن كانت مصحية .. فلا لقوة الريبة، وإلى هذه الطريقة أشار بقوله:(وإن كانت السماء مصحية) أي: لا فرق بين جيران الوجهين بين الصحو والغيم.
واحترز بقوله: (بعدل) عما إذا صمنا بعدلين؛ فإنا نفطر حالة الغيم قطعًا، وكذا حالة الصحو عند الجمهور،
وقال ابن سريج: لا نفطر؛ لأن قولهما إنما يفيد الظن، وقد تيقنا خلافه، وبهذا قال ابن حداد أيضًا.
وفرع بعضهم على قوله فقال: ولو ثبت هلال شوال بعدلين ، فمضت ثلاثون يومًا ولم نر الهلال والسماء مصحية، قضينا يوم الفطر؛ لأنه تبين أنه من رمضان، لكن لا كفارة على من جامع فيه لسقوطها بالشبهة.
قال الرافعي: وعلى ظاهر المذهب لا قضاء ولا كفارة.
فرع:
من رأى هلال رمضان وحده ولم يقبل قوله .. وجب عليه الصوم في حق نفسه، وتجب عليه الكفارة بالجماع فيه كما سيأتي في آخر الباب في قول المصنف:(وتلتزم من انفرد برؤية الهلال وجامع في يومه) ،
فإن رأى هلال شوال وحده .. قال مالك وأحمد والليث: لا بجوز له الإفطار.
وقال الشافعي رضي الله عنه وأكثر العلماء: يفطر سرًا؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤسته: ، فإن اطلع الإمام عليه .. عزره.
فإن شهد بعد الأكل .. لم نقبل شهادته للتهمة، وإن شهد قبل الأكل فردت شهادته ثم أكل .. لم يعزر لعدم التهمة حال الشهادة.
وَإذَا رُئَيَ بِبَلدٍ .. لَزِمَ حُكمُهُ البَلَدَ القَرِيبَ دُونَ البَعِيدِ فِي الأصَحِّ
ــ
فإن قيل: (الصحيحين)[خ 1912_ م 1089]: شهر عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة (، ولا خلاف أنه لو شهد عدلان ليلة الثلاثين من رمضان برؤية الهلال قبل .. فالجواب: أنه ليس المراد أنه لا يتصور نقصهما مشاهدة؛ فقد قال ابن مسعود رضي الله عنهم/ (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر ما صمنا معه ثلاثين) رواه أبو داوود [2316] والترمذي [689]، وقال بعض الحفاظ:(أن النبي صلى الله عليه ويلم صام تسعة رمضانات، منها رمضانان ثلاثون ثلاثون، وسبعة تسع وعشرون تسع وعشرون).
ثم قيل: إن المراد: لا ينقصان من سنة، بل إن نقص أحدهما تم الآخر وفيل: أشار بذلك إلى سنة معينة، وقبل: أراد أن العمل في عشر ذي الحجة لا ينقص في الثواب عن رمضان ، وقيل: هما وإن نقص عددها فثوابها كامل،
قال في شرح مسلم: يجوز أن تتوالى أربعة أشهر نواقص لا خمسة.
قال: (وإذا رئي ببلد .. لزم حكمه البلد القريب) بالإجماع.
قال: (دون العبد في الأصح)؛ لما روى مسلم [1087] عن كريب أنه قال: (قدمت الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة فقال عبد الله بن العباس رضي الله عنهما: متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معوية رضي الله عنه، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية رضي الله عنه وصيامه! قال: لا؛ هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عبيه وسلم)
قال الترمذي [693]: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم.
وَالْبَعِيدُ: مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقِيلَ: بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
وبالقياس على أوقات الصلوات؛ فإن لكل بلد حكمها في طلوع الشمس وغروبها.
والثاني: يلزم البعيد أيضًا؛ لأن الهلال واحد والخطاب شامل، واحتج له القاضي أبو الطيب بأن الأرض مسطحة، فإذا رئي الهلال ببلد .. رئي في غيره، وأهل الهيئة مُطْبِقُونَ على خلاف ذلك.
قال: (والبعيد: مسافة القصر)؛ لأن الشارع علق بها كثيرًا من الأحكام.
قال: (وقيل: باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح والله أعلم)؛ لأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن الجميع اتفقوا في الصلاة على أن الاعتبار باختلاف المطالع، وذلك دليل على ترجيحه في الصوم.
وقد حررها الشيخ تاج الدين التبريزي فقال: رؤية الهلال في بلد توجب ثبوت حكمها إلى أربعة وعشرين فرسخًا؛ لأنها في أقل من ذلك لا تختلف، وأما مسافة القصر .. فهي سنة عشر فرسخًا منها، فاختلاف المطالع قدر مسافة القصر ونصفها.
ووقع في (الفتاوى): أخوان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ماتا في يوم واحد وقت الزوال، أيهما يرث الآخر
أجاب الجميع فيها بأن المغربي يرث المشرقي بناء على اختلاف المطالع.
وفي وجه ثالث: أن الاعتبار باختلاف الإقليم واتحاده فإن اتحد فمتقاربان، وإلا .. فمتباعدان، وهو بعيد.
وفي وجه رابع: يلزم أهل الأرض برؤية موضع فيها.
وخامس: يختص ببلد الرؤية فقط.
وسادس: يلزم أهل كل بلد لا يُتَصَوَرُ خفاؤُه عليهم.
قال الشيخ: قد تختلف المطالع وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس؛ لأن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في البلاد الغربية، فمتى اتحد المطلع .. لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، ومتى اختلف .. لزم
وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى اٌلْبَلَدِ اٌلآخَرِ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْ بَلَدِ اٌلرُّؤيَةِ .. فَاٌلآصَحُّ: أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي اٌلصَّوْمِ آخِرا. ومَنْ سَافَرَ مِنَ اٌلْبَلَدِ اٌلآخَرِ إِلَى بَلَد اٌلرُّؤْيَةِ .. عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْما. وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدا فَسَارَتْ سَفِينَتُه إِلَى بَلْدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ .. فَاٌلأَصَحُّ: أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ اٌلْيَوْمِ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
من رؤيته فى الشرقي رؤيته في الغربى من غير عكس، وعلى هذا حديث كريب؛ فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته فى الشام رؤيته فى المدينة.
قال: (وإذا لم نوجب على البلد الآخر، فسار (1) إليه من بلد الرؤية .. فالأصح: أنه يوافقهم في الصوم آخرا) زإن كان قد أتم العدد ثلاثين؛ لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار منهم فلزمه حكمهم.
وقد قيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما أمر كريبا بموافقة أهل المدينة.
والثانى: يفطر؛ لأنه التزم حكم البلد الأول فيستمر عليه، وصححه في (الكافى).
والوجهان إذا قلنا: لكل بلد حكمها، أما إذا قلنا: يعم حكم الرؤية كل البلاد .. فعلى أهل البلد الثانى موافقته إن ثبت بقوله أو بقوله غيره، وعليهم قضاء اليوم، فإن لم يثبت عندهم .. لزمه الفطر سرا كما لو رأى هلال شوال وحده.
قال: (ومن سافر من البلد الآخر) أى: الذى لم ير فيه (إلى بلد الرؤية .. عبَّد معهم وقضى يوما) سواء صام ثمانية وعشرين فقط بأن كان رمضان أيضا عندهم ناقصا فوقع عيده معهم فى التاسع والعشرين فى صومه، أو صام تسعة وعشرين بأن كان تاما؛ بناء على أن للمنتقِل حكم المنتقَل إليه، ولأن الشهر لا يكون ثمانية وعشرين، بخلاف ما إذا كان تعييده معهم يوم الثلاثين فإنه لا قضاء؛ لأنه يكون تسعة وعشرين.
قال: (ومن أصبح معيدا فسارت سفينته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام .. فالأصح: أنه يمسك) معهم (بقية اليوم) وجوبا بناء على أن لكل بلد حكمها، وأن للمنتقِل حكم البلد المنتقَل إليه.