الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
:
فَصَّلَ
شَرْط الصَوْم: الإِمْساك: عَن الجِماع، والاستقاءة،
ــ
والمراد: العادة المستقرة دون أكثره، فإن لم يكن لها عادة ولم يتم الأكثر من الليل، أو كانت لها عادات مختلفة
لم يصح؛ لأنها لم تجزم ولم تبن على أصل ولا أمارة. والنفساء كالحائض.
تتمة:
قال المتولي: لو نوي في الليل ثم قطعها قبل الفجر
…
سقط حكمها؛ لأن ترك النية ضد للنية، بخلاف ما لو أكل بعد النية؛ لأن الأكل ليس ضدها، وبخلاف ما لو قطعها بعد الفجر؛ لأن أول العبادة اقترن بالنية.
ومن علم أن عليه صومًا واجبًا لا يدري: هل هو رمضان أو نذر أو كفارة؟ فنوى صومًا واجبًا
…
أجزاه كمن نسى صلاة من خمس ولم يعرف عينها.
ولو كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضلء اليوم الثاني:
فوجهان:
أحداها: يجزئه.
والثاني: لا؛ لعدم التعيين.
قال: (فصل:
شرط الصوم: الإمساك: عن الجماع) أما جماع العامد .. فبالإجماع، وأما الناسي
…
فسيأتي حكمه.
فإن قيل: قدم المصنف أن النية شرط، وذكر هنا أن الإمساك شرط وحينئذ فلا حقيقة للصوم .. فالجواب: أن المراد بالشرط ما لابد منه؛ فإن الإمساك عن المفطرات أحد ركني الصوم كما تقدم.
قال: (والا ستقاءة) فإذا تقيأ عامدًا .... أفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القئ وهو صائم
…
فليس عليه قضاء، ومن استقاء .... فليقض) رواه أصحاب
وَالصَحِيح: أَنَّهُ لُو تَيْقِننَ أَنَّهُ لِمَ يُرْجَع شَئْ إِلَى جَوْفهُ
…
بَطُلَ. وَلُو غَلَبَهُ القئ .. فَلًّا بَأَسَ، وَكَذا لُو اقْتَلَعَ نُخامَة وَلِفَظّها ِفي الأَصَحّ،
ــ
السنن الأربعة، وصححه الحاكم (1/ 427) وابن حبان (3518)، وقال البخاري: لا أراه محفوظًا، وكذلك قال أحمد.
وقال المصنف: إنه حسن ولا يضره أن هشام بن حسان تفرد به؛ فإنه ثقة، وأما حديث:(ثلاث لا تفطر الصائم: القئ والحجامة والاحتلام)
…
فلم يصح.
والصحيح: أن الأستقاءة مفطرة لعينها كالإنزال.
وقيل: لرجوع شئإلى الجوف وإن قل.
وينبني عليهما: ما لو احتاط حتى لم يرجع شئ، أو تقيأ وهو منكوس.
كل هذا في العالم، فإن جهل أن ذلك مفطر
…
قال القاضي حسن: يفطر أيضًا إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة.
ومال في (البحر) إلى أنه يعذر مطلقًا، وإطلاق (المهذب) و (التنبيه) يقتضيه، ولم يستدركه المصنف عليه.
قال: (والصحيح: أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ إلى جوفه
…
بطل) هذا الخلاف تقدم مدركه، وعبر عنه في (الروضة) بالصحيح.
قال: (ولو غلبه القئ .... فلا بأس) للحديث، وهو معنى (ذرعه) بالذال المعجمة.
قال: (وكذا لو اقتلع نخامة ولفظها في الأصح) أي: اقتلعها من الباطن ولفظها إلى الظاهر؛ لأن الحاجة إلى ذلك تكرر فرخص فيه.
والثاني: يفطر كالأستقاءة.
فَلَو نَزِلتَ مَن دِماغهُ وَحَصَلتُ ِفي حَدَّ الظاهِر مَن الفَم
…
فَلِيُقْطِعها مَن مَجَرّاها وَلِيَمُجها، فَإِنَّ تَرَّكَها مَعَ القُدْرَة فَوَصَلتَ إِلَى الجُوف
…
أَفْطُر ِفي الأَصَحّ
ــ
ومحل الخلاف: إذا قلنا: الاستقاءة مفطرة، وإلا
…
لم يفطر جزمًا.
واحترز بقوله: (فلفظها) عما إذا بقيت في محلها وسيأتي حكمه.
ولو خرجت بغلبة السعال فلفظها
…
فلا بأس عليه، فإن ابتلعها عمدًا
…
أفطر جزمًا، وكلام الماوردي يفهم أن فيه خلافًا وهو بعيد.
وتعبيره ب (الأصح) صريح في إثبات الخلاف وقوته، وهو مخالف لما في (الروضة) و (شرح المهذب) فإنه صحح فيهما طريقة القطع بأنه لا يضر.
و (النخامة) هي: الفضلة الغليظة التي يلفظها الشخص من فيه، ويقال لها أيضًا: النخاعة بالعين.
ويقال: لفظت الشئ من فمي ألفظه لفظًا: رميته، ولفظ الكلام وتلفظ به أي: رماه من فيه، ولفظت الأرض الميت: إذا لم تقبله، ولفظ الشئ البحر: إذا رمابه إلى الساحل
…
قال: (فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم
…
فليتقطعها من مجراها) وهو الثقبة النافذة من الدماغ إلى أقصى الفم فوق الحلقوم.
(وليمجها) حتى لا تصل إلى الباطن، يقال: مج الرجال الريق والشراب من فيه: إذا رمى به، والمجاج: الذي تمجه من فيك، والعسل: مجاج النحل.
قال: (فإن تركها مع القدرة فوصلت إلى الجوف) أى: بنفسها وهو عالم بها (أفطر في الأصح)؛ لتقصيره.
والثاني: لا؛ لأنه لم يفعل شيئًا وإنما أمسك عن الفعل.
و (الدماغ): حشو الرأس، والجمع: أدمغة ودمغ.
تنبيهان:
أحدهما: فهم من كلام المصنف: أنها لا تضر إذا لم تحصل في حد الظاهر من الفم، أو حصلت فيه ولم يقدر على مجها.
وَعَن وَصُول العَيْن إِلَى ما يُسَمَّى جَوْفا، وَقَيْل: يَشْتَرِط مَعَ هاذا أَن يُكَوِّن فِيهِ قُوَّة تَحَيُّل الغِذاء أَو الدِواء
ــ
الثاني: (الباطن): مخرج الهاء والهمزة، و (الظاهر): مخرج الخاء المعجمة فما بعده إلى صوب الشفتين.
وأما مخرج المهملة
…
فقال الرافعي تبعًا للغزالي: إنه من الباطن، وقال المصنف: إنه من الظاهر.
قال الشيخ: والأقرب: أنها من الباطن كما قاله الرافعي.
قال: (وعن وصول العين إلى ما يسمى جوفًا) سواء كانت العين مما يؤكل ويشرب أم لا كتراب وحصاة، يسيرًا كانت أو كثيرًا؛ لأن الصوم هو: الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف.
وروى البيهقي (4/ 261) - بإسناد حسن أو صحيح - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل، وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج).
وخالف بعض السلف فيما لا يؤكل ويشرب عادة.
وروي عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه: (أنه كان يستف البرد ويقول: ليس بطعام ولا شراب)، وإليه ذهب الحسن بن صالح فقال: لا يفطر إلا بطعام أو شراب.
وخالف أبو حنيفة في حبة السمسم ونحوها.
وإحترز المصنف ب (العين) عن الأثر؛ فلا أثر لوصول الريح بالشم إلى دماغه، ولا لوصول الطعم بالذوق إلى حلقه.
وب (الجوف) عما لو طعن فخذه أو ساقه أو داوي جرحه، فدخل ذلك إلي داخل المخ أو اللحم
…
فإنه لا يفطر؛ لأنه لا يسمى جوفًا، وكذلك إذا اقتصد ووصل المبضع إلى داخل العرق، فكل ذلك لا خلاف فيه.
قال: (وقيل: يشترط مع هذا: أن يكون فيه) أي: في الجوف (قوة تحيل الغذاء أو الدواء)؛ لأن ما تحيله لا تغتذي به النفس ولا ينتفع به البدن، فأشبه الواصل إلى غير الجوف.
فَعَلِيّ الوَجْهَيْنِ: باطِن الدِماغ وَالبَطْن وَالأَمْعاء وَالمَثانَة مفطر بالاستعاط أَو الأَكْل أَو الحُقْنَة / أَو الوُصُول مَن جائفة أَو مأمومة وَنَحُّوهُما
ــ
ويرد عليه: أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بالوصول إليه وليس في الحلق قوة الإحالة.
و (الدواء) ممدود: واحد الأدوية، و (الدواء) بكسر الدال بغة فيه.
و (الغذاء) بكسر الغين وبالذال المعجمة: ما يغتذي به من طعام وشراب، يقال: غذوت الصبي باللبن أي: ربيته به، ولا يقال: غذيته بالياء.
و (الغداء) بفتح الغين وبالدال المهملة: خلاف العشاء.
قال: (فعلى الوجهين: باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة مفطر بالاستعاط أو الأكل أو الحقنة / أو الوصول من جائفة أو مأمومة ونحوهما)؛ لأنه جوف محيل.
واستدلوا على الفطر بالوصول إلي باطن الدماغ بما تقدم في (الوضوء) من قوله صلى الله عليه وسلم (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا).
وعلى الفطر بالحقنة بأنها تصل إلى الجوف، فهي أولى من السعوط الواصل إلى الدماغ.
وفي الحقنة والمثانة وجه، وفي كلام المصنف لف ونشر؛ فالاستعاط للدماغ، والأكل للبطن، والحقنة للأمعاء والمثانة أيضًا، والوصول من الجائفة والمأمومة يعود للجميع.
واعترض على المصنف في تعبيره ب (باطن الدماغ)؛ لأنه لو وضع الدواء على المأمومة فوصل إلى خريطة الدماغ
…
أفطر وإن لم يصل إلى باطن الخريطة، فباطن الدماغ ليس بشرط، ولا الدماغ نفسه؛ فإن الدمااغ في باطن الخريطة، وكذلك الأمعاء لا يشترط باطنها.
وَالتَقْطِير ِفي باطِن الأُذُن وَالإِحْلِيل مفطر ِفي الأَصَحّ
ــ
فائدة:
(الأمعاء): المصارين، واحدها: معى على وزن رضًا، قال صلى الله عليه وسلم:(المؤمن يأكل في معى واحد، والكافرفي سبعة أمعاء)، والرجل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك: ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه عند ابن إسحاق، وعند السهيلي: أو بصرة الغفاري، وفي (مصنف ابن أبي شيبة) (5/ 569): جهجاه الغفاري، وفي (دلائل النبوة) نضلة بالام.
وقيل: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها؛ لأن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال ويتوقي الحرام والشبهة، والكافر لا يبالي ما أكل ومن أين أكل وكيف أكل.
وقال الأصمعي: العرب تقول للجائع: صاحت عصافير بطنه، يعنون بالعاصفير: الأمعاء.
و (المثانة) بفتح الميم وبالثاء: مجمع البول.
و (الحقنة): الأدوية التي يحقن بها المريض، و (الأحتقان): االفعل، ولو عبر به
…
كان أولى، والجائفة والمأمومة يأتي بياتهما في (الديات).
قال: (والتقطير في باطن الأذن والإحليل مفطر في الأصح) وإن لم يصل إلى الدماغ بل جاوز القحف، وإن لم يصل إلى المثانة ولم يجاوز الحشفة بناء على الوجه الأول - وهو اعتبار كل ما يسمى جوفًا - فيفطر بذلك.
والثاني: لا؛ بناء على مقبله إذ ليس فيه قوة الإحالة.
وفي الإحليل وجه ثالث: إن جاوز الحشفة
…
أفطر، وإلا
…
فلا.
فعلى الصحيح: لو أدخل في إحليله أو أذنه عودًا أو درودا ً وهو ذاكر للصوم بطل صومه.
وَشَرَّطَ الواصل: كَوَّنَهُ مَن مَنْفِذ مَفْتُوح، فَلًّا يُضَرّ وَصُول أَلْذَهُنَّ بِتَشَرُّب المُسِمّ، وَلا الاكتحال وَإِنَّ وَجَدَ طُعْمهُ بَحْلَقَهُ،
ــ
وينبغي الاحتراز حالة الاستنجاء؛ فإنه لو أدخل طرف إصبعه دبره .... بطل صومه، وكذلك حكم فرج المرأة.
و (الإحليل والتحليل): مخرج البول من الإنسان، ومخرج اللبن من الثدي والضرع، ووزنه إفعيل.
فرع:
ابتلع طرف خيط باليل، وطرفه الآخر خارج، وأصبح كذلك، فإن تركه
…
لم تصح صلاته لاتصاله بالنجاسة، وإن نزعه أو ابتلعه .. لم يصح صومه، فالطريق: أن يقلعه شخص مكرهًا أو غافلًا، فإن لم يتفق .. فالأصح: أنه يحافظ على الصلاة وينزعه أو يبلعه ويقضي يومًا.
وقيل: يصى على حاله وبعيد.
قال: (وشرط الواصل: كونه من منفذ مفتوح، فلا يضر وصول الدهن يتشرب المسام، ولا الاكتحال وإن وجد طعمه بحلقه) كما لا يضر الانغماس في الماء وإن وجد أثره بباطنه.
والأصل في ذلك: ما في (الصحيحين)(خ 1930 - م 1109): (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا وهو صائم ثم غتسل)، وفي (الموطأ) (1/ 294) - بإسناد على شرط الصحيح - عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قال: (حدثني من رأي النبي صلى الله عليه وسلم وجهالة الصحابي لا تقدح؛ لأنهم كلهم عدول.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد وهو صائم رواه البيهقي (4/ 262)،
وَكَوَّنهُ بِقَصْد، فَلَو وَصَّلَ جَوْفهُ ذُباب، أَو بَعُوضَة، أَو غُبار الطَرِيق، وَغَرْبَلَة الدَقِيق
…
لِمَ يُفْطَر
ــ
وفي (سنن أبي داوود)(2370) عن أنس رضي الله عنه أنه كان يكتحل وهو صائم.
ولا يكره الاكتحال للصائم عندنا وعند أبي حنيفة، وكرهه مالك وأحمد وقالا: إن وصل إلى الحلق أفطر؛ لما روى أبو داوود (2369): أن النبي صلالله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: (ليتقه الصائم) ثم قال أبو داوود: قال لي يحيي بن معين: هو حديث منكر.
و (المنفذ) ضبطه المصنف بخطه بفتح الفاء كالمدخل والمخرج.
و (المسام) بفتح الميم والسين: منافذ البدن وثقبه، وكأن مفرده: سم وهو الثقب، قال تعالى:{يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} وفي سينه ثلاث لغات، وأفصحها الفتح، وكذلك قرأها الجمهور بالفتح، وقرئ شاذا بالضم والكسر.
قال: (وكونه بقصد، فلو وصل جوفه ذباب، أو بعوضة، أو غبار الطريق، وغربلة الدقيق .... لم يفطر) وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره؛ لما فيه من المشقة الشديدة، بل لو فتح فاه حتى وصل الغبار إلى جوفه
…
لم يفطر على الصحيح.
قلت: وإنما جمع المصنف الذباب وأفرد البعوض مراعاة للفظ القرآن، قال الله تعاالى:{يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} وقال {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ، و (المحرر) أفردهما ففاته ذلك.
فائدة:
(الغربلة): إدارة الحب في الغربال لينتفي خبثه وينصع طيبه، قالت العرب: من غربل الناس
…
نخلوه، أى: من فتش عن أمورهم وأصولهم
…
جعلوه نخالة، وفي
وَلا يُفْطَر بِبَلْع رَيِّقهُ مَن مَعْدِنهُ،
ــ
الحديث: (كيف بكم وبزمان تغربل الناس فيه غربلة) أي: يذهب خيارهم ويبقي أرذالهم.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون من الغربلة وهي: القتل، والمغربل: الميت المنتفخ، كما قال الشاعر (من الرجز):
أحيا أباه هاشم بن حرمله .... ترى الملوك حوله مغربلة
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب لة
وقيل: عنى بالغربلة أنه ينتقي السادة فيقتلهم، فهو على هذا من الأول.
قال: (ولا يفطر ببلع ريقه من معدنه) بالإجماع؛ ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، وبه حياة الإنسان.
واحترز ب (ريقه) عما لو مص ريق غيره وبلعه؛ فإنه يفطر باتفاق العلماء، وفي حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسنها) رواه أبو داوود (2378) بإسناد فيه ضعيفان، وإن صح
…
فإنه محمول على أنه مصه ولم يبتلعه.
و (الريق): الرضاب، و (معدنه): الموضع الذى فيه قراره ومنه ينبع، وهو الحنك الأسفل تحت اللسان، أنبعه الله تعالى لتليين المأكول اليابس وتليين اللسان، وعليه حمل بعض المفسرين قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} .
وجمع الريق: أرياق، والريقة أخص منه، قال الشاعر (من الرجز):
يا عجبًا لهذه الفليقة .... هل تغلبن القوباء الريقة
فَلَو خَرَّجَ عَن الفَم ثُمَّ رَدَّهُ وَأَبْتَلِعهُ، أَو بَلّ خَيْطًا بِرِيقهُ وَرَدّهُ إِلَى فَمهُ وَعَلِيّهُ رُطُوبَة تَنْفَصِل، أَو أَبْتَلِع رَيِّقهُ مَخْلُوطا بِغَيْرهُ أَو متنجسا
…
أَفْطُر .....
ــ
قال: فلو خرج عن الفم ثم رده وابتلعه، أو بل خيطًا بريقه ورده إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل، أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره أو متنجسًا
…
أفطر).
أما في الأولى .... فلأنه خرج من معدنه فصار كالأعيان المنفصلة، فلو أخرجه على لسانه ثم أخله وابتلعه
…
فالأصح: لا يفطر؛ لأنه لم يفصل واللسان كيفما تقلب معدود من باطن الفم، لكن الصحيح في (الشرح الصغير): الفطر به، ويوافقه إطلاق (المحرر).
وأما الثانية
…
فلأنه لا ضرورة إليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن.
وفي (فوائد المهذب) للفارقي: أن الخياط إذا بل الخيط بريقه سواء كان عليه صبغ أم لا، يعفى عنه لمشقة الاحتراز عنه.
وأما في الثانية
…
فلأنه أجنبي عن الريق، وسواء كان ذلك طاهرًا كصبغ الثوب، أو نجسًا كما إذا دميت لثته، فلو بصق حتى صفا ريقه ولم يبق فيه تغير
…
ففي فطره بابتلاعه وجهان، أصحهما عند الأكثرين: تعم؛ لأنه متنجس، ولا يطهر الفم إلا بالغسل بالماء كسائر النجاسات.
وعلى هذا: لو أكل في الليل شيئًا نجسًا ولم يغسل فمه وأصبح صائمًا فابتلع ريقه .. أفطر.
وَلُو جَمَّعَ رِيقَة وَأَبْتَلِعهُ
…
لِمَ يُفْطَر ِفي الأَصَحّ. وَلُو سَبَق ماء المَضْمَضَة أَو الاسْتِنْشاق إِلَى جَوْفهُ
…
فَالمُذَهَّب: أَنَّهُ إِن بالِغ
…
أَفْطُر، وَإِلّا
…
فَلًّا
ــ
قال: (ولو جمع ريقه وابتلعه .... لم يفطر في الأصح) سواء جمعه بمضغ شئ كالعلك أم لا؛ لأنه لم يخرج من معدنه .. وابتلاعه متفرقًا جائز.
والثاني: يفطر؛ لأنه يسهل الاحتراز عنه. ولا خلاف أنه لو اجتمع من غير قصد بالغ
…
أفطر، وإلا
…
فلا)؛ لأن المبالغه فيهما في الصوم مكروهة، وما تولد من سبب منهي عنه
…
كان كمباشرته.
وقيل: يبطل مطلقًا، وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني؛ لتشبيه القبلة بالمضمضة.
ولو قبل فأنزل
…
بطل، وقيل: لا يبطل مطلقًا لعدم اختياره، وبه قال أحمد وأبو ثور.
وفي المسألة طرق هذا ملخصها، ولا فرق بين صوم الفرض والنقل.
وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة.
ولو سبق من الغسل تبردًا، أو المضمة في الكرة الرابعة
…
ضر؛ لأنها منهي عنها فصارت كالمبالغة، وكذلك الأستنشاق.
ومحل ما ذكره المصنف: في الذاكر للصوم، أما الناسي والجاهل
…
فلا يفطر بلا خلاف.
وإذا كان الماء في فيه أو أنفه فعطس فنزل بذلك إلى جوفه أو دماغه .... لم يفطر.
وأتفقوا على أنه لا يلزم الصائم أن ينشف فاه من المضمضة؛ لأنه لا يبقي من ذلك إلا رطوبة لا تنفصل عن المحل.
وَلُو بَقَّيْ طَعام بَيَّننَ أَسْنانهُ فَجَرَى بِهِ رَيِّقهُ
…
لِمَ يُفْطَر إِن عَجَّزَ عَن تَمْيِيزهُ وَمَجّهُ، وَلُو أَوْجَزَ مَكْرها
…
لِمَ يُفْطَر، فَإِنَّ أَكْرَهَ حَتَّى أُكَلّ
…
أَفْطُر ِفي الأَظْهَر. قَلَت: الأَظْهَر: لا يُفْطَر، وَالله أَعْلَمَ. وَلُو كانَ ناسيا
…
لِمَ يُفْطَر
ــ
قال: (ولو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه .. لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه)؛ لأنه معذور فيه غير مقصر، فإن لم يعجز ..... أفطر لتقصيره.
واحترز بقوله: (جرى) عما إذا ابتلعه قصدًا؛ فإنه يفطر بلا خلاف.
قال: (ولو أوجر مكرهًا .... لم يفطر) لعدم الفعل والقصد منه، وفي وجه غريب: يفطر.
قال: (فإن أكره حتى أكل) أو شرب (
…
أفطر في الأظهر)؛ لأنه حصل بفعله مع علمه بالحال لدفع الضرر عن نفسه، فيبطب كما لو فعله لدفع الجوع والمرض، وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله، وصححه الغزالي في (الوجيز) في النسخ المعتمدة.
قال: (قلت: الأظهر: لا يفطر والله أعلم)؛ لأن أكله ليس منهيًا عنه فأشبه الناسي.
ويجري القولان فيما لو أكرهت على الوطء، أو أكره الرجل وقلنا: يتصور إكراهه، لكن إذا حكمنا بالفطر
…
فلا كفارة للشبهة، وإن قلنا: لا يتصور الإكراه .. أفطر ولزمته الكفارة.
وفي كتاب (الكافي) لمحمد بن عبد الصمد المصري: أن من جاءه قطاع الطريق فابتلع الذهب خوفًا عليه منهم، حكمه حكم المكره على فعل نفسه فيأتي فيه ما تقدم.
قال: (ولو أكل ناسيًا
…
لم يفطر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر في شهر رمضان ناسيً
…
فلا قضاء عليه ولا كفارة) صححه الحاكم (1/ 430)، وفي (الصحيحين) (خ 1933 - م 1155): (من نسى وهو صائم فأكل أو شرب
…
فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه).
إِلّا أَن يُكْثَر ِفي الأَصَحّ. قَلَت: الأَصَحّ: لا يُفْطَر، وَاللّاه أَعْلَمَ. الجِماع كَالأَكْل عَلِيّ المُذَهَّب. وَعَن الأستمناء
ــ
وقال مالك وربيعة: عليه القضاء في الأكل ناسيًا قياسًا على تارك النية.
والفرق: أن الني مأمور بها، والأكل منهي عنه، فاختلفا كما في الصلاة لو تكلم ناسيًا
…
لا تبطل، وإن ترك الركوع ناسيًا
…
أبطل.
قال: (إلا أن يكثر في الأصح)؛ لأن النسيان يندر في الكثير فيضر، ولهذا تبطل الصلاة بالكلام الكثير ناسيًا.
وضابط الأكل الكثير: ثلاث لقم.
قال: (قلت: الأصح: لا يفطر والله أعلم)؛ لعموم الأحاديث.
والفرق بينه وبين الصلاة: أن المصلي مشتغل بأقوال وأفعال تذكره أنه في الصلاة فيندر وقوع ذلك منه بخلاف الصائم.
ولم يتعرض المصنف للآكل جاهلًا، والذي في (الروضة) و (شرح المهذب): أنه إن كان قريب عهد بالإسلام بأن من جهل كون الأكل مفطرًا .... جهل حقيقة الصوم فلا تصح نيته.
وأجاب الشيخ بفرض ذلك في مفطر خاص من الأشياء النادرة كالحصاة ونحوها؛ فإن العامي يعتقد أن الصوم هو الإمساك عن المعتاد.
قال: (والجماع كالأكل على المذهب) فلا يؤثر مع النسيان قياسًا على سائر المفطرات، ورواية الحاكم المتقدمة نص في ذلك، وهو مروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة.
والطريقة الثانية: أنه على القولين في جماع ناسيًا.
والفرق على المذهب: أن للمحرم هيئة يتذكر بها، فهو مقصر بخلاف الصائم.
قال: (وعن الاستمناء) فيشترط عنه أيضًا، وهو إخراج المني بغير جماع.
فَيَفْطُر بِهِ، وَكَذا خُرُوج أَلَّمَنِي بِلَمْس وَقِبْلَة وَمُضاجَعَة، لا الفِكْر وَالنَظَر بِشَهْوَة.
ــ
قال: (فيفطر به)؛ لأن الإنزال هو المقصود الأعظم من الجماع، فإذا حرم الجماع من غير إنزال
…
كان الإنزال أولى بالتحريم، إلا أنه لا كفارة فيه.
ولو حك ذكره لعارض فأنزل
…
فالأصح: لا يفطر؛ لأنه تولد من مباشرة مباحة، ولو احتلم
…
لم يفطر بلا خلاف.
قال: (وكذا خروج المني بلمس وقبلة ومضاجعة) نقل الماوردي الإجماع فيما إذا كان بقلبة مباشرة فيما دون الفرج وغيره مقيس عليه.
وحكى الإمامعن والده وجهين فيمن ضم المرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل، قال: وهو عندى كسبق الماء من المضمضة، قال: فإن ضاجعها متجردًا .... فهو كالمبالغة فيها.
وجزم المتولي بأنه لو قبلها فوق خمار فأنزل
…
لا يفطر لعدم المباشرة، قال: ولو لمس شعرها فأنزل ففي بطلان صومه وجهان بناء ععلى انتقاض الوضء بلمسه.
ولو قبلها وفارقها ساعة ثم أنزل
…
فالأصح: إن كانت الشهوة مستصحبة والذكر قائمًا حتي أنزل
…
أفطر، وإلا
…
فلا.
كل هذا في الواضح، أما الخنثي إذا باشر بشهوة وأمنى بأحد فرجيه، أو رأي الدم يومًا وليلة
…
فإنه لا يفطر، وإن إجتمعا .... أفطر.
ولو قبل أو لمس فأمذى
…
لم يفطر خلافًا لأحمد.
لنا: أنه خارج لا يوجب الغسل فكان كالبول.
قال: (لا الفكر والنظر بشهوة)؛ لأنه إنزال بغير مباشرة فأشبه الاحتلام.
فائدة:
(الفكر): إعمال الخاطر في الشئ، والجمع: فكر أفكار، ونقل ابن سيدة عن سيبويه: أن الفكر لا يجمع، وكذلك العلم والنظر، أشار بذلك إلى قوله في (باب جمع الجمع).
وَتُكْرَه القُبْلَة لِمَن حَرَّكتُ شَهْوتهُ،
ــ
أعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب، ألا ترى أنك لا تجمع الفكر والعلم والنظر؟ كأنهم لا يجمعون كل اسم يقع على الجميع.
قال: (وتكره القبلة لمن حركت شهوته) شيخًا كان أو شابًا، رجلًا كان أو امرأة؛ (من حام حول الحمي
يوشك أن يقع فيه)، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب، وروي البيهقي (4/ 232) - بإسناد صحيح -عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى عنها الشاب وقال:(الشيخ يمك إربه، والشارب يفسد صوم)، ففهمنا من التعليل أنه دائر مع تحريك الشهوة.
والمراد بتحريك الشهوة: أن يصير بحيث يخاف معها الجماع أو الإنزال.
ويرى عن مالك: أنه فصل بين الشيخ والشاب، وروى ابن وهب عنه: أنه أباحها في النفل ومنعها في الفرض.
وأباحها أحمد مطلقًا؛ لما روى مسلم (1108) عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل هذه) لأم سلمة، فأخبرته: أن النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له).
وَالأُولى لَغَيْرهُ تَرَّكَها. قَلَت: هِيَ كَراهَة تَحْرِيم ِفي الأَصَحّ، وَاللّاه أَعْلَمَ
ــ
وأفاد البيهقي والمصنف في (شرح المهذب) وغيرهما: أن عمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليس باين أم سلمة رضى الله عنها وهو في (الموطأ)(1/ 291) بمعناه.
قال: (والأولى لغيره تركها) أي: لمن لم تحرك شهوته حسمًا للباب؛ إذ قد يظنها غير محركة وهى محركة، ولأن الصائم يستحب له ترك الشهوات مطلقًا، ولكنها لا تكره لضعف احتمال أدائها إلى الإنزال، وفي (الصحيحين) (خ1927 - م 1106) عن عائشة رضي الله عنها:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه) استدل في (المهذب) بأن جابرًا رضي الله عنهما قال: (قبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قبلت وأنا صائم! فقال (أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم؟) هكذا ذكره.
والصواب: عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ لأنه صاحب القصة، هكذا رواه أحمد (1/ 21) وأبو داوود (2377) والحاكم (1/ 431) وقال: على شرط البخاري، ولا عبرة بقول النسائي: إنه منكر.
وفي (البيهقي)(4/ 232) و (ابن عدي)(5/ 19) في ترجمة عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إلي، فقلت: يا رسول الله؛ ما شأني؟ فالتفت إلي وقال: (ألست المقبل وأنت صائم؟ فوالذي نفسي بيده لا أقبل أمرأة وأنا صائم ما بقيت.
قال: (قلت: هى كراهة تحريم في الأصح والله أعلم)؛ لأنه يعرض الصوم
وَلا يُفْطَر بِالفَصْد وَالحِجامَة
ــ
لإفساده، وصحح هذا جماعة منهم: صاحبا (المهذب) و (التهذيب
)، وهي من الصغائر لا من الكبائر.
والثاني: أنها كراهة تنزيه.
ولو قبل ولم ينزل .... لم يبطل صومه قطعًا.
قلت: ينبغي اختصاص الحرمة بصوم الفرض، والكراهة بالتطوع؛ لأن الأصح: جواز الخروج من صوم التطوع، وهو لو جامع كان ما ذكرناه، فكيف يكون الجماع مكروهًا والقبلة محرمة؟!
وقال الشيخ: والذي أقوله: إن كان الحاصل مجرد تلذذ
…
فلا وجه إلا القطع بالإباحة؛ لحديث (مسلم) و (الموطأ)، وإن كان الحاصل غلبة الظن بالإنزال أو الوقاع بذلك .... اتجه التحريم حفظًا من غير دليل .... فالأولى الاقتصار على الكراهة.
فائدة:
الصوم يمنع الجماع، وفي دواعيه التفصيل السابق، والحج يمنع الجماع ودواعيه، وكذلك العمرة، والحيض يمنعه دون دواعيه، والاعتكاف يمنعه وفي دواعيه قولان.
قال: (ولا يفطر بالفصد والحجامة) أنا الفصد .... فبلا خلاف، وأما الحجامة
…
فهو قول أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم؛ لما روي البخاري (1938) عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال أحمد: بالحجامة يفطر الحاجم والمحجوم، وبه قال جماعة من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث، كأبن المنذر وابن خزيمة وأبي الوليد النيسابوري والحاكم؛ لما روى ابو داوود (2361) وغيره بأسانيد صحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يحجم آخر في رمضان فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم).
وفي (الدارقطني)(2/ 182): أن المحجوم: جعفر بن أبي طالب.
وأجب الشافعي رضي الله عنه بأنه منسوخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه صح عنه بالإسناد الصحيح عن شداد بن أوس أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح، فرأى رجلًا يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان، فقال - وهو آخذ بيدي:(افطر الحاجم والمحجوم)، قال الشافعي رضي الله عنه: وابن عباس رضي الله عنهما إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، وكان الفتح سنة ثمان.
والأولى للصائم: ترك الفصد والحجامة؛ لأنهما يضعفانه، وخروجًا من الخلاف، وجزم الجرجاني بعدم كراهتهما.
فائدة:
روي ابن السني (166و 167) عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ آية الكرسي عند الحجامة
…
كانت منفعة حجامته، وإذا طنت أذن أحدكم .... فليذكرني وليصل علي وليقل: ذكر الله بخير من ذكري).
وفي الحديث: (الحجامة علي الريق فيها شفاء وبركة، وتزيد في العقل وفي الحفظ، فمن احتجم .... فيوم الخميس أو الأحد كذباك، أو يوم الأثنين أو الثلاثاء؛ فإنه اليوم الذي كشف الله فيه عن أبواب البلاء وأصابة يوم الأربعاء، ولا يبدأ بأحد جام أو برص إلا في يوم الأربعاء) قوله: (كذباك) أي: عليك بهما.
وَالأحتياط أَن لا يَاكُل آخَر إِلّا بِيَقِين، وَيَحْلَ بِالاجْتِهاد ِفي الأَصَحّ، وَيُجَوِّز إِذا ظَنّ بَقاء اللَيْل. قَلَت: وَكَذا لُو شَكَّ، وَاللّاه أَعْلَمَ
ــ
قال: (والأحتياط أن لا يأكل آخر النهار إلا بيقين)؛ ليأمن الغلط، والأصل بقاء النهار فيستحبه، وفي الحديث الصحيح:(دع ما يريبك إلى ما لا يبريبك)، واليقين أن يرى غروب الشمس.
ويجب إمساك جزء من اليل ليتحقق غروب الشمس، فإن حال بينه وبين رؤية الغروب حائل
…
فبظهور الليل من المشرق. ولو أخبره بغروبها عدلان .... كان كرؤيته .... ولو أخبره عدل واحد
…
قال الروياني: لا يعتمد، بل لابد من عدلين كالشهادة على هلال شوال.
قال الشيخ: سيأتى أنه يحل الفطر بالأجتهاد في الأصح، وإخبار العدل أقوى من الاجتهاد، فكان بالاعتبار أولى، كما في القبلة ووقت الصلاة والأوان وغيرها، ويدل له ما روى ابن حبان (3510) والحاكم (1/ 343) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم)، و (كان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائمًا .... أمر رجلًا فأوفي على نشز، فإذا قال: قد غابت الشمس .... أفطر).
قال: (ويحل بالإجتهاد في الأصح)، كالقراءة والأوراد ونحوها قياسًا على أوقات الصلاة.
والثاني - وبه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والقاضي أبو الطيب -: لا يجوز لقدرته علي اليقين بالصبر.
وعبر في (الروضة) بالصحيح، فاقتضي ضعف الخلاف، ويجب أن يكون موضع الوجهين فيمن أمكنه درك اليقين بذلك.
قال: (يوجوز إذا ظن بقاء الليل) أى: بالإجتهاد؛ لأن الأصل استمراره.
قال: (قلت: وكذا لو شك والله أعلم)؛ لأن الأصل بقاء الليل، وقال الله
وَلُو أُكَلّ بالأجتهاد أَوَّلا أَو آخِرًا وَبانَ الغَلَط .... بَطُلَ صَوْمهُ، أَو بَلًّا ظَنّ وَلَم يُبَن الحال .... صَحَّ إِن وَقَعَ ِفي أُولَه، وَبَطَلَ ِفي آخِرهُ. وَلُو طَلَعَ الفَجْر وَفِيَّ فَمهُ طعا فَلَفْظهُ
…
صَحَّ صَوْمهُ، وَكَذا إِن كانَ مجامعا فَنَزْع في الحال،
ــ
قال: (ولو أكل بالاجتهاد أولا أو آخرا وبان الغلط .... بطل صومه)؛ لأنه تبين له خطأ ظنه، ولا عبرة بالظن البين خطؤه، وروى البيهقي (4/ 217): أن الناس أفطروا في زمن عمر رضى الله عنه، ثم انكشف السحاب فظهرت الشمس فقال:(الخطب يسير) وقضى يومًا مكانه وأمر بذلك، وفي (البخاري) (1959) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:(أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس) قيل لهشام بن عروة: فأمروا بالقضاء؟ قال: وبد من القضاء.
وقال المزني وابن خزيمة: لا يبطل فيهما؛ لأنه معذور.
وقيل: لا يبطل في الأولى؛ لأن الأصل بقاء الليل فهو معذور، ويفطر في الثانية؛ لأن
قال: (أو بلا ظن ولم يبن الحال .... صح وإن وقع في أوله، وبطل في آخره) عملًا بالأصل في الموضعين، فإن بان الغلط
…
بطل صومه فيهما، وإن بان الصواب
…
صح فيهما، والفرق بينه وبين القبلة إذا ترك الاجتهاد فأصابها: أن هنا (ك) شك في شرط انعقاد العبادة وهنا شك في فسادها بعد انعقادها.
قال: (ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه .... صح صومه)؛ لأ نه لو وضعه في فيه نهارا ولم يصل إلى جوفه .... لم يفطر، فأولي إذا كان الوضع ليلا.
واحترز بقوله: (فلفظه) عما إذا ابتلع منه شيئا باختياره فإنه يفطر، فإن سبقه .... فالأصح في زوائد (الروضة): لا فطر به. وعبارة المصنف توهم أن لفظة شرط وليس كذلك؛ فإنه لو أمسكه في فيه ...... صح أيضا، فكان الصواب التعبير ب (لم يبتلعه).
قال: (وكذا إن كان مجامعا فنزع في الحال) أي: حال علمه؛ لأن النزع ترك
فَإِنَّ مَكْث
بَطُلَ
ــ
الجماع، فأشبه ما لو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فنزعه.
وقال ابن سريج: يشترط أن يقصد بالنزع الترك، فإن لم يقصده .... لم يصح.
وقال المزني: يبطل صومه بالنزع؛ لأنه يلتذ بالإخراج كما يلتذ بالإيلاج.
وجوابه: أن الالتذاذ لا يتعلق الفساد به بل بالوطء، وهذا ليس بوطء.
فإن قيل: كيف يعلم الفجر وطلوعه الحقيقي متقدم على علمنا؟ ..... فالجواب: أنا لم نتعبد بما في نفس الأمر، بل بما نطلع عليه، والعارف بالأوقات إذا رصد ..... عرف أول الطلوع الذي يتعلق به التكليف.
قال: (فإن مكث ..... بطل) لتحقق الجماع منه قصدًا، وفي هذه الحالة تلزمه الكفارة على المذهب.
تتمة:
ظاهر كلام المصنف: أن صومه انعقد ثم فسد، وكذا عبارة (المحرر) حيث قال:(فسد)، وإلى هذا ذهب القاضي حسين وشرذمة من الأصحاب، والصحيح عند الجمهور خلافه.
قال الشيخ: ويتلخص في مسألة المكث ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه لا انعقاد ولا كفارة، وهو قول المزني.
والثاني: لا انعقاد ولكن تجب الكفارة، وهو المشهور.
والثالث: ينعقد ثم يفسد وتجب الكفارة، وهو المختار.
قال الرافعي: والخلاف جار فيما إذا جامع ناسيًا، ثم ذكر الصوم واستدام.
ولو مكث بعد طلوع الفجر ظانا أن صومه قد فسد .... وجب القضاء ولا كفارة؛ لأنه غير قاصد لهتك الحرمة، قال الماوري.