المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ

‌فَصْلٌ:

وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ .. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي .. أَرَاقَ دَمًا،

ــ

وإذا غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفات .. لا يجزئهم قطعًا.

قال: (فصل:

ويبيتون بمزدلفة) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: يمكثون في بقعة منها على أي حالة كانت.

ويستحب الاغتسال بها بعد نصف الليل للعيد وللوقوف بها ولما فيها من الاجتماع، ومن عجز عن الماء .. تيمم.

قال: (ومن دفع منها بعد نصف الليل) أي: ولم يعد (أو قبله وعاد قبل الفجر .. فلا شيء عليه) سواء كان بعذر أم بغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم النساء والضعفة بعد نصف الليل.

قال: (ومن لم يكن بها في النصف الثاني .. أراق دمًا) هذا والذي قبله ينبني على معرفة المقدار الذي يحصل به مبيت مزدلفة، وفيه أربعة أقوال:

أظهرها: معظم الليل، كما لو حلف لا يبيت في موضع .. فإنه لا يحنث إلا أن يقيم فيه المعظم.

والثاني: يحصل بلحظة من النصف الثاني، وصححه المصنف.

والثالث: بساعة بين نصف الليل وطلوع الشمس.

ص: 518

وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ. وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى مِنَىً،

ــ

.

والرابع: العبرة بالحضور حال طلوع الفجر.

ثم اختلفوا في وجوب هذا المبيت على طرق ينبني عليها حكم إراقة الدم، هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب:

أحدها: يجب قطعًا.

والثاني: يستحب قطعًا.

والأظهر: أنه على القولين فيمن دفع من عرفة قبل الغروب، فلذلك قال المصنف:(وفي وجوبه القولان).

لكن هذا يقتضي: أن يكون الصحيح عند الرافعي عدم وجوب الدم، وعدم وجوب المبيت بمزدلفة كما تقدم، والمصنف صحح خلافه، وهو المنصوص في (الأم)، فهو الصحيح من جهة المذهب، ولم ينبه المصنف عليه هنا.

ومحل القولين: إذا لم يكن عذرًا، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منًى .. فلا دم عليه، وكذلك من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة .. فلا شيء عليه باتفاق الأصحاب.

وفي وجه: أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به، قاله ابن بنت الشافعي وابن خزيمة، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه؛ لأن الأصل في كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من شأن الحج أن يكون ركنًا، ما لم يقم دليل على أنه يجبر بالدم أو على كونه سنة.

وفي (مسند أبي يعلى الموصلي)[946]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يدرك جمعًا .. فلا حج له)، وحمله على نفي الكمال بعيد.

والجواب: أنه صرفنا عن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بعض أهله قبل الفجر، فلو كان ركنًا .. لم يختلف في حق المعذور وغيره كسائر الأركان؛ فإن المعذور إنما يفارق غيره في الواجب أو السنة لا في الأركان.

قال: (ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منًى) ليرموا الجمرة قبل زحمة الناس؛ لأن سودة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 519

وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ إِلَى مِنَىً وَيَاخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْيِ،

ــ

ذلك –وكانت امرأة ثقيلة- فأذن لها، وكانت عائشة رضي الله عنها لا تفيض إلا مع الإمام وتقول:(وددت لو كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الضعفة من جمع بليل) كل هذا في (الصحيحين)[خ 1678 - م 1293].

قال الشيخ: وهذا يدل على أن التقديم لهم رخصة لا سنة.

قال: (ويبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغلسين، ثم يدفعون إلى منًى)؛ لما روى الشيخان [خ 1683 - م 1289] عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) يعني قبل ميقاتها المعتاد في باقي الأيام، والسبب في ذلك اتساع الوقت لما بين أيديهم؛ فإن عليهم في ذلك اليوم أعمالًا كثيرة.

ومراد المصنف: أن التغليس بها أشد استحبابًا إذا تحقق طلوع الفجر، فإن استحباب التغليس ثابت في جميع الأيام، ففي (الصحيحين) [خ 872 - م 645]:(أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس).

وقال ابن حزم: فرض على الرجال صلاة الصبح مع الإمام بمزدلفة، فمن لم يفعل ذلك .. فلا حج له.

قال: (ويأخذون من مزدلفة حصى الرمي)؛ ليكونوا متأهبين للرمي، ولأن به جبلًا في أحجاره لين، هكذا استدل به الأصحاب، ولم يرد في شيء من الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلقط الحصى من مزدلفة، إنما أمر بلقطها من أواخر منًى عن وادي محسر.

ففي (سنن النسائي)[5/ 269] والبيهقي [5/ 127] بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله

ص: 520

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه وسلم قال للفضل بن العباس رضي الله عنهما غداة النحر: (التقط لي حصيات مثل حصى الخذف) فالتقطها له، فلما وضعت في يده .. قال:(بمصل هذ فارموا).

ولأن السنة: إذا أتى منى أن لا يعرج على غير الرمي، فاستحب أن تكون معه حتى لا يشتغل عنه.

و (الخذف) في الحديث بالخاء والذال المعجمتين.

وقوله: (يأخذون): الجملة معطوفة على قوله أول الفصل: (ويبيتون) لا على قوله: (يدفعون)؛ لأن الثاني يلزم منه قصر الاستحباب على غير الضعفة والنساء وهو يعمهم.

ويلزم أن يكون استحباب الأخذ منها في النهار، والجمهور على استحبابه ليلًا، إلا أن البغوي قال: يأخذها بعد صلاة الصبح، وهو منصوص (الأم) و (الإملاء) ، وصريح رواية مسلم وابن حبان.

والصحيح: أنه يأخذ سبع حصيات فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الفضل رضي الله عنه أن يلتقط له حصيات، وهي جمع قلة.

وقيل: يأخذ سبعين حصاة لجميع الرمي، وبه جزم في (التنبيه (، وأقره عليه في (تصحيحه (، وهو ظاهر عبارة المصنف.

فائدة:

قال الجوهري: الحصاة واحدة الحصى، والجمع: حصيات، مثل: بقرة وبقرات، وحصاة المسك: قطعة صلبة توجد في فأرته، وفلان ذو حصاة، أي ذو عقل ولب، قال كعب بن سعد الغنوي [من الطويل]:

وأعلم ليس بالظن أنه .... إذا مولى المرء فهو ذليل

وأن لسان المرء ما لم تكن له .... حصاة على عوراته لدليل

ص: 521

فَإِذَا بَلَغُوا المَشعَرَ الحَرَامَ .. وَقَفُوا وَدَعَوا إلَى الإسفَاِر،

ــ

ويجوز أخذ الحصا من غير مزدلفة، ولكن يكره من المسجد والحش ومن الحل والمرمى.

وينبغي تجريم أخذه من المسجد إن كان جزءًا منه، أو للمسجد به نفع.

وفي (شرح المهذب (: الجزم بتحريم إخراج الحصى من المسجد؛ لما روى أبو داوود [461] بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحصاة لتناشد مخرجها من المسجد (.

وقد صحح المصنف: أنه لا يجوز التيمم بتراب المجد.

ويندب غسل الحصى؛ لما روي: أن عائشة رضي لله عنها كانت تغسل جمار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف في ذلك ابن المنذر وعطاء والثوري ومالك؛ لأن الغسل مع الطهارة يحتاج إلى دليل.

ويندب التقاطها لا تكسيرها.

قال: (فإذا بلغوا المشعر الحرام .. وقفوا ودعوا إلى الاستغفار)؛ لقوله تعالى: {فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} .

وروى مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، واستقبل القبلة ودعا الله عز وجل وكبر وهلل ووحد، ولم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا).

وهذا الوقوف مستحب.

ولو وقف في موضع آخر من المزدلفة .. تأدي أصل السنة، وكذلك لو مر ولم يقف.

و (المشعر) بفتح الميم على المشهور، و (الحرام) معناه: المحرم، سمي مشعرًا لما فيه من الشعائر، أي: معالم الدين، وهو عند الفقهاء: جبل صغير آخر المزدلفة يقال له: قزح القاف وبالزاي المعجمة.

ص: 522

ثُمَّ يَسِيُرونَ

ــ

ويستحب أن يقول فيه: اللهم؛ كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوقفنا فيه وأريتنا إياه فوقفنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك –وقولك الحق-:{فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} إلى قوله: {إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} اللهم؛ هذا جمع، أسألك أن ترزقني جوامع الخير كله إنك على كل شيء قدير، وأسألك الخير كله عاجله وآجله، اللهم؛ هذا المشعر الحرام فأعتقني وأوسع علي من رزقك الحلال.

قال: (ثم يسيرون) وعليهم السكينة، وشعارهم التلبية والذكر، فإذا وجدوا فرجة .. أسرعوا، وإذا بلغوا وادي محسر .. أسرع الماشي وحرك الراكب دابته، وذلك قدر رمية حجر حتى يقطعوا الوادي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه حين أتى بطن محسر حرك قليلًا.

وقيل: الماشي لا يسرع بخلاف الراكب، فلو ترك هذا الإسراع .. كره، وكان عمر وابنه رضي الله عنهما يسرعان في هذا المكان ويقولان [من الرجز]:

إليك تعدوا قلقًا وضينها

مخالفًا دين النصارى دينها

معترضًا في بطنها جنينها

قد ذهب الشحم الذي يزينها

رواه الطبري وغيره.

قال القاضي حسين: فيندب أن يقول هذا هناك.

وأصله: أن النصارى كانت تقف هناك فنسرع نحن مخالفة لهم.

وقيل: كانت الجاهلية تقف فيه وتتفاخر.

وقال شيخنا: إنه مكان نزل فيه العذاب على أصحاب الفيل .. فاستحب فيه الإسراع كما أمر المار بديار ثمود ونحوهم بذلك.

ص: 523

فَيَصِلُونَ مِنَى بَعدَ طُلُوعِ الشَّمسِ، فَيَرمِي كُلُّ شَخصٍ حِينَئِذٍ سَبعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمرَةِ العَقَبةِ،

.

ــ

ويكره تأخير السير حتى تطلع الشمس.

و (وادي محسر) بين مزدلفة ومنى، ليس من واحد منهما سمي محسرًا؛ لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي: أعيى.

قال: (فيصلون منى بعد طلوع الشمس، فيرمي كل شخص حينئذ) أي: حين وصوله (سبع حصيات إلى جمرة العقبة)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فكذلك فعل، وهذه تحية منى فلا يبدأ فيها بغيرها، ولا ينزل الراكب حتى يرمي، وإلى ذلك أشار بقوله:(فيرمي).

والسنة: أن يستبطن الوادي ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة.

وقيل: يقف مستقبل الكعبة والجمرة عن يمينه، كذا رواه الترمذي [901] والنسائي [5/ 273] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

والصحيح الذي فعله صلى الله عليه وسلم: الأول، وفعل ابن مسعود رضي الله عنه ذلك وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه (سورة البقرة) ، متفق عليه [خ 1749_ م 1296].

وخص (سورة البقرة)؛ لأنها اشتملت على معظم أعمال الحج.

وجمرة العقبة ليست من منى، بل هي حد منى من الجانب الغربي، وتسمى الجمرة الكبرى.

قال الماوردي: ويستدام وقت الفضيلة إلى الزوال.

وسميت جمرة قيل: لاجتماع الناس بها، يقال: جمر بنو فلان إذا اجتمعوا.

وقيل: لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما عرض له الشيطان بها .. حصبه فجمر بين يديه، أي: أسرع.

ص: 524

وَيقطَعُ التَّلبِيَةَ عِندَ ابتِدَاءِ الرَّميِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلَّ حَصَاةِ، ثُمَّ بَذبَحُ مَن مَعَهُ هَديٌ، ....

ــ

وقيل: لأنها تجمر بالحصا، والعرب تسمي الحصا الصغار: جمارًا.

وجمرة العقبة مرتفعة قليلًا في حضيض الجبل.

قال الشافعي رضي الله عنه: الجمرة مجتمع الحصا لا ما سال منه، فمن رمى في المجتمع .. أجزأه، وإن رمى في السائل .. فلا.

وهذا الرمي واجب، بلا خلاف وليس بركن خلافًا لعبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك، وأجمعوا على أنه لا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة.

قال: (ويقطع التلبية عند ابتداء الرمي)؛ لأنه شرع في أسباب التحلل، ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، رواه مسلم [1281].

وكذلك يستحب للمعتمر قطع التلبية بشروعه في الطواف.

ولو خالف الأولى فطاف للإفاضة، أو حلق قبل الرمي .. قطع التلبية بشروعه فيما ابتدأ به، ولو قطع التلبية قبل الرمي وكبر واستدامها إلى بعد الرمي .. كره، ولا شيء عليه.

وعن القفال: أنه يمزج التلبية بالتكبير من مزدلفة في ممره، فإذا شرع الرمي .. محض التكبير.

قال: (ويكبر مع كل حصاة)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل فيقول: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد (.

ولا يقف عند هذه الجمرة للدعاء.

ويندب أن يرفع يده إلى أن يرى بياض إبطه، وأن يرمي بيده اليمنى.

قال: (ثم يذبح من معه هدي)؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} يعني: نحر الهدي.

ص: 525

ثٌمَّ يَحلِقُ أَو يُقَصِّرُ، وَالَحلقُ أَفضَلُ،

ــ

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الرمي .. نصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة، ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر، ثم أفاض إلى البيت، هكذا رواه مسلم [1218] عن جابر رضي الله عنه.

ويستحب أن يأكل من كبدها إن كانت تطوعًا قبل أن يمضي إلى طواف الإفاضة.

ثم الهدي ما يهدى إلى الحرم من الحيوان أو غيره، والمراد به هنا: ما يجزئ في الأضحية، وهو سنة غفل الناس عنها.

والأفضل أن يكون هدي الحاج والمعتمر معهما من الميقات، مشعرًا مقلدًا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في (باب النذر) حكم الهدي وصفته وإشعاره وتقليده، وحكم الأكل منه وغير ذلك.

قال: (ثم يحلق أو يقصر)؛ لما روى جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصروأ).

قال: (والحق أفضل) بالإجماع، وصح: أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه المقدس، وقسم شعره فأعطى نصفه الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى نصفه الباقي كله أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه، وإنما خصه بذلك؛ لأنه ستر النبي صلى الله عليه وسلم بترسه يوم أحد من النبل، وكان يتطاول بصدره ليقيه ويقول: نحري دون نحرك، ونفسي دون نفسك.

والذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي رضي الله عنه، والذي حلق له في حجة الوداع معمر بن عبد الله العدوي رضي الله عنه، وصح أنه دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة.

قال السهيلي: ولم يقصر يومئذ إلا رجلان عثمان وأبو قتاده الأنصاري رضي الله

ص: 526

وَتُقَصِّرُ المَرأَةُ

ــ

عنهما، وإنما يفضل الحلق في الحج، أما العمرة: فنص الشافعي رضي الله عنه في (الإملاء) على أنه قدم مكة بزمن لو حلق حمم رأسه حتى يأتي عليه يوم النحر وله شعر يحلق .. استحب له الحلق، وإلا .. فلا، ولهذا قال في (شرح مسلم): يستحب للمتع التقصير في العمرة، والحلق في الحج.

فروع:

يستحب للمحرم أن لا يشارط على حلاق رأسه، وأن يبلغ بالحلق إلى العظمين من الأصداغ، وأن يكبر عنده إلى أن يفرغ منه.

ويسن للمحرم وغيره أن يبدأ بالشق الأيمن من أوله إلى آخره، ثم الأيسر، وأن يستقبل المحلوق القبلة.

وفي (مثير العزم الساكن) عن بعض الأئمة أنه قال: أخطأت في حلق رأسي في خمسة أحكام علمنيها حجام، وذلك أني أتيت إلى حجام بمنى فقلت له: بكم تحلق رأسي؟ فقال: أعراقي أنت؟ قلت: نعم، قال: النسك لا يشارط عليه، اجلس، قال: كبر كبر، فكبرت، فلما فرغت قمت لأذهب .. فقال لي: صل ركعتين ثم امض، قلت له: من أين لك ما أمرتني به؟ قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله.

ويسن أن يقول بعد الحلق: اللهم آتني بكل شعرة حسنة، وامح بها عني سيئة، وارفع لي بها درجة، واغفر لي وللمحلقين والمقصرين ولجميع المسلمين.

وأن يتطيب ويلبس.

قال: (وتقصر المرأة) ولا تؤمر بالحلق بالإجماع؛ لأنه في حقها مثلة، فإن حلقت .. أجزأها مع الكراهة.

ص: 527

وَالحَلقُ نُسُكٌ عَلَى المَشهُورِ،

ــ

وقال القضاة أبو الطيب والحسين والعبادي: لا يجوز لها الحلق؛ لأنه تشبه بالرجال، وينبغي الجزم به حيث كانت أمة أو متزوجة لم يؤذن لها فيه، ولا يصح نذرها الحلق قطعًا.

ويندب أن يكون قدر أنملة من جميع الرأس، والخنثى فيه كالمرأة.

قال: (والحلق نسك على المشهور) وكذلك التقصير، سواء في ذلك الحج والعمرة، فيثاب عليه، وبهذا قال الأئمة الثلاثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(يرحم الله المحلقين).

وسئل عن تقديمه على الرمي والطواف وتأخيره فقال: (افعل ولا حرج).

والثاني: أنه استباحة محظور كسائر محرمات الإحرام لا ثواب فيه؛ لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكًا كلبس المخيط، واختاره القاضي أبو الطيب.

وقال الماوردي: إنه الأقيس.

وقال أبو يوسف: إنه سنة.

فعلى الأول: الأصح: أنه ركن لا يصح الحج ولا العمرة إلا به، ولا يجبر بالدم كبقية الأركان، حتى لو كان برأسه علة لا يتأتى معها .. صبر إلى الإمكان ولا يفدي.

وقضية كلام الداركي: أنه واجب يجبر بالدم.

وفي (الإقليد) عن (تعليق الشيخ أبي حامد): أنه ركن في العمرة وواجب في الحج، وتبعه تلميذه سليم على ذلك.

فتخلص في الحلق خمسة آراء: ركن، وقيل: واجب، وقيل: واجب في العمرة دون الحج، وقيل: سنة، وقيل: مباح.

ص: 528

وَأقَلُهُ: ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، حَلقًا أو تَقصِيرًا أو نَتفًا أو إحرَاقًا أَو قَصًّا،

ــ

قال: (وأقله: ثلاث شعرات)؛ لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ ومُقَصِّرِينَ} .

المراد: شعر رؤوسكم؛ لأن الرأس لا يحلق.

و (الشعر) جمع؛ وأقله: ثلاثة، كذا استدلوا به، وفيه نظر؛ لأن الجمع إذا كان مضافًا .. عم، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد العموم، فلذلك قال مالك وأحمد: يجب الأكثر، وقال أبو حنيفة: الربع، وقال أبو يوسف: النصف، وأجمعوا على أنه لا يجب استيعابه.

وقال في (شرح المهذب) و (المناسك): إنه لا فرق في الشعرات بين أن يأخذها متواليًا أو في دفعات.

وخالف في (الروضة) فصحح القطع بعدم تأدي المسك به.

قال: (حلقًا أو تقصيرًا أو نتفًا أو إحراقًا أو قصًا)؛ لآن المقصود إزالة الشعر، وكل من هذه طريق إليها، ولا بد أن يكون من شعر الرأس، فلا يقوم مقامه شعر اللحية، ولا غيرها من شعور البدن بلا خلاف وإن استوى الجميع في وجوب الفدية.

ويجوز مما يحاذى الرأس قطعًا، وكذا مما استرسل على الأصح، بخلاف المسح؛ فإنه منوط بنفس الرأس وهذا بالشعر.

مهمة:

قال الشيخان: إنما يقوم غير الحلق مقام الحلق إذا لم ينذر الحلق، فإن نذره .. لم يقم غيره مقامه.

والمراد: أنه إذا أزيل بذلك .. بقي الحلق في ذمته حتى يتعلق بالشعر المستخلف كما لو نذر الحج ماشيًا فركب.

وفي (الروضة): أن الحلق يلزم بالنذر وإن قلنا: إنه ليس بنسك، وهو

ص: 529

وَمَن لَا شَعرَ بِرَأسِهِ .. يُستَحَبُّ إِمرَارُ المُوسَى عَلَيهِ. فَإذَا حَلّقَ أَو قَصَّرَ .. دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَواَفَ الرُّكنِ

ــ

مشكل؛ لأن المصنف جازم بأنه على هذا القول لا ثواب فيه، وإذا لم يثب عليه .. كيف يلزم بالنذر مع اتفاقهم على أن النذر لا يصح إلا في قربة؟! فالصواب: إما أن تقول باستحبابه ولزومه بالنذر، أو بإباحته وعدم لزومه، وأما الجمع بين الإباحة واللزوم .. فغير معقول.

قال: (ومن لا شعر برأسه .. يستحب إمرار الموسى عليه) سواء كان له شعر وحلقه أم لم يكن له أصلًا؛ لأنه فرض تعلق بجزء من الآدمي فسقط بفوات ذلك الجزء كغسل اليد في الوضوء، وأوجب أبو حنيفة إمراره، وقال داوود لا يستحب، وهو محجوج بالإجماع.

و (الموسى) من آلة الحديد، بألف في آخره، يذكر ويؤنث.

فروع:

إذا كان في بعض رأسه شعر .. الظاهر أنه يستحب إمرار الموسى على الباقي وفاء بالتشبيه بالحالقين.

وقال المتولي: يستحب أن يأخذ من الشعور التي يؤمر بإزالتها للفطرة كالشارب والإبط والعانة؛ لئلا يخلي نسكه من حلق.

ولو كان على رأسه شعرة أو شعرتان .. لزمه إزالة ذلك قطعًا.

قال ابن المنذر: وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه .. قلم أظفاره، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله.

قال: (فإذا حلق أو قصر .. دخل مكة وطاف طواف الركن)؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} .

(التفث) هنا: الرمي، و (النذور): الذبائح.

ص: 530

وَسَعَى إن لَم يَكُن سَعَى، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنَىً

ــ

وأجمعت الأمة على أن الطواف ركن، وهذا الطواف يقال له: طواف الإفاضة وكواف الركن وطواف الوداع.

والأفضل: أن يرمي بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف ضحوة.

وقيل: الأفضل أن يمكث بمنى حتى يصلي بها الظهر مع الإمام ويشهد الخطبة، ثم يفيض إلى مكة فيطوف؛ لظاهر حديث جابر وعائشة رضي الله عنهما.

وفي وجه ثالث: إن كان في الصيف .. عجل، وإن كان في الشتاء .. أخر إلى بعد الزوال، وهذه الخطبة تكون يوم النحر والرمي والإفاضة ورمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين.

واتفق الشافعي رضي الله عنه والأصحاب على أنها تكون بعد صلاة الظهر.

قال: (وسعى إن لم يكن سعى)؛ لأنه ركن من أركان الحج يشترط أن يفعل بعد طواف، ولم يتفق في الحج طواف يفعل بعد تمام التحلل غيره.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسع قبه؛ لأنه سعى مع طواف القدوم، فلو سعى .. كان مكروهًا عند الشيخ أبي محمد وولده، ولو لم يأت به وأتى بالمناسك التي بمنى .. اعتد بها وبقي عليه السعي.

قال: (ثم يعود إلى منى) والمستحب أن يعود قبل صلاة الظهر فيصليها بمنى ويشهد الخطبة؛ لما روى مسلم [1308] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله.

وروي أيضًا عن جابر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة).

ص: 531

وَهَذَا الرَّميُ وَالذَّبحُ والحَلقُ يُسَنُّ تَرتيُبهَا كَمَا ذَكَرنَا، وَيَدخُلُ وَقتُهَا بِنِصفِ لَيلَةِ النَّحرِ،

ــ

وفي (سنن أبي داوود)[1993] عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: (أنه عليه الصلاة والسلام أخر طواف يوم النحر إلى الليل).

قال ابن حزم: وهذا الذي أشكل علينا من صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم.

وجمع المصنف والحافظ المنذري بينها بأنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى إمامًا بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين، فروى جابر رضي الله عنه صلاته بمكة، وابن عمر رضي الله عنهما صلاته بمنى، وهما صادقان.

وأما حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم .. فمحمول على أنه أخر طواف نسائه وذهب معهم.

قال: (وهذا الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا)؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج).

وقيل: يمتنع تقديم الحلق على الرمي والطواف معًا، ومن حلق قبل الرمي والطواف وقلنا: الحلق استباحة محظور .. لزمه الفدية على الصحيح.

قال: (ويدخل وقتها) أي: الأعمال المذكورة (بنصف ليلة النحر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضي الله عنها يوم النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها.

وقيس الطواف والحلق على الرمي؛ لاشتراكهما في كونهما من أسباب التحلل، وبقولنا قال أحمد.

ص: 532

وَيبقَى وَقتُ الرَّميِ إلَى آخِرِ يَومِ النَّحرِ. وَلَا يَختَصُّ الذَّبحُ بِزَمَنٍ. قُلتُ: الصَّحِيحُ: اخِتصَاصُهُ بِوَقتِ الأُضحِيَةِ، وَسَيَأتِي فِي آخِرِ بَابٍ مُحَرَّمَاتِ الإحرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، واللُه أعلَمُ

ــ

وقال مالك وأبو حنيفة: لا يدخل إلا بطلوع الفجر.

ولا يخفى أن جواز هذه الأشياء في هذا الوقت مشروط بتقديم الوقوف عليها، فإن فعلها بعد انتصاف الليل ثم وقف .. وجب عليه إعادتها، كل هذا في غير الذبح، أما الذبح .. فسيأتي: أنه لا يدخل إلا بوقت الأضحية.

قال: (ويبقى وقت الرمي إلى آخر يوم النحر)؛ لما روى البخاري [1723] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رميت بعدما أمسيت، قال:(لا حرج).

و (المساء): يطلق على ما بعد الزوال.

وقيل: يمتد الوقت تلك الليلة إلى الفجر، وصححه المصنف في (المناسك) عند الكلام على رمي التشريق.

قال: (ولا يختص الذبح بزمن. قلت: الصحيح: اختصاصه بوقت الأضحية، وسيأتي في آخر باب محرمات الإحرام على الصواب والله أعلم) ، كذا قال المصنف في (الروضة) و (شرح المهذب)، ومقصوده بهذا: أن الرافعي ذكر هنا أن ذبح الهدي لا يختص بزمان، لكن يختص بالحرم عكس الضحايا، وصحح في آخر (باب محرمات الإحرام) أنها تختص، وهو عكس ما ذكره هنا.

والجواب: أن مراد الرافعي هنا دم الجيران والمحظورات؛ فإنه لا يختص بزمان كوفاء الديون.

وأما ما يساق من هدي تقربًا إلى الله تعالى .. فإنه يختص بوقت الأضحية على الصحيح، وسيأتي هذا أيضًا في تتمة (باب محرمات الإحرام).

نعم؛ الاعتراض وارد على الرافعي من جهة أنه أطلق ذكر الهدي هنا، ولم بخصه

ص: 533

وَالحَلقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعيُ لَا آخِرَ لِوَقتِهَا

ــ

بواجب ولا غيره، ولسم الهدي يقع على الجميع.

قال: (والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها)؛ لأن الأصل عدم التأقيت فيجوز تأخير الحلق ما شاء الله، ويجوز تأخير الطواف سنين كثيرة – لكن يكره تأخيره عن يوم النحر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة، وخروجه من مكة بلا طواف أشد كراهة.

وفي (التتمة): أنه إذا أخره عن أيام التشريق .. فصار قضاء.

قال الرافعي: ومقتضى قول الأصحاب: (إنه لا آخر لوقته): أنه لا يصير قضاء – لكنه يبقى محرمًا حتى يأتي به، كذا في (شرح المهذب).

واعترض عليه بأن طواف الوداع واجب، ومتى طافه .. وقع عن الفرض، ثم الذي ذكروه من بقائه على إحرامه مشكل بمن فاته الحج فإنه ممنوع من مصابرة الإحرام إلى السنة القابلة؛ لأن استدامة الإحرام كابتدائه، وابتداؤه لا يصح فكذلك الاستدامة.

قال ابن الرافعة: والذي يظهر لي: أن قول من قال: (يجوز تأخير الطواف إلى آخر العمر) ليس على إطلاقه، بل هو محمول على ما إذا كان قد تحلل التحلل الأول، وأما غيره .. فلا يجوز له تأخير إلى العام القابل؛ لأنه يصير محرمًا بالحج في غير أشهره.

والتحقيق: أنها ثلاث مسائل:

فوات الحج يحرم فيه مصابرة الإحرام جزمًا.

والمحصر لا يجب عليه أن يتحلل بالكلية.

والطواف والحلق والرمي لا آخر لوقتها.

ص: 534

وَإذَا قُلنَا: الحَلقُ نُسُكٌ فَفَعَلَ اثنَينِ مِنَ الرَّميِ والحَلقِ والطَّوافِ .. حَصَلَ التَحَلُّلُ الَأوَّلُ، وحَلَّ بِهِ الِّلبسُ وَالحَلقُ وَالقَلمُ،

ــ

قال: (وإذا قلنا: الحلق نسك ففعل اثنين من الرمي والحلق والطواف .. حصل التحلل الأول، وحل به اللبس والحلق والقلم).

(التحلل) تفعل من الحل.

وأعمال يوم النحر أربعة: الرمي والنحر والحلق والطواف.

فالنحر لا أثر له في التحلل، والثلاثة الباقية إذا فعل اثنين منها .. حل له بعض ما حرم عليه بالإحرام، ويسمى هذا التحلل الأول؛ لما روى أبو داوود [1972] والنسائي [5/ 277] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رمى أحدكم جمرة العقبة .. فقد حل له كل شيء إلا النساء) لكنه من رواية الحسن البصري عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويقال: إنه لم يسمع منه شيئًا.

وروى البيهقي [5/ 135]: (إذا رميتم وحلقتم .. فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شيء إلا النساء).

والمراد: الطواف مع السعي إن لم يكن سعى؛ فإن الطواف والسعي سبب واحد، هذا إذا قلنا: الحلق نسك، فإن فلنا: استباحة محظور .. سقط اعتباره، وحصل التحلل الأول بواحد من الرمي والطواف، وحصل الثاني بالباقي.

وفائدة التحلل الأول في الحج: حل المحرمات التي كانت متوقفة عليه، وأما العمرة .. فليس لها إلا تخلل واحد؛ لقصر زمانها وقلة أعمالها، بخلاف الحج.

ص: 535

وَكَذَا الصَّيدُ وَعقدُ النِكَاحِ فِي الأَظهَرِ. قُلتُ: الأَظهَرُ: لَا يَحِلُّ عَقدُ النِّكَاحِ، وَاللهُ أَعلَمُ. وَإذَا فَعَل الثَّالِثُ .. حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بِهِ بَاقِي المحُرَمَاتِ .....

ــ

قال: (وكذا الصيد وعقد النكاح في الأظهر)؛ أنهما من المحرمات التي لا يترتب على فعلهما إفساد فأشبها الحلق.

وكذلك تحل المباشرة فيما دون الفرج بشهوة كالقبلة والملامسة في الأظهر كالنكاح.

والثاني: لا تحل المباشرة ولا عقد النكاح؛ لتعلقهما بالنساء، وفي الحديث استثناء ذلك.

قال: (قلت: الأظهر: لا يحل عقد النكاح والله أعلم)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) وهذا الذي صححه الأكثرون.

قال: (وإذا فعل الثالث .. حصل التحلل الثاني، وحل به باقي المحرمات) بالإجماع، ومع ذلك يجب عليه الإتيان بما بقي من الحج وهو الرمي والمبيت، وهو في هذه الحالة غير محرم، كما يسلم التسليمة الثانية وإن كان قد خرج من لصلاة بالأولى.

تنبيه:

مقتضى كلام (المنهج) و (المحرر): أن الطيب لا يحل إلا بالثاني.

والمذهب: أنه يحل بالول، بل يستحب؛ لما روى الشبخان [خ 1754_ م 1189] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت).

وذكر في (لمحرر) ستر الرأس مما يحل بالأول، وأهمله المصنف.

وذكر المصنف في) المنهاج) الحلق، ولم يذكره في (المحرر).

ص: 536