المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْحَجَّ ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ ــ كتاب الحج هو في اللغة: القصد، وقيل: كثرة القصد إلى - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْحَجَّ ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ   ــ ــ كتاب الحج هو في اللغة: القصد، وقيل: كثرة القصد إلى

‌كِتَابُ الْحَجَّ

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

ــ

كتاب الحج

هو في اللغة: القصد، وقيل: كثرة القصد إلى من يعظم، وقرئ بفتح الحاء وكسرها، ورجل محجوج أي: مقصود، قال المخبل [من الطويل]:

وأشهد من عوف حلولًا كثيرة

يحجون سب الزبرقان المزعفرا

وكان الزبرقان سيد قومه.

و (السب): العمامة، و (المزعفر): المصبوغ بالزعفران.

وفي الشرع: القصد إلى بيت الله الحرام للنسك، سمي بذلك لأن الحجيج يقصدون البيت تعظيمًا، ويتكررون إليه لطواف الإفاضة ثم لطواف الوداع، وهو أحد أركان الإسلام من جحد وجوبه .. كفر.

وتقدم عن القاضي حسين أنه أفضل العبادات؛ لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في أصلاب الآباء كالإيمان الذي هو أفضل العبادات.

والأصل في وجوبه من الكتاب قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} . وقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا} .

ومن السنة: الحديث المشهور: (بني الإسلام على خمس)).

وقوله عليه الصلاة والسلام: (حجول قبل أن لا تحجوا))، قالوا: كيف نحجْ قبل أن لا نحج؟ قال: (قبل أن تقعد العرب على بطون الأودية يمنعون الناس السبيل)).

وهو من الشرائع القديمة، حج آدم عليه السلام أربعين حجة من الهند ماشيًا، ولم يبعث الله نبيًا إلا حجه.

ص: 393

هُوَ فَرْضٌ،

ــ

وروى ابن حبان [1887] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة، فإذا وقفوا بعرفات .. باهى الله بهم ملائكته يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا أشهدكم أني قد غفرا لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج، وإذا رمى الجمار .. لم يدر أحد ما له حتى يتوفَّاه يوم القيامة، وإذا حلق شعره .. فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة، فإذا قضى آخر طوافه بالبيت .. خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).

وفي (الشفاء)) [599]: عن سعدون الخولاني: أن قومًا أتوه بالمنستير، فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلًا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض البدن، فقال: لعله حج ثلاث حجج؟ قالوا: نعم، قال: حدثت: أن من حج حجة .. أدى فرضه، ومن حج ثانية .. داين ربه، ومن حج ثلاث حجج .. حرم الله شعره وبشره على النار.

قال: (هو فرض) أي: مفروض للآية والحديثين المتقدمين، واختلفوا في السنة التي فرض فيها، فقيل: قبل الهجرة ونزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} تأكيدًا للوجوب.

والمشهور: أنه بعد الهجرة.

وعلى هذا: فالصحيح: أنه سنة ست، وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع.

وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر يحج كل سنة.

ولا يجب بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة؛ لحديث مسلم [1337]: (

أحجنا هذا لعامنا أم للأبد؟ فقال: بل لأبد الأبد)).

ص: 394

وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الأَظْهَرِ

ــ

وأما حديث البيهقي [5/ 262]: الأمر بالحج في كل خمسة أعوام .. فمحمول على الاستحباب غير أنه قد يجب أكثر من مرة لعارض كالنذر والقضاء عند إفساد التطوع، وكذا على داخل مكة- على قول- وجوبًا مخيرًا بينه وبين العمرة.

قال: (وكذا العمرة في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .

وروى أحمد [4/ 11] والترمذي [930] والحاكم [1/ 481] وابن حبان [3991] عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه واسمه لقيط-: أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال:(حج عن أبيك واعتمر)).

قال أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود منه.

وروى ابن ماجه [2901] بإسناد على شرط الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: قلت: هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم؛ جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)).

وعلى هذا: حكمها كالحج في شروط الصحة والمباشرة، والوجوب والإجزاء، والقضاء عن الميت، واستنابة المعضوب فيها، والاستطاعة الواحدة كافية لوجوبها.

قال الإمام: ومن لطيف العلم أنه لو أبدل العمرة بحجة .. لم تجزئه وإن اشتملت على أعمالها وزادت وإن كنا نقيم الغسل مقام الوضوء.

والقول الثاني: إنها سنة، نص عليه في القديم و (أحكام القرآن)) من الجديد، وبه قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وكان يقرأ:(وأتموا الحجَّ والعمرةُ لله) بالرفع لا يعطفها على الحج.

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال عطاء: هي واجبة إلا على أهل مكة.

واستدل الجمهور بما روى الترمذي [931] عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: (لا وأن تعتمروا .. فهو أفضل)) لكن ضعفه البيهقي [4/ 349] وغيره من جهة الحجاج بن أرطاة رافعه، وقال ابن حزم: إنه باطل.

و (العمرة) في اللغة: الزيارة.

وقال في (البيان)): سميت بذلك لأنها تفعل في العمر كله.

وقيل: لأنها تفعل في مكان عامر.

وفي الشرع: عبادة مشتملة على إحرام وطواف وسعي وحلق.

فرع:

حيث أوجبنا الحج أو العمرة .. فيجبان على التراخي.

وقال مالك وأحمد والمزني: على الفور، وليس لأبي حنيفة في المسألة نص، لكن اختلف صاحباه:

فقال محمد كقولنا.

وقال أبو يوسف: إنه على الفور.

وعلى المذهب: لابد في جواز التأخير من العزم كما تقدم في الصلاة.

ص: 396

وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الإِسْلَامُ. فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَالْمَجْنُونِ،

ــ

قال: (وشرط صحته) أي: صحة ما ذكره من الحج والعمرة (الإسلام) فلا يصح حج الكافر ولا عمرته كالصلاة والصوم، ولا يصح الحج له أيضًا سواء كان أصليًا أو مرتدًا؛ لعدم أهليته للعبادة.

فلو ارتد في أثناء نسكه .. فأربعة أوجه: أصحها: يبطل.

والثاني: يفسد ويمضي في فاسده لكن لا كفارة عليه.

والثالث: يبطل حجه وعليه بدنة.

والرابع: لا يبطل ولا يفسد كما لو جن، وصححه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب، ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يطول زمن الردة أو يقصر.

ولو حج أو اعتمر ثم ارتد .. لم يبطل ما مضى عندنا إلا أن يموت على ردته، فإن أسلم .. فلا إعادة عليه خلافًا لأبي حنيفة.

قال: (فللولي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز، والمجنون)؛ لأن شرط الصحة وهو الإسلام موجود فيهما.

وروى مسلم [1336] والشافعي [أم 2/ 111] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبًا بالروحاء في حجة الوداع فقال: (من القوم؟)) قالوا: المسلمون، فقالوا من أنت؟ قال:(رسول الله)) صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم؛ ولك أجر)).

وفي (أبي داوود)) [1733]: (فأخذت بعضد صبي ورفعته) وظاهر هذا أنه طفل، والمجنون في معناه.

وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين) رواه البخاري [1858].

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الأصحاب: ويكتب للصبي ثواب ما عمل من الطاعات، ولا تكتب عليه معصية بالإجماع.

ومفهوم كلام المصنف أن المميز لا يحرم عنه وليه، وهو وجه صححه في (شرح مسلم)) سهوًا.

والأصح في (أصل الروضة)): الجواز، وفي وجه: لا يحرم الولي عن المجنون؛ لأن النص ورد في الصبي، ولأنه ليس أهلًا للعبادات.

وعلى الصحيح: في كيفية إحرامه عنهما وجهان:

أحدهما: يقول: اللهم إني أحرمت عن ابني.

والثاني: اللهم إني أحرمت بابني.

وجزم في (شرح مسلم)) بأن كيفيته أن يقول بقلبه: جعلته محرمًا.

والمراد بـ (الولي): ولي المال.

وقيل: لا يحرم عنه الوصي وقيم الحاكم.

وقيل: يجوز للجد مع وجود الأب.

وقيل: يجوز له وللأم أيضًا، وقيل: ولسائر العصبات.

فروع:

لا فرق في الولي بين أن يكون محرمًا أو حلالًا، حج عن نفسه أم لا على الصحيح.

ولا يشترط حضور الصبي ومواجهته بالإحرام في الأصح، ولا يصير الولي بإحرامه عن أحدهما محرمًا.

ولو أذن الولي لمن يحرم به .. فالأصح في زوائد (الروضة)): الجواز.

والمغمى عليه لا يحرم عنه الولي جزمًا.

ص: 398

وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ. وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ إِذَا بَاشَرَةُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ،

ــ

وإذا صار الصبي محرمًا بإحرامه أو إحرام وليه .. فعل ما قدر عليه بنفسه، وفعل به الولي ما عجز عنه، فإن قدر على الطواف والسعي .. طاف وسعى، وإلا .. طِيفَ به وسُعِيَ، ويُحْضِره الولي المواقف، ويشترط إذا طاف به أن يكونا متطهرين مستوري العورة، ويصلي عنه وليه ركعتي الطواف إن لم يكن مميزًا، فإن كان .. صلاهما بنفسه على الصحيح.

ومتى فرط الولي في شيء من أفعال الحج واقتضى الحال وجوب الدم .. وجب في مال الولي بلا خلاف، ويناوله الأحجار فيرميها إن قدر، وإلا .. رمى عنه، ويستحب أن يضعها في يده ثم يأخذها فيرمي بها.

والقدر الزائد من النفقة بسبب السفر في مال الولي على الأصح.

ويسلم الولي النفقة لمن ينفق عليه، فإن سلمها إلى الصبي، فإن كانت من مال الصبي .. لم يجز ويضمن، وإن كانت من مال الولي .. فلا شيء على أحد.

ويجب على الولي منع الصبي المحرم من محظورات الإحرام، فإن تطيب أو لبس عامدًا .. وجبت الفدية، وكذا إذا حلق أو قلم أو قتل صيدًا عمدًا أو سهوًا، والفدية في مال الولي في الأظهر إن أحرم بإذنه، فإن كان بغير إذنه وصححناه .. فهي في مال الصبي بلا خلاف.

قال: (وإنما تصح مباشرته من المسلم المميز) قياسًا على الصلاة والصوم وغيرهما؛ فإنها صحيحة من المسلم المميز.

وقال أبو حنيفة: لا يصح حج الصبي، واحتج عليه الجمهور بما تقدم.

قال: (وإنما يقع عن حجة الإسلام بالمباشرة إذا باشره المكلف الحر) أشار إلى أن وقوعه عن حجة الإسلام له شرطان زائدان:

أحدهما: التكليف.

والثاني: الحرية.

ص: 399

فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ. وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الإِسْلَامُ وَالتّكْلِيفُ والْحُرِّيَّةُ وَالاِسْتِطَاعَةُ،

ــ

ويدل لاعتبارهما: ما روى الحاكم [1/ 481] والبيهقي [4/ 325] عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما صبي حج ثم بلغ .. فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عَتَقَ .. فعليه حجة أخرى)).

والمعنى فيه: أن الحج عبادة عمر لا تتكرر فاعتبر وقوعها في حال الكمال، ولو أبدل المصنف (حجة الإسلام) بـ (فرضه) .. كان أولى؛ ليشمل العمرة.

وقوله: (المباشرة) لا فائدة له، وكان الأحسن أن يقول: إذا باشره المكلف الحر لنفسه أو نيابة عن غيره، والمراد التكليف في الجملة لا التكليف بالحج.

قال: (فيجزئ حج الفقير) كما لو تكلف المريض المشقة وحضر الجمعة.

قال: (دون الصبي والعبد) للحديث المذكور والإجماع، هذا إذا فرغا من النسك وهما ناقصان، فإن كملا قبل الوقوف أو في أثنائه .. أجزأهما خلافًا لأبي ثور وابن المنذر، لكن تجب إعادة السعي في الأصح، فإن كملا بعده والوقت باق فعادا إليه .. أجزأ، فإن لم يعودا .. فلا على الصحيح خلافًا لابن سريج.

وإذا وقع حجه عن حجة الإسلام .. فلا دم عليه في الأصح؛ لعدم الإساءة.

والثاني: يجب؛ لفوات الإحرام الكامل من الميقات.

والطواف في العمرة كالوقوف في الحج.

قال: (وشرط وجوبه: الإسلام والتكليف والحرية والاستطاعة) هذه الشروط مجمع عليها، فالكافر الأصلي لا يجب عليه بمعنى أنه لا يؤمر به في زمن كفره وإن توجه الخطاب نحوه به مع الإيمان، ويعاقب عليهما في الآخرة على الصحيح.

ويرد على المصنف المرتد؛ فإنه يجب عليه وإن كان كافرًا لالتزامه إياه بإسلامه.

ويظهر أثر الوجوب عليه فيما إذا استطاع في ردته ثم أسلم وهو معسر .. فإن الحج يستقر في ذمته بتلك الاستطاعة.

ص: 400

وهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ ، وَلَهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا (وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتُهُ، مُؤَنِهِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ

ــ

وفيما إذا أسلم وهو موسر ثم مات قبل أن يتمكن .. فإنه يقضي عنه.

قال: (وهي نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة، ولها شروط:

أحدهما: وجود الزاد) أي: الذي يكفيه علي حسب حالة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة) قال الترمذي (813): حسن.

ورد عليه البيهقي وابن الصلاح والمصنف بأنه من رواية إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متفق علي ضعفه، ورواه عن الخوزي من هو أضعف منه، ورواه الحاكم (1/ 442) عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صحيح، ووهموه في ذلك، والصواب: عن قتادة عن الحسن البصري مرسلًا.

قال: (وأوعيته)، لأنها من الضروريات التي لابد منها، وعد منها القاضي حسين: السفرة، ويسمي وعاء الزاد: المزود.

روي ابن القاص وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأبي هريرة في مزوده، فكان لا يضع يده فيه إلا وجد فيه ما يحتاج إليه).

ويتسحب أن يستكثر من الزاد والنفقة ليواسي الفقراء والمحتاجين.

وأن يكون طيب النفس بنفقته، ويدع المحاككة فيما يشتريه من آلات سفرة للحج والغزو ولكل قربه.

وأن لا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة، ليتمكن من التصدق والإنفاق من غير حجر.

وأن يجتنب الشبع المفرط، والزينة والترفه والتنعم والتبسط في الأطعمة.

قال: (ومؤنة ذهابه وإيابه)؛ لأن الغربة تشق، ولذلك جعلت عقوبة للزاني

ص: 401

وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ ، فَلَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْتَسِبُ يوم كفاية أيام .. كلف. الثَّانِي وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ

ــ

قال: (وقيل: إن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة. لم تشترط نفقه الإياب)، لأن البلاد كلها في حقه واحدة، والصحيح الأول.

و (الأهل): كل من تلزمه نفقته من زوجة وقريب.

و (العشيرة): الأرقاب من جهة الأب والأم.

وليس المراد المجموع، بل وجود أحدهما إما الأهل وإما العشيرة، فان الصواب: التعبير بـ (أو) كما عبر في (الروضة)، ولو عبر بمؤنة الإياب. كان أولي، لأن الأصح أن الراحلة كذلك.

قال: (فلو كان يكسب ما يفي بزاده وسفره طويله. لم يكلف الحج)، لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تعب السفر والكسب مشقة عظيمة.

قال: (وإن قصر وهو يكسب في يوم كفاية أيام. كلف)، لعدم المشقة، فأما إذا كان يسف كل يوم ما يكفي ذلك اليوم خاصة

لم يلزمه، لأنه ينقطع عن كسبة في أيام الحج فيتضرر، ولا خلاف أنه لا يجب عليه أن يستقرض للحج، ولا يلزمه الاستقراض وإن بذله المقرض.

ويتبادر إلي الفهم: أن الأيام ثلاثة، واستنبط شيخنًا من تعليل الرافعي أنها ستة، وهي أيام الحج من الثامن إلي آخر الثالث عشر، فإنهم عللوه بانه ينقطع عن الكسب في أيام الحج.

قال: (الثاني: وجود الراحلة لمن بينه وبين مكة مرحلتان) سواء تيسر ذلك بشراء أو استئجار، للحديث المتقدم، والمراد راحله تصلح لمثله

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

.

نعم، يستحب للقادر علي المشي أن لا يترك الحج، وهو الأفضل الركوب أو المشي؟ فيه أقوال:

أصحها عند الرافعي: المشي

وعند المصنف: الركوب

والثالث: أنهما سواء.

وقال ابن سريج: هما سواء قبل الإحرام، فإذا أحرم. فالمشي أفضل.

وقال الغزال: إن سهل عليه المشي. فهو أفضل، وإلا .. فالركون أفضل.

والمتجه: أن أداء المناسك ماشيًا أفضل كما قاله ابن سريج، لما روي الحاكم (1/ 461) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج من مكانه ماشيًا حتي يرجع إليها. كتب الله له بكل خطوة سبع مئة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم الحسنة بمئة ألف حسنة)

ويستحب الحج علي الرحل والقتب دون الهوادج، إلا أن يشق عليه لضعف أو عله به لا لشرفه ومنزلته وجاهه، ففي (سنن ابن ماجه) (2890) و (شمائل الترمذي) (340) رث وقطيفة خلقة تساوي أربعه دراهم وهو يقول:(اللهم اجعله حجًا لا رياء فيه ولا سمعة).

وفي (البخاري)(1517): (وكانت زاملته).

وإنما اعتبرنا مسافة القصر هنا من مكة وفي حاضري المسجد الحرام من الحرم لأن المسجد الحرام اسم لجميع الحرم فاعتبرت المسافة إليه، والحج مضاف إلي البيت فاعتبرت منه.

و (الراحلة) من الإبل: القوي علي الأسفار والاحمال، الذكر والأنثي فيه سواء، والهاء للمبالغة.

ص: 403

فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ

اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَر

ــ

ِ

وقال الجوهري: الراحلة: الناقة التي تصلح لأن ترحل.

قال: (فإن لحقه بالراحلة مشقة شديدة .. اشترط وجود محمل) دفعًا لمشقة الركوب كما اعتبرت الراحلة دفعًا لمشقة المشي.

وضبط الشيخ أبو محمد المشقة بأن يوازي ضررها الضرر الذي بين الركوب والمشي.

وضبطها غيره بما يخشي منه المرض.

قال الإمام: وهما قريبان لا اختلاف بينهما فيما أظن، فإن لحقه بركوب المحمل مشقة

اعتبر في حقه محفة ونحوها.

وظاهر إطلاق المصنف: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وليس كذلك، بل يشترط المحمل في حق المرأة مطلقًا، لأنه استر لها كما نقله الرافعي عن المحاملي وغيره من العراقيين من غير مخالفة.

و (المحمل): الخشبة التي يركب فيها، وهو بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وقيل بالعكس.

وأول من أحدث المحمل الحجاج، فقيل فيه (من الرجز):

أول عبد أخرج المحاملا .... أخزاه ربي عاجلًا وآجلًا.

قال: (واشترط شريك يجلس في الشق الآخر)، لتعذر ركوب شق لا يعادله شيء.

فلو وجد مؤنة المحمل بتمامه ولم يجد شريكًا يجلس في الشق الآخر .. فظاهر كلام المصنف: أنه لا يلزمه، اللهم إلا أن تكون العادة قاضية في مثلة بالمعادلة بالأثقال واستطاع ذل .. فلا يبعد الوجوب.

والمراد بالقدرة علي ذلك: أن يتمكن من تحصيله بشراء بثمن المثل، أو استئجار بأجرة المثل، فإن وجدهما بما فوقهما

فهو كما لو لم يجدهما

ص: 404

وَمَنُ بَيْنَهُ وَبَيَنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيٌنِ وَهُوَ قَوِيٌ عَلَي الْمَشُيِ .. يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ، وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ .....

ــ

ويشترط أن يكون ما يصرفه إلي الراحلة والمحمل ونحوهما فاضلًا عما يشترط كون الزاد فاضلًا عنه.

فرع:

يستحب أن يكون لمريد الحج رفيق موافق راغب في الخير كارة للشره، إن نسي .. ذكره، وإن ذكر

أعانه، ويحتمل كل منهما صاحبه، ويري له عليه فضلًا وحرمه.

وفي الحديث: أن النبي صلى اله عليه وسلم قال لخفاف بن ندبه: (يا خفاف، ابتغ الرفيق قبل الطريق، فإن عرض لك أمر

نصرك، وإن احتجت إليه

رفدك).

كذا رواه ابن عبد البر (عاب 1/ 438) وغيره.

قال: (ومن بينه وبينها دون مرحلتين وهو قوي علي المشي

يلزمه الحج)، لعدم الضرر والمشقة، ولأنه من حاضري المسجد الحرام.

قال: (فإن ضعف .. فكالبعيد) فيشترط في حقه ما يشترط في حقه، ولا يؤمر بالزحف والحبو وإن امكناه علي المذهب.

قال: (ويشترط كون الزاد والراحلة فاضلين عن دينه) حالًا كان أو مؤجلًا، أما الحال. فلأن وجوبه ناجز والحج علي التراخي، وأما المؤجل

فلأنه قد يحل بالموت أو بإنقضاء الأجل فلا يجد ما يقضي به الدين لو صرف ما معه إلي الحج.

وقيل: إن كان الأجل يحل بعد رجوعه

لزمه.

ومقتضي إطلاق المصنف: أنه لا فرق في الدين بين أن يكون لله تعالي أو لآدمي.

ولو قال صاحبه: امهلتك إلي بعد الحج

لم يلزمه الحج بلا خلاف، لأن المنية قد تخترمه فتبقي ذمته مرهونه به.

ومتي فضل عن مقدار الدين الحال والمؤجل ما يكفيه

وجب عليه الحج اتفاقًا.

قال: (ومؤنة من عليه نفقتهم مده ذهابه وإيابه)، لئلا يضيعوا.

ص: 405

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَ ....

ــ

و (المؤنة): الكلفة مهموزة وغير مهموزه، والتعبير بها أولي من تعبير (المحرر) بالنفقة، لشمولها النفقة والكسوة والسكني وإعفاف الأب، وكذلك أجرة الطبيب وثمن الأدوية حيث احتاج القريب والمملوك ما سيأتي في بابه.

وكان الأولي أن يقول: من عليه مؤنته، لأنه قد يقدر علي النفقه فلا تجب علي قريبه دون المؤنة فتجب.

قال: (والأصح: اشتراط كونه فاضلًا عن مسكنه وعبد يحتاج إليه لخدمته)

سواء كانت الحاجة لزمانته أو منصبه، قياسًا علي الكفارة، وكذلك دست الثوب اللائق بمنصبه، لأن إلزامه بصرف ذلك في الحج يحرجه وقال تعالي:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} إنما يباع الزائد علي ذلك ويصرف في الحج.

والثاني: يباعان، قياسًا علي الدين، ونص عليه في (الأم)، وبه قال مالك، وصححه القاضي، والمتولي.

كل هذا إذا كان الدار سكني مثله والعبد عبد مثله.

فإن أمكن بيع بعض الدار بما يحج به، أو كانا نفيسين عليه ولو أبدلهما وفي التفاوت بالحج. لزمه.

قال الرافعي: كذا أطلقوه هنا، وحكوا في نظيره من الكفارة وجهين.

ثم فرق في (الشرح الصغير) والمصنف في (الروضة) بأن للكفارة بدلًا، فلو كان معه نقد يريد صرفه إليهما

مكن.

أما الذي يعتاد السكني بالأجرة، أو يسكن مسكنًا مباحًا كمدرسة ونحوها .. فهل نقول: النقد يستحق لجهة المسكن فتمتنع الاستطاعه أو لا؟ لا نقل فيه.

قال الشيخ: والأقرب أنه مستطيع.

قال: (وأنه يلزمه صرف مال تجارته إليهما) أي: إلي الزاد والراحلة وإن بطلت تجارته كما يكلف صرفه في الدين، ويخالف المسكن والخادم، فإنه يحتاج إليهما في الحال

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

.

والثاني: لا، لئلا يلتحق بالمساكين، وهذا قول ابن سريج، وغلطة فيه الأصحاب حتى قال الشيخ أبو حامد: إنه خلاف الإجماع، ويجريان في الأملاك التي يستغلها وينفق مع ريعها.

فروع:

الصواب: أنه لا يلزم الفقيه بيع كتبه المحتاج إليها للحج خلافًا للقاضي، إلا أن يكون له من تصنيف نسختان.

وأما التي لا يحتاج إليها

فتباع قولًا واحدًا، وكذلك الجندي لا يباع سلاحه المحتاج إليه.

ولو لم يكن له إلا دين، فإن أمكن تحصيله في الحال بأن كان حالًا علي مليء مقر أو عليه بينه

فهو كالحاصل في يده فيجب عليه الحج إن كفاه، وإلا

فلا.

ولو كان المال الذي في يده حرامًا

فلا حج عليه، ولا كفارة مالية، كما أنه لا زكاه فيه، وإن كان فيه شبهه

لزمه الحج والكفارة المالية والزكاة.

وحاجته إلي النكاح لا تمنع الوجوب علي الصحيح ولو خاف العنت.

وصرحوا بأن صرف المال في هذه الحالة إلي النكاح أفضل.

ويستحب لقاصد الحج أن يكون خليًا من التجارة في الطريق، فإن خرج بنية التجارة والحج صح حجة لكن ثوابه دون ثواب الخليَّ عن التجارة، ويجب عليه تصحيح النية فيهما، وهو أن يريد بذلك وجه الله تعالي.

روي الخطيب البغدادي (10/ 295) عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي علي الناس زمان يحج أغنياؤهم للنزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة) ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول: (الوفد كثير والحاج قليل).

ص: 407

الَثَّالِثُ: أَمْنُ الطَّرِيِق،

ــ

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم عرفة. غفر الله للحاج المخلص، فإذا كان ليله المزدلفة

غفر الله عز وجل للتجار، وإذا كان يوم مني .. غفر الله للجمالين، وإذا كان عند جمرة العقبة

غفر الله للسؤال).

ويستحب أن يحرص علي مال حلال ينفقه في سفره، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.

وفي الخير: (من حج بمال حرام، إذا لبي

قيل له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك).

ومن حج بمال مغصوب أو علي دابة مغصوبة

أجزأه الحج وإن كان عاصيًا بالغصب.

وقال أحمد: لا يجزئه كما قيل (من الطويل).

يحجون بالمال الذي يجمعونه .... حرامًا إلي البيت العتيق المحرم.

ويزعم كل منهم أن وزره .... يحط ولكن معهم في جهنم.

فإن كان الذي خرج به فيه شبهه .. فيجتهد أن يكون قوته في جميع طريقه حلالًا، فإن عجز

فليكن من حين الإحرام إلي التحلل، ويجتهد في الحلال يوم عرفة.

قال: (الثالث: أمن الطريق)، لقوله تعالي:{ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} .

وحكي شارح (التعجيز) وجهًا عن البلخي: أن الأمن شرط في الأداء لا الوجوب، وأن أحمد قال به.

وفائدة الخلاف تظهر فيمن مات والطريق مخوف

فعندنا: لا يحج عنه، وعندهما: يحج عنه.

وليس المراد الأمن القطعي، ولا الأمن الذي في الحضر، بل آمن كل موضع بحسبه.

ص: 408

فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ

ــ

قال: (فلو خاف علي نفسه أو ماله سبعًا أو عدوًا أو رصديًا ولا طريق سواه .. لم يجب الحج) سواء كان المال قليلًا أم كثيرًا.

ويكره بذله لهم، لأنهم يحرصون بذلك علي التعرض للناس، ولهذا جاز التحلل من الإحرام بمثل ذلك كما سيأتي.

وسواء كان الرصدي مسلمًا أم كافرًا، لكن إن كانوا كفارًا وأطاق الحاج مقاومتهم استحب الخروج، ويقاتلونهم لينالوا الحج والجهاد، وإن كانوا مسلمين

فلا.

و (الرصدي) بفتح الصاد وسكونها: من يرصد، أي: يرقب من يمر به ليأخذ منه شيئًا، ويستعمل في القاصد بالخير أيضًا قال الله تعالي:{فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} أي: حفظه من الملائكة يحفظونه من الشياطين، ويطردونهم عنه، ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم.

فرع:

إذا كان الطريق آمنًا بحيث لا يخاف الواحد فيه

لم تشترط الرفقة، وإن كان الأمن لا يحصل إلا برفقه

اشترط لوجوب الحج وجود رفقة تخرج معهم في الوقت الذي جرت عادة بلده بالخروج فيه، فإن خرجوا قبله .. لم يلزمه الخروج معهم، وإن تأخروا بحيث لا يبلغون مكة إلا بأن يقطعوا في كل يوم أكثر من مرحلة .. لم يلزمة أيضًا.

قال: (والأظهر: وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامة)، لعموم الادلة علي وجوب المسير إلي الحج، فإن غلب الهلاك أو استوي الأمران .. لم يجب قياسًا علي البر في الحالين.

والثاني: لا يجب مطلقًا، لأن عوارض البحر عسرة الدفع، وسمي الله عزوجل الخارج منه ناجيًا فقال تعالي {فلما نجتهم إلي البر} .

والثالث: إن كانت عادته ركوبه كالملاحين وأهل الجزائر

وجب، وإلا. فلا، وقال الماوردي: إنه المذهب

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

.

وقيل: يجب علي غير الجبان.

وقيل: علي الرجل دون المرأة، لأن قلبها أضعف.

هذا كله إذا لم يكن في البر طريق سواه، فإن كان .. لزمه قطعًا، وهو مخير بين ركوب البحر وبين سلوكه.

وإذا قلنا: لا يجب

استحب ركوبه للرجل دون المرأة علي الأصح إن غلبت السلامة، وإن غلب الهلاك

حرم، وإن استويا

فالأصح التحريم كما تقدم، هذا في الرجل، أما المرأة

ففيها خلاف مرتب، وأولي بعدم الوجوب، لضعفها ولكونها عورة.

والأصح: الوجوب في حقها أيضًا.

فرع:

إذا لم نوجب ركوب البحر فتوسطه واستوي ما خلفه وقدامه .. فهل له الانصراف أو عليه التمادي؟ فيه وجهان، وقيل: قولان، مقتضي كلام (الشرح) و (الروضة): ترجيح الأول.

فإن قيل: كيف يصح القول بوجوب الذهاب ومنعه من الإنصراف، والحج علي التراخي .... فالجواب: أن ذلك يتصور فيمن خشي العضب، وفيمن أحرم بالحج وضاق وقته، وفيمن نذر أن يحج تلك السنة.

وليست الأنهار العظيمة كجيحون في معني البحر علي الصحيح، لأن الخطر فيها لا يعظم.

وحيث حكمنا بتحريم ركوبة للحج

حرم للتجارة ونحوها من الأسفار المباحة والمندوبة، وفي سفر الغزو وجهان.

ص: 410

وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ

، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِق بِهِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ

ــ

ولو كان البحر مغرقًا أو كان قد اغتلم وهاج .. حرم ركوبه لكل سفر.

قال: (وأنه تلزمه أجرة البذرقة)، لأنها من أهب الطريق مأخوذة بحق فكانت كالراحلة.

والثاني- وهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وأجاب به العراقيون والقاضي حسين-: لا يجب، لأنه خسران لدفع ظالم فأشبه الدفع إلي الحاكم.

وعبارة المصنف تقتضي: أن الخلاف قولان، والصواب: أنه وجهان، فكان الصواب التعبير بالأصح.

والمراد أجرة المثل، فلو طلب الخفير أكثر منها .. لم يجب كما في نظائره. و (البذرقة) بالذال المعجمة والمهملة: الخفارة، وهي لفظة أعجمية معربة.

قال في (الدقائق): البذرقة: الخفير، وكأنه أراد أجره الخفير.

قال: (ويشترط: وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل، وهو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان) فلو كان العام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه .. لم يلزمه الحج، لأنه إن لم يحمله معه

خاف علي نفسه، وإن حمله .. لحقته مؤنة عظيمة، وكذلك إذا وجده بأكثر من ثمن المثل، لما فيه من الخسران، اللهم إلا أن تكون الزيادة يسيرة

فتغتفر، ولا يجري فيها الخلاف في شراء الماء للطهارة، لأن لها بدلًا والحج لا بدل له.

ص: 411

وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ

ــ

قال: (وعلف الدابة في كل مرحلة) علله الرافعي وغيره بأن المؤنة تعظم في حمله، وفيه نظر.

وقال في (شرح المهذب): ينبغي الرجوع فيه إلي العادة كالماء والعلف، وهو مشكل أيضًا، لكنه يسهل إن أريد المرعي، أما إذا أريد الشعير

فيبعد، فإن العادة حمله.

و (العلف) هنا بفتح اللام: ما تعتلفه البهائم، والذي يأتي في محرمات الإحرام بالإسكان المصدر.

فائدة:

قال الخطابي: كان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة، قال: وأنشدني بعضهم (من البسيط).

حق المطية أن يبدا بحاجتها .... لا أطعم الضيف حتى أطعم الفرسا

قال: (وفي المرأة: أن يخرج معها زوج، أو محرم) سواء كان من نسب أو رضاع أو مصاهرة، لأن سفرها وحدها حرام وإن كانت في قافلة لخوف خديعتها واستمالتها إلا مع زوج أو محرم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم) رواه الشيخان (خ 1197 - م 1338/ 415).

وفي رواية لهما (خ1862 - م1341): (لا تسافر المرأة إلا مع محرم).

وفي (مسلم)(1339): (مسيرة يوم)، وفي رواية:(ليلة).

وفي رواية صحيحة في (سنن أبي داوود)(1722): (مسيرة بريد).

فإن قيل: البريد أقل الروايات فلم لا حمل المطلق عليه؟ .... قلنا: ذكر بعض أفراد العموم لا يخصص، وهذا منه، فلذلك منعت من كل ما يسمي سفرًا.

واختار الشيخ: أن السفر إذا كان أقل من بريد كحج المكية

لا يشترط فيه ما ذكر من الزوج أو المحرم ولا النسوة.

ص: 412

أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَات،

ــ

قال: ويكون طلاق الأحاديث محمولًا علي الغالب، فإن الغالب علي الحاج السفر، والغالب علي المرأة عدم الأمن سفرًا وحضرًا.

قلت: ويقاس بما ذكره الشيخ خروج المرأة من مكة إلي التنعيم للعمرة، فإنه لا يشترط معها ذلك، ولا يرد أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أعمر عائشه رضى الله عنها منه، لأن ذلك أكمل، بل يدل له ما قاله المصنف في (شرح مسلم)(9/ 98) في حديث الخثعمية.

قال: (أو نسوة ثقات)، لأنهن إذا كثرن انقطعت الأطماع عنهن بخلاف غير الثقات.

وظاهر كلامه اعتبار ثلاث نسوة سواها، والظاهر الاكتفاء باثنتين معها هذا بالنسبة إلي الوجوب.

فلو وجدت امرأة واحدة .. لم يلزمها الخروج معها، لكن يجوز أن تخرج معها لأداء حجة الإسلام علي الصحيح، فهما مسألتان:

إحداهما: شرط وجوب حجة الإسلام.

والثانية: شرط جواز الخروج لأدائها، وقد صرح بذلك في شرحي (المهذب) و (مسلم).

وليس لها أن تخرج إلي حج تطوع ولا غيره من الأسفار التي لا تجب مع المرأة الواحدة، ولا مع النسوة الخلص عند الجمهور.

نعم، لها الهجرة من بلاد الكفر وحدها.

و (النسوة) بالكسر والضم، والنساء والنسوان جمع امرأة من غير لفظها.

فرع:

يحل لها أن تسافر مع عبدها علي الأصح مع أنه غير محرم بدليل أن وضوءها يتنقض بلسمه، بل له حكم المحرم علي الصحيح في الخلوة والنظر

ص: 413

الْأَصَحِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا

ــ

.

ثم هل يشترط في المحرم أن يكون بالغًا؟ اختلف في ذلك كلام المصنف، ففي (كتاب العدد) من (الروضة): أنه يشترط البلوغ، وجزم في (الفتاوي) بأنه يكفي التمييز.

قال الشيخ ابو حامد: نحن لا نشترط في سفر المرأة مع المحرم ملازمته إياها، بل لو مشت قدام القافلة أو بعدها كفي، كذا نقله عنه في (شرح المهذب) وأقره.

قال الشيخ: وهو مشكل إذا كانت بعيدة، إذ لا فائدة في ذل، ولأن غالب الأصحاب عبروا بلفظ (المعية) وهي: الصبحة اللائقة.

قال: (والأصح: انه لا يشترط وجود محرم لإحداهن) أي: ولا زوج، لما تقدم من انقطاع الأطماع عنهن إذا اجتمعن.

والثاني –وهو رأي القفال-: يشترط، لأنهن يستعن به علي دفع المكروهات.

قال: (وأنه تلزمها أجرة المحرم إذا لم يخرج إلا بها) كمؤنة المحمل المحتاج إليه.

وأجرة الزوج والنسوة كأجرة المحرم فيما يظهر، لأن الواجب لا يتم إلا بذلك، فلو امتنع المحرم من الخروج بالأجرة

لم يجبره السلطان، ويلحق بذلك الزوج أيضًا وسيأتي في (باب التعزيز).

فروع:

لو تطوعت بحج ومعها محرم فمات .. فلها إتمامه بغير محرم، قال الروياني.

ولو أرادت الحج ماشية

فللولي منعها فيما لا يلزمها، نص عليه.

وإن أراد الرجل الحج ماشيًا وهو يطيقه، فليس لأمه ولا لوليه منعه.

ولو خاف الأمرد الحسن علي نفسه .. ينبغي أن يشترط في حقه من يأمن معه من قريب أو ولي أو نحوهما

ص: 414

الرَّابِعُ، أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا وهو كالمحرم في حق المرأة. والمحجور عليه لسفه كغيره،

ــ

ويشترط في الخنثي وجود محرم من الرجال أو النساء كإخوته وأخواته يخرجون معه، قالوا: ولا أثر للنسوة الثقات، فإنه لا تجوز الخلوة له بهن، كذا قالوه، وفيه نظر، فإنه يجوز للرجل الخلوة بهن كما تقدم.

قال: (الرابع: أن يثبت علي الراحلة بلا مشقة شديدة)، لأنه بسوي ذلك غير مستطيع، فلو أمكن مقطوع اليدين والرجلين الثبوت عليها. لزمه الحج، ويشترط في حقة وجود معين ولو بأجرة كقائد الأعمي.

والمراد ب (الراحلة) هنا: البعير كيف كان بمحمل أو بغيره، بخلاف الراحلة فيما تقدم فإن المراد بها البعير الخالي عن المحمل.

قال: (وعلي الأعمي الحج إن وجد قائدًا)، لأنه بدونه غير مستطيع، وفيه وجه عن ابن خيران: أنه يلزمة ويستنيب.

قال: (وهو كالمحرم في حق المرأة) فيشترط كونه زائدًا علي الزاد والراحلة والأمن وقدرته علي الثبوت علي الراحلة، ويأتي فيه الخلاف في وجوب الأجرة.

قال ابن الاستاذ: ينبغي أن تجب أجرة القائد قطعًا، لأن أجرة المحرم كالبذرقة، وأجرة القائد لتحقق الاستطاعة فهي كالمحمل، وهذا أحسن.

وللنظر مجال في الأعمي المكي والقريب منها الذي يحسن المشي علي العصار هل يأتي فيه ما تقدم في (الجمعة) عن القاضي حسين وغيره؟ وقد يفرق بطول المسافة هنا وكثرة أعمال الحج بخلاف الجمعة.

أما الأصم

فيجب عليه قطعًا، وعلي المقعد علي الصحيح إذا وجد معينًا.

وقيل: يستنيب لتعذر الطواف والسعي نحوهما منه.

قال: (والمحجور عليه لسفه كغيره)، لأنه مكلف فإذا أحرم

صح إحرامه، ووجب الإنفاق عليه من ماله.

ص: 415

لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ: النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ .... وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ

ــ

قال: لكن لا يدفع المال إليه، بل يخرج معه الولي أو ينصب شخصًا له، رعاية لحفظ ماله.

وبقي من الشروط سعة الوقت، لتمكنه من السير لأدائه، وقد نص الشافعي رضي الله عنه في مواضع، وأهمله الغزالي، واستدراكه عليه الرافعي ونقله عن الأئمة، لكنه أهمله في (المحرر).

واعتراضه ابن الصلاح بأن ذاك شرك لاستقراره لا لوجوبه، فإنه بمجرد الاستطاعة كما وجبت الصلاة بأول الوقت، ويستقر بالإمكان.

وصوب المصنف والشيخ مقالة الرافعي، لأن الله تعالى قال: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ،هذا غير مستطيع، وأما الصلاة .. فإنما وجبت في أول الوقت لإمكان تتميمها.

وشذ أبو الحسن المحاملي- من كبار أصحابنا- في قوله: إن من وجد الزاد والراحة يوم عرفة وهو بخراسان ومات.، يكون عاصيًا.

قال: (النوع الثاني: استطاعة تحصيله بغيره، فمن مات وفي ذمته حج .. وجب الإحجاج عنه)، لأن رجلًا من خثعم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيه فقال:(أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه، أكان ذلك يجزي عنه؟ قال نعم، قال: فاحجج عنه) رواه أحمد (1/ 212) والنسائي (5/ 118) إسناد جيد.

وروى مسلم (1149) عن بريدة رضي الله عنه: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت ولم تحج قط أفأحج عنها؟ قال:(حجي عنها).

وروى البخاري (7315) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: (نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا الله الذي له فإن الله أحق بالوفاء) فسبه الحج بالدين الذي لا يسقط بالموت فوجب أن يتساويا في الحكم.

ص: 416

مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ، .....

ــ

قال: (من تركته) ليس هذا في (المحرر) ولا بد منه، فإنه إذا لم يخلف تركه .. لا يجب شئ على أحد، بخلاف الصوم فإنه يلزم الوارث في رأي، لكن لو حج عنه أجنبي بلا إذن .. كفى، بخلاف الصوم.

ولو اجتمع في التركة حج ودين آدمي .. ففي المقدم مهما أقوال اجتماع الزكاة ودين آدمي أصحها: تقديم الحج كما تقدم، وبه أفتى علماء العصر.

فلو اجتمعت الزكاة والحج .. ففي المقدم منهما نظر.

وقول المصنف: (وفي ذمته) يشمل الإسلام والقضاء والنذر والذي استؤجر عليه إجارة في الذمة، لكنه لا يتناول العمرة.

وللشافعي رضي الله عنه قول غريب: إنه لا يحج عن الميت الحجة الواجبة إلا إذا أوصي بها.

قال: (والمعضوب العاجز عن الحج بنفسه إن وجد أجرة من يحج عنه بأجرة المثل .. لزمه)، لأنه بذلك مستطيع، إذ الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل المال، ولذلك يقال لمن لا يحسن البناء: فلان يستطيع بناء داره إذا كان قادرًا على ما يبذله في ذلك، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد.

وفي (الصحيحين)(خ 1513 - م 1335) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة خثعمية في حجة الوداع قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال:(نعم).

ص: 417

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا ....

ــ

.

وقال مالك: لا يجب عليه إلا إذا استطاع بنفسه.

و (المعضوب): هو المأيوس من قدرته، فقوله بعده:(العاجز) تفسير فيعرب خبرًا لا صفة، ويقال بالضاد المعجمة من العضب وهو: القطع، وبالمهملة كأنه قطع عصبه.

أما لو كان بمكة أو بينه وبينه دون مسافة القصر .. فليس له أن يستنيب من يحج عنه، لقلة المشقة، وسواء طرأ العضب بعد الوجوب أو بلغ معضوبا، لكنه على التراخي في الأولى، وعلى الفور في الثانية على الصحيح.

فإن امتنع عن الاستئجار .. فأشبه الوجهين في (الرافعي): أن الحاكم لا يستأجر عليه.

ودخل في قوله: (أجرة من يحج ما إذا لم يجد إلا أجرة ماش وهو أصح الوجهين، إذ لا مشقة في مشي الأجير، بخلاف ما إذا حج بنفسه.

وأفهم أيضًا: أن الأجير إذا طلب أكثر من أجرة المثل .. لا يجب عليه.

ولو استأجره ليحج .. لم يحتج الأجير إلى معرفة اسم المحجوج عنه، ولو كان عن مست أو معضوب .. لم يحتج إلى معرفته على الأصح، ويكفي أن ينوي الحج عمن استؤجر عنه.

ولو استأجر ليحج عمن لا يعرفه الأجير ولا المستأجر .. لم يجز.

قال: (ويشترط كونها) أي: الأجرة (فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن حج بنفسه، لكن لا تشترط نفقة العيال ذهابا وإيابا)، لأنه إذا لم يفارقهم .. يمكنه

ص: 418

ولَوْ بَدَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، ولَوُ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ .. وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ

ــ

تحصيل نفقاهم، لكن لو عبر بالمؤنة كان أولى.

قال: ولو بذل ولده أو أجنبي مالًا للأجرة .. لم يجب قبوله في الأصح)، لما في قبول المال من المنة، لحصوله الاستطاعة به.

قال: (ولو بذل الولد الطاعة .. ،جب قبوله)، لحصوله الاستطاعة به، وسواء في ذلك الذكر والأنثى والولد وولد الولد.

والمراد بـ (القبول): الإذن له في ذلك، فإن امتنع .. لم يأذن الحاكم عنه في الأصح.

وفي وجه غريب في زوائد (الروضة): أنه لا يجب القبول.

وشرط الباذل الذي يجب قبوله بذله:

أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا موثوقًا به، مؤديًا لفرضه، غير معضوب.

وأن لا يكون ماشيًا، فأن مشى .. فالأصح: لا يجب القبول، لأن مشيه يشق عليه، وحكم التعويل على الكسب والسؤال حكم المشي كما أجاب به صاحب (الحاوي الصغير).

ويشترط أن ينوي الباذل الحج عن المعضوب، (وكذا الأجنبي على الأصح).

فروع:

قال الضحاك: الأب أحق بالطاعة، والأم أحق بالبر، فإذا أراد أن يحج عنهما .. بدأ بالأب.

وتجوز نيابة الرجل والمرأة عن كل من الرجل والمرأة.

ص: 419

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحكم حجة الإسلام والقضاء والنذر في جميع ما ذكرناه واحد.

ولو حج حجة الإسلام، ثم نذر الحج في العام الثالث .. فهل له أن يحج في الثاني تطوعًا أو عن غيره بأجرة؟ قيل: نعم.

وقيل: له الحج عن نفسه دون غيره.

ولو نذر المعضوب ألف حجة .. انعقد نذره، فإن مات وخلف مالًا .. حج عنه ألف حجة.

والصحيح: إذا نذر ألف حجة ينعقد أيضًا، وإذا مات، فكل ما تمكن منه ولم يحج .. حج عنه بعد موته، وما لم يتمكن منه في حياته .. يسقط عنه بموته.

والفرق: أن المعضوب نذره على معنى أن يحج عنه غيره، والصحيح: نذره عبى اعتقاد أنه يحج بنفسه، وهو لا يمكنه أن يحج في سنة إلا مرة.

ولو حج الفرض ولم يعتمر هل يجوز أن يحج عن غيره؟ قال ابن الرفعة: لم أر فيه نقلًا، والذي يظهر الجواز، إذا لو امتنع .. لامتنع أن يتطوع بالعمرة من اعتمر عمرة الإسلام ولم يحج، وذلك غير ممتنع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر تطوعا قبل الحج.

وإذا مات الحاج عن نفسه في أثنائه .. فالجديد: أنه لا يجوز البناء على حجه.

فعلى هذا: يبطل ما أتى به إلا في الثواب، ويجب الإحجاج عنه من تركه.

وإذا مات الأجير في أثناء الحج بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ .. فالأظهر: أنه يستحق بقدر عمله سواء مات قبل الوقوف أم بعده.

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويستحب أن يحج بعد حجة الإسلام حجة ثانية قبل أن يحج عن غيره، ليكون قدم نفسه في الفرض والتطوع.

وقال الشافعي رضي الله عنه: يكره أن يقال لمن لم يحج: صرورة.

ولم يقف المصنف على النص، بل حكى ذلك عن الشيخ أبي حامد وجماعة، وخطأهم وقال: إنه خلاف إجماع المسلمين.

أما الصرورة في شعر النابغة .. فالذي لم يأت النساء، وهو قوله (من الكامل):

لو أنها عرضت لأشمط راهب .... عبد الإله صرورة متعبد

لرنا لبهجتها وحسن حديثها

ولخاله رشدًا وإن لم يرشد

كأنه أصر على تركهن وفي الحديث: (لا صرورة في الإسلام).

تتمة:

يجب على الداخل في كل أمر من سفر وغيره أن يتعلم ما يحتاج إليه فيه، فيتعلم المسافر للحج كيفيته وأركانه وشروطه وغيرها، ولا يعتمد في ذلك على تعليم عوام مكة.

والمسافر للغزو يتعلم ما يحتاج إليه من أمور القتال، وتجريم الهزيمة والغلول، وقتل النساء والصبيان ومن أظهر لفظ الإسلام ونحوه.

والمسافر للتجارة ما يحتاج إليه في البيوع، وإن كان وكيلًا أو عاملًا .. تعلم ما يباح له من السفر والتصرف، وما يحتاج إلى الإشهاد فيه.

والمسافر للصيد يتعلم أحكامه.

والمسافر رسولًا إلى سلطان .. يتعلم آداب مخاطبات الكبار، ومعرفة حكم هداياهم وضيافاتهم، وما يجب في نصحهم.

ص: 421

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

يستحب لمريد سفر الحج وغيره أن يشاور من يثق بدينه وخيره وعلمه في سفره في هذا الوقت وإن كان السفر للحج خيرًا في الجملة، ويجب على المستشار النصيحة والتحرز عن الهوى.

ويستحب أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي، ويخرج من المظالم، ويوفي ما أمكنه من دين، ويرد الودائع، ويستحل ممن بينه وبينه معاملة، ويوصي، ويوكل من يقضي ما لم يمكنه قضاؤه من دينه.

وأن يخرج بكرة الاثنين أو الخميس

وأن يصلي ركعتين عند خروجه من منزله، يقرأ في الأولي بعد (الفاتحة)(سورة قريش)، وفي الثانية (الإخلاص).

وأن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه، ويدعو كل منهم للآخر.

ويجتنب النوم علة ظهر الدابة ما أمكنه.

ويستحب مساعدة الرفقاء.

وأن يسير كبير الركب في آخره.

وينبغي أن يجتنب المخاصمة، ولعن الدواب، وجميع الألفاظ القبيحة.

ويستحب أن يسبح إذا هبط واديا، وأن يكبر إذا علا شرفا، وأن يقول إذا خاف قومًا: اللهم، إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم.

ويكره النزول في قارعة الطريق، والنص انه يحرم ليلًا.

ويسن أن يقول إذا نزل منزلًا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

ص: 422

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأن يقول إذا جن عليه الليل: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ووالد وما ولد.

ويستحب السير في آخر الليل، ويكره في أوله.

وأن يكثر الدعاء في سفره، فإن دعوته مجابة.

ص: 423