الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إِحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ .. جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ.
فَصْلٌ:
الْمُحْرِمُ يَنْوِي
ــ
الحال، فإن خطر له ذلك .. تبعه فيما خطر له بلا خلاف.
قال: (فإن تعذر معرفة إحرامه بموته .. جعل نفسه قارنًا وعمل أعمال النسكين)؛ لأنه لا اطلاع له على الغيب، وهو مأمور بالاحتياط.
والمراد بـ (جعل نفسه قارنًا): أن ينوي القران.
قال الشيخ: وكلام الرافعي والمصنف يشعر بتصوير المسألة بما إذا علم إحرامه وتعذر معرفة عينه، وكلام غيرهما يشعر بجريان ذلك فيما إذا لم يعرف شيئًا من حاله، وهو الصواب.
لكن قول المصنف: (بموته) تقييد مضر؛ فإن التعذر لو حصل بغير الموت كالجنون والغيبة ونحوهما .. كان الحكم كذلك.
تتمة:
هذه المسألة شبهها الرافعي وغيره بما إذا أحرم بنسك معين ثم نسبه وفيها قولان:
القديم: أنه يجوز له التحري، فإذا غلب على ظنه شيء .. عمل به، ويجزئه كالأواني والقبلة، وإن لم يغلب على ظنه شيء .. تعين أن ينوي القران.
والجديد: لا يتحرى؛ لأنه تلبس بالإحرام يقينًا فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه، كما لو شك في عدد الركعات .. فإنه لا يجتهد.
والفرق بين هذا وبين الأواني والقبلة: أن العبادة هناك لا تحصل بيقين إلا بفعل محظور، وهو أن يصلي إلى غير القبلة أو يستعمل نجسًا، فلذلك جاز التحري، وهنا يحصل الأداء بيقين من غير فعل محظور.
قال: (فصل:
المحرم ينوي) أي: الدخول في النسك؛ لحديث: (إنما الأعمال بالنيات،
يُلَبِّي فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ، لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
ويستحب أن ينطق بما نواه فيقول: نويت الحج وأحرمت به لله تعالى لبيك اللهم لبيك.
قال الروياني: ويستحب أن يقول: اللهم؛ أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظمي لا شريك لك، فقد روي ذلك عن بعض السلف.
ولا يجب التعرض لنية الفرضية جزمًا؛ لأنه لو نوى النفل .. وقع فرضًا.
قال: (ويلبي) أي: يعقب النية بالتلبية؛ لنقل الخلف عن السلف، وذلك هو الإهلال بالحج.
ويستحب له استقبال القبلة عند الإحرام.
قال: (فإن لبى بلا نية .. لم ينعقد إحرامه) كما لو غسل المتوضئ أعضاءه من غير قصد.
قال: (وإن نوى ولم يلب .. انعقد على الصحيح) وبه قال مالك وأحمد قياسًا على الطهارة والصوم في عدم اشتراط لفظ مع النية.
والثاني –وهو قول ابن خيران وابن أبي هريرة والزبيري وابن القاص، وحكي عن القديم-: أن التلبية شرط؛ لما روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توجهتم إلى منى .. فأهلوا بالحج) رواه مسلم [1568].
و (الإهلال): رفع الصوت بالتلبية.
والثالث –وحكاه الشيخ أبو محمد وغيره قولًا-: إنه يشترط إما التلبية أو سوق الهدي وتقليده والتوجه معه، وبه قال أبو حنيفة.
والرابع –وحكام الحناطي قولًا-: إن التلبية واجبة ليست بشرط للانعقاد، فإن نوى ولم يلب .. انعقد وأثم ولزمه دم.
وقال داوود: لا بد من التلبية ورفع الصوت بها؛ لما روى الشافعي [أم 2/ 156
]
يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ،
ــ
ومالك [1/ 334] والأربعة والحاكم [1/ 450] وابن حبان [3802] عن خلاد بن السائب عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية).
قال: (ويسن الغسل للإحرام)؛ لما روى الترمذي [830] عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه) وقال: حسن صحيح.
ونص في (الأم) على كراهة تركه.
ويستوي في استحبابه الرجل والصبي والمرأة، والطاهر والحائض والنفساء؛ فقد روى مسلم [1218]: أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي).
لكن يستحب للحائض والنفساء تأخير الإحرام إلى أن يطهرا.
وحكي قول: إنه لا يسن لهما الغسل، فإن اغتسلتا .. نوتا.
ويندب التنظيف بإزالة الظفر والشعر والوسخ بسدر وسواك ونحوه؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم .. غسل رأسه بأشنان وخطمي).
وروى جابر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتأهبوا للإحرام بحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب والأظافر، وغسل الرأس).
ويندب أن يلبد شعره قبل الإحرام وهو: أن يقعصه ويضرب عليه الخطمي أو الصمغ أو غيرهما، لدفع القمل وغيره كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله
فَإِنْ عَجَزَ .. تَيَمَّمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّة
ــ
َ،
صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في ذلك بين الحج والعمرة.
وغير المميز يغسله وليه ..
ويكره أن يحرم وهو جنب ..
قال: (فإن عجز .. تيمم)؛ لأن التيمم ينوب عن الواجب فعن المندوب أولى، ولأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإن تعذرت النظافة .. بقيت القربة.
قال الرافعي: وقد ذكرنا في غسل الجمعة: أن الإمام أبدى احتمالًا في أنه لا يتيمم إذا لم يجد الماء، وجعله الغزالي وجهًا، واختار أنه لا يتيمم، وذلك الاحتمال عائد هنا بلا شك.
قال ابن الرفعة: قد يفرق بينهما بأن الغسل هنا مخالف لغيره بدليل صحته من الحائض والنفساء، فكذلك بدله.
ولو وجد ماء لا يكفيه فالمنصوص- وقال به جماعة- أنه يتوضأ به.
قال المصنف: إن أرادوا أنه يتوضأ به ثم يتيمم .. فحسن، وإن أريد الاقتصار على الوضوء .. فليس بجيد، لأن المطلوب هو الغسل، والتيمم يقوم مقامه دون الوضوء.
قال الشيخ: والإمر كما قال.
والمراد ب (العجز): ما يبيح التيمم من فقد الماء وغيره كما تقدم، وهو أحسن من قول (المحرر): فإن لم يجد الماء.
قال: (ولدخول مكة)؛ لما روى البخاري [1573] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان لا يقدَمُ مكة إلا بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا،
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه فعله.
فلو خرج من مكة فأحرم بالعمرة واغتسل لإحرامه ثم أراد دخول مكة، فإن بعد موضع إحرامه كالجعرانة .. اغتسل للدخول، وإن أحرم من أدنى الحل .. فلا، قاله الماوردي.
وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِقَةَ غَدَاَةَ النَّخرِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِقِ لِلرَّمْيِ، وَأَنْ يُطَيَّبَ بَدَنَهُ لِلإحْرَام
ــ
ِ
قال ابن الرفعة: ويظهر أن يقال بمثل ذلك في الحج إذا أحرم من أدنى الحل؛ لأنه لم يخطر له ذلك إلا هناك.
قال الشافعي رضي الله عنه: وسواء في ذلك الحلال والمحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عام الفتح لدخولها وهو حلال، فلم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الاغتسال لدخولها.
قال: (وللوقوف بعرفة وبمزدلفة غداة النحر، وفي أيام التشريق للرمي)؛ لأنها مواضع اجتماع الناس فأشبه غسل الجمعة.
والمراد ب (الوقوف بمزدلفة): الوقوف على المشعر الحرام بعد الفجر.
وعلم من كلامه: أنه لا يستحب الغسل للمبيت بمزدلفة وهو كذلك؛ لقربه من غسل عرفة، ولا لرمي جمرة العقبة ولا للحلق والطواف وهو كذلك.
وفي القديم: يندب لطوافي الإفاضة والوداع والحلق، وجزم به المصنف في (مناسكه).
ومقتضى كلام المصنف وغيره إن جميع أغسال الحج لا تصح إلا بنية.
وقال المتولي: الغسل لدخول مكة يصح بدونها، لأن المقصود منه التنظيف لا التعبد، وكلام الإمام يميل إليه.
قال: (وأن يطيب بدنه للإحرام)؛ لأن عائشة رضي الله عنها طيبت رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أحرم، متفق عليه
[خ1754 - م 1189] ، وسواء في ذلك الرجل والمرأة.
وفي وجه: لا يندب ذلك للنساء، وفي وجه: لا يجوز لهن التطيب بطيب تبقى عينه.
وقيل: لا يجوز للنساء ولا للرجال، والصواب: الأول.
وَكَذَاَ ثَوْبَهُ فِي الأَصَحَّ
ــ
،
والصحيح: أنه يستوي في استجابه الشابة والعجوز والخلية والمتزوجة؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمخ جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا .. سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا) رواه أبو داوود [1826].
والفرق بين استحباب الطيب للمرأة هنا وعدم استحبابه إذا ذهبت للجمعة: أن زمان الجمعة ومكانها ضيق لا يمكنها فيه تجنب الرجال، بخلاف الإحرام، ويستثنى من ذلك المرأة المُحِدَّةُ.
قال: (وكذا ثوبه في الأصح)؛ لعموم حديث عائشة رضي الله عنها.
وملخص ما في تطييب الثوب خمسة أوجه:
قيل: يستحبُّ ..
وقيل: يباح ..
وقيل: يكره ..
وقيل: يحرم، لأنه ينزع ثم يلبس، فلُبْسُهُ ثانيًا حرام، فحرم حسمًا للباب.
وقيل: إن كان عينا .. حرم، وإلا .. فلا.
وصحح المصنف هنا الأول، لأنه عطفه على استحبابه في البدن، وصحح في (شرح المهذب): الثاني ..
وعبارة (الروضة): الأصح: الجواز كالبدن، وهذا هو المعتمد ..
وكأن الذي في الكتاب سبق قلم تبع فيه (المحرر)؛ فإنه قال في (شرح المهذب): لا يندب جزمًا ..
لكن حكى القاضي والمتولي الخلاف في الاستحباب، وعلى الاستحباب اقتصر البندنيجي من العراقيين.
وَلَا بَاسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ اَلإِحْرَامِ, وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جِزْمٌ, لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ .. لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي للأَصَحَّ ....
ــ
قال الإمام: ومحلّ الخلاف فيمن طيب ثوبه قصدًا, أما من طيب بدنه فتعطر ثوب إحرامه تبعًا .. فلا خلاف أنه ليس بحرام ولا فدية.
فإن قيل: روى مسلم [1180] عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال: يا رسول الله؛ إني أحرمت بالحج وعلي هذه فما أصنع؟ فلم يرد عليه شيئًا حتى نزل عليه الوحي, فلما سُرِّيَ عنه قال: انزع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق) فهذا يدل على منع الطيب في البدن والثوب كما قاله مالك .. فالجواب: أنه منسوخ؛ لأنه كان بالجعرانة سنة ثمان, وحديث عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع سنة عشر, وأيضًا كان في الجبة خلوق وهو الزعفران وهو محرم على الحلال والمحرم.
قال: (ولا بأس باستدامته بعد الإحرام) بعني حيث جوزناه في البدن أو في الثوب.
ففي) الصحيحين) [خ271 - م 1190] عن عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق, رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
قال: (ولا بأس باستدامته بعد الإحرام) يعني حيث جوزناه في البدن أو في الثوب.
ففي (الصحيحين)[خ271 - م1190] عن عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.).
و (الوبيص) البريق, و (المفرق): وسط الرأس ..
ولا فرق في استحباب الطيب بين ما يبقى جرمه بعد الإحرام كالمسك, أو رائحته كالبخور ولذلك قال:
> (ولا بطيب له جرم)؛ للحديث المذكور.
قال: (لكن لو نزع ثوبه المطيب) أي: وهو معطر (ثم لبسه .. لزمته الفدية في الأصح) كما لو لبس الثوب المطيب ابتداء ..
والثاني: لا؛ لأن العادة في الثوب أن ينزع ويعاد فَجُعِلَ عَفْوًا ..
أما لو انتقل من موضع إلي موضع بإسالة العرق .. فلا فدية في الأصح.
وموضع الخلاف إذا كانت رائحة الطيب في الثوب موجودة، وإليه أشاره بقوله:(ثوبه المطيب).
وَأَنْ تَخْضِبَ المَرْأَةُ للِإحْرَامِ يَدَيْهَا، - وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيابِ
ــ
أما إذا لم يكن عطرًا، فإن كان بحيث إذا ألقي عليه ماء ظهرت رائحته .. امتنع، وإلا .. فلا.
قال: (وأن تخضب المرأة للإحرام يديها)؛ لما روى الدارقطني [2/ 272] عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: (من السنة أن تدلك المرأة بشي من حناء عشية الإحرام).
وسواء في ذلك الخلية والمتزوجة والشابة والعجوز، فتخضب يديها تعميمًا إلى الكوعين ولا تزيد عليه، ولا تطرف الإصابع ولا تنتقش ولا تسود.
ويستحب لها أيضًا أن تمسح وجهها بشيء من الحناء؛ لتستر لون ما يظهرمن بشرتها.
والرجل والخنثى منهيان عن الخضاب وإن كان الخنثى مأمورًا بالتستر كالمرأة.
واحترز بقوله: (للإحرام) عما إذا كانت محرمة، فإن يكره لها الخضاب؛ لأنه زينة للمحرم، والمقصود أن يكون أشعث أغبر، فإن اختضبت في الإحرام .. فلا فدية على المذهب؛ لأنه ليس بطيب على المشهور.
قال: (ويتجرد الرجل لإحرامه عن مخيط الثياب) هذا من واجبات الإحرام كما سيأتي في (باب محرماته).
وضبط المصنف (يتجرد) بضم الدال إشارة إلى وجوب التجرد؛ لئلا يصير لابسًا بعده، وهو الذي جزم به الرافعي، لكنه صرح بندبه في: المناسك).
واستشكل المحب الطبري والشيخ الوجوب؛ إذ لا يجب عليه قبل الدخول في الأحرام شيء من متعلقاته، ويؤيد ذلك أنهم قالوا في الصيد: لا يجب إرساله بلا خلا ف، وكذلك لو علق الطلاق على الوطء .. لا يحرم عليه الوطء على المشهور.
و (المخيط) بفتح الميم.
والحكم كذلك في كل ما كان في معناه كاللبد والمنسوج ونحوهما مما له استداره المخيط.
وَيَلْبِسِ إِزَارًا وَرِدَاَءً أَيْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْينِ
ــ
ولو حذف لفظة (الثياب) كما في (الروضة) .. كان أولى؛ فإنه يجب نزع الخف والنعل المخيط.
قال: (ويلبس إزارًا ورداء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم فيهما وأمر بالإحرام كذلك، رواه البخاري [1545] عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه مسلم [1179] عن جابر رضي الله عنه.
قال: (أبيضين)؛ لقوله صلى الله وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم) رواه أبو داوود [3874] والترمذي [994] وقال: حسن صحيح.
وجزم الرافعي بكراهة المصبوغ.
ويستحب أن يكونا جديدين؛ لأنه أبعد من الدنس وأنقى من المغسول، وإلا .. فنظيفين.
وكلام الماوردي والروياني يقتضي أنه لا يكره ما صبغ غزله ثم نسج.
قال: (ونعلين)؛ اقتداء بخير من يمشي بنعل فرد أوهبَهُ لنهدة ونهد صلى الله عليه وسلم.
قال زياد بن علاقة: كان بين رجل منا ورجل من الأنصار شيء، فشجه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال [من الرجز]:
يا خير من يمشي بنعل فرد .... أَوهَبَهُ لنهدة ونهد
لا تُسبَبَنَّ سلبِي وجِلْدِي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا).
أراد ب (الفرد): السمط، وهي التي لم تُخصَف ولم تُطارَق.
والعرب تمدح برقة النعال، وإنما ينتعل السبتية الرقاق الأسماط ملوكهم وسادتهم فكأنه قال: يا خير الأكابر ..
وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ الأَفضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ إِذَا انْبَعَثْت بهِ رَاحلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَريِقهِ مَاشِيًا
ــ
وإنما لم يقل: فردة؛ لأنه أراد بالنعل الِّسبت، كما تقول: فلان يلبس الحضرمي الملسن ..
والتقدير: يا خير ماشٍ فرد في فضله وتقدمه.
(أوهبه) إما أن يكون بدلًا من المنادى، أو منادىً، ثانيًا حذف حرفه.
ونحوه قول النابغة [(أغاني) 11/ 40من الرجز]:
يا أوهب الناس لعين صلبة و (الضمير) و (النهد) في نعت الخيل الجسيم المشرف.
قال: (ويصلي ركعتين) أجمع الناس علي استحباب هذه الصلاة.
وفي (الصحيحين)[خ155 - م 1184/ 21]: (أنه صلى الله عليه وسلم صلاهما بذي الحليفة ثم أحرم).
ويستحب أن يقرأ فيها (سورة الكافرون) و (الإخلاص).
وإذا كان بالميقات مسجد .. استحب أن يصليهما فيه.
وتكره هذه الصلاة في أوقات الكراهة على الأصح؛ لأن سببها وهو الإحرام متأخر.
ولو كان إحرامه في وقت فريضة فصلاها .. أغنته عن ركعتي الإحرام كالتحية. قال في (شرح المهذب): وفيه نظر؛ لأنها مقصوده فلا تندرج كسنة الصبح.
قال الشيخ: والذي يترجح ما قاله الأصحاب؛ فإن المقصود الإحرام بعد صلاة، ولم يرد دليل على قصد هذه الصلاة بخصوصها.
قال: (ثم الأفضل: أن يحرم إذا انبعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيًا)؛ لما روى الشيخان [خ166 - م1187] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته).
وَفِي قَوْلِ: يُحرِمُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ. وَيُستَحَبُّ إِكثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إِحْرَامِه
ــ
ِ
والمراد ب (انبعاثها): استواؤها قائمة، هكذا في لفظ الحديث.
ولا فرق في ذلك بين من أحرم من الميقات أو من مكة، لكن يستثنى منه إمام مكة إذا خطب الناس بها يوم السابع؛ فإنه يندب أن يخطب محرمًا، فيتقدم إحرامه مسيره بيوم، قاله الماوردي.
قال: (وفي قول: يحرم عقيب الصلاة) أي: وهو جالس، وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لما روى أبو داوود [1767] والترمذي [819] والنسائي [5/ 162] عن ابن عباس رضي الله عنهما:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دُبُرِ الصلاة) لكن ضعفه البيهقي [5/ 37] ، واختار هذا القول طائفة من الأصحاب، وحملوا اختلاف الرواية علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد التلبية عند انبعاث الدابة فظن من سمع أنه حينئذ لبى.
قال: (ويستجيب إكثار التلبية)؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (التلبية زينة الحج).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر منها، بل قال ابن خيران وابن أبي هريرة وأبو علي الطبري: التلبية في أثناء الحج والعمرة واجبة، وزعموا أن للشافعي رضي الله عنه نصًا يدل عليه.
ويندب للحائض والجنب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت).
وقائمًا وقاعدًا؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه بسنده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي راكبًا وقائمًا وماشيًا وقاعدًا ومضجعًا).
ويكره في الخلاء ومواضع النجاسة؛ تنزيهًا لذكر الله تعالى.
قال: (ورفع صوته بها في دوام لإحرامه)؛ لحديث خلاد بن السائب المتقدم في أول الفصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان الصحابة لا يبلغون الروحاء حتي تبح حلوقهم من التلبية ..
والمراد ب (رفع الصوت) بحيث لا يجهد نفسه، بل يكره أن يرفع صوته بحيث لو زاد .. انقطع؛ لما روي البخاري [2992] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا علونا .. كبرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا،
ولكن تدعون سميعًا بصيرًا)
معنى (أربعوا): كفوا.
وتستثنى المرأة؛ فإنها تقتصر على إسماع نفسها، ولو رفعت صوتها .. كره ولم يحرم على الصحيح، والخنثى كالمرأة.
وأستثنى الجويني التلبية المقترنة بالإحرام فقال: لا يجهر بها الرجل، ونازعه المصنف.
ويستثنى من كان في مسجد فلا يرفع صوته بالتلبية، كمسجد مكة ومسجد الخيف ومسجد إبراهيم بنمرة؛ لأنها بنيت للنسك، ونهي عن رفع الأصوات في المساجد ..
أما غير هذه المساجد الثلاثة .. ففيه قولان::
الجديد: تستحب التلبية فيها ..
والقديم: لا؛ لئلا يهوش علي المصلين ..
وجزام ابن حبان [3801] باستحباب وضع الإصبعين في الأذنين عند التلبية، ثم روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل ألى وادي الأزرق .. قال: (كأنما أنظر ألى موسى واضعًا إصبعيه في أذنيه له جؤار بالتلبية).
و (وادي الأزرق) في طرف بلاد ساية مما يلي مكة.
و (الجؤار): رفع الصوت بالتلبية والاستغاثة.
وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الأَحْوَالِ كَرُكُوبِ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ، وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ: تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ
ــ
.
قال: (وخاصة عند تغاير الأحوال كركوب ونزول وصعود وهبوط واختلاط رفقة)
ففي هذه الأحوال تتأكد، وكذلك عند الفراغ من الصلاة، وإقبال الليل والنهار ووقت السحر، لأن في هذه المواضع ترتفع الأصوات ويكثر الضجيج، وقد روى الترمذي [827] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل الحج العج والثج).
فـ (العج): رفع الصوت، و (الثج): إراقة الدماء.
و (الصعود) و (الهبوط) بضم أولهما مصدران.
و (الرفقة) بضم الراء وكسرها.
وروى الحاكم [1/ 451] عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ملب يلبي .. إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر وشجر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا، عن يمينه وعن شماله) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وروى البيهقي [5/ 43] عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أضحى مؤمن يلبي حتى غروب الشمس .. إلا غابت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه).
قال: (ولا تستحب في طواف القدوم)، وكذلك السعي بعده؛ لأن فيهما أذكارًا وأدعية تخصهما.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (لا يلبي الطائف حول البيت).
وقال سفيان: ما رأيت أحدًا يلبي في الطواف إلا عطاء بن السائب.
قال ذلك في معرض الإنكار على مخالفة عطاء الإجماع.
قال: (وفي القديم: تستحب فيه بلا جهر)؛ لعموم الأمر به، لكن يخفض صوته قدر ما يسمع نفسه، والخلاف جارٍ في السعي أيضًا إذا أعقبه به.
وَلَفْظُهَا: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)
ــ
أما طواف الإفاضة وطواف العمرة .. فلا تستحب فيهما بلا خلاف؛ لشروعه في أسباب التحلل، ولا في الوداع من طريق أولى.
قال: (ولفظها:) لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) كذا رواه الشيخان [خ1549 - م1184] عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب أن يأتي بالتلبية نسقًا لا يتخللها كلام، فإن سلم عليه رد السلام.
ويندب أن يقف وقفة لطيفة عند قوله: (والملك) ثم يقول: (لا شريك لك) وأن لا يزيد على هذه الكلمات ولا ينقص، فإن زاد .. لم يكره على المشهور؛ لما روى النسائي [5/ 161] بإسناد صحيح:(لبيك إله الحق) في تتمة الحديث.
وكان عبدالله رضي الله عنه يقول مع هذا: لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل.
و (الرغباء): الرغبة والمسألة، وفيها لغتان: فتح الراء والمد، وضم الراء والقصر، أي: الطلب والعمل إلى من بيده الخير كله.
وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تلبية: (لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا (.
وعن سعد أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع ابن اخيه يقول في تلبية: (لبيك يا ذا المعارج، فقال: هو ذو المعارج، لكن ماهكذا كنا نلبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
و (ذوالمعارج): من أسماء الله تعالى، ومعناها: المصاعد والدرج، واحدها مِعْرَج، يريد معارج الملائكة إلى السماء.
وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ .. قَالَ: (لَبَّيْكَ، إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ
ــ
فائدة::
معنى (لبيك): أنا مقيم على طاعتك، وزاد الأزهرى: إقامة بعد إقامة، وإجابة بعد إجابة.
و (اللهم) معناه: يا الله، والميم عوض من (يا) النداء، ولا يجمع بينهما إلا في الشعر.
وقيل: معناه: يا الله؛ آمنا منك بخير، وإنما قال:(لا شريك لك) مخالفة للمشركين؛ فإنهم كانوا يقولون: لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.
وقوله: (إن الحمد) بكسر همزة إن وفتحها، والكسر أشهر وهو على الاستئناف، والفتح على التعليل.
قال: (وإذا رأى ما يعجبه،، قال: (لبيك، إن العيش عيش الآخرة)) رواه الشافعي [أم 2/ 156] والبيهقي [5/ 45] بسندهما إلى مجاهد قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُظهِرُ من التلبية: لبيك اللهم لبيك
…
فذكر التلبية حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هم فيه .. فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة) وهذا مرسل. قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة.
لكن رواه الحاكم [1/ 465] عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله يوم عرفة، وكذلك رواه سعيد بن منصور في (سننه) عن عكرمة.
قال في (الأم): إنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك في أسرِّ حالة- يعني: في هذا المكان- وأشد حالة- يعني: في حفر الخندق- وقد نهكت أبدانهم واصفرت ألوانهم،
قال::
وَإِذَا فَرغ مِنْ تَلْبِيِتَهِ .. صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْجَنةَ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ النَّارِ
ــ
اللهم إن العيش عيش الآخرة .... فارحم الأنصار والمهاجرة
ومعنى (إن العيش عيش الآخرة): أن الحياة المطلوبة الهنية الدائمة هي الدار الآخرة ..
قال: (وإذا فرغ من تلبيته .. صلى على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي: لا أذكر إلا وتذكر معي.
ويكون صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالدعاء أخفض من صوته بالتلبية بحيث يتميز عنها.
وكذا يستحب لكل من صلى وسلم عليه صلى الله عليه وسلم أن يرفع صوته بهما، لكن لا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة.
قال: (وسأل الله تعالى الجنة ورضوانه، واستعاذ به من النار)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته من حج أو عمرة .. سأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعاذه من النار، رواه الشافعي [أم 2/ 157] عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، قال: ولأن هذا أعظم ما يسأل.
تتمة:
من لا يحسن العربية .. لبى بلسانه، وهل يجوز للقادر على العربية؟ وجهان بناهما المتولي على الخلاف في نظيره من تسبيحات الصلاة وتشهدها وأذكارها المأثورة؛ لأنه ذكر مسنون.
ومقتضاه: أنه يترجم العاجز لا القادر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأقوى: جواز التلبية مطلقًا، بخلاف أذكار الصلاة؛ فإن الكلام فيها مفسد من حيث الجملة بخلاف التلبية ..
…
خاتمة
قال: في (الأم): (أَستَحِبُّ أن يلبي ثلاثًا) واختلف في تأويله على ثلاثة أوجه:
أحدهما: يكرر قوله: (لبيك) ثلاث مرات ..
والثاني: يكرر: (لبيك اللهم لبيك) ثلاثًا.
والثالث: يكرر جميع التلبية ثلاثُا.
وذكر بعض الأصحاب أنه إذا لبى في دبر الصلاة .. يلبي ثلاثًا نسقًا، كما يكبر في أيام التشريق بعدها ثلاثًا نسقًا.
***