المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة النبات - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[الدميري]

الفصل: ‌باب زكاة النبات

‌بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ

تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ،

ــ

باب زكاة النبات

النبات يكون مصدرًا تقول: نبت الشيء نباتًا، واسمًا بمعنى النابت وهو المراد هنا، ويطلق على الشجر وهو: ما له ساق، وعلى غيره وهو: الزرع والحشيش.

والزكاة تجب في النوعين، فلذلك عبر بـ (النبات).

والأصل في وجوب زكاتهما قبل الإجماع قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} ، وهو الزكاة، لأنه لا حق فيما أخرجته الأرض غيرها، وفي (سنن أبى داوود) [1595] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه:(خذ الحب من الحب).

قال: (تختص بالقوت) ، لأن الاقتيات من الضروريات التي لا حياة بدونه، فلذلك أوجب الشارع فيه حقًا لأرباب الضرورات بخلاف ما يؤكل تنعمًا أو تفكهًا.

و (القوت) أشرف النبات وهو: ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام، قيل: سمى بذلك، لبقاء ثفله في المعدة، ومن أسمائه تعالي (المقيت) وهو: الذي يعطى أقوات الخلائق.

و (دعا) صلى الله عليه وسلم: أن يجعل الله رزق آله قوتًا) أى: بقدر ما يمسك الرمق من الطعام، وقال عليه الصلاة والسلام:(كفي بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت) أى: من يلزمه قوته من أهله وعياله، وقال عليه الصلاة والسلام:(قوتوا طعامكم يُبارَك لكم فيه)،سئل الأوزاعي عنه فقال: صِغَر الأرغفة.

ص: 165

وَهُوَ مِنَ الثَّمَارِ: الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ، وَمِنَ الحَبَّ: الحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالأَرُزُّ وَالْعَدَسُ وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيارًا

ــ

قال: (وهو من الثمار: الرطب والعنب) بالإجماع.

قال: (ومن الحب: الحنطة والشعير والأرز والعدس وسائر المقتات اختيارًا)

كالحِمّص والدخن والذرة والباقلاء والماش واللوبياء والجلبان ويسمى: الهُرطُمان، لأن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها، وألحق الباقي به قياسًا، وفي (البخاري):(أن معاذًا رضي الله عنه كان يأخذ الزكاة من أهل اليمين في الذرة).

واحتزر عما يقتات في حال الاضطرار كحب الحنظل والغاسول والترمس، فإن الشافعي رضي الله عنه قال: لا أعلم أنه يؤكل إلا تفكهًا أو دواء، وقال ابن الصلاح: يأكله أهل الشام تفكهًا، وأهل العراق تداويًا.

وأما ما ليس بقوت .. فمعظمها لا تجب الزكاة فيه بلا خلاف، كالسفرجل والتفاح والرمان والبطيخ والقثاء والسلق والسمسم وبذر القطونا والكمون والكزبرة والجزر والقرنبيط وبذورها وحب الكتان والحلبة والثفاء – وهى: حب الرشاد – والسماق والجوز واللوز والفلفل والثوم والبصل، ومنها ما فيه خلاف في القديم سيأتي.

ولا فرق بين أن يزرع قصدًا أو اتفاقًا، ولا بين الأرض الخراجية وغيرها خلافًا لأبي حنيفة كما سيأتي في خاتمة الباب.

والمستأجرة تجب فيها الزكاة بالإجماع.

ولو استعار أرضًا وزرعها .. فعشر الزرع على المستعير عند الجمهور.

و (الشعير) بفتح الشين على المشهور، ويقال: بكسرها.

وفي (الأرز) ست لغات أشهرها – كما قال في (الدقائق) – فتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي.

و (الحمص) بكسر الحاء، والبصريون يكسرون ميمه والكوفيون يفتحونها.

وقال الرافعي: إن اللوبياء تسمى الدَّجِرِ، وهو بكسر الدال المهملة والجيم.

ص: 166

وَفي الْقَدِيمِ: تَجِبُ في الزَّيْتُونِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالْقُرْطُمِ،

ــ

والراء، وهو كذلك في (المحكم) وغيره، ولا يعرفه أهل الحجاز بغير ذلك.

ووهم في (المهمات) فظنها الدخن – بالخاء المعجمة والنون في آخره – والرافعي نفسه عطف اللوبياء على الذرة والذرة على الدخن.

قال: (وفي القديم: تجب في الزيتون)، لقول عمر رضي الله عنه:(في الزيتون العشر) وقول الصحابي حجة في القديم، فلذلك أوجبه، لكن الأثر المذكور ضعيف.

ووقت الوجوب فيه النضج والأسوداد على الصحيح.

قال: (والزعفران والورس) ، لاشتراكهما في المنفعة، روي في الورس أثر ضعيف ، ولم يرد في الزعفران شيء، وإنما ألحق بالورس-وهو: نبت أصفر تصبغ به الثياب وهو كثير باليمن.

والأصح: أنه لا يشترط فيهما النصاب، لقلة الحاصل منهما، بخلاف القِرْطِم والعسل.

قال: (والقرطم) ، لأن أُبيًا رضي الله عنه كان يأخذ العشر منه.

وهو بكسر القاف والطاء وبضمهما: حب العصفر، لا جرم أن بعضهم ألحق العصفر منه.

ص: 167

وَالْعَسَلِ

ــ

قال: (والعسل) سواء كان نحله مملوكًا أو أخذ من الأمكنة المباحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه العشر رواه ابن ماجة [1823] عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده بإسناد جيد، وحسنه ابن عبد البر، لكن قال البخاري الترمذى [629] وغيرهما: لا يصح في زكاته شاء.

فائدة:

(العسل): لعاب النحل، يذكر ويؤنث، الواحدة: عسَّلة.

قال الشافعي رضي الله عنه: وهو المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو.

أراد بذلك: أنه لا يطلق على غيره إلا مجازًا، لحلاوته.

وجمعه: أعسال وعسل وعسول وعسلان إذا أردت أنواعه.

ومن أسمائه: الحافظ الأمين، لأنه يحفظ ما يودع فيه.

وقال الله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويصطفيه، روي ابن ماجة [3450] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من لعق العسل ثلاث غَدَوات في كل شهر .. لم يصبه عظيم من البلاء).

وفيه أيضًا: (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن) فجمع في هذا القول بين الطب البشري والطب الإلهي، وبين طب الأجساد وطب الأنفس، وبين السبب الأرضي والسبب السمائي، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه:(العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين: القرآن والعسل).

قال عمرو بن العاصي رضي الله عنه لما قتل مالك بن الحارث رضي الله عنه المعروف بالأشتر: (إن لله جنودًا من عسل).

ص: 168

وَنِصَابُهُ: خَمْسَةُ أَوْسَقٍ، وَهِيَ: أَلْفٌ وَسِتُ مِئَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ، وَبِالدَّمَشْقِيَّ: ثَلاثُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ

ــ

قال: (ونصابه: خمسة أوسق)، لقوله صلى الله عليه وسلم:(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) متفق عليه [خ1447 - م 979].

والأفصح في الوسق: فتح الواو مصدر بمعنى الجمع، قال تعالى:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أي: جمع.

وهو: ستون صاعًا، روي أبو داوود [1554] وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الوسق: ستون صاعًا) قال الشيخ زكي الدين: إنه حسن، وادعي المصنف أنه ضعيف منقطع الإسناد.

ولم يعتبر أبو حنيفة النصاب، بل قال: تجب في كل قليل وكثير.

قال: (وهي: ألف وست مئة رطل بغدادية) ، لأن مجموع الخمسة ثلاث مئة صاع، والصاع: أربعة أمداد ، فيكون النصاب ألف مد ومئتي مد، والمد: رطل وثلث، وذلك ألف وست مئة رطل.

والمعتبر في الوزن من كل نوع: الوسط، فإنه يشتمل على الخفيف والرزين.

قال: (وبالدمشقي: ثلاث مئة وستة وأربعون رطلًا وثلثان)، لأن الرطل الدمشقي: ست مئة درهم، ورطل بغداد عند الرافعي: مئة وثلاثون، فالمد: مئة درهم وثلاثة وسبعون وثلث، والصاع ست مئة درهم وثلاثة وتسعون وثلث، فاضرب ست مئة وثلاثًا وتسعين وثلثًا في ثلاث مئة ، واجعل كل ست مئة رطلًا يحصل من مجموع ذلك ما ذكره المصنف.

ص: 169

قُلتُ: الأَصَحُّ: ثَلاثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَسِتةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ، لأَنَّ الأَصَحَّ: أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ: مِئَةٌ وَثَمَانِيةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ: بِلَا أَسْبَاعٍ: ثَلَاثُونَ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال: (قلت: الأصح: ثلاث مئة واثنان وأربعون وستة أسباع رطل ، لأن الأصح: أن رطل بغداد: مئة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم) وإذا ضرب ذلك في ألف وست مئة .. بلغ ذلك، والذي صححه المصنف في تحرير الرطل البغدادي هو الصحيح، فإنه تسعون مثقالًا، وممن ذكرٍ ذلك الجوهري في باب (مكك).

وقال ابن الرفعة: الذي رجحه الرافعي هو الذي تقوي النفس في صحته بحسب التجربة.

قال: (وقيل: بلا أسباع) قال المحب الطبري: وهذا هو الأقيس، لأن الأوقية: عشرة دراهم وأربعة دوانق، أي: أسداس، وهي: ثلثا درهم.

قال: (وقيل: ثلاثون والله أعلم) هذا تقدم أنه مختار الرافعي وهو: أحد وتسعون مثقالًا.

تنبيهان:

أحدهما: تقدير الأوسق بما سبق تحديد على الأصح، فإن نقصت رطلًا أو رطلين .. ضر.

ووقع في (شرح مسلم) و (رؤوس المسائل) و (كتاب الطهارة) من (شرح

ص: 170

وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إِنْ تَتَمَّرَ أَوْ تَزَبَّب،

ــ

المهذب): أنه تقريب كالقلتين، فلا يضر نقص يسير كرطل ورطلين، وقيل: وخمسة. والاعتبار بالكيل لا بالوزن على الأصح.

الثاني: ضبط الشيخ نصاب الزكاة - بالإردب - بخمسة أرادب ونصف وثلث؛ لأن الصاع قدحان إلا سبعي قدح، فكل خمسة عشر مدًا سبعة أقداح. وضبطه القمولي بستة أرادب وربع؛ لأنه يجعل القدحين صاعًا كما في زكاة الفطر وكفارة اليمين، فهي عنده ست مئة قدح، وعند الشيخ خمس مئة وثمانون.

فائدة:

بغداد: بدالين مهملتين، وبمهملة ثم معجمة، وبغدان، تذكر وتؤنث، وكره الفقهاء تسميتها: بغداذ؛ لأن معناه: عطية الصنم، لكن يقال: مدينة السلام؛ لأنهم يسمون نهر الدِّجلة (نهر السلام) أي: نهر الله. وتسمى?: مدينة المنصور؛ لأنه الذي ابتناها فلما فرغ منها في سنة ست وأربعين ومئة أمر نوبخت المنجم أن يأخذ طالعها فقال: يظهر فضلها على? كثير من البلاد، ولا يموت فيها خليفة أبدًا.

ونقل في (باب المحبة) من (الإحياء) اتفاق جماعة من العلماء على? ذمها وكراهة سكناها، واستحباب طلب الفرار منها.

قال: (ويعتبر تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة) رواه الشيخان [خ 1459 - م 979].

لو أخرج رطبًا يجيء منه تمر إذا تمر إذا جف قدر الواجب .. لم يجزئه؛ لأنه بدل والأبدال لا تجوز في الزكاة من غير ضرورة، ويسترده إن كان باقيًا، فإن تلف ..

ص: 171

وَإِلَاّ .. فَرُطَبًا وَعِنَبًا، وَالْحَبُّ مُصَفي مِنْ تِبْنِهِ، وِمِا ادُّخِرَ في قِشْرِهِ كَالأّرُزِّ وَالْعَلَسِ .. فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ. وَلَا يُكَمَّلَ جِنْسٌ بِجِنْسٍ،

ــ

استرد قيمته في الأصح، وقيل: مثله. فلو لم يسترده حتى جف .. لم يَجُزْ، لفساد القبض خلافًا للعراقيين.

قال: (وإلا .. فرطباُ وعنبًا)؛ لأن ذلك أكمل حالهما فلا نظر إلا إليه.

وقيل- فيما إذا كان يجيء منه تمر أو زبيب رديء-: يعتبر جافًا.

قال: (والحب مصفي من تبنه)؛ لأنه لا يدخر فيه ولا يؤكل معه، ولا يعلم مقدار الواجب قبل التصفية.

قال: (وما ادخر في قشره كالأرز والعلس .. فعشرة أوسق) ما ادخر في قشره نوعان: أحدهما: يؤكل منه مع قشره- كالذرة- فنصابه خمسة أوسق؛ فإن ذلك القشر إنما يزال تنعمًا كالعلس وهو- بفتح العين واللام-: صنف من الحنطة يكون منه في الكمام حبتان وثلاث، وهو طعام أهل [صنعاء] اليمن، ووقع في (الوسيط): أنه حنطة توجد بالشام وأنكر عليه؛ فإنه لا يكاد يوجد بها، وكمامه لا تزال إلا بالرحى الخفيفة أو المهراس، وادخاره كذلك أصلح له، وإذا أزيل .. كان الصافي نصف المبلغ، فيعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة أوسق، ليكون الصافي منه خمسة، والمالك مخير إن شاء بقاه كذلك وأرخج منه وشقًا، وإن شاء قشره فإن جاء منه خمسة أوسق .. زكاة، وإلا .. فلا.

والأرز بقاؤه في قشره أصلح له، فهو كالعلس، وعن الشيخ أبي حامد: أنه قد يجيء من الأرز الثلثان، فنصابه أن يكون في القشر حب يبلغ خمة أوسق.

والمراد بـ (قشر الأرز): الأعلى، أما الأسفل وهو الأحمر .. فلا يؤثر عند الجمهور، وفي دخول قشر الباقلاء الأصفر في الحساب وجهان، والمنصوص دخولها.

قال: (ولا يكمل جنس بخنس) أما التمر مع الزبيب .. فبالإجماع كما نقله ابن المنذر، وأما الحنطة مع الشعير ونحو ذلك .. فمقيس عليه.

ص: 172

وَيُضَمُّ النَّوْعُ إِلَى النَّوْع، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عِسُرَ .. أَخْرَجَ الْوَسَطَ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إِلَى الْحِنْطَةِ؛ لأّنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌ،

ــ

وقال الصيمري والعجلي: لو بذر برًا وشعيرًا فخرج مختلطًا خمسة أوسق وأحد النوعين أغلب والآخر يسير .. فالزكاة من الأغلب، وإن تساويا والجملة خمسة أو سق إلى تسعة .. فلا زكاة، وإن كانت عشرة والنوعان متقاربان .. فقيل: يخرج الزكاة من الجملة، وقيل: يؤدي عن كل على حياله.

قال: (ويضم النوع إلى النوع) وإن تباينا في الجودة والرداءة، فتضم الحنطة الشامية إلى المصرية، والتمر المعقلي إلى ما سواه من أنواع التمر، سواء كانا في بلد أم بلاد إذا اتحد المالك.

قال: (ويخرج من كل بقسطه)؛ إذا لا مشقة في ذلك.

وفيه قول: إنه يؤخذ من الغالب.

قال: (فإن عسر) بأن كثرت الأنواع وقل مقدار كل منها (.. أخرج الوسط) رعاية للجانبين.

وقيل: من الغالب.

فإن تكلف المالك وأخرج من كل بقسطه .. لزم الساعي قبوله، فإن أخرج من الأعلى .. جاز دون الأدنى.

قال: (ويضم العلس إلى الحنطة؛ لأنه نوع منها)، فإذا كان له ثلاثة أوسق حنطة صافية .. كملت بأربعة أوسق علس.

قال: (والسلت جنس مستقل)؛ لأنه يشبه الشعير في الطبع والحنطة في الصورة، هذا هو الوصاب، وعكس الصيدلاني والغزالي هذا التشبيه.

وما أحسن قول الجوهري: (السلت) بالضم: ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة.

ص: 173

وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ: حِنْطَةٌ. وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلى آخَرَ. وَيُضَوُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ وَإِنِ اخْتَلَفَ إِدْرَاكُهُ، وَقِيلَ: إِنْ أَطْلَعَ الثَّاِني بَعْدَ جَدَادَ الأَوَّلِ .. لَمْ يُضَمُّ. وَزَرْعَا الْعَامِ يُضَمَّانِ،

ــ

قال: (وقيل: شعير) لشبه له في الطبع.

قال: (وقيل: حنطة)؛ للشبه الصوري.

قال: (ولا يضم ثمر عام وزرعه إلى آخر) بالإجماع، سواء أطلعت ثمرة العام الثاني قبل جداد الأول أن بعده.

قال: (ويضم ثمر العام بعضه إلى بعض وإن اختلف إدراكه) كنخيل أو كروم يتأخر بعضها عن بعض لاختلاف الأنواع أو البلاد حرارة وبرودة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن إدراك الثمار لا يكون في حال واحدة، فلو اعتبرنا التساوي في الإدراك .. لما وجبت زكاة أصلًا.

قال ابن الصباغ: وقد أجمع المسلمون على ضم ما يدرك إلى ما تأخر، فثبت أن الاعتبار بثمرة العام الواحد.

ومن إطلاع النخل إلى منتهى إدراكها أربعة أشهر، فذلك هو المعتبر، فلو كانت نخلة تثمر في عام مرتين .. فلا ضم، بل هما كثمرة عامين، قالوا: وهذه لا تكاد تقع، وإنما ذكرها الشافي رضي الله عنه؛ بيانًا للحكم بتقدير التصوير.

قال: (وقييل: إن أطلع الثاني بعد جداد الأول .. لم يضم)؛ لحدوثه بعد انصرام الأول فأشبه ثمر العامين، وصححه في (الشرح الصغير)، وقال الماوردي: إن مخالفة جاهل بعادة الثمر مخطئ لنص المذهب.

(والجداد) بفتح الجيم وكسرها، وبالدال المعجنة والمهملة.

وهل يقام أو أن الجداد مقام الجداد؟ فيه وجهان، أفقههما: نعم؛ فإن الثمار بعد دخول الوقت كالمجدودة.

قال: (وزرعا العام يضمان)؛ لأنهما زرع واحد وإن اختلفت الفصول، ويتصور ذلك في الذرة؛ فإنها تزرع في غالب فصول السنة فيضم بعضها إلى بعض.

ص: 174

وَالأَظْهَرُ: اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا في سَنَةٍ وَوَضاجبُ مَا شَرِبَ بالْمَطَرِ أَوْ عُرُوِقهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زِرْعٍ: الًعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ: نِصْفُهُ،

ــ

قال: (والأظهر: اعتبار وقوع حصاديهما في سنة) بأن يكون بينهما أقل من اثني عشر شهرًا؛ لأنها حالة استقرار الوجوب.

والثاني: الاعتبار بوقوع الزرعين في السنة؛ لأن الزراعة هي الأصل وداخلة تحت القدرة.

والثالث: يعتبر وقوع الأمرين في السنة؛ لأنهما زرعا سنة واحدة.

والرابع: يكفي وجود الزرعين والحصادين في السنة.

والخامس: يكفي أما الزرعان وإما الحصادان وإما زراعة الثاني.

والسادس والسابع والثامن: كالأول والثاني والثالث إلا أنه عبر عن السنة بالفصل، وهو: أربعة أشهر.

والتاسع: لا يضم المزروع بعد حصاد الأول كحمل الشجرة الواحدة.

والعاشر: لا أثر لاختلاف الزرع ولا للحصاد، بل العبرة بسنة الزرع وهو: ستة أشهر إلى ثمانية؛ فإن الزرع لا يبقى زيادة على ذلك.

مهمة:

الذي صححه المصنف في الكتاب وعزاه في (الروضة) و (شرح المهذب) للأكثرين لا يعرف أحد صححه قبل المصنف في شيء من كتب المذهب.

بل الذي رجحه الأكثرون اعتبار وقوع الزرعين في سنة، وبعضهم يقول: في فصل واحد.

ولو اختلف الساعي والمالك في كونه زرع عام أو عامين، أو أنه سقي بالنضح أو الدولاب .. صدق المالك، فإن اتهم .. حلف استحبابًا.

قال: (ووناجب ما شرب بالمطر أو عروقه لقربه من الماء من ثمر أو زرع: العشر، وما سقي بنضح أو دولاب أو بماء اشتراه: نصفه)؛ لما روى البخاري [1483]

ص: 175

وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطرٍ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا .. العشر، وما سقي بالنضح .. نصف العشر)، وانعقد الإجماع على ذلك.

والفرق من حيث المعنى: خفة المؤنة.

ومسألة الشراء ذكرها ابن مج فقط فتبعه المصنف.

و (النضج): السقي من بئر أو نهر بحيوان كبعير أو بقرة، الذكر: ناضح، والأنثى: ناضحة، ويسمى هذا الحيوان أيضًا: سانية.

و (الدولاب) بضم الدال وفتحها: ما يديره الحيوان أو الماء، وهو فارسي معرب.

و (العثري): الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجمع في حفرة.

وفي الحديث: (أبغض الخلق إلى الله تعالى: العثري) فسره العلماء بأنه: الذي لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة.

قال: (والقنوات كالمطر على الصحيح)؛ لأنها لإحياء الأرض ولا تتكرر، بخلاف النواضح ونحوها؛ فإن المؤنة فيها لنفس الزرع.

والثاني: الواجب فيها نصف العشر؛ لكثرة المؤنة، واختاره أبو سهل الصعلوكي.

وقال البغوي: إن كانت القناة كثيرة المؤنة بأن لا يزال ترابها ترابها ينهار ويحتاج إلى

ص: 176

وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءً: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا .. ففي قَوْلٍ: يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالأَظْهَرُ: يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ: بِعَدَدِ السَّقَيَاتِ. وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلًاحِ الثَّمَرِ، واشْتِدَادِ الْحَبِّ

ــ

استحداث حفر .. فنصف العشر، وإن لم تكثر مؤنتها .. فالعشر.

قال: (وما سقي بهما سواءً: ثلاثة أرباعه)؛ عملًا بالتقسيط.

وقيل: يجب العشر نظرًا للفقراء.

قال: (فإن غلب أحدهما .. ففي قول: يعتبر هو)؛ لمراعاة الشارع له في مواضع.

قال: (والأظهر: يقسط) هذا هو القياس.

قال: (باعتبار عيس الزرع ونمائه)؛ لأن ذلك هو المقصود، وكذلك الحكم في الثمار.

وعبر بعضهم باعتبار النفع؛ فقد تكون سقية أنفع من سقيات.

قال: (وقيل: بعدد السقيات) أي: النافعات؛ لاختلاف المؤنة بها، فلو سقي بماء السماء والنضح وجهل المقدار .. وجب ثلاثة أرباع العشر على الصحيح، وقيل: نصف العشر، والأصل براءة الذمة مما زاد.

قال: (وتجب ببدو صلاح الثمر، واشتداد الحب)؛ لأنهما قد صارا في هذه الحالة قوتين وقلبها كالخضروات، ولا يجب الإخراج حينئذ بلا خلاف بل لا يجزئ.

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالمراد بـ (الوجوب): أنه انعقد سببًا لوجول الإخراج إذا صار تمرًا أو زبيبًا أو حبًا مصفي، ويجب للفقراء الآن دفعه إليهم آخرًا.

وسيأتي في البيع ضابط بدو الصلاح، وأن حصوله في البعض كافٍ، وكذلك الاشتداد.

فروع:

ليس من شرط من بدا الصلاح أو اشتد الحب في ملكه: أن يكون هو الزارع، حتى لو باع زرعه وهو بقل فاشتد في ملك المشتري وهو من أهل الزكاة .. وجبت عليه، وإن كان المشتري ذميًا .. فلا زكاة على أحد، ويصح البيع في هذه الحالة بلا خلاف.

وقيل: إن قصد الفرار .. حرم.

وقطعها كبيعها إلا قطع الفحول فلا يكره؛ لأنه لا تأتي منها ثمرة.

ولو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلم يقطع حتى بدا صلاحها .. وجب العشر، فإن رضيا بإبقائها .. جاز والعشر على المشتري.

وفي قول: ينفسخ البيع كما لو اتفقا على الإبقاء عند البيع.

وإن لم يرضيا بالإبقاء .. ففي قول: ينفسخ البيع، والأظهر: إن لم يرض البائع بالإبقاء .. يفسخ، وإن رضي وأبي المشتري إلا القطع .. فقيل: يفسخ، والأصح: لا يفسخ.

ولو رضي البائع ثم رجع .. كان له ذلك.

وحيث فسخ البيع .. فالزكاة على المشتري في الأظهر، وعلى البائع في الثاني.

ومؤنة تجفيف الثمرة وجدادها وحصاد الحب وحمله ودياسته وتصفيته وحفظه وغير ذلك من خالص مال المالك، لا يحسب شيء منها من مال الزكاة؛ لئلا يتقص مال الفقراء عن العشر أو نصفه.

ص: 178

وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ،

ــ

قال: (ويسن خَرص الثمر إذا بدا صلاحه على مالكه)؛ لما روى سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا) رواه أبوا داوود [1599] والحاكم [3/ 595] وابن حبان [3279] وحسنه الترمذي [644]، إلا أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عتاب ولا أدركه.

وإنما شبه في الحديث الكرم بالنخل؛ لأنها أكثر عندهم. لأن خبير فتحت سنة سبع، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص النخل- وكان خرص النخل عندهم معروفًا- فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف وبها العنب .. أمر بخرصه كخرص النخل.

وقيل: إن الخرص واجب لظاهر الخبر، وبه جزم الماوردي؛ لأن في تركه إضرارًا بالملاك إن منعوا عن التصرف، وبالمساكين إن لم يمنعوا.

قال: وأما ثمار البصرة .. فأجمع الصحابة وعلماء الأمصار على أن خرصها غير جائز لكثرتها، ولما يلحق من المشقة ويلزم من المؤنة بسببها.

وقال أبو حنيفة: الخرص لا يجوز والسنة قاضية عليه.

و (الثمر) - بفتح الثاء المثلثة والميم- المراد به: الرطب والعنب، واحترز المصنف به عن الحب فإنه لا يخرص؛ لأنه لا يمكن الوقوف على ما فيه لاستتاره، ولأنه لا يؤكل غالبًا وهو رطب، والثمار تؤكل بسرًا ورطبًا وعنبًا فاحتجنا إلى خرصها؛ ليتمكن المالك من التصرف وينضبط حق الفقراء.

ولا يخرص الزيتون على المذهب وإن قلنا بوجوب الزكاة فيه.

ص: 179

وَالْمَشْهُورُ: إِدْخَالُ جَمِيِعِهِ في الْخِرْصِ،

ــ

والحكمة في الخرص: الرفق بالملك ليتصرف في الثمار، وبالفقراء في ضبط حقهم.

و (الخرص) _ بفتح الخاء- مصدر ومعناه: الحزر، قال تعالى:{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} .

وصفته: أن يطوف بالشجرة ويرى جميع ثمرها ويقول: خرصها كذا وكذا رطبًا، ويجيء منه يابسًا كذا وكذا، ثم يفعل بباقي الحديقة كذلك.

ولا يجوز الاقتصار على رؤية بعضها وقياس الباقي عليها، فإن اختلف نوع التمر .. خرص نخلة نخلة، لأن بعضه قليل اللحم وبعضه كثيره، فلا يمكن خرصه دفعة، وإن اتحد .. جاز أن يخرص واحدة واحدة وهو الأحوط، وجاز أن يطوف بالجميع.

قال: (والمشهور: إدخال جميعه في الخرص)؛ لما روى مسلم [1392] عن أبي حميد رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال صلى عليه وسلم: (اخرصوها)، فخرصناها عشرة أوسق، فلما رجع .. سألها عن حديقتها:(كم بلغ ثمرها؟) فقالت: عشرة أوسق).

والثاناي: يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله، ويختلف ذلك باختلاف المالك باعتبار كثرة العيال وقلتهم، وذلك في مقابلة تعبه في تربيتها إلى الجداد، وهذا القول منصوص في القديم و (البويطي)، ويدل له ما روى أبو داوود [1601] والحاكم [1/ 402]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرصتم .. فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث .. فالربع).

قال الشافعي رضي الله عنه: معناه: يدع ثلث الزكاة أو ربعها؛ ليفرقها هو بنفسه على أقاربه وجيرانه.

ص: 180

وَأَنَهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ: الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ في الأَصَحِّ

ــ

قال الشيخ: ولعل هذا محمول على ما إذا وثق من المالك بأنه يتصدق من ذلك المتروك بعشره.

وقال ابن الرفعة: مقتضى الحديث ترك الجميع له إذا احتاج هو وعياله إليه، قال: وقد حكاه الزكي في (حواشي السنن) وهو منصوص (الأم).

وينبغي تخصيص القول الثاني بما إذا كان لا ينقص عن نصاب لو ترك بعضه، فإن نقص عن النصاب .. ففي هذه الحالة يتحكم إدخال الجميع.

قال: (وأنه يكفي خارص) كالحاكم؛ لأنه يجتهد ويعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة رضي الله عنه إلى خبير).

والثاني: يشترط اثنان كالمقوم والشاهد.

والثالث: إن خرص على صبي أو مجنون أو غائب .. فاثنان، وإلا .. كفي واحد وهو غلط، لأن الخارص إما كالحاكم أو كالمقوم وهما لا يختلفان بالصغر والكبر.

ويجري الطريقان في القائف والقاسم إذا لم يكن رد، فإن كان .. فلابد من اثنين قطعًا.

قال: (وشرطه: العدالة) سواء شرطنا العدد أم لا، لأن الفاسق غير قبول القول.

ويشترط- أيضًا- أن يكون عارفًا بالخرص، لأن الجاهل بالشيء من أهل الاجتهاد فيه.

قال: (وكذا الحرية والذكورة في الأصح)؛ لأنها ولاية والعبد والمرأة ليسا من أهلها. وقال صاحب (العدة): إن اكتفينا بواحد .. وجبا، وإلا .. فلا. وأطلق الشاشي فيهما وجهين.

ص: 181

فَإِذَا خَرَصَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ، وَيَصِيرُ في ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهُمَا بَعْدَ جَفَافِه، وَيُشْتَرَطُ: التَصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولِ الْمِالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْخَرْصِ. وَإِذَا ضَمِنَ .. جَازَ تَصَرُّفُهُ في جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ،

ــ

قال: (فإذا خرص .. فالأظهر: أن حق الفقراء ينقطع من عين الثمر، ويصير في ذمة المالك التمر والزبيب ليخرجهما بعد جفافه)؛ لأن الخرص تسليط على التصرف في الجميع وذلك يدل على انقطاع حقهم عنه.

والثاني: لا ينتقل حقهم إلى ذمته، بل يبقى متعلقًا بالعين كما كان؛ لأنه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل حق إلى الذمة.

وفائدة الخرص على هذا: جواز التصرف، ومطالبة المالك عند إتلاف الثمار بحساب الخرص. فالقول الأول يعبر عنه بأن الخرص تضمين، والثاني بأنه مجرد اعتبار.

قال: (ويشترط: التصريح بتضمينه وقبول المالك على المذهب)، فيقول له: ضمنتك نصيب الفقراء من الرطب لتعطي مكيلته .. فيقبل. هذا تفريع على أن الخرص تضمين، فإن لم يضمنه أو ضمنه فلم يقبله المالك .. بقي حق المساكين على ما كان.

قال: (وقيل: ينقطع بنفس الخرص)؛ لأن لفظ التضمين لم يرد في الحديث.

وتوسط افمام فقال: يشترط التضمين دون القبول، لكن قبول الولي ونحوه كالمالك، وهو وارد على المصنف.

قال: (وإذا ضمن .. جاز تصرفه في جميع المخروص بيعًا وغيره)؛ لأنه ملكه ولا تعلق لأحد فيه.

فروع:

لا يجوز للمالك أن يأكل شيئًا ولا أن يتصدق بشيء قبل الخرص، فإنه فعله .. عزز.

ص: 182

وَلَوِ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَخْرُوص بَسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُؤِفَ .. صُدَّقَ بِيَمينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الظَّاهِرُ .. طُولِبَ بِبيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصُدَّقَ ِيَمينِهِ في الْهَلَاكِ به. وَلَوِ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ .. لَمْ يُقْبَلْ،

ــ

فإن لم ينصب الحاكم خارصًا .. تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه.

وإذا أتلفها المالك أو ألها بعد بدو الصلاح .. ضمن، وإن كان بعد الخرص وقلنا: إنه يضمن .. ضمن عشر الثمن.

وإذا اختلف الساعي والمالك في جنس الثمر بعد تلفًا مضمنًا .. فالقول قول المالك، فإن أقام الساعي شاهدين أو شاهدًا وامرأتين .. قضي له، وإن أقام شاهدًا فلا؛ لأنه لا يحلف معه.

وإذا اختلف خارصان .. فقيل: يؤخذ بالأقل؛ لأنه اليقين. والأصح: يرجع إلى ثالث ويؤخذ بقول من هو أقرب إلى خرصه.

قال: (ولو ادعى هلاك المخروص بسبب خفي كسرقة، أو ظاهر عرف .. صدق بيمينه) في دعوى التلف بذلك السبب؛ لأنه مؤتمن شرعًا.

واليمين هنا وفيما سيأتي من مسائل الفصل مستحب، وقيل: واجب، وإن عرف عموم أثر ذلك السبب. فلا حاجة إلى اليمين.

قال: (فإن لم يعرف الظاهر .. طزولب ببينة على الصحيح)؛ لإمكانها.

قال: (ثم يصدق بيمينه في الهلاك به) أي: بذلك السبب.

والثاني: لا يطالب به، بل القول قوله بيمينه؛ لأمانته.

والثالث: يقبل بلا يمين إذا كان ثقة، فإن اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب .. فالمفهوم من كلام الصحاب قبوله مع اليمين.

قال: (ولو ادعى حيف الخارص أو غلطه بما يبعد .. لم يقبل) كما لا تقبل

ص: 183

أَوْ بِمُحْتَمَلٍ .. قُبِلَ في الأَصَحِّ

ــ

دعوى الجور على الحاكم إلا ببينة، ولا في الغلط الفاحش كالثلث والربع.

والأصح: أنه يحط القدر المحتمل.

قال الجوهري: العرب تقول: غلط في منطه وغلت في الحساب، وبعضهم يجعلهما لغتين.

قال: (أو بمحتمل .. قبل في الأصح)، وذلك كخمسة أوسق من مئة؛ لأن الكيل يقين، والخرص تخمين، والمالك أمين فوجب الرجوع إليه من غير يمين.

والثاني: لا يقبل، لاحتمال أن النقصان في الكيل ولعله يفي إذا كاله ثانيًا، كمن اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فنقصت بقدر ما يقع بين الكيلين، فإنه لا يرجع على الأول، لأنه كما يجوز أن يجوز ذلك لنقصان في الكيل الأول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني.

والأصح: أنه يقبل، والفرق: ما تقدم من أن الخرص تخمين والكيل يقين.

وقوله: (بمحتمل) هنا بفتح الميم، وأما بكسرها .. فهي الواقعة نفسها.

تتمة:

محل الوجهين: ما إذا لم يكن المخروص باقيًا، فإن كان .. أعيد كليه وعمل به ومحله أيضًا: في التفاوت الواقع بين الكيلين، فإن كان فوق ذلك مما هو محتمل أيضًا .. فيقبل جزمًا، نبه عليه الرافعي.

خاتمة

الخراج المأخوذ طلمًا لا يقوم مقام العشر، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدل العشر .. فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد ويسقط به الفرض في الأصح.

والنواحي التي يؤخذ التي منها الخراج ولا يعلم حالها .. يستدام الأخذ منها؛ فإنه

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يجوز أن يكون صنع بها كما صنع عمر رضي الله عنه في خراج السواد)، والظاهر في الأخذ: كونه بحق، وفي الأيدي: الملك، فلا نترك واحدًا من الظاهرين إلا بيقين.

وإذا وجب العشر في الزرع والثمار .. لم يجب فيها بعد ذلك شيء وإن بقيت سنين.

***

ص: 185