الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ: الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَإِطَاقَتْهُ
ــ
قال المتولي: فإن لم يقدر على عَشائه .. فطَّره على تمرة أو شَربة ماء أو مذقة لبن، وذكر فيه حديثًا أنه يعطى ذلك الثواب.
ويكره للصائم وغيره صمت يوم إلى الليل من غير حاجة.
قال الشيخ: ينبغي أن تكون كراهة تحريم؛ لما روى البخاري [3834]: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على امرأة من أحمس، فرآها لا تتكلم، فقال:(ما لها لا تتكلم؟!) قالوا: حجت مصمتة! فقال لها: (تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية!) فتكلمت.
ويستحب أن يوسع على عياله في شهر رمضان، ويحسن إلى أرحامه وجيرانه.
قال: (فصل:
شرط وجوب صوم رمضان: العقل، والبلوغ) فلا يجب على المجنون والمغمى عليه والصبي بلا خلاف وإن ترددنا في وجوب القضاء كما سيأتي، ويجب على السكران ولا يصح منه.
قال: (وإطاقته) فالعاجز بكبر أو مرض لا يلزمه الصوم، بمعنى: أنه لا يتحتم على، وأما أنه هل يخاطب به ثم ينتقل إلى الفدية، أو يخاطب بالفدية ابتداء، أو لا يخاطب بشيء منها؟ فيه خلاف سيأتي.
والمريض الذي لا يرجى برؤه كالشيخ الكبير في عدم وجوب الصوم.
وأما الحائض .. فهي مخاطبة به، والقضاء بأمر جديد على الصحيح فيمكن إخراجها بقيد الإطاقة، فإنها عاجزة عنه شرعًا. والنفساء كالحائض.
وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إِذَا أَطَاقَ. وَيُبَاحُ تَرْكُهُ: لِلْمَرِيضِ إِذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا،
ــ
ولم يذكر الشيخ الإسلام؛ لأن الكفار مخاطبون بالفروع على الأصح، لكنه قد ذكره في الصلاة وهما سواء.
قال: (ويؤمر به الصبي لسبع إذا أطاق)، ويضرب على تركه لعشر، قياسًا على الصلاة، إلا أنه يشترط هنا الإطاقة كما قاله المصنف لما فيه من المشقة بخلاف الصلاة، وهذا الأمر واجب على الولي نص عليه الشافعي رضي الله عنه هنا صريحًا، وفي (الصلاة) ظاهرًا. والصبية في معنى الصبي. وإذا صام الصبي .. كان صومه شرعيًا خلافًا لأبي حنيفة.
قال: (ويباح تركه: للمريض) بالإجماع المستند إلى قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية.
ولا فرق بين أن يكون قد تعدى بسبب المرض أم لا.
قال: (إذا وجد به ضررًا شديدًا)؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
ولا يشترط أن ينتهي الضرر إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل المعتبر أن يشق احتماله على ما فصل في (التيمم).
وضبطه الإمام والغزالي بكل مرض يمنع من التصرف مع الصوم
وما ذكره المصنف من الإباحة محله: إذا لم يخش الهلاك من الصوم، فإن خشي .. وجب عليه الفطر. وحكم غلبة الجوع والعطش حكم المرض وإن كان صحيحًا مقيمًا.
ومن يأتيه المرض في وقت دون وقت، إن كان وقت الشروع فيه .. فله ترك النية، وإلا .. فعليه أن ينوي من الليل، فإن عاد واحتاج إلى الفطر .. أفطر.
ومن شرب شيئًا قصدًا منه إلى المرض قبل الفجر فأصبح مريضًا .. قال والد الروياني: عندي يحل له الفطر؛ لأن المرض فعل الله تعالى وإن كان سببه معصية، والصوم لا يسقط بل يتأخر.
وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا. وَلَو أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرَضَ .. أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ .. فَلَا
ــ
قال: (وللمسافر سفرًا طويلًا مباحًا) بالإجماع، فلو كان يديم السفر أبدًا .. ففي تجويز ترك الصوم دائمًا له نظر؛ فإنه يزيل حقيقة الوجوب، بخلاف القصر، وإنما يظهر الجواز لمن يرجو إقامة يقضي فيها، قاله الشيخ وغيره.
قال: (ولو أصبح صائمًا فمرض .. أفطر)؛ لأن ضرورته قائمة، لكن لا يجوز له الفطر حتى ينوي الخروج من الصوم؛ لأنه عبادة أبيح الخروج منها قبل كمالها، فوجبت نية الخروج كالمحصر يريد التحلل.
وفائدة اقتران النية بالفطر: أن يتميز الفطر المباح من غيره، وسيأتي نظير هذا في الجماع.
قال: (وإن سافر .. فلا) كالصلاة إذا شرع فيها في الحضر ثم سافر، ولأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلّب جانب الحضر.
وفي وجه: يجوز له الفطر، وبه يقال المزني محتجًا بأنه عليه الصلاة والسلام خرج عام الفتح إلى مكة صائمًا في رمضان، فلما بلغ كراع الغميم .. أفطر، رواه مسلم [1114] من حديث جابر رضي الله عنه.
ظن المزني أن ذلك في يوم واحد وغلطه الأصحاب فيه؛ فإن بين المدينة وبين كراع الغميم نحو ثمانية أيام.
والمراد بالحديث: أنه صام أيامًا في سفره ثم أفطر.
وقيل: إن المزني تبين له ذلك فرجع عن هذا الاحتجاج لا عن مذهبه، ووافقه على هذا أحمد وإسحاق، لكن المزني غير منفرد بذلك فقد قال البويطي ذلك أيضًا.
وصورة المسألة: أن يفارق العمران بعد الفجر، فإن فارقها قبله .. أفطر بلا خلاف.
ولو نوى الصائم بالليل ثم سافر، ولم يعلم: أسافر قبل الفجر أم بعده؟ فليس له أن يفطر؛ لأن الشك لا يبيح الترخص.
وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ .. جَازَ، فَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ .. حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ .. قَضَيَا، وَكَذَا الْحَائِضُ،
ــ
قال: (ولو أصبح المسافر والمريض صائمين ثم أراد الفطر .. جاز).
أما المريض .. فبلا خلاف، وأما المسافر .. فهو المنصوص الذي عليه الأكثر؛ لأن المقتضي للترخص قائم.
وفيه احتمال حكاه صاحب (المهذب)، وغيره وجهًا، ونص عليه في (البويطي (: أنه لا يجوز كما لو دخل في الصلاة بنية الإتمام ثم أراد القصر.
والفرق: أنه بالقصر تارك الإتمام الذي التزمه لا إلى بدل، والصوم له بدل وهو القضاء، فجاز مع دوام العذر، لا جرم كان الصحيح الجواز.
وعلى هذا: في كراهته وجهان، أصحهما في (شرح المهذب (: لا، واختار الشيخ أنه لا يكره إذا كان لحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في كراع الغميم قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام! وإنما ينتظرون ما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب، رواه مسلم [1114]، قال: أما إذا كان بغير حاجة .. فينبغي أن يكره؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .
لو أصبح المسافر صائمًا، فنذر الإتمام .. قال صاحب (البحر) عن والده: لا يلزمه الإتمام؛ لأن الإيجاب شرعًا أقوى من الإيجاب نذرًا، وكما لو نذر المسافر أن يقصر الصلاة أو يتمها لا يتغير الحكم بهذا النذر.
قال: (فلو أقام وشفي .. حرم الفطر على الصحيح)؛ لزوال علة الإباحة.
والثاني: لا يحرم اعتبارًا بأول اليوم.
قال: (وإذا أفطر المسافر والمريض .. قضيا)؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر.
قال: (وكذا الحائض)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم) وهذه تقدمت في بابها.
وَالْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ. وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالإِغْمَاءِ وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الأَصْلِيِّ وَالصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ
ــ
قال: (والمفطر بلا عذر)؛ لأنه أولى بذلك من المعذور. وهذا لا خلاف فيه في الجماع كما سيأتي، ويكفيه في إفطار يوم قضاء يوم.
وقال ربيعة: يقضي عن كل يوم ثلاثين يومًا.
وقال ابن المسيب: يصوم عن اليوم اثني عشر يومًا.
وقال النخعي: ثلاثة أيام.
وقال علي وابن مسعود رضي الله عنهما: (لا يقضيه الدهر كله وإن صامه)
وسيأتي في (كتاب الشهادات): أن الإفطار في شهر رمضان من غير عذر من الكبائر.
قال: (وتارك النية)؛ لأنه لا عمل إلا بها. وسواء في ذلك العامد والناسي، بخلاف الأكل ناسيًا فإنه لا يبطل صومه؛ لأن النية من باب المأمورات، والأكل من باب المنهيات، والنسيان يؤثر في الثاني دون الأول.
قال: (ويجب قضاء ما فات بالإغماء)؛ لأنه مرض يغشى العقل بخلاف الجنون، وإنما لم يجب قضاء الصلاة لتكررها، والإغماء قد يمتد فيشق القضاء سواء استغرق الإغماء الشهر أم لا.
وعن ابن سريج: إن استغرق الشهر .. لم يقض، وعنه: إذا استغرق يومًا .. لم يقض، وإذا أغمي عليه الليل كله .. دخل في قسم تارك النية.
قال: (والردة)؛ لالتزامه بالإسلام.
قال: (دون الكفر الأصلي)؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} .
قال: (والصبي والمجنون)؛ لارتفاع القلم عنهما.
وَلَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا .. وَجَبَ إِتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ .. فَلَا قَضَاءَ فِي الأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ
ــ
وفي المجنون قول: إنه إن أفاق في أثناء الشهر .. لزمه قضاء ما مضى منه.
وفي ثالث: يلزمه القضاء مطلقًا كالمغمى عليه، وبه قال مالك، سواء استغرق الشهر أم لا.
أما إذا ارتد أو سكر ثم جن .. فالأصح في الردة: يجب قضاء الجميع، وفي السكران: أيام السكر فقط.
قال: (ولو بلغ بالنهار صائمًا .. وجب إتمامه بلا قضاء)؛ لأنه صار من أهل الوجوب، وعلى هذا: لو جامع بعد البلوغ .. لزمته الكفارة.
وقيل: يستحب إتمامه ويجب القضاء؛ لأنه لم ينو الفرض.
وفي (البحر) وجه: أنهما مستحبان، وفي (الكفاية) وجه: أنهما واجبان.
قال: (ولو بلغ فيه مفطرًا أو أفاق أو أسلم .. فلا قضاء في الأصح)؛ لأن ما بقي من الوقت لا يمكن تكميله؛ لأن الليل لا يقبل الصوم، فصار كمان أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم طرأ له مانع من حيض أو جنون أو غيرهما.
والثاني: يجب؛ لأنهم أدركوا جزءًا من وقت الفرض، ولا يمكن فعله إلا بيومٍ، فكملناه كما يصوم في جزاء الصيد عن بعض كد يومًا.
قال: (ولا يلزمهم) أي: الثلاثة المذكورين (إمساك بقية النهار في الأصح) –وهو مذهب مالك- لأنهم أفطروا بعذر فأشبهوا المسافر والمريض.
والثاني: يلزمهم –وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد- لأنهم أدركوا وقت الإمساك.
والثالث: يلزم الكافر دون الصبي والمجنون؛ لأنهما معذوران.
والرابع: يلزم الكافر والصبي؛ لأنه متمكن مأمور به أمر تدريب بخلاف المجنون.
قال: (ويلزم) أي: الإمساك (من تعدى بالفطر) بأي شيء كان حتى بنية الخروج إذا جعلناها مبطلة، والردة عقوبة له ومعارضة لقصده.
أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُما بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَاكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا .. فَكَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ
ــ
قال: (أو نسي النية) أي: لم يبيتها ليلًا؛ لأن نسيانه يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة.
قال: (ولا مسافرًا أو مريضًا زال عذرهما بعد الفطر)؛ لأن زوال العذر بعد الترخص لا يؤثر، كما لو قَصَر المسافر ثم أقام والوقت باق، لكن يستحب لحرمة الوقت وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يجب.
وإذا أكلا .. فليخفياه؛ لئلا يتعرضا للتهمة والتعزير. ولهما في الجماع في هذه الحالة إذا لم تكن المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم، أو ذمية، أو قدمت أيضًا من سفر.
قال: (ولو زال قبل أن يأكلا ولم ينويا ليلًا .. فكذا على المذهب)؛ لأن تارك النية مفطر حقيقة.
والطريق الثاني: فيه وجهان، أصحهما: هذا.
والثاني: يلزمهما كما لو لم يُصَلِّ المسافر حتى أقام؛ فإنه لا يجوز له القصر.
وإذا طهرت الحائض والنفساء في أثناء النهار .. فالصحيح: أنه لا يلزمها الإمساك، ونقل الإمام الاتفاق عليه.
قال: (والأظهر: أنه يلزم من أكل يوم الشك ثم ثبت كونه من رمضان)؛ لأن صومه كان واجبًا عليه إلا أنه جهله.
والثاني: لا؛ لأنه أفطر بعذر فكان كالمسافر إذا قدم بعد الإفطار.
وأجاب الأول بأن المسافر يباح له الأكل مع العلم بأنه من رمضان، بخلاف يوم الشك؛ فإنه إنما أبيح للجهل بكونه منه وقد بان ذلك فلزمه إمساكه.