المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

حدثنا قتيبة وهناد؛ قالا: ثنا وكيع عن شعبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح".

حدثنا قتيبة: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه، فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

قال: وفي الباب عن عبد الله بن زيد، وعلي بن طلق، وعائشة، وابن عباس، وأبي سعيد.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول العلماء: أن لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث يسمع صوتًا أو يجد ريحًا.

وقال عبد الله بن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانًا يقدر أن يحلف عليه، وقال: إذا خرج من قبل المرأة ريح وجب عليها الوضوء، وهو قول الشافعي وإسحاق.

حدثنا محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (1).

(1) الجامع (1/ 109 - 110).

ص: 202

* الكلام عليه:

حديث: لا وضوء إلا من صوت أو ريح؛ رواه الإِمام أحمد (1)، وابن (2) ماجه، وسهيل (3) بن أبي صالح، انفرد به مسلم (4) دون البخاري وقد وردت ترجمته في باب ما جاء في فضل الطهور؛ فالحديث على شرط مسلم.

والحديث الثاني عند مسلم (5): "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيئًا أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:"لا ينفتل ولا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"؛ لفظ البخاري (6)، ورواه مسلم (7).

وحديث أبي هريرة المذكور في آخر الباب أخرجه البخاري (8) ومسلم (9) أيضًا وفيه عند مسلم (10)، فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط.

(1)(2/ 471).

(2)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 172) برقم 515 باب لا وضوء إلا من حدث.

(3)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 246) برقم 1063 وتهذيب الكمال (12/ 223) برقم 2629 وتهذيب التهذيب (2/ 128).

(4)

رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 257) برقم 559 وروى له البخاري مقرونًا بغيره كما في تهذيب الكمال (12/ 228) وتهذيب التهذيب (2/ 129).

(5)

في صحيحه كتاب الحيض (1/ 276) برقم 362 باب الدليل على أنه من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك.

(6)

في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 66) برقم 137 باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن.

(7)

في صحيحه كتاب الحيض (1/ 276) برقم 361 الباب السابق.

(8)

في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135 باب لا تقبل صلاة بغير طهور.

(9)

في صحيحه كتاب الطهارة (1/ 204) برقم 225 باب وجوب الطهارة للصلاة.

(10)

بل هذا عند البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135.

ص: 203

وحديث علي بن طلق؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، فليتوضأ وليعد الصلاة"؛ رواه الإِمام أحمد (1) وأبو (2) داود وهذا لفظه، والنسائي (3) والترمذي (4) وسيأتي الكلام عليه في موضعه.

وحديث عائشة قال الترمذي (5) في "العلل": ثنا عبد الله بن أبي زياد: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: ثنا أبي عن ابن إسحاق، عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: جاءت سلمى امرأة أبي رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعديه على أبي رافع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا رافع! ما لك ولها؟ " قال: يا رسول الله! إنها تؤذيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بم آذيته؟ " قالت: يا رسول الله! إنما قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ للصلاة، فقام يضربني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنها لم تأمرك إلا بالخير".

(1) هو كذلك في أطراف مسند الإِمام أحمد لابن حجر (4/ 384) برقم 6162 ثم ذكره من حديث علي بن أبي طالب كما في أطراف المسند (4/ 474) برقم 6400 وقال: "الذي يتبادر إلى ذهني أن عليًّا راوي هذا الحديث هو علي بن طلق الحنفي فإن الراوي عنه حنفي أيضًا والحديث معروف من طريقه وكذا وجدته في مسند علي بن أبي طالب".

قلت: وهو في المسند (1/ 86) من حديث علي بن أبي طالب وإدراجه في مسند علي بن أبي طالب خطأ فإنه من مسند علي بن طلق نبه على ذلك ابن عساكر في كتابه ترتيب أسماء الصحابة (84) وابن كثير في تفسيره (1/ 583) وقال النسائي في الكبرى (5/ 324) ذكر حديث علي بن طلق في إتيان النساء في أدبارهن ثم أورد الحديث وأورده المزي في تحفة الأشراف (7/ 471) برقم (10344) تحت مسند علي بن طلق.

وأخرجه الترمذي في السنن كتاب الرضاع (3/ 468 - 469) برقم 1164 و 1166 وقال علي هذا هو علي بن طلق وذكره في كتابه العلل (1/ 145).

(2)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 141 - 142) برقم 205 باب من يحدث في الصلاة.

(3)

في الكبرى (5/ 324) برقم 9024.

(4)

السنن كتاب الرضاع (3/ 468 - 469) برقم 1164 و 1166 باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن.

(5)

العلل الكبير (1/ 146 - 147).

ص: 204

قال الترمذي: فسألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا حديث محمَّد بن إسحاق عن هشام بن عروة. وسألت أبا زرعة فقال مثله (1).

وعند البيهقي (2) أيضًا عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحدث أحدكم وهو في الصلاة، فليضع يده على أنفه، ثم لينصرف".

وحديث ابن عباس ذكره البيهقي (3) من حديث عبد العزيز بن محمَّد، عن ثور، عن عكرمة عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان يأتي أحدكم فينقر عند أعجازه فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا أو يفعل ذلك متعمدًا".

رواه عن أبي الحسن بن إسحاق: ثنا أبو محمَّد عبد الله بن إسحاق الفاكهي بمكة: ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة: ثنا يحيى بن محمَّد البخاري عنه.

وحديث أبي سعيد: أخرجه ابن (4) ماجه من طريق معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا.

وفي الباب مما لم يذكره: عن سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ؛ رواه الإِمام أحمد (5) هكذا، وحديثه مختصر، وهو الحديث الذي تقدم عند البيهقي من طريق عائشة وفيه عن صفوان بن عسال؛ قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين؛ للمسافر ثلاثًا إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو

(1) العلل الكبير (1/ 146 - 147).

(2)

السنن الكبرى (2/ 254).

(3)

السنن الكبرى (2/ 254).

(4)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 171) برقم 514 باب لا وضوء إلا من حدث.

(5)

المسند (6/ 272) وهو حديث عائشة الذي مر في ص 540.

ص: 205

ريح، رواه البيهقي (1).

هذه (2) الأحاديث أصل في أعمال الأصل وطرح الشك، والعلماء متفقون على العمل بهذه القاعدة في كل سورة، لكنهم مختلفون في مسألتنا هذه في السلوك فيه ما هو والمحقق ما هو، وهو ما إذا شك في الحدث بعد سبق الطهارة.

فالشافعي أعمل الأصل السابق وهو الطهارة وأطرح الشك الحادث، وهو الحدث وأجاز الصلاة في هذه الحالة.

ومالك رحمه الله منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة إعمالًا للأصل الأول وهو ترتب الصلاة في الذمة ورأى أن لا تبرأ الذمة إلا بطهارة متيقنة على خلاف في مذهبهم سنذكره.

وهذا الحديث ظاهر في إعمال الطهارة الأولى واطراح الشك (2).

قال الشيخ محيي (3) الدين رحمه الله تعالى: من تيقن الطهارة وهو شك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف.

وحكي عن مالك رحمه الله روايتان:

• إحداهما: أنه يلزمه الوضوء إن كان الشك خارج الصلاة ولا يلزمه إن كان في الصلاة.

• والثانية: يلزمه بكل حال وحكيت الرواية الأولى عن الحسن البصري، وهو وجه شاذ محكي عن بعض أصحابنا وليس بشيء.

(1) السنن الكبرى (1/ 115).

(2)

هذا ابتداء كلام ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام (1/ 76 - 77) بتصرف يسير.

(3)

شرح صحيح مسلم (4/ 273).

ص: 206

وقال أصحابنا: ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقوع الحدث وعدمه أو يترجح إحداهما أو يغلب على ظنه فلا وضوء عليه بكل حال.

قال أصحابنا: ويستحب له أن يتوضأ احتياطًا (1).

قال القاضي أبو (2) بكر بن العربي: فإن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقن الطهارة وشك في بقائها (3)، فلا خلاف بين الأمة أنه يجب عليه الوضوء إجماعًا.

فإن تيقن الطهارة وشك في وجود الحدث بعد تيقن الطهارة، ففيه خمسة أقوال:

• الأول: أنه واجب وعليه يدل ظاهر قول ابن القاسم في "المدونة".

• الثاني (4): أنه يستحب، رواه عنه ابن وهب.

• الثالث: أنه إن كان في الصلاة ألغى الشك، وإن كان في غير صلاته أخذ بالشك.

• الرابع: أنه يقطع الصلاة.

• الخامس: قال ابن حبيب: إن خيل إليه أن ريحًا خرجت منه فلا يتوضأ إلا أن يتيقن ذلك فمن أوجب الوضوء تعلق بأن العبد مأمور باليقين.

(1) شرح صحيح مسلم (4/ 273).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 86).

(3)

في العارضة إتمامها ولعل ما عند المصنف هو الصواب والله أعلم.

(4)

في المعارضة (1/ 86): الثاني أنه إن كان في الصلاة ألغى الشك وإن كان في غير صلاة أخذ بالشك وهو الوجه الثالث الذي حكاه المصنف وما ذكره المصنف هو الصواب إذ يكون سقط القول الثاني من مطبوعة العارضة ولا وجود للقول الثالث فيها.

ص: 207

ومن استحب تعلق بأن اليقين الطهارة معه، والشك حادث ضعيف، فلا أقل من أن يؤثر الاستحباب.

الوجه الثالث: أنه إذا قرن الشك وجود الصلاة لم يعتبر لأنه قد دخل في الصلاة بيقين صحيح.

هكذا وجدته ولعله إذا قارنه الشك بعد الدخول في الصلاة، وقد نظر هذا الوجه شيخنا الإِمام أبو (1) الفتح القشيري؛ كما سنذكره بعد هذا.

قال: والقول الرابع يرجع إلى الأول لأنه ما يشترط في ابتداء الصلاة يشترط في أثنائها كستر العورة ونحوها.

ووجه قول ابن حبيب: أن الحديث أخرج الريح من الأصل وبقي البول على ظاهره.

وتحقيقه أن الريح يتفق فيها التخيل فأما البول فلا يتفق فيه تخيل، وذلك من تصوره في الصلاة يكون كما يتصور في غير صلاة، والأمر فيهما واحد؛ بدليل قوله: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد بين أليتيه ريحًا فلا يخرج

"؟ فراعى إلغاء التخييل دون اقتران الصلاة (2).

وقال القشيري (3): وبعض أصحاب مالك يطرحه يعني الشك، بشرط أن يكون في الصلاة وهذا له وجه حسن، فإن القاعدة أن مورد النص إذا وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرًا في الحكم.

فالأصل يقتضي اعتباره وعدم اطراحه، وهذا الحديث يدل على اطراح الشك

(1) شرط عمدة الأحكام (1/ 77).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 86 - 87).

(3)

شرط عمدة الأحكام (1/ 77).

ص: 208

إذا وجد في الصلاة وكونه موجودًا في الصلاة معنى يمكن أن يكون معتبرًا فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها على ما اقتضاه قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ، فصارت صحة الصلاة أصلًا سابقًا على حالة الشك مانعًا من الإبطال، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع وصحة العمل ظاهرًا معنى يناسب عدم الالتفات إلى الشك يمكن اعتباره فلا ينبغي إلغاؤه (1).

قلت: هذا كلامه على حديث عبد الله بن زيد الذي لفظه: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة

الحديث، وهو حسن الانسياق على الحديث الذي تكلم عليه فلو لم يرد إلا هذا اللفظ أو ما في معناه لتم له المراد، لكن حديث أبي هريرة: إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه، فلا يخرج؛ وهو غير الأول وحالة كونه في المسجد غير حالة كونه في الصلاة.

وأما ما اختاره ابن حبيب فحاصله أن الأصل الأول، وهو ترتب الصلاة في الذمة معمول به، فلا يخرج عنه إلا فمِما ورد فيه النص وما بقي يعمل فيه بالأصل ولا يحتاج في المحل الذي خرج عن الأصل بالنص إلى مناسبة كما في صور كثيرة اقتصر العلماء فيها على مورد النص إذا خرج عن الأصل أو القياس من غير اعتبار مناسبة والسبب فيه أن إعمال الأصل في مورده لا بد منه والعمل بالأصل والقياس المطرد مسترسل، لا يخرج عنه إلا بقدر الضرورة، ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده سواء كان مناسبًا أو لم يكن؛ فقد اختلف العلماء في الأسباب التي تتعلق وجوب الطهارة بها على أقوال (2):

• الأول: إنها تتعلق بكل خارج نجس من البدن، قاله أبو حنيفة وجماعة.

(1) شرح عمدة الأحكام (1/ 77).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 85) بتصرف يسير.

ص: 209

• الثاني: إنها تتعلق بكل خارج من المخرج المعتاد؛ قاله الشافعي.

• الثالث: إنها تتعلق بكل خارج معتاد من الخرج المعتاد؛ قاله مالك وهو يشير إلى مسألة خروج الخطاب على المعتاد منه في اللفظ دون النادر منه، وإن تناوله العموم وهو المختار.

وقوله: لا وضوء إلا من صوت أو ريح لا ينفي وجوب الوضوء من غائط أو بول.

قال القاضي أبو (1) بكر بخمسة معان:

• إحداها: أن الشريعة لم تأت جملة، وإنما أتت آحادًا وفصولًا، تتوالى واحدة بعد أخرى، حتى أكمل الله الدين.

• ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر أو زنى أو ردة"، ثم قتل العلماء بعشرة أسباب أو نحوها بزيادة أدلة كذلك ها هنا.

• ثالثها: أن قوله لا وضوء إلا من صوت أو ريح؛ يحمل عليه البول والغائط بأنه خارج معتاد فينقض الوضوء كالصوت والري.

• رابعها: أن المراد بذلك حال كونه في المسجد ولا يتأتى فيه إلا الصوت والريح.

• خامسها: أن المراد بذلك الصلاة وعليه يدل الحديث الصحيح أيضًا، وقصة عباد بن تميم، التي ذكرناها وقد جاء وجوب الوضوء من البول والغائط في حديث صفوان بن عسال الآتي إن شاء الله تعالى (2).

(1) عارضة الأحوذي (1/ 85).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 85 - 86).

ص: 210

وحديث أبي هريرة: إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ؛ متفق عليه.

وفيه بحثان.

• الأول (1): فيه دلالة على انتفاء القبول عن الصلاة من أحدث عند انتفاء شرطهما من الوضوء، بالمطابقة وعلى ثبوت قبول الصلاة فمن وجد منه شرطها من الوضوء بالالتزام، وفي هذا الثاني بحث يجر إلى معنى القبول ما هو، وقد تقدم التنبيه عليه في الكلام على حديث مصعب بن سعد، عن ابن عمر: لا يقبل صلاة بغير طهور

الحديث، فشرط القبول بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قبل فلان عذر فلان إذا رتب على عذره الغرض المطلوب منه، وهو هو الجناية والذنب.

فإذا ثبت ذلك فيقال في هذا المكان الغرض من الصلاة وقوعها مجزية مطابقتها (2) للأمر فإذا حصل هذا الغرض ثبت القول على ما ذكره من التفسير وإذا ثبت القبول على هذا التفسير ثبتت الصحة.

وإذا انتفى القبول على هذا التفسير انتفت الصحة.

وقال بعض المتأخرين (3) القبول كون العبادة بحيث يترتب الثواب والدرجات عليها والإجزاء كونها مطابقة للأمر والمعنيان إذا تغايرا وكان أحدهما أخص من الآخر لم يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، والقبول على هذا التفسير أخص من الصحة فكل مقبول صحيح وليس كل صحيح مقبولا وهذا وإن وقع في الأحاديث التي نفى

(1) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 13).

(2)

حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 85).

(3)

انظر حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 86).

ص: 211

عنها القبول مع بقاء الصحة؛ كما جاء: إذا أبق العبد لم يقبل له صلاة، وفيمن أتى عرافًا وفي شارب الخمر، فإنه يضر (1) في الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، كما في حديث: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، أي من بلغت سن المحيض اللهم أن يقال دل الدليل على كون القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفى انتفت فيصح الاستدلال به. في القبول على نفي الصحة، ويحتاج في تلك الأحاديث التي نفى فيها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل (2) على أنه يرد على من فسر القبول يكون العبادة مثابًا عليها، أو مرضية، أو ما أشبه ذلك، إذا كان مقصوده بذلك أن لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة (3). أن يقال إن القواعد الشرعية تقتضي أن العبادة إذا أتى بها مطابقة للأمر كانت سببًا للثواب (4) والظواهر في ذلك لا تحصى (5).

• الثاني: الحدث يطلق (6) ويراد به نفس الخارج الناقض للوضوء وقد فسره بذلك أبو هريرة رضي الله عنه، وقد سئل عن الحدث، فقال: فساء أو ضراط (7)، ولعله نحا بذلك منحى المثل، وأشار إلى ما يتصور وقوعه في المسجد من أنواع الحدث على ما اقتضته قرينة الحال.

ويطلق ويراد به نفس خروج ذلك الخارج.

(1) حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (1/ 87) ففيه بحث.

(2)

في شرح عمدة الأحكام أو تخريج جواب (1/ 14).

(3)

شرح عمدة الأحكام (1/ 13 - 14).

(4)

زاد في شرح عمدة الأحكام والدرجات والإجزاء (1/ 14).

(5)

في شرح عمدة الأحكام (1/ 14) لا تنحصر بدل لا تحصى والمعنى واحد.

(6)

قال الصنعاني في حاشيته (1/ 90): أقول كأنه (أي ابن دقيق العيد) في عرف الفقهاء، ولذا قال يطلق ولم يقيده بنص اللغة، وليست معاني لغوية.

(7)

صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 65) برقم 135 باب لا تقبل صلاة بغير طهور.

ص: 212

ويطلق ويراد به منع (1) المرتب على ذلك الخروج وهذا هو المكلف رفعه عند الوضوء، فإن كل واحد من الخارج، والخروج قد وقع وما وقع لا يمكن رفعه.

وأما منع المرتب على الخروج فإن الشارع حكم به (2) ومد غايته إلى استعمال المكلف الطهور فباستعماله يرتفع المنع، ويصح قول القائل رفعت الحدث أي المنع المشار إليه (3).

وفي الحديث دليل لمن يرى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة على من لم يحدث (3)، وقد (4) تقدم في حديث ابن عمر المذكور.

* * *

(1) قال الصنعاني في حاشيته (1/ 90): "حذف متعلقه ليعلم كل ما يعتبر فيه الطهارة، فالمراد المنع عن كل قربة تكون الطهارة شرطًا في صحتها".

(2)

أي بالمنع.

(3)

شرح ابن دقيق العيد على عمدة الأحكام (1/ 13 - 15).

(4)

قال الصنعاني رحمه الله: "كما ذهب إليه جماعة مستدلين بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} فإنه علق البخاري غسل أعضاء الوضوء بالقيام"(1/ 96).

ص: 213