الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
81 - باب ما جاء أن الماء من الماء
حدثنا أحمد بن منيع ثنا عبد الله بن المبارك أنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها (1).
حدثنا أحمد بن منيع نا ابن المبارك أنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنَّه إذا جامع امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا.
حدثنا علي بن حجر نا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: إنما الماء من الماء في الاحتلام.
قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك.
قال أبو عيسى: أبو الجحاف اسمه داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري: ثنا أبو الجحاف، وكان مرضيًّا.
وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الماء من الماء".
(1) في نسخة ابن العجمي: عنه.
* الكلام عليه:
أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة، وهو حديث يختلف فيه على الزهري، فرواية ابن المبارك عن يونس عنه [كما ذكرنا].
- وأما عمرو بن الحارث، فرواه ابن وهب عنه عن ابن شهاب: حدثني بعض من أرضى: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره.
وقد رواه عثمان بن عمر عن يونس والليث عن عقيل كلاهما عن ابن شهاب فقالا عنه؛ قال سهل بن سعد، وكقولهما قال شعيب عن الزهري، ولم يأت بعنعنة ولا إخبار.
وقال الإمام أبو بكر بن خزيمة: وهذا الرجل الَّذي لم يسمه عمرو بن الحارث يشبه أن يكون أبا حازم سلمة بن دينار؛ لأن مبشر بن إسماعيل روى هذا الخبر عن أبي غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل عن أبي بن كعب.
وجزم بذلك البيهقي؛ فقال: هذا الحديث لم يسمعه الزهري من سهل، وإنما سمعه من بعض أصحابه عنه.
وذكر أبو عمر بسنده من طريق النسائي قال: أنا عبد الملك بن يحيى، قال: سمعت موسى بن هارون يقول: كان الزهري إنما يقول في هذا الحديث: قال سهل بن سعد، ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد، وقد سمع من سهل أحاديث، إلا أنَّه لم يسمع منه هذا.
وقال موسى -وذكر رواية عمرو بن الحارث من طريق ابن وهب التي قدمناها- ثم قال موسى: ولعمري إن كان الزهري سمعه من أبي حازم [فإن أبا حازم رضى]، فقد روى أبو حازم هذا الحديث عن سهل بن سعد.
قلت: فهو كما ترى مختلف فيه عن الزهري، فمنهم من يرويه عنه عن سهل عن أبي.
ومنهم من يقول فيه عن الزهري: قال سهل، من غير زيادة.
ومنهم من يصرح فيه بواسطة مجهول كما فعل عمرو بن الحارث.
ومنهم من يقول فيه: عن الزهري عن سهل بن سعد موقوفًا عليه لا يتجاوزه (1)، كذلك هو عند معمر عنه، ذكره الحازمي، وقبله أبو عمر ابن عبد البر.
وفيما ذكراه من ذلك نظر، فقد قرئ على الشيخة الأصيلة أم محمد (سيدة) بنت موسى بن عثمان بن عيسى بن درباس (المارانية)، وأنا أسمع: أخبرك الشايخ الأربعة: أبو بكر القاسم بن الإمام أبي سعد عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور الصفار، وأبو روح عبد المعز محمد بن أبي الفضل الهروي، وإسماعيل بن عثمان بن إسماعيل القاري، وزينب بنت عبد الرحمن بن أبي الحسن الشعري الجرجاني؛ إجازة قالت هي وابن الصفار والقاري: أنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي قراءة عليه ونحن نسمع، قالت هي وأبو روح: ثنا أخوه زاهر بن طاهر سماعًا، قالت هي وحدها: أنا الأستاذ أبو المظفر عبد المنعم بن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري -قراءة عليه وأنا أسمع، قالوا كلهم: أبنا الإمام أبو القاسم القشيري قراءة عليه ونحن نسمع-، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر بن الخفاف القنطري، قراءة عليه، قال: أنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي السراج، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم نا غندر نا معمر عن الزهري.
قال السراج: ونا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن
(1) زاد العجمي في نسخته: به!
سهل بن سعد الساعدي، قال: كان القول في الماء من الماء رخصة رخص في أول الإسلام، ثم أمرنا بالغسل.
وهذا على المشهور من الاصطلاح داخل في المرفوع، على أن ابن خزيمة روى حديث يونس عن أحمد بن منيع كما هو عند الترمذي (1) كما أتبعه أن قال: ونا أحمد بن منيع، قال: أنا ابن المبارك: أخبرني معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه.
وهذا منهما يقتضي أن رواية معمر مرفوعة، كرواية يونس، وقد يكون سهل بن سعد رفعه تارة وأفتى به تارة.
قوله: فظن من وقعت له الفتيا أن ليس عند معمر عن الزهري عنه غيرها، وليس كذلك.
وبالجملة فحديث أبي بن كعب من طريق الزهري هذا معلول بالانقطاع، بينه وبين سهل، ومن زاد في ذلك حجة على من نقص فالحكم بصحته لو سلم من هذا التعليل قد كان ممكنًا، وإن كان الحديث أقرب إلى الصحة من طريق آخر سنذكرها بعد الفراغ من الكلام على هذه.
وأما احتمال كون الواسطة بين الزهري وسهل أبو حازم فيصح لعدالة أبي حازم كما اعتذر به بعضهم عمن صححه، فأرفع مراتب ذلك الاحتمال الظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا.
وأما الطريق التي قلنا: إنها أقرب إلى الصحة من طريق الزهري؛ فقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد الظاهري وغيره: أخبركم أبو المنجا عبد الله بن عمر سماعًا، قال: ثنا عبد الأول بن عيسى ثنا أبو الحسن الداودي ثنا ابن حمويه،
(1) في هامش نسخة السندي: لعل هنا لفظ ساقط.
قلت: في نسخة ابن العجمي: وأتبعه كما أتبعه.
ثنا أبو عمران عيسى بن العباس السمرقندي أنبأ أبو محمد الدارمي، أنبأ أبو جعفر محمد بن مهران ثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي: أن الفتيا التي كانوا يفتون: الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام أو الزمان، ثم اغتسل بعد.
أخرجه أبو داود في "سننه" عن محمد بن مهران كذلك.
هذا حديث صحيح الإسناد، مخرج لرواته في الصحيحين، ليس فيها أكثر من أن ابن أبي حاتم ذكر أنَّه سأل أباه (1) عنه؟ فقال: ما أعرف هذا الحديث أصلًا!
ولعله إنما أشار إلى هذه الطريق خاصة، وإلا فقد ذكر ابنه عنه أنَّه سمعه يذكر الأحاديث المروية في الماء من الماء، ثم قال: هذا منسوخ نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي بن كعب (2)، فلعله عرفه بعد ذلك، أو لم يعرفه من هذه الطريق، وهذا الدارمي وأبو داود قد عرفاه، وأخرجاه عن شيخ واحد، وإذا لم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره فليس من لم يعرف حجة على من عرف.
وأخرج البيهقي حديث (الزهري) عن سعد ثم أعله بالانقطاع المذكور، ثم قال بعد تخريجه: وقد رويناه بإسناد آخر موصول صحيح عن سهل بن سعد.
وأخرج حديث أبي حازم: هذا عن الدارقطني من طريق موسى بن هارون الحمال وعن غيره من طريق أبي داود؛ فلا مانع من القول بصحته، والله أعلم.
وقوله: (وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب ورافع
(1) في نسخة ابن العجمي:
الَّذي في "العلل": أن أبا حاتم سأل عبد الرحمن الحلبي ابن أخي الإمام. اهـ.
انظر "العلل"(86)، ففيه الأمر كذلك على ما وصف ابن العجمي، لا ما ذكره المصنّف.
(2)
"العلل"(114).
ابن خديج)، يعني في الجمع بين ثبوت حكم الماء من الماء في الأول، ثم الأمر بالاغتسال من التقاء الختانين بعد ذلك، إذ الأحاديث في ذلك على ثلاثة أنحاء:
فالأول: الماء من الماء كما سنذكره في هذا الباب.
والثاني: الأمر بالغسل من التقاء الختانين بعد ذلك، كما سبق.
والثالث: الإخبار أن ذلك كان أولًا ثم تغير حكمه.
وفي هذا المعنى حديث أبي بن كعب، وقد انتهى الكلام عليه.
وحديث رافع بن خديج وقد تقدم في الباب قبل هذا يسير من الكلام عليه، وسنذكر تكملته عليه.
وفيه أيضًا مما لم يذكره حديث عن عائشة يأتي ذكره.
أما حديث رافع، فأخرجه الحازمي من طريق الإمام أحمد، كما ذكرناه، ثم قال: هذا حديث حسن! وهو عندي بعيد عن ذلك لضعف رشدين راويه.
وإن نازع في انحطاطه إلى رتبة من لا يحسَّن حديثه، فكيف يصنع ببعض ولد رافع، وهو هكذا مجهول العين والحال؟
على أن أبا الطاهر بن السرح قد رواه عن رشدين، فقال فيه: سهل بن رافع عن أبيه؛ رواه أبو بكر أحمد بن محمد المهندس عن محمد بن زبان بن حبيب عنه؛ فسمّى ولد رافع سهلًا، لكنه لم يتحصل منه ما يرفع الاعتلال به بعد، فالحديث ضعيف به وبرشدين. والله أعلم.
وأما حديث عائشة فرواه أبو حاتم بن حبان من طريق الحسين بن عمران (1) عن
(1) عند ابن حبان (1177): الحسين بن عثمان، وقال: هو ابن عثمان بن بشر بن المحتفز، من أهل البصرة، سكن مرو، ثقة.=
الزهري قال: سألت عروة في (1) الَّذي يجامع ولا ينزل؟
قال: على الناس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل، رواه عن علي بن الحسين بن سليمان أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ثنا أبو ضمرة (2) ثنا الحسين بن عمران به.
وأخرجه الدارقطني أيضًا من حديث الحسين بن عمران وقال فيه: نَوْل الناس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
ونول بنون بعدها واو وآخرها لام، ونونه مفتوحة وواوه ساكنة؛ قال الجوهري: وقولهم: نولك أن تفعل كذا، أي: حقك، وينبغي لك، وأصله من التناول كأنك قلت: تناولك كذا وكذا.
صححه ابن حبان وفي إسناده الحسين بن عمران؛ قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وذكر أبو بشر في حديث رواه الحسين المذكور عن خيثمة: كنت عند ابن عباس في النذر، وقال: لا يتابع عليه.
وذكر أبا الجحاف وقال: اسمه داود بن أبي عوف، وهو التميمي روى عن
= قال الحافظ في "الإتحاف"(22083): كذا وقع عند ابن حبان، وأظن الصواب في رواية الدارقطني، فقد رواه أبو جعفر العقيلي، في "ضعفائه" في ترجمة الحسين بن عمران، وقال: لا يتابع عليه. اهـ.
قلت: فظهر أن في نقل ابن سيد الناس تجوَّز واضح.
(1)
عند ابن حبان: من،
…
، والآخر، وسقط الكلمة الثانية:(والآخر) عند الدارقطني.
(2)
كذا وقع في النسخ الثلاث، وفي المطبوع أبو حمزة، بل سماه ونسبه العقيلي في "الضعفاء" (1/ 273 - 274) فقال: أبو حمزة السكري وهو محمد بن ميمون.
عكرمة وعطية العوفي وأبي حازم والشعبي.
رورى عنه الثوري وشريك وتليد بن سليمان وعبد السلام بن حرب، قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، قال: أنا عبد العزيز بن الخطاب الكوفي بالبصرة، قال: سألت عبد الله بن داود: ما كان أبو الجحاف عند سفيان؟
قال: كان يوثقه ويعظمه.
قال: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: قال أبي: أبو الجحاف داود بن أبي عوف، قلت: هو ثقة؟ قال: ثقة.
سمعت أبي يقول: أبو الجحاف داود بن أبي عوف صالح الحديث.
قال: (وفي الباب عن عثمان
…
) إلى آخره، يعني: باب الماء من الماء.
فأما حديث عثمان وعلي والزبير وطلحة وأبي أيوب، فروينا من طريق الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان نا محمد بن المثنى.
وأخبرني محمد بن إسحاق بن خزيمة نا الحسين بن عيسى البسطامي، قالا: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يحدث عن الحسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسارعن زيد بن خالد الجهني: أنَّه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع ولا ينزل؟
قال: ما عليه إلا الطهور، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فسألت علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب، فقالوا مثل ذلك.
قال أبو سلمة: وحدثني عروة بن الزبير عن أبي أيوب الأنصاري مثل ذلك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي وقال: ما عليه غسل.
ورويت من طريق السراج بالسند المذكور في هذا الباب، قال: نا هارون بن عبد الله نا عبد الصمد: سمعت أبي نا حسين المعلم ثنا يحيى بن أبي كثير: أن أبا سلمة حدثه عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنَّه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع فلا ينزل؟ قال: ليس عليه الغسل، عليه الطهور، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسألت علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب، فقالوا مثل ذلك.
وأخرجه البخاري من حديث حسين المعلم عن يحيى، كما أخرجناه، غير أنَّه قال: فأمروه بذلك، ولم يقل: فقالوا مثل ذلك.
ولفظة: فأمروه بذلك لا تقتضي الرواية، بل تقتضي الفتوى.
وأما قوله: فقالوا مثل ذلك، فتحتمل الجمع بين الرواية والفتوى معًا، وهو ظاهر لأن عثمان أفتى وروى، وهؤلاء قالوا مثله، وإذا قالوا مثله فقد جمعوا بين الأمرين، وقد أوضح ذلك ما رواه الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد البغوي ثنا يحيى بن عبد الحميد نا عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم قال بهذا الإسناد. يكسل ولا ينزل، وقال: ليس عليه غسل، وفيه: وأتيت طلحة والزبير وأبي بن كعب فسألتهم فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإسماعيلي: لم يذكر عليًّا، وجعل الخبر مسندًا عن هؤلاء أيضًا، وقال: ولم يقل أحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم غير الحماني، وليس الحماني من شرط هذا الكتاب.
وأما أبي بن كعب؛ فقد روى البخاري ومسلم حديثه في ذلك من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب عن أبي بن كعب رضي الله عنهما: أنَّه قال: يا رسول الله! إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟
قال: "يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي". وهذا لفظ البخاري، وقد روي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنذكره بعد.
وأما قول الإسماعيلي في الحماني: ليس من شرط هذا الكتاب، فصحيح لما فيه من الكلام فهو وإن كان يحيى بن معين قد أثنى عليه ووثقه فيما روى ابن أبي خيثمة عنه.
وقال: لم يزل صدوقًا، فيما روى العباس الدوري عنه.
وقال: ما كان بالكوفة رجل أيامه يحفظ معه، وهؤلاء يحسدونه، فيما روى عنه أبو بكر بن أبي خيثمة عنه.
وقال: صدوق مشهور ما في الأرض مثله ما يقال فيه إلا من حسد، فيما روى عثمان الدارمي عنه.
فقد تكلم فيه غيره وأساء القول فيه غير واحد من أهل هذا الشأن؛ فهو كما قال: ليس على شرطه، غير أنَّه ليس هو هنا منفردًا بأصل يحتاج فيه إليه، ولا بإسناد مرسل يتوقف إسناده عليه، وأكثر ما عنده زيادة بيان للفظ آخر، وقد كان قول الراوي الأول: فقالوا مثل ذلك؛ كافيًا في الرفع المراد.
وقد روينا حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الماء من الماء" من طريق السراج بالسند المذكور قال: أنا عبد الجبار بن العلاء نا سفيان عن عمرو عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن بن سعاد عنه. رواه النسائي.
وروينا عن علي بن أبي طالب في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل" من طريق النسائي.
وحديث أبي سعيد الخدري، رويناه من طريق مسلم وغيره من حديث ابن
وهب عن عمرو بن الحارث: أن ابن شهاب حدثه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنما الماء من الماء".
وروينا بالسند المتقدم إلى أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال: ثنا الحسن بن أبي الربيع نا عبد الرزاق نا سفيان عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل".
وفي الباب مما لم يذكره.
حديث أبي بن كعب: وقد ذكرناه في أثناء طرق حديث عثمان، وقد كان يحسن به ذكره، فليس هو حديث الباب عنده، لما ذكرناه من الفرق بينهما.
وفيه أيضًا عن أبي هريرة؛ روى الطحاوي (1) من حديث العلاء بن محمد بن سيار عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من الأنصار فأبطأ فاحتبس، فقال:"ما حبسك"؟ قال: كنت أصيب من أهلي، فلما جاءني رسولك اغتسلت ثم لم أحدث شيئًا (2).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء، والغسل على من أنزل".
أخرجه عن يزيد (3) عن العلاء.
يزيد هذا هو يزيد بن سنان.
وإلى هذه الأحاديث ذهب جماعة من الصحابة، قال الحازمي: وقالت طائفة: لا غسل عليه إذا جامع ولم ينزل، روينا ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن
(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 54 - 55).
(2)
في هامش أصل المؤلف: في نسخة: من غير أن أحدث شيئًا.
(3)
رسمت في نسخة السندي: زيد!
مسعود وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي أيوب وأبي سعيد ورافع بن خديج وابن عباس وزيد بن خالد الجهني.
ومن التابعي: عروة بن الزبير.
ثم ذكر المخالفين لهم في ذلك؛ الذين قدمنا ذكرهم في الباب قبل هذا، وما يحتج لهم به من السنن والآثار. وقد قال أبو بكر بن المنذر: ولا أعلم اليوم بين أهل العلم فيه اختلافًا.
قال: فإن قيل: هذه الآثار تخبر عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يجوز أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس حتمًا، والآثار يعني في الباب الآخر تخبر عما يجب، وعما لا فهو أولى.
يقال: الآثار التي رويت في باب الماء من الماء على قسمين:
قسم منها: الماء من الماء لا غير.
وقسم منها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا غسل على من أكسل حتَّى ينزل".
وأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء فإن بعضهم حمله على وجه يمكن الجمع بي الحكمين.
روينا عن ابن عباس، وذكر عن ابن عباس قوله الَّذي سبق: الماء من الماء في الَّذي يحتلم ليلًا، ويستيقظ من منامه ولا يجد بللًا.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بيّن فيه الأمر وأخبر فيه بالقصة وأنه لا غسل في ذلك حتَّى يكون الماء، فإنه قد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، وقد صحت الأخبار في طرفي الإيجاب والرخصة، وتعذر الجمع، فنظرنا هل نجد مناصًا عن غوائل التعارض من جهة التاريخ حيث تعذر معرفته من صريح اللفظ، فوجدنا
آثارًا تدل على ذلك وبعضها يصرح بالنسخ فحينئذ تعين المصير إلى الإيجاب لتحقق النسخ في ذلك، ثم ذكر حديث أبي بن كعب ورافع بن خديج وحديث عائشة: ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل، يعني فتح مكة، وذكر عن مالك عن يحيى بن سعيد بن عبد الله بن كعب عن محمود بن لبيد: أنَّه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يغسل ولا ينزل؟ فقال زيد: يغتسل. فقلت له: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل. فقال زيد: إن أبيًّا قد نرع عن ذلك قبل أن يموت.
قال: فهذا أبي قال هذا، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فلا يجوز هذا عندنا إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله الشافعي، وكان الحازمي قد حكى عن الشافعي نحو هذا الكلام.
وقال فيما روى محمد بن يحيى الذهلي: أنا أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: كان رجال من الأنصار فيهم أبو أيوب وأبو سعيد الخدري يفتون: الماء من الماء، ويقولون: إنه ليس على من مس امرأته غسل، ما لم يمْنِ، فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب ولعثمان بن عفان ولعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر، أبوا تلك الفتيا، وقالوا: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل.
وهذا يدل على أن أكثر من كان يرى الرخصة لما بلغهم النسخ نزعوا عن ذلك.
وروينا عن علقمة وابن مسعود نحوه. انتهى.
قول الحازمي: قسم منها: الماء من الماء، ثم خرجه على تأويل ابن عباس، ويمكن أن يقال: إن هذا القسم على قسمين:
الأول: ما ورد بهذه الصيغة.
والثاني: ما ورد: إنما الماء من الماء بصيغة الحصر المتفق عليه.
فهذا يفتقر إلى تأويل ابن عباس.
وأما الأول فيكفي في رده منع الحصر، إذ القول بحصر المبتدأ في الخبر ضعيف.
وكذلك قوله: "إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل" وهو لفظ حديث أبي سعيد، وما في معناه؛ فإنه يقبل التأويل بأن يكون الإعجال فيه أو الإكسال أنَّه لم يبلغ مجاوزة الختان الختان، فأحاديث الإعجال والإكسأل أيضًا تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ذكرناه، ويحتمل التأويل المشار إليه.
والثاني: لا غسل معه ما لم يمن أو ما لم ينزل.
فهذا يحتاج فيه إلى القول بالنسخ، ونسخ السنة مما اتفق الناس على جوازه من أنواع النسخ.
وأما الرواية عن ابن مسعود التي ذكرها في أول الباب فإنه كان يقول الماء من الماء فهي عند عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن مسعود.
وعطاء لم يسمع من ابن مسعود.
وأما هذه الثانية التي أشار إليها أخيرًا فهي صحيحة متصلة ذكرها ابن أبي شيبة (1) قال: أنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أما أنا فإذا بلغت ذلك منها اغتسلت.
وقد ذكر ابن أبي شيبة الفتيا بذلك عن علي، قال: أنا أبو بكر بن عياش عن
(1)"المصنف"(1/ 85) و (1/ 159 / 943) ط. الرشد الجديدة.
عاصم عن زر عن علي عليه السلام قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل.
وروى نحوه عن أبي بن كعب وابن عباس، وقد تقدم ذكر من ذهب إلى ذلك من الصحابة في الباب قبل هذا.
وذكر أبو عمر: أن ابن خويز منداذ ذكر أن إجماع الصحابة انعقد على إيجاب الغسل من التقاء الختانين.
قال: وليس ذلك عندنا كذلك، ولكننا نقول: إن الاختلاف في هذا ضعيف، وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين أو مجاوزة الختان الختان وهو الحق إن شاء الله تعالى.
وكيف يجوز القول بإجماع الصحابة في شيء من هذه المسألة؛ وذكر حديث زيد بن خالد: سألت زيد بن خالد، قال: سألت خمسة من المهاجرين لا آلو، منهم علي بن أبي طالب كلهم قالوا: الماء من الماء.
وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: أخبرني إسماعيل الشيباني عن امرأة رافع بن خديج: أن رافع بن خديج كان لا يغتسل إلا إذا أنزل الماء، وكان إسماعيل قد خلف على امرأة رافع بن خديج.
وذكره أيضًا عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.
وقد كان هشام بن عروة يقول به؛ ذكر عبد الرزاق عن
…
عن هشام بن عروة قال: سمعته يقول: أصبت فأكسلت ولم أنزل فلم أغتسل.
وقد ذكر مثله عن عروة والأعمش.
فأما دعوى الإجماع في هذا عن الصحابة كما حكيناه عمن زعمه فبعيد.
وأما عن التابعين فقد ذكرنا مذهب الجمهور، وأن المخالف منهم لذلك يسير.
وأما عمن بعدهم فليس دعوى الإجماع فيه ببعيد إلا من شذ من الظاهرية، فبعضهم وافق الجماعة في ذلك، ومنهم من خالف، وليس هذا الخلاف معتبرًا عندهم لا سيما وقد ظهر ضعف مأخذه. والله أعلم.
* * *