الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
61 - باب الوضوء من مس الذكر
حدثنا إسحاق بن منصور قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، عن بسرة بنت صفوان: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من مسّ ذكره فلا يصل حتى يتوضأ".
قال: وفي الباب عن أم حبيبة، وأبي أيوب، وأبي هريرة وأروى بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد، وعبد الله بن عمرو.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال: هكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة.
وروى أبو أسامة وغير واحد هذا الحديث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه: حدثنا بذلك إسحاق بن منصور: ثنا أبو أسامة بهذا.
وروى هذا الحديث أبو الزناد عن عروة، عن بسرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. حدثنا بذلك علي بن حجر: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن بسرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: نحوه. وهو قول غير واحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
قال محمد: أصحّ شيء في هذا الباب حديث بسرة.
قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح، وهو حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة.
وقال محمد: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن
رجل، عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحًا (1).
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد (2) وأبو (3) داود والنسائي (4) وابن (5) ماجة، وبسرة هي بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهي خالة صفوان بن الحكم، كذا رأيته بخط الدمياطي، وهي عند أبي (6) عمر جدة عبد الملك بن مروان لأمه عائشة بنت مغيرة بن أبي العاص، وعند الزبير (7): هي جدة أم عبد الملك.
وقال أبو (8) عمر في "التمهيد": وكانت بسرة خالة عبد الملك وهذا أعلى ما جاء في ذلك، وقد طعن في هذا الحديث (8) رواه معلولًا، هو وحديث طلق المعارض البخاري، وليس قوله: هو أصح حديث في الباب تصحيحًا له كما سبق، وإنّما مراده هو على علّاته أصح من غيره من أحاديث الباب.
وقد اغتر القاضي أبو (9) بكر بن العربي بهذا العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه، وليس كذلك، وقد قال عنه أبو (10) عمر: "كل من خرج في الصحيح ذكر حديث بسرة في هذا الباب، وحديث طلق بن علي، إلا البخاري فهما عنده
(1) الجامع (1/ 126 - 130).
(2)
المسند (6/ 407) و (6/ 406).
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 125 - 126) برقم 181 باب الوضوء من مس الذكر.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 108) برقم 163 باب الوضوء من مس الذكر وبرقم 164.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 161) برقم 479 باب الوضوء من مس الذكر.
(6)
الاستيعاب (4/ 1796) برقم 3255.
(7)
الاستيعاب (4/ 1796).
(8)
التمهيد (17/ 189) وليس هو من قول ابن عبد البر بل الذي رجحه كونها أم عبد الملك كما صرح بذلك في الصفحة نفسها.
(9)
عارضة الأحوذي (1/ 99).
(10)
التمهيد (17/ 197).
متعارضان معلولان" (1).
ورواه صحيحًا أبو (2) حاتم بن حبان، وقبله الإمام أحمد (3) بن حنبل.
قال الشيخ أبو (4) الحسن الدارقطني: ثنا ابن مخلد: ثنا أبو داود السجستاني قال: قلت لأحمد بن حنبل حديث بسرة في مس الذكر ليس بصحيح، قال:"بل هو صحيح، وذلك أن مروان حدثهم عنها، ثم جاءهم الرسول عنها بذلك". وتصحيحه بما سيأتي ذكره أولى من تصحيحه بهذا، لما فيه من الاعتراض بالشرطي الذي هو واسطة بين مروان وبسرة، وكذلك جنح إلى تصحيحه أيضًا الدارقطني (5)، فإنّه قال (6) في كلامه على هذا الحديث من طريق هشام بن عروة، فلما اختلف على هشام بن عروة في إسناد هذا الحديث فرواه عنه جماعة من الرفعاء الثقات منهم أيوب السختياني ويحيى القطان، ومن قدمنا ذكره معهما.
فرواه عن هشام، عن أبيه، عن بسرة، وخالفهم جماعة من الرفعاء الثقات أيضًا منهم سفيان الثوري وهشام بن حسان، وعبد الله بن إدريس وغيرهم ممن قدمنا ذكره معهم، فرووه عن هشام عن أبيه، عن مروان عن بسرة، فلما ورد هذا الاختلاف
(1) زاد في التمهيد وعنده غيره هما صحيحان.
(2)
صحيح ابن حبان (3/ 396) برقم 1112 و 1113 و 1114 و 1115 و 1116 و 1117.
(3)
المسند (6/ 407) و (6/ 406) وقال أبو داود وقلت لأحمد: حديث بسرة ليس بصحيح؟ قال: بل هو صحيح. انظر التلخيص الحبير (1/ 214) وسيأتي نقل المصنف لذلك.
(4)
لعله في علله.
(5)
السنن (1/ 146).
(6)
وكلامه هذا أعني الدارقطني في العلل ونقل قريبًا منه ابن دقيق العيد في الإمام (2/ 282) وذكر نحوه عن الدارقطني الحاكم في المستدرك (1/ 136) وعزاه محقق كتاب الإمام إلى المخطوط من كتاب العلل للدارقطني (5 / ل 198 / ب) وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 215) وبسط الدارقطني في علله الكلام عليه في نحو من كراسين.
عن هشام أشكل أمر هذا الحديث، وظنّ كثير من الناس من لم يفهم النظر في الاختلاف، أن هذا الخبر غير ثابت لاختلافهم فيه، ولأن الواجب في الحكم أن يكون القول قول من زاد في الإسناد لأنهم ثقات، فزيادتهم مقبولة، فحكم قوم من أهل العلم بضعف الحديث لطعنهم على مروان فلما نظرنا في ذلك، وبحثنا عنه وجدنا جماعة من الثقات الحفاظ منهم شعيب بن إسحاق الدمشقي، وربيعة بن عثمان التيمي، والمنذر بن عبد الله الحراني، وعنبسة بن عبد الواحد الكوفي، وعلي بن مسهر القاضي الكوفي، وحميد بن الأسود، وأبو الأسود البصري، وزهير بن معاوية الجعفي، رووا هذا الحديث عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، ذكروا في روايتهم في آخر الحديث أن عروة قال: ثم لقيت بسرة بعد فسألتها عن الحديث فحدثني به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني مروان عنها فدلّ ذلك من رواية هؤلاء النفر على صحة الروايتين الأوليين جميعًا، وزال الاختلاف والحمد لله، وصح الخبر، وثبت أن عروة سمعه من بسرة مشافهة به بعد أن أخبره مروان عنها، وبعد أن أرسله له الشرطي إليها، ومما يقوّي ذلك ويدل على صحته أن هشامًا كان يحدث به مرة عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن السماع الأول، عن عروة. وكان يحدث به تارة أخرى عن أبيه، عن بسرة على مشافهة عروة لبسرة، وسماعه عنها بعد أن سمعه من مروان عنها، ما قدمنا ذكره من رواية ابن جريج وحماد بن سلمة وزمعة وأبي علقمة الفروي وسعيد الحمصي وابن أبي الزناد ومحمد وهشام بن حسان فإنهم رووه عن هشام، على الوجهين جميعًا، وكان هشام ربما نشط فحدث به على الوجهين جميعًا كما رواه شعيب بن إسحاق، ومن تابعه، انتهى كلام الدارقطني.
وفيه قوله: فحكم قوم من أهل العلم بضعف الحديث لطعنهم على مروان، ولم يعرض بعد ذلك لإقرار هذا الطعن، ولا ردّه حتى يعلم رأيه في مروان، وإن كان
الحازمي (1) قال في كلام له: إن صاحبي الصحيح قد احتجا بمروان فمن دونه من رواة هذا الخبر، فليس كما قال، وإنما هو مورد من أفراد البخاري (2) وممن صححه أيضًا الحاكم (3) أبو عبد الله بالطرق التي صححه بها الدارقطني التي قدمنا ذكرها، إن جماعة من الحفاظ حدثوا به عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وإن عروة لقي بسرة فحدثته به قال: فدل ذلك على صحة الحديث، وكونه على شرط الشيخين، وزال عنه الخلاف. انتهى كلام الحاكم. وهو طريق ابن (4) حبان أيضًا في "صحيحه". فإنه قال: قد صحّ أن عروة سمعه من بسرة. انتهى.
وبعض من قدمنا ذكره ممن رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة. ثم عن عروة، عن بسرة يقول في روايته: فأنكر ذلك عروة، فسأل بسرة فصدقته، وقد عللت رواية هشام بن عروة هذه بحديث بسرة بما قيل من أن هشامًا لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة فمنهم من يرويه عن هشام بن عروة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو حزم، عن عروة كذلك، رواه همام، ومنهم من يرويه عن هشام، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة كذلك رواه داود العطار، قد أزاح هذه العلة أن الطبراني (5) روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: قال شعبة لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر، يعني منه، قال يحيى: فسألت هشامًا فقال: أخبرني أبي، وقد صح سماع هشام من أبيه، كما صح سماع عروة من بسرة ورواه الحاكم (6) أيضًا من جهة عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد، عن هشام
(1) الاعتبار (93) ط. المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز.
(2)
انظر تهذيب الكمال (27/ 387)(27/ 389).
(3)
المستدرك (1/ 136 فما بعدها).
(4)
صحيح ابن حبان (3/ 397) الإحسان.
(5)
المعجم الكبير (24/ 202) برقم 519.
(6)
المستدرك (1/ 137 - 138 - 139).
قال: حدثني أبي، وجعل الحاكم رواية داود العطار وهمًا منه، وقال: رواية هشام عن أبي بكر بن محمد بن عمرو أنها لم تأت من وجه معتمد، وقد خرجها الطبراني (1): ثنا علي بن عبد العزيز، عن حجاج بن منهال، عن همام بن يحيى، وهي رواية همام وهؤلاء كلهم موثقون لكنها مرجوحة بمخالفة الجم الغفير إياها عن هشام بن عروة، وإذا صح الحديث بالطرق التي ذكرناها، وبتصحيح من الأئمة الذين ذكرناهم فغير مجد بعد ذلك الطعن فيه بالخلف الواقع في الطرق الخارجة عنه هذه، أو دخول الشرطي في إبلاغه بين عروة وبسرة، أو بين مروان وبسرة، وما أشبه ذلك من الاعتلال، فالضعيف لا يعلّ الصحيح، وقد ثبت استغناء الخبر عن الشرطي المجهول، وعمن أرسل الشرطي الذي طعن به يحيى (2) بن معين على الحديث، وقد ذكر عنه أنه قال: أي حديث حديث بسرة لولا قابل طلحة في الطريق، ولحديث بسرة طرق كثيرة عن غير هشام بن عروة من جهة مالك والزهري وغيرهما، تركنا ذكرها اختصارًا، وإنما تكلمنا على طريق هشام بن عروة لأنها التي خرجها الترمذي (3)، وحديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رواه ابن (4) ماجه وغيره من حديث مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مسه فرجه فليتوضأ.
روي عن الإمام أحمد (5) أنه قال: حديث أم حبيبة هذا صحيح، وحكى الترمذي (6) عن أبي زرعة تصحيحه أيضًا، وذكر ابن (7) أبي حاتم في "المراسيل": أنه
(1) المعجم الكبير (24/ 198) برقم 504.
(2)
انظر التلخيص الحبير (1/ 214 - 215).
(3)
الجامع (1/ 126).
(4)
سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 481 باب الوضوء من مس الذكر.
(5)
نقل ذلك الخلال في علله كما في التلخيص الحبير (1/ 217).
(6)
الجامع (1/ 130).
(7)
المراسيل (165) برقم 369 وأبو حاتم يحكيه عن هشام بن عمار.
سأل أباه عنه فقال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا، وهذا مخالف لما حكى الترمذي (1) عنه، وقد أعلّه غير أبي زرعة بالانقطاع، ذكر ذلك عن يحيى بن معين في خبر سنذكره عند الفراغ من إيراد هذه الأحاديث.
قال أبو (2) عمر: قد صحّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، ذكر ذلك دحيم وغيره.
وذكر البيهقي (3) عن الحاكم (4) قال: هذا حديث حدث به الإمام أحمد بن حنبل ويحيى (5) بن معين، وأئمة الحديث عن أبي مسهر، وكان يحيى بن معين يثبت سماع مكحول من عنبسة، فإذا ثبت سماعه منه فهو أصح حديث في الباب.
وحديث أبي أيوب عند ابن (4) ماجه من حديث إسحاق بن أبي فروة عن الزهريّ، عن عبد الله بن عبد القاري، عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مسّ فرجه فليتوضأ". رواه عن سفيان بن وكيع، عن عبد السلام بن حرب، عنه. إسحاق (6) بن أبي فروة ضعيف عندهم.
وأما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء". فهو مشهور من رواية يزيد
(1) العلل الكبير (1/ 161).
(2)
التمهيد (17/ 194).
(3)
الخلافيات (2/ 275) برقم 553.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 482 باب الوضوء من مس الذكر.
(5)
وإسحاق بن راهوية كما في الخلافيات.
(6)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 227) برقم 792 وتهذيب الكمال (2/ 446 - 454) برقم 367 وتهذيب التهذيب (1/ 123 - 124).
ابن عبد الملك النوفلي، عن المقبري، عنه. رواه الشافعي (1) والبزار (2) وغيرهما.
وقال البزار (3) في النوفلي: بين الحديث، قال: ولا نعلمه يروى عن أبي هريرة بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه.
وقال أحمد (4): شيخ من أهل المدينة ليس به بأس يعني النوفلي، وذكر هذا الحديث من طريقه البيهقي والحازمي واقتصرا على ما نقل عن أحمد فيه من قوله: ليس به بأس وقد ضعفه غير أحمد.
قال أحمد (5): عنده مناكير.
قال أبو العرب: قال لي مالك بن عيسى: يزيد بن عبد الملك النوفلي: ضعيف.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وذكر ابن الجوزي عن أحمد أنه قال: عنده مناكير (5).
قال يحيى والدارقطني: ضعيف.
قال البخاري: أحاديث شبه لا شيء، وضعفه جدًّا.
وقال أبو (6) حاتم الرازي: منكر الحديث جدًّا.
فالحديث مضعف بالنوفلي إذًا، وقد أعل أيضًا بالانقطاع بين النوفلي وسعيد المقبري، فإنّه ذكر عن يحيى (7) بن معين أنه قال: سقط بينهما رجل، وقد رواه
(1) المسند (1/ 34 - 35 ترتيب) برقم 88.
(2)
في مسنده (1/ 149 كشف) برقم 286.
(3)
المصدر السابق.
(4)
المعرفة والتاريخ (1/ 427) والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 133).
(5)
كذا جاء مكررًا! وقد نقله عن أحمد البخاري كما في "تهذيب الكمال".
(6)
الجرح والتعديل (9/ 279) برقم 1171.
(7)
انظر التلخيص الحبير (1/ 220).
عبد الله بن نافع، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبي موسى الخياط، عن سعيد بن أبي سعيد. ذكر عن البيهقي (1) أنَّه رواه في الخلافيات (1)، كذلك من جهة عبد العزيز بن مقلاص، عن الشافعي، عن عبد الله بن نافع. أبو (2) موسى هذا: مجهول. قاله يحيى (3). وعبد (4) الله بن نافع: هو الصائغ صاحب مالك، أثنى عليه غير واحد من العلماء.
وقال أحمد (5): لم يكن يحفظ الحديث، كان الغالب عليه الرأي، وقد أخبرنا به أبو عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن الصوري: ثنا أسعد بن سعيد بن روح، وعائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية: ثنا أبو بكر بن ريذة: ثنا الطبراني (6): ثنا أحمد بن عبد الله بن العباس الطائي البغدادي: ثنا أحمد بن سعيد الهمداني: ثنا أصبغ بن الفرج: ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم، ويزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء".
قال الطبراني (7): لم يروه عن نافع المقرئ إلا عبد الرحمن بن القاسم، وذكر
(1) الخلافيات (2/ 247) برقم 524.
(2)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 290) برقم 1605 وتهذيب الكمال (23/ 15 - 19) برقم 4648 وتهذيب التهذيب (3/ 364 - 365).
(3)
نقله الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 220) وانظر التمهيد (17/ 192).
(4)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 183 - 184) برقم 856 وتهذيب الكمال (16/ 208 - 212) برقم 3609 وتهذيب التهذيب (2/ 443 - 444).
(5)
سؤالات أبي داود (226) برقم 211.
(6)
المعجم الأوسط (2/ 237) برقم 1850.
(7)
المصدر السابق.
هذه الطريق أبو (1) عمر بن عبد البر، عن خلف بن القاسم، ثنا سعيد بن عثمان بن السكن، ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج قالا: ثنا علي بن أحمد البزار: ثنا أحمد بن سعيد الهمداني فذكره.
قال أبو (2) عمر: "هذا إسناد صالح صحيح إن شاء الله تعالى".
وقال ابن (3) السكن: "هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب. قال: وأصبغ وابن القاسم ثقتان فقيهان، فصحَ الحديث بنقل العدل عن العدل". انتهى كلامه.
وأما نافع (4) بن أبي نعيم فهو أجود حالًا من النوفلي، وهو وإن كان أحمد (5) يقول عنه: يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء، فقد وثقه يحيى (6).
وقال الرازي (7): صالح الحديث.
ورواه الحاكم (8) أبو عبد الله أيضًا عن طريق أصبغ، عن ابن القاسم، عن المقبري. من غير ذكر للنوفلي، ثم قال الحاكم:"وهذا صحيح، وشاهده الحديث المشهور من طريق النوفلي عن سعيد".
(1) التمهيد (17/ 195).
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق.
(4)
انظر ترجمته في التاريخ الكبير (8/ 87) برقم 2281، الجرح والتعديل (8/ 456) برقم 2089 وتهذيب الكمال (29/ 281) برقم 6364 وتهذيب التهذيب (4/ 207).
(5)
الجرح والتعديل (8/ 456)، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 156) برقم 3504، ميزان الاعتدال (7/ 7) برقم 9004.
(6)
تاريخ الدوري (2/ 602).
(7)
الجرح والتعديل (8/ 457) وفيه صدوق صالح الحديث.
(8)
المستدرك (1/ 138).
وأما الانقطاع الذي أشرنا إليه فقد قال الشافعي (1) في رواية حرملة، قد سمع يزيد بن عبد الملك من سعيد المقبري، فإذا جمعت إلى كلام الشافعي هذا شهرة، فالحديث من طريق النوفلي عن سعيد بغير واسطة، وقول أحمد في ابن نافع مثبت الواسطة كان الغالب عليه الرأي، ولم يكن الحديث من شأنه، حصل من مجموع ذلك تقوية قول من قال بصحته، كما ذكرناه عن ابن السكن والحاكم، وكما هو مذكور عن ابن حبان أيضًا وله حديث بسرة في الاختلاف على هشام بن عروة.
قال الدارقطني (2) في علل حديث بسرة: وكذلك ما رواه هشام بن زياد أبو المقدام عن هشام، عن أبيه، عن أروى بنت أنيس. ورواه يحيى بن أيوب المصري، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك قيل عن الدراوردي. رفعناه جميعًا عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يصح هذا القول عن هشام، وروى الدارقطني (3) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. قلت: بأبي أنت وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة". رواه من طريق عبد الرحمن بن عبد الله العمري، وقال: هو ضعيف.
وحديث جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء، رواه ابن (4) ماجه وأبو (5) بكر الأثرم.
(1) المعرفة للبيهقي (1/ 388) برقم 1087.
(2)
العلل (5 / ل 201 / ب) عن طريق محقق الإمام لابن دقيق العيد (2/ 291) فإن ابن دقيق العيد أشار إلى كلام الدارقطني في العلل وعنه ينقل المصنف.
(3)
السنن (1/ 147 - 148) برقم 9.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 162) برقم 480.
(5)
انظر التلخيص الحبير (1/ 216) والتمهيد (17/ 193).
وقال الحافظ أبو (1) عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: "لا أعلم بإسناده بأسًا"، وذكره أبو (2) عمر فقال:"هذا إسناد صالح (3)، كل مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن عبد الرحمن، فإنه ليس بالمشهور بالعلم"(4).
وحديث زيد بن خالد: روى ابن (5) أبي شيبة، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة عن زيد بن خالد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من مس فرجه فليتوضأ". وهو خطأ من ابن إسحاق عند يحيى (6) بن معين، وعلي (7) بن المديني.
وقد روي من حديث عروة على الشك عن بسرة أو زيد بن خالد. وقد روى على الجمع بينهما من غير شك، وهو من الاختلاف في حديث بسرة كما تقدم في حديث أروى وعائشة.
وحديث عبد الله بن عمرو من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مس فرجه فليتوضأ، وأي امرأة مست فرجها فلتتوضأ". رواه الإمام أحمد (8) والدارقطني (9).
وقال الترمذي (10) في "العلل": قال لي محمد: حديث عبد الله بن عمرو، وفي مس الذكر عندي صحيح.
(1) انظر التلخيص الحبير (1/ 216).
(2)
التمهيد (17/ 193).
(3)
في التمهيد صحيح بدل صالح.
(4)
في التمهيد ليس بمشهور بحمل العلم.
(5)
المصنف (1/ 163).
(6)
انظر الإمام لابن دقيق العيد (2/ 302 - 303).
(7)
المعرفة والتاريخ (2/ 27 - 28) وعنه البيهقي في الخلافيات (2/ 260 - 261).
(8)
المسند (2/ 223).
(9)
السنن (1/ 147) برقم 8 بلفظ: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ".
(10)
علل الترمذي الكبير (1/ 161).
وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عمر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ". أخرجه البيهقي (1)، من طريق ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: ابن لهيعة لا يحتجّ به.
وحديث ابن عباس: روى ابن (2) عدي من جهة الضحاك بن حجوة، عن الهيثم الراسبي، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مسَ ذكره فليتوضأ". قال: الضحاك بن حجوة منكر الحديث على كل رواياته مناكير إما متنًا أو إسنادًا.
وحديث طلق بن علي الحنفي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مسّ فرجه فليتوضأ".
قال الطبراني (3): لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وأخرجه الحازمي (4) من طريق الطبراني، وقال:"وهما عندي صحيحان". يعني حديث طلق هذا، والحديث المشهور من طريقه النهي يعارض هذا الآتي في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء (5) في إيجاب الوضوء من مس الذكر: "فمن روي عنه الإيجاب من الصحابة: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين،
(1) الخلافيات (2/ 257) برقم 534.
(2)
الكامل (4/ 1418 - 1419).
(3)
المعجم الطبراني (8/ 401 - 402) برقم 2852 وعبارته: "لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد وهما عندي صحيحان".
(4)
الاعتبار (94).
(5)
انظر: الأم (1/ 19)، المهذب (1/ 31) والمجموع (1/ 24) و (2/ 34 - 43) المغني (1/ 178) الإنصاف (1/ 202)، شرح معاني الآثار (1/ 79) شرح فتح القدير (1/ 37)، بدائع الصناع (1/ 30)، المدونة (1/ 8 - 9)، والاستذكار (1/ 308 - 314)، والمنتقى (1/ 89).
ومن التابعين: عروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء (1) بن أبي رباح وطاوس (2) ومجاهد (2) ومكحول والشعبي وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار، وسعيد بن المسيب في أصحّ الروايتين، هشام بن عروة وطاوس ومجاهد ومكحول والشعبي والحسن (3) وعكرمة (3) والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق، وهو (4) المشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء" كذا قال الحازمي (5)، وسيأتي لذهب مالك في ذلك مزيد بيان، وإليه ذهب الليث (6) وداود (6) والطبري (6). وقال آخرون لا يجب منه الوضوء وسيأتي ذكر من قال ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى، ومن ذهب إلى الإيجاب ادعى أن حديث طلق بن علي في ترك إيجاب الوضوء منه على تقدير ثبوته منسوخ بأحاديث هذا الباب، وأجود ما قالوه في ذلك أن حديث طلق بن علي كان في أول الأمر عند قدومه، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم يبنى كما تبين قوله في بعض طرق حديثه (7) ذلك: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد فقال: "يا يمامي أنت أوفق بتخليط الطين". فلدغتني عقرب؛ فرقاني النبي صلى الله عليه وسلم (8).
وحديث بسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو كان بعد ذلك لتأخر إسلامهم، فإذا ثبت أن حديث طلق متقدم، وأحاديت المنع متأخرة وجب المصير إليها. قال الحازمي (9): ثم نظرنا هل نجد أمرًا يؤكد ما صرنا إليه؟
(1) بعد عطاء جاء في الاعتبار: وأبان عن عثمان.
(2)
ولا ذكر لهؤلاء في الاعتبار.
(3)
ولا ذكر للحسن وعكرمة في الاعتبار.
(4)
في الاعتبار والمشهور، وهو المناسب للسياق.
(5)
الاعتبار (82).
(6)
التمهيد (17/ 199).
(7)
السنن للدارقطني (1/ 148 - 149) برقم 14.
(8)
الاعتبار للحازمي (93).
(9)
الاعتبار (94).
-يعني: من النسخ الذي بيّناه (1) -؟ فوجدنا طلقًا روى حديثًا في النع، فدلّ (2) ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ، وأن طلقًا قد شاهد الحالين، وروى الناسخ والنسوخ (3)، ثم ذكر (4) عن طلق الحديث الذي قدمنا ذكره، ثم قال (5): يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق بسرة، يعني: وما في معناه، فمن روى الأمر بالوضوء فسمع الناسخ والمنسوخ، ثم اختلف هؤلاء القائلون بإيجاب الوضوء فالذي عليه أصحابنا أن لا إذا مسّ بالكف، والمراد بالكف الراحة وبطون الأصابع.
وقال أحمد: تنتقض الطهارة سواء مس بظهر الكف، أو ببطنها، لنا قوله عليه السلام:"إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب؛ فقد وجب عليه الوضوء" في حديث أبي هريرة الذي قدمناه، وحكينا تصحيح من صححه، والإفضاء في اللغة المس ببطن الكف، كذلك قال الرافعي وفيه نظر من وجهين:
الأول: قال ابن سيده: وأفضى فلان بن فلان وصل، فكأنه قال: إذا وصل أحدكم بيده إلى فرجه، والوصول أعم من أن يكون بباطن الكف أو ظاهرها.
* الثاني: لو سلم له ما ادعاه لكان حديث: من مس ذكره شاملا للإفضاء وغيره، فلا يصلح حديث الإفضاء أن يكون مخصصًا لحديث: من مس.
إذًا الإفضاء فرد من أفراد المسّ، قال أبو (6) عمر: الشرط في مس الذكر أن لا يكون دونه حائل ولا حجاب، وأن يمس بقصد وإرادة، لأن العرب لا تسمي الفاعل فاعلًا إلا بقصد منه إلى الفعل، وهذه الحقيقة في ذلك،
(1) قوله يعني من النسخ الذي بيناه ليست هذه الجملة من كلام الحازمي وإنما هي زيادة توضيح من المصنف فليعلم ذلك.
(2)
في الاعتبار فدلنا.
(3)
الاعتبار (94).
(4)
أي الحازمي.
(5)
قول المصنف ثم قال يوهم أن الكلام المنقول من الحازمي وليس الأمر كذلك وإنما هو للطبراني في معجمه الكبير (8/ 402) وقد مر في ص 594.
(6)
التمهيد (17/ 194 - 195).
ومعلوم (1) في القصد إلى المس أن يكون في الأغلب بباطن الكف، وقد روي بمثل هذا المعنى حديث حسن (2)، وذكر أبي هريرة هذا، والأمر محمول به على الاستحباب عند قوم.
قال أبو (3) عمر: تحصيل مذهب مالك في ذلك أن لا وضوء فيه، لأن الوضوء عنده منه استحباب لا إيجاب؛ بدليل أنه لا يرى الإعادة على من صلى بعد أن مس ذكره إلا في الوقت، وفي سماع أشهب وابن نافع عن مالك: أنه سئل عن الذي يمس ذكره ويصلي أيعيد الصلاة؟ فقال: لا أوجبه أنا، فروجع فقال: يعيد ما كان في الوقت، وإلا فلا. وقال الأوزاعي: إن مس ذكره بساعده فعليه الوضوء، وهو قول عطاء، وبه قال أحمد. وقال الليث: من مس ما بين أليتيه فعليه الوضوء. وقال الليث: من مسّ ذكر البهايم فعليه الوضوء.
وقال مالك والليث: إن مسّ ذكره بذراعه وقدمه فلا وضوء عليه.
وقال مالك والشافعي والليث: لا يجب الوضوء إلا على من مس ذكره بباطن كفه، وجملة قول مالك وأصحابه: إن مسّ ذكره بظاهر يده، أو بظاهر ذراعيه، أو باطنهما؛ أو مسّ أنثييه أو شيئًا من أرفاغه (4)، أو غيرها، أو شيئًا من أعضائه سوى الذكر فلا وضوء عليه.
ولا على المرأة عندهم وضوء في مسها لفرجها (5)،
(1) في التمهيد والمعلوم.
(2)
إلى هنا ينتهي كلام أبو عبد البر.
(3)
التمهيد (17/ 202).
(4)
الأرفاغ جمع رفغ، والأرفاغ أصول المغابن كالآباط والحوالب وغيرها من مطاوئ الأعضاء وما يجتمع فيه من الوسخ والعرق. النهاية (2/ 244) رفغ.
(5)
في التمهيد فرجها.
وقد روي عن مالك أن على المرأة الوضوء في مسها فرجها إذا ألطفت (1) أو قبضت والتذت.
وكان مكحول وطاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل يقولون: إن مس ذكره غير متعمد فلا وضوء عليه، وبه قال داود.
وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق: عمده وخطؤه في ذلك سواء؛ إذا أفضى بيده إليه، وجملة قول الشافعي في هذا الباب ما ذكره في كتاب الطهارة. قال: وإذا أفضى الرجل إلى ذكره ليس بينه وبينه ستر فقد وجب عليه الوضوء، عامدًا كان أو ساهيًا (2). والإفضاء باليد: إنما هو بباطنها، كما تقول: أفضى بيده مبايعًا، وأفضى بيديه إلى الأرض ساجدًا، وسواء قليل ما مس من ذكره أو كثيره إذا كان بباطن الكف، وكذلك من مسّ دبره بباطن الكف، أو فرج امرأته، أو ذكر غيره، أو دبره. وسواء مسّ ذلك من حي أو ميت، وحكم المرأة في ذلك كله كالرجل منها ومن غيرها.
قال: ومن مس ذكره بباطن كفه على ثوب عامدًا أو ساهيًا، أو مسه بظهر كفه أو ذراعه، عامدًا أو ساهيًا فلا شيء عليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أفضى أحدكم، وكذلك المرأة، قال: وإن مس شيئًا من هذا من بهيمة لم يجب عليه الوضوء من قبل؛ لأن للآدميين حرمه وتعبدًا، قال: ولا شيء عليه في مس أنثييه ورفغيه وأليتيه وفخذيه. قال: وإنما قسنا الفرج بالفرج، وسائر الأعضاء غير باطن الكف قياسًا على الفخذ (3). قال أبو (4) عمر: أما قول الشافعي في مس الرجل فرج المرأة، ومس المرأة فرج الرجل، فقد وافقه على ذلك الأوزاعي وأحمد وإسحاق، ووافقه على قوله في مس ذكر الصبي والحي والميت عطاء وأبو ثور، ووافقه على إيجاب الوضوء من مسه الدبر عطاء والزهري، وكان عروة يقول: من مسّ أنثييه فعليه الوضوء.
(1) الإلطاف عند الفقهاء أن تدخل المرأة أصبعها بين شفري فرجها.
(2)
انظر الأم (1/ 16).
(3)
التمهيد (17/ 202 - 204).
(4)
التمهيد (17/ 205).
قال (1): والنظر عندي في هذا الباب: أن الوضوء لا يجب إلا على من مس ذكره أو فرجه قاصدًا مفضيًا، وأما غير ذلك منه، أو من غيره فلا يوجبه الظاهر، والأصل أن الوضوء المجمع (2) عليه لا ينقض (3) إلا بإجماع أو سنة ثابتة غير محتملة للتأويل، فلا عيب على القائل يقول الكوفيين لإن إيجابه عن الصحابة؛ لهم فيه ما تقدم في هذا الباب (4) عليه من الاعتراض. إن قوله لا يجب إلا على من مس ذكره أو فرجه قاصدًا مفضيًا، وأما غير ذلك منه أو من غيره فلا يوجبه الظاهر، ولو كان الحديث المروي في ذلك من مس ذكره أو من أفضى بيده إلى فرجه، أو ما أشبه ذلك فقط لحسن هذا.
ولكن قد روي في ذلك ما ذكره البيهقي (5) قال: ثنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي: ثنا أبو سهل بن زياد القطان: ثنا أبو يحيى عبد الكريم بن الهيثم: ثنا أبو اليمان: ثنا (6) شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ، أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذكر مروان بن الحكم في إمارته على المدينة: أنَّه يتوضأ من مس الذكر، إذا أفضى إليه الرجل بيده! فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه. يقول (7) مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما يُتَوضأُ منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُتوضأ من مس الذكر". فقال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلًا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها عما حدثت به من ذلك؛ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدث عنها مروان.
(1) التمهيد (17/ 205).
(2)
في التمهيد المجتمع.
(3)
في التمهيد لا ينتقض.
(4)
التمهيد (17/ 205).
(5)
السنن الكبرى (1/ 129).
(6)
في السنن أخبرني بدل حدثنا.
(7)
في السنن فقال.
وهذه الطريق من أجود طرق هذا الحديث الذي هو أصح أحاديث هذا الباب، أو من أصحها، وقد كان يحيى (1) بن معين يقول:"أصح حديث في مس الذكر حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة". وكان أحمد (1) بن حنبل يقول نحو ذلك. ولكن لفظه عند مالك (2): إذا مسّ أحدكم ذكره، وموضع الاحتجاج من هذا الخبر وهو اللفظ الذي خالف فيه شعيب عن الزهريّ مالكًا، وهو قوله: يتوضأ من مس الذكر، لكن هذا الإسناد أيضًا جيد، وقد رواه الطحاوي (3) من حديث عبد الرزاق: ثنا معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عم مروان، عن بسرة. وفيه إرسال الشرطي إلى بسرة. ولفظه قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء من مس الفرج". هذا أعمّ من الذي قبله. رواه عن أبي بكرة بكار بن قتيبة، عن الحسين بن مهدي، عنه. والصواب فيه: الزهريّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرو بن حزم، عن عروة. ويدخل عموم قوله عليه السلام من مس الذكر الوضوء، ومن مس الفرج الوضوء.
كثير مما ينارع فيه العلماء من ذلك، ولم يبق لقوله: "
…
وأما غير ذلك منه أو من غيره فلا يوجبه". الظاهر وجه أصلًا.
الثاني: قوله: والأصل أن الوضوء المجتمع عليه لا ينتقض إلا بإجماع أو سنة ثابتة إلى زجره، يقتضي انتقاض الوضوء في بعض صور مس الذكر، وهو ما جاءت به السنة الثابتة، ثم قوله: فلا عيب على القائل يقول الكوفيين لأن إيجابه من الصحابة لهم فيه ما تقدم يقتضي أن لا ينتقض الوضوء بشيء من صور مس الذكر
(1) التمهيد (17/ 190 - 191).
(2)
الموطأ (1/ 42) برقم 58 ورواه عن مالك أبو مصعب الزهريّ (111) ومن طريقه البغوي (165) وسعد بن عبد الحميد الأنصاري عند ابن عبد البر في التمهيد (17/ 186) وسويد بن سعيد (48) وعبد الله بن مسلمة القعنبي (61) والجوهري (495) ومحمد بن الحسن (11) وغيرهم.
(3)
شرح معاني الآثار (1/ 71).
كما هو مذهب الكوفيين، وأن عدم الانتقاض معلل بعدم انعقاد الإجماع عليه، وهو غير الأول. وقد كان هذا الكلام يقتضي منه الوقوف عند رأي الكوفيين. ورد أحاديث الباب بالوجوه التي ردها به من لم ير الوضوء من مس الذكر، لكنه منها حديث بسرة وحديث أم حبيبة بتصحيحه سماع مكحول من عنبسة.
وحديث أبي هريرة بمتابعة نافع بن أبي نعيم، يزيد بن عبد الملك النوفلي وغيرها كما سبق، فهذا تناقض يحتاج إلى الجواب عنه، ذكره قوله تسويته بين المسألتين في الحكم، وهما مختلفتان بالفاء المقتضية للتعليل المودية بأنها من تمامها وكمالها، وليست ولو مس ببطن أصبع زائدة نظر إنْ كانت على استواء الأصابع فهي كالأصلية على أصح الوجهين، وإن لم تكن على استواء الأصابع فلا في أصح الوجهين".
"والمس باليد الشلّاء كالمس باليد الصحيحة في أصح الوجهين، وكذا الذكر الأشلّ والصحيح، وحكم فرج المرأة في اللمس حكم الذكر".
قال الرافعي: حديث عائشة وذكر الحديث الذي قدمنا ذكره من عند الدارقطني (1)، وفيه قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ، وقد تقدّم تضعيفه بعبد الرحمن العمري (2) فلا يصلح الاحتجاج به، وأعلى من ذلك أن يستدل بحديث عبد الله بن عمرو، وفيه: وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ لما فيه من العموم، وهو حديث تقدم تصحيحه عمن صححه من الأئمة، وقد نقلت عن مالك التفرقة قال: لا وضوء فيه، وما سمعته إلا في الذكر، وكذلك قال الرافعي أيضًا: وفي حلقة الدبر وهي ملتقى المنفذ قولان: قال في القديم لا ينتقض الوضوء بمسه، وبه قال مالك لأن
(1) السنن (1/ 147 - 148) برقم 9.
(2)
ضعفه والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة، وقد تقدم.
الأخبار وردت في القبل، وهو الذي يقتضي مسه إذا كان على سبيل الشهوة إلى خروج المذي وغيره فأقيم مسه مقام خروج الخارج، بخلاف الدبر. وقال في الجديد: ينتقض لأنه فرج، فينتقض الوضوء بمسه لقوله عليه السلام: ويل للذين يمسون فروجهم
…
" الحديث وهو أيضًا [ذكر] حديث عائشة ولو ذكر حديث أم حبيبة، وعمرو وما في معناها مما صحّ فكان أولى.
ومن الأصحاب من جزم بما قاله في الجديد، ونفى الخلاف.
وعن أحمد روايتان كالقولين، وفي فرج البهيمة قولان: الجديد: لا أثر لمسه كما لا يجب ستره، ولا يحرم النظر إليه، ولا يتعلق به ختان، ولا استنجاء، لأن لمس إناث البهائم ليس بحدث، فكذلك مس فروجها، وقطع بعضهم بما قاله في الجديد، وفي مس فرج الميت ذكرًا كان أو أنثى وجهان:
* أصحهما: أنه كفرج الحي لشمول الاسم وبقاء الحرمة.
* والثاني: لا أثر لمسه لزوال الحياة، وخروج لسه عن مظنة الشهوة، وفي فرج الصغير أيضًا وجهان:
* أصحهما: أنه كفرج الكبير، ومس محل المحب من المحبوب، هل يؤثر؟ فيه وجهان:
- أصحهما: يؤثر لأن مسه مظنة خروج الخارج منه فأشبه الشاخص.
- والثاني: لا يؤثر لأنه مس محل الذكر دون الذكر".
وأما المس برؤوس الأصابع ففيه وجهان:
* أحدهما: أن المس بها كالمس بالراحة لأنها من جنس بشرة الكف، ويعتاد
المس بها بالشهوة وغيرها.
* وأظهرها: أنه لا يؤثر اللمس بها لأنها خارجة عن سمت الكف، ولا يعتمد على اللمس بها وحدها، ومن أراد معرفة ما يعرف باللمس من اللين والخشونة، وغيرهما، وفيما بين الأصابع وجهان: وعدم الانتقاض فيه أظهر، وقد نقلوه عن نص الشافعي رضي الله عنه.
وإن مس الخنثى المشكل فرجه نفسه نظر: فإن مس فرجيه جميعًا انتقض وضوءه لأنه كان رجلًا فقد مس ذكره، وإن كانت امرأة فقد مست فرجها، وإن مس أحدهما لم ينتقض وضوءه لأنه إن مس الذكر فيجوز أن يكون رجلًا وهو ثقبة زائدة، وإن مس أحدهما وصلى الصبح مثلًا، ثم توضأ ومس الآخر، وصلى الظهر ففي المسألة وجهان:
* أحدهما: أنه يقضيهما لأن إحدى صلاتيه واقعة مع الحدث.
* وأظهرهما: أنه لا يقضي واحدة منهما، لأن كل صلاة مفردة بحكمها، وقد بنى كل واحدة منهما على صحيح، فصار كما لو صلى صلاتين إلى جهتين باجتهادين، وإن مس أحدهما وصلى الصبح، ثم مس الآخر وصلى الظهر، من غير وضوء بينهما أعاد الظهر، لأنه محدث عندها، ومضت الصبح الصحة".
ومسائل هذا الباب كثيرة، لا حاجة بنا إلى حصرها ولا استيعابها، وكثير منها في كتب الفقه، فمن أرادها وجدها هناك،
والخبر الذي تقدمت إليه الإشارة عن يحيى (1) بن معين، عند ذكر حديث أم حبيبة إنّه سيأتي عند تمام إيراد تلك الأحاديت هو أن: مضر بن محمد سأل يحيى بن معين عن مس الذكر: أي شيء أصح فيه من الحديث؟ قال يحيى بن معين: لولا حديث مالك (2) عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فإنه يقول فيه: سمعت. قال سمعت لقلت لا يصح فيه شيء، فقلت له حديث جابر: قال: نعم، رواه ابن أبي ذئب وليس بصحيح.
قلت: وحديث أبي هريرة قال: رواه يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد المقبري، وقد أدخلوا بينهما رجلًا مجهولًا.
قلت: وحديث زيد بن خالد؟ قال: خطأ أخطأ فيه محمد بن إسحاق.
قلت: وحديث ابن عمر؟ قال: الصحيح منه غير مرفوع. قلت: فإن الإمام أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: أصح حديث فيه حديث العلاء عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة (3) قال: هذا أضعفها. قلت: وكيف؟ قال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا؟
…
ذكر هذا الخبر بتمامه شيخنا الحافظ أبو الفتح بن علي القشيري (4)، وروايته عن أبي (5) عمر في كتاب "التمهيد" أيضًا قريبًا مما ذكرته.
(1) التمهيد (17/ 190 - 191) و (17/ 192) والإلمام (2/ 302 - 303).
(2)
وقع في التمهيد (17/ 192) جابر بدل مالك وهو خطأ واضح والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في الإمام وما عند ابن دقيق العيد فيه بعض اختلاف مع ما في التمهيد، والله أعلم.
(3)
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 217) وقال الخلال في العلل صحيح أحمد حديث أم حبيبة.
(4)
الإمام (2/ 302 - 303) وذكر ابن دقيق العيد أنه نقله من الجزء الثاني من منتقى أبي الحسن الدارقطني على ابن الفضل.
(5)
التمهيد (17/ 192).