الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك
حدثنا قتيبة: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"اغتسل بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا! قال: إنّ الماء لا يجنب".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وهو قول سفيان ومالك والشافعي (1).
* الكلام عليه:
رواه أبو داود (2) عن مسدد، عن أبي الأحوص.
والنسائي (3) عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان، كلاهما عن سماك.
وابن (4) ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الأحوص وسماك، احتجّ به مسلم (5) دون البخاري. وعكرمة (6) احتج به البخاري دون مسلم، فليس الحديث على شرط واحد منها.
(1) الجامع (1/ 94).
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 68 باب الماء لا يجنب.
(3)
في سننه كتاب المياه (1/ 189 - 190) برقم 324.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 370 باب الرخصة بفضل وضوء المرأة.
(5)
انظر رجال صحيح مسلم لابن منجويه (1/ 292) برقم 631 وتقريب التهذيب (415) برقم 2639.
(6)
رجال صحيح البخاري للكلاباذي (2/ 582) برقم 922 وأخرج له مسلم مقرونًا بطاوس كما في رجال صحيح مسلم لابن منجويه (2/ 110) برقم 1273.
قلت: قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري (425) ط السلفية (مصر): "احتج به البخاري =
وقد تقدَّم القول في سماك في "باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور"، أول الكتاب.
وروينا من طريق الدارمي (1)، عن يحيى بن حسان، عن يزيد بن عطاء، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"قامت امرأة من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم فاغتسلت في جفنة من جنابة؛ فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى فضلها يستحمّ فقالت: إنّي اغتسلت فيه قبلك! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنه ليس على الماء جنابة".
وأكثر ما عيب به التلقين، وقد ذكرنا في الباب قبل هذا: أنَّ مرويات شعبة عنه سالمة من ذلك.
وقد أخرج هذا الحديث أبو بكر البزار (2) من طريق شعبة عنه.
وكذلك أخرجه أبو (3) بكر بن خزيمة من طريق شعبة عنه أيضًا.
= وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد في الحج مقرونًا بسعيد بن جبير وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه وقد تعقب جماعة من الأئمة ذلك وصنفوا في الذب عن عكرمة منهم أبو جعفر بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الله بن مسنده وأبو حاتم بن حبان وأبو عمر بن عبد البر وغيرهم".
* قلت: كذا قال الحافظ بن حجر والواقع أن مسلمًا روى له مقرونًا بطاوس كما ذكر ذلك ابن منجويه في رجال صحيح مسلم والحديث في الصحيح كتاب الحج (2/ 868) برقم 1208 باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه في حديث ضباعة بنت الزبير ثم ذكره مقرونًا بسعيد بن جبير كما ذكره الحافظ ابن حجر، انظر صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 869) برقم 1208 باب جواز اشتراط المرم التحلل بعذر المرض ونحوه.
(1)
السنن (1/ 203) برقم 734 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة.
(2)
كشف الأستار (1/ 132) برقم 250 وقال البزار: لا نعلم أسنده عن شعبة إلا محمد بن بكر وأرسله غيره، ورواه جماعة عن سماك فاقتصرنا على شعبة والثوري ولا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
(3)
في صحيحه (1/ 48) برقم 91.
وأمَّا عكرمة (1): فأبو عبد الله، القرشي الهاشمي المدني -مولى عبد الله بن عباس- أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحُصَيْن بن أبي الحر العَنْبَري جد عبيد الله بن الحسن العنبريّ -قاضي البصرة- فوهبه لعبد الله بن عباس (2)، وعكرمة عبد؛ فباعه عليّ بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة عليًّا فقال له: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فاستقاله فأقاله. فأعتقه (3).
وكان عكرمة جوالًا في البلاد رحل إلى اليمن والعراق، وخراسان، والمغرب والحجاز (4)، ومات بالمدينة ودفن بها.
وقيل له في التجول، فقال: أسعى على بناتي (5) وآخذ دراهم ولاتكم ودنانيرهم. كان من علماء الناس.
سمع ابن عباس، وابن عمر، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة.
قال ابن (6) أبي حاتم: فقيل لأبي: سمع من عائشة؟ قال: نعم.
وسمع من أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وحجاج بن عمرو، والحسن بن علي بن أبي طالب.
(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (7/ 7 - 9) برقم 32 وتهذيب الكمال (20/ 264 - 292) برقم 4009 وتهذيب التهذيب (3/ 134 - 138).
(2)
تاريخ دمشق (41/ 75) برقم 4743 وسير أعلام النبلاء (5/ 13) وتهذيب الكمال (20/ 264) وتاريخ الإسلام (101 - 120) ص 174.
(3)
تهذيب الكمال (13/ 271)، تاريخ دمشق (41/ 73).
(4)
تهذيب الكمال (20/ 287) وسير أعلام النبلاء (5/ 15).
(5)
سير أعلام النبلاء (5/ 27).
(6)
الجرح والتعديل (7/ 7) برقم 31 وفي المراسيل قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول عكرمة لم يسمع من عائشة، انظر المراسيل (158) برقم 583.
قال أبو (1) محمد بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: روى عن عكرمة من أهل المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري، والعلاء بن عبد الرحمن الحرقي، ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبو الأسود، وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، ومحمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة، وسلمة بن بخت، وثور بن زيد الديلي، وداود بن حصين، والحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.
ومن أهل مكة: عمرو بن دينار، وأبو صالح باذان، والقاسم بن أبي بزة، وحميد بن قيس الأعرج، وابن أبي نجيح، وعبد الله بن كثير، وعبد العزيز بن أبي داود.
ومن أهل اليمن: عمرو بن مسلم، والحكم بن أبان، وهمام بن نافع، وإسحاق بن جابر العدني، ويعلى بن حكيم -وكان بصري الأصل-، ووهب بن نافع -عم عبد الرزاق-، وسلمة بن وهرام، وإسماعيل بن شروس.
ومن أهل الكوفة: أبو إسحاق الهمداني، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، والحكم بن عتيبة، وأبو الزعراء، عمرو بن عمرو، وميسرة، وأبو حصين، وسماك بن حرب، والسدي، وعلي بن الأقمر، وسعيد بن مسروق، ومغيرة بن مقسم، وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، والحارث بن حصيرة، والوليد بن العيزار، وزياد بن فياض، ويزيد بن أبي زياد، وعبد الرحمن بن الأصبهاني، وأبو إسحاق الشيباني، وعطية العوفي، وأشعث بن سوار، والعلاء بن المسيب، وفضيل بن غزوان، وهلال بن خباب، وبدر بن عثمان، وفطر بن خليفة، وأبو بكير، وعمران بن سليمان، ومحمد بن عبد الرحمن -مولى آل طلحة-، وسفيان بن زياد العصفري، وعصام بن قدامة، وزيد الحجام.
(1) الجرح والتعديل (7/ 7 - 8).
ومن أهل البصرة: جابر بن زيد، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني، وقتادة، ويونس بن عبيد، وداود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وحُميْد الطويل، وهشام بن حسان، والزبير بن خريت، وحنظلة السدوسي، وعمرو بن أبي حكيم، وأبو يزيد المدني، وسعيد بن عبيد الله الثقفي، وأبو مكين، وعمران بن حدير، ويزيد بن حازم، وعبد الكريم أبو أمية، وشبيب بن بشر، وأبان بن صمعة، وأبو الأشهب، ومطر الوراق، وفضل بن ميمون، وعباد بن منصور، ومهدي الهجري، وأبو بكر الهذلي.
ومن أهل واسط: أبو بشر جعفر بن أبي وَحْشية، وحسين بن قيس -هو أبو علي الرحبي، وهو حنش (1) -.
ومن أهل الشام: صفوان بن عمرو، وثور بن يزيد.
ومن أهل أيلة: عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد.
ومن أهل الجزيرة: عبد الكريم بن مالك، وخصيف، وعلي بن بذيمة، وعثمان الشاهد.
ومن أهل اليمامة: يحيى بن أبي كثير، وأبو يزيد.
ومن أهل خراسان (2): عطاء الخراساني، وأبو المنيب العتكي، وعلباء بن أحمر، ويزيد النحوي، والحسين بن واقد، ونعيم بن ميسرة النحوي (3).
(1) في الجرح والتعديل (7/ 8) قبل أهل الشام: ومن أهل مصر يزيد بن أبي حبيب وبشر بن أبي عمر وجعفر بن ربيعة.
(2)
في الجرح والتعديل قبل أهل خراسان: ومن أهل سجستان عبد الله بن الحسين قاضيها.
(3)
الجرح والتعديل (7/ 7 - 8).
قال البخاري (1) عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: قال جابر -يعني: ابن زيد-: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس.
وروى ابن (2) أبي حاتم عن حجاج بن حمزة: ثنا علي بن الحسين بن شقيق، ثنا أبو حمزة -يعني: السكري-: ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: انطلق فأفْتِ الناس، وأنا لك عون، قال: قلت: لو كان مع الناس مثلك أفتيتهم، قال: انطلق فأفت الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس.
وروى ابن (3) أبي خيثمة عن يحيى قال: حدثني من سمع حماد بن زيد يقول: سمعتُ أيوبَ، وسُئلَ عن عكرمة: كيف هو؟ قال: لو لم يكن عندي ثقة لم أكتب عنه.
وقال ابن (4) أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة -مولى ابن عباس- فقال: هو ثقة.
قلت: يحتج بحديثه؟ قال نعم، إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك: فليس للرواية (5).
(1) التاريخ الكبير (7/ 49) برقم 218 وفيه قال عبد الله بن محمد عن ابن عيينة وليس فيه علي بن المديني وهو في الجرح والتعديل (7/ 8) من غير طريق البخاري ولا ابن المديني وإنما من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد القري.
(2)
الجرح والتعديل (7/ 8).
(3)
الجرح والتعديل (7/ 8).
(4)
الجرح والتعديل (7/ 8 - 9).
(5)
نقله المصنف بالمعنى وفي الجرح والتعديل فلسبب رأيه.
قيل لأبي: فموالي ابن عباس؟ فقال: قال: كريب وسميع وشعبة، وعكرمة أعلاهم.
وسئل أبي عن عكرمة وسعيد بن جبير أيهما أعلم بالتفسير؟ فقال: أصحاب ابن عباس، عيال على عكرمة (1).
وقال عثمان (2) الدارمي: سألت ابن معين قلت: عكرمة أحبّ إليك عن ابن عباس، أو عبيد الله بن عبد الله؟ فقال: كليهما، ولم يخَيِّر.
قال أبو (3) العرب أحمد بن محمد بن تميم: وسعيد بن جبير أرضى عند مالك وغيره من عكرمة.
وقال يحيى (4): إذا رأيت رجلًا يتكلّم في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتّهمه على الإسلام.
وقال البخاري (5): ليس أحد من أصحابنا إلا يحتج بعكرمة.
(1) الجرح والتعديل (7/ 8 - 9).
(2)
تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي (117) برقم 357 وفيه زيادة قلت: فعكرمة أو سعيد بن جبير- فقال ثقة وثقة ولم يخير.
(3)
هو العلامة المتفتن ذو الفنون أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام المغربي الإفريقي صنف طبقات أهل إفريقية وكتاب المحن وكتاب فضائل مالك وكتاب مناقب سحنون وكتاب التاريخ في أحد عشر جزءًا، مات لثمان بقين من ذي القعدة 1395 برقم 217 وترتيب المدارك (3/ 334 - 336) وتذكرة الحفاظ (3/ 889).
(4)
انظر تهذيب الكمال (20/ 288)، قلت: قال الحافظ الذهبي: "هذا محمول على الوقوع فيهما بهوى وحَيْف في وزنهما، أمّا من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما على الإنصاف فقد أصاب، نعم إنما قال يحيى هذا في معرض رواية حديث خاص في رؤية الله تعالى في المنام، وهو حديث يستنكر، وقد جمع ابن مندة فيه جزءًا سمّاه "صحة حديث عكرمة". انظر السير (5/ 31).
(5)
التاريخ الكبير (7/ 49) برقم 218.
وقال ابن (1) سعد: كان كثير العلم، بحرًا من البحور، وليس يحتج بحديثه ويتكلّم الناس فيه.
وذكر ابن (2) سعد عن عمرو بن دينار قال: دفع إليّ جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا البحر فاسألوه.
وقال أبو (3) أحمد بن عديّ -بإسناده- عن ابن هبيرة قال: قدم علينا عكرمة وكان يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم يحدثنا به عن غيره، قال: فأتينا شيخًا عندنا يقال له إسماعيل بن عبيد الأنصاري كان قد سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم، قال: فأتاه فسأله عن أشياء سأل عنها ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع، فأتيناه نسأله فقال: الرجل صدوق، لكنه سمع من العلم فأكثر، فكلّما يصح له طريق سلكه.
وقال أحمد (4) بن عبد الله العجلي: عكرمة مولى ابن عباس: ثقة، هو بريء مما يرميه به الناس.
وذكر ابن (5) سعد، عن حبيب قال: مرّ عكرمة بعطاء وسعيد قال: فحدثهما فلما قام قلت له: ما ينكر مما قالا شيئًا؟ قال: لا.
وقال عكرمة (6): إنّي لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلّم بالكلمة فيفتح لي خمسون بابًا من العلم.
(1) الطبقات الكبرى (5/ 293) وليس هو من قول ابن سعد وإنما قال مصعب الزبيري قالوا فذكر هذا الكلام.
(2)
الطبقات الكبرى (5/ 288) وفيه هذا عكرمة، هذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه.
(3)
الكامل (5/ 1908 - 1909).
(4)
معرفة الثقات (2/ 145) برقم 1272 وفيه زيادة من الحرورية وهو تابعي.
(5)
الطبقات الكبرى (5/ 289).
(6)
الطبقات الكبرى (5/ 288).
وقال حماد (1) بن زيد (2): حدثني صاحب لنا قال: كنت جالسًا إلى سعيد وعكرمة (3)، وأظنّه قال وعطاء، في نفر، فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذ، قال: فكأن رؤوسهم الطير، فلما فرع فمن قائل بيده هكذا، وعقد ثلاثين، ومن قائل برأسه هكذا يميّل رأسه، قال: فما خالفه أحد منهم في شيء، إلا أنّه ذكر الحوت فقال: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنّي سمعته يقول: كانا يحملانه في مكتل.
وقال أيوب (4): لو قلت لك إنَّ الحسن ترك كثيرًا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت.
وقال ابن (5) عيينة نحوه.
وذكر ابن (6) سعد، عن سعيد بن جبير قال: إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدّث بها فجاء عكرمة فحدّث بتلك الأحاديث كلها، والقوم سكوت، وما تكلّم سعيد، ثم قام عكرمة فقالوا: يا أبا عبد الله ما شأنك، فعقد الثلاثين، وقال: أصاب الحديث.
وقال أبو (7) أحمد بن عديّ: عكرمة مولى ابن عباس إذا روى عنه الثقات، فهو مستقيم الحديث، إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون قد أتى من قبل الضعيف لا من قبله، ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه، وأدخل أصحاب الصحاح حديثه في
(1) الطبقات الكبرى (5/ 290).
(2)
في الطبقات حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب قال حدثني صاحب لنا قال.
(3)
في الطبقات زياد وطاوس.
(4)
الضعفاء للعقيلي (3/ 375) برقم 1413.
(5)
الكامل (5/ 1907) ولفظه: ولما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير.
(6)
الطبقات الكبرى (5/ 288).
(7)
الكامل (5/ 1910).
صحاحهم، وهو أشهر من أن يحتاج إلى إخراج شيء من حديثه، ولا بأس به (1).
وقال النسائي (2): ثقة.
وقال أحمد (3): يحتج به.
وقال أحمد (4) بن زهير: أثبت الناس فيما يروي، ولم يحدث عن من دونه أو مثله، حديثه أكثره عن الصحابة.
وقال ابن (5) أبي ذئب: كان ثقة.
وقال الطبري (6): لا يدفعه أحد لعلمه عن التقدّم في العلم، فالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار.
(1) الكامل (5/ 1910).
(2)
انظر تهذيب الكمال (20/ 289) وتهذيب التهذيب (3/ 137) وذكر الحافظ ابن حجر توثيق النسائي له في التمييز كما في هدي الساري (ص 429).
(3)
انظر تهذيب الكمال (20/ 288) وتهذيب التهذيب (3/ 137) وهدي الساري (429) وأحمد بن زهير هو أبو بكر بن أبي خيثمة.
(4)
الكامل (5/ 907).
(5)
الضعفاء للعقيلي (3/ 376) برقم 1413 قلت: ونقل الحافظ المزي في تهذيب الكمال (20/ 282) وابن حجر في تهذيب التهذيب (3/ 138) عن ابن أبي ذئب قوله في عكرمة وكان غير ثقة ثم أتبع المزي ذلك بنقل العقيلي في الضعفاء وقال الله أعلم.
وقال الذهبي في السير (5/ 25): هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي سمعت ابن أبي ذئب يقول رأيت عكرمة وكان غير ثقة هكذا رواه عمران بن موسى بن مجاشع عن إبراهيم بن المنذر عنه. ورواه العقيلي عن محمد بن زريق بن جامع عن إبراهيم فقال كان ثقة فالله أعلم والرواية الأولى أشبه. أهـ.
قلت: وهشام هذا قال فيه ابن حبان في المجروحين (3/ 91): لا يعجبني الاحتجاج يخبره إذا انفرد.
(6)
هدي الساري مقدمة فتح الباري (429) ط السلفية مصر وفيه: ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار.
وقال الشعبي (1): ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.
وقال يحيى (2) بن أيوب: قال لي ابن جريج: قدم عليكم بمصر -يعني عكرمة- قال: قلت: نعم! قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: ذهب عنكم ثلثا العلم.
وقال ابن (3) المديني. كان عكرمة من أهل العلم.
قال قتادة (4): كان أعلم التابعين أربعة عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وعكرمة أعلمهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام (4). وكذلك وصفه بعلم المغازي سفيان وعمرو بن دينار، وقالا: لو رأيته يحدّث عن القوم قلت: ليشرف عليهم قال عمرو: وهم يقتلون (5).
قال سلام (6) بن مسكين: كان من أعلم الناس بالتفسير.
• ذكر من تكلّم في عكرمة بقدح فيه وطعن عليه:
قال ابن الحذاء: قال أبو عبد الله البرقي: يقال: إنما روى مالك عن ثور بن زيد، عن ابن عباس، إنّما هو عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، وإنّما ترك مالك عكرمة مولى ابن عباس لم يذكره لأنّه كان لا يرضاه، وذكر كلامًا ثم قال: والصحيح عن مالك أنّه كان لا يرضى عكرمة (7).
(1) انظر تهذيب الكمال (20/ 272) وسير أعلام النبلاء (5/ 17).
(2)
انظر السير (5/ 18) والكمال لابن عدي (5/ 1907).
(3)
انظر تهذيب الكمال (20/ 289).
(4)
انظر المعرفة والتاريخ للفسوي (2/ 16) و (1/ 701 - 702).
(5)
انظر السير (5/ 16).
(6)
المعرفة والتاريخ (1/ 701 - 702).
(7)
انظر الكامل لابن عدي (5/ 1908).
وذكر أبو العرب القيرواني حدثني محمد بن عبيد: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: نا أبي: ثنا إسحاق بن عيسى بن الطباع. قال: سألت مالكًا قلت: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس قال: لا، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه.
وذكره عن أحمد بن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه، عن سعيد أنّه قال لمولاه برد: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (1).
قال أبو العرب: ثنا عبد الرحمن بن محمد الكناني: ثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم: ثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا الصلت بن دينار قال: سألت ابن سيرين عن عكرمة قال: ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة، ولكنه كذاب (2).
وذكره أبو (3) الفرج بن الجوزي فقال: قال ابن عمر لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وكذلك قال سعيد بن المسيب لمولاه برد، وقد كذّبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس.
وقال ابن أبي ذئب: كان غير ثقة (3).
قلت: وفيما حكيناه عن ابن (4) سعد به: أثنى عليه، وقال: وليس يحتج به، وقال عبد الله بن الحارث: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس، فإذا عكرمة في
(1) انظر المعرفة والتاريخ (2/ 5) وكذا تهذيب الكمال (20/ 280) قلت وقال الذهبي في السير (5/ 23) رادًا لرواية نافع عن ابن عمر: هذا أشبه ولم يكن لعكرمة ذكر في أيام ابن عمر ولا كان تصدى للرواية.
(2)
انظر الكامل (5/ 1905).
(3)
الضعفاء والمتروكون (2/ 182) برقم 2334.
(4)
الطبقات الكبرى (5/ 293) وقوله ليس يحتج به ليس من كلام ابن سعد كما نبهنا عليه سابقًا وإنما يحكيه ابن سعد عن غيره.
وثاق عند باب الحش، فقلت: ألا تتقي الله؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي (1).
وروى هذا أيضًا عن يزيد بن أبي زياد، وقال عثمان بن مرة، قلت: للقاسم -هو ابن محمد بن أبي بكر-: إن عكرمة مولى ابن عباس حدثنا. . . قال: يا ابن أخي: إنّ عكرمة كان كذابًا (2).
وقال فطر بن خليفة: قلت لعطاء: إنّ عكرمة يقول: إن ابن عباس يقول: سبق الكتاب الخفين، فقال: كذب (3).
سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط.
وقال أيوب (4): كنا نأتي عكرمة فيحلف بالله لا يحدثنا، فما يكون قط بالجمع منه في الحديث عند ذلك، قال له رجل: ألم تحلف بالله، قال: ما يدريكم كفارة يميني.
وقال يزيد بن هارون: قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس بن عبيد، فبينا هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا! أفتسمع؟ ثم قال: قاتله الله فقد أجاد، قال: ما أجود ما غنى.
فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه، وعاد أيوب، قال يزيد: وقد أحسن أيوب (5).
(1) انظر الضعفاء للعقيلي (3/ 373 - 374).
(2)
انظر تهذيب الكمال (20/ 286).
(3)
انظر الكامل لابن عدي (5/ 1909).
(4)
انظر تهذيب الكمال (20/ 284) والعلل لأحمد برقم 3027 رواية عبد الله (2/ 455) وبرقم 1775.
(5)
المصدر السابق.
قال ابن عون: ما تركوا أيوب حتى استخرجوا منه ما لم يكن يزيد، يعني الحديث عن عكرمة.
وقيل لداود بن أبي هند: تروي عن عكرمة: فقال: هذا عمل أيوب (1).
وقال أحمد (2): كان مضطرب الحديث يختلف عليه، وما أدري.
• ذكر الانتصار لعكرمة، والاعتذار عن ما رمي به:
أما ما ذكرناه عن ابن الحذاء من ترك مالك ذكر عكرمة؛ فإن مالكًا روى في "الموطأ"(3): عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه". الحديث.
من غير ذكر لعكرمة، عن ابن عباس، وقد رواه روح بن عبادة، عن مالك (4)، عن ثور، عن عكرمة كذلك (5).
ولا ينبغي أن يحمل سقوطه من الإسناد الذي سقط منه على الوجه الذي ذكره ابن الحذاء، لمعنيين:
* أحدهما: أنّه لا ينبغي أن يترك ذكر الواسطة في الإسناد إلا مع الثقة به، وتيقن براءته من مفسدات الرواية، ولا ينبغي أن يترك مع الستر والجهالة بحاله، فكيف يترك ذكره من لا يرضاه، يل يجب إبرازه بالذكر والتنبيه على ضعفه مع العلم بضعفه أو السكوت عنه مع عدم العلم بحاله ليترك باب النظر في حاله مفتوحًا، ويبرأ من عهدته بذكره من لم يعرف حاله.
(1) انظر السير (5/ 25) والمعرفة والتاريخ (2/ 5) و (2/ 8).
(2)
انظر تهذيب الكمال (20/ 284) وتهذيب التهذيب (3/ 136).
(3)
الموطأ (1/ 287) برقم 3.
(4)
الموطأ (1/ 287) برقم 3.
(5)
التمهيد (2/ 26).
* الثاني: أنه لو كانت العلّة في الإمساك عن ذكره ذلك لا طرد من عمل مالك، ولم يذكره في موضع آخر، لكنه قد ذكره في غير هذا الموضع، فعلمنا أن ما أشار إليه ليس بعلّة للإمساك عن ذكره، روى مالك عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس. وقال: أظنّه عن ابن عباس (1): أنّه قال: "الذي يصيب أهله قبل أن يفيض، يعتمر ويهدي". فهذه رواية لمالك في "الموطأ"(2) مصرح فيها بذكر عكرمة عمل بها مالك (3)، وذهب إليها، واختارها على روايته عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: إنّه سئل عن رجل وقع على امرأته قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة. وعطاء من أعلم التابعين بالمناسك، ذكر بعضه أبو عمر (4).
عكرمة -مولى ابن عباس (5) -: من جلّة العلماء، لا يقدح فيه كلام من تكلّم فيه لأنّه لا حجة مع أحد تكلّم فيه، وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه، لأنّ بلغه أنّ سعيد بن المسيّب كان يرميه بالكذب، ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأي الخوارج، وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله.
وقد قال الشافعي -في بعض كتبه-: ونحن نتقي حديث عكرمة.
وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، والقاسم العمري، وإسحاق بن أبي فروة؛ وهم ضعفاء متروكون، وهؤلاء كانوا أولى أن يتقى حديثهم ولكنّه لم يحتج
(1) ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة، انظر التمهيد (2/ 26).
(2)
الموطأ (1/ 384) برقم 159.
(3)
الموطأ (1/ 384) برقم 155 باب من أصاب أهله قبل أن يفيض.
(4)
التمهيد (2/ 26).
(5)
هذا ابتداء كلام ابن عبد البر في عكرمة كما في التمهيد (1/ 27).
بهم في حكم، وكل أحد من خلق الله يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقيل لابن أبي أويس: لِمَ لَم يكتب مالك حديث عكرمة مولى ابن عباس؟ قال: لأنه كان يرى رأي الإباضية (2).
قلت: العمل عند أهل العلم على قبول رواية من كان من أهل البدع والأهواء إلا ما استثني من ذلك، وليس هذا منه، إلا أن يكون من رمي بتلك البدعة داعية إلى رأيه؛ ولم ينقل وضرب عليها ذلك عن عكرمة (3).
وأما قول سعيد بن المسيّب فيه؛ فقد ذكر العلّة الموجبة لذلك أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في "كتاب الانتفاع بجلود الميتة"، وسنذكرها.
وقال أبو عمر: وتكلّم فيه ابن سيرين، ولا خلاف أعلمه بين نقاد أهل العلم أنَّه أعلم بكتاب الله من ابن سيرين، وقد يظن الإنسان ظنًّا يغضب له، ولا يملك نفسه، وذكر الحلواني، عن زيد بن الحباب، قال: سمعت الثوري يقول: خذوا تفسير القرآن عن أربعة: عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والضحَّاك (4). فبدأ بعكرمة.
وقال جرير: عن مغيرة عن إبراهيم: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.
فلما قتل سعيد بن جبير؛ قال إبراهيم: ما خلف بعده مثله.
وقال ابن عليّة، عن أيوب: ثبت عن سعيد بن جبير أنّه قال: لو كفّ عنهم
(1) التمهيد (2/ 26).
(2)
المصدر السابق.
(3)
رجع إلى كلام ابن عبد البر.
(4)
في التمهيد للعداوة بينهما.
عكرمة من حديثه لشدّت إليه المطايا.
قال محمد بن نصر: وثنا إسحاق بن راهويه قال: ثنا يحيى بن ضريس، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدًا: عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة؛ فتذاكروا التفسير فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير على عكرمة يسألانه عن التفسير وهو يجيبهما.
قال: وثنا محمد بن عبيد قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: اجتمع عكرمة وسعيد بن جبير وطاوس، وعدة من أصحاب ابن عباس، فكان عكرمة صاحب الحديث.
وعن أيوب قال: قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي؛ أفلا يكذبوني في وجهي؟
وقال حماد بن زيد: قال رجل لأيوب: أكان عكرمة يتهم؟ فسكت عنه ثم قال: أما أنا فلم أكن أتّهمه.
قال الحلواني: ثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا سلام بن مسكين قال: سمعت قتادة يقول: كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام، وكان عطاء من أعلم الناس بالمناسك، وكان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير.
وقال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم (1)، قال: ثنا عبد الصمد بن معقل: إن عكرمة قدم على طاوس اليمن، فحمله طاوس على نجيبه، وأعطاه ثمانين دينارًا، فقيل لطاوس في ذلك؟ فقال: ألا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بنجيب وثمانين دينارًا؟
(1) في التمهيد زيادة الصنعاني.
وذكر ابن عباس (1) عن يحيى بن معين: ثنا محمد بن فضيل: قال حدثنا عثمان بن حكيم قال: جاء عكرمة إلى أبي أمامة بن سهل وأنا جالس (2) فقال: يا أبا أمامة؟ أسمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم به عكرمة صدّقوه، فإنه لم يكذب عليّ! قال: نعم (3).
وذكر أبو (4) عمر قال: قال أبو العرب سمعت قدامة بن محمد يقول: كان خلفاء بني أميّة يرسلوني إلى المغرب يطلبون جلود الخرفان التي لم تولد بعد العسيلة قال: فربّما ذبحت المائة شاة، فلا يوجد في بطونها إلا واحد عسلي كانوا يتخذون منها الفراء، فكان عكرمة يستعظم ذلك، ويقول: هذا كفر، هذا شرك، فأخذ ذلك عنه الصفرية والإباضية، فكفروا الناس بالذنوب.
قال أبو عمر: لهذا كان سحنون يقول: يزعمون أنَّ عكرمة مولى ابن عباس أضلّ المغرب.
قلت: أمّا ما ذكرناه من قول ابن عمر لنافع، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقول سعيد لبرد، فسيأتي عن ابن جرير الجواب عنه.
وأما ابن أبي ذئب؛ فقد نقلنا عنه أيضًا توثيقه، وأما ما ذكرناه عن داود بن أبي هند؛ أنّه سئل: هل رويت عنه؟ فقال: هذا عمل أيوب، فقد عدّه ابن (5) أبي حاتم فيمن يروي عنه من أهل البصرة.
(1) انظر التاريخ (2/ 413).
(2)
في التاريخ زيادة عنده.
(3)
تاريخ ابن معين برواية الدوري (2/ 413) برقم 1217.
(4)
التمهيد (2/ 32).
(5)
الجرح والتعديل (7/ 7) برقم 31.
وأما الرواية عن علي بن عبد الله بن عباس، فلا أدري طريقها (1)، ثم يقول: لعلّ عكرمة علم من علم ابن عباس ما لم يعلم ابنه، فكذّبه حين أتاه بما لم يعلم.
وأما ما ذكره عطاء عن ابن عباس في المسح على الخفين، فما المانع من أن يكون ابن عباس أفتى فيه بما رواه عكرمة أيضًا (2)، وكم من مسئلة اختلف فيها عن ابن عباس وغيره، وكذا أخلفه لا يحدثهم لعله عنده من لغو اليمين، أو يكفر إذا رأى الحديث خيرًا. وما ذكر من سماعه الغنا مشهور من عمل أهل المدينة. وقول أحمد فيه مضطرب، لا أدري (3) قد نقلنا عنه توثيقه جزمًا (4)، والأخذ بجزمه أولى من الأخذ بما تردد فيه.
قال أبو (5) عمر: وكان نزل القيروان ومكث فيها برهة، وذكر ابن أبي مريم عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود قال: أنا مدحت المغرب لعكرمة مولى ابن عباس،
(1) قلت: وفي الخبر يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف لا يحتج بنقله فالخبر لا يصح، وبمثل هذا رد ابن حبان هذه الرواية بسبب ضعف يزيد، انظر الثقات (5/ 230) حيث قال ولا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش. قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبي.
ومن أمحل المحال أن نجرح العدل بكلام المجروح لأن يزيد بن أبي زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه. اهـ.
وارتضى هذا الكلام ابن حجر في هدي الساري (427) ط السلفية مصر.
(2)
قلت: هذا الخبر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 273) وقال يحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة ثم لما جاءه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بعد نزول المائدة قال ما قال عطاء.
(3)
انظر تهذيب الكمال (20/ 284) وتهذبب التهذيب (3/ 136).
(4)
من رواية المروزي عنه، انظر تهذيب الكمال (20/ 288) وتهذيب التهذيب (3/ 137).
(5)
التمهيد (2/ 33 - 34) وفيه نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان قلت وللبزار كلام نحو هذا كما في كشف الأستار (1/ 146) قال فيه: تكلم فيه ولا نعلم أحدًا ترك حديثه إلا مالك.
ذكرت له حال أهلها فخرج إلى المغرب.
وقال أبو عبد الله المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث منهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين. ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال عكرمة: عندنا إمام الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه.
قال وأخبرني غير واحد أنّهم شهدوا يحيى بن معين، وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بحديث عكرمة، فأظهر التعجب.
قال المروزي: وعكرمة ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس، وملازمته إياه، وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه، وعدّلوه، وما زال أهل العلم بعدهم يروون عنه.
قال: وممن روى عنه من جلّة التابعين محمد بن سيرين -وذكر جمعًا (1) -. قال أبو عبد الله المروزي: وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه، وحملهم حديثه، فلن يقبل فيه تجريح أحد جرحه حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يجهل أن يكون جرحة، فأما قولهم: فلان كذاب، فليس مما يثبت به جرح حتى يتبيّن ما قاله.
وقال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار: روى عن عكرمة مائة وثلاثون، أو قريب من مائة وثلاثين رجلًا من وجوه البلدان بين مكي ومدني وكوفي وبصري، ومن سائر البلدان كلّهم روى عنه ورضي به (2).
(1) منهم جابر بن زيد وطاوس والزهري وعمرو بن دينار وغيرهم.
(2)
التمهيد (2/ 33 - 34) وفيه نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان قلت وللبزار كلام نحو هذا كما في كشف الأستار (1/ 146) قال فيه: تكلم فيه ولا نعلم أحدًا ترك حديثه إلا مالك.
قال أبو (1) عمر: وجماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم نصيب بالفقه والنظر هذا قولهم: إنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به، وصحّت عدالته وفهمه، إلا أن يتبين الوجه الذي يجرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز للشهادة، وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه (2).
وقال ابن الجوزي -في ترجمة عكرمة هذا (3) -: وقد أخرج عنه البخاري ومسلم في "الصحيحين".
وهذا يوهم الاحتجاج به عندهما، وليس كذلك، أما البخاري: فأكثر عنه في "صحيحه"، وقد ذكرنا ثناءه عليه.
وأما مسلم: فإنّما أخرج له حديثًا واحدًا في "كتاب الحج"(4) مقرونًا بغيره.
وقال عبد الله محمد بن إسحاق بن مسنده الأصبهاني: وأما حال عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله في الثقة، فقد عدّله أئمة من نبلاء التابعين ومن بعدهم، وحدّثوا عنه واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام، وروى عنه زهاء ثلثمائة رجل من أئمة البلدان فمنهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين إلا لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه، على أن من جرحه من الأئمة لم يمسكوا عن الرواية عنه، ولم يستغنوا عن حديثه مثل يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وأمثالهما رحمة الله عليهم، وكان يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة، الذين أخرجوا الصحيح وميّزوا ثابت الحديث من سقيمه وخطأه
(1) التمهيد (2/ 34).
(2)
التمهيد (2/ 34) وانظر جامع بيان العلم له ففيه فصل جيد (2/ 1087 - 1119).
(3)
الضعفاء والمتروكون (2/ 182) برقم 2334.
(4)
صحيح مسلم كتاب الحج (2/ 868 - 869) برقم 1208 باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه مقرونًا بطاوس وفي الحديث الذي بعده مقرونًا بسعيد بن جبير.
من صوابه، وجرحوا رواته أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمة الله عليهم أجمعين (1).
فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به على أنّ مسلم بن الحجاج كان أسوأهم رأيًا فيه، فأخرج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح عنه، وعدّله بعد ما جرحه (2).
وقال الحافظ أبو (3) أحمد النيسابوري: احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيّز الصحاح احتجاجًا بما نذكره، وذكر قصة نافع مع ابن عمر.
قلت: لعلّ الحاكم أبا أحمد يريد مسلم بن الحجاج.
قال محمد بن نصر المروزي فيما حكاه عنه أبو (4) عمر بن عبد البر: ثنا محمد بن يحيى: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر، عن أيوب قال: سأل رجل سعيد بن المسيّب، عن رجل نذر نذرًا لا ينبغي له من المعاصي فأمره أن يفي بنذره. قال: فسأل الرجل عكرمة؟ فأمره أن يكفّر عن يمينه ولا يوفي بنذره، فرجع الرجل إلى سعيد بن المسيّب، فأخبره بقول عكرمة، فقال ابن المسيّب: لينتهينّ عكرمة، أو ليوجعنّ الأمراء ظهره. فرجع الرجل إلى عكرمة، فأخبره. فقال عكرمة أما إذ بلغتني فبلّغه! أما هو فقد ضربت الأمراء ظهره، وأوقفوه في تبان من شعر، وتسلْه عن نذرك أطاعة هو لله أم معصية؟ فإن قال هو طاعة فقد كذب على الله (5). وإن قال هو معصية فقد
(1) انظر هدي الساري (429) ط السلفية مصر وتهذيب التهذيب (3/ 138) وذكر فيه أن كلام ابن منده في صحيحه.
(2)
انظر هدي الساري (429 - 430) ط السلفية مصر وتهذيب التهذيب (3/ 137 - 138).
(3)
انظر تهذيب الكمال (20/ 290) وتهذيب التهذيب (3/ 137).
(4)
انظر جامع بيان العلم (2/ 1104 - 1105) ط الزهيري قلت والخبر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 438 - 439) برقم 15826 بسنده ومتنه سواء.
(5)
في جامع بيان العلم زيادة لأنه لا تكون معصية الله طاعته.
أمرك بمعصية الله.
قال المروزي: فلذا كان بين سعيد بن المسيّب، وبين عكرمة ما كان حتى قال فيه ما حكي عنه أنَّه قاله لغلامه (1): لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس (2).
وقال أبو (3) جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب من القول عندنا في عكرمة، وفي غيره ممن شهر في المسلمين بالستر والصلاح أنّه جائز الشهادة، مستحق الوصف بالعدالة من أهل الإسلام، ولا يدفع ذو علم كعكرمة، ومعرفة بمولاه عبد الله بن عباس: أنّ عكرمة كان وهو رجل يجتمع لمولاه عبد الله بن عباس مملوكًا، بل كان من خواص مماليكه، وأنّه لم يزل في ملكه حتى مضى لسبيله رحمه الله، مع علمه به وبموضعه من العلم بالقرآن، وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وأنّه لم يحدث له إخراجًا عن ملكه ببيع ولا هبة، بل ذكر عنه أنّه كان ربّما استثبته في الشيء يستصوب فيه قوله، ولو كان ابن عباس اطلع منه على أمر في طول مكثه في ملكه مذموم، أو مذهب في الدين مكروه، لكان حريًّا أن يكون قد أخرجه عن ملكه، أو عاقبه بما يكون له عن ذلك من مذهبه أو فعله رادعًا أو يتقدم إلى أصحابه بالحذر منه، ومن روايته، وأعلمهم من حالته التي اطلع منه عليها ما يوجب لهم الحذر منه، والأخذ عنه، وفي تقريظ جلّة أصحاب عكرمة إياه، ووصفهم له بالتقدّم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه كجابر بن زيد أبي الشعثاء، ومنزلته من الإسلام، منزلته وموضعه من الحلال والحرام موضعه وتقدّمه في الفضل الذي يقول وقد سئل عنه:
(1) في جامع بيان العلم زيادة برد.
(2)
انظر جامع بيان العلم (2/ 1104 - 1105) ط الزهيري قلت والخبر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 438 - 439) برقم 15826 بسنده ومتنه سواء.
(3)
انظر هدي الساري (429) ط السلفية مصر، بمعناه ولم ينقل النص كاملًا.
هو البحر؛ فاسألوه. وكسعيد بن جبير ومكانه من العلم بالحلال والحرام ومعرفته بالشرائع، وتأويل القرآن ومحله من الإسلام يقول وقد سئل: هل بقي أحد أعلم منك؟ فيقول: نعم، عكرمة. وكطاوس بن كيسان في فضله وورعه وزهده وعبادته وعلمه، وقد صحب عبد الله بن عباس رحمة الله عليهما؛ يرى استعطافه بالهدية إليه ليفيد ابنه من علمه، وليمكنه من الاقتباس منه، وكأيوب بن أبي تميمة السختياني في فضله وورعه وإمامته على الدين وأهله يشهد له بالثقة على ما روى وحدث. وينكر تهمة من يتهمه على من يتهمه. وكشهر بن حوشب وأمره من يسأله عنه بالأخذ عنه في [غيرهم ممن يصعب إحصاؤهم من أهل العلم ممن يقرظه ويمدحه في دينه](1) وعلمه بالشهادة، [بعضهم تثبت للإنسان العدالة ويستحسن في المسلمين](2) جواز الشهادة، ومن ثبتت له فيهم العدالة، وجازت له فيهم الشهادة، لم يخرج منها، ولم يسقط عدالته بالتهمة والظنّة، وبأنّ فلانًا قال لمملوكه لا تكذب علي كما كذب فلان على فلان، وما أشبه ذلك من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذين توجهه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب، والعجب كل العجب ممن علم حال عكرمة ومكانه من عبد الله بن عباس وطول مكثه معه، وبين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من بعد ذلك بين خيار التابعين والخالفين، وهم له مقرظون، وعليه مثنون، وله في العلم والدين مقدمون، وله بالصدق شاهدون، ثم يجيء بعد مضيه بسبيله بدهر وزمان توابع، ويجادلون فيه من يشهد له بما شهد له به ممن ذكرنا من خيار السلف، وأئمة أهل الخلف من مضيه على ستره وصلاحه، وحاله من العدالة، وجواز الشهادة في المسلمين بأن كما ما ذكرنا من حاله عمّن ذكرنا عنه، لا حقيقة له ولا صحة، بأن خبرًا ورد عليهم ولا صحة له
(1) ما بين المعقوفتين غير واضح.
(2)
ما بين المعقوفتين غير واضح.
عن ابن عمر أنّه قال لمملوكه: يا نافع لا تكذب على كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقد بينّاه على الاحتمال هذا القول من ابن عمر من الوجوه ما قد ذكرنا بعضها، وهم مع ذلك من استشهادهم على دفع عدالة عكرمة وجرحهم شهادته وتوهينهم روايته بما ذكرنا من الرواية الواهية عن ابن عمر عندهم. نافع عن ابن عمر في نقل ما روى من خبر في الدين حجة، وفيما شهد به عدل ثقة مع صحة الخبر عن أن مولاه سالم، أنّه قال: إذ خبر عنه أنّه يروي عن أبيه عبد الله بن عمر: من استجاز إتيان النساء في أدبارهنّ كذب، وذلك صريح التكذيب منه لنافع، فلم يروا ذلك من قول سالم لنافع جرحًا ولا عليه في روايته طعنًا ورأوا أنّ قول ابن عمر لنافع لا تكذب على كذب عكرمة على ابن عباس، له جرح، وفي روايته طعن، يسقط شهادته.
قال أبو جعفر: ولم يعارض ما يلي ما ذكرنا في عكرمة بما قيل في نافع طعنًا منا على نافع، بل أمرهما عندنا في أنَّ ما نقلا في الدين من خبر حجة لازم العمل به.
فمن كان بخبر الواحد العدل ذاتيًّا، ولكنا أردنا أن نريهم تناقض قولهم.
وقال أيضًا: وغير بعيد أن يكون الذي حكي عن ابن عمر في عكرمة نظير الذي حكي عن سعيد فيه، وقال أيضًا: وأما ما نسب إليه عكرمة من مذهب الصفرية (1)، فلو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ونحله، لم يثبتُ
(1) الصفرية فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الأصفر وقولهم كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون إلا أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ولا نسائهم، وقالوا كل ذنب له حد معلوم في الشريعة لا يسمي مرتكبه مشركًا ولا كافرًا بل يدعى باسمه المشتق من جريمته فيقال سارق وقاتل وقاذف وكل ذنب ليس فيه حد كمن يترك الصلاة فمرتكبه كافر ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعًا مؤمنًا. =
عليه ما ادعى عليه من ذلك، ونحله يجب علينا إسقاط عدالته، وإبطال شهادته، وترك الاحتجاج بروايته. ألزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نقل عنه أمر من محدثي الأمصار كلها لأنه لا أحد منهم إلَّا وقد نسبه ناسبون إلى ما يرغب له عنه قوم ويرتضيه له آخرون.
واختلف في وفاته فقيل: سنة أربع ومائة (1) وقيل: سنة خمس (2)، وقيل. سنه ست (3)، وقيل: سنة سبع (4)، وقيل: سنة خمس عشرة ومائة (5). وهو ابن ثمانين أو أربع وثمانين سنة، وكانت وفاته بالمدينة.
ومن الناس من يقول بالقيروان والصحيح الأول، وطلبه بعض الولاة، فتغيب عند داود بن الحصين، وأقام عنده حتى مات عنده (6).
وذكر الواقدي (7) قال: "حدثني خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة مولى ابن عباس، وكثير بن عبد الرحمن الخزاعي صاحب عزّة في يوم واحد في سنة خمس ومائة فرأيتهما جميعًا صلي عليهما بعد الظهر في مسجد الجنائز فقيل: مات
= انظر مقالات الإسلاميين (182 - 183) والفرق بين الفرق (70) والتبصير في الدين (52) والملل والنحل (1/ 137).
(1)
وهو قول البخاري في التاريخ الصغير (1/ 257) والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 6).
(2)
وهو قول جماعة من العلماء منهم الفلاس والقاسم بن سلام وأبو سعيد بن يونس وخليفة كما في طبقاته (280) وانظر تهذيب الكمال (20/ 291).
(3)
وهو قول الهيثم بن عدي وأبي عمر الضرير، انظر تهذيب الكمال (20/ 292).
(4)
وهو قول أبي نعيم كما في طبقات ابن سعد (5/ 293) والتاريخ الكبير للبخاري (7 / برقم 218) ط دار الكتب العلمية.
(5)
وهو قول يحيى بن معين ونقل عن الهيثم بن عدي وأبي الحسن المدائني وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 229).
(6)
انظر تهذيب الكمال (20/ 467).
(7)
انظر طبقات ابن سعد (5/ 292).
اليوم أفقه الناس وأشعر الناس".
وقال المفضل (1) بن فضالة في هذا الخبر: فما علمته تخلف رجل ولا امرأة عن جنازتهما قال: "وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه، ويذكرون عزة في ندبهنّ له".
وذكر أبو حاتم بن حبان عكرمة هذا في كتاب الثقات (2) له، ورد الخبر المروي عن علي بن عبد الله بن عباس الذي قال فيه: إنّه قال: إن هذا يكذب على أبي، فإنه من رواية يزيد بن أبي زياد لمحل يزيد من التضعيف. وقد تقدّم ذكرنا له من طريق غيره أيضًا، ثم قال (3): أما عكرمة؛ فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها، وما أعلم أحدًا ذمّه بشيء إلا بدعابة كانت فيه، مات سنة سبع ومائة، ويقال: سنة خمس، وذكر نحو ما سبق، وقال: وكان متزوجًا بأم سعيد بن جبير (4)
وفي الباب مما لم يذكره عن جابر قال: "كان الرجال والنساء يتوضّؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يذهب هؤلاء ويجيء هؤلاء". رواه الدارقطني (5) من حديث أبي معشر، عن مصعب بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن جابر.
وفيه عن عائشة: روى أبو (6) أحمد بن عدي من حديث عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل وضوء المرأة فقال: "لا بأس به".
(1) انظر التمهيد (2/ 35).
(2)
الثقات (5/ 230).
(3)
أي ابن حبان.
(4)
الثقات (5/ 230).
(5)
كذا قال ولم أجده في السنن، والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد (8/ 61) من طريق أبي معشر.
(6)
الكامل (5/ 1684).
عمر (1) بن صبح لا يحتجّ به.
وقوله: إن الماء لا يجنب، أي لا ينتقل إليه حكم الجنابة، وفي بعض ألفاظه: إن الماء لا ينجسه شيء؛ كذلك هو عند الإمام أحمد (2)، والمراد منه أيضًا والله أعلم، لا يمتنع التطهّر به كامتناعه بما تنجس، وإلا فمعلوم أنّه لم يتنجس بكونه طهور امرأة، وقد يؤخذ منه طهورية الماء المستعمل حيث لم يجعل بين الطهورية والنجاسة واسطة لاستعمال الماء من التطهر بالماء المستعمل عند من يقول بطهارته دون طهوريته، لأنه لم يكن المراد حكم معرفة ذلك الماء في الطهارة والنجاسة، وإنما المراد جواز التطهر به أو عدمه. فضمن إخباره عليه السلام إياها لجواز الوضوء به أو الاغتسال، إذا لم ينجسه شيء لأنه لا واسطة بين الطهارة والنجاسة في جواز التطهّر به، أو عدمه، وذكر شيخنا الإمام أبو (3) الفتح القشيري رحمه الله تعالى أنّه يستفاد ذلك منه من وجوه:
* أحدها: ما دلّ عليه الجواب من ردّ توهّم المرأة لفساد الماء بالاستعمال.
* وثانيها: قوله عليه السلام إن الماء لا يجنب، أي لا ينتقل إليه حكم الجنابة، وهو المنع ذكر ذلك تعليلًا لجواز الوضوء به.
* وثالثها: أنّها لما أخبرت أنّها كانت جنبًا أي عند الاغتسال منه، وأحوال الجنب عند الاغتسال مختلفة، تارة تكون بالانغماس وتارة تكون بالتناول، وبعد التناول تارة ينوي رفع الحديث، وتارة ينوي الاغتراف بخصوصيّة. أعني مع قطع نية رفع الحديث عن اليد، وتارة لا ينوي واحدًا منهما ويذهل، ثم حصل الجواب بما
(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 116) برقم 629 وتهذيب الكمال (21/ 396 - 398) برقم 4259، تهذيب التهذيب (3/ 233 - 234).
(2)
المسند (6/ 172).
(3)
شرح الإلمام (2/ 125 - 126).
يقتضي إباحة الاستعمال فيقتضي عدم تأثير الاستعمال في الماء بناء على القاعدة المشهورة في ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال.
وقد يردّ على هذا ما يردّ على تلك القاعدة من جواز علم النبيّ صلى الله عليه وسلم بتلك الواقعة وجوابه عنها على حسب علمه، إلا أنّه ها هنا ضعيف لأنّه حكم على عموم الماء بأنّه لا يجنب.
ولم يحكم على خصوص ما سئل عنه، وهذا أمر زائد. انتهى (1).
وأما الماء المستعمل؛ وقد تقدَّم ما للناس فيه من المذاهب في باب ما جاء في فضل الطهور، فلا حاجة إلى إعادته ها هنا، وقد تقدَّم الكلام في الباب قبله في الوضوء، بفضل المرأة، وما عن السلف في ذلك من الخلاف، وأن من قال بالجواز مطلقًا أخذ بهذا الحديث، وحديث عمرو عن أبي سعيد المتقدّم لرجحانهما من حيث الصحة على حديثي ابن سرجس، والحكم بن عمرو الغفاري المخالفين لهما في الحكم، ورأيت بخط الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي قال: لم يخف على أبي محمد يعني ابن حزم هذا الاعتراض -يعني تضعيف حديث الحكم بن عمرو بما فيه من الاضطراب-، قال: وقد ذكره في الإيصال (2) بعد أن ذكر الخبر من طريق آخر عن العقيل، عن إبراهيم بن يوسف، عن محمد بن عبد الرحيم البوفي، عن عبد الله بن محمد بن المغيرة، عن قيس بن الربيع، عن شعبة، عن
(1) شرح الإلمام (2/ 125 - 126).
(2)
الإيصال إلى فهم كتاب الخصال ويقع في خمسة عشر ألف ورقة قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/ 193) وقال في تذكرة الحفاظ (3/ 1147): أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول. اهـ.
قلت: والإيصال شرح لكتابه الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع وقد اختصر بعض هذا الكتاب ابنه أبو رافع ليكمل بعض أجزاء المحلى، انظر فهرس دار الكتب المصرية (1/ 555).
سليمان -هو التيمي-، عن أبي حازم، عن أبي ذر، وعن معاذ بن المثنى، عن محمد بن منهال، عن يزيد بن زريع، عن سليمان التيمي، عن رجل من بني غفار، وعن ثابت بن عامر الغفاري، عن ابن أبي السري، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:
وعن الباجي، عن عيسى بن أبي حرب الصفار، عن يحيى بن أبي بكر، عن أبي كريمة، عن سليمان، عن أبي حاجب، عن أبي هريرة. كلّهم يرفعه بنحو حديث الحكم، ومن طريق ابن أبي خيثمة أيضًا عن أبيه، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عاصم بإسناده ونصّه:
"نهى أن يتوضأ الرجل بفضلها، لا يدري فضل سؤرها، أم فضل وضوءها".
قالوا: فهذا خبر اضطرب فيه كما ترى، قال أبو محمد: فقلنا هذا كله تقوية للخبر، وتصحيح له، فمن رواه موقوفًا فحق رواه من فتياهما، ومن أسنده عنهما فروى عنهما به علمًا من ذلك، ورواية من رواه مرة عن الحكم، ومرة عن ابن سرجس، ومرة عن أبي ذر، ومرة عن أبي هريرة، ومرة عن رجل من بني غفار. فنحن نحمد الله على ذلك، ونرى أنه قوة للخبر وتأكيد له، إذ روي من طريق هؤلاء كلهم، وما ندري من أين وقع لهم أنّ هذا وهّن الخبر ولم نجد عندهم في ذلك أكثر من الدعوى الفاسدة الزائفة، ولا يجوز رد السنن بمثل هذه الأباطيل التي لا معنى لها، وأما شكّ عبد الصمد في قوله: لا ندري أفضل سؤرها أم فضل وضوءها، فقد بيّن ذلك غيره ولم يشكّ، وهو أبو داود (1) عن شعبة.
وشكّ عبد الصمد إنما هو جهل منه بما عرفه غيره من معنى الخبر، وما علينا من جهل الراوي بمعنى ما روى، ولا من علمه به، إنّما علينا نفسه في روايته فقط،
(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 63) برقم 82 باب النهي عن ذلك.
فيصح النقل أوسيلة فيها فبطل نقله لها.
قلت: هذا تصرف حسن، ونظر سديد، لا خفاء به يبيّن أنّ هذا الاضطراب لا يضر وقد سبق في باب الاستنجاء بالحجرين، بيان أن الاضطراب إذا كان بهذه المثابة لا يضرّ ولا يلزم منه وهن، وقد كان ينبغي المصير لما قاله أبو محمد في ذلك، لولا أن البخاري (1) قال:"حديث الحكم ليس بصحيح، وحديث ابن سرجس من رفعه فقد أخطأ". فبيّن أن المروي في ذلك حديثان:
* أحدهما: ليس بصحيح جملة.
* والثاني: ليس بصحيح رفعه فإلى البخاري وأمثاله الرجوع في ذلك، فليست العلة إذن ما ذكروا من الاضطراب الذي أشار إليه، وإنّما العلّة عندنا ما حكيناه عن البخاري، وليس لنا أن نعلل قول البخاري بهذا الاضطراب، فقد يكون له علة غير هذه، وليس لنا بعد ذلك أن نردّ كلام البخاري إلا عن يقين من الوقوف على علّته، وبيان أنّها ليست موثرة، ومثل ذلك يقيد، وليس رد الخبر والحالة هذه من ردّ السنن الثابتة بالظنون، كما قال، بل إثباته من ردّ قول أئمة النقد والعلم بالظنون، أن لا علّة سوى ما وقع له فليعلم ذلك.
وقوله: اغتسل بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم في جفنة هي والله أعلم ميمونة (2) ووقع التصريح بها في موضع آخر، ولأنها خالته فهو أقرب إلى الرواية عنها، وهي وأم الفضل أخت لبابة الكبرى ولبابة الصغرى أم خالد ابن الوليد، وغيره. وعصماء، وأم حفيد بنات الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن
(1) علل الترمذي الكبير (1/ 134) وقد سبق.
(2)
سنن النسائي كتاب الطهارة (1/ 143) برقم 240 باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 134) برقم 378 باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد.
عامر بن صعصعة، قد ذكرناهن وأخواتهنّ لأمّهن سلمى وأسماء وسلامة بنات عميس في موضع آخر.
والجفنة مفتوح الجيم ساكن الفاء، أعظم القصاع من الخشب، وجمعها جفنات مفتوح الفاء.
وقال حسان بن ثابت:
ولنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى
…
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
والقصعة: مفتوح القاف، قال بعضهم: عربية معروفة.
وقد قاله أبو هلال (1) العسكري، وأنشد: وماء قدور في القصاع ست مشيب (2).
وقال غيره: فارسي معرّب.
وقال كراع (3) في "المنتخب"(4): وأعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تشبع
(1) في كتابه التلخيص قال ذلك ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (2/ 117) فلعل المصنف ينقل عنه.
(2)
هذا عجز بيت أوله: سيكفيك صرب القوم لحم معرّض.
والبيت نسبه ابن مالك في المشوف المعلم (1/ 449) ص ر ب وابن منظور في لسان العرب (1/ 92) ش وب و (7/ 186) ع ر ض والخطيب التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق (109) و (353) لسليك بن السلكة السعدي.
(3)
هو علي بن الحسن الهنائي المعروف بكراع النمل بضم الكاف أبو الحسن النحوي اللغوي، من أهل مصر، أخذ عن البصريين وكان نحويًّا كوفيًّا، صنف مصنفات مفيدة في اللغة كالمنضد والمجرد مختصر المنضد والمنتخب وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 158) برقم 1693 وإنباء الرواة (2/ 240) وطبقات ابن قاضي شهبة (2/ 146 - 147) والفهرست (83) ومعجم الأدباء (13/ 12 - 13) والأعلام (4/ 272) ولقب بكراع النمل لأنه كان دميم الخِلْقة.
(4)
ونقل هذا ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (2/ 117) وهو في المنتخب (1/ 337) بواسطة محقق شرح الإلمام.
العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المكيال ووقع عند الترمذي (1): في جفنة، وكذا هو عند الأكثرين.
وعند (2) أبي حاتم بن حبّان: من جفنة.
فأما من يسوّي بينهما كما قال امرئ القيس: (3)
[وهل ينعمن من كان أقرب عهده
…
ثلاثين شهرًا، في ثلاثة أحوال] (4)
ومن يرى أنّ حروف الجر يخلف بعضها بعضًا، كما هو معروف من الكوفيين فلا فرق عنده، وأما من يفرق بينهما كما ذهب إليه الجمهور فقد يقول المغتسل منها متناول منها، والمغتسل فيها ليس كذلك، وينبني عليه حينئذ أنّ الانغماس في الماء اليسير هل يصيّره مستعملًا أو لا؟ وهي مسأله تنارع العلماء فيها، فيدل الحديث على عدم تأثير ذلك، وقد يؤخذ هذا الاستدلال من قاعدة ترك الاستفصال كما سبق إذ هو من محتملات كيفيات الاغتسال.
وقد يؤخذ منه على تقدير أن يكون بلفظة (من) كما رواه ابن حبان على هذه القاعدة أيضًا مسألة الاغتراف باليد من الماء اليسير، هل يصيّره مستعملًا أو لا؟ إذ من جملة أحوال المغترف أن ينوي رفع الحدث عن اليد أو يدخل عن النية، أو ينوي الاغتراف ولم يقع في الخبر استفصال، وسيأتي الكلام على ذلك في باب الاغتسال
(1) الجامع (1/ 94).
(2)
قلت: بل الموجود عنده في صحيحه (4/ 73) برقم 1261 في جفنة، وقال عقبه: لم يقل في جفنة إلا أبو الأحوص فإنه قال في جفنة، وانظر إتحاف المهرة (7/ 465) برقم 8234 فإنه ذكره بحرف الجر في، على أن قول ابن حبان لم يقل في جفنة إلا أبو الأحوص فيه نظر فقد رواه كذلك يزيد بن عطاء كما عند الدارمي (1/ 187).
(3)
البيت في ديوانه (123) بلفظ أحدث بدل أقرب وهو كذلك عند الرماني في معاني الحروف وابن جني في الخصائص وابن هشام في مغني اللبيب.
(4)
انظر شرح المفصل (8/ 7) والتصريح على التوضيح (2/ 3 - 6).
من الجنابة إن شاء الله تعالى والاستدلال بهذا الحديث على جواز طهور الرجل بفضل المرأة من رواية ابن حبان التي هي بلفظة "من" لأنّ المانع على رواية "في"، وقد تكون لأنّ الماء صار مستعملًا لأنّه فضل طهور المرأة.
قال القاضي أبو (1) بكر بن العربي رحمه الله تعالى: وحديثها أولى لوجهين -يعني حديث الباب في الرخصة-:
* أحدها: أنَّه أصحّ.
* والثاني: أنّه متأخر عنه بدليل أنّه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يغتسل من الإناء قالت له ميمونة: إني قد توضأت منه، وهذا يدل على تقدّم النهي فبيّن أن الماء لا يجنب، ورفع ما تقدّم، قال: أو يكون معناه ما استعملته المرأة، أو يكون معناه كراهة الوضوء بفضل الأجنبية لتذكرها أثناء الغسل، واشتغال البال بها. انتهى.
وليس هنا أجنبية إنّما هي ميمونة، ولم يفرق أحد بين الأجنبية في ذلك وغيرها.
قلت: وفي الحديث الرد على من قال: بأن الماء المستعمل ليس بطهور، فلأن يكون فيه الرد على من قال بأنّه ليس بطاهر من باب أولى.
وفيه جواز البناء على الظاهر والأصل لأن الأصل في الماء الطهارة واحتمال قيام المانع به ممكن لكن لم يسأل عنه عليه السلام، حين إرادة استعماله، وبنى على الأصل فيقتضي ذلك البناء على الأصل والظاهر.
وفيه رد على من قال من المالكية (2): بأن الماء المستعمل غير طهور، ولم يعلله
(1) عارضة الأحوذي (1/ 72).
(2)
هو المحكي عن أصبع بن الفرج المالكي، انظر الاستذكار (1/ 253) والتمهيد (1/ 43) والمنتقى (1/ 55)، ومواهب الجليل (1/ 66).
بانتقال مانع، ولا يتأدى به بل علله بما يلحق الماء ويحله من الأوساخ والأدران. والحديث يدل على بطلان هذا التعليل بعد الحمل على كون الاغتسال في الجفنة لأنّ الاغتسال في الجفنة هنا موجود فلو منعت هذه العلة التطهير لامتنعت الطهارة، ولم تمتنع الطهارة، فلا يمنع التطهير، ذكر معناه شيخنا الإمام أبو (1) الفتح القشيري. وقال (2): ومن فسّد (3) الماء بالاستعمال علل بوجهين: تأدي العبادة، وانتقال المنع (4)، وقوله عليه السلام: إن الماء لا يجنب؛ كالتصريح برد هذه العلة الثانية.
وفيه: إذ الحمل على الاغتسال في الجفنة لا منها، أن التغيّر باليسير من الطاهرات لا يضر لأنّ الغالب أنّه لا بد وأن يحصل في الماء تغيَّر ما بسبب ما لابس البدن من الأدران والأوساخ من الاستدلال بوجود العلة على وجود المعلول لأنّ حكمه عليه السلام: أنّ الماء لا يجنب؛ علة لجواز الطهارة به، الذي هو مقصود، فذكر العلة ليدل بها على المعلول، وأما على رواية استعماله له صلى الله عليه وسلم فيؤخذ منه العلة من المعلول لأنّ تطهره منه عليه السلام لازم لطهوريته فاستعماله له دليل على طهوريته دلالة المعلول على العلة، وقد روي الأمران معًا قوله (5):"إن الماء لا يجنب"، كما ذكرناه، وأنّه عليه السلام اغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها.
* * *
(1) شرح الإلمام (2/ 136 - 137).
(2)
أي ابن دقيق العيد.
(3)
عبارة ابن دقيق العيد: بعض من أفسد الماء بالاستعمال .. إلخ.
(4)
انظر في ذلك بدائع الصنائع (1/ 67)، الحاوي (1/ 298)، المجموع (1/ 160 - 161) شرح الزركشي على الخرقي (1/ 120 - 123).
(5)
شرح الإلمام (2/ 140 - 141) مع تقديم وتأخير وبتصرف يسير.