الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
83 - باب في المني والمذي
حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي ثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد.
وحدثنا محمود بن غيلان ثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؛ فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل".
قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي عن النبي
صلى الله عليه وسلم من غير وجه: من المذي الوضوء، ومن المني الغسل.
وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق.
* الكلام عليه:
أخرجه ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام.
وأخرج أبو داود من حديث حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاء فجعلت أغتسل حتَّى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل".
وأخرجه النسائي، وأخرجه البخاري ومسلم من حديث محمد بن الحنفية عن علي مختصرًا.
قد صحح الترمذي هذا الحديث وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو وإن كان مسلم قد انفرد بإخراج حديثه مقرونًا بغيره، في كتاب الأطعمة، فقد تكلم فيه بعضهم، فلنذكر ما حضرنا من الكلام عليه ليبين محله من القبول أو التوقف، قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الضعفاء" له: يزيد بن زياد، ويقال: ابن أبي زياد ويقال: أبو زيّاد، الشامي، واسم أبيه ميسرة.
يروي عن الزهري وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
قال علي ويحيى: ضعيف لا يحتج به.
قال ابن المبارك: ارم به.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، كل أحاديث موضوعة أو باطلة.
وقال البخاري: منكر الحديث ذاهب.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال ابن حبان: صدوق إلا أنَّه لما كبر ساء حفظه وتغيَّر، وكان يتلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح. انتهى ما ذكره.
وهذا عنده كلام على راوٍ واحدٍ، وإنما هذا الكلام على ثلاثة من الرواة:
فأحدهم يزيد بن أبي زياد الدمشقي، يروي عن الزهري، روى عنه وكيع ومحمد بن ربيعة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت ابن نمير يقول: يزيد بن أبي زياد الَّذي يروي عنه وكيع ليس بشيء، سألت أبي عنه، فقال: ضعيف الحديث كل أحاديثه [موضوعة].
وقال البخاري: هو منكر الحديث.
والثاني: يزيد بن زياد، واسم أبي زياد ميسرة مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي المدني.
روى عن محمد بن كعب القرظي.
روى عنه مالك وابن إسحاق.
ذكره ابن أبي حاتم، وذكر رواية ابن إسحاق عنه.
وقال الترمذي: روى عنه مالك بن أنس وغير واحد، مدني.
والثالث: راوي هذا الحديث، وهو كوفي مولى بني هاشم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل.
روى عن عبد الله بن جعفر ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
روى عنه الأعمش والثوري وشعبة وزهير بن معاوية، وزائدة وشريك وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن فضيل وعبد الله بن إدريس وغيرهم.
قال شعبة: كان رفاعًا.
وقال عثمان بن أبي شيبة: سألت جريرًا عن ليث وعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد؟ فقال: يزيد أحسنهم استقامة في الحديث، ثم عطاء.
قال عبد الله: سألت أبي عن هذا فقال: أقول كما قال جرير.
وقال مرة: وكان ليث أكثرهم تخليطًا.
وقال عبد الله: قال لي أبي: لم يكن يزيد بن أبي زياد بالحافظ، وليس بذاك.
قال عبد الله: فقلت ليحيى بن معين: يزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب.
فقال: نعم، ومن سمع من عطاء وهو مختلط فيزيد فوق عطاء.
وروى العباس الدوري عن يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، ذكره ابن أبي حاتم، وحكى عن أبيه قوله فيه: ليس بالقوي.
وعن أبي زرعة: كوفي لين، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وإذ قد تبين أنهم ثلاثة وأن أحوالهم مختلفة، فلنذكر ما ينبني على اختلاف أحوالهم من اختلاف أحوال أخبارهم في القبول والرد، فنقول:
أما الأول فلا تلتحق أخباره بالصحيح ولا بالحسن لما فيه من الجرح المفسر الذي لم يعارضه شبهة تعديل، وقد وقع لأبي عيسى حديث من طريقه وردّه به، وهو حديث:"ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم".
رواه يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
ورواه عن يزيد عنده: وكيع، ومحمد بن ربيعة.
قال الترمذي: يزيد يضعف في الحديث.
وأما الثاني فينبغي أن يكون حديثه -إذا سلم من العلل والشذوذ والتفرد- من باب الحسن، إذا لم يعدم شاهدًا أو متابعًا لدخوله تحت كنف الستر والسلامة من الجرح، والمعرفة بعينه برواية من روى عنه.
وأما الثالث فينبغي أن يتردد النظر في حديثه بين قسمي الحسن والصحيح بحسب شواهد الحديث المخرج من روايته ومتابعاته، فحيث وجد ما يعضده فلا ينبغي أن يقصر به عن التصحيح لثناء من أثنى عليه، واشتهاره بحمل العلم، وكون الجرح فيه غير مفسر.
وينبغي أن يعتبر مذهب المجرح بلفظ: لا يحتج به، وهل هو ممن يحتج بالحسن أو لا؟
فإن كان القائل بالتجريح عمن جرحه؛ لا يحتج به، وهو لا يحتج إلا بالصحيح، فلم يسلب الجروح رتبة تحسين حديثه، وإن كان المجرح ممن يحتج بالحسن فقد سلبه تلك الرتبة، وهو أشد في الجرح من الأول.
وأما الترمذي فقد صحح حديث يزيد هذا في مواضع منها حديث الباب.
وحديثه عن مقسم عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم.
وحديثه عن عبد الله بن الحارث: حدثني المطلب بن ربيعة: أن العباس دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مغضبًا
…
الحديث.
ومما حسن من حديثه حديثه عن مجاهد عن ابن عباس: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
وهو من رواية زياد البكائي عنه. وزياد وإن كان قد مس بتضعيف من النسائي وابن معين، فقد أثنى عليه أحمد وأبو زرعة، وأخرج له في الصحيحين، فلعل التصحيح والتحسين في ذلك بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون أو غرابتها أو اشتهار طرقها أو عدم ذلك.
وأيضًا فهو من رواية ابن أبي ليلى عن علي، وقد قيل: لم يسمعه منه.
وأما حديث المقداد بن الأسود؛ فروى سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه الذي؛ ماذا عليه؛ فإن عندي ابنته وأنا استحيي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضئ وضوءه للصلاة".
رواه أبو داود، وأخرجه النسائي وابن ماجه.
قال الإمام الشافعي: حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلم سمع منه شيئًا.
قال البيهقي: هو كما قال، وابن حبان يزعم أنه سمع منه وعمره دون العشر سنين.
وقد رواه بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ابن عباس في قصة علي والمقداد موصولًا. انتهى.
وحديث سليمان بن يسار عند مسلم من حديث مخرمة بن بكير عن أبيه، ولم يسمع مخرمة من أبيه شيئًا، كذا قال عنه غير واحد، إلا أن مالكًا ذكر أنه سأله: هل سمع من أبيه؟ فقال: إي والله.
قال: وكان مخرمة رجلًا صالحًا.
وأما حديث أبي بن كعب، فقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر، قال: ثنا مسعر عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية عن ابن عباس أنه أتى أبيًّا ومعه عمر بن الخطاب فخرج عليهما فقال: إني وجدت مذيًا فغسلت ذكري وتوضأت. فقال عمر: أو يجزئ ذلك؟
قال: نعم. قال: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
وأبو حبيب بن يعلى بن منية، ومنية أمه، وهو يعلى بن أمية التميمي حليف لقريش، ويقال منية أخت عتبة بن غزوان المازني.
ذكره أبو أحمد الحاكم فيمن يعرف بكنيته ولا يقف على اسمه.
وقال: روى عن ابن عباس.
روى عنه مصعب بن شيبة.
قال عبد الغني: روى له ابن ماجه.
قال ابن أبي شيبة: نا أبو معاوية عن الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر، قال: سئل عثمان عن المذي، فقال: ذاك المقطر، ومنه الوضوء.
وعن ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي: أن سلمان بن ربيعة تزوج امرأة من بني عقيل فرآها فلاعبها فخرج منه ما يخرج من الرجل. قال سليمان: أو قال: المذي.
قال: فاغتسلت ثم أتيت عمر فسألته، فقال: ليس عليك في ذلك غسل (1).
وابن علية عن ابن عون عن أنس بن سيرين عن ابن عباس: المني يغتسل منه، والمذي يغسل منه فرجه، ويتوضأ، والذي من الشهوة لا أدري ما هو.
وعن عائشة: الني يغتسل منه، والمذي والودي يتوضأ منهما.
وسئل أبو هريرة عن المذي؟ فقال: منه الوضوء.
وروى وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال: المني والودي والمذي، فأما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما الوضوء.
وعن عكرمة ومجاهد مثله.
وروى ابن علية عن ابن عون عن محمد قال: ذكروا عند ابن عمر البلة والمذي وبعض ما يجد الرجل، فقال: إنكم لتذكرون شيئًا ما أجده، ولو وجدته لاغتسلت منه.
(1) زاد في المصنف (1/ 90): ذلك النشر.
وهو خروج المذي، كما في القاموس.
قلت: وفي المصنف: سليمان بن ربيعة!
فضخ الماء؛ بالفاء والضاد والخاء المعجمتين، ساكنة الضاد، دفقه، يقال أفضخ الدلو، ويقال للدلو المفضخة لدفق الماء منها.
وفي المذي لغات. مذي؛ بفتح الميم وإسكان الذال، وبكسر الذال وتشديد الياء، وبكسر الذال وتخفيف الياء، وأفصحها الأولى وأشهرها.
يقال منه: مذي وأمذى، ومذاء بتشديد الذال.
والمذي؛ ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند تذكر الجماع لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه بفتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال، وفي حديث أبي: وغسلت فرجي، وفي حديث المقداد: فلينضح فرجه.
والنضح هنا محمول عند الأصحاب على الغسل؛ فإن النضح يكون غسلًا ويكون رشًا.
وقد جاء في رواية أخرى في الصحيح: يغسل ذكره، فهو محمول عندهم على ذلك.
وأما حكمه فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل، قال أحمد والشافعي وأبو حنيفة والجمهور بوجوب الوضوء منه لهذا الحديث.
وقد اختلف العلماء في غسل جميع الذكر منه أو غسل ما أصابه المذي منه على قولين:
الأول: محكي عن مالك وأحمد: أنه يغسل منه جميع الذكر.
الثاني: محكي عن الشافعي وغيره.
وقد أخذ بعض الناس من قوله عليه السلام: يغسل ذكره؛ أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة، وهي البول والغائط، وأما النادر كالدم والمذي فلا بد فيها من الماء، وهذا أصح القولين عند أصحابنا، كذا قال الشيخ محيي الدين رحمه الله في "شرح مسلم".
والمعروف أن الصحيح جواز الاقتصار على الحجر في ذلك، وكذا نقله هو في "الروضة".
وقال غيره: والانفصال عن ذلك ممكن بحمل ذلك على الاستحباب، أو على أنه خرج مخرج الغالب.
وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لسؤال علي المقداد أن يستفتي له مع تمكنه من السؤال، واقتصاره على خبر المقداد في ذلك.
وقد يمنع اقتصاره على خبر المقداد، فلعل المقداد سأل عن ذلك بحضور علي صيانة لعلي أن يكون المواجه بهذا السؤال للعذر الذي ذكره علي في ذلك، وسمع علي الجواب عن سؤال المقداد من النبي صلى الله عليه وسلم شفاهًا إذ لا مانع من ذلك من غير واسطة المقداد ولا غيره.
وفيه ما كانوا من حسن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وحفظهم لعظيم حرمته وتوقيره.
وفيه حسن العشرة مع الصهر لمحل علي من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما المني فقد جاءت حقيقته في قوله عليه السلام: "إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر"، وسيأتي لهذا الحديث ذكر في باب المرأة ترى مثل ما
يرى الرجل، وهذا أصل في بيان صفة المني، وهذه صفته في حال السلامة، وفي الغالب.
قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يندفق في خروجه دفعة بعد دفعة، ويخرج بشهوة وتلذذ، وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل، وهي قريبة من رائحة العجين، وقيل يشبه رائحة القصل، وقيل إذا يبس كانت ريحه كريح البول، فهذه صفاته، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيًّا، وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقًا أصفر، أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة، أو يستكثر من الجماع فيجمد ويصير كاللحم (1)، وربما خرج دمًا عبيطًا.
وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر موجب للغسل، كما لو كان أبيض.
ثم إن خواص المني المعتبرة في كونه منيًّا ثلاث:
الأولى: الخروج بشهوة مع الفتور عقيبه.
الثانية: الرائحة التي تشبه رائحة الطلع كما سبق.
الثالثة: الخروج .... (2) وتدفق في دفعات.
وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيًّا، ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيًّا، وغلب على الظن كونه ليس منيًّا.
وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق، وقد يبيض لفضل قوتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما:
(1) كذا! ورسمت كماء اللحم. في الأصول.
(2)
كلمة غير مفهومة رسمت: بتزريق.
الأولى: الرائحة التي أشرنا إليها، كما سبق.
الثانية: التلذذ بالخروج والفتور بعقبه.
ويجب الغسل لخروج المني بأي صفة كان، وعلى أي حال كان.
وأما الخلاف في طهارته ونجاسته فيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
* * *