المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور وقال أبو عبيدة: ثنا، وقال إسحاق أبنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد المخزومي، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك فقال: صدق أنا صببت له وضوءه.

قال إسحاق: معدان بن طلحة. وابن أبي طلحة أصح.

قال أبو عيسى: وروى غير واحد من أهل العلم والتابعين؛ الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي.

وقد جود حسين المعلم هذا الحديث.

وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب.

وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه، فقال: عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة.

ص: 313

* الكلام عليه:

أخرجه الحافظان أبو محمد بن الجارود (1) وأبو الحسنن الدارقطني من جهة عبد الصمد بن عبد الوارث، ورواه الطبراني وابن مُنده من جهة أبي معمر عن عبد الوارث، وعند ابن منده عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي أن يعيش بن الوليد حدثه: أن أباه قال: حدثني معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء فذكره.

قال ابن منده: هذا إسناد متصل صحيح على رسم النسائي وأبي داود وتركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده، وأما ما ذكره الترمذي عن معمر فقد روي عنه من وجوه:

أحدها: ما ذكره الترمذي ورواه الطبراني من طريقه عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، قال: استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر وأتي بماء فتوضأ، رواه عن الدبري، عن عبد الرزاق عنه.

وهذا مخالف لما عند الترمذي عنه.

وقد قيل فيه من طريق هشام عن يحيى، عن رجل، عن يعيش.

وبعضهم يقول فيه: عن معدان بن طلحة.

قال البيهقي: وإسناد هذا الحديث مضطرب، وقد اختلفوا فيه اختلافًا شديدًا (2).

(1) طريق عبد الصمد عند ابن الجارود في "المنتقى"(8). باب ما جاء في الوضوء من القيء.

والدارقطني (1/ 158)، وكذلك عنده طريق أبي معمر، وروى طريق أبي معمر: الطبراني في "الأوسط"(3702).

(2)

"السنن الكبير"(1/ 144).

ص: 314

قال .... والذي به يعلل به على هذا الحديث من جهة الإسناد له أمران:

أحدهما: قال ابن حزم في يعيش بن الوليد وأبيه: ليسا مشهورين.

الثاني: الاضطراب الذي أشار إليه البيهقي.

فأما الأول فإن أحمد بن عبد الله العجلي قال في يعيش: هو شامي ثقة.

وقد حكينا عن ابن منده قوله: هذا إسناد صحيح متصل.

أما الاضطراب الذي أشار إليه قال رواية من رواه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن يعيش ليست بضارة إذ قد تبين من خارج أن الرجل هو الأوزاعي، ولذلك من قال عن حديث الوليد بن هشام عن معدان وهذا يقول شيبان فهي أيضًا لا تخالف التي قبلها وقد تبين أن الواسطة هو الأوزاعي والاختلاف بين معدان بن طلحة ومعدان بن أبي طلحة صحيح والكل مقول فيه.

وأما رواية خالد بن معدان فقد حكم الترمذي أنها غلط فلا تعل الرواية الصحيحة.

وقال الأثرم: قلت لأحمد قيل: اضطرب في هذا الحديث فقال حسين المعلم جوده وهذا كما قال الترمذي، وفي كتاب العلل للترمذي أن البخاري هو الذي قال ذلك، قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: حسين المعلم جوده (1).

وهذا كلام قد اتفق عليه أحمد والبخاري والترمذي وليس صريحًا في التصحيح ولكنه ترجيح لطريق حسين على غيرها وتنبيه على خلاف طريق حسين من العلل الواقعة في طريق غيره.

وبوب الترمذي على القيء والرعاف وليس في حديثه للرعاف ذكر.

(1)"العلل"(57).

ص: 315

وفي الباب مما لم يذكره كحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن علي صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم".

رواه ابن ماجه (1) عن محمد بن يحيى، عن الهيثم بن خارجة، ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن عائشة.

ومحمد بن يحيى والهيثم بن خارجة ثقتان.

والحديث من رواية إسماعيل بن عياش، عن الحجازيين وهو أحد ما عيب به إسماعيل. ذكره ابن دقيق العيد في الإمام وهو عندهم موقوف غير مرفوع لم يرفعه إلا إسماعيل عن ابن جريج وسليمان (2).

فأما سليمان فليس بشيء مطلقًا وأما إسماعيل فحديثه عن الشاميين مستقيم وعن غيرهم ليس كذلك.

وهذا من روايته عن ابن جريج وهو حجازي وقد خالفه فيه .... الحفاظ من أصحاب ابن جريج فلم يرفعه واحد منهم وبهذه الطريقه رده المتقدمون، وقالوا: إن الصحيح فيه الموقوف على من دون النبي عليه السلام.

فيمكن أن يقال قد اختلف على إسماعيل في رفعه ووقفه فمن أصحابه من يرويه عنه موقوفًا ومنهم من يرويه عنه مرفوعًا، ومنهم من جمع بين الطريقين.

رواه الدارقطني (3) من طريق محمد قال: عن إسماعيل بالإسنادين وقال

ونحوه.

(1) رقم (1221) وضعفه الألباني.

(2)

هو ابن أرقم كما في "سنن الدارقطني"(1/ 153).

(3)

"السنن"(1/ 153 - 154) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة ونحوه.

ص: 316

أيضًا: ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن عياش بهذين الإسنادين جميعًا.

وممن رواه بالإسنادين

عن إسماعيل بن عياش: الربيع بن نافع وداود بن رشيد.

وإسماعيل مختلف فيه فمن الناس من يوثقه مطلقًا نقل ذلك عن يحيى بن معين وغيره ممن يضعفه وهذا بالتقدير ليس بضعيف بوضع ولا كذب ولا قريب من ذلك وإنما يتقون حديثه عن الحجازيين لانفراده برفع ما لم يرفعه غيره، وما أشبه ذلك من الجرح فيه تقصير في الحفظ عن غيره من المتقنين لحديث الحجازيين ويرون أحاديثه عن الشاميين سالمة من ذلك، وأما هنا فنقول لو كان أصحاب إسماعيل اتفقوا على رفعه عنه .... شبهته الخلل في حفظه عن ابن جريج.

ولكن جماعة من الثقات كما ذكرنا رووه عنه مرفوعًا وموقوفًا بالإسنادين معًا، فاقتضى ذلك أنه روى المرفوع والموقوف عن ابن جريج وأنه لم يؤت في ذلك من قبل الوهم وسوء الحفظ.

ولو كان سمعه من ابن جريج موقوفًا وتوهم أنه عنده مرفوع فحدث به كذلك على الظن لاستمر على ذلك لكن تحديثه به بالإسنادين مما يدل على حفظ وذكرٍ.

فامتنع تعليل الخبر بضعف إسماعيل من هذا الوجه لأن إسماعيل ليس هو عند أحمد من الناس في رتبة من يحدث مما لم يسمع متعمدًا.

وحديث سلمان قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سال من أنفي دم فقال: "أحدث وضوءًا".

رواه الدارقطني (1) من طريق عمرو بن خالد أبي خالد القرشي الواسطي

(1)"السنن"(1/ 156).

ص: 317

وقال: متروك.

وقال فيه أحمد ويحيى: كذاب.

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال: أبو خالد هذا عمرو بن خالد متروك الحديث لا يشتغل بهذا الحديث.

وحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء حتى يكون دمًا سائلًا".

رواه الدارقطني (1) من طريق محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، عن أبي هريرة.

ورواه أيضًا من طريق محمد بن الفضل عن أبيه، عن ميمون، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

ورده بمحمد بن الفضل بن عطية؛ قال: ضعيف.

وفي طريقه الأول عند الدارقطني سفيان بن زياد وحجاج بن نصير ثنا محمد بن الفضل؛ قال: سفيان بن زياد وحجاج بن نصير ضعيفان.

وحديث ابن عباس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه ويستقبل صلاته".

رواه الدارقطني (2) من حديث سليمان بن أرقم وقال: هو متروك.

وروى أيضًا من طريق عمر (3) بن رياح ثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن

(1)"السنن"(1/ 157).

(2)

"السنن"(1/ 153).

(3)

الأصل: عمرو! وانظر "السنن"(1/ 157).

ص: 318

عباس؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رعف في صلاته وبنى على ما بقي من صلاته.

قال الدارقطني: عمر (1) بن رياح متروك.

وحديث ابن عباس أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوضوء مما خرج وليس مما دخل". رواه البيهقي.

وحديث الفضل بن المختار، عن ابن أبي ذئب عن شعبة يعني مولى ابن عباس، عن ابن عباس (2).

قال البيهقي: وروي عن علي من قوله، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت في حديث تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء من كل دم سائل".

رواه الدارقطني (3) من حديث بقية عن يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز.

وقال: عمر بن عبد العزيز، لم يسمع من تميم الداري، ويزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان.

وروي من حديث زيد بن علي، عن أبيه، عن جده؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القلس حدث".

رواه الدارقطني (4) من حديث سوار بن مصعب، عن زيد، وقال: لم يروه عن زيد غير سوار وسوار متروك.

وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رعف في صلاته

(1) الأصل: عمرو! وانظر "السنن"(1/ 157).

(2)

"السنن" للدارقطني (1/ 151)، والبيهقي (1/ 116).

(3)

"السنن"(1/ 157).

(4)

"السنن"(1/ 155).

ص: 319

فليرجع فليتوضأ وليبن علي صلاته".

رواه الدارقطني (1) من حديث أبي بكر الداهري، عن حجاج عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد.

أبو بكر الداهري قال فيه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: ليس بشيء.

وحديث لأبي هريرة سوى ما تقدم، رواه البيهقي (2) من حديث سهل بن عفان السجزي ثنا الجارود بن يزيد، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعاد الوضوء من سبع أقطار: البول والدم السائل والقيء ومن دسعة يُملأ بها الفم والنوم المضطجع وقهقهة الرجل في الصلاة ومن خروج الدم".

ويقول سهل بن عفان مجهول والجارود بن يزيد ضعيف في الحديث ولا يصح. وقرأت على الشريف أبي الفتح موسى بن علي بن أبي طالب الحسيني أخبركم أبو الفضل مكرم بن محمد القرشي قراءة عليه وأنت تسمع فأقرّ به قال: ثنا أبو يعلى حمزة بن كدوس، ثنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الميماسي، ثنا أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، ثنا أبو الحسن علي بن الفرج الأزدي، ثنا يحيى بن بكير عن مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم.

وبه إلى يحيى بن بكير؛ قال: ثنا مالك أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل الدم ثم يرجع ويبني على ما قد صلى.

(1)"السنن"(1/ 157).

(2)

عزاه الزيلعي (1/ 44) للبيهقي في الخلافيات، وفيه: وضعف فإن فيه سهل والجارود، وهما ضعيفان.

ص: 320

وبه إلى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه رأى سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بوضوء فتوضأ ثم رجع فبنى على ما قد صلى.

قال مالك: ولم يقل أنه وضوء للصلاة.

وبه إلى مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى يخضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ.

وبه إلى مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم فيمسحه بأصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ.

قال: وسئل مالك عن دم الذباب فقال: أرى أن يغسله.

وفيه الوضوء مما خرج من غير السبيلين من قيء أو رعاف أو ما معنا (1) فيه قد اختلف العلماء في ذلك فذكر ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي والحكم قالا: في القلس وضوء.

وعن إبراهيم وحماد مثله.

وعن عطاء قال: إذا وجدت من الطعام على لسانك فأعد الوضوء.

وعن ليث عن عطاء قال: هو حدث.

وروى أبو بكر، عن أبي خالد، وليس بالأحمر عن سفيان، عن جابر، عن القاسم وسالم قالا: في القلس وضوء.

وممن كان لا يرى فيه وضوءًا: طاوس ومجاهد والحسن.

(1) كذا الأصل.

ص: 321

فقال مجاهد: لا، حتى يكون القيء.

وعن الحسن: إذا كان يسيرًا فليس بشيء.

وعن حماد: إذا كان في القلس إذا كان يسيرًا فليس فيه وضوء وإذا كان كثيرًا ففيه الوضوء.

وقد روي عن عطاء ليس فيه وضوء.

وذكر عن هشيم أبنا بن أبي ليلى عن نافع، عن ابن عمر قال: من رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ فإن لم يتكلم بنى على صلاته، وإن تكلم استأنف الصلاة.

وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: إذا رعف الرجل في الصلاة أو ذرعه القيء أو وجد مذيًا فإنه ينصرف فيتوضأ ثم يرجع فيتم ما بقي على ما مضى ما لم يتكلم.

وقال الزهري: الرعاف والقيء سواء يتوضأ منهما ويبني ما لم يتكلم.

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن رعف في الصلاة فاشدد على منخريك وصلِّ كما أنت فإن خرج من الدم شيء فتوضأ وأتم على ما مضى ما لم تتكلم.

قال البيهقي: وروى حجاج بن أرطاة، عن خالد بن سلمة عن محمد بن الحارث أن عمر رضي الله عنه كان يصلي بأصحابه فرعف فقدم رجلًا يصلي بالقوم ثم ذهب يتوضأ ثم رجع فصلى ما بقي من صلاته ولم يتكلم. قال أحمد: هذا مرسل فإن محمد بن الحارث بن أبي ضرار لم يرو عن عمر وحجاج بن أرطاة ضعيف.

ص: 322

وروى الدارقطني من حديث وكيع، عن علي بن صالح وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي؛ قال: إذا وجد أحدكم في بطنه رِزًا أو رعافأ أو قيئًا، فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن علي صلاته ما لم يتكلم.

وروى نحوه عن ابن مسعود وأبي هريرة.

قوله: رِز بكسر الراء المهملة وبعدها زاي مشددة هو الوجع ويقال فيها أيضًا رزيزي مثل خصيصي.

وذكر ابن أبي شيبة، ثنا ابن إدريس عن هشام، عن الحسن ومحمد؛ قال: كانا يقولان في الرجل يحتجم يتوضأ ويغسل أثر المحاجم.

وذكر من طريق هشام بن عروة عن أبيه مثله.

وعن ابن عمر أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه.

وعن إبراهيم مثله.

وقال مكحول: لا يغسل إلا أن يكون عليها دم.

وكان القاسم يمسح أثرها.

وقد ذهب قوم إلى الاغتسال من الحجامة.

قال أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا زكريا عن مصعب بن شيبة، عن طلق، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يغتسل من الحجامة.

رواه أبو داود عن عثمان أخي أبي بكر المذكور، عن محمد بن بشر بسنده إلى عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت".

ص: 323

هذا منسوخ.

وقال أيضًا: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليهم.

وقال البخاري: حديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك ضعيف.

وقال الإمام أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء.

وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن (غسل ميتًا فليغتسل) حديثًا ثابتًا (1) ولو ثبت لزمنا استعماله.

وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل عنه أباه وأبا زرعة فقالا: لا يصح فيه شيء فقلت لأبي زرعة: تفرد به مصعب بن شيبة، فقال: نعم.

وأعله الأثرم بعلل منها: أنه إنما هو من حديث مصعب بن شيبة.

قال: وقد سمعت أبا عبد الله يتكلم فيه فيذكر أن أحاديثه مناكير، وسمعته يتكلم في هذا الحديث بعينه.

ومنها أنه صح عن عائشة خلاف هذا القول أنها أنكرت الغسل من غسل الميت فكيف ترويه عن صلى الله عليه وسلم وتنكره على من يغسله.

ومنها أن عائشة كانت ترخص في غسل الجمعة، وهذا يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.

ومنها الغسل من الحجامة وهذا منكر عن النبي عليه السلام لإجماع الأمة على أنه لا يجب في الدم غسل.

والجواب عن ذلك:

أما مصعب بن شيبة فقد احتج به مسلم والحديث على شرطه.

(1) الأصل: تامًّا.

ص: 324

وقد أخرجه غير واحد من أصحاب الصحيح.

رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه.

وأخرجه الحاكم في المستدرك.

وصححه أبو حاتم بن حبان.

وقال البيهقي: رواة هذا الحديث كلهم ثقات فإن طلق بن حبيب ومصعب بن شيبة قد أخرج مسلم حديثهما في الصحيح.

وروى عن أبي كريب، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه بهذا الإسناد بعينه:"عشرة من الفطرة".

وسائر رواته متفق عليهم.

وأما فتيا عائشة بخلافه فليس ذلك علة عند جمهور السلف والحجة عندهم فيما كان كذلك في الرواية لا في الفتيا هذه طريقة الأثرم والإمام أحمد وأكثر العلماء.

وإنما أعل السنن بمثل هذا قوم من الكوفيين.

ولا يحسن أن يعل هذا بعلة لا تطرد في استعماله.

وأما ترخيصها في غسل الجمعة؛ فإن الأحاديث فيه متعددة، وبعضها يقتضي الترخيص، فلعل عندها رواية في ذلك رجعت إليها.

وأما قوله في غسل الحجامة لإجماع الأمة على أنه لا يجب، فلا يقتضي ذلك ضعف الحديث لو ثبت على أنه ليس ثابتًا لما نذكره بجواز أن يحمل على الاستحباب.

ص: 325

وقد تبع الأثرم في ذلك الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمهما الله فقال: وكذلك الغسل من الحجامة منكر لأنه لا يجب ولا يستحب إجماعًا؛ فزاد: ولا يستحب وليس كذلك.

قال أبو بكر بن أبي شيبة: من قال عليه الغسل، يعني المحتجم.

ثنا جرير، عن مغيرة، عن المسيب بن رافع، عن ابن عباس قال لي: الغسل من الحجامة.

حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو؛ قال: اغتسل من الحجامة.

حدثنا وكيع، عن شعبة، عن الحكم قال: احتجم عندي إبراهيم ومجاهد، فاغتسل مجاهد وغسل إبراهيم موضع المحاجم.

حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو أنه كان يغتسل من نتف الإبط.

حدثنا المحاربي عن ليث، عن مجاهد، عن علي في الرجل يحتجم، أو يحلق عانته أو ينتف إبطه، قال: يغتسل.

حدثنا عبيد الله قال: أبنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا احتجم الرجل فليغتسل، ولم يره واجبًا.

وهذا القول الأخير عن ابن عباس من استحباب الاغتسال من الحجامة محكي عن بعض أصحاب الشافعي رحمه الله قال الرافعي في تعداد الأغسال المستحبة منها: الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام.

ذكر صاحب التلخيص عن القديم إنه مندوب إليه.

ص: 326

وذكر الضمري في الكفاية: أن الغسل عن الحجامة حسن، والأكثرون أهملوا ذكرهما قال: فإن قلنا بالقديم، قيل: إن المراد من غسل الحمام ما إذا تنور. قال: وعندي أن المراد منه أن يدخل الحمام فيعرق فيستحب أن لا يخرج من غير غسل. انتهى.

وقد ورد في الغسل من الحمام عن بعض السلف شيء ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه.

وقالت طائفة لا وضوء في ذلك ولا غسل واحتجوا بما روى أبو داود في "سننه" من حديث محمد بن إسحاق، ثنا صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من رجل يكلؤنا" فانتدب رجل من المهاجرين وقام رجل من الأنصار، فقال:"كونا بفم الشعب"، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب واضطجع المهاجري، وقام الأنصاري فصلى، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة القوم فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم أنبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها.

وروى الدارقطني من حديث حميد الطويل عن أنس؛ قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه.

في إسناده صالح بن مقاتل قال الدارقطني: ليس بالقوي.

وذكر البيهقي هذا الحديث وقال: إلا أن في إسناده ضعفًا.

ص: 327

وروى الدارقطني من حديث أبي أسماء الرحبي: ثنا ثوبان حديثًا فيه: قلت: يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟ قال: "لو كان فريضة لوجدته في كتاب الله".

في إسناده عتبة بن السكن لم يروه عن الأوزاعي غيره وهو ضعيف.

ومن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين وضوءًا: طاووس ويحيى بن سعيد الأ نصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو الزناد، وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور.

وأما مذهب أهل المدينة فقال مالك رحمه الله: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا قيح ولا دم يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم.

هذا قوله في "موطئه" وعليه جماعة من أصحابه.

وكذلك الدم يخرج من الدبر لا وضوء فيه ولا وضوء عنده إلا في المعتادات من

الخارجة من المخرجين.

وقول الشافعي في ذلك كقول مالك إلا ما يخرج من المخرجين: القبل والدبر فإنه عند الشافعي حدث ينقض الوضوء.

وسواء كان عنده الخارج من المخرجين دمًا أو

أو دودًا أو بولًا أو رجيعًا.

ومن حجته في ذلك أن دم الاستحاضة إنما وجب فيه الوضوء لأنه خرج من المخرج، وكل ما خرج من سبيل الغائط أو البول ففيه الوضوء، قال: ولا يجوز قياس سائر الجسد على المخرجين لأنهما مخصوصان في الاستنجاء بالأحجار، ولأنهما سبيل الأحداث المجتمع عليها، وليس سائر الجسد يشبههما ولا له علتهما.

ص: 328

قال الرافعي: وكل خارج من غير السبيلين لا ينقض الطهارة عندنا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: كل نجاسة خارج من البدن ينقض الوضوء كالدم إذا سال والقيء إذا ملأ الفم وبه قال أحمد؛ إلا أنه لا يقول بالانتقاض إذا كان الدم قطرة أو قطرتين.

لنا ما روي عن أنس -وذكر حديث: "احتجم وصلى ولم يتوضأ"، وقد ذكرناه وبينا ضعفه.

قال: وروي مثل مذهبنا عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة رضي الله عنهم.

قوله: وقد روي مثل مذهبنا عن عبد الله بن عمرو

إلى آخره، إن أراد مثل مذهبه في اعتبار السبيل من المخرج منبهًا على السبيل الذي ذكره. ففيه نظر.

وإن أراد مثل مذهبه في

(1) الوضوء من الرعاف أو الحجامة أو القيء أو ما أشبه ذلك فهذا أقرب من الأول على أنه قد روى البيهقي عن نافع عن ابن عمر: أنه كان إذا احتجم غسل محاجمه.

وليس هذا صريحًا.

وروى عنه أيضًا من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من الدم فحكه بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ.

وحمل بعض أهل العلم هذا على الفرق بين القليل والكثير وإلا فالمعروف من مذهب ابن عمر وأبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إيجاب الوضوء من الرعاف وأنه كان عندهما حدثًا من الأحداث الناقضة للوضوء إذا كان الرعاف ظاهرًا سائلًا.

(1) كلمة غير واضحة في الأصل، ولعلها بمعنى إيجاب، أو: اختلاف. والله أعلم

ص: 329

وكذلك كل دم سال من الجسد ظهر، قاله أبو عمر ابن عبد البر وغيره.

وقد ذكرنا ذلك عن ابن عمر من طريق مالك وابن أبي شيبة ومن طريق عبد الرزاق بأصح إسناد. وفي حديث عبد الرزاق: إذا رعف أو ذرعه القيء أو وجد مذيًا.

وكالمروي عن ابن عمر من أنه عصر بثرة.

والمروي عن ابن أبي أوفى أنه بصق دمًا ثم صلى ولم يتوضأ، وكذلك المروي عن أبي هريرة وبه: كان لا يرى بالقطرة والقطرتين في الصلاة بأسًا. وكذلك المروي عن جابر من طريق أبي الزبير أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم فمسحه بالأرض أو بالتراب وصلى.

وقد تقدم في علل حديث عائشة: من قاء أو قلس أو رعف فعليه الوضوء، أن الصحيح فيه الموقوف، فهذا عن عائشة صحيح.

فما ذكره الرافعي محمول على يسير الدم جمعًا بين الخبرين.

وروي مثل ذلك في اليسير عن أبي قلابة ومكحول وغيرهما.

وأما من لا يرى في الدم السائل وضوء فعن طاوس وسعيد بن جبير كل هذا عند ابن أبي شيبة بأسانيده.

قال أبو عمر: فإن كان الدم يسيرًا غير خارج ولا سائل فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم ولا أعلم أحدًا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدًا وحده.

قال: وذكر ابن عمر المذي المجمع على أن فيه الوضوء مع ذكر القيء والرعاف يوضح لك مذهبه فيما ذكرنا.

وكذلك عن سالم بن عبد الله في الدم اليسير الخارج من الأنف إذا غلبه

ص: 330

بالفتل حتى لا يقطر ولا يسيل.

ومعلوم من مذهب سالم أنه كان كمذهب أبيه في الرعاف.

ذكر ابن أبي شيبة: ثنا معتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر؛ قال: رأيت سالم بن عبد الله صلى ركعة من صلاة الغداة ثم رعفما فخرج فتوضأ ثم جاء فبنى على ما صلى.

ويروى مثل ذلك عن علي وابن مسعود وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتيبة وحماد والحسن وعطاء وكل هؤلاء يرون الرعاف وكل دم سائل من الجسم حدثًا يوجب الوضوء للصلاة.

وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه والنووي والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في الرعاف والفصاد والحجامة وكل نجس خارج من الجسم يرونه حدثًا ينقض الطهارة.

واحتجوا بما ذكرناه من الأحاديث أول الباب وبقوله عليه السلام للمستحاضة: "إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة".

قالوا: فأوجب عليه السلام الوضوء على المستحاضة من دم العرق السائل فكذلك كل دم يسيل من الجسد.

وأما الأحاديث السابقة فقد تقدم تعليلها.

وأما حديث المستحاضة هذا فقد اختلفت ألفاظه اختلافًا كبيرًا وسيأتي الكلام عليه في بابه.

وأما الوضوء من أذى المسلم فروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: يتوضأ

ص: 331

أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها لأخيه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي أن أتوضأ من الطعام الطيب.

وعن ابن عباس: الحدث حدثان حدث الفرج وحدث اللسان، وأشدهما حدث اللسان.

وعن إبراهيم النخعي: إني لأصلي الظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد إلا أن أحدث أو أقول منكرًا.

وعن عبيدة السلماني: الوضوء يجب من الحدث وأذى المسلم.

وأمر عطاء فيه بإعادة الوضوء والصلاة.

وأما مس الصليب والوثن فروي عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن أبي عمرو الشيباني: أن علي بن أبي طالب استتاب المستورد العجلي وأن عليًّا مسَّ صلبًا كانت في يد المستورد فلما دخل علي في الصلاة قدم رجلًا وذهب ثم أخبر الناس أنه لم يفعل ذلك لحدث أحدثه ولكنه مس هذه الأنجاس فأحب أن يحدث وضوءًا.

ومن طريق يعلى بن عبيد، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بريدة وقد مسَّ صنمًا يتوضأ.

صالح بن حيان ضعيف لا يحتج به.

وأما الدم الطاهر من المرأة فاختلف السلف فيه:

قال أبو محمد علي بن أحمد فروينا من طريق أم علقمة عن عائشة أم المؤمنين: أن الحامل تحيض.

ص: 332

هو أحد قولي الزهري وهو قول عكرمة وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وربيعة ومالك والليث والشافعي.

وروينا عن سعيد بن المسيب والحسن وحماد بن أبي سليمان: أنها مستحاضة لاحائض.

وروي عن مالك أنه قال في الحامل ترى الدم أنها لا تصلي إلا أن يطول ذلك بها فحينئذ تغتسل وتصلي ولم يحد في الطول حدًّا.

وقال أيضًا: ليس أول الحمل كآخره ويجتهد لها ولا حد في ذلك.

وروينا من طريق عطاء عن عائشة أم المؤمنين: أن الحامل إن رأت الدم فإنها تتوضأ وتصلي.

وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة والنخعي والشعبي وسليمان بن يسار ونافع مولى ابن عمر وأحد قولي الزهري.

وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وداود.

وقد أوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة إبراهيم النخعي، وعن مجاهد: الوضوء من تنقية الأنف.

وعن علي بن أبي طالب ومجاهد وذر -والد عمر بن ذر-: إيجاب الوضوء من قص الأظفار وقص الشعر

(1) الدود والحجر يخرجان من الدبر؛ فإن الشافعي أوجب الوضوء من ذلك ولم يوجبه مالك.

وروي قول الشافعي عن عطاء والحسن وعن أبي العالية: ما خرج من النصف

(1) كلمة بياض في الأصل. ولا يوجد ما يقابلها في "المحلى"(1/ 264).

ص: 333

الأعلى فليس فيه وضوء وما خرج من النصف الأسفل ففيه الوضوء.

وروى نحو قول مالك عن إبراهيم النخعي.

(وعن) عمر بن الخطاب: من مسَّ إبطه أو نقى أنفه توضأ.

وعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يغتسل من نتف الإبط.

وسئل الحسن عن الرجل يمس إبطه ينتفه فلم ير به بأسًا إلا أن يدميه.

واختلفوا في القيح أيتوضأ منه أم لا؟

فعن إبراهيم: ما خرج من الجرح فهو بمنزلة الدم وفيه الوضوء.

وعن الزهري: الدم والقيح سواء.

وقد ذكرنا قول الزهري: الرعاف والقيء سواء ويتوضأ منهما.

وعن الحسن: القيح والصديد ليس فيه وضوء.

وعن أبي مجلز أنه كان لا يرى القيح شيئًا؛ قال: إنما ذ كر الله الدم.

وعن إبراهيم والحكم وحماد، قالوا: ما خرج من البثرة من شيء فهو بمنزلة الدم.

وأما الضحك والقهقهة في الصلاة فرويت أحاديث في إبطال الوضوء به، والصلاة لا تثبت؛ وأجودها مرسل أبي العالية الرياحي.

وممن قال بإيجاب الوضوء بذلك: أبو موسى الأشعري وابراهيم النخعي والشعبي وسفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والحسن بن حي وعبد الله بن الحسن؛ وغيرهم يخالفهم في ذلك قال أبو حنيفة إلا أن يكون في صلاة الجنازة فلا ينقض.

ص: 334

وروى وكيع عن عمران بن حدير، عن عيسى بن هلال، عن كثير مولى سلمة من ذبح ذبيحة فليتوضأ".

وروى عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن أبي قلابة أنه سقاهم نبيذًا؛ فتوضؤوا.

ومن رأى الوضوء من القيء والرعاف فحجته ما ذكرناه من السنن والآثار.

ومن لم يذهب إلى ذلك يرى أن الوضوء المجمع عليه؛ لا ينتقض إلا بإجماع أو فريضة أو سنة لا يطعن فيها.

وليس هنا قرآن ولا إجماع أما السنن فقد تقدم ما فيها من العلل، ويحمل الوضوء حيث جاء على الوضوء اللغوي ولو ثبت في ذلك سنة وسلمت من التعليل لكان حمل المعنى على الحقيقة الشرعية أولى من البناء على الراعف على ما صلى ما لم يتكلم.

قال ابن عبد البر: فقد ثبت عن عمر وعلي وابن عمر وروي عن أبي بكر أيضًا ولا مخالف لهم من الصحابة إلا المسور بن مخرمة.

وروي أيضًا البناء للراعف على ما صلى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام، لا أعلم في ذلك اختلافأ إلا الحسن البصري فإنه ذهب في ذلك مذهب المسور بن مخرمة أنه لا يبني من استدبر القبلة لا في الرعاف ولا في غيره.

وهو أحد قولي الشافعي واستحب ذلك إبراهيم النخعي وابن سيرين.

قال الحسن: إن استدبر القبلة استقبل -يعني صلاته- وإن التفت يمينًا وشمالًا مضى في صلاته.

وقال مالك: من رعف في صلاته قبل أن يعقد منها ركعة تامة يسجد فيها

ص: 335

فإنه ينصرف فيغسل الدم عنه ويرجع فيبتديء الإقامة والتكبير والقراءة.

ومن أصابه الرعاف في وسط صلاته أو بعد أن يركع منها ركعة يسجد فيها انصرف فغسل الدم عنه وبنى على ما صلى حيث شاء إلا الجمعة فإنه لا يتمها إلا في الجامع.

ولولا خلاف من مضى لكان أحب إلي الراعف أن يتكلم ويبتديء صلاته من أولها.

قال مالك: ولا يبني أحد في القيء ولا في شيء من الأحداث إلا الراعف وحده.

وعلى ذلك جمهور أصحاب مالك.

ومنهم من يرى أن يبني الراعف على ما صلى قليلًا كان أو كثيرًا.

وعن الشافعي في الراعف روايتان:

إحداهما: يبني وفي الأخرى لا يبني.

وأما في سائر الأحداث.

فقال أبو حنيفة وأصحابه عن حدث: يسبق المصلي ...... بولًا كان أو غائطًا أو ريحًا أو رعافًا فلينصرف فيتوضأ ويبني على ما قد صلى.

وهو قول ابن أبي ليلى وبه قال داود في كل حدث بعد أن يتوضأ وليس الرعاف والقيء عنده سيان.

وهو قول الشافعي في القديم.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: من أحدث في ركوعه أو سجوده بعدما أحدث فيه

ص: 336

ولا يعتد بها، وكذلك قال مالك في

إذا رعف قبل تمام الركعة سجد بها لم يعتد لها ولم يبن عليها.

وقال الثوري: إذا كان حدثه من رعاف أو قيء بنى وتوضأ، وإن كان حدثه من بول أو ريح أو ضحك في الصلاة أعاد الوضوء والصلاة.

وهو قول إبراهيم في رواية.

وقال الزهري: يبني في الرعاف والقيء خاصة بعد أن يتوضأ ولا يبني في سائر الأحداث.

وليس الضحك عند الزهري حدثًا ولا عند الحجازيين.

وقال الأوزاعي: إن كان حدثه قيئًا بنى، أو ريحًا توضأ واستقبل، وإن كان من رعاف توضأ وبنى.

وكذلك الدم كله عنده مثل الرعاف.

وقال ابن شبرمة: من أحدث انتقض وضوءه فإن كان إمامًا قدم رجلًا فصلى بقية صلاته، فإن لم يفعل وصلى كل رجل منهم ما عليه أجزأه، والإمام يتوضأ ويستقبل.

قال أبو عمر: قد أجمع العلماء على أن الراعف إذا تكلم لم يبن فقضى إجماعهم بذلك، علمًا بأن المحدث أحرى أن لا يبني لأن الحدث إن لم يكن كالكلام في مباينته الصلاة كان أشد من الكلام.

قلت: يشير بذلك إلى أن هذا التفريع كله فيمن سبقه الحدث.

وأما من تعمد الحدث في الصلاة فلا بناء له بل يتوضأ وبستأنف الصلاة والله أعلم.

ص: 337

قال: وروى الكوفيون عن علي وسلمان فيمن أحدث في صلاته من بول أو ريح أو قيء أو رعاف أو غائط أنه يتوضأ أو يبني، إلا أن أكثر الأحاديث عن علي ليس فيها إلا ذكر القيء والرعاف لا غير.

ويصح عنه البناء إلا في القيء والرعاف.

وهو قول ابن شهاب.

وقال الشافعي في الجديد: يبطلان صلاة من أحدث في الصلاة وأنه لا يبني، وبه قال أحمد، وهي رواية مالك، قالوا: لما روى علي بن طلق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة".

وقد تقدم ذكر هذا الحديث في باب الوضوء من الريح وذكر من أخرجه وسيأتي الكلام عليه مع مسائل هذا الباب في موضعه من هذا الكتاب في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

وأما من غلبه الدم من جرح أو رعاف، فروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وجرحه يثعب دمًا أي ينفجر.

ورواه مالك أيضًا في الموطأ عن هشام عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن المسور

فذكره.

وذكر عبد الرزاق عن معمر، عن هشام قال: كانت فيّ دماميل فسألت أبي عنها فقال: إذا كانت ترقأ فاغسلها، وإن كانت لا ترقأ فتوضأ وصل، وإن جرح منها شيء فلا تبال، فإن عمر قد صلى وجرحه يثعب دمًا.

ص: 338

وروى ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر، عن سيف، قال: كان لمجاهد قرحة تحصل فكان لا يتوضأ ويصيب ثوبه فلا يغسله".

وعن جرير، عن القعقاع؛ قال: قلت لإبراهيم: رجل به دماميل كثيرة فلا تزال تسيل، قال: يغسل مكانها ويتوضأ ويبادر فيصلي.

وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه قال: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي.

وعن الصلت بن زيد أنه سأل سليمان بن يسار عن البلل يجده، قال: انضح تحت ثوبك واله عنه.

هذا والأثر قبله عن سعيد بن المسيب في المذي والوضوء منه سنة مجمع عليها، ليست كالدم لما ذكرنا فيه من الاختلاف.

فإذا سقط الوضوء عمن أصابه ذلك القدر من المذي فلأن يسقط عن صاحب الدم من باب الأولى.

وإذا كان خروج المذي من فساد وعلة فلا وضوء فيه عند مالك، ولا عند سلفه وعلماء أهل بلده؛ قال: لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع لا وجه للوضوء فيه.

وهذا حكم صاحب سلس البول وسلس المذي وهو الذي تسميه بعض الفقهاء المستنكح وهو الذي لا ينقطع ذلك منه لعلة نزلت به من كبر أو برد أو غير ذلك.

قال أبو عمر: أجمع العلماء على أنه لا يسقط ذلك عنه فرض الصلاة وأن عليه أن يصليها في وقتها على حالته تلك إذ لا يستطيع غيرها.

واختلفوا في إيجاب الوضوء للصلاة مع حاله تلك:

فذهب مالك إلى أنه لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة ولكنه يستحب ذلك

ص: 339

له اعتبارًا بالمستحاضة وذلك كحكم المستحاضة عنده.

وقال الشافعي: يتوضأ لكل صلاة.

وقال أبو حنيفة: لكل وقت صلاة.

وقال الأوزاعي: يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد.

وقال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه الوضوء على المستحاضة واجب لكل صلاة وقالوا: تتوضأ وإن كان دمها يسيل، وسلس صاحب السلس لا ينقطع كما تصلي ودمها والبول لا ينقطعان فكما تؤدي صلاتها على تلك الحال وكذلك وضوءها.

ولذلك قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أدبرت الحيضة اغتسلي وتوضئي لكل صلاة".

قال أبو عمر: ولا يصح عند مالك وأصحابه قوله صلى الله عليه وسلم لها: "توضئي لكل صلاة".

وسيأتي حكم المستحاضة في بابه إن شاء الله تعالى.

* * *

ص: 340