المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار قالوا: ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة قال: قلت: من هي إلا أنت قال: فضحكت.

قال أبو عيسى: وقد روى نحو هذا من غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا: ليس في القبلة وضوء.

وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق في القبلة وضوء وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد قال: وسمعت أبا بكر العطار البصري يذكر عن علي بن المديني قال: وضعف يحيى القطان هذا الحديث وقال: هو شبه لا شيء.

قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ، وهذا لا يصح أيضًا ولا يعرف لإبراهيم التيمي سماعًا من عائشة وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب شيء (1).

(1) تحفة الأحوذي كتاب الطهارة باب (63) حديث (86).

ص: 301

* الكلام عليه:

رواه أبو داود (1) وأخرجه أيضًا ابن ماجه (2) وذكر الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن عبد الرحمن بن بشير بن الحكم قال: سمعت يحيى بن سعيد وذكر له حدثنا الأعمش (3) عن حبيب عن عروة قال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا زعم أن حبيبًا لم يسمع من عروة شيئًا (4) وقال ابن المديني: مثله (5).

أما قول الترمذي: لا يصح عندهم فليس ذلك لضعف رواته فكلهم ثقات معروفون مشهورون وإنما هو عنده قال الانقطاع الذي أشار إليه، وقد قال قوم عروة هذا راويه عن عائشة ليس هو عروة بن الزبير وإنما هو عروة المزني آخر وهو شيخ مجهول.

قرئ على أبي الفضل الموصلي وأنا أسمع أخبركم أبو حفص بن طبرزذ قال: ثنا أبو البدر الكرخي: ثنا أبو بكر الخطيب قال: قرأت على أبي عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أخبركم أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي: ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت فضحكت.

قال أبو داود: وكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ثم قال: ثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، ثنا عبد الرحمن يعني ابن مغراء، ثنا الأعمش، ثنا أصحاب لنا عن عروة المزنىِ عن عائشة بهذا الحديث. قال أبو داود:

(1) سنن أبي داود كتاب الطهارة باب الوضوء من القبلة حديث رقم (179)(1/ 124، 125).

(2)

سنن ابن ماجه كتاب الطهارة باب الوضوء من القبلة حديث رقم (502)(1/ 168).

(3)

في المطبوع "وذكر له حديث الأعمش عن حبيب".

(4)

سنن الدارقطني (1/ 139).

(5)

نفس المصدر السابق.

ص: 302

قال يحيى بن سعيد القطان لرجل أحك عني أن هذين يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة قال يحيى أحك عني أنها شبه لا شيء (1) فالحديث على هذا مردود عندهم إما بالانقطاع بين حبيب وعروة بن الزبير وإما بالجهالة في عروة المزني فأما الانقطاع بين حبيب وعروة بن الزبير فإن أبا عمر قال: هذا الحديث عندهم معلول وذكر العلتين اللتين ذكرناهما قال: وضعفوا هذا الحديث ودفعوه وصححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات له من أئمة الحديث وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتًا وهو إمام ثقة من أئمة العلماء الجلة (2).

وقول أبي عمر هذا أفاد إثبات المكان اللقاء وهو مزيل للانقطاع عند الأكثرين وأرفع من هذا قول أبي داود فيما رويناه عنه بالسند المتقدم، قال وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا (3) فهذا أثبت اللقاء فهو مزيل للانقطاع عندهم، وأما الشبهة الثانية في عروة وتفسيره عند قوم بالمزني فقد أزالها ما رواه ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة الحديث (4).

وقرأت على الحافظ أبي محمد الدمياطي بسنده المذكور في الباب قبله إلى الدارقطني قال: ثنا محمد بن موسى بن سهل البربهاري قال: ثنا محمد بن معاوية بن مالج قال: ثنا علي بن هاشم عن الأعمش ح وثنا القاضي الحسين بن إسماعيل

(1) سنن أبي داود (1/ 125) حديث (180).

(2)

الاستذكار له (3/ 51، 52) كتاب الطهارة باب الوضوء من قبلة الرجل امرأته حديث (2653) 54، 55، 56.

(3)

تقدم ص 25.

(4)

سنن ابن ماجه كتاب الطهارة (ج / 502)(1/ 168).

ص: 303

قال: ثنا أبو هشام الرفاعي ح وثنا أبو بكر النيسابوري: ثنا حاجب بن سليمان ح وثنا سعيد بن محمد الخياط قال ثنا يوسف بن موسى قالوا: ثنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ (1) الحديث.

وهذه أسانيد صحيحة صرحت بعروة وأنه ابن الزبير فإن ثبت أن عروة في ذلك الإسناد هو المزني فهو لا يعارض ما ثبت هنا من كونه ابن الزبير إذ من الجائز أن يكونا معًا روياه عن عائشة وليست رواية المزني معلة لرواية ابن الزبير وقد عضدت هذه الطريق طريق أخرى يمكن أن تكون حسنة رويتا عن الدارقطني بالسند المتقدم قال ثنا أبو بكر النيسابوري: ثنا حاجب بن سليمان: ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم صلّى ولم يتوضأ ثم ضحكت.

قال: تفرد به حاجب عن وكيع ووهم فيه والصواب عن وكيع بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم.

وحاجب لم يكن له كتاب إنما كان يحدث من حفظه انتهى كلام الدارقطني (2) وهذا إسناد جليل.

أما عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري فقال فيه أبو بكر الخطيب كان حافظأ متقنًا عالمًا بالفقه والحديث معًا موثقًا في روايته ثم روى عن البرقاني قال: سمعت الدارقطني يقول: ما رأيت أحفظ من أبي بكر النيسابوري وروى عن السلمي أنه سأل الدارقطني عنه فقال: لم ير مثله في مشائخنا لم ير أحفظ منه للأسانيد

(1) سنن الدارقطني (1/ 137، 138).

(2)

سنن الدارقطني (1/ 136).

ص: 304

والمتون وكان أفقه المشايخ جالس المزني والربيع وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون، وذكر يوسف بن عمر بن مسرور عنه أنه قال: أعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل ويتقوت كل يوم بخمس حبات ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة ثم قال: أما هو في خبر ذكره (1). وأما حاجب بن سليمان فروى عنه النسائي وقال: ثقة (2) مع تشدد النسائي في التوثيق ولم يعارض توثيقه جرح من غيره فيما تعلم ومن فيه بعد حاجب فأعرف من أن يعرف به وحديثه من حفظه لا يخرج عنه اسم الثقة فهو مع التفرد الذي أشار إليه ينبغي أن يكون حسنًا ولولا ذلك لكان صحيحًا، مع أن التفرد على هذا الوجه ليس فيه كبير أمر إذ هو تفرد من وجه لا يلزم منه التفرد كل وجه، وإلا فالحديث له شواهد متعددة وبعضها يمكن أن لا يكون مقصرًا عن هذا ولولا خشية الإطالة لذكرنا جملة منها.

وأما حديث إبراهيم التيمي عن عائشة فروينا عن أبي داود بالسند المتقدم أنبأ محمد بن بشار: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ: قال أبو داود: هو مرسل. إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة (3).

قال الدارقطني: لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق عطية بن الحارث، ولم نعلم حدث عنه غير الثوري وأبي حنيفة واختلفا فيه فأسنده الثوري عن عائشة وأسنده أبو حنيفة عن حفصة وكلاهما أرسله وإبراهيم التيمي لم يسمع من حفصة رضي الله عنهما ولا أدرك زمانهما (4).

(1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (10/ 119) ترجمة (5248).

(2)

تهذيب الكمال (5/ 201).

(3)

سنن أبي داود (1/ 123، 124) حديث 178.

(4)

سنن الدارقطني (1/ 140، 141).

ص: 305

قال أبو عمر: هو معلل بالانقطاع لا شك فيه، وفيه أيضًا مع الانقطاع تفرد أبي روق به (1).

وقال البيهقي: وأبو روق ليس بقوي ضعفه يحيى بن معين وغيره (2).

وقال أبو عمر أيضًا: لم يروه غير ابن روق وليس فيما تفرد به حجة فصار معللًا بعلتين:

الأولى: الإرسال.

والثانية: ضعف أبي روق.

فأما علة الإرسال فإن الدارقطني رحمه الله قال: وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده وقد اختلف عنه في لفظه فقال عثمان ابن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صاثم، وقال عنه غير عثمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ.

ومعاوية بن هشام الذي وصل الحديث أخرج له مسلم وبقية الجماعة.

وقال الرازي: صدوق (3).

وقال يحيى: صالح، وليس بذلك (4).

وأما التعليل بأبي روق فقال أبو عمر: قال الكوفيون: أبو روق ثقة لم يذكره

(1) الاستذكار (1/ 53).

(2)

السنن الكبرى له (1/ 127).

(3)

الجرح والتعديل (8/ 385).

(4)

تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي ترجمة (94).

ص: 306

أحد بجرحة ومراسيل الثقات عندهم حجة (1).

وقال أحمد في أبي روق ليس به بأس (2).

وقال أبو حاتم: صدوق (3) وليست طريق إبواهيم التيمي في القوة كطريق عروة عن عائشة.

وقد اختلف العلماء في الوضوء من القبلة فروى أبو بكر بن أبي شيبة بأسانيده عن ابن عباس (4) والحسن وعطاء (4) ومسروق (4) وأبي جعفر (4) الهاشمي أنهم كانوا لا يرون في القبلة وضوءًا.

وعن ابن عمر أنه كان يوى القبلة من اللمس ويأمر فيها بالوضوء (5).

وعن عبد الله بن مسعود مثله (5).

وسئل الزهريّ فقال: كان العلماء يقولون فيها الوضوء (5) وعن شعبة عن الحكم وحماد قالا: إن قبَّل أو لمس فعليه الوضوء (5).

وعن الشعبي القبلة تنقض الوضوء (5).

وروى فضيل عن إبراهيم أنه قال لامرأته: إما أني أحمد الله يا هنيدة لولا أني أحدث وضوءًا لقبلتك (6).

ومنهم من فرق بين وجود الشهوة وعدمها فعن النخعي والشعبي إذا قبل

(1) الاستذكار (1/ 53).

(2)

علل أحمد (1/ 228).

(3)

الجرح والتعديل (6/ 382).

(4)

مصنف ابن شيبة كتاب الطهارة وباب من قال ليس في القبلة وضوء أحاديث (486، 487، 488، 490)(1/ 48، 49).

(5)

نفس المصدر السابق أحاديث (491، 492، 496، 497، 498)(1/ 49).

(6)

نفس المصدر السابق (500، 493، 494)، وفيه: لولا أن.

ص: 307

بشهوة نقض الوضوء (1) وهو ظاهر مذهب مالك على ما يأتي تفصيله وروى ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن حماد قال: إذا قبل الرجل امرأته وهي لا تريد ذلك فإنما يجب الوضوء عليه وليس عليها وضوء فإن قبلته هي فإنما يجب الوضوء عليها ولا يجب عليه فإن وجد شهوة فعليه الوضوء وإن قبلها وهي لا تريد ذلك فوجدت شهوة وجب عليها الوضوء (2).

وأما تقبيل الصبي فروى عن ابن عمر من وجوه أنه قبل صبيًّا فمضمض فاه ولم يتوضأ (2) وروى مغيرة عن إبراهيم أنه قال: تلك رحمة لا وضوء فيه (2) قال القاضي: أبو بكر بن العربي رحمه الله في مسألة القبلة والملامسة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

قول: لا وضوء من القبلة والملامسة قاله أبو حنيفة وصح عن عمر في القبلة وعن ابن عباس مطلقًا في الملامسة.

الثاني: على الملامس الوضوء مطلقًا قاله الشافعي.

الثالث: إن التذ بالملامسة وجب عليه الوضوء.

قاله مالك وأصحابه في الجملة انتهى (3).

وفي هذه الإطلاقات نظر فأما قوله عن أبي حنيفة لا ينتقض الوضوء بالملامسة مطلقًا والمعروف عن أبي حنيفة أنه إن أنعظ الملامس ينتقض وضوءه.

وقال محمد بن الحسن: لا ينقض وضوءه أنعظ أو لم ينعظ إلا أن يخرج منه مذي.

(1) نفس المصدر السابق (500، 493، 494).

(2)

نفس المصدر السابق (499)، (503)، (504).

(3)

عارضة الأحوذي بشرح الترمذي كتاب الطهارة باب ترك الوضوء من القبلة حديث (86)(1/ 124).

ص: 308

وأما المحكي عن مذهب الشافعي فإن مسائل النقض بالملامسة على ضربين منها ما اتفق الأصحاب عليه ومنها ما اختلفوا فيه كما سيأتي مفصلًا.

وأما المحكي عن مالك وأصحابه فالمعروف عن مالك التفرقة بين القبلة والملامسة فيشترط الشهوة في الملامسة دون القبلة وسوى بعض أصحابه بينهما في اشتراط الالتذاد كما يأتي ولنقدم بين يدي المراد الكلام على قوله تعالى: {أو لامستم النساء} فعليه ينبني مسائل هذا الباب.

قال الإمام أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن عبد المنعم الخزرجي المعروف بابن الفرس في كتابه في "أحكام القرآن"(1): {أو لامستم} وقرئ: أو لمستم لفظ اللمس في اللغة مشترك يقع على الجماع وعلى جس اليد والقبلة والمباشرة ونحو ذلك وعلى حسب اشتراكه (2) اختلف العلماء في المراد بملامسة النساء في هذه الآية.

فقيل: المراد بها جميع ما يقع عليه من جماع [وقبل] وجس باليد وغير ذلك وهو قول مالك رحمه الله وأصحابه، وعلى هذا القول يكون التقبيل واللمس باليد وغيرهما مما سوى الجماع ناقضًا جميعه للوضوء على تقسيم في المذهب، ويجب معه التيمم للصلاة إذا عدم الماء ويكون الجنب من أهل التيمم.

وقيل: المراد بالملامسة هنا ما سوى الجماع مما ذكرناه، وعلى هذا القول يخرج الجنب من أهل التيمم وإنما يغتسل الجنب أو يدع الصلاة حتى يجد الماء وهو قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما، وحكي عن ابن مسعود أنه رجع عن ذلك وذكر كلامًا في مسألة تيمم الجنب ثم قال: ويكون ما سوى الجماع كما ذكرنا

(1)"أحكام القرآن"(2/ 198).

وهكذا وقع اسمه عندنا، وترجم له محقق كتابه تحت اسم: عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم فينظر.

(2)

في "الأحكام": اشتراطه.

ص: 309

ناقضًا للوضوء.

وقيل: الملامسة هنا الجماع لا غير روي ذلك عن عمر بن الخطاب وهو قول ابن عباس.

وروي أن عبيد بن عمير وسعد بن جبير وعطاء اختلفوا في الملامسة فقال سعيد وعطاء هو اللمس والغمز وقال عبيد بن عمير هو النكاح فخرج عليهم ابن عباس وهم كذلك فسألوه وأخبروه بما قالوا فقال: أخطأ الموليان وأصاب العربي هو الجماع ولكن الله تعالى يصف ويكني، وهو محفوظ عن ابن عباس من وجوه كثيرة، روى عنه أنه قال: ما أبالي قبلت امرأتي أو شممت ريحانة وإلى هذا ذهب أهل العراق وحجتهم ما روي عن عائشة وذكر حديث الباب.

قالوا: والملامسة لا تكون إلا من اثنين فلا يكون إلا الجماع، وعلى هذا القول يكون الجنب من أهل التيمم ويكون ما سوى الجماع لا ينقض الوضوء فذكر ثلاثة أقوال:

الأول: أنه يعم الجماع وما دونه.

الثاني: أن المراد به ما دون الجماع وعلى هذين القولين ينتقض الوضوء بالقبلة والملامسة كما سبق.

الثالث: أنه يخص الجماع فلا ينقض الوضوء.

وقد دعت الضرورة هنا إلى الترجيح فقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله، يشير إليه من ثلاثة أوجه:

الأول: أن الحقيقة الإطلاق في اللمس يتناول الجنس باليد والقبلة والجماع فلا يرجع عن هذه الحقيقة إلى الكناية إلا بدليل ظاهر.

ص: 310

الثاني: أن الله تعالى قال: {أو لامستم النساء} في جملة الأحداث ثم قال: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} فاقتضى اللفظ الأول لمسًا يوجب الوضوء واقتضى قوله جنبًا شيئًا يوجب الغسل وإلا فكان يكون تكرارًا.

وثالثها: أن يجعل القراءتين كالآيتين أو الخبرين فيكون قوله: {أو لامستم} يقتضي نقض الوضوء بالقبلة ومس اليد والجسم للجسم ويكون قوله: {أو لامستم} خبرًا عن الوطء وذكره أيضًا خبرين صحيحين لكن لا حجة لهم فيهما.

الأول: حديث عائشة: التمست رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فلم أجده فوقعت يدي على باطن قدميه وهو ساجد ورده بعض أهل العلم بالتفرقة بين اللامس والملموس وباحتمال أن يكون السجود في غير صلاة.

والخبر الثاني: من طريق أبي قتادة حمله عليه السلام أمامة بنت أبي العاص في الصلاة يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام.

ورد بجواز أن يكون اللمس من وراء حائل وردا معًا بأن هذا الخبر والذي قبله ليس فيهما أنهما كانا بعد نزول الآية ناسخة لهما ولما كان الناس عليه من ذلك قبل نزولها.

قال ابن الفرس: وإذا قلنا إن اللمس باليد والقبلة والمباشرة داخل تحت قوله: {أو لامستم النساء} فلفظة النساء هاهنا عند مالك محمولة على عمومها في جميع النساء إلا أنه يراعي مع ذلك اللذة إلا في القبلة، وسؤى بعض أصحابه بين اللمس والقبلة في مراعاة اللذة وعند الشافعي محمولة في أشهر قوليه على جميع النساء إلا أنه لم يشترط اللذة وفرق في أحد قوليه بين المحارم وغيرهن واختلف في انتقاض وضوء الملموس.

وقال الشافعي في أحد قوليه ينتقض.

ص: 311

وقال أبو حنيفة لا ينتقض وراعى مالك اللذة في انتقاض وضوءه أخذًا بعموم الملامسة؛ لأن كل واحد من الملامسين لامس ملموس (1) وإن لمس غير البشرة كالشعرة والظفر والمس ففيه وجهان: أصحهما لا ينتقض وكذا إن لمس منها عضوًا مبانًا وكذلك مس الصغيرة ففيهما أيضًا وجهان: أصحهما لا ينتقض وفي ذوات المحارم قولان: أصحهما لا ينتقض".

قال الرافعي: ولا فرق بين محرمية النسب والرضاع والمصاهرة في اطراد القولين وإن لمس ميتة ففيه وجهان: وفي الملموس قولان أصحهما أنه ينتقض وضوءه لكنهم اختلفوا في الملموس من هو فقيل: المرأة هي الملموسة بكل حال وإن وجد اللمس منهما والرجل لامس.

والثاني هو الأصح المشهور: أن اللامس من وجد منه فعل اللمس رجلًا كان أو امرأة والملموس الآخر قال: ويخرج مما ذكرناه قول إن المرأة لا ينتقض وضوؤها وإن لمست ثم لا فرق بين أن يتفق اللمس عمدًا وسهوًا كسائر الأحداث وبين أن يكون بشهوة أو بغير شهوة وحكي وجه أن اللمس إنما ينتقض الوضوء إذا وقع قصدًا.

وحكي عن ابن سريج إنه كان ذهب إلى اعتبار الشهوة.

قال: وقد حكي عن الشافعي أيضًا ولمس العجوز كغيرها ولمس العضو الأشل الزائد كالصحيح والأصل وفي الصور الثلاث وجه آخر" (2).

(1) انتهى كلام ابن الفرس (2/ 201).

(2)

فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي مع حاشية المجموع شرح المهذب للنووي (2/ 32 - 35).

ص: 312