الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء
حدثنا هناد والحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة، أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد.
وفي الباب عن ابن عباس وعائشة (1).
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) والدارقطني (5) وقد اختلف في حكمه فقال الإمام أحمد (6) هو صحيح، وقال الترمذي حسن.
(1) الجامع (1/ 95 - 97).
(2)
المسند (3/ 31) و (3/ 86).
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 53 - 54) برقم 66 باب ما جاء في بئر بضاعة.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 90) برقم 325 باب ذكر بئر بضاعة.
(5)
السنن (1/ 29 - 30) برقم 10 - 11.
(6)
نقله الحافظ المزي في تهذيب الكمال (19/ 94) ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن رافع وزاد الحافظ في التلخيص (1/ 13) أنه صححه أيضًا يحيى بن معين وأبو محمد بن حزم.
وقال أبو (1) الحسن بن القطان: هو ضعيف كما سنوضّحه.
وقال المنذري (2): وتكلّم فيه بعضهم.
قال ابن (3) القطان: وأمره إذا بُيِّن يبين منه ضعف الحديث لا حسنه، وذلك أنّ مداره على أبي أسامة عن محمد بن كعب، ثم اختلف على أبي أسامة في الواسطة الذي بين محمد بن كعب، وأبي سعيد؛ فقوم يقولون: عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج (4).
وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج (5).
وله طريق آخر من رواية ابن إسحاق عن سليط بن أيوب، واختلف على ابن إسحاق في الواسطة التي بين سليط وأبي سعيد؛ فقوم يقولون عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع. وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع. وقوم يقولون: عن عبد الرحمن بن رافع.
فتحصل في هذا الرجل الراوي له عن أبي سعيد خمسة (6) أقوال: عبد الله بن عبد الله بن رافع، وعبيد الله بن عبد الله بن رافع، وعبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعبد الرحمن بن رافع.
وكيفما كان فهو من لا تعرف له حال ولا عين (7)، والأسانيد بما ذكرناه في
(1) بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309) برقم 1059.
(2)
مختصر سنن أبي داود (1/ 74).
(3)
بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309) برقم 1059.
(4)
قلت: وممن قال ذلك هناد والحسن بن علي الخلال وغيرهم عن أبي أسامة.
(5)
وقائل ذلك يوسف بن موسى عن أبي أسامة.
(6)
بل هي ستة بزيادة عبد الرحمن بن أبي سعيد.
(7)
والحق أن عينه معروفة وإنما اختلف في اسمه.
كتب الأحاديث معروفة.
وقد ذكر البخاري في تاريخه (1) الخلاف في المذكور مفسرًا.
ولحديث بئر بن بضاعة طريق حسن من غير رواية أبي سعيد، من رواية سهل بن سعد" (2).
قال قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن وضاح: ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة الحلبي بحلب: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد قالوا: يا رسول الله إنك تتوضّأ من بئر بضاعة، وفيها ما يُنْجِي الناس والمحايض والخبث؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الماء لا ينجسه شيء". قال قاسم: هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة.
"وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن (3): ثنا ابن وضاح فذكره أيضًا بإسناده ومتنه.
قال ابن حزم (4) في كتاب الإيصال: عبد الصمد بن أبي سكينة ثقة مشهور (5).
وذكره المجالي (6) وقال: إنّ ابن وضاح لقيه بحلب، ويروى عن سهل بن سعد
(1) التاريخ الكبير (5/ 389).
(2)
بيان الوهم والإيهام (3/ 308 - 309).
(3)
أي في مستخرجه على أبي داود كما في التلخيص لابن حجر.
(4)
وذكره في المحلى (1/ 203) كتاب الطهارة وفيه وهو ثقة.
فائدة: ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 119) أنه بحث عن عبد الصمد الذي وثقه ابن حزم في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر فلم يظفر له بترجمة.
(5)
قلت انظر الاستذكار (108 - 111) فيه كلام لابن عبد البر وقال ابن عبد البر وغير واحد مجهول ولم نجد له راويًا إلا محمد بن وضاح، الظر التلخيص (1/ 13).
(6)
وفي أصل مخطوط الإمام لابن دقيق العيد المنتجالي وقد يكون له وجه والموجود في البدر المنير (2/ 57) ومعجم البلدان (5/ 207) والمُنْتَجِيلي نسبة إلى مُنْتَ جِيل بلدة بالأندلس، وينسب إليها أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي ألف في تاريخ الرجال كتابًا كبيرًا توفي سنة 350 هـ.
انظر تاريخ علماء الأندلس (43 - 44) وجذوة المقتبس (125).
في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها" (1).
وذكر شيخنا الحافظ الإمام (2) أبو الفتح القشيري رحمه الله قال: ولما أخرج أبو عبد الله بن منده هذا الحديث من رواية محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع قال: وهذا إسناد مشهور، وأخرجه أبو داود والنسائي، وتركه البخاري ومسلم لاختلاف في إسناده رواه ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد، ثم ذكر رواية مطرف بن طريف، عن خالد بن أبي نوف، عن سليط بن أيوب، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، وقال بعد ذلك: فإن كان عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع هذا هو الأنصاري الذي روى عن جابر بن عبد الله، فقد روى عنه هشام بن عروة، وهو رجل مشهور في أهل المدينة.
وعبد الله بن رافع بن خديج مشهور، وعبد الله ابنه مجهول.
فهذا الحديث معلول برواية عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقد أخرج الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب "إيضاح الإشكال" له، رواية مطرف عن خالد بن أبي نوف عن سليط، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بضاعة فقلت: يا رسول الله تتوضأ منها وهي يلقى فيها ما يلقى من النتن؟ فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء"(3).
(1) بيان الوهم والإيهام (5/ 224 - 225) برقم 2435.
(2)
الإمام (1/ 116 - 117).
(3)
الإمام (1/ 116 - 117).
قال ابن العجمي كما هو على هامش المخطوط: رواية مطرف في "السنن الصغرى" للنسائي كما سيأتي، فلا حاجة لعزوها إلى عبد الغني. اهـ.
فالعجب من ابن دقيق العيد رحمه الله حيث عمد إلى تخريج هذه الرواية من كتاب إيضاح الإشكال لعبد الغني بن سعيد وهو متأخر مع وجودها بهذا السياق سندًا ومتنًا في مسند الإمام أحمد (3/ 15 - 16) وسنن النسائي (1/ 174 برقم 327) في الطهارة باب ذكر بئر بضاعة.
قلت: ذكر ابن (1) القطان حديث ابن إسحاق عن سليط بن أيوب وأعلّه بالجهالة (2) في الواسطة بين سليط وأبي سعيد، وذلك منه مؤذن بأن لا علة له سوى ذلك، وقد ذكر أبو (3) محمد بن أبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن أبيه قال:"محمد بن إسحاق بن يسار بينه وبين سليط رجل".
ولنرجع الآن إلى ما ينبغي أن يحكم به على هذا الحديث فنقول: أما حكم الترمذي (4) عليه بأنه حسن فجارٍ على ما قرره في السنن، ولا اعتراض عليه فيه، فإن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عرف بروايته عن أبي سعيد (5).
ورواية محمد بن كعب، وسليط بن أيوب (6) عنه فارتفعت بذلك عنه الجهالة العينية، لم يقف لأحد على جرح فيه، وللحديث شاهد من حديث سهل (7) بن سعد، وقد ذكر له الترمذي في الباب عن ابن عباس وعائشة (8) فهو حديث لم يتهم راويه بكذب، وله شاهد، وهذا هو بعينه الحسن عند الترمذي.
وأما قول الإمام أحمد إنّه صححه (9) فمهما حكم به أحمد بن حنبل أو علي
(1) بيان الوهم والإيهام (3/ 309) برقم 1059.
(2)
وهي عند ابن القطان جهالة عين وقد سبق التنبيه على هذا.
(3)
المراسيل (156) برقم 343.
(4)
الجامع (1/ 95 - 97) برقم 66.
(5)
انظر الجرح والتعديل (5/ 321) برقم 1523 وتهذيب الكمال (19/ 83 - 84) وتهذيب التهذيب (3/ 17).
(6)
انظر تهذيب الكمال (19/ 83 - 84) وتهذيب التهذيب (3/ 17).
(7)
وقد مضى.
(8)
انظر الجامع (1/ 97).
(9)
ذكر ذلك عنه أبو الحسن الميموني كما في تهذيب الكمال (19/ 84) وحكاه المنذري في مختصر السنن (1/ 73 - 74).
قلت: وقال ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 115): "وهذا الذي ذكره الشيخ (أي المنذري) رواه الخلّال أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر في كتاب العلل عن أبي الحارث عن أحمد".
ابن المديني، أو يحيى بن معين، أو من يجري مجراهم من الأئمة (1) من تصحيح خبر أو ردّه أو تعديل راوٍ أو جرحه، فإليهم المرجع في ذلك:
"إذا قالت حذام فصدّقوها
…
فإن القول ما قالت حذام" (2)
وليس لمن بعدهم أن يعترض ما يجده عن أحد منهم لا سيما من كان في الأعصار البعيدة عن عصرهم؛ اللهم إلا أن يكون الحكم على حديث بسند معين يقتضي الحكم بصحة ذلك الحديث تعديل من تضمنه ذلك السند ويجد من نظر فيه جرحًا مفسرًا في راو من رواته منقولًا عن من يرجع إليه في مثل ذلك فهناك قد يمكن أن يقال: إن الجرح مقدّم على التعديل، وتقبل تلك الطريق حينئذ الرد، وأما حديثنا هذا فأكثر ما فيه الاضطراب بين راوٍ يعرف حاله من غير جرح فيه أو يجهل حاله (3).
وتصحيح أحمد لا يعارضه جهالة الحال في راوٍ من الرواة إذ تصحيحه مؤذن بتعديل من صح خبره، وأما تضعيف أبي الحسن بن القطان إياه بجهالة الوسائط بين
(1) قلت وقد نقل الحافظ ابن حجر تصحيح ابن معين له وكذا ابن حزم، وقد أطال الحافظ الدارقطني في بيان طرق حديث بئر بضاعة في العلل (1/ 285 - 290) برقم 2287 وانظر السنن له (1/ 29 - 32) برقم (10 - 16).
(2)
وقبله بيت:
فلولا المزعجات من الليالي
…
لما ترك القطاطيب المنام
إذا قالت حذام فصدقوها
…
فإن القول ما قالت حذام
والبيتان قيل إنهما لديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية والصواب كما في اللسان مادة رقش أنهما للجيم بن صعب والد حنيفة وعجل حذام امرأته وفيها يقولهما.
والبيت من شواهد ابن عقيل (1/ 102) برقم 16 وأوضح المسالك (برقم 481) وشذور الذهب (برقم 38) وكذا الخصائص لابن جني (1/ 569) واستشهد به الأشموني في باب ما لا ينصرف.
وقد جرى مجرى المثل وصار يضرب لكل من يعتد بكلامه ويتمسك بمقاله ولا يلتفت إلى ما يقول غيره وفي هذا جاء به المصنف وهو يريد أن أمثال هؤلاء الأئمة يعتد بقولهم ويعتبر بنقلهم وحكمهم لأنهم أرباب هذه الصناعة.
(3)
في هامش نسخة ابن العجمي حاشية:
على ما هو المشهور من حكم. . . الحديث بحكم السند الذي أخرج به.
سليط بن أيوب وأبي سعيد فيعارضه رواية سليط عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (1) وليست بما ذكره فليس عبد الرحمن هذا مجهولًا روى له الجماعة إلا البخاري (2).
ومطرف (3) بن طريف روى له الجماعة (4) كلهم وخالد (5) بن أبي نوف، أخرج له النسائي (6) وحديثه هذا عند النسائي (7). عن عباس العنبري، عن عبد الملك بن عمرو عن عبد العزيز بن مسلم، وكان من العابدين عن مطرف بن طريف عن خالد بن أبي نوف، عن سليط عن ابن أبي سعيد به، ولم يسمّه (8).
قال ابن عساكر: وإسناده مجهول.
قلت: الجهالة التي أشار إليها ابن عساكر في ابن أبي سعيد من هو وقد تبين أنَّه عبد الرحمن في الحديث الذي ذكرنا قبل هذا.
وأما قوله: إن الخمسة الذين رووه عن أبي سعيد كلهم مجاهيل.
(1) وقد سبق ذكرها.
(2)
انظر تهذيب الكمال (17/ 134 - 135) برقم 3829 وتقريب التهذيب (579) برقم 3899.
(3)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 313) برقم 1448 وتهذيب الكمال (28/ 62 - 67) برقم 6000 وتهذيب التهذيب (4/ 90).
(4)
انظر تهذيب الكمال (28/ 62) برقم 6000 وتقريب التهذيب (948) برقم 6750.
(5)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 355) برقم 1606 وتهذيب الكمال (8/ 186 - 187) برقم 1658 وتهذيب التهذيب (1/ 534).
(6)
انظر تهذيب الكمال (8/ 186) برقم 1658 وتقريب التهذيب (292) برقم 1693 وأشار المزي إلى أنه له حديث واحد في النسائي كما في تهذيب الكمال.
(7)
في سننه كتاب المياه (1/ 191) برقم 326 باب ذكر بئر بضاعة وقال المزي في تحفة الأشراف (3/ 387 برقم 4125) إسناده مجهول.
(8)
وكذا قال المزي في تحفة الأشراف وقد سبق.
وقد وثق أبو (1) حاتم بن حبان عبيد الله بن عبد الله بن رافع الذي أخرجه الترمذي (2) من طريقه، وكنّاه أبا الفضل (3)، وكذلك وثق أيضًا عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وعقد لهما ترجمتين (4) وهما في كتاب البخاري (5) واحد.
وكذلك هما أيضًا عند أبي (6) محمد بن أبي حاتم فإنّه تبعه حذو القذة بالقذة، بل لعل الخمسة المذكورين عند ابن القطان واحد عند البخاري (7).
فما أجدر الحديث على هذا بأن يكون صحيحًا فقد نقل تصحيحه عن الإمام أحمد كما ذكرنا، وعن يحيى بن معين، وعن أبي عبد الله الحاكم (8)، وقول ابن القطان في تضعيفه مرجوح لما ذكرناه وأكثر ما فيه أنّه جهل من عرفه غيره، وإذا صح من طريق لا يضره أن يروى من طريق أخرى غير صحيحة، فالضعيف لا يعلّ الصحيح.
وأما حديث ابن عباس فقال ابن (9) أبي شيبة: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن عكرمة قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير فقالوا: يا رسول الله إن الكلاب تلغ فيه والسباع! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسبع ما أخذ في بطنه، وللكلب ما أخذ في بطنه،
(1) الثقات (5/ 70 - 71).
(2)
الجامع (1/ 95) برقم 66.
(3)
الثقات (5/ 70 - 71).
(4)
الثقات (5/ 70) و (5/ 71).
(5)
التاريخ الكبير (5/ 389) برقم 1249.
(6)
الجرح والتعديل (5/ 321) برقم 1523.
(7)
أشار إلى ذلك البخاري في التاريخ الكبير (5/ 389) برقم 1249.
(8)
ولم أره في مستدرك الحاكم مع أن الحافظ ابن حجر عزاه إليه في التلخيص الحبير (1/ 13) وفي إتحاف المهرة (5/ 297) برقم 5439 على أن البيهقي أورده من طريق الحاكم في السنن الكبرى (1/ 4 - 5) وكذلك عزاه إليه ابن الملقن في البدر المنير (2/ 52) والنووي كما في البدر المنير (2/ 52).
(9)
المصنف (1/ 142) وليس فيه قوله: فشربوا وتوضؤوا.
فاشربوا وتوضؤوا". قال: فشربوا وتوضؤوا.
ثنا (1) أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"الماء لا يجنب". وقد سبق.
وأما حديث عائشة فروى الطبراني (2) في "معجمه الأوسط" من حديث أبي أحمد الزبيري: ثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الماء لا ينجسه شيء" أخرجه عن أحمد بن زهير، عن أبي الربيع، عن عبد الله بن محمد الحارثي، عن أبي أحمد الزبيري.
ورواه البزار (3) عن عمرو بن علي، عن أبي أحمد.
قال الطبراني: لم يروه عن المقدام إلا عن شريك.
وفي الباب مما لم يذكره الترمذي حديث سهل بن سعد الساعدي، وقد تقدّم ذكرنا له، وحديث جابر قال: انتهينا إلى غدير فإذا فيه جيفة حمار؛ قال: فكففنا عنه، حتى انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الماء لا ينجسه شيء"، فاستقينا وأروينا وحملنا.
رواه ابن (4) ماجه وفيه: عن أبي أمامة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". رواه ابن (5) ماجه أيضًا.
قال أبو (6) داود: وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيّم بئر بضاعة عن
(1) المصنف (1/ 143).
(2)
المعجم الأوسط (2/ 318 - 319) برقم 2093.
(3)
مسنده (1/ 132) كشف الأستار وقال الهيثمي (1/ 214) ورجاله ثقات وقال البزار: لا نعلمه رواه إِلا شريك كما في كشف الأستار (1/ 132).
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 173) برقم 520 باب الحياض.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 174) برقم 521 باب الحياض.
(6)
السنن كتاب الطهارة (1/ 55) برقم 67 باب ما جاء في بئر بضاعة.
عمقها قال: أكثر ما يكون فيها الماء قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص الماء؟ قال: دون العورة.
قال أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون (1).
وذكر الدارقطني (2) عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه"، تفرد (3) برفعه رشدين بن سعد، وهو ضعيف عندهم.
وروى الدارقطني (4) عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن أبيه، عن جابر قال: قيل: يا رسول الله أنتوضّأ بما أفضلت الحمر؟ قال: "وبما أفضلت السباع".
إبراهيم (5) وثقه أحمد (6)، وضعفه البخاري (7) ويحيى (8) بن معين،
(1) السنن كتاب الطهارة (1/ 55) برقم 67 باب ما جاء في بئر بضاعة.
(2)
السنن (1/ 28) برقم 1.
(3)
قوله تفرد برفعه رشدين بن سعد يوهم نقل المصنف أن الدارقطني قال هذه العبارة عقب حديث ثوبان وليس الأمر كذلك وإنما قال هذه العبارة بعد حديث أبي أمامة (1/ 28 - 29) برقم 3 حيث قال لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي.
وانظر في ترجمة رشدين الجرح والتعديل (3/ 513) برقم 2320 وتهذيب الكمال (9/ 191 - 195) برقم 1911 وتهذيب التهذيب (1/ 607 - 608).
(4)
السنن (1/ 62) برقم 2 وقال الدارقطني عقبه ابن أبي حبيبة ضعيف جدًّا وهو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة.
(5)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 83 - 84) برقم 196 وتهذيب الكمال (2/ 42 - 44) برقم 146 وتهذيب التهذيب (1/ 58).
(6)
الجرح والتعديل (2/ 83).
(7)
التاريخ الكبير (1/ 271 - 272) برقم 873 والضعفاء الصغير (16) برقم 2.
(8)
سؤالات ابن الجنيد (382) وفيه ليس به بأس برقم 441 وتاريخ عثمان الدارمي (71) برقم 148 وفيه صالح وكذا هو في رواية ابن محرز (1/ 78) برقم 229 ونقل ابن عدي في الكامل وغيره (3 / =
وغيرهما (1). ويروى فيما أفضلت السباع من حديث ابن عمر وأبي هريرة ولا يحتج بأسانيدهما، ذكر حديثهما الدارقطني (2) أيضًا.
وروى الطبراني (3) من حديث محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن أبيه قال: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال:"لو أني سقيتكم من بئر بضاعة لكرهتم، وقد والله سقيت منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي". رواه في "معجمه الكبير" عن موسى بن سهل أبي عمران الجوني، عن هشام بن عمار، عن حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبي يحيى.
قال ابن (4) أبي شيبة: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب: أنّ عمر بن الخطاب مر بحوض محنة فقال: اسقوني منه! فقالوا: إنّه يرده السباع والكلاب والحمير! فقال: لها ما حملت في بطونها، وما بقي فهو لنا طهور وشراب.
قال: ثنا ابن عيينة عن منبود، عن أمه: أنّها كانت تسافر مع ميمونة فمرّتا بغدير فيه الجعلان والبعر فيستقى لها منه فتتوضأ وتشرب (5).
وعن ابن عليّة، عن حبيب بن شهاب، عن أبيه: أنّه سأل أبا هريرة عن سؤر
= 234) قول ابن معين في إبراهيم بن إسماعيل وفيه أنه قال ليس بشيء وهو في تاريخ الدوري (2/ 6) وهذا إنما قاله في إبراهيم بن إسماعيل المكي وهو غير هذا والله أعلم.
(1)
وضعفه النسائي وأبو حاتم والدارقطني، انظر تهذيب الكمال (2/ 43) برقم 146.
(2)
السنن (1/ 31) برقم 12 و (1/ 26) برقم 30.
(3)
المعجم الكبير (6/ 207) برقم 6026. قال في المجمع (4/ 12) ورجاله ثقات ورواه أبو يعلى (13/ 511) برقم 7519.
قلت: والحديث في المسند (5/ 337 - 338) من حديث ابن أبي يحيى عن أمه.
(4)
المصنف (1/ 142).
(5)
المصدر السابق.
الحوض تردها السباع ويشرب منه الحمار فقال: لا يحرم الماء شيء (1).
وعن ابن عليّة عن إسرائيل عن الزبرقان، عن الزبير (2) قال: قال لي كعب بن عبد الله: كنا مع حذيفة فانتهينا إلى غدير فيه الميتة وتغتسل فيه الحائض، فقال: الماء لا يجنب (3).
وعن حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: الماء طهور لا ينجسه إلا النجس، يعني: المشرك (4).
وروى وكيع عن أبي العميس، عن أبي الربيع، عن ابن أبي ليلى قال: الماء لا ينجسه شيء (5).
وعن ابن المسيب (6) وسلمة (7).
وعن ابن عليّة، عن داود عن ابن (8) المسيب قال: أنزل الله الماء طهورًا فلا ينجسه شيء (9).
قال داود: وذلك أنَّا سألناه عن الغدران والحياض يلغ فيها الكلاب (9).
(1) المصدر السابق.
(2)
قوله عن الزبير ليست في المصنف.
(3)
المصنف (1/ 142) وفي نسخة حمد الجمعة ومحمد اللحيدان لا يخبث بدل لا يجنب وهو كذلك في الطبعة الهندية.
(4)
المصنف (1/ 143).
(5)
المصدر السابق.
(6)
المصدر السابق.
(7)
كذا ولعله عائشة كما في المصنف (1/ 143).
(8)
كان الأصل: داود بن المسيب وهو خطأ والصواب داود عن ابن المسيب وداود هو ابن أبي هند وهو على الصواب في السنن الكبرى للبيهقي (1/ 259).
(9)
المصنف (1/ 143).
وروى ابن (1) أبي شيبة، عن يزيد بن المقدام، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: إنّه ليس يكون على الماء جنابة.
ووكيع عن يزيد، عن إبراهيم (2): سئل الحسن عن الحياض التي تكون في طريق مكة تردها الحمير؟ قال: لا بأس به (3).
وهشيم عن حصين، عن عكرمة: الماء طهور لا ينجسه شيء.
ووكيع عن الأعمش، عن أبي عمرو (4) البهراني، عن ابن عباس قال: الماء طهور لا ينجسه شيء (5).
وجرير، عن عيسى بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: الماء لا ينجس (5).
وقوله بئر بضاعة المشهور فيها بضم الباء، وذكر الجوهري (6): الضم والكسر، وبعدها ضاد معجمة، وعينها مهملة.
والحيض بكسر الحاء، وفتح الياء جمع حِيْضة بكسر الحاء، وسكون الياء؛ وهي الخرقة التي تحتشي بها المرأة، وقد تطلق الحيضة بكسر الحاء على الاسم من الحَيْضة بالفتح.
وقوله ما يُنْجي الناس، وفي حديث بضم الياء بعدها نون ساكنة ثم جيم، والناس بالرفع على الفاعلية، يقال: أنجى الرجل إذا أحدث فيحتمل أن لا يكون فيه حدف (7).
(1) المصدر السابق.
(2)
كذا يزيد عن إبراهيم وهو خطأ وصوابه يزيد بن إبراهيم وهو التستري.
(3)
المصنف (1/ 143).
(4)
كذا وهو خطأ والصواب أبو عمر واسمه يحيى بن عبيد الكوفي.
(5)
المصنف (1/ 143).
(6)
الصحاح (3/ 1187) مادة بضع.
(7)
انظر الإمام لابن دقيق العيد (1/ 121) فإن المصنف ينقل عنه.
وقد روى الدارقطني (1) من جهة ابن إسحاق بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قيل: يا رسول الله إنه يستقى لك من (2) محائض النساء، ولحوم الكلاب، وعذر الناس! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الماء طهور لا ينجسه شيء". ويحتمل أن يكون فيه حذف على تقدير، ويلقى فيها خرق ما ينجي الناس، كما قيل في المحائض (3).
قوله: أتتوضأ هو بتائين مثناتين (4) من فوق، خطاب للنبي عليه السلام، وقد وقع ذلك مصرحًا به من طريق الشافعي (5)، قيل: يا سول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة. . . الحديث.
وفي لفظ النسائي (6): عن أبي سعيد قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بضاعة؛ فقلت: يا رسول الله أتتوضأ منها وهي يطرح فيها. . . وذكر الحديث.
وعذر (7) الناس: بفتح العين وكسر الذال المعجمة، اسم جنس للعذرة، وضبط أيضًا بكسر العين وفتح الذال كمعدة ومِعَد، وكلاهما صحيح، وضمّ العين
(1) السنن (1/ 31) برقم 13.
(2)
كذا بالأصل وهو ساقط من الإمام لابن دقيق العيد وعنه ينقل المصنف وعند الدارقطني في السنن (1/ 31) برقم 13 إنه يستقى لك من بئر بضاعة بئر بني ساعدة وهي بئر يطرح فيها إلخ. . .
(3)
انظر الإمام (1/ 121).
(4)
قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 68): وأول من نبه على هذا الضبط النووي وتبعه شيخنا فتح الدين بن سيد الناس في شرح الترمذي.
قلت: وكلام النووي في شرح المهذب (1/ 83) ومحقق البدر المنير قال إنه لم يقف على كلام ابن سيد الناس في شرح الترمذي وهو موجود كما ترى.
(5)
الأم (1/ 9).
(6)
السنن كتاب الطهارة (1/ 190) برقم 325 باب ذكر بئر بضاعة.
(7)
قال الأصمعي العذرة أصلها فناء الدار، وقال أبو عبيد وإنما سميت عذرة الناس بهذا لأنها كانت تلقى بالأفنية فكني عنها باسم الفناء كما كني بالغائط أيضًا وهذا مما يبين لك أصل العذرة ما هي غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 450).
فيها تصحيف (1).
وقال الخطابي (2) وغيره: في قوله بئر تلقى فيها الحيض إلى آخره؛ لم يكن إلقاء ذلك تعمّدًا من آدمي، بل كانت هذه البئر في حدور السيل تكسح الأقذار من الأفنية فتلقيها فيها (3)، ولم يكن ذلك يؤثر في الماء لأنه كان ماء كثيرًا لا يتغير بذلك، وهي بئر مطروقة للاستسقاء فمن وجد فيها شيئًا من ذلك أزاله كما هو معروف من عادة الناس، وقيل: كانت الريح تلقي ذلك.
وقيل المنافقون، ويحتمل الريح والسيول.
وأما المنافقون فبعيد لأن الانتفاع بها مشترك، مع تنزيه المنافقين وغيرهم المياه في العادة.
قال الشيخ محيي (3) الدين النووي رحمه الله تعالى: واعلم أنّ حديث بئر بضاعة لا يخالف حديث القلّتين لأن ماءها كان فوق القلّتين كما ذكرنا، فحديث بئر بضاعة يخص منه شيئان:
* أحدهما: إذا كان دون قلّتين.
* أما الثاني: فمجمع على تخصيصه، وأما الأول فقال به الشافعي وأحمد وغيرهما.
مالك وآخرون بعمومه انتهى.
أما قوله: إن ماء بئر بضاعة أكثر من القلتين فظاهر لأن من قدر القلتين بالمكان من أصحاب الشافعي، قدّرها بذراع وثلث في مثله، وفي عمق ذراع وثلث أيضًا،
(1) وعن المصنف نقله ابن الملقن كما في البدر المنير (2/ 62).
(2)
معالم السنن (1/ 32 - 33) ط. دار الكتب العلمية.
(3)
المجموع شرح المهذب (1/ 85 - 86).
وهذا المقدار الذي ذكره أبو داود من مقدارها أزيد من ذلك بكثير، وأما مقدار القلّتين ومن ذهب إليهما فسيأتي في الباب بعد هذا، وأما من قال بعموم هذا الخبر فمروي عن عائشة أم المؤمنين وأبي هريرة، وحذيفة بن اليمان، وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس والحسين بن علي بن أبي طالب وميمونة أم المؤمنين رضي الله عنهم.
وذكر عن الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن أخيه وابن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتّي وغيرهم.
وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران أنَّه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن الماء الراكد الذي لا يجري تموت فيه الدابة؛ أيشرب منه ويغتسل ويغسل منه الثياب، فقالا: انظر بعينيك، فإن رأيت ماء لا يدنسه ما وقع فيه، فنرجوا أن لا يكون به بأس.
قال: وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كل ماء فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا لونه ولا ريحه، فهو طاهر يتوضأ به.
قال: وأخبرني عبد الجبار بن عمر، عن ربيعة قال: إذا وقعت الميتة في البئر فلم يتغير طعمها ولا لونها ولا ريحها؛ فلا بأس أن يتوضأ منها، وإن يرى فيها الميتة.
قال: وإن تغيرت نزع منها قدر ما يذهب الرائحة عنها، هذا قول ابن وهب، وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق، ومحمد بن بكير، وأبو الفرج، والأبهري، وسائر المنتحلين لمذهب مالك من البغداديين، وهو قول الأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن صالح وداود بن علي، وهو مذهب أهل البصرة أيضًا: قاله أبو (1) عمر.
(1) التمهيد (1/ 328).
وقال: وهو الصحيح في النظر، وجيد الأثر (1).
قال القشيري (2): وهو الذي شهره العراقيون (3) عن مذهب مالك فاشتهر (4)، وهو قول لأحمد بن حنبل (5) نصره بعض المتأخرين من أتباعه، وعقد له مسألة خلافية في طريقه، ورجحه أيضًا من أتباع الشافعي القاضي (6) أبو المحاسن الروياني صاحب "بحر المذهب"(2).
وأما الكوفيون (7) فالنجاسة عندهم تفسد قليل الماء وكثيره إذا حلت فيه إلا الماء المستبحر الكثير الذي لا يقدر آدمي على تحريك جميعه قياسًا على البحر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماءه الحل ميتته"(7).
قال أبو جعفر (8) الطحاوي في "مختصره": وإذا وقعت نجاسة في ماء يظهر
(1) التمهيد (1/ 328).
(2)
شرح الإلمام.
(3)
العراقيون من أصحاب مالك يشار بهم إلى القاضي إسماعيل والقاضي أبي الحسين القصار وابن الجلاب والقاضي عبد الوهاب والقاضي أبي الفرج والشيخ أبي بكر الأبهري ونظرائهم. انظر مواهب الجليل (1/ 40).
(4)
وهو رواية المدنيين عنه وروى المصريون عنه أن ذلك لا يوثر فيه إذا كان قليلًا وقاله كثير من أصحابه، المعونة (1/ 53)، الكافي لابن عبد البر (1/ 128 - 130)، الذخيرة (1/ 164)، مواهب الجليل (1/ 70 - 71).
(5)
انظر المغني (1/ 24 - 25)، المقنع (1/ 19)، الإنصاف (1/ 55 - 56).
(6)
هو القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري الشافعي له مصنفات منها البحر، مناصيص الشافعي، الكافي، توفي سنة إحدى أو اثنتين وخمسمائة. طبقات الشافعية للسبكي (4/ 264 - 268)، الأنساب (3/ 106) والسير (19/ 260) واختار هذا في كتابيه البحر والحلية.
(7)
التمهيد (1/ 328).
(8)
مختصر الطحاوي (16) والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 405).
ذلك فيه، فقد نجسته قليلًا كان الماء أو كثيرًا إلا أن يكون جاريًا، أو حكمه حكم الجاري كالغدير الذي لا يتحرك أحد أطرافه بتحريك سواه من أطرافه (1).
قلت: في حديث بئر بضاعة هذا ردّ على من ذهب هذا المذهب، إن ثبت ماؤها كان راكدًا، وهو الأظهر، على أن محمد بن عمر الواقدي (2) كان يقول: إنها جارية، ولم يكن ماؤها راكدًا والمشهور الأول فإن المدينة لم يكن بها ماء جاريًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما عين الزرقاء (3) وعيون حمزة (4) حدثت بعد ذلك، وبئر بضاعة باقية إلى اليوم شرقي المدينة بدار بني ساعدة.
* والمذهب الثالث: أن اعتبار النجاسة فيه بالقلة والكثرة؛ فإن من الماء المخالط بالنجاسة كان نجسًا، وإن كثر كان طاهرًا. قال أبو (5) الحسن الماوردي: واختلف القائلون بهذا في حد القليل من الكثير على ثلاثة مذاهب:
* أحدها: وهو مذهب الشافعي أنه محدود بقلّتين كما (6) سنذكره.
* والثاني: أنَّه محدود بأربعين قلة، والقلة منها كالجرة، وهو قول عبد الله
(1) مختصر الطحاوي (16) والمصنف ينقل عن شيخه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (1/ 405).
(2)
انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 12)، الحاوي للماوردي ومعجم البلدان (1/ 443).
(3)
العين الزرقاء أو عين الأزرق وانظر في التعريف بها تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا لأحمد ياسين الخياري (210) وعمدة الأخبار لأحمد العياسي (379).
(4)
وتسمى عين الشهداء، انظر المصدر السابق.
(5)
الحاوي الكبير (1/ 325 - 326).
(6)
قوله وسيأتي ما روي في الباب بعده هو من كلام ابن سيد الناس وكذا قوله في بيان الذهب الأول كما سنذكره هو من كلامه لا من كلام الماوردي وإلا فقد أطال الماوردي في بيان مذهب الشافعي واختصر المصنف كلامه.
ابن عمرو بن العاص ومحمد بن المنكدر، وسيأتي ما روي فيه في الباب بعده (1).
* والمذهب الثالث: أنّه محدود بكر، والكر عندهم أربعون قفيزًا، والقفيز عندهم: اثنان وثلاثون رطلًا، فكان مقدار ذلك ألف رطل، ومائتي رطل، وثمانين رطلًا، وهو قول محمد بن سيرين ومسروق بن الأجدع ووكيع بن الجراح فهذه المذاهب المشهورة فيما ينجس من الماء وما لا ينجس. انتهى.
* والمذهب الرابع: أن الماء إذا كان قلتين لم ينجس ما لم يتغير كمذهب الشافعي (2) إلا أن يكون مخالطًا ببول الآدمي أو عذرته المائعة، فإنهما ينجسان الماء، وإن كان قلتين فأكثر، وهو المشهور من مذهب أحمد (3) بن حنبل ما لم يكثر إلى حيث يكون نزحه كالمصانع التي بطريق مكة.
واستدل (4) من رأى أنَّ نجاسة الماء معتبرة بالتغيير بما روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه"(5)، قالوا: ولأنه ماء لم تغيره النجاسة فوجب أن يكون طاهرًا كالقلّتين، قالوا: ولأن حصول
(1) قوله وسيأتي ما روي في الباب بعده هو من كلام ابن سيد الناس وكذا قوله في بيان المذهب الأول كما سنذكره هو من كلامه لا من كلام الماوردي وإلا فقد أطال الماوردي في بيان مذهب الشافعي واختصر المصنف كلامه.
(2)
انظر الحاوي الكبير (1/ 325).
(3)
انظر المغني (1/ 23 - 27).
(4)
وهو مذهب مالك رحمه الله، انظر بداية المجتهد (1/ 449) ط. دار الكتب العلمية، عقد الجواهر الثمينة (1/ 8)، ومواهب الجليل (1/ 22) وصرح بذلك الماوردي في الحاوي (1/ 326).
(5)
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 15) برقم 3 ط. مؤسسة قرطبة: لم أجده هكذا.
قلت: وهذا الحديث بهذا اللفظ ذكره الرافعي في فتح العزيز (1/ 100) واستدل به على أن الماء المستعمل في إزالة الحدث طاهر ووجه الدلالة فيه أن المستعمل في إزالة الحدث لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة فيكون طاهرًا.
وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 70): ولم أر فيه لفظ خلق الله والله أعلم.
النجاسة في الماء قد تكون تارة بورودها على الماء، وتارة بورود الماء عليها، فلما كان الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس إلا بالتغيير، وجب إذا وردت النجاسة على الماء أن لا ينجس إلا بالتغيير.
واستدل أبو حنيفة ومن قال بقوله على أن نجاسة الماء معتبرة بالاختلاط، بما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي (1) لا يجري ثم يغتسل منه". أخرجه البخاري (2). فمنع من ذلك لأجل التنجيس بالاختلاط من غير اعتبار قدر فيه، وما روي عن ابن عباس: إنه نزح بئر زمزم من زنجي مات فيه.
ومعلوم أنّ ماءها كثير، ولم يقبل التغيير ولم ينكر ذلك أحد من علماء العصر، مع ضنهم بماء زمزم أن يراق بغير حق، وأن يستعمل إلا في قربة؛ فصار إجماع العصر، ولأنه ماء خالطته نجاسة فوجب أن يكون نجسًا قياسًا على ما دون القلّتين، ولأنه مانع ينجس قليله بمخالطة النجاسة قياسًا على سائر المائعات، ولأن العين الواحدة إذا اجتمع فيها حظر وإباحة، يغلب حكم الحظر على الإباحة كالمتولد بين مأكول وغير مأكول، وكالولد إذا كان أحد أبويه وثنيًا والآخر (1) كتابيًا فاقتضى شاهد هذه الأصول في تغليب الحظر أن يغلب حكم النجاسة على الطهارة (3).
واعترضوا وحديث القلَّتين مما سنذكره عن ذكره وأما ما ذكرناه عن الإمام أحمد ومن قال بقوله فحجتهم حديث أبي هريرة الذي ذكرناه: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم
…
الحديث".
(1) قوله الذي لا يجري ليست في الحاوي الكبير وكذا قوله أخرجه البخاري فلعلها زيادة توضيح من المصنف.
(2)
رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 96) برقم 239 باب البول في الماء الدائم.
(3)
الحاوي الكبير (1/ 326 - 327) ثم ذكر الماوردي فصلًا في دفع ما اعترض به الخصم عن حديث القلتين (1/ 327 - 330).
وطريق تقريره أن يقال: حديث القلتين خاص في القدار عام في الأنجاس، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة:"لا يبولنّ أحدكم" عام بالنسبة إلى المقدار، خاص بالنسبة إلى الأنجاس، لكونه ذكر فيه بول الإنسان دون سائر النجاسات، فإذا كان الواقع غير بول الآدمي في القلتين؛ قما زاد حكم بطهارته عملًا بحديث القلتين، وإذا كان الواقع في هذا المقدار بول الآدمي حكم بنجاسته عملًا بحديث لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم.
* * *