الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة
ثنا محمود بن غيلان، ومحمد (1) بن بشار، قالا: ثنا وكيع عن سفيان، عن سليمان التَّيميّ، عن أبي حاجب، عن رجل من بني عمار قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل طهور المرأة".
قال: وفي الباب عن عبد الله بن سرجس.
قال أبو عيسى: وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة وهو قول أحمد وإسحاق كرها فضل طهورها، ولم يريا بفضل سؤرها بأسًا.
حدَّثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: ثنا أبو داود، عن شعبة، عن عاصم قال: سمعتُ حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري: "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضّأ الرجل بفضل طهور المرأة، أو قال بسؤرها".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
وأبو حاجب اسمه: سوادة بن عاصم.
وقال محمد بن بشار في حديثه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضّأ الرجل بفضل طهور المرأة".
ولم يشك فيه محمد بن بشار (2).
(1) زيادة محمد بن بشار خطأ نبه على ذلك العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله كما في الحامع (1/ 92) وهو على الصواب في تحفة الأشراف (3/ 72) برقم 3421 ومما يؤكد خطأ زيادة محمد بن بشار في السند كون التِّرمذيّ يسوق بعد الحديث الأول طريقًا ثانيةً فيها محمد بن بشار ومحمود بن غيلان وقال في آخره وقال قال محمد بن بشار في حديثه
…
ولم يشك فيه محمد بن بشار، انظر الجامع (1/ 93) وورد على الصواب كذلك بدون زيادة محمد بن بشار في العلل الكبير (1/ 133).
(2)
الجامع (1/ 92 - 93).
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد (1)، وأبو داود (2)، وابن ماجه (3)، ولفظ ابن ماجه:"نهى أن يتوضّأ الرجل بفضل وضوء المرأة".
ورواه التِّرمذيُّ (4) في "العلل": عن محمود، وحده بسنده في الأصل، فقال: عن فضل طهور المرأة، وقال: سؤرها، وقال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح، وحديث ابن سرجس -موقوف، ومن رفعه أخطأ-.
وحديث عبد الله بن سرجس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، والمرأة بفضل وضوء الرجل، ولكن يشرعان جميعًا".
رواه ابن (5) ماجه، وقال: هو وهم، يعني أنّ الصواب حديث الحكم بن عمرو.
ورواه الدارقطني (6) من حديث عبد العزيز بن المختار، عن عاصم -مرفوعًا-.
وقال: خالفه شعبة، فرواه عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، قال:"تتوضّأ المرأة وتغتسل، من فضل غسل الرجل وطهوره، ولا يتوضّأ الرجل بفضل غسل المرأة، ولا طهورها".
قال: هذا موقوف (7)، وهو أولى.
(1) في مسنده (5/ 66).
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 82 باب النَّهي عن ذلك.
(3)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 373.
(4)
العلل الكبير (1/ 133) برقم 134.
(5)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 374 باب النَّهي عن ذلك.
(6)
في سننه (1/ 116 - 117) برقم 1 و 2.
(7)
عبارة الدارقطني كما في السنن وهذا موقوف صحيح وهو أولى بالصواب (1/ 117).
وذكره البيهقي (1) من حديث أبي داود الطَّيالسيّ (2)، عن شعبة كما تقدَّم.
ثم قال (3): ورواه وَهْب بن جرير، عن شعبة: فذكره من طريق وَهْب، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي حاجب، عن الحكم:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سؤر المرأة، وكان لا يدري عاصم فضل وضوئها، أو فضل شرابها"(4).
ثم ذكر (5) عن البُخاريّ (6) قال: سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي، يعد في البصريين -ويقال: الغفاري-، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو (7).
قال (5): وبلغني عن أبي (8) عيسى أنَّه قال: سألت محمدًا- يعني: البُخاريّ- عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح -يعني: حديث أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو (9) - وذكر (5) عن الدارقطني (10): أنّ الموقوف فيه أولى بالصواب، كما حكينا عن غيره.
وفي الباب ممَّا لم يذكره: عن حميد الحميري قال: لقيت رجلًا صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعًا.
(1) السنن الكبرى (1/ 191).
(2)
وهو عنده في مسنده (176).
(3)
أي البيهقي.
(4)
السنن الكبرى (1/ 191).
(5)
أي البيهقي.
(6)
انظر التاريخ الكبير للبخاري (4/ 184 - 185) برقم 2419 وفيه سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي بصري كناه أحمد وغيره.
(7)
السنن الكبرى (1/ 192).
(8)
انظر العلل الكبير (1/ 133، 134) وقد تقدم.
(9)
المصدر السابق.
(10)
في سننه (1/ 116 - 117) برقم 1 و 2.
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2).
ورواه البيهقي (3) من حديث أبي عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حُمَيْد به. وفيه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعًا".
رواه عن أبي الحسن بن عبدان، عن أحمد بن عُبَيْد، عن الزياد بن الخليل، عن مسدّد عنه.
وحديث أبي داود أيضًا عنده، عن أبي علي الروذباري، عن ابن داسة، عنه (4). ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، عن داود (5).
وقال (6): وهذا حديث رواته ثقات إلَّا أن حُمَيْدًا لم يسمّ الصحابي الذي حدّثه، فهو بمعنى المرسل، إلّا أنّه مرسل جيد (7).
قال: وداود الأودي لم يحتج به الشيخان (8).
(1) في مسنده (5/ 369).
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 82 باب النَّهي عن دلك.
(3)
السنن الكبرى (1/ 190).
(4)
أي عن أبي داود.
(5)
السنن الكبرى (1/ 190) وهو في سنن أبي داود كتاب الطهارة (1 /) برقم 28 باب في البول في المستحم.
(6)
أي البيهقي.
(7)
تتمة الكلام: "لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله".
(8)
السنن الكبرى (1/ 190).
قال القشيري (1): "أمَّا قوله بمعنى المرسل: فإن أراد به اله يشبه المرسل في أنَّه لم يسمّ فيه الصحابي، فهذا صحيح، لكنَّه لا يمنع خصمه من الاحتجاج به ذاهبًا إلى أنّه لا حاجة إلى تسمية الصحابي بعد أن حكم بكونه صحابيًّا، لعدالة الصّحابة كلّهم، وإن أراد بأنّه في معناه، أنَّه لا يحتج به كما لا يحتج بالمرسل منعه الخصم لما ذكرناه. وقوله أنَّه مرسل جيد غير جيد، بل هو مسند أو كالمسند".
وفيه أيضًا: حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ قال:"كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأهله يغتسلون من إناء واحد، ولا يغتسل أحدهما بفضل صاحبه".
أخرجه ابن (2) ماجه.
الحارث (3): لا يحتجّ به.
وقال الأثرم (4): لم يسمعه أبو إسحاق من الحارث.
وذكر أبو بكر (5) بن أبي شيبة: ثنا وكيع، عن خالد بن دينار، عن أبي العالية، قال: كنت عند رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فأردت أن أتوضأ من ماء عنده، فقال:"لا توضّأ به، فإنَّه فضل امرأة".
قال: ثنا وكيع، عن المسعودي، عن المهاجر أبي الحسن، عن كلثوم بن عامر: أنّ جويرية ابنة الحارث توضأت فأردتُ أن أتوضأ بفضلها فنهتني (5).
(1) الإمام (1/ 155).
(2)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 375 باب النَّهي عن ذلك.
(3)
انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 78) برقم 363 وتهذيب الكمال (5/ 244 - 253) برقم 1025 وتهذيب التهذيب (1/ 331).
ذلك: كذَّبه شعبة وقال أبو زرعة لا يحتج به وقال أبو حاتم ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه.
(4)
انظر الإمام (1/ 163).
(5)
المصنف (1/ 34).
وقال (1): ثنا عبدة بن سليمان، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب والحسن إنّهما كانا يكرهان فضل طهورها (2).
قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن غنيم بن قيس قال:"إذا خلت المرأة بالوضوء دونك فلا توضأ بفضلها"(3).
قال: ثنا يزيد بن هارون، عن التَّيميّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أنَّه نهى أن تغتسل المرأة والرجل من إناء واحد (4).
وقد دلّت أحاديث هذا الباب، والباب قبله على اشتراك الرجال والنساء في الاغتسال من إناء واحد.
وهذا ممَّا اتفق عليه أئمة المسلمين أن الرجل والمرأة، أو الرجال والنساء إذا توضؤوا واغتسلوا من إناء واحد جاز، إلّا ما ذكرناه عن أبي هريرة، غير أنّه قد روى ابن (5) أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عمار قال:"إذا اغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد يبدأ الرجل".
وروى (6) في ذلك حديثًا مرفوعًا قال: ثنا هشيم: ثنا عبد الملك، عن عطاء، عن عائشة قالت:"كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولكنّه كان يبدأ"(7).
(1) أي ابن أبي شيبة.
(2)
المصنف (1/ 34).
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصنف (1/ 36).
(5)
المصنف (1/ 36).
(6)
أي ابن أبي شيبة.
(7)
المصنف (1/ 36).
وأمَّا إذا انفرد أحدهما بالطهور: وضوءًا كان أو غسلًا، وجاء الآخر بعده؛ فلم يختلفوا من ذلك في جواز استعمال المرأة فضل الرجل إلّا شيئًا رويناه عن الأوزاعي، وسيأتي.
وقد رأيت بخطِّ أبي العباس النباتي، عن الحميدي: أنَّه كتب إلى أبي محمد بن حزم جوابًا عن أحاديث كان يريد الكشف عنها، منها: قال الحميدي (1): أخبرنا الشَّيخ الصالح إبراهيم بن سعيد -يعني: الحبّال-: ثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الطحان: ثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري: ثنا البزار: ثنا أحمد بن عبد الرحيم: ثنا مُعلَّى بن أسد: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال:"نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضّأَ الرَّجلُ من فضلِ وضوءِ المرأةِ، والمرأةُ من فضلِ وضوءِ الرجلِ وغُسلهِ".
قال البزار (2): وحديث ابن سرجس قد رواه غير واحد عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس -موقوفًا-، ولا يُعلم أحدٌ أسنده عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، إلا عبد العزيز بن المختار.
قلت: عبد العزيز بن المختار احتجّ به الشيخان (3). وقد أخرج ابن (4) ماجه حديث عبد العزيز بن المختار هذا في "سننه"، عن محمد بن يَحْيَى، عن معلّى بن أسد، عنه.
وأمَّا عكسه: فاختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب:
* أحدها: لا بأس بذلك مطلقًا.
(1) أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 154).
(2)
لم أقف عليه لا في مجمع الزوائد ولا في كشف الأستار بعد البحث والتفتيش.
(3)
انظر تقريب التهذيب (615) برقم 4148.
(4)
في سننه كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 374 باب النَّهي عن ذلك.
* الثَّاني: يكره مطلقًا.
* الثالث: التفرقة بين أن ينفرد به ويخلو به أم لا؟ فيكره مع الخلوة، ولا يكره حيث لا خلوة به.
وإلى الأول ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور العلماء.
وإلى الثَّاني: ذهب عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو، وبه تقول جويرية، وأم سلمة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد روي أنّ عمر ضرب بالدرّة من خالف هذا القول، وبه يقول سعيد بن المسيّب، والحسن.
وإلى الثالث: ذهب الأوزاعي إلى جواز تطهر كل واحد منها بفضل صاحبه، ما لم يكن الرجل جنبًا أو المرأة جنبًا أو حائضًا.
وقول ما لم يكن الرجل جنبًا هو ما سبقت إليه الإشارة عن الأوزاعي (1).
وقد ذكرناه عن غنيم بن قيس، من طريق أبي (2) بكر بن أبي شيبة إذا خلت المرأة بالوضوء دونك فلا توضأ بفضلها.
وروى أبو (3) بكر عن إسماعيل بن عليّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنّه كان لا يرى لسؤر المرأة بأسًا إلَّا أن تكون حائضًا أو جنبًا.
وعن حفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر نحوه (4).
(1) انظر الاستذكار (3/ 129 - 135).
(2)
المصنف (1/ 34).
(3)
المصنف (1/ 33).
(4)
المصدر السابق.
وقد روى كل من الأقوال الثلاثة عن الإمام أحمد (1) رحمه الله ورضي عنه.
فأمَّا من ذهب إلى الجواز مطلقًا فله الأحاديث السابقة في الباب قبل هذا، حديث ميمونة، وعائشة، وعليّ، وأنس، ومن ذكر معهم قالوا: باعتراف كل منهم يصدق على ما أبقاه أنّه فضله وسؤره.
وقد قال بعض أهل العلم إنه لا مسمى، وهو كذلك، سؤرًا ولا فضلًا.
وحديث ابن عباس الآتي في الباب بعده، وهو صحيحٌ صريح كما سيأتي وهو وما في معناه.
وأمّا حديث الحكم بن عمرو، وما في معناه فتأولوه جمعًا بين الأحاديث.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي (2) رحمه الله، وكان (3) وجه الجمع بين الحديثين أنّ النَّهي إنَّما وقع عن التطهّر بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سأل وفضل عن أعضائها عند التطهّر به دون الفضل الذي تسؤره في الإناء.
وفيه حجة لمن رأى أنّ الماء المستعمل لا يجوز الوضوء به. قلت: يعترض على هذا التأويل بفضل طهور الرجل أيضًا، ولو كان النَّهي لتلك العلّة لعمّمها، ولم يخصّ فضل المرأة من فضل الرجل، وللزم منه القول بطهارة الماء المستعمل فيما فضله الرجل، وهو لا يقول به، ويحتاج إلى الجواب عن الماء المستعمل في فضل الرجل.
قال (4): ومن النَّاس من جعل النَّهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب.
قلت: وهذا أيضًا يقبل المنازعة.
(1) المغني (1/ 214) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 51).
(2)
معالم السنن (1/ 36 - 37) ط دار الكتب العلمية.
(3)
في العالم فكان.
(4)
أي الخطابي والكلام الذي قبله اعتراض من ابن سيد النَّاس على الخطابي فليعلم.
قالوا: وأحاديث الإباحة أصحّ وأثبت من أحاديث النَّهي وهذا ظاهر (1).
ورَدّ أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ حديث ابن عباس الآتي بعد هذا بسماك بن حرب، وقبوله التلقين. وحديث عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة، بالشكِّ الواقع في طريقه عن عمرو حيث يقول: أكبر علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس (2).
وكذا وقع عند مسلم (3) من رواية ابن جريج عن عمرو ولم يخل من اعتراض عليه في الحديثين.
أمَّا الأوّل فسماك محتج به في الصَّحيح، ولم ينفرد هنا بما خالف الأصول بل روى خبرًا له شواهد شتى فما مثله استحقّ الردّ (4).
ووجهٌ آخر أقوى من هذا: حديث سماك هذا، وقد أخرجه البزّار من حديث شعبة وسفيان، عن سماك (5).
وكان شعبة لا يأخذ عن سماك حديثًا ملقنًا، ذكر معناه العقيلي عن شعبة (6).
(1) معالم السنن (1/ 36 - 37) ط دار الكتب العلمية.
(2)
المحلى (1/ 206) برقم 151.
(3)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(4)
انظر تقريب التهذيب (415) برقم 2639.
(5)
ولم أقف عليه بعد البحث والله أعلم.
(6)
الضعفاء (2/ 179) برقم 699 وعبارته عن شعبة قال: حدثني سماك أكثر من كذا كذا مرَّة يعني حديث عكرمة إذا بنى أحدكم فليدعم على حائط جاره، وإذا اختلف في الطَّريق وكان النَّاس ربما لقنوه فقالوا عن ابن عباس فيقول نعم وأما أنا فلم أكن ألقنه.
وأمَّا الخبر الثَّاني: فإنّ أبا محمد أورد حديث الطهراني عن عبد الرَّزاق (1): أخبرني ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة"(2) مختصر.
قال أبو (3) محمد: هكذا في نفس الحديث: مختصر.
قال: أخطأ فيه الطّبرانيّ بيقين، ثم رواه (4) من طريق مسلم، عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن حاتم، قال إسحاق: ثنا محمد بن بكر، وقال ابن حاتم: ثنا محمد بن بكر -وهو البرساني-: ثنا ابن جريج: ثنا عمرو بن دينار قال: أكبر علمي، والذي يخطر على بالي؛ أنَّ أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس أنَّه أخبره: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة (5).
قال أبو محمد: فصحَّ أنّ عمرو بن دينار شكّ فيه، ولم يقطع بإسناده، وهؤلاء أوثق من الطّبرانيّ، وأحفظ بلا شك (6).
قال أبو (7) الحسن بن القطان: وهذا بيَّن الخطأ فإن الذي أورد فيه إنَّما هو اختلاف أصحاب ابن جريج، وهما عبد الرَّزاق ومحمد بن بكر، أحدهما يقول عن ابن جريج أكبر علمي، وهو محمد بن بكر، والآخر لا يقوله: وهو عبد الرَّزاق.
(1) المحلى (1/ 206) برقم 151.
(2)
انظر المصنف (1/ 270) برقم 1037.
ولا أدري ما وجه الحاشية التي في نسخة ابن العجمي:
هذا عجب من المصنف، فإن هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عبد الرَّزاق.
فكان عزوه إليه أولى. اهـ. فرواية الطّهرانيّ جيء بها لغرض. وانظر "المسند"(1/ 366).
(3)
المحلى (1/ 206) برقم 151.
(4)
أي ابن حزم.
(5)
والحديث في صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(6)
المحلى (1/ 206) برقم 151.
(7)
بيان الوهم والإيهام (3/ 331 - 332) برقم 1075.
والنظر إنَّما يجب أن يكون فيما بينهما.
فأمَّا الطّهرانيّ فلا، وقوله: وهؤلاء أوثق من الطّبرانيّ فمجازفه فإنَّه ليس هناك أكثر من واحد وهو محمد بن بكر الذي ذكر الشَّك، ومن دونه مبلغون عنه.
وقوله: من الطّهرانيّ، إنَّما كان يحتاج أن يقول من عبد الرَّزاق، فإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى المقصود وهو بيان علة الخبر المذكور.
فنقول: يجب على رأي المحدثين رد رواية الطّبرانيّ من جهة أخرى، وذلك أن غيره من أصحاب عبد الرَّزاق قد ذكر فيه عن عبد الرَّزاق الشَّك من عمرو بن دينار.
فإذن لم تسلم رواية عبد الرَّزاق من الشَّك، ومن حفظ أولى ثمن لم يحفظ.
قال الدارقطني (1): ثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا ابن زنجويه: ثنا عبد الرَّزاق: ثنا ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار قال: علمي والذي يخطر على بالي: أنّ الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره فذكره.
وهكذا هو أيضًا في "كتاب عبد (2) الرَّزاق" من رواية الدبري (3) عنه (4).
قلت: وكذا رواه الطّبرانيّ (5) في "معجمه الكبير"، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن عبد الرَّزاق.
رجع إلى كلام ابن القطان قال: فعبد الرَّزاق إذن على هذا يرويه كما يرويه محمد بن بكر (6)، فالاختصار إذن الذي قال الطّهرانيّ إنه في حديثه هو والله أعلم فيما تركه من شك عمرو بن دينار، وقد يحتمل أن يكون عبد الرَّزاق اختصره حين
(1) السنن (1/ 53) برقم 6.
(2)
المصنف (1/ 270) برقم 1037.
(3)
بفتح الدال والباء المهملتين واسمه إسحاق بن إبراهيم، انظر فهرست ابن خير (127).
(4)
بيان الوهم والإيهام (3/ 331 - 332) برقم 1075.
(5)
المعجم الكبير (23/ 426) برقم 1033.
(6)
زاد في بيان الوهم والإيهام (3/ 332): البرساني.
حدّث به الطّهرانيّ، وحدّث به على الكمال لغيره، فعلى هذا الاحتمال يكون النظر بين عبد الرَّزاق والبرساني.
وعلى الأول يكون النظر بين الطّهرانيّ والدبري (1) وابن (2) زنجويه، وقد حصل المقصود من إبراز علة الحديث على رأيهم والله (3) أعلم (4).
وقال الشَّيخ أبو (5) العباس القرطبي رحمه الله: وقول عمرو بن دينار: أكبر علمي، والذي يخطر ببالي أنَّ أبا الشعثاء أخبرني: ذهب بعضهم إلى أنّ هذا ممَّا يسقط التمسّك بالحديث لأنَّه لا شك في الإسناد، والصحيح فيما يظهر لي أنّه ليس مسقط له من وجهين:
* أحدهما: أنَّ هذا غالب ظنّ لا شك، وأخبار الآحاد إنَّما تفيد غلبة الظنّ، غير أن الظنّ على مراتب في القوة والضعف، وذلك موجب للترجيح، بهذا الحديث وإن لم يسقط بأن عارضه ما جزم الراوي فيه بالرواية كان المجزوم به أولى.
* الوجه الثَّاني: أن التِّرمذيَّ رواه من طريق أخرى وصححه (5).
قلت: الاعتراض على ما ذكره من وجهين، أما الأول: فلا نسلّم أنَّ الرّواية تجوز مع شيء من الشّكّ، ولا أنَّها تُفيدُ الظَّن وهي مظنونة غير متحقِّقة، بل لا تفيدُ الظنّ، وإن كانتْ معلومة غيرَ مشكوك فيها.
فإن قيل: فكيف بإخراج مسلم (6) لها، وهي كذلك على الشَّك فالجواب: أن مسلمًا لم يخرج حديث ابن جريج عن محمد عن
…
في هذه الواقعة، حتَّى
(1) زيادة بين كما في بيان الوهم والإيهام (3/ 333).
(2)
واسمه حميد بن مخلد وزنجويه لقب أبيه، انظر: تاريخ بغداد (8/ 160) برقم 4266.
(3)
في بيان الوهم والإيهام والله الموفق للصواب.
(4)
بيان الوهم والإيهام (3/ 332 - 333).
(5)
المفهم (1/ 584).
(6)
في صحيحه كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323 باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
تقدَّمت عنده طريق سفيان عن عمرو (1) التي لا شك فيها، وإن اختلفت ألفاظ الخبرين فهما واحد على طريقته لا يضره ذلك، فهذا الحديث عند مسلم كالمتابعة، والشاهد له، وصح الحديث عند مسلم بمجموع المسندين.
وأمَّا الثَّاني: فلفظ الحديث الذي صححه التِّرمذيُّ (2) من رواية ابن عباس عن ميمونة: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة" وهذا مسألة لم يختلف فيها.
وأمّا حديث ابن جريج عن عمرو (3) الذي وقع الشَّك فيه، فلفظه:"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة"؛ وهذا موضع النزاع، ولم يصحح التِّرمذيُّ هنا غير حديثين: أحدهما: الذي ذكرنا في اغتسالهما من إناء واحد وهو حديث: يغتسل بفضل ميمونة عن رواية عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس (4). واحد من مخرج واحد، وإن اختلف على ابن عيينة فيه؛ فبعضهم يجعله عن ابن عباس، عن ميمونة (5). وبعصهم عن ابن عباس (5)
…
الحديث إلى آخره، كما اختار البُخاريّ (5).
(1) صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 322 وقول المصنف: تقدمت عنده طريق سفيان عن عمرو فيه نظر، فإن مسلمًا روى الحديث من طريق سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء والتي ليس فيها شك وهو برقم 322 ثم أتبعه بالطريق التي فيها شك والله أعلم.
(2)
الجامع (1/ 91).
(3)
وهو في صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 257) برقم 323.
(4)
الجامع (1/ 91) برقم 62.
(5)
صحيح البُخاريّ كتاب الغسل (1/ 102) برقم 253 باب الغسل بالصاع وقال البُخاريّ كان ابن عيينة يقول أخيرًا عن ابن عباس عن ميمونة والصحيح ما روى أبو نعيم قلت قال الحافظ في الفتح: وإنَّما رجح البُخاريّ رواية أبي نعيم جريًا على قاعدة المحدثين لأنَّ من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنه قوة حفظ الشَّيخ، ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددًا وملازمة لسفيان ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى وهي كون ابن عباس لا يطلع على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حال اغتساله مع ميمونة فيدل على أنَّه أخذه عنها، انظر فتح الباري (1/ 488 - 489) ط دار الفكر.
فلا فرق إذ من المعلوم أنَّ ابن عباس إنَّما روى ذلك عن خالته ميمونة سواء ذكرها أو لم يذكرها.
والثاني: حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة (1)، وهذا غير ذاك، ومخرجه غير مخرجه، وهو والحديث الثَّاني المردود عند ابن حزم (2) بسماك. وقد تكلَّمنا عليه. فمسلم رحمه الله ومن جرى مجراه من الحفَّاظ يعدهما كليهما حديث ميمونة في غسله عليه السلام وإيَّاها من الجنابة حديثًا واحدًا، اختلفت ألفاظُه ورواته، يشهدُ بعضها لبعضٍ ويقوِّي بعضها بعضًا، وليس كذلك للفقيه المستدل بلفظ الحديث المستنبط للأحكام منه (3)، فإنَّه تسامحَ كان ذلك فيما لا يتسامح فيه غيره، ولا يحسن على طريقته أن يُقال في حديث ابن جريج عن عمرو قد صحّحه التِّرمذيُّ (4)، وصحَّح أيضًا، وعزاه إلى مظانّه عزوًا مستقلًا التِّرمذيُّ.
إنَّما هو حديثُ سفيان عن عمرو، بين لفظيهما من الاختلاف ما ذكرناه، فإن كان أراد بتصحيح التِّرمذيّ أن يقول قد أخرجه مسلم من طريق أخرى غير مشكوك فيها، وإن كان أراد حديث سماك عن عكرمة فلا يحسن أن يقول: وأخرجه التِّرمذيُّ
(1) أخرجه أحمد (1/ 235، 308) والدارمي في سننه (1/ 203) برقم 734 و 753 باب الوضوء بفضل وضوء المرأة وأبو داود في سننه كتاب الطهارة (1 /) برقم 68 باب الماء لا يجنب والترمذي كتاب الطهارة (1/ 94) برقم 65 باب ما جاء في الرخصة في ذلك وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة (1/ 132) برقم 370 باب الرخصة بفضل وضوء المرأة وصححه التِّرمذيُّ وابن خزيمة وقال الحافظ في الفتح (1 /): "وقد أعله قوم بسماك بن حرب لأنَّه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلَّا صحيح حديثهم".
(2)
المحلى (1/ 214) برقم 151 طبعة أحمد محمد شاكر.
(3)
إذ الذي عند التِّرمذيِّ في جامعه حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، انظر الجامع (1/ 91) برقم 62 وقال حسن صحيح.
وحديث ابن جريج عن عمرو عند مسلم في صحيحه (1/ 257) برقم 323.
(4)
الجامع (1/ 94) برقم 65.
وصححه (1)، إذ هو غيره سندًا ومتنًا، وإنَّما كان يقول: وقد أخرج التِّرمذيُّ في معناه حديثًا من رواية ابن عباس وصححه، أو ما في معناه فيكون كالشاهد له والمتابع، لا أنّه هو (2).
وإلى نحو ما ذكرته يشير تصرُّف العلماء من أهل الحديث هذا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه "الأحكام"(3): ذكر في الباب حديث عمرو (4) الذي يقول: فيه علمي، والذي يخطر على بالي، ثم أتبعه بعد أن ذكر هذا الحديث، ومن أخرجه بأن قال: وعن ابن عباس أن امرأة من نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم
…
فذكر حديث سماك، عن عكرمة. ولو كان الخبران عنده واحدًا لقال: وفي رواية لهذا الحديث وما أشبه ذلك، وكذلك أبو (5) محمد حيث يقول: واحتجّوا بخبرين وردهما فجعل الأول حديث سماك عن عكرمة، وردّه بسماك.
والثاني: خبر عمرو عن أبي الشعثاء، وردّه بالشك الواقع في طريقه، ولم يجعلهما خبرًا واحدًا من طريقين مردودين بما ذكره فيهما.
وقال البغوي (6): ولم يصحح محمد بن إسماعيل حديث الحكم بن عمرو، فإن ثبت (7) فهو منسوخ (8).
(1) الجامع (1/ 94) برقم 65.
(2)
وهذا من دقيق فهم ابن سيد النَّاس في عزو الأحاديث إلى أصحابها بألفاظها. وهو في هذا على منهج وطريق أهل الحديث في استنباط الأحكام الشرعية.
(3)
كتاب الأحكام للمقدسي في ثلاث مجلدات ولم يتمه، ذكر ذلك الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (23/ 128) رقم 97، وهو غير الأحاديث المختارة.
(4)
عمرو هو ابن دينار.
(5)
المحلى (1/ 214) برقم 151 طبعة أحمد محمد شاكر.
(6)
شرح السنة (2/ 28) ط المكتب الإسلامي.
(7)
شرح السنة وإن بدل فإن.
(8)
شرح السنة (2/ 28) ط الكتب الإسلامي.
ولم يذكر ناسخه، وأما من منع ذلك: فله حديث ابن سرجس، والحكم بن عمرو، وما مع ذلك -وقد سبق الكلام عليها-. وأما القول بالتفرقة؛ فجمع بين الأخبار المتعارضة في ذلك، فحيث اقتضت الأخبار الجواز فمحمله عنده حيث لا مانع من منفر عن استعمال الماء مما تعافه النفس، أو ما قد يتوقّع معه قيام مانع شرعي، وإن لم يكن محققًا، وحيث اقتضت الأحاديث الجواز فحيث انتفى ذلك، وخلوة الحائض بالماء، وقريب منها الجنب مغبّة لذلك؛ فيدور الحكم معها وجودًا وعدمًا.
وقد روى فيه عن مسروق، عن عائشة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل وضوء المرأة فقال: "لا بأس به ما لم تخل به، فإذا خلت؛ فلا يتوضأ بفضل وضوئها".
ذكره ابن عدي (1) من حديث عمرو (2) بن صبيح، عن مقاتل بن حيان، عن مسلم بن صبيح، عنه.
وقال: عمر بن صبيح هذا متروك (1) الحديث.
(1) الكامل (5/ 1684) وفيه منكر الحديث عن مقاتل بن حيان وغيره وهو كذلك في تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب.
(2)
صوابه عمر بن صبح الخراساني، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 116 - 117) برقم 629 وتهذيب الكمال (21/ 396 - 398) برقم 4259 وتهذيب التهذيب (3/ 233 - 234).