الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله
ثنا أبو الوليد الدمشقي، نا الوليد بن مسلم، أخبرني ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: مسح أعلى الخف وأسفله.
قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين.
وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وهذا الحديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم.
قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمدًا عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء، قال: حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه المغيرة.
* الكلام عليه:
أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود.
وضعفه الإمام الشافعي.
وقال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع هذا الحديث ثور من رجاء.
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يضعفه ويذكر أنه ذكره لعبد الرحمن بن مهدي فذكره عن ابن المبارك عن ثور قال: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
وليس فيه المغيرة.
فأفسده من وجهين:
حين قال: حدثت عن رجاء، وأرسله ولم يسنده.
وقد كان نعيم بن حماد حدثني هذا عن ابن المبارك كما حدث به الوليد فقال: عن ثور، عن رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة.
فقلت له: إنما يقوله الوليد فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة.
فقال: هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم (عن المغيرة) فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث؛ هذا معناه.
وقال الدارقطني في العلل عن هذا الحديث: لا يثبت لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلًا، ومع هذا فقد روى الدارقطني عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، عن داود بن رُشيد، عن الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد؛ قال: ثنا رجاء بن حيوة.
فقد صرح في هذه الرواية عن ثور بأن رجاءً حدثه.
وقد رواه أحمد بن عبيد الصفار عن أحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني، عن داود بن رشيد، فقال: عن رجاء ولم يقل: ثنا رجاء.
فقد اختلف على داود بن رشيد في هذه اللفظة.
وقد علل أيضًا بعلتين:
أما الأولى ففيه عن كاتب المغيرة ولم يُسمِّ.
والجواب: أن وصفه بكتابة المغيرة قائم مقام التسمية لأن ورادًا مولاه هو المعروف بذلك وهو مخرج له في الصحيح، وقد أخرج أصحاب الأطراف هذا الحديث
في ترجمة وراد عن المغيرة.
ونسبه كذلك ابن عساكر إلى تخريج أبي داود والترمذي وهو عندهما كذلك عن كاتب المغيرة غير مسمى.
وأما ابن ماجه في "سننه" فصرح باسمه فقال: عن رجاء بن حيوة، عن وراد كاتب المغيرة.
وأما الثالثة فقال شيخنا الإمام الحافظ أبو الفتح القشيري رحمه الله تعالى: وأما الوجه الثالث -يعني ما علل به هذا الحديث-وهو تدليس الوليد -يعني ابن مسلم- وقد أشار إليه أبو الفرج بن الجوزي في تحقيقه فقال: كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عنهم. انتهى.
قال: وهذا الوجه ليس بشيء فقد أمن تدليس الوليد في هذه الرواية بما رواه أبو داود في سننه فقال: أخبرني ثور. انتهى كلام القشيري رحمه الله تعالى.
وقوله: ليس بشيء، ليس بشيء؛ بل هو وجه من التعليل صحيح لم يأت عنه بجواب، وجوابه عنه بأنه قد أمن تدليس الوليد بقوله: أخبرني في رواية من روى ذلك عنه، ودليل على أنه لم يأت على المراد من هذا التعليل لأن التصريح بذلك الإخبار لا يسقطه وبيانه أنه النوع الذي رمي به الوليد بن مسلم من التدليس هو نوع يسمى عندهم (تدليس) التسوية وهو يختص بالتدليس في شيخ شيخه لا في شيخه، وذلك أنه يعمد لأحاديث مثلًا رواها هو عن الأوزاعي وهي عند الأوزاعي عن شيوخ له ضعفاء رووها عن الثقات من شيوخ الأوزاعي نفسه كحديث يكون فيه بين الأوزاعي والزهري أو بين الأوزاعي ونافع أو بين الأوزاعي وعطاء رجل
ضعيف مع أنه معروف بالرواية عن الزهري ونافع وعطاء فيسقط الوليد الواسطة الضعيف ويروى الحديث عن الأوزاعي عن الزهري أو عطاء أو نافع كيف ما كان وكلهم شيوخ للأوزاعي، فيروج بذلك الخبر عند سامعه لعلمه أن الأوزاعي روى عن أولئك الشيوخ.
وكذلك مثله ابن الجوزي مثالًا مستقيمًا.
والوليد موصوف عندهم بهذا النوع من التدليس.
ومن هذا الضرب ما يخشى وقوعه ها هنا فإنه قال: أخبرني ثور عن رجاء، فأتى به بصيغة العنعنة وهي لا تدل على الاتصال من مثله.
فبقي التدليس غير مأمون.
وقلما يرتكب التدليس ويسقط الواسطة إلا لمقتضى لإسقاطه فقد كانت مثل هذه العنعنة من الوليد في مثل هذا الموضع كافية في التعليل، لا سيما وقد صح عن ابن المبارك وهو من عرف محله قوله في هذا الحديث: عن ثور حُدثت عن رجاء بن حيوة.
فنبه على ثبوت واسطة مجهول فاقتضى -لما هو المعهود من تسوية الوليد- الضعف أو الجهالة في تلك الواسطة المطوي الذكر.
وتصريح الوليد بن مسلم بقوله: ثنا ثور عن رد هذا التعليل بمعزل.
ومثل هذا من الوليد إن كان بعد صحة الخبر المروي كذلك عنده من خارج أو مع حسن ظنه بمن طوى ذكره، فكلاهما قريب.
وإن كان مع الجهالة بحاله وقبل ثبوت الخبر عنده فقد دخل الخلل عليه من حيث لا يعلم.
وبعيد أن يكون ذلك منه مع ضعف الراوي عنده وعدم علمه بصحة الخبر الذي رواه من طريقه ففي ذلك انحطاط يرتفع حال مثل الوليد بن مسلم عنه؛ والله أعلم.
فالحديث على هذا معلل بالعلتين اللتين أشار إليهما الترمذي عن أبي زرعة والبخاري من الانقطاع بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة، وكما أشار إليه أبو داود وكما نقله الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وهو الذي يخشى من تسوية الوليد بن مسلم فيه أو كما زعم أبو زرعة والبخاري أن (حُدثت) سقطت بين رجاء بن حيوة وكاتب المغيرة كما رواه الترمذي عنهما.
وهو سقوط غير الأول ويمكن سقوطهما معًا.
والذي وجدته في جامع الترمذي كما ذكرته، وفي كتاب "العلل" له في سؤاله للبخاري وأبا زرعة وجوابهما له سقوط (حُدثت) بين ثور ورجاء بن حيوة كما هو عند أبي داود وأحمد وعلة الإرسال وظاهر أنها أقوى فيه من الإسناد لترجيح ابن المبارك مرسله على الوليد بن مسلم مسنده.
ولترجيح ابن مهدي راويه عن ابن المبارك مرسلًا على نعيم بن حماد راويه عنه مسندًا.
ولأن نعيم بن حماد رجع عن إسناده لما رأى (عن المغيرة) ملحقة بين السطرين بالخط الجديد.
وقد اختلف العلماء في كيفية المسح على الخفين.
فقال مالك والشافعي وأصحابهما يمسح ظهورهما وبطونهما وهو قول ابن عمر وابن شهاب.
وقال مالك والشافعي: إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه إلا أن مالكًا
قال: من فعل ذلك يعيد في الوقت.
قال: ومن مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده عند مالك.
وعنه في ذلك غير ما ذكرنا.
والمشهور من قول الشافعي أن من مسح ظهورهما واقتصر على ذلك أجزأه.
ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه وليس بماسح مثل قول مالك سواء.
وله قول آخر مثل قول ابن شهاب: أن من مسح بطونهما ولم يمسح ظهورهما أجزأه.
والصحيح من مذهبه أن أعلى الخف يجزئ من أسفله ولا يجزئ مسح أسفله.
وتمام المسح عنده أن يمسح أعلى الخف وأسفله.
وحجتهما في ذلك حديث الباب.
وذكر ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يمسح أعلاهما وأسفلهما.
وعن ابن شهاب قال: إنما هما بمنزلة رجليك ما لم تخلعهما.
وعن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يمسح ظاهر الخفين دون باطنهما.
وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وجماعة.
وبروى من فعل قيس بن سعد بن عبادة.
وهو قول الحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم.
وحجة من قال بذلك ما نذكره في الباب بعد هذا.