المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل؛ فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا.

قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، ورافع بن خديج.

حدثنا هناد، نا وكيع، عن سفيان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح.

وقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل".

وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعاثشة والفقهاء ومن التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق؛ قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل.

* الكلام عليه:

ذكر حديث عبد الرحمن عن أبيه وأتبعه حديث ابن جدعان عن سعيد.

وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح.

وفي تصحيحه من الطريقين المذكورين نظر.

أما الأول فإن الترمذي قال في "علله": سألت محمدًا عن هذا الحديث؛ يعني حديث عبد الرحمن، فقال: هذا حديث خطأ إنما يرويه الأوزاعي عن

ص: 424

عبد الرحمن بن القاسم مرسلًا.

وروى الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة شيئًا من قولها:"تأخذ الخرقة فتمسح بها الأذى".

وقال أبو الزناد: سألت القاسم بن محمد: سمعت في هذا الباب شيئًا؟ قال: لا.

وذكر الدارقطني في "العلل" أن أيوب السختياني وعبد الله العمري وغيرهما رووه عن عبد الرحمن بن القاسم موقوفًا.

واختلف على الأوزاعي فرفعه الوليد بن مسلم والوليد بن مزيد.

ورواه بشر بن بكر وأبو المغيرة وعمرو بن أبي سلمة ومحمد بن كثير المصيصي ومحمد بن مصعب وغيرهم موقوفًا.

وأما الطريق الثانية طريق ابن جدعان فقد رواها غندر ويزيد بن هارون عن شعبة عنه مرفوعة.

ورواها وهب بن جرير، عن شعبة عنه موقوفة.

وزاد بين سعيد بن المسيب وعائشة أبا موسى.

وكذلك قال مالك: عن [يحيى بن سعيد، عن سعيد] بن المسيب، عن أبي موسى، عن عائشة؛ إلا أنَّه عنده موقوف على عائشة في "موطئه" من قولها، غير أن أبا قرة موسى بن طارق رفعه عن مالك، فقال: عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل".

وأبو قرة موسى بن طارق الزبيدي ثقة عندهم.

وقد رواه عن علي بن زيد سفيان الثوري وزائدة بن قدامة وابن عُلية وسفيان

ص: 425

ابن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة وغيرهم، فقالوا: عنه عن سعيد بن المسيب؛ قال: جاء أبو موسى الأشعري إلى عائشة فسألها فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث.

إلا أن في طريق حماد بن سلمة من بعض الوجوه زيادة حسنة سنذكرها، فهو كما ترى بعضهم يقفه وبعضهم يرفعه وبعضهم يرويه عن سعيد، عن عائشة، وبعضهم عن سعيد عن أبي موسى الأشعري عن عائشة فلم يخل من تردد بين وقف ورفع ووصل وقطع.

والدارقطني يرجح في حديث سعيد بن المسيب الوقف؛ لأن يحيى بن سعيد الأنصاري رواه عنه وهو من الثقات المتفق عليهم ولم يرفعه، رواه عن يحيى بن سعيد: مالك وشعبة والجم الغفير، فاتفقوا على أنَّه موقوف.

ورواه همام بن يحيى عن يحيى بن سعيد، وعلي بن زيد فرفعه؛ قاله الدارقطني وقال: أحسبه يعني همامًا حمل حديث يحيى بن سعيد على حديث علي بن زيد فرفعه لأن يحيى لا يرفعه كذا قال الدارقطني: أن يحيى لا يرفعه.

وقد ذكرنا رفعه عن يحيى من طريق أبي قرة عن مالك عنه.

وروينا من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني في "مسنده"، ثنا ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب: أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين، فقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاوز الختان الختان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل".

قال العدني: ونا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب؛ قال: سأل أبو موسى عائشة مثله -وزاد فيه-: ولا أسأل عن هذا أحدًا بعدك أبدًا.

وينضم إلى علة هذا الاختلاف ضعف علي بن زيد بن جدعان فهو وإن كان له

ص: 426

شرف وقدر فقد تكلم فيه بعضهم.

ذكره أبو العرب أحمد بن محمد بن تميم في كتابه في الضعفاء فقال: قال أبو الحسن: تيمي مكفوف ضعيف الحديث، كان يتشيع، يكتب حديثه.

وقال عثمان: سألت ابن معين عنه فقال: ليس بذاك القوي.

ومن كتاب ابن البرقي عن ابن معين: وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف.

وقال الدولابي: قال السعدي: علي بن زيد واهي الحديث ضعيف فيه ميل عن القصد لا يحتج بحديثه.

وقال أبو الحسن: علي بن زيد لا بأس به بصري.

وقال ابن عبد الرحيم: ليس بالقوي.

وذكر ابن أبي حاتم بسنده عن حماد بن زيد؛ قال: كان علي بن زيد يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا به غدًا كأنه ليس ذاك.

وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عنه، فسألته مرة عن حديث لعلي بن زيد فقرأ الإسناد ثم تركه وقال: دعه.

وقال أحمد: ليس بالقوي.

وروى العباس الدوري عن يحيى: ليس بحجة.

وقال أبو زرعة: ليس بالقوي.

قال أبو الفرج: وضعفه ابن عيينة.

وقال حماد بن زيد: كان يقلب الأخبار.

وذكر شعبة أنَّه اختلط.

ص: 427

وقال أحمد ويحيى: ليس بشيء.

ويمكن أن يجاب عما علل به الطريق الأول؛ بأن المرسل لا يعارض المسند لأن المسند أتى بأمر زائد فسبيله أن يقبل مسنده إذا كان ثقة ولا يعلل بمرسل غيره.

وكذلك القول في الرفع والوقف.

وأما الرواية عن القاسم بن محمد: أنَّه لم يسمع في هذا الباب شيئًا فلا يقتضي رد ما رواه الثقة عنه، ولا يوثر فيه ولا في روايته قدحًا على ما ذهب إليه أكثر العلماء لجواز السهو والنسيان على من أنكر ما روي عنه إذا كان الراوي ثقة.

وعبد الرحمن بن القاسم ثقة من الثقات الأئمة المتفق عليهم.

وقد بقي من النظر في هذا الإسناد أن الوليد بن مسلم رمي بالتدليس أو التسوية، كما تقدم قبل هذا، وهي التدليس في شيخ شيخه وحديثه هذا معنعن عن الأوزاعي عن عبد الرحمن؛ فيحمل الانقطاع.

لكن هذه الشبهة قد زالت، أما بينه وبين الأوزاعي فقد رواه الدارقطني من طريق الوليد بن مسلم، وقال فيه: حدثنا الأوزاعي.

وأما بين الأوزاعي وعبد الرحمن بن القاسم فقد ذكر الشيخ أبو الحسن أيضًا متابعًا للوليد بن مسلم على روايته عن الأوزاعي كرواية بن مسلم؛ وهو الوليد بن مزيد البيروتي، فقال: نا أبو بكر النيسابوري، أنا العباس بن الوليد بن مزيد، أنا أبي؛ قال: سمعت الأوزاعي؛ قال: نا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أنها سئلت عن الرجل يجامع أهله ولا ينزل الماء؟ قالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا جميعًا.

والوليد بن مزيد من الثقات كان الأوزاعي يثني عليه يقول: عليكم بكتبه؛

ص: 428

فإنها صحيحة، ووثقه الدارقطني وابن ماكولا وغيرهما.

وقال أيضًا: إنه ما عرض علي كتاب أصح من كتب الوليد بن مزيد.

وقال دحيم: صالح الحديث

وابنه العباس ثقة صدوق؛ فقد زال ما يتوقع من تدليس الوليد بن مسلم بتصريحه بحدثنا من طريق الدارقطني، وبرواية الوليد بن مزيد ومن ذكرناه قبل عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بغير واسطة.

وقد اعترض أبو الحسن بن القطان على الترمذي في تصحيحه حديث الوليد بن مسلم لما فيه من الكلام؛ أعني الوليد بن مسلم وصححه هو من حديث الوليد بن مزيد.

وليس ذلك بطائل لوجهين:

الأول: أن تصحيح الترمذي لحديث عائشة بعد أن ذكره من الطريقين المذكورين عنده، فمن أين وقع لابن القطان أن التصحيح لطريق الأوزاعي دون طريق ابن جدعان.

الثاني: أن الوليد بن مسلم محتج به في صحيحي البخاري ومسلم وليس للوليد بن مزيد في الصحيحين ولا في أحدهما حرف واحد؛ فليس الترمذي وحده المعترض عليه إذن في تصحيح حديث الوليد بل البخاري ومسلم قبله فكلاهما يحتج به.

وأيضًا فغائلة تدليس الوليد وهي غاية ما رمي به مأمونة ها هنا لما بيناه.

ويمكن أن يجاب عما علل به الطريق الثاني بأن رواية وهب بن جرير الموقوفة لا تقدح في رواية غندر وهو من أوثق الناس في شعبة وأعلمهم بحديثه.

ص: 429

وأما الانقطاع بين سعيد بن المسيب وعائشة فقد تبين أن الواسطة أبو موسى فلا أثر بعد ذلك لهذا الانقطاع.

على أنَّه قد روى حماد بن سلمة ما يدل على أن ابن المسيب سمعه من عائشة مع أبي موسى.

قال حماد عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب؛ قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى الختانان أيوجب الغسل؟ فقال أبو موسى: أنا آتيكم بعلم ذلك، فنهض وتبعته حتَّى أتى عائشة فقال: يا أم المؤمنين! إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك، فقالت: سل، فإنما أنا أمك، قال؛ إذا التقى الختانان أيجب الغسل؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان اغتسل.

أخرجه الطحاوي من طريق أسد عن حماد.

وأما الاعتلال بتضعيف ابن جدعان، فذكر ابن أبي حاتم عن عمر بن شبة، حدثني أبو سلمة؛ قال: قلت: لحماد بن سلمة أن وهيبًا زعم أن علي بن زيد لا يحفظ الحديث، فقال: ووهيب كان يقدر على مجالسة علي بن زيد؛ إنما كان يجالس عليًّا وجوه الناس.

وكان عبد الرحمن بن مهدي يخرج حديثه عن السفيانين والحمادين عنه.

وهذا يقتضي توثيقه عند ابن مهدي لأنه كان لا يروي الحديث إلا عن الثقات عنده.

وقد أخرج مسلم حديثه عن أنس في الجهاد وفي غزوة أحد مقرونًا بثابت، رواه من طريق حماد بن سلمة عنهما.

وأما الترمذي؛ فإنه يحسِّن حديثه تارة ويصححه أخرى؛ فمما حسّن من

ص: 430

حديثه حديث: "يمكث أبو الدجال وابنه لا يولد لهما".

رواه في الفتن عن عبد الله بن معاوية الجمحي، عن حماد بن سلمة عنه، عن أبي بكر، عن أبيه.

ومما صحح من حديثه: أن رجلًا قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره

" الحديث.

أخرجه في الزهد عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد بن الحارث، عن شعبة عنه، عن أبي بكرة، عن أبيه.

وهو يصحح حديث حماد بن سلمة كثيرًا فليس المانع له من تصحيح الأول كونه من طريق حماد وأنه قد يكون يرى فيه رأي البخاري فلا يصحح حديثه.

وعبد الله بن معاوية الجمحي وثقه ابن حبان، ولم يقف لأحد فيه على جرح فهذا الترمذي يصحح حديث ابن جدعان في غير هذا الوضع فمن الجائز أن يصححه في هذا الوضع للعلة التي رواها عن البخاري في الأول.

ومن الجائز أن يكون يصححه الأول وذكر الثاني متابعًا ليجبر به العلة التي ذكرها في الأول في كتابه في العلل، والله أعلم.

ولحديث عائشة طريق عند مسلم من جهة حميد (1) بن هلال عن أبي بردة عن أبي موسى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"، أخرجه عن محمد بن المثنى عن الأنصاري عن هشام بن حسان عن حميد، ح وعن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن هشام عن حميد، قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي موسى.

(1) برقم (349).

ص: 431

وله طريق أخرى عند مسلم (1) من حديث ابن وهب عن عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر عن أم كلثوم عن عائشة مرفوعًا.

وأم كلثوم هذه بنت أبي بكر الصديق ولدت بعد وفاته.

ففي هذه الطريق رواية الصحابي عن تابعية، وذلك من ملح الأسانيد.

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم (2) من طريق هشام عن قتادة عن الحسن [عن أبي رافع] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل".

ورواه النسائي (3) من حديث أشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا خطأ، والصواب أشعث عن الحسن عن أبي هريرة.

وأما حديث عبد الله بن عمرو، فقال ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة، فقد وجب الغسل".

وأما حديث رافع بن خديج قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت فأخبرته، فقال:"لا عليك، الماء من الماء"، قال رافع: ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل.

أخرجه الإمام أحمد من جهة رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب الغافقي عن بعض ولد رافع بن خديج عن رافع.

وقال في رشدين، يحيى بن معين: ليس بشيء.

(1) برقم (350).

(2)

البخاري (291) ومسلم (348).

(3)

"السنن"(191).

ص: 432

وقال النسائي: متروك الحديث، وسيأتي الكلام عليه في الباب بعده.

وقد اختلف أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بعدهم في هذا الباب، فقالت طائفة: لا غسل إلا من الإنزال، وسيأتي ذكرهم في الباب بعد هذا.

وقال آخرون: يجب الغسل بالتقاء الختانين أنزل أو لم ينزل، منهم من الصحابة: أبو بكر، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعائشة وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وابن عباس وسهل بن سعد، والنعمان بن بشير وعثمان بن عفان.

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي، قال: حدثني الحارث عن علي، وعلقمة عن عبد الله ومسروق عن عائشة.

قالوا: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل.

وروى معمر عن ابن عقيل: أن عليًّا قال: كما يجب منه الحد كذلك يجب منه الغسل.

وروى عمرو بن دينار عن أبي جعفر: أن عليًّا وأبا بكر وعمر قالوا نحوه.

وعن علي وشريح قالا: أيوجب الحد، ولا يوجب قدحًا من ماء؟

ومن طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر، قال: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة: أن ابن مسعود سئل عن ذلك، فقال: إذا بلغت ذلك اغتسلت.

قال سفيان: والجماعة على الغسل.

قوله: (إذا التقى الختانان) يبحث فيه عن معنى الملاقاة والختان.

ص: 433

فأما الملاقاة فالمحاذاة، قال الشافعي: يقال: التقى الفارسان إذا تحاذيا.

قال القاضي أبو بكر رحمه الله: فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد التقى الختان مع الختان؛ أي: حاذاه.

وهكذا معنى قوله: مس الختان الختان؛ أي: قارنه (1) وداناه.

وإلا فلا يتصور أن يمسه إذا غابت الحشفة، ولو مسه من غير إيلاج ما وجب الغسل إجماعًا. انتهى كلامه.

وحاصله: أنَّه ليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة، وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشيء بما بينه وبينه ملابسة أو مقاربة، وهو ظاهر، وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع، وقد أجمع العلماء -كما أشار إليه- على أنَّه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما، فلا بد من قدر زائد على الملاقاة، وهو ما وقع مصرحًا به في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الَّذي قدمنا ذكره من قوله: وتوارت الحشفة.

وأما الختان، فيقال: ختن الغلام ختنًا إذا قطع جلد كمرته، والختان موضع الختن، وهو من المرأة الخفاض، والخفاض للمرأة كالختان للرجل، وهو قطع جليدة في أعلى الفرج مجاورة لخرج البول كعَرْف الديك، فكان الوجه أن يقال: إذا التقى الختان والخفاض فقد وجب الغسل، وما وقع في الحديث فهو من باب التغليب، وهو مشهور معروف كما قالوا في القمرين والعمرين، يريدون الشمس والقمر، وبالعمرين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كما قال الشاعر:

أخذنا بآفاق السماء عليكم

لنا قمراها والنجوم الطوالع

يريد الشمس والقمر.

(1) في نسخة السندي: قاربه؛ بالباء.

ص: 434

وكثيرًا ما يقع ذلك في كلام العرب.

وهو في الغالب موجه إما برد الثقيل إلى الخفيف، كما قالوا في العمرين؛ لأن عمر مفرد وأبا بكر مركب، والمفرد أخف من المركب.

أو التأنيث إلى التذكير، أو الأدنى إلى الأعلى، فالقمر مذكر، والشمس مؤنثة، فلذلك غلبوا المذكر حيث قالوا القمرين.

قال بعض أهل العلم: ومن ذلك الختانان؛ فإنهما مستويان في الخفة، لكنه رد ما للمرأة لأنه أدنى إلى ما للرجل لأنه أعلى.

وقول عائشة رضي الله عنها: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا. وكذلك قوله عليه السلام في "صحيح مسلم": "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل".

فيه: جواز ذكر مثل هذا، وجواز ذكره أيضًا بحضرة المرأة، إذا ترتب عليه مصلحة.

وفيه أن فعله صلى الله عليه وسلم للوجوب فلولا ذلك لم يحصل الجواب المطابق (1).

وإلى أحاديث هذا الباب صار الإجماع بعد الخلاف في الزمن الأول عن الصحابة رضي الله عنهم.

وحكي عن عائشة من التابعين كما سنذكره في الباب بعد هذا، إلا خلافًا لا اعتبار له عند أهل العلم.

والاعتبار في وجوب الغسل في هذا الباب بتغييب الحشفة من صحيح الذكر؛ فإذا غيبها بكمالها تعلقت به جميع الأحكام، ولا يشترط تغييب جميع الذكر.

(1) في هامش نسخة السندي:

لم يحصل الجواب المطابق يستقيم؛ فإن علل هذا

صدر منه صلى الله عليه وسلم في مسألة التقبيل

يكون ذلك واجبًا

ولا ماثل به، فتنبه. محمد عابد.

ومحل النقاط غير واضح في التصوير.

ص: 435

ولو غيب بعض الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام إلا وجهًا شاذًا أن حكمه حكم من غيب جميعها، وهو مردود.

فمتى غيب الحشفة في فرج امرأة ودبرها أو دبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها وجب الغسل، وسواء كان المولج فيه حيًّا أو ميتًا، صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان ذلك عن قصد أو عن نسيان، وسواء كان مختارًا أو مكرهًا، أو استدخلت المرأة ذكره وهو نائم، وانتشار الذكر في ذلك وعدم انتشاره، والمجبوب والأغلف في ذلك كله سواء.

والغسل في ذلك كله واجب على الفاعل والمفعول به، إذا كان بالغًا.

وأما المميز من الصبيان فيجب على الولي أن يأمره بالغسل كما يأمره بالوضوء، فإن صلى من غير غسل لم تصح صلاته، وإن لم يغتسل حتَّى بلغ، وجب عليه الغسل.

وإن اغتسل في الصبا ثم بلغ لم يلزمه إعادة الغسل.

وأما إذا كان الذكر مقطوعًا، فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام، وإن كان الباقي قدر الحشفة فحسب تعلقت الأحكام بتغييبه بكماله، وإن كان زائدًا على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما: أن الأحكام تتعلق بقدر الحشفة منه.

والثاني: لا يتعلق شيء من الأحكام إلا بتغييب الباقي جميعه.

ولو لف على ذكره خرقة وأولجه في فرج امرأة، ففيه ثلاثة أوجه:

الصحيح منها والمشهور: أنَّه يجب عليهما الغسل.

والثاني: لا يجب.

والثالث: إن كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللذة والرطوبة لم يجب الغسل،

ص: 436

وإلا وجب.

وهذا الوجه الثالث، قال ابن العربي: هو الأشبه بمذهبنا، يعني مذهب مالك، رحمهم الله، بعد أن حكى الأوجه الثلاتة في مذهبه.

وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل على من أولج في فرج بهيمة ولا فرج ميتة، لأنه معنى غير مقصود، فكان بمنزلة إيلاج الأصبع.

واختلفوا في إعادة غسل الميت إذا أولج في دبره، أو فرجه حي، فقال بعضهم: يعاد. وذهب مالك وبعض أصحاب الشافعي إلى أنَّه لا يعاد غسله لسقوط التكليف عنه، وفي هذا التعليل نظر؛ لأن التكليف بذلك على الأحياء في حق الأموات، لا على الأموات أنفسهم.

* * *

ص: 437