المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

حدثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان بن عيينة: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل: سمع جابرًا قال: سفيان: وحدثنيه محمد بن المنكدر، عن جابر قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فدخل على امرأة من الأنصار، فذبحت له شاة فأكل، وأتته بقناع من رطب، فأكل منه ثم توضأ للظهر وصلى، ثم انصرف فأتته بعلالة من علالة المثاة، فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ".

قال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح حديث أبي بكر الصديق في هذا الباب من قبل إسناده، إنما رواه حسام بن مِصَكّ، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والصحيح إنما هو عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه الحفاظ.

رُوي من غير وجه عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ورواه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس. وغير واحد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكروا فيه عن أبي بكر وهذا أصح.

وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو بن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة.

قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول؛ حديث الوضوء مما مست النار (1).

(1) الجامع (1/ 116 - 120).

ص: 240

* الكلام عليه:

حديث جابر هذا سكت عنه، وعبد (1) الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به، وتقدم الكلام عليه، ولذلك أردفه (2) بمحمد بن المنكدر، عن جابر، عن طريق حجاج، عن ابن جريج، عنه قال: ثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي: ثنا حجاج. وقال أبو (3) داود أيضًا: ثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي: ثنا علي بن عياش: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، قال (4): وهذا اختصار من الحديث الأول.

وقال ابن (5) أبي شيبة: ثنا هشيم: ثنا علي بن زيد (6): ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال:"أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزًا ولحمًا فصلوا ولم يتوضؤوا".

فرجال هذا الخبر عند الترمذي رجال الصحيح، بمتابعة ابن المنكدر ابن عقيل، وقد روي من غير وجه، وثبتت له شواهد في الصحيح، عن غير جابر فلا مانع من القول بصحته، وقد صحح ابن (7) حبان حديث جابر من طريق شعيب بن أبي حمزة

(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (5/ 153 - 154) برقم 706 وتهذيب الكمال (16/ 78 - 85) وتهذيب التهذيب (2/ 424 - 426).

(2)

وهذا صنيع أبي داود في سننه لا كما يوهمه كلام المصنف أنه من صنيع الترمذي وقد يكون خطأ من النساخ إذ وقع تقديم وتأخير في الكلام وانظر سنن أبي داود (1/ 133) برقم 191 وهو في المسند (1/ 153) برقم 77.

(3)

السنن كتاب الطهارة (1/ 133) برقم 192 باب في ترك الوضوء مما مست النار.

(4)

أي أبو داود.

(5)

المصنف (1/ 47).

(6)

وقع في الطبعة الهندية يزيد بدل زيد وهو خطأ.

(7)

صحيح ابن حبان (3/ 416 - 417) الإحسان برقم 1134.

ص: 241

الذي ذكرناه من طريق أبي داود.

وحديث أبي بكر الذي أشار إليه، سئل الشيخ أبو (1) الحسن الدارقطني عن حديث ابن عباس، عن أبي بكر الصديق:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهش (2) كتفًا وصلى ولم يتوضأ". فقال: يرويه حسام بن مصك، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر.

قاله موسى بن داود، وزيد بن الحباب عنه، وخالفه أيوب السختياني وهشام بن حسان وأشعث بن سوار وغيرهم (3) فرووه عن ابن سيرين، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكروا فيه أبا بكر، وهم أثبت من حسام، والقول قولهم (4).

ولأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الباب حديث آخر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتوضأن رجل من طعام أكله حل له أكله". ذكره أبو بكر البزار (5)، ولا يثبت، في إسناده عمرو (6) بن أبي المقدام، وهو ضعيف جدًّا.

وحديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ" مخرج في الصحيحين (7).

(1) العلل (1/ 211 - 212) برقم 18.

(2)

وفي العلل نهس، والنهس أخذ اللحم بأطراف الأسنان، والنهش الأخذ بجميعها. انظر النهاية (5/ 136).

(3)

منهم أيوب.

(4)

العلل (1/ 211 - 212).

(5)

المسند (1/ 152 كشف الأستار) برقم 293 وقال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد وابن أبي المقدام كان يتشيع ولم يترك حديثه لذلك.

(6)

وهو عمرو بن ثابت، مولى بكر بن وائل، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 223) برقم 1239، وتهذيب الكمال (21/ 553 - 559) برقم 4333 وتهذيب التهذيب (3/ 258 - 259).

(7)

صحيح البخاري كتاب الوضوء (1/ 87) برقم 207 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق، ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 354 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

ص: 242

وحديث أبي هريرة رواه البيهقي (1) من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه:"رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ". قال (2): ورواه عبد العزيز بن مسلم، عن سهيل فقال في الحديث:"أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثور أقط، فتوضأ، وأكل كتفًا ولم يتوضأ"(3). رواه بإسناد جيد (4) قال: ثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ: ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله: ثنا محمد (5) بن إسحاق بن خزيمة: ثنا أحمد بن عبدة الضبي: ثنا الدراوردي.

وحديث ابن مسعود (6)، وحديث أبي (7) رافع وعمرو (8) بن أمية الضمري وميمونة وابن عباس وقد تقدم حديث ابن عباس. فحديث ميمونة لم يذكره

(1) السنن الكبرى (1/ 156).

(2)

أي البيهقي.

(3)

السنن الكبرى (1/ 156).

(4)

قوله رواه بإسناد جيد هذا من كلام المصنف رحمه الله.

(5)

انظر صحيح ابن خزيمة (1/ 27) برقم 42.

وقد قال ابن العجمي في هامش نسخته:

هكذا رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان في "صحيحه" عن ابن خزيمة.

(6)

قلت حديث ابن مسعود أخرجه أحمد في مسنده (1/ 400) وأبو يعلى في مسنده (9/ 182) برقم 5274 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 251) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون".

قلت: وفاته أن ينبه على الانقطاع الذي بين عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وبين ابن مسعود رضي الله عنه.

(7)

قلت هو في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 48) ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 274) برقم 357 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

(8)

حديث عمرو بن أمية أخرجه الشافعي في الأم (1/ 17) وفي المسند (1/ 36) برقم 96 والطيالسي في المسند (1/ 177) وهو في البخاري كتاب الوضوء (1/ 87) برقم 208 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق ومسلم في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 355 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

ص: 243

الترمذي.

قال مسلم (1) رحمه الله في "صحيحه"، فقال عطفًا على حديث ذكره من طريق ابن (2) عباس رضي الله عنه: وحدثنا محمد بن الصباح قال: ثنا إبراهيم بن سعد قال: ثنا الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه:"أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز كتف يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ".

وحدثني أحمد بن عيسى قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها، فدعي إلى الصلاة، فقام وطرح السكين، وصلى ولم يتوضأ".

قال ابن شهاب: وحدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمرو: وحدثني بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم:"أنّ النبي أكل عندها كتفًا، ثم صلى ولم يتوضأ". قال عمرو: وحدثني جعفر بن ربيعة، عن يعقوب بن الأشج، عن كريب، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. قال عمرو: وحدثني سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عبيد الله، بن أبي رافع، عن أبي غطفان، عن أبي رافع قال:"أشهد لكنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ"(3).

وحديث (4) أم عامر فأما حديث أم الحكم كذا رأيته في كتاب الترمذي، ولم

(1) في صحيحه كتاب الحيض (1/ 273) برقم 355 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

(2)

برقم 354.

(3)

صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 273 - 274) برقم 355 - 356 - 357 باب نسخ الوضوء مما مست النار.

(4)

حديث أم عامر رضي الله عنها عند أحمد في المسند (6/ 372 و 373).

ص: 244

أدر ما هو والذي رأيت عند غيره.

قال ابن (1) أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أم حكيم -ابنة الزبير (بن عبد المطلب بن هاشم أخت ضباعة بنت الزبير، كانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أسلمت وهاجرت، روى عنها ابنها ابن أم حكيم، وروى عنها أيضًا عبد الله بن الحارث بن نوفل)(2) -: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير فنهش عندها كتفًا، ثم صلى ولم يتوضأ".

وأما حديث أم عامر فقال أبو (3) عمر: أم عامر بنت سعيد بن السكن الأنصارية الأشهلية، وذكر خلافًا في نسبها، ثم قال: وقيل اسمها فكيهة، قال (4): وكانت أم عامر من المبايعات، من حديثها:"أنها أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم بعرق فتعرقه وهو في مسجد بني عبد الأشهل، ثم قام يصلي ولم يتوضأ"(5).

وأما حديث سويد بن النعمان فرواه البخاري (6) من حديث مالك عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة: أن سويد بن النعمان أخبره: "أنه

(1) المصنف (1/ 49) وفيه أم حكيم ابنة الزبير وهو في المسند (6/ 371) و (6/ 419) من حديث ضباعة بنت الزبير أخت أم حكيم وأبو يعلى في مسنده (13/ 73) وفيه أم الحكم عن أختها ضباعة رضي الله عنهما والطبراني في الكبير (25/ 84) برقم 213 - 217 وانظر تحفة الأشراف (13/ 76 - 77) ففيه فصل مهم في أم حكيم وأطراف مسند الإمام أحمد (9/ 385 - 386) برقم 12536 والإصابة (8/ 380 - 381) برقم 11986 ط. دار الكتب العلمية وتهذيب التهذيب (4/ 694).

(2)

ما بين قوسين زيادة توضيح من المصنف.

(3)

الاستيعاب (4/ 1944).

(4)

الاستيعاب (4/ 1787) حيث ذكرها في باب الأسماء.

(5)

الاستيعاب (4/ 1944 - 1945).

(6)

في صحيحه كتاب الوضوء (1/ 87 - 88) برقم 209 باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ.

ص: 245

خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي أدنى خيبر، صلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به، فثري فأكل، وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ". رواه النسائي (1) وهذا لفظه.

وقال النسائي (2): ثنا محمد بن مسلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك

فذكره.

وأما حديث أم سلمة فعند النسائي (3) أيضًا: ثنا محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة:"أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفًا (4) فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء"(5).

ورواه من طريقها أيضًا بسند آخر عنها: أنّها قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنبًا مشويًا، فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ (6).

وفي الباب مما لم يذكره عن المغيرة بن شعبة، قال: أبو (7) بكر بن أبي شيبة: ثنا عفان: ثنا عبيد الله بن إياد قال: حدثني إياد، عن سويد بن سرحان، عن المغيرة بن شعبة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل طعامًا ثم أقيمت الصلاة وقد كان توضأ قبل ذلك، فأتيته بماء ليتوضأ، فانتهرني وقال: وراءك، ولو فعلت ذلك فعل

(1) في سننه كتاب الطهارة (1/ 117) برقم 186 باب المضمضة من السّويق.

(2)

المصدر السابق.

(3)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 116) برقم 182 باب ترك الوضوء مما غيرت النار.

(4)

زاد في النسائي وجاءه بلال.

(5)

السنن كتاب الطهارة (1/ 116) برقم 182 باب ترك الوضوء مما غيرت النار.

(6)

المصدر السابق برقم 183.

(7)

المصنف (1/ 48).

ص: 246

الناس بعدي".

وسيأتي خبر المغيرة بعد هذا مبسوطًا أكثر من هذا إن شاء الله تعالى.

وحديث عائشة: رواه البيهقي (1) في سننه، وذكره ابن (2) أبي شيبة في "المصنف"، قال: ثنا حسين، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، وعكرمة، عن عائشة:"أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمر بالقدر، ويتناول منها العرق فيصيب منه، ثم يصلي ولم يتوضأ، ولم يمس ماء".

وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي: قال أبو (3) داود: ثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين، قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: لقد رأيتني سابع سبعة، أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل، فمر بلال فناداه بالصلاة، فخرجنا فمررنا برجل وبُرمته على النار؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت برمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة، وأنا أنظر إليه.

وحديث محمد بن مسلمة: فرواه البيهقي (4) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي: ثنا عن عبد الرحمن بن المبارك، ثنا قريش بن حيان العجلي: ثنا يونس بن أبي خالد، عن محمد بن مسلمة قال:"أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ، وكان آخر أمريه".

(1) السنن الكبرى (1/ 154).

(2)

المصنف (1/ 50).

(3)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 133 - 134) برقم 193.

(4)

السنن الكبرى (1/ 156).

ص: 247

وفيه عن كثير الأزدي؛ قال أبو (1) عمر في كتاب "الصحابة": "كثير الأزدي رأى النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعامًا مسته النار ثم صلى ولم يتوضأ". روى عنه عقبة بن مسلم التجيبي، سكن كثير هذا مصر، ويعد في أهلها. انتهى.

وحديثه هذا مختلف فيه؛ ذكر الحربي كثيرًا هذا فيمن أحل مصر، وذكر له هذا الحديث من رواية حيوة عن عقبة. وقال: هكذا روى حيوة والمشهور عن عقبة، عن عبد الله بن الحارث: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم ....

وذكر ابن (2) يونس كثيرًا هذا فيمن نزل مصر من الصحابة، وقال: روى عنه عقبة بن مسلم النخعي. والحديث معلول.

وقال ابن (3) السكن: حديث كثير هذا صحيح، رواه أهل مصر: ثنا أبو (4) داود السجستاني: ثنا أحمد بن صالح، وابن السرح قالا: ثنا ابن وهب. سمعت حيوة بن شريح يقول: سألت عقبة بن مسلم التجيبي عن الوضوء مما مست النار فقال: إن كثيرًا وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فوضع له طعام فأكلنا، ثم أقيمت الصلاة فصلينا ولم يتوضأ".

قال أبو علي، والعلم (!) روى كثير هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث.

(1) في هامش نسخة ابن العجمي: ذكره البغوي وأورد له هذا الحديث.

وانظر الاستيعاب (3/ 1309) برقم 2180، معجم الصحابة لابن قانع (2/ 385) برقم 935 والتاريخ الكبير للبخاري (7/ 205) برقم 898 ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2392) برقم 2525 وأسد الغابة (4/ 432) برقم 4423 والإصابة (5/ 429) برقم 7398.

(2)

انظر الإصابة (5/ 429).

(3)

المصدر السابق.

(4)

ولم أهتد إليه في سننه بعد البحث والتفتيش.

ص: 248

انتهى. رجاله كلهم ثقات: عقبة (1) وثقه الكوفي (2). ولا نعلم فيه جرحًا، ومن عداه مخرج له في الصحيح.

وفيه عن بسرة بنت صفوان معلول، سئل عنه الدارقطني فقال: يرويه الزهري، واختلف عنه؛ فرواه أبو كرز عن الزهري، عن ابن المسيب، عن بسرة به وهم فيه.

والصحيح عن الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه.

قال البرقاني (3): سألته عن أبي كرز هذا؟ قال: هو قاضي الموصل عبد الله بن عبد الملك الفهري.

قلت: ثقة؟ قال: لا ولا كرامة.

وقال البيهقي (4): وفي الباب عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ورافع بن خديج.

وفيه عن البيهقي (5) من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن معاذ بن جبل أنه قال: "ليس في الوضوء من الرعاف والقيء ومسك الذكر وما مست النار بواجب، فقيل له: إن أناسًا يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: توضؤوا مما مست النار، فقال: إن قومًا سمعوا ولم يعوا، كذا نسمي غسل اليد والفم وضوءًا، وليس بواجب،

(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 316) برقم 1757 وتهذيب الكمال (20/ 222) برقم 3987 وتهذيب التهذيب (3/ 127).

(2)

معرفة الثقات (2/ 143) برقم 1265.

(3)

تاريخ بغداد (10/ 45) برقم 5175 وليس هو في السؤالات وإنما فيه أن عبد الله بن كرز مجهول (39) برقم 244.

(4)

السنن الكبرى (1/ 155) وعبارته: "وفي الباب عن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وسويد بن النعمان ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ورافع بن خديج وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم".

(5)

السنن الكبرى (1/ 141 - 142).

ص: 249

إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يغسلوا أيديهم وأفواههم مما مست النار، وليس بواجب". رواه من جهة مطرف بن مازن. وقال مطرف (1): تكلموا فيه. وفيه عن أبي سعيد الخدري: روى أبو الشيخ في "فوائد الأصبهانيين" من حديث الحكم: هو ابن يوسف، عن زفر، عن أبي حنيفة، عن داود بن عبد الرحمن، عن شرحبيل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أنه أكل عندهم لحمًا مشويًا، ثم غسل يديه، ثم صلى ولم يتوضأ".

وفيه عن ضباعة بنت الزبير، وقد ذكرنا حديث أختها أم حكيم، ويوشك أن يكون حديثًا واحدًا، اختلفت طرقه، ووقع في هذا الخبر، فدخل على امرأة من الأنصار، وقد وقع في خبر ذكره الحازمي (2) من طريق الزهري، عن عبد الله بن محمد رجل من قريش، عن جابر بن عبد الله:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل سعد بن الربيع .... الحديث" وسيأتي.

والقناع (3): الطبق، والعلالة (4): البقية.

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة كما ذكرنا في الباب قبل هذا، وجمهور العلماء على أن أحاديث ترك الوضوء مما مست النار هي الناسخة، وكان ابن شهاب يراها النسوخة، وحكى نحوه عن أبي (5) هريرة.

قال أبو (6) عمر رحمه الله: وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه، وقد ناظره

(1) انظر الجرح والتعديل (8/ 314) برقم 1452 والتاريخ الكبير (7/ 398) برقم 1737.

(2)

الاعتبار (106) ط. المصرية تحقيق محمد أحمد عبد العزيز.

(3)

النهاية في غريب الحديث (4/ 115) ق ن ع.

(4)

النهاية (3/ 291) علل.

(5)

المصدر السابق.

(6)

التمهيد (3/ 332).

ص: 250

أصحابه في ذلك، وقالوا: كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم الخلفاء الراشدون، فأجابهم بأن قال: أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه.

قال (1): وأظن يعني ابن شهاب كان يقول: إن أمهات المؤمنين لا يخفى عليهنّ الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم. فبهذا استدل والله أعلم على أن الناسخ، وكان عنده عن أم حبيبة حديثها في ذلك (1)، وقد تقدم، وقد جاء عن عائشة مثل ذلك (2).

قال أبو (3) عمر: "قرأت على خلف بن القاسم أن عبد الله بن جعفر بن الورد حدثهم قال: ثنا عبد (4) الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عبد العزيز بن عمران، عن ابن لعبد الرحمن بن عوف، عن عائشة قالت: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار".

وقد نقل ذلك عن ابن عمر من غير وجه، من حديث المدنيين، وروى عنه ترك الوضوء أيضًا.

ذكره ابن (5) أبي شيبة، عن هشيم، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عمر، وعن وكيع، عن مسعر، عن جبلة، عن ابن عمر (6).

(1) التمهيد (3/ 334).

(2)

التمهيد (3/ 335).

(3)

المصدر السابق.

(4)

في التمهيد عبد الرحمن.

(5)

المصنف (1/ 49).

(6)

المصنف (1/ 49).

ص: 251

قال أبو (1) عمر: "رواه أهل المدينة عنه أصح".

قلت: وقد يجمع بينهما؛ قال ابن عمر: كان يتوضأ لكل صلاة فحكاية من حكى عنه الوضوء حكاية فعل له لعله ظن سببه أكل ما مسته النار، وإنما سببه أنه من شأنه الوضوء لكل صلاة، ومن روى عنه ترك الوضوء رواه قولًا فلا تعارض، وقد روي ذلك عن ابن عمر مرفوعًا، وأعله ابن (2) أبي حاتم، وقال: الصحيح عن ابن عمر موقوف.

وعن معمر، عن الزهري: أن عمر بن عبد العزيز كان يتوضأ مما مسته النار حتى كان يتوضأ من السكر. قال عبد (3) الرزاق: وكان معمر والزهري يتوضآن مما مست النار. وذكر ابن وهب، عن يونس بن يزيد: أن الزهري قال له: أطعني وتوضأ مما مست النار! فقال له يونس: لا أطيعك وأدع سعيد بن المسيب فسكت".

وروى (4) عن شعيب بن أبي حمزة قال: مشيت بين الزهري، ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مست النار، وكان الزهري يراه وابن المنكدر لا يراه.

واحتج الزهري بأحاديث فلم أزال اختلف بينهما حتى رجع ابن المنكدر إلى قول الزهري" (5). وقد ذكره مالك (6) في "الموطأ" من حديث ابن عباس وسويد بن النعمان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وذكر فيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبيّ بن كعب أنّهم كانوا لا يتوضؤون مما مست النار.

(1) التمهيد (3/ 336).

(2)

العلل (1/ 71).

(3)

المصنف (1/ 174) برقم 673.

(4)

أي ابن عبد البر.

(5)

التمهيد (3/ 336 - 337).

(6)

الموطأ (1/ 24 - 28).

ص: 252

وما ذكره مالك (1) في "موطئه" عن أبي طلحة يدل على أن المنسوخ هو الوضوء مما مست النار؛ لأن أبا طلحة يروي الوضوء من ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (2)، وكان لا يتوضأ؛ فدل ذلك على أنه المنسوخ عنده، لأنه لم يكن يأخذ بالمنسوخ ويدع الناسخ، وقد علمه" (3). وهذا من مذهب أبي طلحة مخالف لما ذكره الحازمي (4) عنه في الباب السابق، وهو أولى بالصواب إن شاء الله تعالى، وإنّما شبه على من يزعم ذلك مذهبًا لأبي طلحة بروايته فيه.

وقد روي عنه بسند جيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"توضؤوا مما مست النار"(5). وأما الرواية التي قدمناها من طريقه عمن أخذ الحسن الوضوء مما مست النار فقال: أخذه عن أنس، وأخذه أنس عن أبي طلحة، وأخذه أبو طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلعل المراد هناك عمن أخذ الرواية في ذلك لا العمل به، يدل على ذلك ما روى مالك (6) عن موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري، عن أنس: أن أبا طلحة وأبي بن كعب أنكرا عليه الوضوء مما غيرت النار، فلو كان هذا ثابت عند أبي طلحة غير منسوخ لم ينكر عن أنس العمل به.

قال أبو (7) عمر: "وقد روي عن أنس أنه لم يكن يتوضأ للطعام من وضوءه للصلاة. ذكر العقيلي: ثنا أحمد بن محمد النوفلي: أبنا الحسين بن الحسن المروزي:

(1) الموطأ (1/ 27).

(2)

وقد تقدم.

(3)

التمهيد (3/ 338 - 339).

(4)

الاعتبار (97).

(5)

وقد سبق.

(6)

الموطأ (1/ 27 - 28) برقم 26.

(7)

التمهيد (3/ 341).

ص: 253

ثنا الهيثم بن جبل: ثنا غالب بن فرقد قال: صليت مع أنس بن مالك المغرب؛ فلما انصرفنا دعا بمائدته فتعشّى، ثم دعا بوضوء فغسل يديه ومضمض فاه، وغسل ذراعيه ووجهه، ثم جلسنا حتى حضرت العتمة، فصلى بذلك الوضوء ولم يغسل رجليه. فهذا يدل على أن أكل ذلك لم يكن عنده حدثًا ينقض الوضوء" (1)، كذا ذكر هذا الخبر أبو عمر رحمه الله تعالى، وليس مما يحصل له فيما ادعاء لأن الخبر ليس فيه أن الطعام الذي أكله أنس كان مما مسته النار، وأكثر ما فيه: دعا بمائدته فتعشى، وزعم بعض من انتحل مذهب ابن شهاب في أن أحاديث الأمر بالوضوء هي الناسخة من حديث سويد بن النعمان الذي تقدم ذكرنا له، من عند البخاري والنسائي، وفيه: "فتمضمض، وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ

" وفيه أنهم كانوا في طريق خيبر، وأن حديث أبي هريرة للوضوء كان بعد ذلك؛ لأن إسلام أبي هريرة إنما كان بعد فتح خيبر، وعارض هذا أن رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّما هو كانت بآخرة. وقد ثبت عن ابن عباس من حفظه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ومشاهدته إياه في بيت ميمونة: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى ولم يتوضأ مما مست النار" (2). وإلى هذا احتج الشافعي، وجمهور العلماء.

قال الشافعي (3): وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء مما مست النار، وإنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس وإنما صحبه بعد الفتح يروي عنه أنَّه رآه يأكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ (3)، واختار الحازمي (4) الرخصة في ذلك،

(1) التمهد (3/ 341).

(2)

وقد سبق.

(3)

معرفة السنن والآثار (1/ 446 - 447) برقم 1298 السنن الكبرى (1/ 155).

(4)

الاعتبار (107).

ص: 254

كانت غير مرة جمعًا بين الأحاديث لما ذكرناه من أن حديث سويد بن النعمان يقتضي الرخصة، وهو متقدم على حديث أبي هريرة كما بينّاه.

وحديث أبي هريرة يقتضي الأمر بالوضوء وهو متأخر عن حديث سويد وحديث ابن عباس يقتضي الرخصة فيه، وهو متأخر عن حديث أبي هريرة، وطريق الجمع بينهما أن يكون الرخصة فيه قد تكررت غير مرة، وأن تكون هي الأخيرة التي استقر عليها العمل لتأخر صحبة ابن عباس وروايته.

أما حديث سلمة بن سلامة بن وقش الذي تقدم، وزعم راويه أنه من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون أنس، وفيه قوله النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد توضأ: ألم تكن على وضوء؟ قال: بلى، ولكن الأمور تحدث، وهذا مما حدث.

ففي إسناده زيد (1) بن جبيرة. وقال البخاري (2) فيه: متروك.

أخبرنا عبيد بن محمد بن عياش الأشعري الحافظ وغيره: ثنا العقبة أبو المكارم، عن عبد الله بن الحسن بن منصور الدمياطي سماعًا قال: ثنا الحافظ أبو (3) بكر محمد بن موسى الحازمي قراءة عليه، وأنا أسمع قال: قرأت على محمد بن أبي الأزهر القاضي: أخبرك أحمد بن الحسن الكرجي في كتابه: أنبا أبو علي بن شاذان: أنا دعلج: ثنا محمد بن علي: ثنا سعيد: ثنا فليح بن سليمان قال: سألنا الزهري عما مست النار قال: فأخبرنا في ذلك بأحاديث أمرنا فيها بالوضوء عن أبي هريرة وعمر بن عبد العزيز، وعن خارجة بن زيد وعن سعيد بن خالد وعن عبد الملك بن أبي بكر فقلت: إن ها هنا رجلًا من قريش يقال له عبد الله بن محمد يحدث

(1) انظر ترجمته في الجرح والتعديل (3/ 559) برقم 2528 التاريخ الكبير للبخاري (3/ 390) برقم 1299.

(2)

التاريخ الكبير (3/ 390) برقم 1299 والضعفاء الصغير (50) برقم 125.

(3)

الاعتبار (106 - 107).

ص: 255

عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل سعد بن الربيع في نفر من الصحابة فيهم جابر بن عبد الله؛ فأكلنا خبزًا ولحمًا، ثم صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا معه وما مس أحد منا وضوءًا". وانصرفت مع أبي بكر في ولايته من المغرب، فابتغي لنا عشاء؛ فقيل له: ليس هنا إلا هذه الشاة وقد ولدت، فحلبها وطبخ لنا لبإ فأكل وأكلنا معه، ثم خرج إلى المسجد، فصلى بنا وما مس ماء، ولا مسست. وكان عمر بن الخطاب ربما جفن لنا في ولايته: فأكلنا الخبز واللحم فيخرج فيصلي ونصلي معه، وما مس أحد منا وضوءًا.

فقال الزهري: وأنا أحدثكم أيضًا إن كنتم تريدونه حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه:"أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل عضوًا فصلى ولم يتوضأ". فقلنا له: فما بعد هذا؟ فقال: إنه يكون أمر، ويكون بعده الأمر (1).

وقال ابن (2) عبد البر: ثنا أحمد بن قاسم: ثنا محمد بن عيسى: ثنا بكر بن سهل: ثنا عمرو بن عاصم (3) البيروتي قال: سمعت الأوزاعي يقول: سألت ابن شهاب عن الوضوء مما غيرت النار فقال لي: توضأ، فقلت: عمن؟ فقال لي: عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة.

قلت: فأبو بكر قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعمر؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فعثمان قال: لم يكن يتوضأ. قلت: فعليّ؟ قال: لم يكن يتوضأ، قلت: فابن (4) مسعود؟ قال: لم يكن يتوضأ، قال: فقلت له: أرأيت إن سألتك رجالًا مثل

(1) الاعتبار (106 - 107).

(2)

التمهيد (3/ 348).

(3)

في التمهيد عمرو بن هشام.

(4)

في التمهيد قلت فابن عباس بدل ابن مسعود.

ص: 256

رجالي؟ فقال: إذًا لأتيتك بهم.

وذكر أبو (1) عمر ممن قال بذلك كقول الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وعبد الله بن عباس، وعامر (2) بن سعيد، وأبيّ بن كعب، وأبا الدرداء وأبا أمامة، وقال بذلك من فقهاء الأمصار: مالك فيمن قال بقوله من أهل المدينة وغيرهم، وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي، وسائر أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام والليث بن سعد والشافعي ومن اتبعه، وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري، وجماعة من أهل الأثر إلا أن أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث يقولون:"من أكل لحم الجزور خاصة؛ فعليه الوضوء. وليس ذلك عندهم في شيء مما مسته النار إلا لحم الجزور"(3).

وسيأتي مذهبهم في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى.

* * *

(1) التمهيد (3/ 348 - 349).

(2)

في التمهيد عامر بن ربيعة (3/ 349).

(3)

التمهيد (3/ 349).

ص: 257