المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم - النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي - جـ ٢

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌41 - باب ما يقال بعد الوضوء

- ‌42 - باب في الوضوء بالمد

- ‌43 - باب ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء

- ‌44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة

- ‌45 - باب ما جاء أنّه يصلِّي الصلوات بوضوء واحد

- ‌46 - باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

- ‌47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة

- ‌48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك

- ‌49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

- ‌50 - باب منه آخر

- ‌51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد

- ‌52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور

- ‌53 - باب ما جاء في التشديد في البول

- ‌54 - باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

- ‌55 - باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

- ‌56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح

- ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

- ‌58 - باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار

- ‌59 - باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

- ‌60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

- ‌61 - باب الوضوء من مس الذكر

- ‌62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة

- ‌64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف

- ‌65 - باب ما جاء في الوضوء بالنبيذ

- ‌72 - باب ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

- ‌73 - باب ما جاء في المسح على ظاهرهما

- ‌74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

- ‌75 - باب ما جاء في المسح على العمامة

- ‌76 - باب ما جاء في الغسل من الجنابة

- ‌77 - باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

- ‌78 - باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

- ‌79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل

- ‌80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

- ‌81 - باب ما جاء أن الماء من الماء

- ‌82 - باب فيمن يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا

- ‌83 - باب في المني والمذي

الفصل: ‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

‌57 - باب ما جاء في الوضوء من النوم

حدثنا إسماعيل بن موسى وهناد ومحمد بن عبيد المحاربي المعنى واحد، قالوا: ثنا عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام فصلى، فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت قال: "إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعًا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله".

قال أبو عيسى: وأبو خالد اسمه يزيد بن عبد الرحمن. [قال وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة]، حدثنا محمَّد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون.

قال: هذا حديث حسن صحيح.

قال: وسمعت صالح بن عبد الله يقول: سألت عبد الله بن المبارك، عمّن نام قاعدًا معتمدًا؟ فقال لا وضوء عليه.

قال ورَوى حديثَ ابن عباس سعيدُ بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قَوْلَه: ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه، واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء، وإذا نام قاعدًا وقائمًا حتى ينام مضطجعًا، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد قال: وقال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق.

وقال الشافعي: من نام قاعدًا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم

ص: 214

فعليه الوضوء (1).

* الكلام عليه:

تضمن التبويب الوضوء من النوم، وما اشتمل عليه من حديث أو أثر، إنما تضمن الوضوء من نقض أنواع النوم وسيأتي تفصيل مذاهب السلف في ذلك إن شاء الله تعالى.

وحديث الباب سكت عنه ها هنا، فلم يحكم عليه بشيء وتكلم عليه في "العلل"(2)، وقال سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس، قوله. ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعًا من قتادة.

قلت: أبو خالد كيف هو؟ قال: صدوق وإنما يهم في الشيء، قال محمد: وعبد السلام بن حرب صدوق. انتهى ما ذكره الترمذي في "العلل".

وقال الدارقطني (3): تفرد به أبو خالد الدالاني (4)، ولا يصح.

وقال الحربي (5): هذا حديث منكر.

وذكر البيهقي (6) في الكلام على هذا الحديث بعد أن أخرجه من طريق

(1) الجامع (1/ 111 - 114).

(2)

علل الترمذي الكبير (1/ 148 - 149).

(3)

السنن (1/ 160) برقم 1.

(4)

زاد الدارقطني عن قتادة.

(5)

في علله نقل ذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 211) وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 430).

(6)

السنن الكبرى (1/ 121).

ص: 215

عبد السلام بن حرب بلفظ: "لا يجب الوضوء على من نام جالسًا أو قائمًا أو ساجدًا حتى يضع جنبه، فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله".

قال: تفرد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني، وذكر عن الترمذي وما حكيناه في علله، ثم ذكر بسنده عن أبي (1) داود السجستاني قوله: الوضوء على من نام مضطجعًا، هو حديث منكر، لم يروه إلا الدالاني عن قتادة.

وقال أبو داود: قال شعبة: إنّما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة الثلاثة.

وحديث ابن عباس: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر، يعني في لا صلاة بعد العصر.

قال البيهقي (2): وسمع أيضًا حديث ابن عباس فيما يقول عند الكرب، وحديثه في رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به موسى وغيره.

قال أبو (3) داود: وذكرت حديث الدالاني، لأحمد بن حنبل (4)، فقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة (5)، قال (6): يعني به أحمد ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد الدالاني سماع من قتادة.

(1) السنن كتاب الطهارة (1/ 139) برقم 202 باب في الوضوء من النوم.

(2)

السنن الكبري (1/ 121).

(3)

السنن (1/ 140).

(4)

زاد أبو داود كما في السنن فانتهرني استعظامًا له.

(5)

زاد في السنن ولم يعبأ بالحديث.

(6)

أي البيهقي في السنن الكبرى (1/ 121).

ص: 216

قال أبو (1) داود: وروى أوله جماعة عن ابن عباس، لم يذكروا شيئًا من هذا. انتهى.

وروى الفريابي عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كريب عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى، ولم يتوضأ مخرّج في الصحيحين (2) من حديث الثوري، دون الزيادة التي تفرد بها الدالاني (3).

وكذلك رواه سعيد بن جبير، وعدة، عن ابن عباس في حديث: المبيت عند خالتي ميمونة، وفيه: ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ ثم جاء المنادي فآذنه بالصلاة.

وقال سفيان مرة أخرى: ثم قام إلى الصلاة، فصلى بنا ولم يتوضأ الحديث (4).

قال (5): وأبو خالد اسمه يزيد بن عبد الرحمن (6).

قلت: وعبد الرحمن بن أبي سلامة، ويقال: ابن عاصم، وقال: ابن واسط، ويقال: سابط، ويقال: ابن عبد الرحمن بن هند الأسدي، سمع قتادة ونبيح العنزي وأبا عبيدة بن حذيفة بن اليمان وعمرو بن شرحبيل وعون بن أبي جحيفة ومنهال بن عمرو وقيس بن مسلم وعبد الملك بن ميسرة وإبراهيم بن عبد الرحمن

(1) السنن (1/ 139).

(2)

صحيح البخاري كتاب الدعوات (4/ 156) برقم (6316) باب الدعاء إذا انتبه من الليل، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين (1/ 525 - 526) برقم 763 باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

(3)

السنن الكبرى (1/ 123).

(4)

السنن الكبرى (1/ 121 - 122).

(5)

أي الترمذي كما في الجامع (1/ 112).

(6)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 277) برقم 1167 وتهذيب الكمال (33/ 273 - 275) برقم 7336 وتهذيب التهذيب (4/ 515 - 516).

ص: 217

السكسكي وإبراهيم بن الصائغ وأبا سفيان طلحة بن نافع، روى عنه شعبة وعبد السلام بن حرب والثوري وزهير بن معاوية وحفص بن غياث وشجاع بن الوليد وشريك بن عبد الله.

قال يحيى (1) بن معين: ليس به بأس، وكذلك قال أحمد (2).

وقال أبو (3) حاتم: صدوق ثقة.

وأساء القول فيه أبو (4) حاتم بن حبان فقال: كثير الخطأ، فاحش الوهم، يخالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به.

قال أبو (5) أحمد -وأظنه الحاكم-: لا يتابع في بعض حديثه (6).

وقال ابن (7) عدي: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين، إلا أنه مع لينه يكتب حديثه (7)، روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (8).

والدالاني (9) في همدان ينتسب إلى دالان بن سابقة بن ناسح بن واقع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف همدان كذا قال الكلبي، وقال الهمداني: دالان بن عبد الله بن حبيش بن ناشج بن وداعة بن عمرو بن عامر

(1) تاريخ الدارمي (229) برقم 880.

(2)

ميزان الاعتدال (7/ 253) برقم 9731، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (3/ 210) برقم 3790.

(3)

الجرح والتعديل (9/ 277).

(4)

المجروحون (3/ 105).

(5)

الأسامي والكنى (4/ 254).

(6)

في الأسامي في بعض أحاديثه.

(7)

الكامل (7/ 2732).

(8)

انظر تهذيب الكمال (33/ 275).

(9)

الأنساب (2/ 450).

ص: 218

ابن ناشج بن دافع قال: وكثير من النساب قد نسبوا ابني دالان إلى أرحب، وهم لهم خلف، وهي من حاشد، ثم من وداعة. حكاه الرشاطي، وكذا أبا خالد فيمن ينسب هذه النسبة حكاه عن الدارقطني (1)، قال غيره (2): كان ينزل في بني دالان ولم يكن منهم.

قال: وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة، أما حديث عائشة وابن مسعود فحديث واحد مختلف فيه على الأعمش، وقد ذكره الترمذي (3) في "علله". قال: حدثنا محمود بن غيلان: ثنا علي بن الحسن، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينام حتى ينفخ ثم يقول فيصلي ولا يتوضأ، وقال وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة عن النبي. مثله.

قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقلت: أي الروايات أصحّ؟ فقال: يحمل عنهما جميعًا، ولا أعلم أحدًا من أصحاب الأعمش، قال: عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ إلا وكيعًا، وسألت عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: حديث الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله أصحّ (3).

وسئل عنه الدارقطني (4): فقال: يرويه الأعمش عن إبراهيم، واختلف عنه فرواه منصور بن أبي الأسود وأبو حمزة السكري وعبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. وخالفهم وكيع فرواه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. ورواه الحجاج بن أرطاة، واختلف

(1) المؤتلف والمختلف (2/ 979) والإكمال (3/ 306) واللباب (1/ 488).

(2)

قاله ابن حبان في المجروحين (3/ 104) ونقله عنه السمعاني في الأنساب (2/ 450).

(3)

علل الترمذي الكبير (1/ 149 - 159).

(4)

العلل (5/ 167 - 168) برقم 799.

ص: 219

عنه فرواه أبو معاوية الضرير، عن حجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، وخالفه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. فرواه عن حجاج، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، ورواه منصور بن معتمر واختلف عنه فروى عن ورقاء، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة. وخالفه شعبة وأبو عوانة: فروياه عن منصور، عن إبراهيم مرسلًا، وكذلك أرسله مغيرة، عن إبراهيم. وأشبهها بالصواب حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله (1).

وروى النسائي (2) في الوضوء من النعاس، من حديث هشام عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نعس الرجل وهو يصلي، فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري". رواه عن بشر بن هلال، عن عبد الوارث، عن أيوب، عنه (2).

وأما الوضوء من النوم ففيه حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ". رواه الإمام أحمد (3) وأبو (4) داود وابن (5) ماجه، وهذا لفظه وأخرجه البيهقي (6) من حديث بقية عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي.

(1) العلل (5/ 167 - 168) برقم 799.

(2)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 107 - 108) برقم 162 باب النعاس.

(3)

المسند (1/ 111).

(4)

السنن كتاب الطهارة (1/ 140) برقم 203 باب في الوضوء من النوم.

(5)

السنن كتاب الطهارة (1/ 161) برقم 477 باب الوضوء من النوم.

(6)

السنن الكبرى (1/ 118) والمعرفة (1/ 367) برقم 935 والخلافيات (2/ 128 - 129) برقم 391.

ص: 220

وكذلك أخرج (1) عن بقية أيضًا عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء". قال (2): ورواه مروان بن جناح، عن عطية بن قيس، عن معاوية موقوفًا، وروى هذا الحديث من طريق معاوية عبد الله بن أحمد، عن أبيه (3)، وجاءه في كتابه بخطه، وقال: وكان في المحنة قد ضرب على هذا الحديث في كتابه. ورواه الدارقطني (4).

وقرأت على الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن الطاهري، وعلى غيره، عن عبد الله بن عمر البغدادي سماعًا، أبنا أبو الوقت: ثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر: ثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه: ثنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العياش السمرقندي: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (5): ثنا محمد بن المبارك: ثنا بقية بن الوليد، عن أبي بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية بن قيس الكلاعي، عن معاوية بن أبي سفيان: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّما العينان وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء".

قيل لأبي محمد عبد الله: تقول به؟ قال: لا، قال: إذا نام قائمًا ليس عليه الوضوء.

وأما نوم القاعد ففي الصحيحين (6) من حديث ابن عمر: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أي البيهقي في السنن الكبرى (1/ 118).

(2)

أي البيهقي.

(3)

المسند (4/ 96 - 97).

(4)

السنن (1/ 160) برقم 2.

(5)

السنن (1/ 198 - 199) برقم 722.

(6)

صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة (1/ 195) برقم 570 باب النوم قبل العشاء لمن غلب، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 442) برقم 639 باب وقت العشاء وتأخيرها.

ص: 221

شغل عنها ليلة -يعني العشاء- فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا، ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم"، يعني العشاء الآخرة، وفيهما (1) من حديث ابن عباس: "أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء حتى رقد الناس، واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا وذكر نفسه".

وعند مسلم (2) عن أنس بن مالك قال: أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم، أو بعض القوم ثم صلوا.

وفيه حديث الباب عند الترمذي (3) من طريق أنس بن مالك كما ذكرناه، ولفظه عند أبي (4) داود، عن أنس قال:"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون". رواه من حديث هشام عن قتادة، زاد فيه شعبة عن قتادة. قال: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه البيهقي (5) من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. قال: وعلى هذا حمله عبد الرحمن بن مهدي والشافعي.

(1) صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة (1/ 195) برقم 571 باب النوم قبل العشاء لمن غلب، ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 444) برقم 642 باب وقت العشاء وتأخيرها.

(2)

في صحيحه كتاب الحيض (1/ 284) برقم 376 باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.

(3)

الجامع (1/ 113).

(4)

في سننه كتاب الطهارة (1/ 137 - 138) برقم 200 باب في الوضوء من النوم.

(5)

السنن الكبرى (1/ 120).

ص: 222

وذكر أبو (1) الحسن بن القطان حديث أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون، ثم قال: وهذا الحديث هو في كتاب مسلم (2) من رواية خالد بن الحارث، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس. وهو على هذا السياق، يحتمل أن ينزل على نوم الجالس، وعلى ذلك ينزله أكثر الناس، وفيه زيادة تمنع من ذلك رواها يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة، قال: قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد السلام الخشني: ثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة. فذكره. وهذا كما ترى صحيح من رواية إمام عن شعبة (3).

وروى الدارقطني (4) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نام جالسًا فلا وضوء عليه، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء". في إسناده يعقوب (5) بن عطاء، وقد ضعفه أحمد (6) ويحيى (7) مع ما في نسخة عمرو بن شعيب من الخلاف (8).

(1) بيان الوهم والإيهام (5/ 589).

(2)

صحيح مسلم كتاب الحيض (1/ 284) برقم 376 باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.

(3)

بيان الوهم والإيهام (5/ 589).

(4)

السنن (1/ 161) برقم 4.

(5)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (9/ 211) برقم 882 وتهذيب الكمال (32/ 353 - 356) برقم 7097 وتهذيب التهذيب (4/ 445).

(6)

العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله (1/ 397) برقم 803.

(7)

الجرح والتعديل (9/ 211)، الكامل (7/ 2601).

(8)

انظر تهذيب الكمال (22/ 68 فما بعدها).

ص: 223

وروى البيهقي (1) من حديث حذيفة بن اليمان.

قلت: كنت في مسجد المدينة جالسًا أخفق فاحتضنني رجل من خلفي، فالتفت فإذا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هل وجب علي الوضوء؟ قال: "لا حتى تضع جنبك"، قال (2): وهذا الحديث تفرد به بحر (3) بن كنيز السقاء وهو ضعيف لا يحتج بروايته.

وروى (4) بسند صحيح إلى شعبة عن سعيد الجريري، عن خالد بن علاق، عن أبي هريرة قال:"من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء". ثم روى من طريق ابن عليّة عن الجريري مثله. وقال: قال إسماعيل: قال الجريري: فسألناه عن استحقاق النوم فقال: هو أن يضع جنبه، وقد روى ذلك مرفوعًا ولا يصح رفعه (5).

وقد تقدم حديث ابن عباس: بتّ عند خالتي ميمونة مخرجًا من الصحيح (6)، وهو من رواية سفيان، عن عمرو بن دينار، قالي سفيان: قلت لعمرو: إن ناسًا يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه. قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: "رؤيا الأنبياء وحي وقرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} .

وقال سفيان: وهذا للنبي خاصة لأنه بلغنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: تنام عينه ولا ينام

(1) السنن الكبرى (1/ 120).

(2)

أي البيهقي.

(3)

انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/ 418) برقم 1655 وتهذيب الكمال (12 - 14) برقم 639 وتهذيب التهذيب (1/ 212 - 213).

(4)

أي البيهقي كما في السنن الكبرى (1/ 119).

(5)

السنن الكبرى (1/ 119).

(6)

صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/ 528) برقم 763 باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

ص: 224

قلبه، وقد أخرج الشيخان (1) من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة: قوله صلى الله عليه وسلم لها في حديث الوتر: "إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي".

وروى ابن (2) أبي شيبة، عن ابن عمر: أنّه كان لا يرى على من نام قاعدًا وضوءًا. ومثله: عن أبي أمامة، وعن عمر بن الخطاب: من وضع جنبه فليتوضأ.

وروى ابن سيرين، عن عبيدة، قال: هو أعلم بنفسه.

وعن عطاء: من نام ساجدًا أو قائمًا أو جالسًا فلا وضوء عليه، فإن نام مضطجعًا فعليه الوضوء.

وعن مغيرة، عن إبراهيم مثله. وعن عكرمة (3): أنّه كان لا يرى بأسًا بالنوم في القعود، ويكرهه في الاضطجاع، وعن هشام قال: رأيت ابن سيرين يخفق برأسه، ثم يقوم فيصلي، وعن الحكم وحماد: ليس عليه وضوء حتى يضع جنبه.

وعن مقسم، عن ابن عباس قال:"وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين"(2).

قال ابن (4) أبي شيبة: ثنا يحيى بن سعيد، عن طارق بياع النوى قال: حدثتني منيعة ابنة وقاص، عن أبيها:"أن أبا موسى كان ينام بينهن حتى يغط فننبهه فيقول: هل سمعتموني أحدثت فنقول: لا، فيقوم فيصلي".

(1) البخاري في صحيحه كتاب التهجد (1/ 356) برقم 1147 باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة المسافرين وقصرها (1/ 506) برقم 738 باب صلاة الليل.

(2)

المصنف (1/ 132 - 133).

(3)

أثر عكرمة سقط من النسخة الهندية وهو موجود في نسخة حمد الجمعة ومحمد اللحيدان.

(4)

المصنف (1/ 133).

ص: 225

وعن طاوس أنه سئل عن الرجل ينام وهو جالس قال: إنما هو وكاء، فإذا ضيعته أي يقول: توضأ. وكذلك عن عكرمة وعن الحسن أنه يقول: من دخله النوم فليتوضأ.

وعن سعيد بن المسيب والحسن: إذا خالط النوم عليه قائمًا أو جالسًا توضأ.

وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إذا استثقل نومًا وهو قاعد توضأ (1)، وتخفق رؤوسهم -يريد يضطرب (2) -.

والوكاء (3): هو الرباط الذي يشد به الشيء.

والسه (4): لغة في الاست.

وقد اختلف الناس في النوم هل هو حدث، أو سبب للحدث، أو ليس واحدًا منهما؟ على أقوال ثلاثة (5):

• فمنهم من قال النوم حدث في نفسه ينقض الوضوء قليله وكثيره، وإلى أن ينقض الوضوء بكل حال؛ ذهب الحسن (6) البصري والمزني (7) وأبو عبيد القاسم (6) بن

(1) المصنف (1/ 133 - 134).

(2)

النهاية في غريب الحديث (2/ 56) خفق.

(3)

النهاية في غريب الحديث (1/ 193) تكأ.

(4)

النهاية في غريب الحديث (2/ 429) سه.

(5)

انظر بداية المجتهد (1/ 485) ط. دار الكتب العلمية وشرح صحيح مسلم (4/ 295) فالمصنف ينقل عنه.

(6)

الأوسط (1/ 146 - 147) وشرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 73).

(7)

شرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 74) ومعرفة السنن والآثار (1/ 366) فإن البيهقي أفرد بابًا مستقلًا أسماه اختيار المزني رحمه الله في مسألة الوضوء من النوم، وانظر المختصر له (1/ 16).

ص: 226

سلام وإسحاق (1) بن إبراهيم الحنظلي وهو قول غريب للشافعي (2). قال ابن (3) المنذر: وبه أقول. قال: وروي معناه عن ابن عباس (4) وأنس (4) وأبي (4) هريرة رضي الله عنهم، ومن حجة هؤلاء قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

} الآية. على أحد التأويلات فيها، لأنه تعالى أمر بالوضوء عند القيام من النوم إلى الصلاة، ولم يخص قومًا من قوم فحملوه على ظاهره (5).

• ومنهم من قال: ليس بحدث، ولا بسبب الحدث ولا يجب الوضوء على من نام إلا بيقين الحدث الخارج، وهذا يحكى عن أبي (6) موسى الأشعري، كما قدمناه. وعن سعيد (7) بن المسيب وأبي مجلز لاحق (8) بن حميد والأعرج (8) وشعبة (8).

ويشبه أن يكون من ذهب هذا المذهب صار إلى حديث ابن عباس: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ميمونة، فنام عندها حتى سمعنا غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ"(9).

(1) الأوسط (1/ 146 - 147) وشرح صحيح مسلم (4/ 295) والاستذكار (2/ 73).

(2)

المجموع شرح المهذب (1/ 14).

(3)

الذي في الأوسط (1/ 153): وأسعد الناس بهذا القول من قال ليس على من نام مضطجعًا وضوء حتى يوقن بحدث غير النوم. وانظر شرح صحيح مسلم (4/ 295) فإن المصنف ينقل عنه وفي الإقناع له (1/ 46) ما يشير إلى ما نقله المصنف حيث قال ابن المنذر: "الذي يوجب الوضوء

والنوم وإن قل على أي حال كان النوم".

(4)

الأوسط (1/ 144 - 145).

(5)

الأوسط (1/ 143).

(6)

الأوسط (1/ 153 - 154).

(7)

الأوسط (1/ 155).

(8)

شرح صحيح مسلم (4/ 295).

(9)

وقد تقدم.

ص: 227

ويرد هذا القول الآية على التأويل الذي ذكرناه آنفًا على تأويل من رأى أن المأمورين القائمون من النوم، والمعنى عندهم إذا قمتم إلى الصلاة، وقد نمتم، وإليه ذهب زيد (1) بن أسلم، وعلماء المدينة وعندهم في ذلك آثار يأثرها خالفهم عن سالفهم، ويرده أيضًا قوله عليه السلام:"العينان وكاء السه". وقد تقدّم، ويتأول حديث ابن عباس على أنه خاص بالنبيّ عليه السلام في أنه تنام عينه ولا ينام قلبه، وقد سبق.

• وذهب الجمهور إلى أنه سبب الحدث، فمنه ما ينقض الوضوء، ومنه ما لا ينقضه، ثم اختلفوا فيما ينقض منه على مذاهب يرجع إلى الحالات والهيئات التي يكون معها خروج الحدث غالبًا، فينقض أو لا يكون قد ينقض.

قال القاضي أبو بكر (2) بن العربي رحمه الله تعالى: تتبع (3) علماؤنا مسائل النوم المتعلقة بالأحاديث الجامعة لتعارضها فوجدوها إحدى عشر حالًا:

الأول: أن ينام ماشيًا.

الثاني: أن ينام قائمًا.

الثالث: أن ينام مستندًا.

الرابع: أن ينام راكعًا.

الخامس: أن ينام قاعدًا متربعًا.

السادس: أن ينام محتبيًا.

(1) الموطأ (1/ 21) وتفسير ابن جرير (10/ 12).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 90).

(3)

في العارضة سمع.

ص: 228

السابع: أن ينام (1) متكئًا.

الثامن: أن يكون راكبًا.

التاسع: أن يكون ساجدًا (2).

العاشر: أن يكون مضطجعًا.

الحادي عشر: أن يكون مستقرًا.

وأما الماشي والقائم؛ فقال أبو عبد الله الأيلي البصري المالكي: لا وضوء عليهما، وكذلك قال غيره: لأن الوكاء لم ينحل لبقاء الاستشعار، وإليه أشار ابن حبيب قال: وقد يمكن أن ينكر بعض الناس نوم الماشي والقائم. ولكن من طال سفره وتوالى سراه وسيره يرى نوم الماشي عيانًا أو يجده في نفسه يقينًا.

وأما المستند؛ فهو مثله لأنه ينام بزيادة اعتماد، لا يمكن معه الثبوت عند غلبة النوم، وأما الراكع؛ فروي عن مالك أنه يجب عليه الوضوء، لأن مخرج الحدث منفرج، فيسرع خروج الريح أو الصوت من غير حس، فكان كالساجد.

وقال ابن حبيب: لا وضوء عليه لأن معه ضربًا من التماسك، بخلاف الساجد (3).

وقال الشيخ محيي (4) الدين النووي رحمه الله تعالى: إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في

(1) في العارضة أن يكون.

(2)

الأصل سادجًا، وكتب في حاشية ابن العجمي: لعله ساجدًا.

(3)

عارضة الأحوذي (1/ 90).

(4)

شرح صحيح مسلم (4/ 295).

ص: 229

الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهذا مذهب أبي حنيفة وداود، وهو للشافعي غريب، وحكي عن أحمد أنه لا ينقض الوضوء إلا نوم الراكع والساجد.

وروي عنه أيضًا: لا ينتقض إلا نوم الساجد (1).

قال القاضي أبو (2) بكر: وأما الجالس فلا وضوء عليه، إلا أن يطول. قاله مالك في "المختصر"، وابن حبيب، وقال عنه ابن القاسم وعلي وابن نافع: إن استثقل نومًا أحب إلي أن يتوضأ، والقولان متقاربان ولعل الحديث محمول في نوم الصحابة قعودًا على عدم الطول والاستثقال وقيل أن يطول نوم القاعد فيستغرق فيثبت قاعدًا وقد قال عنه ابن القاسم في "العتبية": من نام ساجدًا وطال ذلك، فأحب إلي أن يتوضأ، قيل له: فقاعدًا؟ قال: لا يتوضأ، ومن الناس من ينام في المساجد (3) قاعدًا، فأما في يوم الجمعة فلا شيء فيه. قيل له: ربما رأى الرؤيا؟ قال: وتلك أحلام يعني أنها حديث نفس، وليست برؤيا، وحديث النفس يكون مع السِّنة، كما يكون مع اليقظة، ويحتمل أن يكون عذره يوم الجمعة خاصة لأجل ما شرع فيه من التبكير فيطول الانتظار.

وأما المحتبي؛ فهو أخف حالًا من الجالس (4)، قاله مالك في "المختصر"، وقال عنه علي في "المجموعة": وقد كان شيوخنا ينامون جلوسًا ولا يتوضؤون، وأكثر ذلك يوم الجمعة، قال عنه ابن نافع: إلا أن يطول ذلك. قال عنه ابن القاسم: إلا

(1) شرح صحيح مسلم (4/ 295).

(2)

عارضة الأحوذي (1/ 90).

(3)

في العارضة في المسجد.

(4)

في العارضة من الحالتين.

ص: 230

المحتبي، معناه فإنه لا يطول نومه، ولو طال لانحلت الحبوة في -لعلها (1) في الغالب-.

قلت: وفي نوم المحتبي لأصحابنا (2) ثلاثة أوجه، تفرق في الثالث بين أن يكون نحيف البدن أو لحيمه، فإن كان نحيفًا بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض، وإلا لم ينتقض.

وأما المتكئ (3)؛ فأجراه مالك مجرى الجالس، وأجراه ابن (4) القاسم، وابن حبيب مجرى المضطجع (5). قاله أبو عبد الله الأيلي. قال ابن العربي: أخبرني بذلك كله شيخنا أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الزاهد، وأملاه علي.

وأما الراكب؛ فحكمه حكم الجالس المستند اللاصق بالأرض بموضع الحدث.

قال ابن حبيب: وليس في نوم القائم والراكب والراكع والجالس غير مستند وضوء.

وأما الساجد؛ فروى ابن أبي أويس وابن عبد الحكم أنه كالمضطجع مطلقًا من غير شرط يقارنه (6)، قال: وأما المضطجع فيتوضأ: إلا أن ابن أبي زيد قال في "النوادر": من نام مضطجعًا، فلم يستثقل، ولا ذهب عقله، فلا وضوء عليه، وفعله

(1) في العارضة في مجرى العادة. وهو معنى ما فسره المصنف بقوله لعلها في الغالب.

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 296).

(3)

رجع إلى كلام القاضي أبي بكر العربي.

(4)

في العارضة أشهب بدل ابن القاسم.

(5)

وفي العارضة بعد قوله المضطجع: لاسترخاء مفاصله، فإن كان اتكاؤه بحيث ينفرج موضع الحدث كان كالمضطجع قاله أبو عبد الله الأيلي.

(6)

عارضة الأحوذي (1/ 90 - 91) ثم انتقل المصنف إلى كلام آخر لابن العربي تاركًا قدر سبعة أسطر طالبًا للاختصار.

ص: 231

مكحول حتى غط ولم يتوضأ، وقال: أنا أعلم ببطني (1).

وأما المستقر؛ فذكره أبو المعالي الجويني وقال: لا وضوء عليه، وهو صحيح خارج عن المذهب لأن النوم ليس بحدث بعينه، وإنما هو معنى يظهر معه وجود (2) الحدث، فإذا سد في وجه ذلك المعنى وتوثق من الوكاء للمخرج بعد أن يكون منه القاضي أبو بكر، إلا أن يكون دائمًا كثيرًا. فربما زهقت منه ريح خفيفة لا يشعر بها (3). قول القاضي عن كلام أبي المعالي، وهو صحيح خارج عن المذهب يعني صحيحًا من حيث النظر خارجًا عن ما نقل أصحابه حكمه. وذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن كثير النوم ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بحال (4).

وحكي عن الشافعي أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة. وحكاه الشيخ محيي (5) الدين رحمه الله، وقال: وهو قول ضعيف للشافعي، والمعروف عنه؛ إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض سواء قل أو كثير، سواء كان في الصلاة أو خارجها، وتعليله ظاهر: إذا قلنا إن النوم في نفسه ليس حدثًا، وإنما هو مظنة لخروج الحدث (6).

واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر وما أشبهه أو البنج أو الدواء كله ينقض الوضوء سواء قل أو كثير، وسواء كان ممكن المقعدة أو

(1) العارضة (1/ 91) وترك كذلك المصنف كلامًا قدر أربعة أسطر وانتقل إلى قوله وأما المستقر.

(2)

في العارضة خروج بدل وجود.

(3)

العارضة (1/ 90 - 91).

(4)

شرح صحيح مسلم (4/ 295).

(5)

شرح صحيح مسلم (4/ 295).

(6)

شرح صحيح مسلم (4/ 295 - 296).

ص: 232

غير ممكنها (1).

قال الشافعي والأصحاب: لا ينقض الوضوء بالنعاس، وهو السنة. قالوا: وعلامة النوم أن فيه غلبة على العقل، وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس. وأما النعاس فلا يغلب على العقل، وإنما تفتر فيه الحواس من غير سقوط، ولو شك هل نام (2) أو نعس، فلا وضوء عليه، ويستحب أن يتوضأ، ولو تيقن النوم، وشك هل نام ممكن المقعدة قبل الانتباه انتقض وضوءه، ويستحب له أن يتوضأ ولو نام جالسًا، ثم زالت أليتاه، أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه لأنه مضى عليه لحظة وهو نائم غير ممكن المقعدة، وإن زالت بعد الانتباه أو معه شك في وقت زوالها، لم ينتقض وضوءه، ولو نام ممكنًا مقعدته من الأرض مستندًا إلى حائط أو غيره لم ينتقض وضوءه، سواء بحيث لو وقع الحائط سقط أو لم يكن (3).

* * *

(1) المصدر السابق (4/ 296).

(2)

في شرح صحيح مسلم (4/ 296) عبارة بعدها وكأن المصنف اختصر الكلام.

(3)

شرح صحيح مسلم (4/ 296) بتصرف.

ص: 233