الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الطلاق قبل الدخول
طلق غير الموطوءة ثلاثا وقعن، وإن فرق بانت بواحدة،
ــ
فصل في الطلاق قبل الدخول
لما كان من العوارض على خلاف الأصل أخره وأفرده بفصل على حدة لكثرة شعبه، (طلق غير المدخول بها) ثلاثا بأن قال: أوقعت عليك ثلاث تطليقات أو أنت كذا (ثلاثا وقعن) بلا خلاف في الأول، وفي الثاني بين السلف خلاف والجمهور على أنه يقع وهو المروري عن علي وابن مسعود قال محمد: وبلغنا ذلك عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا لأنه متى ذكر العد كان الوقوع به على ما سبق وفي (الحافظية) قال لغير المدخول بها: أنت طالق يا زانية ثلاثا قال الإمام: لا حد ولا لعان لأن الثلاث وقع عليها وهي زوجته ثم بانت بعده وأنه كلام واحد يتبع لأوله آخره والمرأة طالق ثلاثا، وقال الثاني: تقع واحدة وعليه الحد، لأن القذف فصل بين الطلاق والثلاث ألا ترى أنه لو لم يدخل بها حتى قال أنت طالق طالق تقع واحدة، وكذا قوله: أنت طالق يا طالق ثلاثا، وكذا: قوله أنت طالق يا زانية ثلاثا لأن قوله يا زانية فيه حكم أشد من قوله يا طالق وهو الحد وليس مثله قوله أنت طالق يا عمرة ثلاثا لأنه لا يقع به شيء بل هو نداء محض، ثم قال: يا طالق أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله تقع وصرف الاستثناء إلى الوصف، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله يصرف الإنشاء إلى الكل انتهى، وفي (المحيط) لو قال لنسائه: أنت طالق وهذه وهذه ثلاثا طلقت كل واحدة ثلاثا، ولو قال واحدة وهذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا.
(وإن فرق) الطلاق بأن قال: أنت طالق طالق أو كرر المبتدأ أيضا أو فرق بحرف العطف وذكره بعدما انعطف الخاص ومنه ما في (الظهيرية) / أنت طالق ثلاثا متفرقات (بانت بواحدة) لأنها بانت بالأولى لا إلى عدة فلا يقع ما بعدها ثم عند الثاني تبين بالأولى قبل الفراغ من الكلام الثاني ومحمد يعتبر الفراغ منه ويرجح السرخسي في (أصوله) قول أبي يوسف، وفائدة الخلاف تظهر فيمن مات قبل الفراغ فعند أبي يوسف يقع خلافا لمحمد لجواز أن يلحق بآخره شرطا أو استثناء كذا في (الدراية) وغيرها لكن هذا الخلاف إنما يتحقق عند العطف بالواو ولأن بدونه لا يلحق به الشرط والاستثناء كذلك في المبيع وحمل في (التحرير) قول محمد على أنه بعد الفراغ يعلم الوقوع بالأول لتجوير إلحاق المغير ولو كان المراد أن نفس الوقوع متأخرا إلى الفراغ من الثاني لوقوع الكل ومن ثم قال في (الفتح): لا خلاف بينهما في
ولو ماتت بعد الإيقاع قبل العدد لغا، ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة، أو قبل واحدة، أو بعدها واحدة تقع واحدة،
ــ
المعنى لأن الوقوع بالأول وظهور الفراغ من الثاني ونازعه في (البحر) بما مر من أثر الخلاف فهو معنى، قيد بغير المدخول بها لأن المدخول بها يقع عليها الكل، وبالتفريق لأنه لو جمع وقع الكل، ومنه أنت طالق واحدة وعشرين فيقع الثلاث، ولو قال واحدة ونصفا وقع اثنتان لأنه إذا أراد الإيقاع بهما ليس لهما عبارة يمكن النطق بها أخصر منها، ولو قال: واحدة وأخرى وقع اثنتان لعدم استعمال أخرى ابتداء كذا في (الشرح) وفي (المحيط) نصفا وواحدة وقعت واحدة لأنه غير مستعمل على هذا الوجه فلم يجعل كله كلاما واحدا، وفيه لو قال واحدة وعشرا وقعت واحدة بخلاف أحد عشر حيث يقع الثلاث لعدم العطف، وكذا لو قال: واحدة ومائة أو واحدة وألفا أو واحدة وعشرين فتقع واحدة لأن هذا غير مستعمل في المعنى فإنه يقال في العادة: مائة وواحدة وألف وواحدة فلم يجعل هذه الكلمة كلاما واحدا بل اعتبر عطفا، وقال أبو يوسف: يقع الثلاث انتهى، وجزم الشارح به في واحدة وعشرين يومئ إلى ترجيحه، وفي (الظهيرية) لو قال: أنت طالق واحدة يتقدمها اثنتان وقع الثلاث، وكذا لو قال: أنت طالق فاشهدوا ثلاثا وإن بالواو فواحدة، ولو قال: أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت: شئت واحدة واحدة واحدة وقع الثلاث.
(ولو ماتت) الزوجة (بعد الإيقاع) بقوله أنت طالق (قبل العدد) أي: قبل قوله واحدة أو اثنتين أو ثلاث والواحدة وإن لم يكن عدد إلا أنه مبدؤه وقد مر أن الوقوع بالواحدة عند ذكرها لا بقوله أنت طالق (لغا) كلامه فلم يقع شيء وهذه المسألة تجانس على ما قبلها من حيث المعنى وهو فوات المحل عند الإيقاع قيد بالعدد لأنه لو قال: أنت كذا ثلاثا يا زينب فماتت قبل ندائها وقع الثلاث كما في (المحيط) وفيه لو قال: أنت طالق إن شاء الله فماتت قبل الاستثناء لم يقع شيء ويرثها، وبموتها لأنه لو أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثا فمات أو أخذ إنسان فاه قبل أن يقول: ثلاثا تقع واحدة كذا في (الخانية)(ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة أو قال): أنت طالق واحدة (قبل واحدة أو) قال: أنت طالق واحدة (بعدها واحدة تقع واحدة) أما في العطف بالواو فلأنها بانت بالأولى إلى عدة فلا تلحقها الفائتة وفيه إيماء إلى أن الحكم كذلك في العطف بالفاء وثم وبل وبه صرح في (المحيط) وأما قبل وبعد فالضابط فيها حيث ذكر بين شيئين أنهما إن أضيفا إلى ظاهر كان صفة للمذكور أولا كجاءني زيد قبل عمرو وإن أضيف إلى ضمير كان صفة للمذكور وآخرا نحو قبله أو بعده عمرو ولأنه في هذه الحالة خبر عنه والخبر وصف للمبتدأ والمراد بالصفة
وفي بعد واحدة أو قبلها واحدة، أو مع واحدة أو معها ثنتان إن دخلت الدار، فأنت طالق واحدة، وواحدة، فدخلت يقع واحدة، وإن أخر الشرط فثنتان.
ــ
المعنوية والمحكوم عليه بالوصفية هو الظرف فقد وإلا فالجملة في قبله عمرو حال من زيد لوقوعها بعد معرفة، والحال وصف إذا عرف هذا فعن واحدة قبل واحدة وقعت واحدة قبل الثانية المذكورة في اللفظ أعني المضاف إليه فلم تلحق، وفي بعدها واحدة أوقع طلقة موصوفة ببعدية لها أخرى فوقعت الأولى فلا تلحقها الثانية، (وفي) قوله أنت طالق واحدة (بعد واحدة أو قبلها واحدة أو مع واحدة أو معها) يقع (اثنتان)، لأنه في بعد واحدة أو قبلها واحدة موصوفة بأنها بعد أخرى موصوفة بقبلية أخرى لها ولا قدرة له عليه إن لم يكن في الواقع لها وجود، والإيقاع في الماضي إيقاع في الحال فيقترنان فيقعان ولا فرق في الحاصل بين إضافة مع إلى الظاهر أو إلى الضمير لأنها للقران فيتوقف الأول على الثاني تحقيقا لمعناها وفي مسائل قبل وبعد ما قبل منظوما:
ما يقول الفقير أيده الله .... ولا زال عنده الإحسان
في فتى علق الطلاق بشهر ..... قبل ما بعد قبل رمضان
وهذا البيت يمكن إنشاده على ثمانية أوجه حاصلها أنه إما أن يكون المذكور محض قبل أو بعد أو الأولين قبل أو بعد أو الأول فقط أو قبل بين بعين أو عكسه فعند الاجتماع يلغي قبل وبعد لأن كل شهر بعد قبله وقبل بعده فيبقى قبله رمضان وهو شوال أو بعده رمضان وهو شعبان وعند عدمه في قبل يقع في ذي الحجة وفي بعد يقع في جمادى الآخرة، ولو قال لها (إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت) الزوجة (يقع) طلقة (واحدة) عند الإمام، وقالا: تقع اثنتان، لهما لأن الواو للجمع أعني جمع المتعاطفين بما قبلها وما بعدها في الحكم سواء كان هناك عامل كجاء زيد وعمرو وبكر، أم لا زيد ولا عمر وبكر جاؤوا بلا قيد معية أو ترتيب بل أعم من ذلك وقد جمع بين الواحد والواحدة في التعليق فصار كما إذا جمع بينهما بلفظ الجمع، وله أن الجمع المطلق يحتمل القرآن والترتيب فعلى الأولى يقع الكل وعلى الثاني لا يقع إلا واحدة فلا يقع الزائد بالشك، قيد بحرف العطف لأنه لو حذف وقعت واحدة اتفاقا عند وجود الشرط ولغا الباقي لعدم ما يوجب تشريكه معه، وبكونه واوا لأنه لو كان فاء وقعت واحدة أيضا اتفاقا في الأصح، قال الفقيه، أو كلمه ثم تعلق الأول وتنجز الثاني ولغا الثالث (وإن أخر الشرط فاثنتان) أي: فالواقع اثنتان اتفاقا، لأن صدر الكلام يتوقف على آخره لا فرق في ذلك بين الواو والفاء، أما في ثم فتقع واحدة للحال ويلغو الباقي وفي المدخول بها يقع اثنتان وتتعلق الثالثة وعلى
باب الكنايات
ــ
هذا الخلاف لو قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك فدخلت طلقت وسقط الظهار عنده والإيلاء، وعندهما هو مطلق مظاهر مؤول، ولو قال ذلك لأجنبية فتزوجها فعلى ما مر من الخلاف ما لو قدم الظهار والإيلاء، فتزوجها حيث يقع الكل عند الكل أما عندهما فظاهر وأما عنده فلسبق الإيلاء ثم هي بعد محل للظهار وبعدهما هي محل للطلاق فتطلق وفي (الحاوي القدسي): يوم أتزوجك فأنت طالق طالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة ولغى ما بقي ولو أخر اليوم وقع الثلاث والله الموفق للصواب.
باب الكنايات
لما فرغ من أحكام الصريح الذي هو الأصل في الكلام لما أنه موضوع للإفهام والصريح أدخل فيه، شرع في الكنايات وهو مصدر كنى يكنو إذا ستر وعند النحاة واللغويين أن يعبر عن شيء معين لفظا أو معنى بلفظ غير صريح إما للإبهام على السامع كقولك: جاءني فلان وأنت تريد معينا، أو للشناعة كالهن للفرج أو للاختصار كالضمير، أو لنوع من الفصاحة كثير الرماد، وعند الأصوليين ما استتر المراد منه في نفسه وخرج بالأخير ما استتر المراد في الصريح بواسطة نحو غرابة اللفظ، أو انكشف المراد في الكناية بواسطة التفسير والبيان، وهما أعني الصريح والكناية من أقسام الحقيقة والمجاز فالحقيقة التي لم تهجر صريح والمهجور التي غلب المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية، وعند علماء البيان لفظ قصده بمعناه معنى ثان وملزوم له أي: استعمل في معناه الموضوع له لكن لا ليتعلق به الإثبات والنفي ويرجع التصديق والتكذيب إليه بل لينتقل منه إلى ملزومه فيكون هو مناط الإثبات والنفي ومرجع الصدق والكذب، بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له فقولنا: فلان طويل النجاد وقصد بطول النجاد إلى طول القامة فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد قط، بل وإن استحال المعنى الحقيقي نحو {والسموات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] و {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وأمثال ذلك فإن هذه كلها كنايات عند المحققين كذا في (التلويح) وإذا عرف هذا فما في (البحر) من أنها أن لا يصرح اسم المستعار بل يذكر رديفه ولازمه فتلك الاستعارة بالكناية التي من المجاز بعلاقة المشابهة، ولا يصح إرادتها في شيء من الألفاظ الآتية بخلاف الكناية بالمعنى
لا تطلق بها إلا بنيته، أو دلالة الحال
ــ
المذكور فإنه يصح إرادتها في نحو اعتدى كما سيأتي، وعند الفقهاء ما احتمل طالق وغيره (لا تطلق بها) أي: بالكناية يعني قضاء (إلا بالنية) أي: نية الطلاق (أو دلالة الحال) / وهي حالة مذاكرة الطلاق أو الغضب، أما في الديانة فيصدق بيمينه ويكفي تحليفها له في البيت فإن امتنع رفعته إلى القاضي، فإن نكل فرق بينهما كما مر في (المجتبي) وقد سوى المصنف بين هذه الألفاظ في أنه لا يصدق مع الدلالة إذا قال: نويت غير الطلاق تبعا للإمام السرخسي والمشايخ كفخر الإسلام وغيره قالوا: هذا إنما هو فيما لا يصلح ردا أما ما يصلح له فيصدق إذا ادعى الرد وجملة الأمر أن الأحوال ثلاثة: حالة مطلقة، وحالة مذاكرة الطلاق، وحالة الغضب، والكنايات ثلاثة أقسام منها ما يصلح جوابا فقط، وهو: أمرك بيدك واختاري اعتدي ومرادفها، وقسم يصلح جوابا وشتما لا ردا: هي خلية برية بتة بائن حرام ومرادفها، وقسم يصلح جوابا وردا لا سبا: اخرجي اذهبي اغربي قومي تقنعي ومرادفها ومعنى الرد في هذه أي: اشتغلي بالتقنع الذي هو أنفع لك ففي الرضى لا يقع بشيء منها إلا بالنية، والقول له مع اليمين في عدمها وفي الحال المذاكرة وهي أن تسأله هي أو أجنبي الطلاق يقع بها في القسم الأول والثاني دون الثالث، وفي حالة الغضب يقع بالقسم الأول فقط وأجاب بعض المتأخرين بأن صلاحيته وكان معارضة لحال مذاكرة الطلاق فلم يبق دليلا فكانت الصور المذكورة خالية عن دلالة لحال ولذا توقف فيها على النية.
قال في (فتح القدير): وحقيقة التقسيم في الأحوال قسمان الرضى والغضب وأما المذاكرة فيصدق مع كل منهما بل لا يتصور سؤالهما الطلاق إلا في إحدى الحالتين لأنهما ضدان لا واسطة بينهما فتحرير التقدير أن في حالة الرضى المجرد عن سؤال يصدق في الكل، والمسئول فيه الطلاق يصدق فيما يصلح ردا وفي حالة مع الغضب المجرد يصدق فيما يصلح سببا أو ردا لا فيما يصلح جوابا ففي الغضب مع السؤال يجتمع في عدم التصديق في المتمحض جوابان سببيان، وكذا في قبول قوله: فيما يصلح ردا وفيما يصلح للسب ينفرد الغضب فلا تتغير الأحكام انتهى، ملخصا.
قال في (البحر) - بعد نقله -: وبه علم أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة عن قيدي الغضب والمذاكرة وحالة المذاكرة وحالة الغضب انتهى، وعندي أن الأولى هو الاقتصار على حالة الغضب والمذاكرة إذ الكلام في الأحوال التي تؤثر فيها الدلالة لا مطلقا ثم رأيته في (البدائع) بعد أن قيم الأحوال ثلاثة كالشارح قال: ففي الحالة حالة الرضى يدين في القضاء وإن كان في حالة مذاكرة الطلاق أو الغضب فقد قالوا: إن الكنايات أقسام ثلاثة وذكر ما مر وهذا هو التحقيق. واعلم أن دلالة الحال تعم
فتطلق واحدة رجعية في اعتدي، واستبري رحمك، وأنت واحدة،
ــ
دلالة المقال أيضا وعلى هذا فتفسير المذاكرة بسؤال الطلاق أو تقديم الإيقاع كما سيأتي في اعتدي ثلاثا، (وتطلق) الزوجة (واحدة رجعية) يعني عند النية (أو) دلالة الحال (في) قوله:(اعتدي) لأنه عليه الصلاة والسلام قال لسودة: (اعتدي) ثم راجعها فيصح أن تكون الثلاث كنايات بتفسير علماء البيان بناء على أنها أريد بها معانيها لينتقل منها إلى الطلاق الملزوم إلا أنها لا دلالة في معانيها على البينونة بخلاف لفظ بائن أو حرام وبيان اللزوم أن اعتدي يحتمل عدي الدراهم والدنانير أو نعم الله عليك أو ما بعد من الإقراء فإذا نواه ثبت الطلاق بطريق الاقتضاء ضرورة أن وجود عد الأقراء يقتضي سابقة الطلاق والضرورة تندفع بإثبات واحدة رجعية فلا يصار إلى الزائد، وفي هذا تنبيه على الملزوم المنتقل إليه في الكناية قد يكون لازما متقدما على ما هو المعتبر في الكناية هذا إذا كان ذلك بعد الدخول فإن كان قبله فلا جهة للاقتضاء فيجعل مجازا عن كوني طالقا بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب لأن الطلاق سبب لوجوب الاعتداد ولا يجعل مجازا عن طلقي أن لا يقع به طلاق ولا عن أنت طالق أو طلقتك لأنهم يشترطون التوافق في الصفة والحاصل أنه لما جاز إرادة المعنى الحقيقي جعل اللفظ كناية، ولما تعذر جعل مجازا وأما تفسير علماء الأصول فهو كناية على التقديرين لاستتار المراد منه، وقد يقال: أن اعتدي من باب الإخبار أي: طلقتك فاعتدي أو اعتدي لأني طلقتك ففي المدخول بها ثبت الطلاق وتجب العدة وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة كذا في (التلويح).
واختار في (الفتح) أنه في غير المدخولة من إطلاق الحكم وإرادة العلة لأن شرط إطلاق المسبب على السبب اختصاصه بالسبب لتحقق الاتصال من جانبه أيضا والعدة لا تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد وما أجيب من أن ثبوتها فيما ذكر لا بأصالة/ فغير دافع سؤال الاختصاص انتهى، وما في (البحر) من قوله في (التلويح):
وقد يقال إلى آخره يفيد أنه من باب الاقتضاء في غير المدخولة أيضا ففيه نظر، وقد جعله مقابلا له فتدبره (و) في قوله:(استبري رحمك) لاحتمال أن يريد لأني طلقتك ويجب أن يكون فيما إذا كانت آيسة أو صغيرة مجازا عن كوني طالقا، كما إذا لم تكن مدخولا بها (و) قوله:(أنت واحدة) أي: طالق تطليقة واحدة ويحتمل أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا أو ذما فإذا نوى الأول فكأنه قال: ولا اعتبار بإعراب الواحدة عند العامة وهو الأصح لأن العوام لا يميزون بين وجوهه والخواص لا يلتزمونه
وفي غيرها بائنة، وإن نوى ثنتين، وتصح نية الثلاث، وهي بائن بتة
ــ
في مخاطباتهم بل تلك صناعتهم والعرف لغتهم، ولذا ترى أهل العلم في مجاري كلامهم لا يلتزمونه على أن الرفع لا ينافي الوقوع لاحتمال أن يريد أن طلقة واحدة فجعلها نفس الطلقة مبالغة كرجل عدل لكن قد اعتبروه في الإقرار فيما لو قال له: على درهم غير دانق رفعا ونصبا فيطلب الفرق وكأنه عملا في الاحتياط في البابين فتدبره، قيل: كونه نعتا لمصدر محذوف تكلف غير محتاج إليه بل يحتمل أن يراد به منفرده عن الزوج ورده في (الفتح) بأن التطليق بالمصدر الملفوظ به شائع في طلاق العرب كما مر في قوله فأنت طالق والطلاق عزيمة بخلافه بلفظ أنت منفرد عن الزوج فكان احتمال أنت واحدة هو للمصدر أظهر من الاحتمال الثاني فضلا عن تعينه.
(و) تقع (في غيرها) أي: غير هذه الألفاظ الثلاثة من الكنايات طلقة (بائنة، وإن نوى اثنتين) ولو كان طلقها واحدة قبل ذلك ولم يبق إلا الاثنتين كما في (المحيط)(وتصح نية الثلاث) لأنها كل الجنس ولذا صحت نية الاثنتين في الأمة لا في غيرها لأن نية العدد في الجنس لا تصح وفي كلامه مؤاخذة من وجهين الأول أن كون ما عدا الثلاث يقع به بائن ممنوع بل يقع الرجعي ببعض الكنايات سوى الثلاث كإن أبرئ من طلاقك، الطلاق عليك يقع، وهبتك طلاقك، بعتك طلاقك، خليت سبيل طلاقك أنت مطلقة بسكون الطاء، أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة، أنت طالق بلا قاف لكن في (فتح القدير) الوجه إطلاق التوقف على النية مطلقا إذا لم يكن هناك دلالة حال، خذي أقرضتك أعرتك طلاقك وفي برئت من طلاقك خلاف، والأصح لا يقع.
قال في (الفتح): والأوجه عندي أن يقع بائنا، الثاني أن من الكنايات المذكورة اختاري ولا تصح نية الثلاث وغاية ما أجاب به في (البحر) عن الأول بأن تلك الألفاظ ملحقة بالثلاثة وعن الثاني بأنه مقيد بغير اختاري لما سيذكره في بابه وأرى أن في قوله (وهي) أي: غير الثلاث من الكنايات التي يقع بها البائن هذه الألفاظ المحصورة فكأنه قال: وفي غيرها التي هي كذا لا غيرية مطلقة دفعا للإيراد نعم قوله في (الهداية) وذلك مثل قوله أنت بائن حينئذ يرد عليه ما ذكر وفرق بين العبارتين لمن تأمل، (بائن) من بان الشيء انفصل وتطليقة بائنة بمعنى مبانة فيحتمل عن وصلة النكاح أو عن الخير أو بائن مني نسبا فلا بد من المعين لا فرق في ذلك بين المنجز والمعلق، (بتة) من البت بمعنى القطع جاء المضارع منه من باب ضرب وقتل وأبت طلاقها لغة وفي (أدب الكاتب) أن سيبويه لا يجيز إلا البت بالألف واللام وأجاز القراء
بتلة حرام خلية برية، حبلك على غاربك الحقي بأهلك، وهبتك لأهلك
ــ
إسقاطهما وحكى أنهما لغتان، وقد جاء مجردا في (مسلم) فيحتمل ما مر في بائن، (بتلة) من البتل وهو الانقطاع وبه سميت مريم لانقطاعها عن الرجال وفاطمة الزهراء لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسنا، وقيل: عن الدنيا إلى ربها وفيه من الاحتمال ما مر، (حرام) من حرم الشيء بالضم حراما امتنع أريد به هنا الوصف ومعناه الممنوع فيحتمل ما سبق وسيأتي وقوع البائن به بلا نية في زماننا للتعارف، لا فرق في ذلك بين محرمة وحرمتك سواء قال: علي أو لا وحلال المسلمين علي حرام وكل حل علي حرام أو أنت معي في الحرام، وفي قوله: حرمت نفسي لابد أن يقول عليك، وأورد أنه إذا وقع الطلاق بهذه الألفاظ بلا نية فينبغي أن يكون كالصريح في إعقابه الرجعة، وأجيب بأن المتعارف إنما هو إيقاع البائن به لا الرجعي، حتى لو قال: لم أنو لم يصدق ولو قال مرتين ونوى بالأولى واحدة وبالثانية ثلاثا صحت نيته عند الإمام وعليه الفتوى كذا في (البزازية).
(خلية) بفتح الخاء المعجمة فعليه بمعنى فاعلة أي: خالية إما عن النكاح أو عن الخير، (برية) بالهمز وتركه أي: منفصلة إما عن قيد النكاح أو عن حسن الخلق/ أو عن الدنيا مدحا أو ذما، (حبلك على غاربك) تمثيل لأنه تشبيه بالصورة المنتزعة من أشياء وهي هيئة الناقة إذا أريد إطلاقها للرعي وهي ذات رسن، فألقى الحبل على غاربها، وهو ما بين السنام والعنق كيلا يتعقل به إذا كان مطروحا فشبه بهذه الهيئة الإطلاقية انطلاق المرأة من قيد النكاح، أو العمل والتصرف من البيع والشراء والإجارة والاستئجار، وصار كناية في الطلاق لتعدد صور الطلاق كذا في (الفتح) وحاصله أنه استعارة تمثيلية وقال غيره: هذا اللفظ استعير للمرأة وجعل كناية عن طلاقها أي: خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء ويترك حبله على غاربه فاذهبي حيث شئت إما لأني طلقتك أو لأني لا أمنعك، (الحقي بأهلك) أو برفقتك بكسر الهمز وفتح الحاء من اللحوق قيل: وفتح الهمز مع كسر الحاء خطأ لأنه يصير من الإلحاق المتعدي لكن في (المصباح) لحقته ولحقت به من باب تعب لحاقا بفتح اللام أدركته وألحقته بالألف مثله وعليه فلا يكون خطأ والمعنى لأني طلقتك أو سيري كسيرهم، (وهبتك لأهلك) أو لأبيك أو لأمك عفوت عنك لأجلهم أو رددتك إليهم مجازا، ولذا لم يشترط قبولهم فتصير إلى حالتها الأولى وهي البينونة، وعلم منه ما لو قال: وهبتك لنفسك بالأولى وقيد بالأهل لأنه لو قال: وهبتك الطلاق وقع قضاء بلا نية، وأراد بهم من ترد إليهم عادة، فلو قال لأخيك أو لأختك أو لعمتك أو لخالتك لم يقع وإن نوى، وعرف منه عدم الوقوع فيما لو قال
سرحتك فارقتك أمرك بيدك اختاري أنت حرة تقنعي تخمري استتري اغربي، اخرجي، اذهبي قومي، ابتغي الأزواج،
ــ
للأجانب بالأولى بخلاف وهبتك الأزواج حيث يقع بالنية، (سرحتك) من السراح بفتح السين وهو الإرسال وفي (الخانية): أنت السراح كأنت خلية، (فارقتك) لأنهما لا يتعينان في النساء بل يقال سرحت إبلي وفارقت مالي وما لا يتعين يكون كناية كذا في (الشرح) وقد يقال: ليس الكلام في المطلق من التسريح والمفارقة بل في المضافين إليهما ولو قيل: إن سرحتك بمنزلة أرسلتك لأني طلقتك أو لحاجة لي وكذا فارقتك لأني طلقتك أو في هذا المنزل فلم تمكثي فيه لاحتمل الطلاق وغيره وفي (المجتبي) ومشايخ خوارزم من المتقدمين والمتأخرين كانوا يفتون بأن لفظ التسريح بمنزلة الصريح يقع به الرجعي بلا نية، (أمرك بيدك اختاري) كنايتان عن تفويض الطلاق.
قال في (الحواشي السعدية): وهذا لا يناسب ذكره في هذا المقام ولقد وقع بسبب ذلك خطأ عظيم من بعض المفتيين فزعم أنه يقع به الطلاق وأفتى به وحرم حلالا نعوذ بالله من ذلك ثم هو يحتمل عملك بيدك أو في تصرف آخر وفي الطلاق واختاري نفسك بالفرق أو في عمل، فإذا نوى الطلاق وطلقت نفسها وقع، (أنت حرة) لبراءتك من الرق أو عن رق النكاح وأعتقتك مثل أنت حرة كما في (الفتح) وكذا كوني حرة أو أعتقي كما في (البدائع)، (تقنعي) أمر بأخذ القناع أي: الخمار على الوجه أو بالقناعة، (تخمري) يقال: تخمرت المرأة واختمرت لبست الخمار، (استتري) لأنه حرام علي النظر إليك بالبينونة أو لئلا ينظر إليك الأجانب، ولو قال: مني خرج عن كونه كناية، (اغربي) جاء بالغين المعجمة والراء المهملة بمعنى تباعدي وبالعين المهملة والزاي من العزوبة أي: كوني عازبة أو تباعدي عني أيضا يقال: غرب عني فلان يغرب ويغرب أي: بعد كذا في (الصحاح) اذهبي لحاجتك وافلحي بمعنى اذهبي لغة واظفر بمرادك (اخرجي قومي) إليها أو لأني طلقتك، ولو قال: فبيعي لا يقع وإن نوى عند أبي يوسف، لأن معناه عرف لأجل البيع فكان صريحه خلاف المنوي ووافقه زفر، ولو قال:(اذهبي) فتزوجي وقال: لم أنو لم يقع لأن معناه إن أمكنك قاله قاضي خان والمذكور في (الحافظية) وقوعه بالواو بلا نية، ولو قال: إلى جهنم وقع إن نوى كما في (الخلاصة) والله الموفق، (ابتغي الأزواج) إن قدرت أو لأني طلقتك ومثله تزوجي.
تتمة: في الكنايات أيضا تنجي واختلف في قوله لم يبق بيني وبينك عمل أو شيء قيل: يقع إذا نوى وقيل: لا ومنها فسخت النكاح وإن نوى الطلاق وقع بائنا ولو
ولو قال لها: اعتدي ثلاثا ونوى بالأول طلاقا وبما بقي يحضا صدق، وإن لم ينو بما بقي شيئا فهي ثلاث،
ــ
قال: أربع طرق عليك مفتوحة لا يقع بالنية إلا أن يقول: أيها شئت ومنها خالعتك كما سيأتي، ومنها أنت علي كالميتة أو الخمر أو لحم الخنزير إن نوى الطلاق يقع ومنها نحوت كما في (الفتح).
وقالوا: لو كتب الطلاق أو العتاق مستبينا لكن لا على وجه الرسالة والخطاب ينوي فيه الكلام فإن كان كقوله أما بعد يا فلانة فأنت طالق أو أنت حرة أو إذا وصل إليك/ كتابي فأنت كذا فإنه يقع منجزا عقب الكتابة إذا لم يقله ولا يصدق في عدم النية والله الموفق. (ولو قال لامرأته: اعتدي ثلاثا) أي: قال هذا اللفظ ثلاثا (ونوى بالأول) أي: بلفظ الأول من هذه الألفاظ الثلاثة (طلاقا و) نوى (بما بقي حيضا صدق) قضاء لأنه نوى حقيقة كلامه، والظاهر شاهد له (وإن لم ينو بما بقي شيئا فهي) أي: الألفاظ الثلاث (ثلاثا) لأنه لما نوى بالأول طلاقا صار الحال حال مذاكرة الطلاق فتعين ما بقي للطلاق بهذه الدلالة، والأصل أنه إذا نوى الطلاق بواحدة ثبتت حالة المذاكرة الطلاق فإذا نوى بما بعدها الحيض صدق لظهور الأمر بالاعتداد بالحيض عقب الطلاق ولا يصدق في عدم نية شيء بما بعدها وإذا لم ينو الطلاق بشيء صح فكذا قبل المنوي بها ونية الحيض بواحدة غير مسبوقة بواحدة منوي بها الطلاق يقع بها الطلاق وثبت بها حالة المذاكرة فيجري فيها الحكم المذكور بخلاف ما إذا كانت مسبوقة بواحدة أريد بها الطلاق حيث لا تقع بها الثانية وفروع هذا الأصل وصلت إلى أربعة وعشرين فربما حاصلها إما، ينوي بالكل طلاقا أو بالأولى طلاقا أو حيضا لا غير، أو بالأوليين طلاقا لا غير، أو بالأولى والثلاثة كذلك، أو بالثانية والثالثة طلاقا وبالأولى حيضا لا غير أو بالأخريين طلاقا لا غير أو بالأوليين حيضا لا غير أو بالأولى والثالثة حيضا لا غير أو بالأولى والثانية طلاقا وبالثلاثة حيضا أو بالأولى والثالثة طلاقا أو بالثانية حيضا أو بالأولى والثانية حيضا وبالثالثة طلاقا أو بالأولى والثالثة حيضا وبالثانية طلاقا أو بالثانية حيضا لا غير فهذه أحد عشر وجها يقع فيها ثنتان أو ينوي بكل منها حيضا وبالثالثة طلاقا أو حيضا لا غير، وبالثالثة طلاقا وبالثانية حيضا لا غير أو بالثانية والثالثة حيضا أو بالأولى طلاقا وبالأخريين حيضا لا غير وفي هذه الوجوه الستة تطلق واحدة والرابع والعشرون أن لا ينوي بكل منها شيئا فلا يقع شيء والكل في (فتح القدير) وبقي ما لو نوى بالكل واحدة وهو الخامس والعشرون، وفيه يقع الثلاث كما في (المحيط) لأنه يكون ناويا بكل لفظ ثلث تطليقة.
قال في (العناية): وبناء هذه الوجوه على الاقتصار على حال مذاكرة الطلاق وعلى أن النية تبطل مذاكرة الطلاق فاعتبر ذلك قيد بما ذكر، لأنه لو قال: أنت طالق
وتطلق بلست لي بامرأة أو لست لك بزوج إن نوى طلاقا والصريح يلحق الصريح ....
ــ
اعتدي أو عطفه بالواو والفاء فإن نوى واحدة يعني لا غير وقعت واحدة أو اثنتين وقعتا، وإن لم يكن له نية فعن الثاني أنه في الفاء تقع واحدة وفي الواو اثنتان وبه جزم في (المحيط) على أنه المذهب والمذكور في (الخانية) وقوع الاثنتين في الوجوه الثلاثة، (وتطلق) رجعيا (بلست لي امرأة أو) كذا بقوله:(لست لك بزوج) أو ما أنا لك بزوج (إن نوى طلاقا) عند الإمام وقالا: لا يقع لأن نفي النكاح ليس طلاقا بل كذب محض وله أن اللفظ يحتمل لأني طلقتك كما يحتمل لأني لم أتزوجك فيتعين الأول بالنية، ولو قالت له: لست لي بامرأة سواء ولو قال: صرت غير امرأتي أو فسخت النكاح تطلق إذا نوى، ولو قال لها: لست بامرأتي إن دخلت الدار وقع إذا دخلت الدار، وأجمعوا أنه لو أكده بالقسم أو قال: لم أتزوجك أو قال: لم يبق بيني وبينك شيء، أو قال: ما لي امرأة أو قال: علي حجة إن كانت لي امرأة أنه لا يقع وإن نوى، وفي (الأجناس) أجمعوا على أنه لو قال: لا سبيل لي عليك يقع إذا نوى، كذا في (الخلاصة) وفيها من النكاح عن (المنتقى) قال لها: ما أنت لي بزوجة وأنت طالق فليس بإقرار بالنكاح.
قال البزازي: لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد الطلاق حقيقة انتهى. يعني ولو أراده حقيقة لكان إقرارا بنكاح سابق وقع ولذا ذكر في (البزازية) قبله لو قالت له: أنا امرأتك فقال لها: أنت طالق كان إقرارا بالنكاح وتطلق لاقتضاء الطلاق النكاح وضعا وإذا عرف هذا فقول المصنف: وتطلق مستغنى عن تقييده بما إذا كان النكاح ظاهر كما في (البحر) أخذا من الفرع الأول، لأنه إذا كان مع الصريح لا يقع فالكناية أولى، إن المسألة مفروضة فيما إذا نوى الطلاق ولا خفاء أنه في هذه الحالة مقر بالنكاح اقتضاء إذا لم يكن ثابتا قيل: ويقع ولم يذكر الدلالة هنا لما مر من أنها إنما تعمل فيما يصلح جوابا فقط وهو ألفاظ مخصوصة ليس هذا منها (والصريح) وهو ما لا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا كذا في (الفتح)(يلحق/ الصريح) ويلحق البائن حتى لو قال لها: أنت طالق ثم طلقها على مال وقال: أنت بائن أو خالعها على مال ثم قال: أنت طالق أو طالق بائن وقع الثاني، وكذا لو طلقها ثلاثا بعدما أبانها، لكن مقتضى التعريف أنه لو أبانها ثم قال لها في العدة: اعتدي ينوي الطلاق أنه لا يقع وهو رواية عن الثاني، وظاهر الرواية يقع كما في (البدائع) إلا أن
والبائن يلحق الصريح لا البائن
ــ
يدعي أن نحو اعتدي صريح حكما وسيأتي ما يؤيده ويرد على إطلاقه ما في (البزازية) لو قال: كل امرأة له طالق لم يقع على المختلعة، ولو قال: إن فعلت كذا فامرأته كذا لم يقع على المعتدة من بائن انتهى، (والبائن يلحق الصريح) حتى لو قال لها: أنت طالق ثم قال في العدة: أنت بائن وقع إن نواه.
قال في (البحر): أطلقه فشمل ما لو خالعها أو طلقها على مال بعد الطلاق الرجعي حيث يصح ويجب الحال كما في (الخلاصة).
وأقول: قوله أو طلقها على مال سهو لما مر أن هذا من الصريح لا من البائن الذي يلحق الصريح نعم ما في (القنية) راقما لشمس الأئمة والأوزجندي طلقها على ألف فقبلت، ثم قال في عدتها: أنت بائن لا يقع مشكل وكذا ما في (الخلاصة) طلقها على مال ثم خلعها في العدة لم يصح، وحمله على عدم لزوم المال بدليل ما صرح به في عكسه وهي ما لو خلعها ثم طلقها على مال ولا يجب المال بعيد ولابد من عدم لزوم المال في وقع الطلاق من قبولها كما في (البزازية)، (لا) يلحق البائن (البائن) أراد به ما كان بلفظ الكناية عرف ذلك من استدلالهم الذي أطبقوا عليه كذا في (الفتح) وفي (تحرير الكرماني) لفظ الكنايات التي تقتضي البينونة لا يقع على المبانة وما هو في حكم الصريح يلحقها فذكر اعتدي واستبري رحمك وأنت وحدة وفي (المنصوري) (شرح المسعودي): المختلعة يلحقها صريح الطلاق إذا كانت في العدة والكناية أيضا تلحقها إذا كانت في حكم الصريح، فذكر الألفاظ الثلاثة ثم قال والكنايات والبوائن لا تلحقها وإن كان الطلاق رجعيا تلحقها الكنايات.
قال في (عقد الفرائد): وهذا مؤيد لما في (الفتح) ومعنى العطف في كلام المنصوري ما أوقع من البوائن لا بلفظ الكناية فإنه يلغو ذكر البائن كما أطبقوا عليه فلا حاجة إلى جعله إنشاء، حتى لو قال: عنيت به البينونة الغليظة يصدق في نيته وقيل: لا يصدق وحكاهما في (المحيط) واقتصر على الأول غير واحد بلفظ ينبغي والظاهر أن معناه يجب لا أنه بحث كما فهمه كثير، قال في (عقد الفرائد): والذي ظهر لي أن مقتضى تعليلاتهم أنه إذا تعذر حمله على الإخبار يكون إنشاء فيلحق، ففي (البزازية) قال للمبانة: أبنتك بأخرى يقع لأنه لا يصلح إخبارا وفيها قال للمبانة: أنت طالق بائن يقع أخرى بائنة، ولو قال: أنت بائن لا يقع لأنه إخبار بخلاف الأول، ولو قال لها: أبنتك بتطليقة لا يقع انتهى، وذلك لأنه يصلح إخبارا ثم نقل ما قدمناه عن (القنية) طلقها على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت طالق لا يقع وكذا لو قال: أنت بائن ثم قال في عدتها: أنت بائن بتطليقة أخرى يقع، ثم برقم لو قال
إلا إذا كان معلقا بأن قال لها: إن دخلت الدار فأنت بائن. ثم قال: أنت بائن.
ــ
لمبانته: أبنتك بطليقة لا يقع قال: ونحوه في (البدائع) وقد علم الوجه فيه مما مر انتهى، وهو ظاهر في أن وجه عدم الوقوع فيما قدمناه عن (القنية) أنه يصلح إخبارا وفيه نظر ظاهر والله الموفق، (إلا إذا كان) البائن (معلقا) قبل إيجاد المنجز أو مضافا حتى لو أبانها ثم علق البائن في العدة لم يصح اعتبارا بتنجيزه كذا في (البدائع)، ولو قال لها: أنت بائن غدا ناويا الطلاق ثم أبانها ثم جاء الغد وقعت أخرى كذا في (الذخيرة) وظاهر أنه لو أبانها ثم أضافه لا يقع كما في التعليق وهذا لأنه إنما لم يقع في غير المعلق لجواز أن يكون خبرا عن الأول كما مر وفي هذه الحالة لا يصلح أن يكون خبرا بل الواقع إنما هو أثر التعليق السابق وهو زوال القيد عند وجود الشرط وهي محل فيقع، وعلى هذا تفرع ما لو قال: إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال هكذا لأمر آخر ففعل أحدهما وقع طلاق بائن ولو حنث في اليمين الثاني وهي في العدة قيل: لا يقع والأشبه الوقوع لالتحاق البائن بالبائن إذا كان معلقا كما في (البزازية).
تتمة: قال في (عقد الفرائد): نظم شيخنا سعد الدين الديري ما يلحق وما لا يلحق فقال:
وكل طلاق بعد آخر واقع .... سوى بائن مع مثله لم يعلق
قال: يعني والده وقوله: لم يعلق مطلق يشمل البائن الأول والثاني والمراد الأول لا الثاني فهو طلاق في محل التقييد فقلت مفردا من الرجز:
كلا أجز لا بإيلاء مع مثله .... إلا إذا علقته من قبله
قلت: وقد فات الشيخين التنبيه على أن ذلك خاص بالعدة فقلت منبها على ذلك مفردا من الرجز:
بعدة كل طلاق لحقا .... لا بائن لمثله ما علقا
وقولي لحقا يشعر بكون البائن هو المعلق ووصفت البائن بأنه مثل البائن مشعرا بإخراج البينونة الكبرى لما فيها من الخلاف الذي قدمته انتهى، ولا يخفى أن الضمير في ويعلق يتعين أن يرجع إلى البائن لا إلى المثل لما استقر من أن ما بعد مع متبوع لما قبلها نحو جاء زيد مع عمرو، ولاشك أن البائن هو التابع للمثل أي: اللاحق فإن لم يعلق يقع وإلا بأن سبق تعليقه وقع نعم يرد عليه أنه يشترط كما مر أن يعلقه قبل المنجز وليس في بيته ما يفيد هذا المعنى، وهذا وارد على بيت الشيخ البر أيضا فبيت والده من الحسن بمكان غير أنه لا يخفى ما في قوله كلا من الإبهام ويرد