الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الإحداد
تحد معتدة البت والموت بترك الزينة، والطيب والكحل، والدهن،
ــ
فصل في الإحداد
لما ذكر العدة ومن عليه تجب أردفه بذكر ما يجب فيها على المعتدات فإنه في المرتبة الثانية من أصل وجوبها والإحداد مصدر: أحدت المرأة تحد إحدادًا فهي محد، ويقال أيضًا: الحداد من حدت المرأة تحد من حد نصر وضرب حداد فهي حاد، ولم يجوز الأصمعي غير الأول. والمشهور بالحاء المهملة، ويروى بالجيم من جددت الشيء قطعته، فكأنها انقطعت عن الزينة وما كانت عليه (تحد) بضم الحاء وكسرها على ما مر من اللغتين (معتدة البت)، أي: القطع يعني المبتوت طلاقها وحذفه للعلم به ولكثرة الاستعمال، وهي المطلقة ثلاثًا أو واحدة بائنة، والمختلعة، والفرقة بخيار الجب والعنة ونحوهما قيد به لأن المطلقة الرجعية لا تحد، أي: لا يجب عليها ذلك بل له أن يضربها على تركها إذا امتنعت وهو يريدها، وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها، وبه يفوت حقه. (و) معتدة (الموت) حرة كانت أو أمة وفيه إيماء إلى أنه لا يجب الإحداد عليها بسبب غيرها.
قال في (الفتح):ولا نعلم فيه خلافًا وهل يباح؟ قال محمد في (النوادر): لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو أمها أو أخوها، وإنما هو الزوج خاصة قيل: أراد به فيما زاد على الثلاث لما في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام.
أقول: وينبغي أن يقيد عدم حل ما زاد على الثلاث بما إذا لم يرض الزوج بذلك، فإن رضي فقد أسقط حقه منها، أما غير ذات الزوج إذا لم تكن معتدة فينبغي أن يحل لها ذلك، بقي هل له منعها في الثلاث؟ مقتضى الحديث أنه ليس له ذلك، والمذكور في كتب الشافعية أن له ذلك، وقواعدنا لا تأباه وحينئذ فيحمل الحل في الحديث على عدم منعه والله الموفق، ولو أمرها المطلق أو الميت بتركه لم يحل له لأنه حق الشرع كذا في (المعراج) (بترك الزينة) أي: التزين بما يتحلى به من ذهب وفضة وجوهر/ وقصب، قال العيني: ولبس حرير وغيره من الثياب المصبوغة انتهى.
ومنه الامتشاط بضيق الأسنان (و) ترك (الطيب) أي: التطيب.
قال في (الفتح): ولا تحضر عمله ولا تجبر فيه وإن لم يكن لها كسب فيه (و) ترك (الدهن) بالفتح مصدر دهن اسم معنى وبالضم اسم غين، وفي عطفه على
إلا بعذر والحناء، ولبس المعصفر والمزعفر إن كانت بالغة مسلمة لا معتدة العتق، والنكاح الفاسد،
ــ
الطيب إيماء إلى منعه وإن لم يكن مطيبا كالزيت الخالص ونحوه (والكحل) بالفتح وهو استعمال الكحل بالضم (والحناء إلا بعذر) قيد في الكحل فيجوز لها لبس الحرير للحكة والقمل، والثوب المصبوغ لعدم وجود غيره، واستعمال الطيب والدهن للتداوي والكحل للرمد ونحوه.
وقوله في (البحر): لو أخر هذا عن الجميع لكان أولى لما مر من جواز لبس المصبوغ إذا لم تجد غيره مدفوع بما قدمناه من أن قوله بترك الزينة شامل للكل والمذكور بعده تفصيل لذلك الإجمال (و) هو (لبس المعصفر) وهو الثوب المصبوغ بالعصفر، (والمزعفر) وهو المصبوغ بالزعفران، والثوب الممشق وهو المصبوغ بالمشق أي: المغرة ولم يقل لبس المصبوغ بل بين ما به الصبغ لأن الأسود لا بأس به لأنه لا يقصد به الزينة، وكذا الأزرق فيما ينبغي، وعن هذا قيد الحلواني أي منع المعصفر ونحوه بالجديد، أما الحلق فيجوز لما قلنا.
واعلم أن ما قدمناه من جواز لبس المصبوغ بما ذكر لستر العورة مثلًا ينبغي أن يقيد بقدر ما تستحدث ثوبًا غيره أما بيعه والاستخلاف بثمنه أو من مالها إن كان لها مال، كذا في (الفتح) ومن الممنوع أيضًا العصب عندنا وهو نبت يصبغ به الثياب هذا هو الصحيح في تفسيره (وإن كانت مسلمة) فلا حداد على كافرة، نعم لو أسلمت في خلالها لزمها فيما بقي قاله الحدادي: بالغة فلا حداد على صغيرة لعدم تكليفها وفيه إيماء إلى أنه لا يجب على مجنونة أيضًا، وقياس ما مر أنها لو بلغت أو أفاقت في أثنائها وجب عليها فيما بقي ومنعت من ذلك لخبر أبي داود من حديث أم سلمة قال عليه الصلاة والسلام:(لا تلبسن المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل) وفي الباب أحاديث أخر دالة على المدعى يطول الكلام بذكرها، (لا) تحد (معتدة العتق) بأن مات عن أم ولده أو أعتقها وقصره عن الثاني قصور.
(و) لا معتدة (النكاح الفاسد) والموطوءة بشبهة لأنه لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح وهي مفقودة، وأفاد في (البدائع) أنه لو ملك زوجته بعدما ولدت منه وفسد النكاح بينهما لا يجوز لغيره أن يتزوج بها حتى تحيض حيضتين، فلو أعتقها كان عليها عدة العتق أيضًا ولا حداد فيها بل تحد في حيضتين دون الثالثة،
ولا تخطب معتدة، وصح التعريض ولا تخرج معتدة الطلاق
ــ
لأنه لما فسد النكاح صارت معتدة في حق غيره وفي حقه بعد العتق، وعدة النكاح يجب فيها الإحداد ولو كان طلقها بائنًا ثم اشتراها حل له وطئها عنها الإحداد انتهى.
(ولا تخطب معتدة) من الخطبة بكسر الخاء، وحكي عن يونس ضمها وهو غريب، وهي طلب النكاح، وخطب فلان فلانة سألها أمرًا وشأنًا في نفسها وخاطبها بذلك، قال العيني: أي معتدة كانت وهذا شامل للمعتدة عن عتق أو نكاح فاسد أو غيرهما قيد بالمعتدة لا الخالية تخطب، وقيده بعض الشافعية بما لم يخطبها غيره وترضى به فإن سكت فقولان وقواعدنا لا تأباه (وصح) أي: جاز (التعريض) وهو خلاف التصريح والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس فيها ذكر نحو ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كطويل النجاد وكثير الرماد يعني أنه طويل القامة ومضياف كذا في (المغرب) والمراد به هنا أن يذكر شيئًا يدل على شيء لم يذكره لقول ابن عباس فيما أخرج البخاري في قوله تعالى:} لا جناح عليكم فيما عرضتم به {] البقرة: 235 [(يقول إني أريد أن أتزوج ولوددت أن تيسر لي امرأة صالحة) وما قيل من أنه يقول لها إنك جميلة، وإني فيك لراغب فإني لأرجو أن أجتمع أنا وأنت، فرده في (البدائع) بأنه غير سديد إذ لا يحل لأحد أن يشافه أجنبية لا يحل له نكاحها للحال بذلك انتهى. وفيه نظر فقد أخرج البيهقي عن ابن جبير في قوله تعالى:} إلا أن تقولوا قولاً معروفًا {] البقرة: 235 [يقول: إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع.
قال/ في (الفتح): ونحوه إنك لجميلة أو صالحة فلا يصرح بنكاحها ولم يعول على ما في (البدائع). واعلم أن كلامه صريح في جواز التعريض لكل معتدة وليس بالواقع بل خاص بالمتوفى عنها زوجها، أما المطلقة فلا يجوز التعريض لها بالإجماع لأنها لا تخرج فلا يتمكن من التعريض على وجه يخفى على الناس. وكذا في (المعراج) معزيا إلى شرح (التأويلات) ثم نقل عن (الينابيع) ولا يجوز التعريض في عدة الطلاق لإفضائه إلى عداوة المطلق ولم أر حكم المعتدة من عتق أو نكاح فاسد أو وطء بشبهة، ومقتضى التعليل أن يجوز (ولا تخرج معتدة الطلاق) ولا الفسخ ولا إلى ضمن دار فيها منازل لغيره لقوله تعالى:} لا تخرجوهن من بيوتهن ولا
من بيتها ومعتدة الموت تخرج اليوم، وبعض الليل،
ــ
يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة {] الطلاق: 1 [يعني الزنا وأفاد إطلاقه المنع ولو أذن لها ولو في عدة الرجعي لأنهما لا يمكنهما إبطال حق الله تعالى بخلاف ما قبله قيد بمعتدة الطلاق لأن معتدة الوطء لا تمنع من الخروج كالمعتدة عن عتق ونكاح فاسد ووطء بشبهة إلا إذا منعها لتحصين مائه كذا في (البدائع) وفي (الظهيرية) خلافه حيث قال: سائر وجوه الفرق التي توجب العدة من النكاح الصحيح والفاسد سواء يعني في حق حرمة الخروج (من بيتها) وحكى فتوى الأوزجندي أنها لا تعتد في منزل الزوج، وشمل إطلاقه المختلعة على نفقة عدتها كما أفتى به الشهيد وصحح في (جامع قاضي خان) وعليها أن تكتري بيت الزوج.
قال في (الفتح): والحق أن على المفتي أن ينظر في خصوص الوقائع فإن علم في واقعة عجز هذه عن المعيشة إن لم تخرج أفتاها بالحل وإلا فالحرمة، ولا بد أن تكون حرة، أما الأمة فتخرج لخدمة المولى إلا إذا بوأها منزلاً ثم طلقت بالغة عاقلة مسلمة، أما الصغيرة إلا أن تكون مراهقة والمجنونة والكتابية فلهن الخروج لعدم الخطاب كذا في (البدائع) وفي (الظهيرية) الكتابية لا تخرج إلا بإذن بخلاف المسألة فإنها لا تخرج ولو بالإذن، (ومعتدة الموت تخرج يومًا) أي: يباح لها الخروج في اليوم (وبعض الليل) قدر ما تستكمل به حوائجها لأنها لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهارًا لطلب المعاش، وقد يمتد إلى أن يهجم الليل كذا في (الهداية) ويعرف من التعليل أنها لو كان لها قدر كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها الخروج لزيارة أهلها ليلا ولا نهارًا كذا في (الفتح).
قال في (البحر): لو صح هذا لعم أصحابنا الحكم وقالوا: لا تخرج المعتدة عن طلاق أو موت إلا لضرورة لأن المطلقة تخرج لها فأين الفرق؟ فالظاهر من كلامهم جواز خروج معتدة الموت ولو كانت قادرة على النفقة انتهى. وفيه نظر، إذ المتوفى عنها زوجها إنما أبيح لها الخروج لضرورة اكتساب النفقة، فإذا قدرت عليها فلا ضرورة تلحقها، بخلاف المطلقة فإن نفقتها عليه وبهذا اتضح الفرق، وقد رجع رحمه الله في آخر كلامه إلى أن هذا، واعلم أن جواز الخروج إذا كان لأمر المعاش اختص بالنهار.
قال في (الكافي): إن الخروج لنفقتها غير أن أمر المعاش يكون بالنهار عادة دون الليل فأبيح الخروج لها بالنهار دون الليالى ووافقه في (البدائع) وإنما المتوفى عنها زوجها فلا تخرج ليلاً ولا بأس أن تخرج بالنهار في حوائجها فيحمل ما في (الكتاب) على ما اضطرت إلى ذلك وإليه ما قدمناه عن (الهداية) وفي (القنية)
وتعتدان في بيت وجبت فيه إلا أن تخرج، أو ينهدم
ــ
خرجت المعتدة لإصلاح ما لا بد منه كالزراعة وطلب النفقة وإخراج الكرم ولا وكيل لها فلها ذلك انتهى. ولا بد أن يقيد ذلك بأن تبيت في منزلها، (وتعتد) المتوفى عنها زوجها إن أمكن (في بيت وجبت فيه) العدة بإن كان نصيبها من الإرث منه يكفيها أو لم يكفها لكن إذنها للورثة بالسكنى وهم كبار وتركوها أن تسكن فيه بأجر وهي قادرة على ذلك، كذا في (الشرح) وجعل العيني الألف ضمير التثنية ويبعده توحيد الضمير في (إلا أن تخرج) وقياسه أن يثنى إلا أن يعود الضمير إلى المعتدة إلا أن يخرجه الورثة فيما إذا كان نصيبها لا يكفيها أو صاحب المنزل لعدم قدرتها على الأجرة وفي (المجتبي) كان نصيبها من الدار لا يكفيها اشترت من الأجانب والأولاد الكبار، وكذا في الطلاق البائن انتهى، يعني فيما إذا اختلف على السكنى.
قال في (البحر): وهو ظاهر في وجوب الشراء عليها لو كانت قادرة، والمراد إن لم ترض الورثة بإجارتها إياه (أو ينهدم) البيت قال في (البحر): والمراد خوفه وليس بمتعين / بل لو انهدم جانب منه وخافت على نفسها أو مالها من اللصوص كان لها أن تخرج إلى غيره قال في (الدراية): يعني إلى أقرب موضع إليه وفي الطلاق إلى حيث شاء الزوج، فإطلاق الشارح وغيره من أن تعين ما تنتقل إليه في الوفاة إليها مقيد بكونه قريبًا، ومن الأعذار ما لو كانت لا تجد الكراء وتجد ما هو بلاء كراء منها ما لو خافت نقلتها من أمر الميت والموت ليلاً خوفًا شديدًا وليس عندها من يؤنسها كما في (الظهيرية) ومنها ما لو كانت في السواد وخافت من سلطان أو غيره فلها أن تنتقل إلى المصر كما في (الدراية)، ومنها ما لو كان في الورثة من ليس محرمًا لها وحضنها غير كافية لها فلها أن تخرج، وإن لم يخرجوها كما في (الخانية) وغيرها ومنها ما في (القنية) طلقها بالبادية وهي معه في خيمة والزوج ينتقل إلى موضع آخر للكلأ والماء فإن كان يدخل عليها ضرر بين في نفسها ومالها فلها أن تتحول وإلا فلا، ومنها لو ضاق منزل الطلاق بالزوج والزوجة أو لم يضق لكن تعذر وجود امرأة ثقة تعذر على الحيلولة لفسقه والأولى خروجه في الحالتين.
قال في (الفتح): ولعل المراد به أنه أرجح فيجب الحكم به كما يقال إذا تعارض المحرم والمبيح ترجح المحرم أو المحرم أولى ويراد ما قلنا: وهذا لأنهم عللوا أولوية خروجه بأن مكثها واجب لا مكثه فإن كان المكان يسعهما لا بد من سترة بينهما كذا في (الهداية) وفي (المجتبي) الأفضل أن يحال بينهما في البينونة بسترة إلا أن يكون الزوج فاسقًا فيحال بامرأة ثقة تعذر على الحيلولة انتهى. ونفقتها في