المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التعليق إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته: إن زرت فأنت - النهر الفائق شرح كنز الدقائق - جـ ٢

[سراج الدين ابن نجيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصوم

- ‌باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده

- ‌ فرع

- ‌فصل في العوارض

- ‌ فروع

- ‌ فصل في النذر

- ‌كتاب الحج

- ‌باب الإحرام

- ‌فصل

- ‌فرع

- ‌باب القران

- ‌باب التمتع

- ‌باب الجنايات

- ‌فصل

- ‌ فصل في جزاء الصيد

- ‌باب مجاوزة الميقات بغير إحرام

- ‌باب إضافة الإحرام إلى الإحرام

- ‌باب الإحصار

- ‌باب الفوات

- ‌باب الحج عن الغير

- ‌باب الهدي

- ‌مسائل منثورة

- ‌كتاب النكاح

- ‌فصل في المحرمات

- ‌باب الأولياء والأكفاء

- ‌فصل في الكفاءة

- ‌فرع

- ‌فصل في الوكالة

- ‌باب المهر

- ‌باب نكاح الرقيق

- ‌باب نكاح الكافر

- ‌باب القسم

- ‌كتاب الرضاع

- ‌كتاب الطلاق

- ‌فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان

- ‌فصل في الطلاق قبل الدخول

- ‌باب تفويض الطلاق

- ‌فصل في الأمر باليد

- ‌فصل في المشيئة

- ‌باب التعليق

- ‌باب طلاق المريض

- ‌باب الرجعة

- ‌فصل فيما تحل به المطلقة

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الخلع

- ‌فرع

- ‌باب الظهار

- ‌فصل في الكفارة

- ‌باب اللعان

- ‌فرع

- ‌باب العنين وغيره

- ‌باب العدة

- ‌فرع

- ‌فصل في الإحداد

- ‌باب ثبوت النسب

- ‌باب الحضانة

- ‌باب النفقة

الفصل: ‌ ‌باب التعليق إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته: إن زرت فأنت

‌باب التعليق

إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته: إن زرت فأنت طالق،

ــ

شئت أو أبيت أو إن شئت ولم تشائي لم تطلق أبدا لأنه جعل المشيئة والإباء شرطا واحدا ولا يمكن اجتماعهما، ولو قال: إن شئت وإن لم تشائي فشاءت في المجلس طلقت ولو قامت بلا مشيئة تطلق أيضا ولو قال أنت طالق وطالق وطالق إن شاء زيد فقال: شئت واحدة أو أربعا لا يقع شيء قالت له: طلقني وطلقني طلقني فقال طلقت فهي ثلاث ولو بلا واو فطلق فإن نوى واحدة وإن نوى ثلاثا فثلاثا الكل من (فتح القدير) والله الموفق للصواب.

باب أحكام التعليق

ذكره بعد بيان تنجيز الطلاق صريحا وكناية لأنه مركب من ذكر الطلاق والشرط فأخر عن المفرد وهو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى، وفي بعض النسخ باب الأيمان في الطلاق كما في (الهداية) قيل: والأول أصح وفي وهو الأولى لشمول التعليق ما ليس عينا كالتعليق بحيضها أو طهرها أو بحيضها حيضة أو بما تملك الامتناع عنه كطلوع الشمس ومجيء الغد أو يفعل من أفعال قبلها كالمحبة/ والمشيئة أو من أفعال قلبه فإنه في هذه ليس بيمين كما في (المحيط) فلا يحنث لو حلف أن لا يحلف بها مع أن بعضها مذكور في هذا الباب كالمحبة والحيض.

وأقول: فيه نظر لأنه إنما لم يحنث لأنها ليست يمينا عرفا وهذا لا ينافي كونها يمينا في اصطلاح الفقهاء ومن ثم قال في (الدراية): اسم اليمين تقع على الحلف بالله تعالى على التعليق ووجهه في (الفتح) بأن اليمين في الأصل القوة وسمي الحلف يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه ولاشك في إفادة تعليق المكروه للنفس على أمر بحيث ينزل شرعا عند نزوله قوة الامتناع عن ذلك الأمر وتعلي المحبوب لها على ذلك الحمل عليه فكان يمينا نعم التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء الطلاق اليمين عليه، مجاز لما فيه من معنى السببية فكان التعبير بالتعليق أولى، (إنما يصح) التعليق أي: يلزم (في الملك كقوله) أي: الرجل (لزوجته المنكوحة إن زرت) زيارة (فأنت طالق) من زاره زيارة وزورا قصده ونسوة زور أيضا وزوار وزائرات وموضع الزيارة في العرف قصد المزور إكراما له واستئناسا به كذا في (المصباح) وعلى هذا فينبغي توقف الحنث على زيارتها للإكرام حتى لو ذهبت من

ص: 385

أو مضافا إليه كإن نكحتك فأنت طالق، فيقع بعده

ــ

غير قصده لم يحنث وفي عرفنا زيارة المرأة لا تكون إلا بطعام معها يطبخ عند المذكور كذا في (البحر) ثم نقل في (المحيط) أنه لو حلف ليزورن فلانا غدا أو ليعودنه فأتى بابه واستأذن فلم يؤذن له لا يحنث وإن لم يستأذن حنث والفرق أن في الأولى لم يتصور البر فلم تنعقد اليمين وفي الثاني يتصور وهكذا ذكر في (العيون) وعلى قياس من قال: إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حيث يجب أن يحدث هنا في الوجهين وهو المختار لمشايخنا (أو مضافا إليه) أي: إلى الملك قيدنا باللزوم لأنهما في غير الملك والمضاف إليه من الأجنبي موقوفا على الإجازة (كإن نكحتك فأنت طالق) في كون هذا من المضاف إلى الملك نظر من وجهين، الأول أنه تعليق محض إضافة، الثاني أن النكاح ليس بملك وإنما هو اسم للعقد.

وأجاب في (الفتح) عن الأول بأنه استعمل الإضافة في المفهوم اللغوي وفي غيره وأجيب عن الثاني بأن الإضافة إلى النكاح إضافة إلى سبب الملك فاستعير اسم السبب للمسبب فكأنه قال: إن ملكتك بالنكاح فأنت طالق (فيقع) أي: الطلاق بعد (بعده) أي: بعد وجود الشرط فيهما وفيه إيماء إلى أن الحكم يتأخر عنه وهو المختار لأن الطلاق المقارن لا يقع، كقوله: أنت طالق مع نكاحك إذ لا يثبت الشيء منتفيا كذا في (الفتح)، وفي (الدراية) وكذا لو قال: في نكاحك ولو قال: مع تزوجي إياك وقع.

قيل: والفرق أن الكلام في هذا قام لذكر الفاعل والمفعول فجعل مجازا عن الملك ومع بمعنى بعد، وبقي من الشروط أن يكون الشرط على خطر الوجود فلو كان محققا نحو أنت طالق إن كانت السماء فوقنا كان تنجيزا ولذا قال في (الخانية): لو قال لصحيحة: إن صحت فأنت طالق أو قال: إن أبصرت أو سمعت وهي كذلك طلقت انتهى، ولو قال: إن حضت أو مرضت وهي حائض أو مريضة فعلى ما يستقبل لأنهما لا يمتدان فلم يكن لبقائهما حكم الابتداء وكان مستحيلا نحو إن دخل الجمل في سم الخياط لم يقع ومنه ما في (القنية) سكران طرق الباب فلم يفتح له، فقال: إن لم تفتح الباب الليلة فأنت طالق ولم يكن في الدار أحد فمضت الليلة ولم يفتح لا تطلق، وفي (الخانية) إن لم تردي على الدينار الذي أخذته في كيسي فأنت كذا فإذا الدينار في كيسه لا تطلق، وأن يكون التعليق في المعينة بصريح الشرط لا بمعناه بخلاف غير المعينة حتى لو قال: المرأة التي أتزوجها طالق طلقت بتزوجها ولو قال: هذه المرأة التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنه عرفها بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة.

ص: 386

فلو قال لأجنبية: إن زرت فأنت طالق فنكحها، فزارت لم تطلق، وألفاظ الشرط

ــ

قال في (الذخيرة): والتعريف بالاسم والنسب كالتعريف بالإشارة فلو قال: فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق، وأن لا يقصد به المجازاة فلو وصفته بنحو سفلة فقال: إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجيز سواء كان الزوج كذلك أو لا، وأن يكو الشرط متصلا فلو أتي به بعد سكونه لم يصح إلا أن لا يمكنه إتمام الكلام إلا بعد مدة كما في (الظهيرية) ووجود رابط/ حيث تأخر الجزء كما سيأتي وذكر المشروط حتى لو اقتصر على الأداة لم يكن تعليقا اتفاقا، واختلف في تنجيزه فلو قال: أنت طالق إن ولم يزد عليه أو أنت كذا ثلاثا لولا أو إن كان أو إن لم يكن لم تطلق في قول الثاني وبه يفتى ووافقه محمد للحال، واعلم أن للحاكم الحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي ليفسخ اليمين المضافة فإذا كانت بالثلاث فلما تزجها ادعت الطلاق عند الشافعي فحكم ببقاء العصمة وأن الطلاق ليس بشيء حل له ذلك ولو وطئها بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ كان حلالا، ولو قال: كل امرأة أتزوجها فهي كذا فتزوج امرأة ثم فسخ اليمين فتزوج أخرى لم يحتج إلى الفسخ في كل امرأة كذا في (الخلاصة) وهذا قول محمد وبه يفتى كما في الظهيرية وحكم المحكم كالقضاء على الصحيح كما في (الخانية).

قال الحلواني: وهذا مما يعلم ولا يفتى به، وعن أصحابنا ما هو أوسع من ذلك وهو أنه لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين حل له العمل بفتواه ولو أفتاه آخر بالحرمة عمل بالإفتاء الثاني في حق امرأة أخرى والتزوج فعلا أولى من فسخ اليمين في زماننا، ثم صحة الفسخ مقيدة بأن لا يكون طلقها ثلاثا كما في (الخانية).

قال الزاهدي: وظفرت برواية عن محمد أنه في المضافة لا يقع وبه كان يفتي كثير من أئمة خوارزم، (فلو قال) تفريغ على ما مهد (لأجنبية: إن زرت) فلانا (فأنت طالق فنكحها، فزارت لا يقع) لأن الحالف لم يضفه إلى الملك ولا إلى سببه ولابد من أحدهما واعترض بأنه لم يعتبر تمام الكلام مضمرا تصحيحا له والتقدير إن تزوجتك فزرت وأجيب بأن اليمين مذموم شرعا أو غير مطلوب فلا يحتاط في تصحيحه ورده في (العناية) بأن التعليق ليس بيمين حقيقة على ما مر فالصواب أن يقال: المقدار إما أن يكون محذوفا أو مقتضى لا جائز أن يراد الأول لأن المذكور غير متوقف عليه لغة ولا الثاني لأن من شرطه أن يكون المقدر أحط رتبة من المذكور وأن لا يتغير المذكور عند التصريح بالمقدر والشرطان منتفيان، (وألفاظ الشرط) عدل عن الأسماء والحروف لاشتمالهما عليهما وهو بسكون الراء مشتق اشتقاقا كبيرا من الشرط محركة بمعنى العلاقة سمي بذلك لأنه علامة على ترتيب الثانية على الأولى،

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسمي الثاني جوابا لأنه لما لزم على القول الأول صار كالجواب الآتي بعد كلام السائل وجزاء تجوزا لأنه لما ترتب على فعل آخر أشبه الجزاء وهذا أولى من قول صاحب (الهداية) وهذه الألفاظ يليها أفعال فتكون علامات على الحنث ولا يلزم من كونها وليها فعل أن يكون ثمة حنث.

وأشار في (الفتح) إلى الجواب بأن قوله فتكون علامات على الحنث فهي ألفاظ الشرط علامات وجود الجزاء أي: تدل على ذلك بالذات وأراد به اللغوي، واعلم أن جواب الشرط يجب اقترانه بالفاء حيث لم يصلح جعله شرطا وذلك في مواضع جمعت في قوله:

طلبية واسميه وبجامد .... وبما وقد وبلن وبالتنفيس

أي: جملة طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض وبالتنفيس والدعاء، وأراد بالجامد نعم وبئس وعسى وفعل العجب وقوله: وبما أي: وبالجملة الفعلية المقرونة بما النافية وبقد وهي ظاهرة أو مقدرة كما في (التسهيل) وعبارة الرضى كل فعلية مصدرة بحرف سوى لا ولم في المضارع سواء كان الفعل المصدر ماضيا أو مضارعا فدخل النفي كما زاده المرادي وزاد المقرونة بالقسم أو رب لكن جعل ابن هشام في (مغنيه) القسيمة من الطلبية وجعل الشارح المواضع سبعة بناء على أن التنفيس واحد وإن عم السين وسوف وعلى عد بهما موضعين كما فعل غيره مع إدخال القسمية في الطلبية تكون تسعة فلو حذف الفاء في الجواب تنجز سواء أبدل مكانها واوا أو لا، فإن نوى التعليق دين ولو أدخلها على الشرط كانت طالق فإن دخلت الدار.

قال في (الدارية): لا رواية في هذا ولقائل أن يقول: تعلق انتهى، والأول أوجه إذ التعليق حينئذ ليس مدلولا للفظ والفاء وإن كانت حرف تعليق لكنه لا توجيه إلا في محله فلا أثر له هنا، ولو أتى بالواو طلقت بكل حال لأنها في مثله عاطفة على شرط هو نقيض المذكور وتقديره إن لم تدخلي الدار وإن دخلت وإن هذه هي الوصلية كذا في (الفتح)، وفي (المحيط) وثم كالواو وفيه لو قال: أنت طالق لدخلت الدار أو لدخولك الدار تنجيز، ولو قال: لا دخلت الدار أو بدخولك الدار تعلق بالدخول، ولو قال: على دخولك الدار فإن قبلت وقع وإلا لا، وفي (الفتح) / ادخلي الدار وأنت طالق تعلق بالدخول لأن الحال شرط وفي (الدارية) أدى إلى الفا فأنت طالق تنجيز، ولو قال: أنت طالق ووالله لا أفعل كذا كان تعليقا ويمينا، ولو قال: والله لأفعلن كذا تنجيز ثم المذكور هنا من ألفاظ الشرط سبعة وسيأتي ما زيد

ص: 388

إن وإذا إذا ما، وكل، وكلما،

ــ

عليها أولها (إن) المكسورة بدأ بها لأنها أصل الباب وجوزي بغيرها لتضمينه معناه وبكل مع اختصاصها بالاسم لاتصالها بفعل لا محالة فكان في معنى الشرط، فلو فتحها وقع للحال وهو قول الجمهور، لأنها للتعليل ولا يشترط وجود العلة وزعم الكسائي مناظرا للشيباني في مجلس الرشيد أنها شرطية بمعنى إذا وهو مذهب الكوفيين ورجحه في (المغني) بأمور ثلاثة وعلى كل حال فإذا نوى التعليق ينبغي أن تصح نيته.

(و) الثاني (إذا) والغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمنا معنى الشرط وتختص بالدخول على الفعلية ويكثر كون الفعل ماضيا أما نحو {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] فالسماء فاعل بفعل محذوف لا مبتدأ والمحققون على أن العامل فيها شرطها لا ما في جوابها من فعل أو شبهة كما قال الأكثر، والجمهور على أنها لا تخرج عن الظرفية قبل وقد تخرج عن الشرطية نحو {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} [الشورى: 39] فإذا ظرف للخبر ولو كانت شرطية والجملة اسمية لوجب اقترانها بالفاء وقول بعضهم: إنه على إضمارها مردود، والثالث (إذا ما) بزيادة ما للتوكيد لا للتكرير وإلا لم تكن زائدة ومن ثم لم تكن زائدة في كلما وتزاد في كل شرط نحو {فإما نذهبن بك} [الزخرف: 41] وفي أيان قليل، إلا في حيثما وإذا ما فإنها ليست زائدة لأنها هي المصححة لكونهما جازمتين وهي كافة عن الإضافة قاله الرضي.

(و) الرابع (كل) وهو اسم عام معنى لاستغراق أفراد المنكر نحو {كل نفس ذائقة الموت} [العنكبوت: 57] والمعرف المجموع نحو {وكله آتيه يوم} [مريم: 95] وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن فإذا قلت: أكلت كل الرغيف لزيد كان لعموم الأفراد فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد ومن ثم وجب في قراءة غير أبي عمرو وأبي ذكوان {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر} [غافر: 35] بإضافة قلب بتقدير كل بعد قلب ليعم أفراد القلوب كما عم كل أجزاء القلب، الخامس (كلما) قال العيني: زيد على كلما للتوكيل ثم قيل: يجوز أن يكون حرفا مصدريا وأن يكون اسما نكرة انتهى.

وهذا سهو ظاهر إذ الزائدة لا تكون كذلك وكيف تكون زائدة مع أنها إفادة معنى لم يكن موجودا قبل، نعم نقل النجاة أن كلما المقتضية للتكرار منصوبة على الظرفية والعامل فيها محذوف ودل عليه جواب الشرط والتقدير أنت طالق كلما كان كذا وكذا وما التي معها هي المصدرية التوقيتية وزعم ابن عصفور: أنها مبتدأ وما

ص: 389

ومتى، ومتى ما. ففيها إن وجد الشرط انتهت اليمين. إلا فل كلما

ــ

نكرة موصوفة والعائد محذوف وجملة الشرط والجزاء في موضع الخبر ورده أبو حيان بأن كلما لم تسمع إلا منصوبة، وأنت خبير بأن هذا بعد تسليمه لا ينافي كونها مبتدأ إذا الفتحة فيها فتحة بناء وبنيت لإضافتها إلى مبني ومحل الخلاف وجود الفاء فإن لم تكن فالعامل هو الجواب، على أن بعضهم جوز ذلك مع الفاء ذكره أبو البقاء في قوله تعالى:{وأما بنعمة ربك فحدث} [الضحى: 11] وغيره في قوله: {إذا جاء نصر الله إلى قوله فسبح} [النصر: 1 - 3]، (و) السادس (متى) نحو متى دخلت الدار فأنت كذا، (و) السابع (متى ما) بزيادة ما وبقي من نحو من دخلت منكن الدار فهي طالق، فلو دخلت واحدة مرارا طلقت بكل مرة لأن الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به تعميمه عرفا مرة كذا في (الدراية) وهي من غريبه وأين وأيان وأنى وأي وكلها تجزم والمشهور في إذا اختصاص جزمها بالشعر ولم يذكر كثير لو مع أنها من أدوات الشرط كلما غير أن لما وضعت لإفادة أن الشرط قد وجد وفرغ فخصت بقولنا: حرف وجود لوجود، ولو وضعت لإفادة امتناع الملزوم ودلت على الوجود للوجود بالالتزام كباقي الأدوات فخصت بحرف امتناع لمنافاتها التعليق على ما هو خطر الوجود لأنها أفادت تحقيق عدمه فلا يحصل بمعنى اليمين ولعدم حصوله لم يذكر لما في (النهاية) إنما لم يذكر لو لأنها تعمل عمل الشرط معنى لا لفظا وغيرها تعمل عمله لفظا ومعنى ورده في (العناية) بأن هذا لا مدخل له في علم الفقه.

أقول: وعلى ما قرر فهي أولى بالذكر لأن الفقيه إنما نظره للمعنى ألا ترى إلى أن كل ذكرت نظرا إلى ما فيها من معنى الشرط وهو التعليق بأمر على خطر الوجود على ما مر، وقد تخرج عن معناها الأصلي وعلى هذا تفرع ما في (الحاوي) أنت طالق لو تزوجتك تطلق إذا تزوجها وما في (المحيط) أنت كذا لو دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار وفي (الفتح) لو قال: لولا دخولك أو لولا أبوك أو مهرك/ لم يقع وكذا في الإخبار لو قال: طلقتك بالأمس لولا كذا (ففيها) أي: الألفاظ (إن وجد الشرط انتهت اليمين) أي: تمت وإذا تمت حنث فلا يتصور الحنث ثانيا إلا بيمين أخرى لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة (إلا في كلما) فإن اليمين لا ينتهي بوجود الشرط مرة وأفاد حصره أن متى لا تفيد التكرار، وقيل: تفيده والحق أنها إنما تفيد عموم الأوقات ففي متى خرجت فأنت طالق المفاد أن أي وقت تحقق فيه الخروج يقع الطلاق فإذا تحقق في وقت وقع ثم لا يقع بخروج آخر وإن المقرونة بلفظ أبدا كمتى منفردة فإذا قال: إن تزوجت فلانة أبدا فهي كذا فتزوجها فطلقت، ثم تزوجها ثانيا لا تطلق، كذا أجاب الدبوسي وعلله البزازي بأنه إنما ينفي التوقيت لا

ص: 390

لاقتضائه عموم الأفعال كاقتضاء كل عموم الأسماء. فلو قال: كلما تزوجت امرأة يحنث بكل امرأة، ولو بعد زوج آخر. وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها

ــ

التوحيد فيتأبد عد التزوج ولا يتكرر، وإن أبا كذلك حتى لو قال: أي امرأة أتزوجها فهي طالق على امرأة واحدة كما في (المحيط) وغيره بخلاف كل امرأة أتزوجها حيث تعم بعموم الصفة واستشكل لمَ لم يعم أي امرأة أتزوجها بعموم الصفة (لاقتضائها عموم الأفعال كاقتضاء كل عموم الأسماء) تعليل لعدم انتهاء اليمين لأن كلا منهما وضع لاستغراق ما دخل عليه، وكل ما تدخل على الأسماء وكلما على الأفعال وعموما الأسماء ضروري كما أن عموم الأفعال في كل كذلك، وخص كلما وإن كانت كل كذلك باعتبار بقاء اليمين لا تنتهي فيها بوجود الشرط مرة بخلاف كل فإنها تنتهي في حق ذلك الاسم وبه تبين أنه لو قال: إلا في كل وكلما إلا وهم أن اليمين لا تنتهي بمرة فيهما وقد علمت أن هذا مطلقا في كل غير صحيح، لكن لما كان في كل عموم لا ينتهي بمرة باعتبار ما مر بينه بقوله كاقتضاء كل عموم الأسماء وجعلها مشبها بها لأنها الأصل وأدخلها عليها ولم أر من نبه على هذا وبه عرف أن ما في (البحر) من أنه لو قال: إلا في كل وكلما لكان أولى لما مر من فروع.

(فلو قال: كلما تزوجت امرأة) فهي كذا تفريع على اقتضائها عموم الأفعال (حنث بكل امرأة ولو) كان التزوج (بعد زوج آخر)، لأن الشرط ملك يوجد في المستقبل وهو محصور وكلما وجد هذا الشرط تبعه ملك فيتبعه جزاؤه ومن فروع كلما اللفظية ما لو قال لمدخول بها: كلما طلقتكم فأنت طالق فطلقها واحدة وقعت اثنتان ولو قال: كلما وقع عليك طلاقي فطلقها واحدة وقع الثلاث، والفرق أن الشرط في الثانية اقتضى تكرر الجزاء بتكرر الوقوع فيتكرر غير أن الطلاق لا يزيد على الثلاث فيقتصر عليها، وفي الأولى اقتضى تكرره بتكرر طلاقه، ولا يقال: طلقها إذا طلقت بوجود الشرط فيقع تطليقتان أحدهما بحكم الإيقاع والأخرى بحكم التعليق (وزوال الملك) يعني ملك النكاح واليمين (بعد اليمين لا يبطلها)، لأن الشرط لم يوجد والجزاء باق لبقاء محله فبقيت، حتى لو طلقتها فانقضت عدتها بعد التعليق بدخول الدار مثلا ثم تزوجها فدخلت فطلقت وكذا لو قال ذلك لعبده فباعه ثم اشتراه فدخل عتق وسيأتي أن تنجيز الثلاث يبطل تعليقه وكذا يبطل بلحاقه بدار الحرب عند الإمام خلافا لهما، حتى لو دخلت الدار معتدة بعد لحاقه لا تطلق عنده خلافا لهما وأثر الخلاف يظهر فيما إذا جاء ثانيا مسلما فتزوجها لم ينتقض من عد الطلاق شيء عنده وعندها انتقض كذا في (الفتح).

قال في (البحر): والبطلان عنده لخروج المعلق عن الأهلية لا لزوال الملك.

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأقول: الظاهر أنه لزوال ملكه بدليل عتق مدبرته وأمهات أولاده ويلزم على ما ادعى أنه لو عاد ثانيا بعد الحكم بلحاقه وهي في العدة ووجود الشرط أن يقع، وإطلاقهم بطلاق التعليق يقتضي عدمه، وأيضا خروج المعلق عن الأهلية لا يوجب البطلان ألا ترى أنه لو علق عاقلا ثم جن فوجد الشرط حال جنونه وقع كما مر، نعم لو وصفها بوصف فزال بزوال الملك بطلت كقوله إن كنت زوجتي غدا فأنت طالق ثلاثا فجعلها في الغد ولم ينو كونها زوجة له في بعض النهار لم تطلق كما في (المحيط) وفي (القنية) إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق وخرج في الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة لا تطلق لأنها ليست امرأته وقت وجود الشرط وقها إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته ثم فعل الآخر قيل لا يقع الثاني لأنها ليست بامرأته عند الشرط، وقيل: يقع وهو الأظهر.

قال في (البحر): والأظهر عندي أنه مثل امرأته طالق كما لا يخفى وفيه نظر ظاهر وفي (القنية) أيضا إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق فوقع لها غرق أو حرق غالب فخرجت لم يحنث قيد بزوال الملك/ لأن زوال إمكان البر المصحح للتعليق مبطل له وعلى ذلك تفرع ما في (البزازية) إن لم أدفع الدينار الذي علي إلى شهر فأبرأته قبل الشهر بطل اليمين وسيأتي بقية تفاريع المسألة في الأيمان وهنا فرعان كثير وقوعهما، الأول حلف بالطلاق ليؤدين له اليوم كذا من دينه فعجز عنه بأن لم يكن معه شيء ولم يجد من يقرضه، الثاني ما يكتب في التعاليق متى نقلها أو تزوج عليها أو أبرأته من كذا من باقي صداقها فدفع لها جميع ما لها عليه قبل الشرط فهل تبطل اليمين والجواب أن ظاهر قوله في (القنية) والحاصل أنه متى عجز عن اليمين واليمين مؤقتة فإنها تبطل يقتضي بطلانها في الفرع الأول وكذا في (البحر).

وأقول: نقل في (عقد الفرائد) عن (التجنيس) ما حاصله لا أسكن في هذا البيت فأغلق الباب أو قيد المختار أنه لا يحنث فيهم، ولو قال: إن لم أخرج من هذا المنزل فكذا فقيد ومنع أو قال لها في منزل أبيها: إن لم تحضري الليلة إلى منزلي فأنت كذا فمنعها أبوها حنث فيهما هو المختار للفتوى، والفرق أن شرط الحنث في الأول الفعل وهو السكنى والإكراه يؤثر فيه وفي الثاني عدم الفعل والإكراه لا يؤثر فيه.

قال في (العقد): وهذا معنى ما نقله بعض علماؤنا الأصل في هذا الباب أن شرط الحنث إن كان عدما وعجز عن مباشرته فالمختار الحنث وإن كان وجوديا وعجز فالمختار عدم الحنث انتهى واعتبارها الأصل يفيد الحنث في مسألتنا إذ شرط

ص: 392

فإن وجد الشرط في الملك طلقت، وانحلت وإلا لا، وانحلت، وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول له. إلا إذا برهنت

ــ

الحنث فيها عدمي كما هو ظاهر والله الموفق، وهذا من المواضع المهملة فكن فيه على بصيرة، وأما الثاني: ففي (نظر ابن وهبان) في الهبة وعزاه في (الشرح) إلى (المبسوط) لو قبض البائع الثمن ثم أبرأ المشتري منه صح الإبراء ويرجع على البائع بما دفعه إليه وهذا يقتضي بقاء اليمين لصحة الإبراء بعد القبض ويرجع بما وقع الإبراء به عليها إذ لا فرق بين دين ودين في هذا المعنى والمراد براءة الإسقاط لا براءة الاستيفاء كما لا يخفى (فإن وجد الشرط) الذي تقع به الطلاق بدليل قوله بعد طلقت فعم كلامه ما لو علقه بشرطين فإنه يشترط الملك إلى آخرهما وتنصيصه على ذلك بعد لخلاف زفر ولخفائه (في الملك) الذي ملك حبسهما، وهذا شامل لما إذا وجد في العدة (طلقت) لقبول المحل للجزاء (وانحلت) اليمين أي: انتهت لأن بقائهما ببقاء الشرط والجزاء لا وجود لها، (وإلا) أي: وإن لم يوجد الشرط في الملك (لا) أي: لا تطلق لعدم قبول المحل للجزاء (وانحلت) اليمين لوجود الشرط (وإن اختلفا) أي: الزوجان (في وجود الشرط) المعلق عليه طلاقها أي: في تحققه وثبوته سواء كان وجوديا أو عدميا فتعبير بعض المتأخرين الوجود بالوقوع ليس فيه كبير فائدة (فالقول له)، لأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك وهي تدعيه كذا في (الهداية) والعلة الثانية شاملة لما إذا علق طلاقها بعد دخولها الدار أو بعدم جماعها في الحيض وقالت: لم أدخل ولم تجامعني فيه فإن القول له مع أن الأصل عدم ذلك وإنما كان القول لها فيما إذا قال وهي طهر خال عن الجماع أنت طالق للسنة، ثم قال: جامعتك في حيضك وأنكرت لأنه يريد أبطال حكم واقع بعد وجود السبب والمضاف إليه، أما الأول فلأن المضاف سبب للحال وأما الثاني فلأن الوقت وقت طلاق السنة بالفرض حتى لو كانت حائضا قبل قوله، وعلى هذا لو ادعى قربانها بعدما آلى منها فإن كان بعد مضي المدة لم يقبل قوله وإلا قبل، وكذا لو قال: عبده حر إن طلقتك ثم خبرها فقالت: اخترت نفسي وادعى أنها أخذت في عمل آخر قبل ذلك وأنكرت فالقول لها ووقع العتق لوجود سبب الطلاق والظاهر وقوعه ودعواه الإعراض دعوى المبطل فلا تقبل كذا في (الكافي) واعلم أن إطلاق (الكتاب) كغيره يقتضي أنه لو علق طلاقها بعدم وصول النفقة إليها عشرة أيام مثلا فادعى الوصول وأنكرت أن القول له وبه جزم في (القنية) لكن صحح في (الخلاصة) وغيرها أن القول لها يعني في وجود الشرط فيقع الطلاق.

قال في (البحر): وكأنه ثبت في ضمن قبول قولها في عدم وصول المال (إلا إذا برهنت) أي: أقامت البرهان/ يعني البينة على دعواها سواء كانت بينة على نفي أو

ص: 393

وما لا يعلم إلا منها فالقول لها في حقها كإن حضت فأنت طالق، وفلانة أو إن كنت تحبيني فأنت طالق، وفلانة فقالت: حضت، أو أحبك طلقت هي فقط

ــ

إثبات فقد ذكر السرخسي أن الشرط يجوز إثباته بالبرهان وإن كان نفيا، كما لو قال لعبده: إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر فأقام ببينته أنه لم يدخل تقبل، فعلى هذا يتخرج جواب واقعة الفتوى، ولو جعل أمرها بيدها إن ضربها بغير جناية ينبغي أن تقبل وفي (شهادات الصغرى) إن لم تجئ صهرتي في هذه الليلة ولم أكلمها في كذا فامرأته كذا فشهد أنها لم تجئه ولم يكلمها وأنها طلقت قبلت كذا في الفصل الثالث عشر من (العمادية) لكن يشكل عليه ما سيأتي.

لو قال: عن لم أحج العام فعبدي حر فشهد بنحره بالكوفة لم يقبل عندهما خلافا لمحمد لأنها قامت على النفي معنى نعم إن كان عدم القبول لاشتراط دعوى العبد كما قد قيل فلا إشكال، (وما) أي: وكل شرط (لا يعلم) وجوده (إلا منها فالقول لها في حقها) ظاهره من غير يمين ويدل عليه قوله: فقالت: حضت أو أحبك طلقت وهذا لأن الطلاق إنما تعلق بإخبارها وقد وجد، والمراهقة في هذه كالبالغة، واختلف فيما لو قال لعبده: إن احتلمت فأنت حر فقال: احتلمت فروى هشام أنه لا يصدق والأصح أنه يصدق لأن الاحتلام لا يعرفه غيره كالحيض كذا في (المحيط)(كإن حضت فأنت طالق، وفلانة أو إن كنت تحبيني) سواء قال بقلبك أو لا أو تحبيني يعذبك الله بنار جهنم أو تحبين الفراق أو الطلاق كما في (المحيط) أو تكرهين الجنة أو تبغضيني (فقالت: حضت) وهي حائض فإن طهرت لم يقبل قولها لأنه ضروري فيشترط قيام الشرط ولم أر ما لو كانت صغيرة لا تحيض مثلها أو آيسة وينبغي أن يقبل قول الآيسة لا الصغيرة (أو) قالت: (أحبك) أو أحب أو أكره أو أبغض (طلقت هي فقط) دون فلانة إذا كذبها الزوج بإجماع الأربعة، فإن صدقها طلقت فلانة أيضا وكذا تطلق فلانة إذا علم وجود الحيض منها كما في (الجوهرة). فإن قلت هذا الحصر ممنوع فإنه لو قال: إن شربت مسكرا بغير إذنك فأنت كذا وشربه ثم اختلفا في الإذن فالقول له والبينة لها كذا في (الحافظية).

ولو قال: إن ذهبت على بيت أبي بغير إذنك فأنت طالق فادعى إذنها وأنكرت فالقول له لأنه ينكر وقوع الطلاق نص عليه في (الصيرفية) ومعلوم أن الإذن لا يستفاد إلا منها قلت: كل من الحيض ونحو المحبة لا يطلع عليها غيرها بخلاف الإذن فإنه يطلع عليه غيرها بقولها إذ هو فعل اللسان، قيد بمحبتها لأنها لو علقها بمحبة غيرها توقف الوقوع على تصديقه فقد نص في (المحيط) على أنه لو قالت: أنت كذا إن لم تكن أمك تهوى ذلك فقالت الأم: أنا لا أهواه وكذبها الزوج لا تطلق فإن صدقها

ص: 394

وبرؤية الدم لا يقع فإن استمر ثلاثا وقع من حين رأت، وفي

ــ

طلقت وعن محمد لو قال: إن كان فلان مؤمنا فأنت طالق لا تطلق لأن هذا لا يعلمه غيره وإن كان هو من المسلمين ويصلي ويحج.

ولو قال: لي إليك حاجة فقال: امرأته طالق إن لم أقضها، فقال: هي أن تطلق زوجتك كان له أن لا يصدقه وفي (الخانية) إن سررتك فأنت طالق فضربها فقالت: سرني قالوا: لا تطلق لأنا تيقنا بكذبها واستشكله بأن السرور لا يتوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق يخبرها وإن تيقنا بكذبها كقوله: إن كنت تحبيني يعذبك الله بنار جهنم فقالت: أحب ولو أعطاها ألف درهم فقالت: لم يسرني كان القول لها لاحتمالها طلبها الألفين فلم يسرها الألف انتهى، وقد يفرق بنيهما بأن إيلام الضرب القائم بها دليل ظاهر على كذبها بخلاف مجرد محبة العذاب فإنه لا دليل فيه على التيقن بكذبها بل لشدة بغضها إياه، وقد تحب التخلص منه به وعلى هذا فينبغي أنه لو قال لها: إن كنت تحبين العذاب فأنت كذا فحرقها بالنار فقالت: أحببته أنه لا يقع ثم رأيت في (فتح القدير) ما يومئ إلى ذلك حيث قال: جاز أن تحملها شدة بغضها مع غلبة الجهل وعدم الذوق للعذاب للحال على الخلاص منه بالعذاب، واعلم أن تسوية المصنف بين الحيض والمحبة في الطلاق لا يقتضي عدم الفرق بينهما من وجه آخر فقد فرقوا بينهما بأن التعليق بالمحبة يقتصر على المجلس بخلاف الحيض وأنها لو كانت كاذبة في الإخبار طلقت ديانة في التعليق بالمحبة بخلاف الحيض. وفي (الفوائد الظهيرية) أنت طالق إن كنت أنا أحب كذا ثم قال: لست أحبه فهي امرأته ديانة أيضا.

قال السرخسي: هذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه وإن كان لا يعرف ما في قلبها لكن الحكم يدار على الظاهر وهو الإخبار وجودا وعدما (وبرؤية الدم لا يقع) الطلاق المعين بحيضها لجواز أن يكون المرئي دم استحاضة (فإن استمر) الدم (ثلاثة أيام وقع) الطلاق (من حين رأت) الدم لأنه بالاستمرار تبين أن المرئي كان حيضا من الابتداء وفائدة/ هذا الإسناد تظهر فيما إذا كانت غير مدخول بها فتزوجت حين رأت الدم، أو كان المعلق بالحيض عتقا فجنى العبد أو جني عليه بعد رؤية الدم قبل أن يستمر فإذا استمر صح النكاح وكانت الجناية جناية الإحرام، (و) فيها إذا خالعها (في) الثلاث حيث يبطل الخلع لأنها مطلقة قاله الحدادي ونظر فيه بأن البائن يلحق الصريح لكن الظاهر أنه محمول على ما إذا لم تكن مدخولا بها وعليه فلا إشكال وعلى المفتي بأن يقول: طلقت حين رأت الدم ولا تحسب هذه الحيضة من العدة لأن الشرط حيث كان هو رؤية الدم لزم أن يكون الوقوع بعد بعضها، ومن ثم قالوا:

ص: 395

إن حضت حيضة يقع حين تطهر وفي إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فثنتين فولدتهما، ولم يدر الأول تطلق واحدة قضاء وثنتين تنزها ومضت العدة

ــ

(إن) الطلاق بدعي ولو ماتت بعدما تزوجت من ساعتها كان ميراثها للزوج الأول دون الثاني كما في (الخانية).

وفي قوله: (حضت حيضة يقع) الطلاق (حين تطهر) أي: يحكم بطهرها إما بانقطاعه لعشرة أو بالاغتسال أو بما يقوم مقامه من صيرورة الصلاة دينا في ذمتها فيما إذا انقطع لما دونها، لأن الحيضة اسم للكامل منها، وكذا لو قال: أنت كذا نصف حيضة كان الحكم كما في حيضة، ولو قال: إذا حضت نصفها فأنت كذا وإذا حضت نصفها الآخر فأنت كذا لا يقع شيء ما لم تحض وتطهر فإذا طهرت وقع طلقتان كذا في (الجوهرة) ولو كانت حائضا لا تطلق ما لم تطهر ثم تحيض، فإن نوى ما يحدث من هذا الحيض فهو على ما نوى، وكذا إذا قال: إن حبلت إلا أنه هنا إذا نوى الحبل الذي فيه لا يحنث لأنه ليس له أجزاء متعددة بخلاف الحيض قاله الحدادي.

ولو قال لطاهرة: إذا طهرت فأنت كذا لم تطلق حتى تحيض فتطهر، قيد بقوله إن حضت لأنه لو قال لها: أنت كذا قبل أن تحيض حيضة طلقت إذا حاضت ولا ينتظر طهرها (وفي) قوله: (إن ولدت ولدا ذكرا فأنت طالق) طلقة (واحدة وإن ولدت أنثى فاثنتين فولدتهما) أي: واحدا بعد واحد (ولم يدر الأول) منهما (تطلق واحدة قضاء واثنتين تنزها) تباعدا عن الحرمة.

(ومضت العدة) أي: انقضت لأن الغلام إن كان أولا تقع واحدة وبوضع الجارية تنقضي العدة ولا يقع، شيء لما استقر أن الطلاق المقارن لانقضائها لا يقع وإن كانت الجارية أولا وقعت اثنتان ولا يقع بالغلام لما قلنا ولو اختلفا فالقول للزوج وقيدنا بكون الولادة واحدا بعد واحد لأنه لو تحقق ولادتهما معا وقع الثلاث وتعتد بالإقرار ولم يذكره لاستحالته عادة، وقيد بكونه لم يدر الأول لأنه لو علم وقع المعلق بالسابق ولا يقع بالآخر شيء لما مر ويكون المولود غلاما أو جارية لأنها لو ولدت معه جاريتين وقع اثنتين قضاء وثلاث تنزها لأن الغلام إن كان أولا تطلق ثلاثا واحدة به واثنتان بالجارية الأولى وإن كان آخرا وقع اثنتان بالجارية الأولى ولم يقع بالثانية شيء ولا بالغلام لما مر ولو ولدت غلامين وجارية واحدة في القضاء وفي التنزه ثلاث، قيد بالولادة لأنه لو قال: إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان جارية ثنتين

ص: 396

والملك يشترط لآخر الشرطين،

ــ

فاثنتان فولدتهما والمسألة بحالها لم تطلق لأنه اسم جنس مضاف فيعم كله فما لم يكن الكل غلاما أو جارية لم تطلق، وكذا لو قال إن كان ما في بطنك غلاما والباقي بحاله لأن كلمة ما عامة، ولو قال: إن كان في بطنك والمسألة بحالها وقع الثلاث ولو علق طلاقها بحبلها لم تطلق حتى تلد لأكثر من سنتين من وقت اليمين، ويندب أن يستبرئها قبل أن يطأها لتصور حدوثه، (والملك) أي: ملك الطلاق (يشترط) وجوده (لآخر الشرطين) دون أولهما يعني بعد انعقاد اليمين لقوله أول الباب: إنما يصح في الملك أو تضاف إليه. اعلم أن تحقق الشرطين إنما يكون بتكرار إرادتهما وهو على وجهين بواو وبغيره، أما الثاني فكقوله إن أكلت إن لبست فأنت طالق لا تطلق ما لم يوجد بأن تلبس ثم تأكل لا فرق في ذلك بين تقديم الجزاء أو تأخيره أو توسطه، ويشترط الملك عند آخرهما وهو الملفوظ به أولا في التقديم والتأخير وفي التوسط عندهما.

ففي (التجريد) قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا لابد من اعتبار الملك عند الشرط الأول فإن طلقها بعد الدخول ثم دخلت الدار وهي في العدة ثم كلمت فلانا وهي في العدة طلقت انتهى.

وعلله في (البدائع) بأن جعل الدخول شرط انعقاد اليمين كأنه قال عند الدخول: إن كلمت فلانا فأنت طالق واليمين لا تنعقد إلا في الملك أو مضافة إليه فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت اليمين المتعلقة بالكلام/ فإذا كلمت يقع، وإن لم تكن في ملكه عند الدخول لم يصح التعليق فما في (فتح القدير) من أن ما في (التجريد) بناء على الظاهر من التقديم والتأخير فكان المتقدم شرط الانحلال فيعتبر الملك عنده فيه تأمل، إذ لو كان كذلك لكان الشرط الأول هو الكلام وما في (التجريد) ظاهر في أنه الدخول وبه صرح في (البدائع) هذا إذا كان الثاني غير الأول فإن كان عينه كإن دخلت هذه الدار إن دخلت هذه الدار فعبدي حر حنث بدخول واحد استحسانا، ويجعل الثاني تكرارا والقياس أن لا يحنث إلا بدخولين، ولقائل أن يقول لو جعل تكرارا لزم ثبوت الحرمة حالا ويصير الثاني فاصلا كما في أنت حر وحر إن شاء الله تعالى، وحاصل الجواب أن مع العطف لا يمكن جعل الثاني تكرارا لفظا وإن كان تكرارا معنى إذ لا يعطف الشيء على نفسه، فكان فاصلا لانتفاء التكرار بخلافه مع عدمه كما في (البزازية)، وفي (الخانية) إن دخلت الدار وإن دخلت الدار فأنت طالق فهذا على دخلتين انتهى، فإما أن يفرق بين الصورتين أو أن هذا اختيار لوجه القياس، وفي (المحيط) لو قال: إن تزوجتك وإن

ص: 397

ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه،

ــ

تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها مرتين بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه وعلى هذا فيفرق بين ما إذا كان بالواو أو بدونه فيما إذا أخر الجزاء وكان بمعنى واحد فليحفظ كذا في (البحر).

أما الأول فإذا قال: أنت طالق إذا قدم فلان وفلان أو ذكر بكلمة إن أو متى فأيهما قدم أولا وقع الطلاق ولا ينتظر قدوم الآخر، وكذا إذا خلل الجزاء بين الشرطين ولابد من الملك عند أيهما وجد، فإن قدما معا لم يقع إلا واحدة فإن أخره لم يقع حتى يقدما، أما إذا لم يكرر الأداة بل ذكر شرطا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما كإن كلمت أبا عمر وأبا يوسف، وإن دخلت دار زيد ودار عمرو فأنت كذا اشترط قيام الملك عند آخرهما عندنا، وقال زفر عند كل منهما، وقياسه فيما إذا كان فعلا قائما باثنين من حيث هو قائم بهما أن يكون كذلك نحو إن جاء زيد وعمرة فأنت طالق فلا يقع إلا أن يجيء كل منهما، وإذا علم هذا فالمراد بالشرطين أمر يتعلق الطلاق بهما ولا يقع بأحدهما، سواء كانا شرطين حقيقة بتعدد أداتهما أو لا فقصر الشارح كلام المصنف على ما إذا كان الشرط ذا وصفين مما لا ينبغي، واعترض الكمال على الشارح في جعله مسألة الكلام من تعدد الشرط سهو لأنه إنما جعله من قبيل الشرط المشتمل على وصفين، وعلى حمل عبارة المصنف لا من قبيل تعدد الشرط ويرد عليه ما إذا وسط الجزاء فإنه حينئذ يشترط الملك لأولهما وعن هذا أجاب ابن الملك إنما اشترط في الأولى لانعقاد الثانية وقد مر أن التعليق إنما يصح في الملك أو مضاف إليه، وأنت خبير بأن هذا فيه إيهام خلاف الواقع وذلك أن الشرطين صادقان بالعطف أيضا، وقد علمت أنه يقع الطلاق معه بأولهما، ودعواه أن الشارح لم يجعله من تعدد الشرط كما فهمه في (فتح القدير) سهو وذلك أنه قال بعد ذكر كلام المصنف يعني إذا كان الشرط ذا وصفين إلى آخره وهو ظاهر في أن هذا من تعدد الشرطين وكان العذر للشارح أنه لا يصح أن يراد كل شرطين لما قد علمته بخلاف كل شرط ذا وصفين فإن اشتراط الملك آخره صحيح فتدبر هذا المقام فإنه من مزال الأقدام، (ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه) أي: تعليق الثلاث قال مسكين، وإلى هذا يشير أكثر الكتب والأولى أن يعود إلى الزوج يشمل ما دون الثلاث.

وفي (البحر) الأولى أن يعود إلى الطلاق ولا يخفى أن إضافة المصدر إلى فاعله هي الأصل ومعنى المسألة أنه لو علق طلاقها ثلاثا أو واحدة أو اثنتين بدخول الدار فطلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر ثم دخلت لم تطلق لأن المعلق إنما هو طلقات هذا الملك وقد فات قيد بالثلاث لأنه لو طلقها اثنتين فعادت إليه بعد زوج

ص: 398

ولو علق الثلاث، أو العتق بالوطء

ــ

آخر وقد كان المعلق الثلاث فوجدت طلقت ثلاثا عندهما وعند محمد ما بقي من الأول بناء على مسألة الهدم الآتية، وعلى هذا تفرع ما لو كان المعلق واحدة والمنجز اثنتين فعادت إليه بعد زوج آخر ووجد الشرط حرمت عنده حرمة غليظة، وعندهما لا تحرم، وأورد بعض الأفاضل أنه يجب أن لا يقع إلا واحدة لقولهم: المعلق طلقتان هذا الملك.

وأجاب في (الفتح) بأن هذه قضية مشروطة بدوام ملكه لها فإذا زال بتطليقها اثنتين بقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها، وأمكن وقوعها وهذا ثابت في تنجيزه الاثنتين فيقع وقيد بالطلاق لأن الظهار لا يبطل به لأنه تحريم الفعل لا الحل الأصلي إلا أن قيام النكاح من شرطه فلا يشترط/ بقاؤه لبقاء المشرط. تتميم: مما يبطل به أيضا الحكم بلحاقه مرتدا بدار الحرب كما مر، وفوت محل البر نحو إن كلمت فلانا أو دخلت هذه الدار فمات أو جعلت بستانا ومنه ما في (القنية) لا يخرج من بخارى إلا بإذن هؤلاء الثلاثة فجن أحدهم لا يخرج، ولو مات لم يحنث لبطلان اليمين وستأتي مسألة الكون بفروعها، (ولو علق) الطلقات (الثلاث أو) علق (العتق بالوطء) في الجماع بأن قال: إن وطئتك أو جامعتك فأنت كذا حنث بالتقاء الختانين ولو نوى بالأول الدوس بالقدم لم يصدق في صونه عن الجماع لكن يحنث به أيضا.

ولو قال: إن وطئت كان على الدوس بالقدم باتفاق أصحابنا، كذا في (الدراية) وبالثاني الموافقة لها في شيء من الأشياء فالظهار أنه لا يصدق أيضا، حكي عن الطحاوي: أنه كان يملي أمته مسائل قائلا فيها إننا جامعناكم على كذا ألستم جامعتمونا على كذا مريدا هذا المعنى فتبسمت يوما فقال لها: ما شأنك فتبسمت أيضا فلما أحس أنها ذهبت إلى الجماع المعروف بهذا اللفظ غضب وقطع الإملاء وقال: اللهم إني لا أريد الحياة بعد هذا فمات بعد خمسة أيام وكان سنه اثنتين وستين أو إحدى وستين بناء على الاختلاف في ولادته فقيل سنة تسع وعشرين وقيل ثلاثين ومائتين ولم يختلفوا في أن موته سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وله من المكتب (أحكام القرآن ومعاني الآثار ومشكل الآثار والمختصر الفقهي والشروط الكبير والصغير والأوسط والمحاضر والسجلات والوصايا والفرائض وتاريخ كبير ومناقب أبي حنيفة والنوادر الفقهية والنوادر والحكايات واختلفا الفقهاء وعقيدة في أصول الدين وحكم أراضي مكة وقسمة الفيء والغنائم) وشرح (الجامع الصغير) و (الكبير والعقيدة) وغير ذلك تفقه علي جعفر أحمد بن أبي عمران وموسى بن عيسى وغيره

ص: 399

لم يجب العقر باللبث، ولم يصر به مراجعا في الرجعي، إلا إذا أولج ثانيا ولا تطلق في إن نكحتها عليك، فهي طالق فنكح عليها في عدة البائن ولا في أنت طالق إن شاء الله

ــ

تغمده الله برضوانه، (لم يحب العقر) بضم العين دية الفرج المغصوب وصداق المرأة كذا في (القاموس) وفي (المصباح) إنه دية فرج المرأة إذا غصب ثم كثر حتى استعمل في المهر وبفتحها الجرح، (باللبث) بفتح اللام وسكون الباء المكث من لبث كسمع وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه بالتحريك إذا لم ينفد كذا في (القاموس) أيضا وعن الثاني وجوبه في الفصلين لوجود الجماع بالدوام بعد الثلاث والحرية وجه الظاهر أن الجماع الثاني هو الإدخال ليس له دوام حتى يكون لدوامه حكم الابتداء.

(ولم يصر به) أي: بالمكث (مراجعا في) الطلاق (الرجعي)، هذا قول محمد لأنه فعل واحد فليس لآخره حكم على حدة، وقال الثاني: يصير مراجعا لوجود المس بشهوة وهو القياس (إلا إذا أولجه ثانيا) حقيقة أو حكما بأن حرك نفسه فإنه يجب عليه العقر ويصير مراجعا اتفاقا، لكن لا يجب الحد ولقائل أن يقول: هذا في الطلاق مسلم لوجود العدة أما في العتق فينبغي أن يجب لخلو الوطء عن الملك وشبهته وجوابه أن هذا ليس بابتداء فعل من كل وجه لاتحاد المجلس والمقصود، واعلم أنه روي عن محمد أنه لو زنى بامرأة فتزوجها في تلك الحالة فإن لم ينزع من ساعته بل لبث وجب مهران مهر بالوطء ومهر باللبث لأن دوامه على ذلك فوق الخلوة، وهذا يشكل على ما مر إذ قد جعل لآخر هذا الفعل الواحد حكم على حدة.

(ولا تطلق) الجديدة (في) قوله للقديمة: (إن نكحتها) أي: فلانة (عليك فهي طالق فنكح) فلانة (عليها في عدة) الطلاق (البائن)، لأن التزوج هو أن يدخل عليها من يشاركها في القسم ولو يوجد، قيد بقوله عليك لأنه لو لم يقله طلقت الجديدة بالبائن لأنه لو كان رجعيا طلقت كذا في (شرح مسكين) وينبغي أن يقيد بما إذا أراد رجعتها لما مر من أنه لا يقسم لها إلا عند هذه الإرادة، وهذه واردة على المصنف (ولا) تطلق في قوله:(أنت طالق إن شاء الله)، حاصله أنه إذا علقه بمشيئة من لا تعلم مشيئته أو بإرادته أو محبته أو رضاه كالباري والملائكة والجن والإنس والحائط وأشرك معه من تعلم مشيئته كإن شاء الله وزيد بأداة هي إن أو إلا إن أو إذا أو ما أو الياء أو إن لم تطلق لرواية الترمذي:(من حلف على يمين وقال: إن شاء الله لم يحنث) ولو قال: بأمره أو يحكمه أو بقضائه أو بعلمه أو بقدرته أو بعونه وقع

ص: 400

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للحال، سواء أضافه إلى الله أو إلى العبد، بخلاف ما إذا أضاف المشيئة وما بعدها إلى العبد حيث يكون تمليكًا يقتصر فيه على مجلس علمه فإن شاء فيه بأن قال: شئت وكله إلى فلان وقع ذكر الطلاق أولى، ولو أتى باللام التعليلية/ وقع في الوجوه كلها سواء أضافه إلى الله تعالى أو إلى العبد، ولو بفي لم يقع في الوجوه كلها إن أضافه إلى الله تعالى إلا في العلم والقدرة إن أراد حقيقتها وإن أضافه إلى العبد كان تمليكًا في الأربعة الأولى وما بمعناها من الهوى والرؤية تعليقًا في الباقي، والحاصل أن هذه المسألة أعني ما إذا لم يعلق بإن على ستين وجهًا وذلك أن كل واحد من هذه الألفاظ العشرة إما أن يضاف إلى الله تعالى أو إلى العبد وكل وجه على ثلاثة لأنه إما أن يكون بالباء أو اللام أو بفي. واعلم أن عدم الوقوع فيما شاء الله مسلم بتقدير كون ما مصدرية ظرفية لا ما إذا قدرت موصولاً اسميًا أي: الذي شاء الله تعالى من الواقع واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا ولا شك في أنت طالق المذكور هنا فصار كقوله: أنت طالق كيف شئت كذا في (الفتح).

ولكنه إنما يتم بتقدير إرادة المقدار الذي شاء تعالى وليس بمتعين لجواز أن يراد الطلاق الذي شاء الله تعالى ومشيئته لا تعلم فلم يقع إذ العصمة ثابتة بتعين فلا تزول بالشك ثم التعليق بالمشيئة إبطال عندهما، وقال الثاني: إنه تعليق وقد نقل الخلاف بين الشيخين على عكسه، وأثر الخلاف يظهر فيما إذا قدم الشرط فقال: إن شاء الله أنت طالق، فعلى التعليق تطلق لعدم إلغاء في عدم وجوبها إلا على الإبطال وفي (المجمع) وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقًا وهما تطليقًا، وشرحه المصنف بناء على ما هو الظاهر فنسب إلى الثاني عدم الإيقاع بنا على أنه تعليق وإليهما الإيقاع قال في (الفتح): وهو غلط فاجتنبه، والظاهر أن هذا الغلط واقع في المتن أيضًا إذ مقابلة التعليق بالتطليق يقتضي عدم الوقوع على الأول والوقوع على الثاني وما في (البحر) أن الذي يقتضيه ما في المتن أنه يقع على التعليق لعدم الرابط ولا يقع عندهما يأباه قوله: وهما تطليقًا، وفيما إذا جمع بين يمينين فقال: أنت طالق إن دخلت الدار وعبدي حر إن كلمت زيدًا إن شاء الله فعلى التعليق يعود إلى الثانية وعلى الإبطال إلى الكل وفيما إذا حلف لا يحلف بالطلاق وقال حنث على التعليق لا الإبطال، وفيما إذا قال: كنت طلقتك أمش إن شاء فعندهما لا يقع وعند أبي يوسف يقع.

قال في (الفتح): وفي (فتاوى) قاضي خان الفتوى على قول أبي يوسف إلا أنه عزى إليه الإبطال فتحصل على أن الفتوى على أنه ظاهر على أنه باطل أو إبطال وجزم

ص: 401

متصلاً،

ــ

في (البحر) بأن هذا سهو، وإنما عزى إليه قاضي خان اليمين حيث قال: لو قال: إن شاء الله أنت طالق لا تطلق في قول أبي يوسف وتطلق في قول محمد والفتوى على قول أبي يوسف، وكذا لو قال: إن شاء وأنت طالق، ثم اختلف أبو يوسف ومحمد أن الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينًا؟ قال أبو يوسف: يكون يمينًا حتى لو قال: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها: أنت طالق إن شاء الله حتى صح الاستثناء عندهما حنث في قول أبي يوسف، وقال محمد: لا يكون يمينًا ولا يحنث وكذا لو قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار وعبدي حر إن كلمت فلانًا إن شاء الله تعالى على قول محمد ينصرف الاستثناء إلى الطلاق والعتاق جميعًا وعلى قول أبي يوسف ينصرف إلى اليمين الثانية انتهى، قال: فظهر بهذا أن أبا يوسف قائل بأنها يمين لا إبطال وأن على القول بالتعليق لا يقع الطلاق فيما إذا قدم الشرط ولم يأت بإلغاء كما في (شرح المجمع) لا أنه يقع الطلاق فيما إذا قدم الشرط على القول به، وإن (شارح المجمع) قد غلط كما توهمه في (فتح القدير).

وأقول: أنت خبير بأن مقتضى الإبطال القابل للتعليق عدم الوقوع فيما إذا قدم المشيئة فقوله في (الفتح) إلا إليه عزى إليه الإبطال أي المومأ إليه بعدم الوقوع لا خصوص هذا اللفظ كما توهمه في (البحر) فجزم بأنه سهو ولا يصح أن يخرج هذا على القول بالتعليق إذ لا يعرف ثبوته مع عدم الرابط، فتعين أن يخرج على الإبطال فعليك أبدًا بالتدبير في كلام هذا الإمام مخافة أن تنزل بك الأقدام، وما في (البزازية) أن الفتوى على قول الثاني من الحنث فيما إذا حلف لا يحلف فخرج على التعليق، وقد علمت أن بعض المشايخ نسبه إليه، وما فيها أيضًا أنت طالق إن شاء الله أنت طالق فالاستثناء ينصرف إلى الأول ويقع الثاني وقال زفر: لا يقع شيء، وكذا أنت طالق ثلاثًا إن شاء الله تعالى طالق وقعت واحدة في الحال مبني على كل القولين أعني التعليق والإبطال، وهذا لأن الجملة الثانية منعطفة على الأولى وتوهم في (البحر) بناء على ما سبق له من أنه يصح أن يوجد التعليق مع عدم الرابط ولا يقع فقال: ينبغي أن تكون الفتوى على قول زفر لما مر من عدم الوقوع في إن شاء/ الله أنت طالق وأنت قد علمت ما هو الواقع (متصلاً) بما قبله بأن لم يكن بين اللفظين فاصل حقيقي ولا حكمي، فمن الأول والسكون بلا عذر تنفس أو جشاء أو تفل لسان أو إمساك لفيه، ومن الثاني أنت طالق إن شاء الله تعالى وثلاثًا وواحدة إن شاء الله عند الإمام وقالا: يقع وأجمعوا أنه لو قال: طالق واحدة وثلاثًا إن شاء الله لم يقع،

ص: 402

وإن ماتت قبل قوله: إن شاء الله

ــ

وفي (النوازل) والله لا أكلم فلانًا أستغفر الله إن شاء الله فهو مستثن ديانة لا قضاء ولو قال: أنت طالق ثلاثًا بواوين وقع، ولو قال: واحدة بائنة لم يقع كذا في (الشرح) وعلى هذا تفرع ما في (القنية) أنت طالق رجعيًا إن شاء الله وقع وبائنًا لا يقع ولو قال: رجعيًا أو بائنًا يسأل عن نيته فإن عنى البائن يقع وادعى في (البحر) أن الصواب عكس هذا لأن الفاصل موجود فيما إذا عنى الرجعي دون البائن.

وأقول: بل الصواب ما في (القنية) وذلك أن معنى كلامه أنت طالق أحد هذين ولهذا لا يكون الرجعي لغوًا وإن نواه بخلاف ما إذا نوى البائن، وأما البائن فليس لغوًا على كل حال (وإن ماتت) الزوجة (قبل قوله: إن شاء الله) لأن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجابًا والموت ينافي الوجوب دون المبطل، بخلاف ما إذا مات الزوج وهو يريده لأنه لم يتصل به الاستثناء وتعلم إرادته بأن ذكر لآخر ذلك قبل الطلاق.

تتمة: ادعى الاستثناء أو الشرط في الطلاق أو الخلع وكذبته فالقول له إلا إذا ذكر البدل كما في (الصغرى) ولو قال: ما قبضته إنما هو حق لي عليك وقالت: بل هو بدل الخلع فالقول له كذا في (الفصول) وإلا إذا شهد عليه بأنه طالق أو خالع بغير استثناء وقالا: لم يستثن وهو من المسائل التي تقبل فيها الشهادة على النفي فإن لم يشهد عليه بل قالا: لم نسمع منه غير لفظة الطلاق والخلع والزوج يدعي الاستثناء ففي (المحيط) القول له وفي (فوائد) شمس الإسلام لا يقبل قوله وفي (الفصول) وهو الصحيح.

وفي (الخانية) لو قال الزوج: طلقتك أمس وقلت إن شاء الله ففي ظاهر الرواية القول قول الزوج وذكر في (النوادر) خلافًا بين أبي يوسف ومحمد، فعلى قول أبي يوسف يقبل وعلى قول محمد لا يقبل وعليه الاعتماد والفتوى احتياطًا في أمر الفروج في زمن غلب على الناس الفساد انتهى، ويوافقه ما نقله نجم الدين النسفي عن شيخ الإسلام أبي الحسن أن مشايخنا أجابوا في دعوى الاستثناء في الطلاق أن لا يصدق الزوج إلا ببينة لأنه خلاف الظاهر.

قال في (الفتح): والذي عندي أن ينظر إلى حال الزوج فإن عرف بالصلاح والشهود لا يشهدون على النفي ينبغي أن يؤخذ بما في (المحيط) من عدم الوقوع وإلا فبالوقوع، ومن الاستثناء أنت كذا لولا أبوك ولولا حسنك أو لولا أني أحبك فلا

ص: 403

وفي أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة يقع اثنتان وفي إلا ثنتين واحدة وفي إلا ثلاثًا ثلاث

ــ

يقع شيء كما في (الخانية) قال أبو الليث: ويقرب منه إن دخلت الدار فلله علي أن أتصدق بمائة مثلاً لأن من الأمثال ما هو حقيقة ومنها ما ليس على الحقيقة وبه نأخذ، لأن في المثل تشبيه ولا يكون في التشبيه إيجاب إلا أن يريد الرجل الإيجاب على نفسه فيلزمه كذا في (المحيط) (وفي) قوله:(أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة يقع اثنتان) شروع في بيان الاستثناء الوضعي بعد الفراغ من العرفي وألحق بالتعليق لاشتراكهما في منع الكلام عن إثبات موجبه إلا أن الشرط يمنع الكل والاستثناء البعض وقدم المشيئة لمشابهتها للشرط في منع الكل وذكر إرادة التعليق غير أنه منع لا إلى غاية والشرط منه إلى غاية تحققه، ثم الاستثناء بيان بإلا وإحدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدور بما سبق إلى الفهم أن في المتصل تناقضًا من حيث أن قولك لزيد على عشرة إلا ثلاثة إثبات للثلاثة في ضمن العشرة ونفي لها صريحًا فاضطروا إلى بيان كيفية عمله على ثلاثة أقوال:

الأول: - وعليه أكثرهم -: أن العشرة مجاز عن السبعة ولا قرينة، الثاني: أن المراد بعشرة معناها أي: عشرة أفراد فيتناول الثلاثة والسبعة معًا ثم أخرج منها ثلاثة حتى بقيت سبعة ثم أسند الحكم إلى العشرة المخرج منها الثلاثة فلم يقع الإسناد إلا على سبعة، الثالث: أن عشرة إلا ثلاثة موضوع بأن السبعة حتى كأنه وضع له اسمان مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة، وحجة كل قول مبسوطة في (التلويح) وغيره (وفي) قوله: أنت طالق ثلاثًا (إلا اثنتين يقع واحدة) وفيه إيماء إلى صحة استثناء الأكثر وهو الأصح.

وعند الثاني: أنه لا يصح وبه قال أكثر البصريين، وظاهر الرواية هو الأول ولا خلاف في عد جواز استثناء الكل وإلى ذلك أشار بقوله:(وفي) أنت طالق (إلا ثلاثًا) يقع (ثلاث) لا فرق/ في ذلك بين أن يكون بلفظ المصدر كما مثل أو مساوية كعبيدي أحرار لا مماليكي فيعتقون كما في (المبسوط) وغيره.

وفي (الولوالجية) قال لعبيده الثلاث: أنتم أحرار إلا فلانًا أو فلانًا وقع العتق ولا يصح استثناء الكل من الكل انتهى، ومنه أيضًا أنت طالق ثلاثًا إلا اثنتين وواحدة علله في (المحيط) بأنه استثناء الكل من الكل، لأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع وقالوا: لو قال: عبيدي أحرار إلا فلانًا أو فلانًا وليس له غيرهما لم يعتقوا وكذا نسائي طوالق إلا فلانة وفلانة لأن المساواة في الوجود لا يمنع صحة الاستثناء إن عدم وضعًا كقوله كل امرأة لي طالق إلا هذه أو قال: إلا هؤلاء وليس له غير هؤلاء كما في (المحيط) وعلى هذا فينبغي أنه لو قال: أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة وليس له

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرهما أن يقع، ولو قال: أنت طالق واحدة إلا نصفها وقعت واحدة أي: اتفاقًا وإنما اختلفوا في التوجيه فقيل: إن استثناء النصف وإن صح لكنه يصير كأنه قال: أنت طالق نصف تطليقة وهي مما لا يتجزأ فيتكامل، وقيل: لأنه استثناء الكل لأن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله وأثر الخلاف يظهر فيما لو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا نصف واحدة وقع الثلاث على الأول وهو قول محمد وهو المختار، وعلى الثاني يقع اثنتان ونسب إلى الثاني وفي (الخانية) أنت طالق ثلاثًا إلى نصفها يقع اثنتان، ولو قال: إلا أنصافهن يقع الثلاث، ثم كون المتفرق لغوًا مقيدًا بما إذا لم يكن بعده استثناء آخر يكون خبرًا للصدر فإن كان صح وعلى هذا تفرع ما لو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة حيث يقع واحدة وقعت اثنتان لأن الاستثناء إذا تعدد بلا واو كان الكل إسقاطًا مما يليه فيلزم أن كل فرد إسقاط من الصدر وكل شفيع خبر له، ولو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة أو اثنتين طولب بالبيان فإن مات قبله طلقت واحدة في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف وهو قول محمد وهو الصحيح لأنه وقع الشك في الثانية فلا يقع بالشك.

وفي (المحيط) لو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة للسنة طلقت اثنتين للسنة في كل طهر واحدة، بخلاف ما لو قال: ثلاثًا بوائن إلا واحدة حيث يقع بائنتان، ولو قال اثنتين إلا واحدة بائنة وقعت واحدة رجعية إلا أن ينوي بالبائنة الاثنتين، ولو قال: أنت طالق اثنتين إلا واحدة البتة وقعت بائنة والله الموفق بمنه ويمنه.

تتمة: اعلم أن الأصل أن المستثنى إذا وصف بما يليق بالمستثنى يجعل صفة للمستثنى ويبطل ببطلان المستثنى وإن كان يليق بالمستثنى منه لا غير قيل: يجعل وصفًا حتى يثبت بثبوته تصحيحًا بقدر الإمكان وقيل: يجعل وصفًا للكل تخفيفًا للمجانسة بين المستثنى والمستثنى منه لأنه الأصل ظاهرًا وإن ذكر وصفًا يليق بهما قيل يجعل وصفًا للكل تحقيقًا للمجانسة وقيل للمستثنى منه لا غير لأنه لو جعل للمستثنى بطل هذا إذا ذكر وصفًا زائدًا أو إن ذكر وصفًا أصليًا لا يعتبر أصلاً ويجعل ذكره وعدمه سواء، بيانه أنت طالق اثنتين إلا واحدة بائنة إلا واحدة بائنًا تطلق رجعيًا لأنها لا تصلح صفة للمستثنى منه لا يقال طلقتان بائن بل للمستثنى فبطل ببطلانه، ولو قال: أنت طالق اثنتين البتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة، وكذا أنت طالق اثنتين إلا واحدة البتة تقع واحدة بائنة، لأن البتة لا تصلح للمستثنى لعدم وقوعه بل للمستثنى منه فيجعل صفة للكل والمستثنى منه كأنه قال اثنتين البتة إلا واحدة، ولو قال: أنت طالق ثلاثًا بائنًا إلا واحدة يقع رجعيتان لأن كل منهما وصف أصل للثلاث لا يوجد

ص: 405