الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
منذ بدء الخلق اقتضت إرادة الله عز وجل أن لا يُعبد سواه، فكانت دعوة الرسل متفقة على توحيد الله عز وجل، وعبادته وحده لا شريك له، وعلى هذا أطبقت دعوات الرسل عليهم السلام، فما من رسول إلا دعا أمته إلى توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وقد كان كل نبي يُبعث في قومه خاصة، ولما أراد الله عز وجل أن يكون نبيه محمد صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الناس كافة، معززاً الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، أرسله إلى الناس كافة؛ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1)، ولم تكن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قاصرة على بني آدم، بل تشمل الجن قال تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (2)، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالجن ودعاهم إلى الإسلام، فلا يسع أحدا من الجن والإنس سمع به منذ نبوته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة إلا الإيمان به ومن لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم ويتبع الحق الذي جاء به كتابا وسنة فهو من الخاسرين، وقد قال الله تعالى في شأن تكليف الجن باتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (3)، قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما:"كَانُوا سَبْعَة من جن نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إِلَى قَومهم" وفي قَوله: فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إِلَى قَومهم دليل على أَنه كَلمهم بعد ذَلك (4)، وَلهذَا {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (5)، وكان سبب صرفهم إليه صلى الله عليه وسلم
(1) الآية (28) من سورة سبأ.
(2)
الآيتان (1، 2) من سورة الجن.
(3)
الآية (29) من سورة الأحقاف ..
(4)
آكام المرجان في أحكام الجان 1/ 69.
(5)
الآيتان (30، 31) من سورة الأحقاف.
منعهم من استراق السمع، وقد قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْحَجُونِ، وفي رواية بوادي نخلة قرب الطائف، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما:"إن النفر الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جن نَصِيبِينَ (1)، أتوه وهو بِنَخلَةَ"، ومن هنا نقول: لن يحصل اجتماع الأمة المحمدية إلا على منهج الكتاب والسنة، فالله تعالى يقول:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2)، ولا خلاص للأمة من نكباتها والمخاطر المحيطة بها إلا بالوحدة على منهج الكتاب والسنة، اعتقادا بوحدة المعبود عز وجل، وعملا بوحدة المتبوع صلى الله عليه وسلم، ووحدة المنهج وذلك بالعمل بالكتاب والسنة، هذه الأسس الثلاثة لا تقوم وحدة الأمة المحمدية إلا عليها، ومن رام غير هذا فإنما يبحث عن سراب، ومن هنا وسمنا كتابنا هذا بـ "الهادي والمهتدي" فالهادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقصد هداية التوفيق فهذه خاصة برب العزة والجلال، يمنحها من يشاء من عباده، قال تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (3)، فالهداية المنفية عنه صلى الله عليه وسلم هي هداية التوفيق، والذي نقصده هداية الدلالة والإرشاد وقد أثبتها له ربنا جل وعلا، فقال:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (4)، ولا نشك في أن رحمة الله بهذه الأمة هي السمة البارزة في هذا الدين، فقد جاء الرحمة المهداة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، رسولا للعالمين ورحمة لهم، قال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (5)، أثنى على ربه عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم أثنى على ربه، وأنا مثن على ربي قال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس، بشيرا ونذيرا، وأنزل عليَّ الفرقان فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي وسطا، وجعل أمتي هم الأولون وهم
(1) مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام (معجم البلدان 5/ 288) وانظر: الطبري 12/ 170.
(2)
من الآية (103) من سورة آل عمران ..
(3)
الآية (56) من سورة القصص.
(4)
من الآية (52) من سورة الشورى.
(5)
الآية (107) من سورة الأنبياء.
الآخرون، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحا خاتما» (1)، ومن رحمة الله للأمة المحمدية، أن أذاب الفوارق بين المؤمنين، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2)، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (3)، وقال صلى الله عليه وسلم:«يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى» (4)، ولئن كان التفاضل بين الناس عربا وغير عرب مزية اجتماعية يحسب لها حسابها، فقد مقتها الإسلام في الأمة المحمدية، وأرسى قاعدة «كلكم لآدم» كما في الحديث السابق، ومن رحمة الله للأمة المحمدية أن رحمته سبقت سخطه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي» (5)، ومن رحمة الله بالأمة المحمدية أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، لأن العبد مهما عمل من الخير، ومهما عُمّر في ذلك، فلن يوازي شكر نعمة واحدة من نعم الله عليه، والله غني عن ذلك كله، فكانت رحمته أوسع لعباده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لن يُدخِل أحداً عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بفضل ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا» (6)، ومن رحمة الله بالأمة المحمدية أن الشريعة الإسلامية بنيت على اليسر، ورفع الحرج يقول الله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (7)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله يحب الرفق في الأمر كله» (8)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «دعوني ما تركتكم،
(1) الطبري 14/ 437 ..
(2)
من الآية (10) من سورة الحجرات.
(3)
الآية (13) من سورة الحجرات.
(4)
أحمد حديث (23489).
(5)
أخرجه البخاري، حديث (7422).
(6)
أخرجه البخاري، حديث (5673).
(7)
الآية (185) من سورة البقرة ..
(8)
أخرجه البخاري، حديث (6024).
إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1)، وكلما أتاه مستفتٍ يوم النحر في منى قال:«افعل ولا حرج» قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "إن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم النحر إذ قام إليه رجل فقال: كنت أحسب - يا رسول الله - كذا وكذا قبل كذا وكذا، ثم قام آخر فقال: يا رسول الله، كنت أحسب كذا وكذا، لهؤلاء الثلاث"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«افعل ولا حرج» (2)، لهنَّ كلِّهنَّ يومئذ، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال:«افعل ولا حرج» والنصوص في هذا الباب كثيرة يكفي منها ما ذكرنا، كل هذا من أجل الرفق بالأمة المحمدية، وتجنيبها الغلو في العبادة، فضلا عن الغلو في الأشخاص، مهما كان فضلهم وصلاحهم.
أما المهتدي: فقد قصدنا به كل من آمن بالله ربا فوحَّده في العبادة، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا فوحَّده في الاتباع، وبالإسلام دينا فوحَّد الكتاب والسنة وجعلهما أُسَّ العمل في كل شؤن الحياة، من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، وأول هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يخرجوا عن العمل بكتاب الله عز وجل وسنة معلمهم الهدى صلى الله عليه وسلم، وقصدنا ضمنا الباحث عن الحق الراغب في الاهتداء.
المؤلف
(1) أخرجه البخاري، حديث (7288) ومسلم، حديث (1337).
(2)
أخرجه البخاري، حديث (6665).